
هل يملك ترامب صلاحية رفع العقوبات… أم أن للكونغرس رأياً آخر؟
أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا صدمة إقليمية ودولية، إذ أنهى بذلك حقبة طويلة من العزلة الاقتصادية والعقوبات الأميركية التي شلّت قطاعات حيوية في سوريا منذ أكثر من عشر سنوات.
وبينما رحّبت دمشق ودول عربية عدة بالخطوة، فإن التساؤلات بدأت تتصاعد حول ما إذا كان هذا القرار كافياً وحده لإحداث تغيير فعلي على الأرض، وما مدى قدرة ترامب على ترجمة الإعلان إلى إجراءات قانونية فعّالة تتيح لسوريا العودة إلى الأسواق العالمية.
بنية العقوبات الأميركية على سوريا: هل يملك ترامب القرار فعلاً؟
تتنوع العقوبات الأميركية على سوريا بين تلك التي فُرضت بأوامر تنفيذية صادرة عن الرئاسة الأميركية، وتلك التي أُقرّت بقوانين من الكونغرس مثل قانون قيصر، بالإضافة إلى تصنيفات تتعلق بالإرهاب.
الأوامر التنفيذية يمكن للرئيس إلغاؤها بمرسوم فوري، مثل الأمر التنفيذي رقم 13894 الذي استهدف قطاعات الطاقة. أما القوانين الصادرة عن الكونغرس مثل قانون قيصر وقانون محاسبة سوريا، فهي لا تُلغى إلا بتصويت من الكونغرس.
لكن في الوقت نفسه، تتضمن جميع القوانين التي أُقرّت في الكونغرس الأميركي بنوداً تمنح الرئيس سلطة تعليق تنفيذ العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي، ما يعني أن ترامب لديه القدرة على تعليق هذه العقوبات لكنه لا يملك سلطة إلغائها. وهذا يعني أيضاً أن الرئيس الأميركي القادم يمكنه إعادة تفعيلها.
لذلك، من المتوقع أن تعمل الجالية السورية في أميركا، على الفور، بالضغط لإلغاء جميع هذه القوانين التي تستهدف الاقتصاد السوري، لكنها بالتأكيد ستواجه صعوبات كبيرة، خاصة مع اللوبي الإسرائيلي القوي.
وبالنسبة لقائمة الإرهاب، حيث تتواجد فصائل وشخصيات عديدة منها أحمد الشرع الرئيس السوري نفسه، فإن وزير الخارجية الأميركي يمكنه شطب أسماء شخصيات أو كيانات منها خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً. أما شطب سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فيتطلب إخطار الكونغرس ومنحه مهلة 45 يوماً للاعتراض، وفي حال لم يعترض يُشطب الاسم مباشرة.
وباختصار، يملك الرئيس الأميركي صلاحيات واسعة لتعليق تنفيذ معظم العقوبات، حتى تلك التي أُقرّت بقوانين. فكل من قانون قيصر ومحاسبة سوريا يحتويان على بنود استثناء رئاسي، تتيح للرئيس تعليق تطبيق العقوبات إذا رأى أن ذلك يخدم الأمن القومي الأميركي.
بالتالي، لا يحتاج ترامب إلى انتظار تصويت جديد في الكونغرس كي يخفف أثر العقوبات على سوريا، بل يمكنه تعطيل تنفيذها فوراً عبر أوامر إدارية، مع الاكتفاء بإخطار الكونغرس لاحقاً.
الموقف الأوروبي: من الشك إلى الترحيب
في تحوّل لافت، بدأت الدول الأوروبية بالتراجع عن سياسة العقوبات على سوريا. فقد أعلنت بريطانيا رسمياً عن رفع عقوباتها، وتبعتها دول أخرى بشكل تدريجي. كما زار الرئيس السوري أحمد الشرع العاصمة الفرنسية باريس والتقى الرئيس إيمانويل ماكرون، في خطوة عكست انفتاحاً سياسياً غير مسبوق منذ عام 2011.
هذا التحول في الموقف الأوروبي يُخفف الضغط الدولي على إدارة ترامب، ويُظهر أن الإجماع الغربي حول معاقبة سوريا قد انهار فعلياً، وبدأت دول أوروبا تتعامل مع دمشق كحكومة قائمة يمكن الانخراط معها سياسياً واقتصادياً.
هل تمنع روسيا والصين رفع العقوبات الدولية على سوريا؟
رغم أن العقوبات الأممية التي أُقرّت في مجلس الأمن ضد سوريا ما تزال سارية المفعول، فإن إزالتها ستحتاج وقتاً وإجماعاً دولياً، لا سيما من الدول دائمة العضوية، وهنا لا يمكن رفعها إلا بقرار من مجلس الأمن، إلا أن المؤشرات الحالية توحي بأن روسيا والصين لن تُعارضا ذلك في حال طُرح رسمياً، فكلا البلدين يسعيان إلى تعزيز علاقاتهما مع دول الخليج وتركيا، ولا يرغبان في الدخول بمواجهة تُعطل الانفتاح على دمشق.
روسيا تعتمد بشكل خاص على علاقتها الإستراتيجية مع تركيا في ملفات مثل الطاقة والأمن، كما تسعى إلى جذب استثمارات خليجية في ظل الحصار الغربي عليها. أما الصين، فمشاريعها التجارية الكبرى في الخليج تجعل من مصلحتها تسهيل مسار الاستقرار في سوريا.
الضغط الإسرائيلي: العقبة الأبرز أمام التحول
تبقى إسرائيل الطرف الأكثر توجساً من رفع العقوبات عن سوريا، إذ تخشى أن يؤدي ذلك إلى تعزيز موقع دمشق إقليمياً، وعودة نفوذها في الجبهة الجنوبية.
اللوبي الإسرائيلي القوي جداً في واشنطن قد يسعى لعرقلة خطوات التنفيذ عبر الضغط على الكونغرس أو وزارة الخزانة، لا سيما في ما يتعلق بملفات مثل شطب هيئة تحرير الشام أو إعادة تأهيل المصارف السورية. وبالتأكيد ستقوم بكل ما يمكنها في سبيل الإبقاء على العقوبات، بما يخص التكنولوجيا العسكرية والتسليح.
ماذا يعني رفع العقوبات للسوري العادي؟
قد يبدو الحديث عن رفع العقوبات مسألة سياسية، لكنه يُترجم مباشرة إلى حياة الناس. فالسوري اليوم لا يستطيع شراء منتجات من متاجر عالمية مثل Amazon أو Apple باستخدام بطاقة ائتمان صادرة من سوريا، كما لا يمكنه الاشتراك في منصات رقمية مثل Netflix أو Zoom.
ولكن إذا رُفعت العقوبات المالية وأُعيد ربط البنوك السورية بشبكة الدفع العالمية (SWIFT)، فإن ذلك قد يُتيح استخدام البطاقات الدولية خلال فترة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر، بشرط أن تبادر المصارف السورية إلى إصدار بطاقات جديدة وتهيئة بنيتها التقنية.
أما على صعيد التكنولوجيا، فإن القيود المفروضة على متاجر التطبيقات مثل Apple Store وGoogle Play تمنع الهواتف في سوريا من تحميل بعض التطبيقات أو تحديث نظام التشغيل. ويمكن أن يُرفع هذا الحظر خلال أسابيع قليلة بمجرد أن تتلقى هذه الشركات إشعاراً من وزارة الخزانة الأميركية أو من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC).
وفي ما يخص التحويلات المالية، فإن الحوالات اليوم تصل بطرق غير رسمية عبر مكاتب تحويل فردية أو وسطاء. أما في حال رُفع اسم المصرف المركزي السوري من القائمة السوداء، فإن الحوالات المصرفية الرسمية من الخارج قد تعود خلال أقل من شهر.
أثر القرار على الاقتصاد السوري
رفع العقوبات سيُعيد سوريا تدريجياً إلى النظام المالي العالمي، ما يفتح الباب أمام الاستيراد والتصدير القانوني، ودخول الاستثمارات الخليجية، وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي. كما سيساعد في استقرار سعر الصرف، وخفض أسعار السلع الأساسية.
لكن تحقيق ذلك مرتبط بسرعة تنفيذ القرار، وثقة السوق بجدية واستمرارية الانفتاح. أي تأخير أو تراجع في التنفيذ قد يُبقي الاقتصاد في حالة شلل.
خلاصة وتوقعات: هل نحن أمام لحظة تحوّل؟
قرار ترامب رفع العقوبات ليس مجرد خطوة سياسية، بل قد يكون نقطة تحوّل مفصلية في إعادة تأهيل سوريا دولياً. الرئيس الأميركي يملك فعلياً مفاتيح التنفيذ، ويمكنه تحقيق نتائج ملموسة في أقل من شهر، خاصة في الملفات المالية والتقنية.
لكنّ المسار لا يخلو من العقبات، أبرزها الضغط الإسرائيلي، والبيروقراطية الداخلية الأميركية، وتردّد بعض الشركات العالمية. ومع ذلك، فإن توافق الموقف الأوروبي مع الأميركي والعربي، ومرونة روسيا والصين، يعطيان دفعاً قوياً نحو اختراق الحصار المستمر منذ عقد.
إذا استمر المسار الحالي دون انتكاسات، فقد يبدأ السوريون بلمس آثار هذا الانفتاح خلال أسابيع قليلة.