الأمومة والرضاعة الطبيعية في سوريا: تحديات بين الفقر والنزوح
تعدّ الأمومة من أروع المراحل التي تمر بها النساء، وينتظرنها بلهفة وحب. إلا أن الظروف القاسية التي شهدتها سوريا طوال 14 عاماً جعلت هذه المرحلة مليئة بالأعباء، ولم تعد مقتصرة على الحمل وولادة الطفل وتربيته، بل أصبحت تحدياً حقيقياً في ظل الحرب والنزوح والفقر.
تتلقى النساء العديد من النصائح عند الإقبال على الأمومة، منها ما يتعلق بصحتهن ومنها بما يخص سلامة الجنين، إلا أن الكثير من هذه الإرشادات يبقى نظرياً عند العجز عن تطبيقه بسبب الظروف النفسية والمعيشية والاقتصادية والصحية.
الرضاعة الطبيعية بين الواقع والأزمة
ومن الإرشادات التي بات من الصعب تطبيقها، أو لم تعد خياراً متاحاً، الرضاعة الطبيعية، إذ تراجعت معدلاتها في سوريا خلال الفترات الأخيرة، مما جعل الأطفال معرضين لخطر الإصابة بسوء التغذية، وفق تقارير أممية حديثة.
وصار الأطفال بحاجة إلى الحليب الصناعي المتوفر في آلاف الصيدليات، لكن ثمنه لا يتناسب مع قدرات العائلات، خاصة تلك التي تعاني فقراً مدقعاً، ليضاف عبء جديد إلى قائمة الاحتياجات الأساسية.
60% من الأطفال محرومون من فوائد الرضاعة الطبيعية
وأشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" من خلال تقرير صدر بمناسبة أسبوع الرضاعة الطبيعية العالمي، في 3 آب/أغسطس 2025، إلى أن 60% من الأطفال في سوريا لا يحصلون على الفوائد الصحية للرضاعة الطبيعية.
وأضافت، أن أربعة من كل عشرة أطفال في سوريا يرضعون طبيعياً في الأشهر الستة الأولى، بينما نسبة الأطفال الذين يتابعون الرضاعة حتى عمر السنتين لا تتجاوز 35%.
وأكدت "يونيسف" أن سوء التغذية أصبح يشكل تهديداً بالغ الخطورة على الأطفال السوريين، حيث يعاني طفل من كل أربعة دون سن الخامسة من قصر القامة بسبب سوء التغذية المزمن، بينما يعاني 5.8% من الأطفال من الهزال الشديد، ما يعرّض حياتهم لخطر مباشر.
شهادات من أرض الواقع
تقول جنان العمر، مواطنة من ريف حماة الشمالي: "تزوجت وأنجبت أطفالي الثلاثة خلال سنوات النزوح. عانيت من الفقر، فلم أكن أتغذى جيداً خلال الحمل وحتى بعد الولادة، ولم يكن حليبي كافياً لتغذية الوليد، فاضطررت إلى استخدام الحليب الصناعي، لنواجه نفقات أخرى، ونضطر لاستدانة المال من الآخرين".
وتروي أحلام الحسين، سيدة نازحة من ريف إدلب الجنوبي، "حصلت معي العديد من القصص امأساوية مؤخراً، توفي والدي بسبب القصف، وسافرت أمي إلى تركيا، وبقيت وحيدة مع زوجي، عندما أنجبت طفلتي رؤى لم تكن تشبع من حليبي، وأخبرني الطبيب أنها بحاجة لحليب صناعي".
تتابع: "كنت أمضي وقتي بالتنقل بين الصيدليات عساني أجد عبوة حليب رخيصة تتناسب مع النقود المتوفرة معي، إلا أنها جميعها غالية الثمن، مما جلعني أشتري في أسبوع وأمتنع عن الشراء في أسبوع آخر، وكلما بكت ابنتي من الجوع، كنت أشعر بالأسى عليها، وبتأنيب الضمير لأنني ولدتها ضمن هذه الظروف".
يؤكد مراقبون أن هذه المشكلة تحتاج إلى تعزيز الدعم الغذائي للأمهات والأطفال من قبل المنظمات الإنسانية عبر توفير الحليب الصناعي المدعوم، وإنشاء مراكز صحية تقدم خدمات مجانية، وتوزيع طرود غذائية ومكملات، إلى جانب تشجيع الرضاعة الطبيعية من خلال حملات توعية.