قلوب أحرقتها الحرب.. خسرتُ خطيبي بسبب المجرم بشار
قلوب أحرقتها الحرب.. خسرتُ خطيبي بسبب المجرم بشار
● تقارير إنسانية ٦ مايو ٢٠٢٥

قلوب أحرقتها الحرب.. خسرتُ خطيبي بسبب المجرم بشار

قبل ثمانية سنوات، في قريتنا الصغيرة، كان هناك شاب مختلف. لم يكن بيني وبينه حديث، لكن حضوره كان واضحاً. كان محترماً، متديّناً، خلوقاً. ومع الوقت، بدأت أُعجب به بصمت، دون أن أُخبر أحداً. وفي يوم، جاء وتقدّم لخطبتي بشكل رسمي. شعرت أنني محظوظة؛ ففيه من صفات الرجولة والصدق ما يطمئن القلب. وافق أهلي، وتمت قراءة الفاتحة.

كانت المناسبة بسيطة، بلا احتفال ولا زينة، احتراماً لأهالي القرية الذين لا يزالون يدفنون أبناءهم، وبسبب واقع الحرب التي جعلت الفرح يبدو شيئاً غريباً. مرت عشرة أيام فقط بعد قراءة الفاتحة، وكنا نعيش أجمل لحظات الأمل، نتحدث عن البيت، عن تفاصيل الزواج، عن كيف سنبدأ وسط هذه الفوضى... ثم وقعت الغارة. 


طائرة حربية قصفت منتصف القرية. لم تكن هناك اشتباكات، ولا مواقع عسكرية، فقط بيوت ومارة ومحالّ. كان في محلّه الصغير، حين سقط الصاروخ. استُشهد في مكانه.

وصلني الخبر وأنا مع صديقاتي في مدينة إدلب كنا ندرس في الجامعة حينها، لم أبكِ كثيراً. لم أصرخ. فقط شعرت أن شيئًا داخلي توقف عن الحياة. بالبداية لم أستوعب فقبلها بيوم واحد كنت أتحدث معه عن طريق الواتساب ونخطط لحفلة عقد القران، عدت فوراً إلى قريتنا. 


استقبلت العزاء بوجه هادئ، لكن قلبي كان محطماً، كم تمنيت أن يكون كابوساً وسوف أصحي منه بأي لحظة، لكنها كانت حقيقة مرة. بقيت أيام العزاء كما هي، ثم انتظرت حتى انتهت الفترة، وجمعت كل شيء: الخاتم، الهدايا، المصوغات. ثم أعدت الأغراض لأمه، لأنها لم تعد من حقي، كي لا يزيد ألمي عندما أراها.

حين سلّمتها لها، انهارت. لم تبكِ كثيراً في العزاء، لكنها حين رأت أغراضه، انفجرت. لم تتحمّل أن تلمس شيئًا من بقاياه. كانت تردّد: "كان حلم عمري شوفه عريس"، غادرت على الفور قبل أن أنهار أنا الأخرى، ثم عشت بعده سنتين في فراغ صامت. كنت أدرّس الأطفال، أساعد أمي، أُشغل نفسي بدراستي، وأهرب من الليل حين يبدأ كل شيء في داخلي بالضجيج.

ثم جاء شاب آخر، طيب ومحترم، وتزوجته. لم أُظهر له أي تفاصيل من الماضي، احتراماً له. لم أُخبره، وهو لم يسأل لأنه كان يعلم أنني كنت مخطوبة سابقاً. صمت متبادل فيه كثير من التقدير. لم يكن بديلاً، لكنه كان بداية جديدة.

الحرب لم تسرق فقط بيوتاً أو أحلاماً. لقد سرقت قلوباً ذاقت الألم، وانكسرت ولم تعد كما كانت. كل واحد خسر شيئاً. البعض عوّض، والبعض تجاوز، لكن بعض الخسارات تبقى كظلّ لا يغادر. بعد ثماني سنوات، اسمه ما زال في قلبي. ليس كجرح، بل كأثر. لم يعد وجعاً حياً، لكنه صار ذكرى صامتة، لا تزول.

كم أتمنى أنا وغيري رؤية المجرم بشار الأسد على أعواد المشانق، وتنتفض من وجهه ملامح الرعب والخوف، ذلك الكأس الذي لطالما شرب منه السوريين بسببه، ربما أشعر بالرضى بأن حق خطيبي السابق لم يذهب سدى.

الكاتب: سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ