
هربت من الحرب في سوريا فماتت تحت أنقاض الزلزال
لا تغيب عن بالي صديقتي ريحانة، كانت فتاة مفعمة بالحيوية حين نزحت من حمص وجاءت إلى قريتنا في عام 2012. كانت حزينةً، ومثقلةً بالفقد، بعد أن اضطرت لمغادرة المدينة التي أحبتها وترعرعت فيها. كانت فتاة لطيفة ولها من اسمها نصيب.
بعد عام واحد من نزوحها من حمص، عُقد قرانها على ابن عمها، وكانت فرحتها لا توصف بزواجها من الشخص الذي أحبته. في العام التالي، 2013، هاجرت إلى تركيا هرباً من القصف وأهوال الحرب، وبعد سنة واحدة رُزقت بطفلتها الأولى.
عاشت هناك أكثر من عشر سنوات، لم تستطع خلالها أن تعود، لا زيارة ولا إجازة. قبل وقوع زلزال شباط عام 2023، كانت حاملاً بطفلها الثاني بشهرها التاسع، الذي ظلّت تنتظره سنوات، إذا صادفت مشاكل طبية كانت تمنعها من الحمل خلال السنوات الماضية، جعلتها تنتظر وترتاد المراكز الطبية بشكل دوري.
كانت سعيدة جداً بالحمل الجديد، وكانت كلما اشترت قطعة من ملابس الطفل المرتقب، ترسل لي صورها لتأخذ رأيي. كانت تنتظر لحظة الولادة بفارغ الصبر، تلك اللحظة التي تحتضن فيها طفلها بعد طول انتظار.
وقبل الزلزال بأيامٍ قليلة، كنا نتواصل كالمعتاد. كانت متحمسة، مشعة بالأمل، فرِحةً بالطفل الذي طال انتظاره. ثم جاء اليوم المشؤوم، في السادس من شباط عام 2023، ضرب زلزالٌ مدمّر سوريا وتركيا. كان يوماً مرعباً، ضاعت أخبار العائلات في مناطق من سوريا وتركيا.
انهار المبنى الذي كانت تسكن فيه ريحانة في كهرمان مرعش. نجا زوجها ووالد زوجها من تحت الأنقاض، لكن ريحانة وحماتها، بقين عالقات تحت الركام. ثلاثة أيامٍ كاملة، 72 ساعة من الصمت، لا خبر ولا صوت. حاولتُ التواصل مع أهلها في سوريا، لكنهم كانوا قد بدأوا يفقدون الأمل، فالوقت يمضي، والنفَس مقطوع، وكل من يُنتشل بعد هذه المدة يكون غالباً قد فارق الحياة.
وفي اليوم الثالث، أخرجوها من تحت الأنقاض، كانت ريحانة قد فارقت الحياة، هي وحماتها. وقع الخبر علينا كالصاعقة، أما والدتها، التي لم ترها منذ أكثر من عشر سنوات، فقد كانت في حالٍ يُرثى لها. لم يتحمل قلبها هذا الفقد، وهي التي كانت تحلم باحتضان ابنتها من جديد.
ريحانة، التي طالما خافت من الطيران الحربي، وكانت تمضي أيامها مختبئة في الكهوف التي حفرها الأهالي في أرياف إدلب لاستخدامها كملجأ للاختباء من القصف، رحلت بطريقة لم تخطر ببالها يوماً. هربت من الموت في سوريا، وصبرت في تركيا عقداً من الزمن، لتموت تحت أنقاض زلزال لم نكن نتوقعه، ماتت ريحانة هي ومولودها الذي في بطنها.