كشفت وكالة “رويترز” في تقرير حصري، أن الولايات المتحدة أعطت موافقتها المبدئية لخطة تقدّمت بها القيادة الجديدة في سوريا، تقضي بدمج آلاف المقاتلين الأجانب السابقين في صفوف “هيئة تحرير الشام” ضمن تشكيل جديد في الجيش السوري، تحت اسم “الفرقة 84”، وذلك شريطة تنفيذ الخطة بشفافية تامة.
ونقل التقرير عن توماس باراك، السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سوريا، قوله من دمشق: “يمكنني القول إن هناك تفاهماً، بشرط الشفافية”، مضيفاً أن إبقاء هؤلاء المقاتلين ضمن مشروع دولة هو أفضل من استبعادهم، لاسيما وأن العديد منهم “مخلصون جداً” للإدارة السورية الجديدة.
الخطة: تفكيك هيئة تحرير الشام ودمج الأجانب
بحسب ثلاثة مسؤولين في وزارة الدفاع السورية، فإن الخطة تتضمن تجنيد نحو 3500 مقاتل أجنبي، غالبيتهم من الأويغور القادمين من الصين ودول مجاورة، ليشكّلوا نواة الفرقة 84 إلى جانب مقاتلين سوريين.
وتُعد هذه الخطوة تحوّلًا كبيرًا في سياسة دمشق وواشنطن تجاه المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الحرب ضد نظام بشار الأسد ضمن صفوف فصائل متشددة، خصوصًا “هيئة تحرير الشام” التي كانت فرعًا من تنظيم القاعدة قبل أن تنفصل عنه عام 2016.
وكانت الولايات المتحدة قد طالبت، حتى بداية شهر أيار الماضي، باستبعاد هؤلاء الأجانب من أي تشكيل أمني أو عسكري في سوريا، لكنّ زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط الشهر الماضي، والتي شملت الرياض ولقاءه بالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، غيّرت الموقف الأميركي جذريًا.
حجج دمشق: إبقاء الجهاديين في الداخل أفضل من تركهم لتنظيم الدولة
مصادر مقرّبة من وزارة الدفاع السورية أكدت لـ”رويترز” أن الرئيس أحمد الشرع وفريقه طرحوا على الغربيين فكرة أن دمج المقاتلين الأجانب في الجيش وتحت إشراف الدولة، يقلّل من المخاطر الأمنية، مقارنة بإهمالهم أو طردهم، ما قد يدفعهم إلى الالتحاق مجددًا بتنظيمات مثل “داعش” أو “القاعدة”.
ويُعد مصير هؤلاء المقاتلين من أبرز العوائق أمام تطبيع العلاقات مع الغرب، بعد سقوط نظام الأسد، خاصة في ظل القلق من إعادة تموضعهم في الساحة السورية تحت رايات متطرفة.
قلق صيني من دور الأويغور.. و”الحزب التركستاني” يذوب في الجيش السوري
من جانبها، أعربت الصين عن قلقها إزاء الدور الجديد للمقاتلين الأويغور المنضوين سابقاً في “الحزب الإسلامي التركستاني”، الذي تصنّفه بكين منظمة إرهابية.
وقال متحدث باسم الخارجية الصينية: “نأمل أن تعارض سوريا كل أشكال الإرهاب والتطرف، استجابةً لمخاوف المجتمع الدولي”.
لكنّ أحد المسؤولين في الحزب التركستاني، عثمان بُغرا، قال لـ”رويترز” إن الجماعة “حُلّت رسميًا” وتم دمجها في الجيش السوري الجديد. وأضاف أن مقاتليها أصبحوا تحت إشراف وزارة الدفاع بالكامل، ويلتزمون بالسياسة الوطنية السورية دون أي ارتباطات خارجية.
مناصب عليا للجهاديين السابقين تثير قلق الغرب
وكانت دمشق قد عيّنت عدداً من القادة الأجانب السابقين في “هيئة تحرير الشام” في مناصب رفيعة داخل المؤسسة العسكرية في شهر كانون الأول الماضي، مما أثار تحفظات كبيرة في العواصم الغربية، قبل أن تهدأ هذه المخاوف عقب لقاء ترامب والشرع في الرياض.
وأوضح التقرير أن منح الجنسية السورية لهؤلاء المقاتلين، وتعيينهم في مواقع رسمية، لا يتم بشكل عشوائي، بل بعد “تصفيات أيديولوجية” صارمة، وفق ما قاله عباس شريفة، الخبير بالجماعات الجهادية والمقيم في دمشق. واعتبر شريفة أن استيعابهم في الجيش يضمن تحييدهم عن الجماعات المتشددة، ويحرم “داعش” من فرصة استقطابهم.
هذه الخطوة تعكس مقاربة سورية جديدة لتفكيك المجموعات الجهادية عبر الاحتواء بدل المواجهة المباشرة، وتحوّلًا لافتًا في الموقف الأميركي بعد عقود من المقاطعة والعقوبات. لكن مستقبل هذه السياسة يبقى رهنًا بمدى قدرة دمشق على ضبط هؤلاء المقاتلين ضمن إطار وطني فعلي، لا ضمن تسويات مؤقتة قد تنقلب في أي لحظة.
وفي المقابل، يواجه التحالف السوري الجديد تحديًا جيوسياسيًا في كيفية طمأنة الدول الكبرى، لا سيما الصين، بأن تجربة دمج الأويغور لن تتحول إلى “شرارة مؤجلة” في صراع إقليمي جديد.