استجاب نظام بشار الأسد في سورية لمطلب ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، أن يكون قويا، فتوسّل الكيمياء سبيلا في ذلك، عن خبرةٍ سابقةٍ في إحداث الترويع الدالّ على هذه القوة، ولكن، على ناسٍ آمنين. وفي هذا، يُحافظ على مواظبته المعهودة في الحرب التي يشنّها على الشعب السوري، منذ سبع سنوات، مطمئنا تماما للمألوف الذي اعتاد عليه، أي الثرثرة اللفظية التي تمارسها بعض الوقت وزارات الخارجية في واشنطن وباريس ولندن وغيرها، في إدانة جريمة الإبادة، ثم يجري العبور إلى مستجدّاتٍ أخرى، إلى أن تطرأ جريمةٌ تاليةٌ من اللون نفسه، يُردُّ عليها بثرثراتٍ مثيلة، ومن المعجم نفسه، وهكذا دواليك.. لم ترم قوات الأسد الغازات السامّة، الكلور وغيره، على من لاذوا بالأقبية من الصواريخ الروسية، المحمّلة بقنابل عنقودية، كما ذكرت أخبارٌ غير مغرضة، إلا لأن المستوى السياسي الحاكم في دمشق على ثقةٍ فادحةٍ بأن هذا مرخّصٌ له، إذ لم يُعاقَب بغير تعليقاتِنا، نحن الكتاب والصحافيين والمتحدثين في الفضائيات، غاضبين ومندّدين بصمت المجتمع الدولي، وغير ذلك من كلامنا التقليدي برطانته إياها.
لم يقتل جيش الأسد نحو مئتين من أهل دوما، ويخنق مئاتٍ آخرين، بغازي الكلور والسارين وغيرهما، ثم يستأنف رمي البراميل المتفجرة والصواريخ، فقط لأن "جيش الإسلام" يرفض صيغةً مطروحةً لرحيل عناصر منه عن المنطقة، ولأن سلطة الفتك الحاكمة، وحليفيها الإيراني والروسي، يريدون إنجازا ميدانيا محدّدا على الأرض، بل إلى الأمرين ليعرف السوريون، في كل مطرح، في الداخل والخارج، ومعهم كل العالم، أن عدو هذه السلطة ليس من يناهضها أو يقاومها فحسب، وإنما أيضا من لا يلهج بنعمة العيش في فيئها وظلها. ليس مطلوبا فقط من السوري أن يعرف مصلحته، فلا يزاول ثورةً أو احتجاجا على النظام أو تبرّما منه، وإنما أن يصبح مولعا بالأسد، وأن يُشهر ولعه هذا، وأن ينطق محيّاه بالحبور الذي يغشاه، تعبيرا عن فائض السعادة الذي يرفلُ فيه تحت جناح آل الأسد. تدلّ فعلة النائب المنحطّ الذي قايض عبوات ماءٍ لناسٍ عطاشى في الغوطة بالهتاف بمحبّة بشار الأسد على ما ينكتب هنا. ولكن، لأن أهل الغوطة، وملايين من السوريين ليسوا مستعدّين لأن يفعلوا هذا السخف، فهم مخيّرون بأن يموتوا بالكيماوي أو بغيره، بأن يُختطفوا في الزنازين أو يهاجروا. وعندما يهاجرون، فإن سورية تكسب مجتمعا متجانسا، بحسب قول الأسد غير مرة. ولصفاءٍ أكثر لهذا المجتمع، تصير أملاك المهاجرين الغائبين في مهبّ المصادرة، اقتداءً بما فعل نظام الاحتلال الإسرائيلي العنصري في إسرائيل.
عيون الأطفال غير المحدّقة في أي شيء، الأجساد المرميّة كيفما اتفق، والرّوع المهول الذي ينطق به صمت الذين أماتهم غاز الكلور وما شابه، الليلة قبل الماضية في دوما، كما مرّت مشاهد هذا كله وغيره قدّامنا في صور عابرةٍ على غير شاشة، أي مجازٍ، في لغات الأرض كلها، في وسعه أن يقع على التعبير الأدقّ عنها، وعن فظاعة المذبحة المخيفة هاته؟ لم تنفع كل المجازات والبلاغات والاستعارات التي استُعين بها في استفظاع نوباتٍ أسديةٍ سابقة في مزاولة عقاب السوريين بالكيماوي، في جائحة الغوطة الأولى في 2013، وفي خان شيخون قبل عام، وما بينهما. وعندما لا تفعل السياسة شيئا لوقف هواية الأسد الكيماوية هذه، وعندما تختنق اللغات كلها، ولا تصيبُ ما يُشتهى أن تصل إليه في لعن فضيحة الإنسان الساطعة، الماثلة في سورية كلها، فإن حال أهل هذا البلد يصبح أصعبَ مما يُظن، وأمرَّ تعاسةً.
يحتاج شعب سورية إلى معجزةٍ ما، تنقذه من الوحوش التي تأكله. أما متى نُفاجأ بها، فذلك ما لا قِبل لأحدٍ أن يحزره.
لم تعد تحسب، ربما، المرات التي استخدم فيها نظام الرئيس السوري بشار الأسد السلاح الكيميائي ضد شعبه، كما لم تؤد كل أشكال التوثيق التي قامت بها منظمات الأمم المتحدة، والمنظمات الأخرى، لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لهذا النظام، ولم تنته دعوات إحالة قادته، وحلفائه الذين يشاركون أو يغطون جرائم الإبادة الجماعية المستمرة في سوريا، إلى المحاكم الدولية المختصة، إلى أي نتيجة حتى الآن.
وكما انتهت خطوط الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الحمراء لحظر استخدام النظام للسلاح الكيميائي في مجرور التاريخ، كذلك هبطت ردود فعل الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، (بعد ضربته اليتيمة المحدودة لمطار الشعيرات بعد قصف بلدة خان شيخون قبل عام بالضبط بغاز السارين) من التهديد للأسد بضربه إذا تجرأ مرة أخرى على استخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه، إلى درجة أن يقرر فجأة، ومن دون سابق إنذار، أن يترك سوريا بأكملها ويرحل بدعوى التكاليف العسكرية الكبيرة التي تتحملها بلاده هناك.
أما لماذا تحسس ترامب جيبه وتضايق من مصاريف جيشه في سوريا ولم يفعل ذلك في العراق أو أفغانستان أو على الحدود مع المكسيك أو في باقي أنحاء المعمورة التي تنتشر فيها القوات الأمريكية، بما فيها دول أوروبية لا تتعرض لتهديد، كألمانيا وبريطانيا مثلا، فهذا لغز من ألغاز السياسة الكبرى، والأمل الوحيد في فهم المسألة، ربما، هو ملاحظة أن المستفيد الأكبر من انسحاب كهذا ستكون روسيا (وحليفها الأسد الكيميائي بالضرورة)، وبعد ربط هذا بالمشهد المعقد لطرد واشنطن عشرات الدبلوماسيين الروس، ومعاقبة بعض المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما تستمر الدلائل تتوالى على تدخل موسكو الكبير في تأمين نجاح ترامب بالوصول إلى سدة الرئاسة، يتبادر للذهن أن سوريا هي التعويض الخفي المقدم لروسيا مقابل اضطرار ترامب لصد الاتهامات ضده حول تدخل روسيا في تنصيبه، وكذلك اضطراره لتصعيد العقوبات ضد الكرملين مجاراة لحلفائه الأوروبيين.
تأتي هذه المرايا المتعاكسة من المواجهات والصفقات الخفية في الوقت الذي يتضامن فيه الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، مع بريطانيا في موضوع الجاسوس الروسي السابق الذي تعرض لتسميم بغاز الأعصاب، وهو الأمر الذي دفع كثيرين للتساؤل عن سبب منطقي يدفع بوتين، وهو على أهبة تسلم عهدة رئاسية جديدة لاتخاذ قرار خطير كهذا، وقد تم طرح هذا السؤال من قبل كثير من المدافعين عن روسيا وبوتين، فما الفائدة، برأيهم، التي سيجنيها القيصر من رفع درجة التوتر والتأهب إلى صيغة حرب باردة جديدة، ثم ألا يمكن أن أمريكا وبريطانيا، كما تقول موسكو، هما من نفذتا العملية الكيميائية لتأليب العالم ضد روسيا ورئيسها القوي؟
ثم، لماذا يقوم الكرملين بمحاولة التخلص من جاسوس «خائن» سابق بسلاح يكشف دور المخابرات الروسية في الأمر؟ أما كان الأفضل أن يتم الاغتيال بالطرق الخفية المتعارف عليها بين أجهزة الأمن في العالم والتي تمنع اكتشاف القاتل ولا تحرض ضده مخابرات الدول التي يتعرض فيها الجواسيس للاغتيال، وهو ما حصل في مرات سابقة حيث غض البريطانيون، وغير البريطانيين، أنظارهم عن عمليات القتل «الناعمة» التي لا تترك بصمات القاتل؟
تذكر قضية تكرار استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي، ولاستخدام المخابرات الروسية للتسميم الكيميائي بتقليد معروف في الروايات البوليسية عن توقيع خاص يختاره القاتل ليكون إبلاغا عن قدراته الكبيرة في القيام بجريمته والإفلات من العدالة.
والحقيقة أن قصف الأسد، الذي أوقع مئات المصابين، وقتل العشرات بالسلاح الكيميائي في مدينة دوما عقابا على عدم استسلامها أول أمس، وكذلك تفسير محاولة اغتيال سيرغي سكريبال، وقبله اغتيال ألكسندر ليتفينينكو بالسلاح الكيميائي أيضا في لندن، إضافة إلى كونه توقيعا خاصا بالقاتل، يمكن أن يفسر تفسيرات عديدة، أحدها يرتبط طبعا بتقاليد الأنظمة الهمجية القديمة التي تعتبر العقاب الوحشي ضد الفرد الخارج على سلطة الحاكم أمثولة موجهة للشعب بأكمله وإعلان عام عن عاقبة التمرد والعصيان.
ما حدث ليلة أمس في مدينة دوما من غوطة دمشق ، شيء خارج تصور العقل في معارك ما بعد الحرب العالمية الثانية ، عندما قصف جيش بشار الأسد المدينة بالأسلحة الكيماوية ، وتعمد إسقاط البراميل الحاملة لغاز السارين والكلور على الأماكن التي يوجد فيها ملاجئ للأطفال والنساء يحتمون بها من الصواريخ والمدفعية ، مما أدى إلى إصابة أكثر من ألف وخمسمائة منهم حوالي مائتي قتيل حتى الآن ، وكانت الفيديوهات التي نقلتها وكالات الأنباء العالمية لصور جثث الأطفال والرغاء الأبيض يخرج من أفواههم وأعينهم مشهد مخيف ويذيب القلوب ، ويستحيل أن يوجد إنسان ـ بقي إنسانا ـ ولا يتحرك قلبه لهذه الوحشية التي يستخدمها الطاغية المجرم بشار الأسد ضد الشعب السوري ، لمجرد أنه طالب الحرية والكرامة.
بابا الفاتيكان مشكورا أبدى استنكاره الشديد للجريمة ، ووصفها بأنها "عملية إبادة غير مبررة ضد سكان لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم" ، وهو اتهام نادر الصدور عن الفاتيكان ، من هول الجريمة وبشاعة الصور الحية التي نقلت للعالم كله ، وكنت أتمنى أن يسبق الأزهر والمراجع الدينية الإسلامية في العالم العربي والإسلامي بابا الفاتيكان في إدانة هذه الهمجية التي يمارسها نظام بشار الأسد الوحشي والذي يبدو وكأنه قادم من ظلام العصور الوسطى مثقلا بإرث كئيب للطائفية المقيتة ، وأما الجامعة العربية وأغلب الحكومات العربية فلا تنتظر منها شيئا ، بل إن بعضها ربما كان سعيدا لأن بشار عندما "يؤدب" شعبه الثائر من أجل الحرية بكل تلك الوحشية ، فإنما يرسل من خلاله الرؤساء العرب رسالة التحذير إلى شعوبهم إن فكرت أن تتمرد عليهم ، أمامكم الدرس فاتعظوا ! .
المؤسف أن قطاعا غير قليل من المؤمنين بالربيع العربي ، وأبنائه والحاملين لحلمه ، ما زالوا غير مدركين لخطورة ما يحدث في سوريا ، وأنه ـ بصورة أو أخرى ـ ينعكس على مسار الربيع العربي في كل مكان ، وبكل تأكيد فإن وحشية بشار الأسد رفعت سقف التكلفة ، فبشار لم يتورع عن إرسال طائراته ودباباته وصواريخه لقصف المدن السورية الثائرة ودمر مستشفيات على رؤوس المرضى ، والمساجد على رؤوس المصلين ،والمدارس على رؤوس التلاميذ ، والمخابز على رؤوس البسطاء الذين ذهبوا يبحثون عن رغيف خبز لأولادهم ، وحاصر المدن والقرى وأخضعهم للموت جوعا أو الاستسلام ، وعند الاستسلام يعقد إعدامات ميدانية بالمئات لشباب تلك المدينة أو القرية ، وتعريض الباقين للذل الذي لا يحدث حتى لأسرى الحروب ، وعندما تستعصي عليه مدينه وترفض الاستسلام بعد كل تلك المذابح ، فإنه يقوم بقصفها بالأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا ، لإجبار ثوارها على الركوع والاستسلام ، كما حدث في دوما ، وما حدث قبلها في حمص وحلب ، هذا مستوى من الوحشية والإجرام غير مسبوق ، بل لم يصل إليه الصهاينة أنفسهم في حربهم على أهلنا في فلسطين ، ويكفي أن نصف شعب سوريا اليوم مهجر ومشرد في أرجاء الدنيا خوفا من بطش الأسد ومخابراته وأجهزة تعذيبه وقمعه .
بشار ليس مجرد ديكتاتور أو مستبد ، فالمستبدون كثر ، هذا طراز مختلف من الوحوش الآدمية ، ديكتاتور دموي لا حد لجرائمه ودمويته ، وخائن لوطنه ، لم يتورع عن أن يستحضر ميليشيات طائفية من العراق وسوريا وأفغانستان من أجل دعمه في حربه على شعبه ، ومكنهم من استباحة كرامة سوريا أرضا وشعبا ، ثم استقدم قوات الحرس الثوري الإيراني الطائفية ومنحها المعسكرات والسلطات الكاملة لبسط سيطرتها على مساحات واسعة من البلاد ، ثم استقدم الروس ومنحهم القواعد والمعسكرات في الساحل وفي بعض المطارات لكي يدعموه في حربه على شعبه ، هذا بخلاف ما تسبب فيه من دخول القوات الأمريكية والفرنسية والتركية إلى سوريا وإقامتها قواعد عسكرية وبسط السيطرة على مدن ومساحات ، هذا الخائن الفاشل ، يحاول بعض العرب اختزال كارثيته في أنه مستبد ، مثل غيره من المستبدين ، هذا تضليل وتسطيح خطير للأمور ، فضلا عن لا إنسانية مثل هذا الموقف الذي يهرب به أصحابه من أي مسئولية أخلاقية تجاه الشعب السوري المستباح .
لا شك عندي أبدا ، في أن الشعب السوري سينتصر في النهاية ، وسيفرض إرادته ، وسينتزع حريته وكرامته ، وسيبني دولة مدنية ديمقراطية هو جدير بها ، فقد دفع الثمن ، أكثر مما دفعه أي شعب آخر ، وعدل الله يأبى إلا أن ينصر هؤلاء المستضعفين ، حتى وإن خذلهم العالم القريب والبعيد ، وشعارهم من البداية كان "مالنا غيرك يا الله" .
لو توفرت فرصة مخاطبة العالم، التي هيأها مجلس الأمن الدولي بكل خبث وتواطؤ لمندوب نظام الأسد، بشار الجعفري، لأي مخلوق، حتى غوبلز، كي ينفث هراءه المسموم؛ لتواضع قليلاً. يريد الجعفري، في خطبته أخيرا أمام مجلس الأمن، أن يحرّر الجولان، في وقتٍ لا يخرج رئيسه من المخبأ إلا بحماية روسية - إيرانية. كَم يتمنى السوريون أن يتحرّر الجولان السوري. المسألة ليست بوعد التحرير المؤجل من نصف قرن، ولا بالاحتفاظ بحق الرد الذي لم يأت ولن يأتي؛ بل بتفريخ الاحتلالات التي لم يولّدها أحد إلا الذين يعدون بالتحرير أنفسهم.
إضافة إلى الجولان، يريد الجعفري أن يحرّر كل شبر من الأرض السورية. وذلك يشمل الشمال الشرقي والجنوب والشمال والوسط السوري من التحالف وأميركا وتركيا وغيرهم. السوريون، والذين يستمعون إلى هذر الجعفري، يعرفون أن الأمكنة الوحيدة التي تستطيع منظومة الاستبداد التي ينتمي إليها الجعفري أن "تحرّرها" هي بيوت السوريين من سكانها. والأمثلة حيّة وكثيرة. أما الشمال والشرق والجنوب، فهذا غير ممكن؛ لأن مَن جلب الاحتلال لا يمكن أن يكون محرِراً.
تماماً كما كانت مساهمة منظومة الاستبداد بإيجاد الإرهاب والتسلُّح به ذريعةً لقتل السوريين، كان استدعاء الاحتلالات. نهاية الإرهاب هي نهاية مشروع القتل بالنسبة للمنظومة. ومن هنا، كان إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نهاية "داعش" مؤلماً للنظام؛ فتراه يعيد حساباته ويتراجع عن إعلان "نصره" في حميميم. هكذا حال الاحتلالات التي يتحدث الجعفري "بغوبلزية" عن إنهائها، وهو يعرف أن نهاية الاحتلالات هي نهاية للمنظومة التي ينتمي إليها. فعلها الخياني هو الذي استدعاها؛ فكيف سيناضل لإخراجها؟!
يعيدنا هذا إلى حديثه عن تحرير الجولان الذي ينطبق عليه الفعل والسلوك الحالي للمنظومة تجاه الاحتلالات، ويدفعنا باتجاه تفسير قصة الجولان واستنتاجها ككل. أليس منطقياً أن يسأل المرء كيف ولماذا كان تسليم الجولان لإسرائيل أساساً؟ وهل كان ذلك غير ثمن لسلطة الأسد الأب في السلطة؟
كل الذين يستمعون إلى الجعفري يعرفون ما يهذر به، والأخطر يعرفون أبعاده. لا يستطيع الجعفري أن يقول غير ذلك. إنْ فَعَلْ، هناك إخلال بالمهمة. ما كان ليُسْمَح لتلك المنظومة أن تقتل وتشرّد وتدمّر وترتكب تلك الجرائم، لو لم يكن مستمعو الجعفري يعرفون تلك الحقائق. واحد بالألف من الجرائم التي ارتكبتها المنظومة في أي مكان في الدنيا تودي بفاعلها وبوقت قياسي. وما كان الجعفري أصلاً ليُسمَع أو يجد له مكاناً في محفل عالمي، لو لم يكن النظام الذي يمثله مأجوراً خائناً ورخيصا. من هنا يأتي عدم تواضع الجعفري؛ من هنا تأتي بلطجيته.
وهكذا هو الحال مع السوريين، أي حقائق يمكنهم الاستفادة منها، لكي يعيدوا بلدهم إلى الحياة ويخلّصوه من براثن هذا الوباء؟ ليس اختراعاً أو اكتشافاً القول إن هذا النظام يكذب كما يتنفس؛ أناني؛ متوحش؛ يسجن، يشرّد، أو يقتل مَن يقول "لا". السوري الرمادي تحت المراقبة والخوف؛ والموالي العبودية المطلقة، أو يلتحق بزميليه. السوري متيقّن أن النظام الذي لم يوفر سلاحاً إلا واستخدمه في معركته على السوريين؛ ولن يتردد باستخدامه ثانية؛ فلا يزال شعار "أحكمها أو أدمرها" هو الأثبت، بكل ما فعله أو سيفعله.
يدرك السوري أن خدمات هذا النظام بلا حدود للأقوياء، وعلى حساب أي مبدأ يرفعه ويتبجح به. محتل الأرض (إسرائيل) هو سر بقائه. خدَم أميركا في كل وساخاتها في المنطقة كأجير أمين؛ والأمر ذاته تجاه مختلف أجهزة المخابرات العالمية. تحالفه استراتيجي مع إيران؛ ليس على أسس أيديولوجية، بل سياسية بامتياز؛ فلا تعني الشيعة أو التشيُّع له أو لإيران أكثر ما تعنيه الديمقراطية أو شرعية نظام الأسد لبوتين.
بخصوص داعمي النظام الأساسيين؛ روسيا وإيران، على الرغم من تناقض مصالحهما أو توافقها أو تنافرها، إلا أن تحالفهما الاضطراري هو السائد، والمستفيد الأساس منه في بقائه هو منظومة الاستبداد. ولن ينزاح هذا الحلف غير المقدس عن كاهل السوريين إلا بفعل دولي، وبرباطة جأش وعمل دؤوب وعقل سوري.
ما تم الاصطلاح عليه "أصدقاء سورية"، إضافة إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها، إن لم يكونوا غير صادقين أو جادين مع القضية السورية، فهم عَجَزَة أمام المؤامرة الكبرى الخبيثة مع منظومة الاستبداد العميلة أو متواطئون.
والحال هكذا، ماذا تبقى للسوريين ليستعيدوا حياتهم وبلدهم في ظل هذا الهيجان المتلاطم الداهم على أرواحهم؟ وأي استراتيجية يرسمون للخلاص؟ بداية، ما يُقال إن أسلمة الثورة السورية وعسكرتها كانتا المقتل ليس إلا أمراً مُبالغاً به، وناتجاً عن ضيقٍ يبحث عن أسباب للكبوات أو عدم إنجاز الثورة أهدافها. كانا عاملين اضطراريين تم الشغل الحثيث عليهما من الآخر بقدر ما تم شغله على آلة القتل والدعاية والإعلام. وفي عجز مؤسسات الثورة والمعارضة وفسادها وتقصيرها وتعثرها، يمكن قول الكثير الكثير؛ وما من مرافعة أو قوة يمكن أن تبرّر ذلك. حتى القول إن السوريين يعدمون الخبرة، لأنهم لم يقوموا بثورة بعد ثورتهم على الاحتلال الفرنسي ليكونوا خبراء بالثورات، لا تشكل تبريرا.
الهزيمة الفعلية هي الاستكانة والتسليم بالواقع الجائر. الكبوة لا تقتل. والسوري يجب ألا يموت قبل أن يأتيه الموت. كل ما حدث لا بد من دراسته بعمق، واستخلاص الدروس والعبر منه.
هناك 12 مليون سوري اقتُلعوا من بيوتهم، وتبعثروا في أربع أصقاع الأرض، لم يتبخروا، ولا تزال سورية الحرة عنوانهم؛ وعودتها إلى الحياة حرة من القمع والاستبداد مطلبهم. هناك اعتراف دولي بمنظومات المعارضة (على الرغم من ضعفها وتشوّهها) لا يمكن التفريط به. هناك قرارات دولية لا يمكن أن تسقط بالتقادم أو الشيطنة. هناك ملفات إجرام لا يستطيع نظام مهما قوي أن يهرب منها. هناك سجل إجرامي للنظام وداعميه لا يستطيع أحد أن يطويه. هناك نظام خرب ودمر ويقع عاجزاً اقتصادياً، ومفلساً سياسياً، ومقعداً أخلاقياً يعيش على سيروم دموي روسي إيراني.
هناك صامتون ستكون ثورتهم بلا حدود لحظة إحساسهم بضعف سطوة منظومة القمع. هناك من يبحث عن الخلاص من المغطس السوري أكان من الداعمين، وخصوصا روسيا؛ أو من دول العالم التي لا بد تستشعر حريق القصة السورية. والأهم هناك داخل سوري غضبه بلا ضفاف، وتصميمه على الخلاص من القمع والاستبداد بلا حدود. ومن هنا، لا بد من وضع هذه الحقائق نصب الأعين، والتداعي إلى انطلاقة جديدة لثورة سورية، من أجل استعادة وطن حر كريم، لا مكان لبشار الجعفري وأسياده فيه.
كان ينتابني أحياناً وأنا أشاهد تدمير المدن السورية بطريقة ممنهجة وتهجير أهلها كحمص وداريا والغوطة وحلب وغيرها، كان ينتابني شعور بأن كل ما حدث في سوريا من دمار وتهجير كان مجرد مقدمة مدروسة لإعادة تنظيم المدن السورية عمرانياً وديمغرافياً.
كنت أظن في الماضي أنني أهلوّس، وأنه لا يمكن أن كل هذا التخريب المنظم وتشريد الناس بالملايين من مناطقها يمكن أن يكون لأهداف غير عسكرية. لكن الأيام أثبتت أن هلوساتنا كانت صائبة تماماً، خاصة بعد أن بدأنا نشهد الآن المشاريع العمرانية الجديدة التي بدأت تظهر خرائطها في أكثر من منطقة سورية تم تفريغها من أهلها. ولم ينتظر النظام وحلفاؤه طويلاً كي يبدأوا بالإعلان عن المخطط التنظيمي الجديد للبلاد، فقد أصدر الرئيس السوري فجأة قبل أيام مرسوماً جمهورياً جديداً لإعادة تنظيم المناطق التي حررها من سكانها، وكأنه يقول للسوريين: لقد كانت عملياتنا العسكرية بالتعاون مع الحلفاء الخطوة الأولى لإعادة رسم سوريا عمرانياً وبشرياً. وبموجب القانون رقم 10 لعام 2018 سيتم إنشاء وحدات إدارية أو تنظيمية جديدة في سوريا مثل البلديات، ستبتلع هذه البلديات ملكية الأراضي وتعوّض أصحابها الأصليين ( إن استطاعوا إثبات ملكيتهم لها أو حضورها وهو شبه مستحيل)، ثم ستقوم ببيع الأراضي التي تملكتها لمكتتبين جدد يكونون موجودين على الأرض، وستحذف جميع الحقوق العائدة لأصحاب الأرض الأصليين من القيود العقارية وكأنها لم تكن. باختصار شديد، طرد أصحاب الأرض منها، وإلغاء حقوقهم فيها، وتحويلها إلى مناطق سكنية جديدة بسكان جدد تماماً من طوائف وقوميات جديدة. بعبارة أخرى، يصبح التغيير الديمغرافي والعمراني حقيقة تفقأ العيون، كما لو كانت موضوعة قبل اندلاع الثورة.
إن ما نراه الآن في سوريا من إعادة توزيع وتطهير ديمغرافي وإزالة مدن بأكملها عن الخارطة لم يعد بحاجة إلى أي براهين بعد أن راح الجميع، وعلى رأسهم النظام وحلفاؤه يقطّعون سوريا ويعيدون تركيب خارطتها البشرية والعمرانية بسكين حاد جداً، وعلى مرأى ومسمع الجميع، لا بل إن الأمم المتحدة تبصم بحافرها على الخرائط الجديدة كما شاهدنا في داريا والغوطة، حيث أشرفت شخصياً على تهجير السكان الأصليين إلى شمال سوريا رغم أنهم عاشوا في ريف دمشق لمئات السنين.
لاحظوا كيف تم حرق السجلات المدنية وتهجير سكان حمص من المسلمين السنة وعددهم أكثر من مليون، ولم يُسمح لهم بالعودة إليها. لاحظوا كيف اندفع حزب الله وداعموه الإيرانيون إلى السيطرة على مدينة القصير في محافظة حمص، وطردوا أهلها قبل سنوات كي يؤمنوا مناطق حزب الله في لبنان ويدمجوها بالمناطق السورية.
لقد ظن البعض قبل ثلاث سنوات أو أكثر أنها مجرد خطوة لاستعادة بعض المناطق من المعارضة في معارك الكر والفر، لكن الأيام أثبتت أنها خطة محكمة تقع ضمن مخطط إعادة تشكيل الخارطة السورية ديمغرافياً ومدنياً.
وحينما نرى حزب الله الآن يطهّر منطقة الزبداني ومضايا الحدودية من سكانها، ويدمر عشرات الألوف من الأشجار ليحفر الأنفاق، ويحول المنطقة إلى منطقة عسكرية نتذكر كيف قام بتطهير القصير قبل سنوات. الرابط واضح بين ما فعله بالقصير وما يفعله الآن بالزبداني. ولا ننسى منطقة تدمر المهمة التي لم تأخذ نصيبها من الدعاية الإعلامية المطلوبة، فقد تم تهجير سكانها لأنها تقع على الطريق الذي يصل إيران عبر العراق إلى حمص إلى لبنان حيث معاقل حزب الله.
لكن لعبة التغيير الديمغرافي في سوريا لا تقتصر فقط على النظام وحلفائه، بل إن أطرافاً كثيرة دخلت عليها منذ زمن، وكانت تخطط لها منذ بداية الثورة، فالأكراد بدعم أمريكي وغربي طهروا المناطق العربية التي كانوا يريدون السيطرة عليها في الشمال منذ سنوات، وربما بتنسيق مع النظام. وعندما نرى القواعد الجوية الأمريكية الجديدة شرق سوريا تصبح لعبة التمزيق الديمغرافي أكثر وضوحاً.
هل يا ترى ستكون عمليتا «درع الفرات» و«غصن الزيتون» التركيتان مجرد عملية عسكرية خاطفة لتطهير الحدود التركية السورية من خطر داعش والأكراد، أم أن لها ما بعدها؟
ولا ننسى الدور الإسرائيلي في الجنوب، حيث لن تسمح تل أبيب لإيران بالاقتراب من جنوب سوريا، ولهذا فمن المتوقع أن تقتطع حصتها من الجغرافيا السورية. ما نراه الآن من مخططات بدأت تتضح. ألا يجعلنا ذلك نعيد التفكير بكل شيء؟ عمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي والاجتياح الإيراني لسوريا وتقاسم مناطق النفوذ بين الأمريكيين والروس، ودخول قوى كثيرة إلى الأرض السورية بالتنسيق مع النظام وغيره، ألا تدفعنا إلى التفكير بأنها كانت حركة ملعوبة منذ بدايات الثورة لعبتها قوى خارجية ثم لحق بها النظام وحلفاؤه، فراح ينفذ ما هو مطلوب منه دولياً في سوريا على صعيد التدمير والتهجير وإعادة رسم الخرائط والمخططات التنظيمية الجديدة؟ هل كان تدمير حمص وتهجير شعبها المرحلة الثانية من مشروع «حلم حمص» الذي كان قد بدأه المحافظ السابق إياد غزال؟ اليوم يتحدث النظام عن بناء مجمعات كبرى في حي الوعر الذي يعمل الآن على تهجير سكانه الباقين. هل وضع النظام وشركات دولية مخططات تنظيمية للكثير من المناطق التي دمروها وشردوا سكانها، حتى قبل أن تنتهي عملية التهجير القسري. بعبارة أخرى، هل كانوا يخططون لهذه المشاريع منذ زمن طويل، وربما قبل الثورة؟ لاحظوا أن الطيران السوري مثلاً كان يقصف مناطق معينة في مدينة قدسيا بدمشق، ويدمرها تماماً، ويتجنب مناطق أخرى، وكأنه يقول لنا: إن المناطق التي ندمرها مطلوب إعادة بنائها بشكل مختلف حسب المخطط التنظيمي الجديد لسوريا الذي وضعناه ربما قبل الثورة. لاحظوا كيف بدأت إيران تعيد إعمار داريا بعد تهجير سكانها. ولا ننسى مشاريعها في منطقة المزة بدمشق.
إن تعقيدات الوضع السوري وتشابكه تدعونا أن نخرج من قوالب التفكير التقليدية، ولا مانع إن بدأنا نفكر بأن ما يحصل في سوريا الآن أشبه بمخطط تنظيمي جديد للبلاد وقوده تهجير ملايين البشر وتدمير ملايين البيوت وإزالة مدن عن الخارطة بمباركة كل الأطراف باستثناء الشعب السوري.
أعلنت الولايات المتحدة، قبل أسابيع، أنها باقية في سورية أمدا طويلا. هلّل الإعلام، وانتشرت التحليلات بشأن المقصد الأميركي، وتكرّر الكلام عن تقسيم سورية. الآن، يعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب أنه سيسحب قوات بلاده من سورية، فامتلأ الإعلام بالتحليلات وساد التخبط. في الحالين، ظهر أن لا أحد يفهم إستراتيجية أميركا، ولا سبب وجودها في سورية، عدا الخطاب الدعائي المرتكز على محاربة تنظيم (داعش)، وهو خطاب سخيف وغير حقيقي. لهذا تتداخل التحليلات وتسود التكهنات، ويبدأ الردح أو إظهار الانتصار، حسب مصدر التحليل وموقفه من الثورة في سورية.
عادة ما تؤخذ التصريحات من مسؤولين وكأنها قرارات فعلية، وقد أُعلنت للتنفيذ. لهذا يصبح الموضوع هو إصدار موقف منها. وهنا تكثر أحكام القيمة، والتكهنات، وعبره تمرَّر سياسات كذلك. لا أحد يعتقد أن الهدف من تصريحاتٍ كثيرة يكون "تكتيكيا"، أو للتغطية على سياسة، أو للمناورة. ولفهم ذلك، لا بدّ من فهم الإستراتيجية الأساسية، والمصالح، وبالتالي السياسة الفعلية. لا تظهر هذه كلها في التحليلات، ولا يهتم المعلقون بها. لهذا يجري التأرجح في التحليل من نقيض إلى آخر، ومن موقفٍ إلى عكسه، ولا يُقدَّم سوى أحكام قيمة ومواقف عابرة.
مثلاً، هل ستبقى أميركا في سورية طويلاً؟ لا بالتأكيد، بالضبط لأنها "باعت سورية لروسيا" منذ سنة 2012، وهذا ليس موقف أوباما، بل موقف "المؤسسة" والاحتكارات. والآن، هل ستنسحب سريعاً؟ لا بالتأكيد أيضاً، لأن وجود أميركا في سورية كان ورقةً في التفاوض مع روسيا، حيث أنها تريد السيطرة على العراق، ووافقت على أن تكون سورية من حصة روسيا، حتى حينما قرّرت التدخل العسكري لم تمانع أميركا ذلك. لكن الأمر أوسع من ذلك، حيث التفاوض بين البلدين يشمل العالم. ولهذا كان يجب أن يكون لأميركا "مسمار جحا" في سورية، خصوصاً آبار النفط والغاز التي هي لشركاتٍ روسيةٍ، وفق الاتفاقات بين روسيا والنظام. وقد تحققت السيطرة على شرق سورية في ظل إدارة ترامب، وليس في أثناء إدارة سلفه باراك أوباما، بعد أن زاد عديد قواته هناك. لهذا، يمكن فهم التصريح بشأن الوجود طويل الأمد بأنه "تهديد" لروسيا بالسيطرة على جزء من سورية، إذا ما ظلت متعنتةً في المفاوضات بين البلدين.
في المقابل، لعبت روسيا على التناقض بين تركيا وأميركا، فسمحت لها بأن تسيطر على عفرين والشمال الغربي من سورية، ولا تمانع بأن تسيطر على تل رفعت، ومنبج، وحتى الشريط الحدودي السوري التركي. الآن، إذا ما انسحبت أميركا من الشرق والشمال الشرقي من سورية: هل ستظلّ السياسة الروسية هي ذاتها؟ لا بالتأكيد، لأن روسيا سوف تسعى إلى أن يسيطر النظام على هذه المناطق، وأن تعود هي لـ "استعادة" آبار النفط والغاز. هذا يعني صداما بين روسيا وتركيا، وتخريب التكتيك الروسي. هل قصد ترامب ذلك، على الرغم من أنه انفعالي وساذج سياسياً.
ربما كان يهدف الى ذلك، حيث سيجري التسابق للسيطرة على تلك المناطق بين روسيا وتركيا، فيقع الصدام بينهما. خصوصاً أن روسيا تتبنى سورية فيدرالية، وتقرّ بفيدرالية في الشمال السوري، هي "كردية" طبعاً، وهذا ما يخيف تركيا.
إذن، كل هذه التصريحات الأميركية بشأن سورية يجب أن توضع في إطار تكتيكي، ضمن علاقة التفاوض/ الصراع مع روسيا بالتحديد. بينما لن تخرج أميركا من سورية قبل تفاهم عام مع روسيا، بما في ذلك الحل النهائي للوضع السوري. حيث ترفض أميركا أن يتحقق الحل، بانتصار روسي يفرض ما يريد.
وفي تصريح ترامب أمر آخر، ربما هو ما قصده بصفته مرابيا كبيرا، يتمثّل في الضغط على السعودية من أجل تمويل الوجود العسكري الأميركي، أي الحصول على مليارات أخرى، بعد كل تلك التي حصل عليها. قال ذلك صراحة في تصريحه بشأن الانسحاب مساء الثلاثاء.
لم يكن السلاح الكيماوي والأسلحة المتعددة المستخدمة في قتل الشعب السوري وحدها من يفتك بأجساد أبنائه صغاراً وكباراً، بل إن الصمت المطبق واللامبالات التي تتعامل بها فصائل الثورة في الشمال والجنوب وخذلان المجتمع الدولي له وقع أكبر وأكثر في قلوب السوريين المعذبين في الداخل والخارج أكثر من الكيماوي وكل الأسلحة الفتاكة.
كل الدماء التي أريقت في حلب وداريا والوعر وحمص والغوطة أخرها دوما، وكل مشاهد الموت البطئ خنقاً في خان شيخون ودوما لم تحرك الدماء لدى قادة الفصائل المتصارعين على السيطرة والنفوذ وتقاسم المعابر والموارد في المناطق المحررة، والشعب يكابد ويعاني ويترقب لحظة إعلان النفير للثأر والرد لدمائه.
مئات المناشدات أطلقت والوعود والبيانات من قبل فصائل الجنوب السوري الأقرب إلى الغوطة الشرقية لإطلاق معركة حقيقية تساند المحاصرين، إلا أنها لم تكن إلا نداءات عابرة تكرر ماحصل في الحملة التي واجهتها مدينة داريا وحيدة، أما فصائل الشمال فتتناحر وتتصارع على بقعة ارض تضيق بالمهجرين إليها من كل حدب وصوب، باتوا يحتاجون لهدن واتفاقيات لوقف قتل بعضهم البعض.
وعن العالم المتخاذل والذي يكتفي بالتنديد والوعيد للتدخل ووقف المذبحة اليومية بحق الشعب السوري، فلم تستطع قرارات مجلس الأمن ولا اتفاقيات حقوق الإنسان منع الموت اليومي على المدنيين، كذلك لم تنفع كل التهديدات في كبح جماح الإجرام لدى الأسد وروسيا لاستخدام الأسلحة الفتاكة في قتل كل حياة.
نقف اليوم أمام مشاهد الموت بألوانه وأشكاله، تقتلنا مناظر الدماء والأشلاء ألف مرة في الثانية، وتلك الصور لأطفال ونساء نيام دون صحوة بعد أن ضاقت أنفاسهم وحرموا حتى من الهواء بعد حرمانهم من الغذاء والدواء لسنوات عدة في الحصار، نقف عاجزين عن تقديم أي شيئ، لن نناشد العالم لنجدتها فهو من يتأمر علينا ويعطي الضوء الأخضر لقتلنا، ولن نطلب من الفصائل التحرك فهي كجسم غلبه الوهن رهنت نفسها وقرارها وغفلت عن مهمتها الأساسية في حماية الشعب الثائر وباتت أداة بيد الغرب والشرق لقتل بعضها البعض وتضعف ثورتنها كل يوم بصراعاتها وخلافاتها وشقاقها.
فسطاط المسلمين اليوم تستباح، نساء وأطفال سجيت أجسادهم فوق بعضها البعض، خنقت بغاز السارين الذي استخدمه الأسد ولا ناصر ولامعين لهم إلا الله، فكم وكم تغنوا بنصرة الفسطاط، ولكن لن ينفع الندم ولن ينفع الشتم واللطم فالفاجعة كبيرة والتخاذل يقتلنا أكثر من أي سلاح.
إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب جاداً فعلاً في إخراج القوات الأميركية من سوريا في فترة قريبة جداً، وأغلب الظن أنه غير جاد وأنَّ ما قاله هو مجرد رسالة داخلية موجهة إلى الأميركيين، فإنَّ هذا يعني أنه ترك للروس الانفراد بالشرق الأوسط لا بل إنه يعني أن الولايات المتحدة عادت أو أنها ستعود إلى سياسة الانكفاء على الذات التي كانت تتبعها قبل حرب قناة السويس (العدوان الثلاثي الفرنسي - البريطاني - الإسرائيلي على مصر) في عام 1956. وهذا في حقيقة الأمر مستبعد جداً في ظل الظروف الحالية حيث الروس والإيرانيون يتطلعون إلى أبعد كثيراً من مجالهم الحيوي الاحتلالي الحالي.
إن المعروف أن ترمب خاض معركته الانتخابية على أساس أن الأولوية هي للداخل الأميركي، وحقيقة أن غالبية الأميركيين يرون أنه لا ضرورة لكل هذا الانتشار الخارجي المُكلف جداً وأن المفترض أن تعود القوات الأميركية إلى بلادها أو إلى مناطق متاخمة لبلادها ما دام أنه تم القضاء على «داعش» وعلى الإرهاب، وبالطبع فإن غالبية الأساسيين في الإدارة الأميركية يعرفون أن هذا الكلام غير صحيح وإلاّ لما أبقت أميركا على قواتها في أفغانستان وفي العراق وأيضاً في سوريا حتى الآن، وذلك بالإضافة إلى أنه غير ممكن الرحيل عن هذه المنطقة، التي غدت أكثر أهمية من الناحية «الاستراتيجية» بعدما ثبت أنها «المستودع» العالمي الأهم لمصادر الطاقة، وتركها للروس يسرحون فيها ويمرحون ويصبح البحر الأبيض المتوسط بحيرة روسية.
ربما أنَّ البعض، حتى من بين رموز هذه الإدارة الأميركية، من يرى أن رحيل الأميركيين وانحسارهم عن الشرق الأوسط سيفتح أبواب الصراع والتنافس بين الروس والإيرانيين وأن الضغط الروسي على إيران سيؤدي إلى انكفائها وعودتها إلى داخل حدود بلادها وإلى ما كانت عليه الأمور قبل عام 2003 وهذا في الواقع هو نظرة قاصرة، إذْ إنَّ روسيا التي غدت تهيمن على سوريا هيمنة كاملة ليست بحاجة إلى مثل هذا السيناريو الخيالي وبخاصة أن العامل الإسرائيلي عامل رئيسي في هذه المعادلة الخيالية والافتراضية!!
ولعل ما لا يأخذه أصحاب هذا التصور «الكسيح» بعين الاعتبار هو أن إيران تعمل في هذه المنطقة بنفسٍ طويلٍ وأن الهدف الأول لها، الذي بعد تحقيقه ستتبعه أهداف كثيرة، هو تحقيق ما تعتبره هلالاً شيعياً، والواضح أن الروس غير مهتمين بهذه المسألة ما دامت السيطرة في الشرق الأوسط ستكون مضمونة لهم في حال انسحاب الأميركيين منها وانكفائهم نحو بلدهم إلى ما وراء بحور الظلمات.
لقد حققت إيران منذ عام 2003 وحتى الآن وجوداً طائفياً فعلياً وحقيقياً في هذه المنطقة، فالآن في سوريا هناك خريطة مذهبية جديدة وهذا هو ما عناه بشار الأسد عندما قال في تصريح شهير «إنه مهما كانت خسائرنا كبيرة في هذا الصراع إلا أننا نعتبر أننا الرابحون في النهاية إذا حققنا الانسجام المجتمعي في المناطق السورية الأساسية وإذا حققنا سوريا المفيدة»، والواضح أن ما جرى وما يجري في الغوطة الشرقية لا يمكن إلا أن يعتبر تفريغاً طائفياً ويبقى أن تكون الخطوة المقبلة هي المزيد من استيراد الشيعة الإيرانيين والأفغان وغيرهم وتركيزهم في دمشق وحولها مع امتداد تم إنجاز الجزء الأكبر منه، في اتجاه الحدود اللبنانية.
وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار ودائماً وأبداً أن الدوافع المذهبية لسيطرة إيران على ما سمته «الهلال الشيعي» هي مجرد غطاء لتسديد الفرس لحسابات قومية قديمة، فهم حتى الآن يعتبرون أن عدوهم الحقيقي في الشرق الأوسط كله هو العرب وأن التمدد الصفوي في العراق لم يكن تمدداً شيعياً وإنما تمدد قومي فارسي، وأن الثأر الذي لم ينم في صدور هؤلاء على مدى كل هذه الحقب الطويلة هو ثأر «ذي قار» أولاً وثأر «القادسية» و«نهاوند» وما بعدهما وعلى مدى سنوات طويلة.
لقد قال الرئيس ترمب في مفاجأته هذه، التي تشبه إلقاء صخرة كبيرة في بركة راكدة: «نحن نهزم تنظيم داعش... سنخرج من سوريا قريباً جداً... قريباً جداً... سنخرج من هناك قريباً جداً... سنعود إلى بلادنا حيث ننتمي وحيث نريد أن نكون»، لكن رد الخارجية الأميركية جاء مخالفاً لهذه التصريحات بأن «واشنطن لا تفكر في سحب قواتها من سوريا حالياً». والواضح أن ما قاله الرئيس الأميركي سيبقى للاستهلاك الداخلي فقط وأن القول هو ما قالته الخارجية وما يريده صقور هذه الإدارة الذين لا يمكن أن يفكروا حتى كمجرد تفكير في الرحيل عن الشرق الأوسط وتركه لروسيا الاتحادية ومعها إيران... إن هذا غير متوقع وغير ممكن على الإطلاق.
لكن ومع أنه من المستبعد أن يكون هناك أي صدام جدي بين الروس والإيرانيين في المدى المنظور، إلا أن المعروف أن العلاقات بين الدول هي علاقات مصالح، وهذا يعني أن كل هذا الانسجام المصلحي بين موسكو وطهران سينقلب حتماً إلى ضده إذا تضاربت مصالحهما، وهي بالتأكيد ستتضارب لأن للرئيس فلاديمير بوتين تطلعات مستقبلية إنْ في سوريا وإنْ في الشرق الأوسط تتعارض مع تطلعات إيران، فهو وكما واضح بل وقد أصبح مؤكداً أنه يريد استعادة النفوذ السابق للاتحاد السوفياتي في هذه المنطقة وأيضاً في أوروبا الشرقية، الأمر الذي سيعزز ليس احتمالات الخلاف وفقط وإنما الصدام بين هذين الحليفين اللذين جمعتهما مصالحهما المشتركة وستفرقهما وبلا أدنى شك هذه المصالح.
وهنا فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار في هذا المجال أنَّ الروس قد خاضوا معركة غوطة دمشق الشرقية وحدهم إنْ عسكرياً وإنْ سياسياً وأنه لم يُسمحْ للإيرانيين بالمشاركة في هذه المعركة وإنْ في المجالات الإعلامية فقط وهذا ينطبق أيضاً على نظام بشار الأسد الذي كانت مشاركته مجرد حركات وتحركات استعراضية «بهلوانية» فقط، حيث كانت الأمور والقرارات كلها في «حميميم» وفي أيدي كبار ضباط القوات الروسية.
وهكذا، وهذا مجرد افتراض فقط، فإذا كان دونالد ترمب جاداً فيما قاله وأن الولايات المتحدة ستنسحب «قريباً جداً» من سوريا فإنه سيعطي للروس انتصاراً سهلاً في هذه المواجهة «المصيرية»، وأنه سيعطي المبرر لتركيا وأيضاً لإسرائيل لنقل البندقية من كتف إلى الكتف الآخر... فالدول تحكم علاقاتها المصالح وقد تؤثر هذه المصالح المستجدة أيضاً على بعض الدول العربية وهذا سيجعل هذه المنطقة مجالاً حيوياً لروسيا الاتحادية وسيجعل البحر المتوسط وبكل مصادر الطاقة فيه بحيرة روسية.
ويبقى أنه لا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن أن يكتفي الأوروبيون ومعهم الصين، هذا العملاق الاقتصادي الناهض، بمتابعة هذا «السيناريو» الافتراضي حيث إن انكفاء الأميركيين نحو بلادهم البعيدة غير وارد، وحيث إن الأوروبيين والصينيين أيضاً لا يمكن أن يتركوا هذه المنطقة «الاستراتيجية» الحساسة للروس الذين أنعش تدخلهم في سوريا تطلعاتهم السابقة إنْ في عهد روسيا القيصرية وإن في عهد الاتحاد السوفياتي الذي امتد نفوذه من كوريا الشمالية في أقصى منطقة في الشرق إلى كوبا في أقصى منطقة في الغرب.
إن الخطأ الفادح الذي ارتكبه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما هو أنه اعتبر أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد منطقة مصالح حيوية بالنسبة للولايات المتحدة وأنه نقل رهانه الاستراتيجي إلى آسيا المفيدة أي إلى الصين وأيضاً إلى إيران وهذا قصر نظر قاتل بالنسبة لدولة تعتبر أن العالم كله عالمها وأنّ المفترض أن تكون موجودة في كل مكان من الكرة الأرضية وهنا فإن ارتكاب دونالد ترمب للخطأ نفسه الذي ارتكبه أوباما سيكون مكلفاً جداً، فالشرق الأوسط كان ولا يزال وسيبقى واحدة من أهم مناطق العالم وبخاصة بالنسبة لدولة عظمى كأميركا... والمعروف أن سوريا تقع في قلب هذه المنطقة الشرق أوسطية.
يمكن اعتبار العقوبات الجديدة ضد إيران بمثابة دعوة إلى طهران لوقف نشاط قاسم سليماني قائد «فيلق القدس». فالتوقيت الذي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتعديل الاتفاق النووي ينتهي في أوائل شهر مايو (أيار) المقبل، والساحة السياسية مضطربة: بدأت فرنسا وبريطانيا وألمانيا تتراجع إلى الوراء في الأسابيع القليلة الماضية لإرضاء الرئيس ترمب، في محاولة لإقناعه بعدم الانسحاب من الاتفاق. وفي المقابل، أعلنت هذه الدول عن خطط لفرض عقوبات جديدة تهدف إلى تقييد النشاط الإيراني في مجال الصواريخ الباليستية كما إلى نشاطها الإقليمي في سوريا واليمن والعراق. بالنسبة إلى إيران يبدو الأمر «العمل كالمعتاد»؛ إذ تحت مظلة الحوثيين في اليمن يتم إطلاق صواريخ إيرانية باستمرار تستهدف العاصمة السعودية الرياض بأمر من قاسم سليماني. ومع ذلك، لا يمكن أن يستمر نهج «العمل كالمعتاد» بالنسبة إلى إيران لفترة أطول؛ لأن الحملة السياسية التي تقوم بها الدول الأوروبية هي بمثابة دعوة تنبيه إلى طهران لتقليص النشاط العسكري لسليماني الذي قد يعيد إيران إلى المشاكل التي كانت تعاني منها قبل الاتفاق النووي، أو ربما إلى أسوأ.
بغض النظر عما ستقرر واشنطن القيام به، فإن إيران مضطرة إلى إظهار ضبط النفس النسبي والتصرف بمسؤولية على الأقل ظاهرياً، لكن في الداخل من المرجح صعوبة الحفاظ على جبهة موحدة، وستعود الحجج القديمة من جديد. وحتى لو تراجعت موجة الاحتجاجات الأخيرة ظاهرياً، فإن هناك احتجاجاً عاماً منخفض المستوى في إيران. وعلى الرغم من اعتبار النظام احتواء موجة الاحتجاجات الأخيرة نجاحاً، فإنها مسألة وقت فقط، قبل أن تطل الاحتجاجات برأسها مرة أخرى وبقوة. إن انسحاب أميركا من الاتفاق، أو بدلاً من ذلك، فرض عقوبات إضافية يمكن أن يكون حافزاً لانتفاضة شعبية جديدة.
منذ التوصل إلى الاتفاق النووي، نجحت إيران في جذب أكثر من 15 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، لكن هذا لا يكفي لشعب متعطش إلى الإغاثة الاقتصادية، لا سيما عندما لا يزال يتعين تفعيل جزء كبير من هذه الاستثمارات. وفي الوقت الذي يدرك فيه الرئيس حسن روحاني الحاجة إلى ترجمة النمو الاقتصادي إلى تحسن كبير في نوعية معيشة حياة المواطنين الإيرانيين، فإن سليماني لديه خطط مختلفة بالكامل: هو لا ينوي السماح لمواطني إيران بالاستمتاع بثمار الاتفاق النووي، بل على العكس فإنه يستثمر الأموال الطائلة التي دخلت بعد الاتفاق إلى إيران في مغامراته في الدول الأخرى، مما ينتج عنه انتقادات داخلية وخارجية.
ووفقاً للتقارير الإيرانية، أنفقت إيران ما يقرب من 20 مليار دولار على القتال في سوريا منذ عام 2011، مما أدى إلى إرسال أعداد كبيرة من قوات «الحرس الثوري» إلى هناك، وتمويل الميليشيات الشيعية من أفغانستان وباكستان، وتوريد كميات كبيرة من الصواريخ الباليستية والمعدات العسكرية والأسلحة إلى الجيش السوري وإلى «حزب الله»، إضافة إلى مواصلة الاستثمار في البنى التحتية المدنية في سوريا، وفي المساعدات المالية لنظام بشار الأسد.
لقد أقدم سليماني على كل هذا من أجل إنقاذ النظام السوري دون أن تحصل إيران على أي شيء في المقابل؛ لذلك تعتزم إيران الحصول على عائد من استثماراتها وتتابع سلسلة الاتفاقيات المدنية مع الحكومة السورية. لكن، وبما أن النظام في سوريا قد استقر نسبياً، فهو فضل إعادة تأهيل نفسه دون الاعتماد على إيران متجهاً أكثر نحو أوروبا. علاوة على ذلك، وفي التنافس بين روسيا وإيران على الموارد المدنية والاقتصادية هناك، ترى سوريا نفسها أكثر التزاماً تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحيث أصبح الوجود الإيراني فيها عبئاً أكثر منه مكسباً. ولوحظ أخيراً أن الحكومة السورية تضع عقبات وتعيق التعاون المالي مع إيران بهدف منع إيران من الحصول على مكاسب مالية، لكن هذا لم يمنع سليماني من توسيع استثمارات إيران في سوريا والتي من المتوقع أن تستمر في النمو عندما ينتهي القتال، إضافة إلى ملايين أخرى تعطى لسوريا على حساب إعادة تأهيل الاقتصاد الإيراني.
وقصة إيران مع اليمن لن تكون مأساوية إن لم تكن النهاية معروفة سلفاً على غرار سوريا. ترسخت إيران في المستنقع اليمني لسنوات عديدة، وكان تقرير للأمم المتحدة عام 2015 حدد أن إيران كانت تنقل شحنات الأسلحة إلى الحوثيين منذ عام 2009. ومنذ عام 2011 صار هناك تصعيد في مساعدات إيران للحوثيين، بما في ذلك نقل الملايين من الدولارات. المأساة هي أنه بعد كل هذه السنوات من القتال في اليمن، لم يتم التوصل إلى حل لتبرير استثمارات إيران الكبيرة هناك.
إضافة إلى التكلفة المالية، صارت إيران تتكبد أيضاً خسائر فادحة في الدم. فحتى الآن ضحى سليماني بشكل رئيسي بـ«جنوده بالوكالة»، مع آلاف القتلى بين الحوثيين في اليمن، وبين مقاتلي «حزب الله» والميليشيات الشيعية في سوريا. لكن العام الماضي ازداد عدد مقاتلي «فيلق القدس» الذين قُتلوا. وتعبر بعض القيادات السياسية الإيرانية عن قلقها من أنه في ضوء تزايد الاضطرابات في العديد من المجالات الموازية، فإن الخسائر في الأرواح الإيرانية ستزداد، ويمكن بالتالي لإيران أن تجد نفسها في مواجهة تصعيد مباشر على أراضيها.
وبالعودة إلى الوضع في طهران، فإن الاحتجاجات المستمرة منذ عدة أشهر لم تنجح في تغيير مفهوم القيادة الأمنية الذي لم يستوعب بعد الثمن الباهظ الذي تدفعه إيران للتحصينات الإقليمية، وفي كل هذا الوقت يتم تحويل مئات الملايين من الدولارات من الخزينة الوطنية لبناء القوات العسكرية، وتغطية أنشطة «فيلق القدس» وتطوير برنامج صواريخ أرض - أرض الذي من المتوقع أن يكون السبب لفرض المزيد من العقوبات على إيران.
هذه المبالغ أصبحت مؤذية في المناخ السياسي الحالي في إيران، حيث يُنظر إلى مثل هذا النشاط من قبل إيران على أنه تصادمي. وهذه الملايين ستحول مهندس السياسة الخارجية الإيرانية ومنفذها قاسم سليماني إلى الشخص الذي تؤدي تصرفاته إلى توقيع إطار اتفاق جديد يفرض عقوبات إضافية على طهران. من السهل الآن أن نرى أن زخم الاستثمارات الدولية التي بدأت العام الماضي قد تم تقليصه بالفعل، ومن المتوقع أن يتم تقويضه بسبب القلق داخل النظام المالي العالمي وبين الشركات الدولية فيما يتعلق بتداعيات العقوبات الإضافية.
سوف تستمر إيران في المعاناة من المشاكل المصرفية التي سوف تزيد من العزلة الدولية التي عانت منها في الماضي.
على أي حال، فإن إيران ستحتاج إلى أوروبا من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات سواء بالنسبة إلى الاتفاق النووي أو بالنسبة إلى اتفاق ذات إطار مختلف. بعد عدة أشهر من الخلافات بين «الصقرين» فرنسا وبريطانيا من جهة والدول الأوروبية الأكثر اعتدالاً مثل ألمانيا، ظهرت الآن جبهة أوروبية موحدة فيما يتعلق بالسياسة تجاه إيران ومطالبها. أوروبا توافق على الحفاظ على الاتفاق النووي على الرغم من الضغوط الأميركية، لكنها صارت تدرك تماماً أن النشاط العسكري الإيراني الذي يتزعمه قاسم سليماني لا يمكن تجاهله، وهذا يتماشى مع الأجواء السائدة في واشنطن التي تطالب بفرض عقوبات جديدة على إيران بسبب صواريخها الباليستية وأنشطتها التخريبية الإقليمية.
ويقول لي سياسي أميركي مشارك في كل هذه الاتصالات، إن الاتفاق الشامل بين كل الأطراف، غير المعتاد في نطاقه، هو نداء استيقاظ مهم، وفرصة للجماهير الإيرانية، كي تخرج إلى الشارع، وللقوى الإصلاحية، ولروحاني، في ظل تزايد الدعوات الدولية لوقف سليماني وإنقاذ إيران من التراجع إلى العزلة الكاملة مع ما سيجره عليها هذا الأمر من تداعيات.
لم تنعقد قمة أنقرة من أجل المحافظة على وحدة سوريا. انعقدت من أجل تنظيم عملية تفكيك سوريا والبحث في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي في حال حصوله.
عقدت ثلاثة أطراف من أصل الخمسة التي تحتل الأراضي السورية قمّة في أنقرة. تلك الأطراف هي روسيا وإيران وتركيا. الملفت أن ليس بينها أيّ طرف عربي. الطرفان الآخران المرشحان أصلا للانضمام إلى مثل هذه القمة، لو لم يفضلا اللعب بطريقة مختلفة، في الخفاء أحيانا وفي العلن أحيانا أخرى، هما الولايات المتحدة وإسرائيل. لا حاجة للإشارة إلى أنّ هذين الطرفين ليسا غير عربيين أيضا. كانا الحاضرين الغائبين عن قمّة أنقرة.
هناك اعتبارات، أقله من النوع الشكلي، تمنع أي لقاء إيراني – إسرائيلي، أو أميركي – إيراني، في حين أن هناك هدفا نهائيا يجمع بين الأطراف الخمسة حتّى في غياب المحتلين الآخرين عن قمّة أنقرة. يتمثل هذا الهدف في تفكيك سوريا التي عرفناها والتي تبيّن أنها لم تعد قادرة على الانبعاث من جديد.
في كل الأحوال انعقدت القمّة الخماسية من دون أن تنعقد، لا لشيء سوى لأن الهدف الخماسي واحد. يبقى أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هو كيف ستجد إيران مكانا لوجودها الدائم في سوريا. هل تكفي حملات التشييع وتغيير طبيعة دمشق وتركيبتها مع المنطقة المحيطة بها لتكون لديها مستعمرة في الداخل السوري… أم أن ذلك يحتاج إلى تفاهم مع إسرائيل يمكن أن تؤمّنه روسيا حيث لم يخف فلاديمير بوتين أنه على تواصل دائم معها. ما الشروط التي ستفرضها إسرائيل على إيران كي تقبل بها في سوريا في ظلّ تفهّم أميركي لذلك؟
ليس سرّا أن بوتين لا يمتلك أي عقدة تجاه إسرائيل. على العكس من ذلك، لديه إصرار على إقامة أفضل العلاقات معها. على سبيل المثال وليس الحصر، لم يجد في حديث تلفزيوني طويل على قناة “فرانس 3”، بثّ قبل أيّام، سوى الراحل أرييل شارون يستشهد به.
سئل الرئيس الروسي عن رأيه في الشرق الأوسط. كان جوابه التذكير بكلام لشارون جاء فيه: “أنا لا أثق بأيّ شخص في المنطقة، في ما يتعلّق بأيّ موضوع كان”. هذه خلاصة تجربة بوتين المستمدّة من تجربة شارون. يفترض في شخص مثل بشّار الأسد، لا يصلح سوى للعب دور الأداة في عملية تدمير سوريا، أخذ العبرة من هذا الكلام الصادر عن الرئيس الروسي.
من سيتفوّق في الدهاء والباطنية على الآخر في نهاية الأمر. هل يستطيع بشّار استخدام بوتين للبقاء في السلطة، أم لدى الرئيس الروسي حسابات من نوع آخر. تقضي هذه الحسابات باستخدام رئيس النظام السوري في لعبة تحسين شروط الكرملين في تعاطيه مع إدارة ترامب.
كلّ ما صدر عن قمة أنقرة لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة. اتفقت الدول الثلاث على المحافظة على وحدة الأراضي السورية. كيف يمكن لوحدة سوريا أن تجمع بين التركي والروسي والإيراني في حين ليست هناك أي دولة من الدول الثلاث مهتمة ببقاء سوريا موحّدة.
لدى تركيا همّها الكردي. وهذا يعني أنّها تعدّ نفسها للبقاء طويلا في الشمال السوري وحول حلب وحتّى في حلب نفسها.
أمّا روسيا، فلديها همّان. الأول الساحل السوري الذي تريد البقاء فيه إلى الأبد، والثاني الورقة التي اسمها رأس النظام. هل ستجد من يشتري هذه الورقة في أي وقت من الأوقات، خصوصا في واشنطن. تأخرت روسيا في استخدام هذه الورقة.
الطفل يعرف أن النظام السوري انتهى وشبع موتا، حتّى لو دعي إلى لقاء عربي هنا أو هناك، وأنّ سوريا دمّرت مدنا وريفا. كل ما يستطيع النظام عمله هو أن يكون ناطورا على الخراب ورمزا للبؤس والظلام اللذين يهيمنان على كل منطقة من المناطق السورية وشاهدا عليهما.
أمّا إيران، فأقل ما يمكن قوله أن لا وجود لكلمة تصدر عن أيّ مسؤول فيها ذات علاقة بالواقع والحقيقة. على سبيل المثال، قال الرئيس حسن روحاني على هامش قمّة أنقرة “بعض البلدان، وبينها أميركا، تساعد جماعات إرهابية مثل الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا التي تخدم مصالح هذه الدول. تعتقد إيران أنّ لا وجود لحل عسكري للأزمة السورية. الحفاظ على استقلال سوريا أولوية بالنسبة إلى إيران”.
لا حاجة إلى تفنيد كلّ عبارة، بما في ذلك الكلام عن مساندة أميركا لجماعات إرهابية. فإذا كانت أميركا تساند “داعش” ماذا عن “الدواعش” التي تدعمها إيران، بل التي صنعتها إيران، وهي ميليشيات مذهبية منتشرة في كلّ المنطقة تشكل الوجه الآخر لـ“داعش” السنّية.
لعلّ الجانب الأهم في كلام روحاني هو ذلك المتعلّق بـ“الحفاظ على استقلال سوريا”. أي سوريا يريد الرئيس الإيراني المحافظة على استقلالها… هذا إذا بقي شيء من سوريا، غير أنّها تابع لطهران أحيانا ولموسكو في أحيان أخرى.
بعض الاحترام لعقول الناس يبدو ضروريا بين وقت وآخر. ليس هناك من يريد المحافظة على وحدة سوريا التي انتقلت من أزمة إلى أخرى منذ اليوم الذي استقلّت فيه. في سوريا، كان أول انقلاب عسكري في العالم العربي في آذار – مارس 1949. وفي سوريا كان هروب للوحدة مع مصر في 1958 من دون أن يكون هناك أساس منطقي لمثل هذه الوحدة التي جلبت الخراب إلى البلد وأسست للنظام الأمني فيه، وهو النظام الذي كرّسه حزب البعث ثمّ الضباط العلويون الذين مهدوا لوصول حافظ الأسد إلى السلطة والاستفراد بها عن طريق اللعب من تحت الطاولة مع إسرائيل، ومن فوق الطاولة مع إيران.
ليس الوضع السوري الحالي سوى نتيجة طبيعية لممارسات نظام لعب طوال نصف قرن على التناقضات في المنطقة. شمل ذلك تفجير لبنان من الداخل والرهان على اللا حرب واللا سلام مع إسرائيل بغية الوصول إلى وضع أصبح فيه ضمّ هضبة الجولان المحتلة منذ العام 1967 أمرا واقعا.
لم تنعقد قمّة أنقرة من أجل المحافظة على وحدة سوريا. انعقدت من أجل تنظيم عملية تفكيك سوريا والبحث في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي في حال حصوله.
لم يعد مصير سوريا لغزا، خصوصا أنّه سيُفرض عليها في مرحلة معيّنة دستور جديد يجعل منها دولة فيدرالية، أي دولة تتقاسم فيها النفوذ قوى خارجية. اللغز الحقيقي ما الذي تريده إدارة ترامب؟ وهل هي مختلفة، في ما يخص سوريا، عن إدارة باراك أوباما؟
اللغز الحقيقي الآخر كيف ستجد إيران وسيلة لضمان بقائها في منطقة سورية معيّنة تعتبرها حيوية للربط بينها وبين “حزب الله” في لبنان؟ يظل للحزب أهمية كبيرة بالنسبة إلى النظام الإيراني إذ يعتبره من أكبر الإنجازات التي حققها في الخارج منذ قيام “الجمهورية الإسلامية” في العام 1979.
تدخل الحرب السورية هذه الأيام مرحلة جديدة. إنها حرب إعادة تنظيم للاحتلالات والوصايات لا أكثر ولا أقل. ستسقط ضحايا كثيرة أخرى، تماما كما حصل في الغوطة الشرقية. ستكون هناك مفاجآت. يمكن أن ينزل عدد اللاعبين الخارجيين من خمسة إلى أربعة إذا انسحبت أميركا من شرق الفرات. الثابت الوحيد أن المرحلة الجديدة لن تكون أقلّ صعوبة وتعقيدا من المراحل التي مرّ بها البلد منذ اندلاع الثورة الشعبية في مثل هذه الأيام قبل سبع سنوات.
خابت توقعات المحللين والمختصين بالشؤون التركية سواء أولئك القادمين من الأوساط الاستخباراتية أو من يكتبون ويحللون في وسائل الإعلام. يمكننا القول إن السبب الأهم في ذلك هو الأحكام المسبقة علاوة على بعض "الأساطير" التي تقبلها البعض على أنها ثوابت لا جدال فيها.
الفرضية الأولى التي توافق عليها المحللون هي أن كادر القوات المسلحة ومعنوياته وقدراته التقنية كانت في الحضيض. وهناك سلسلة من التطورات التي دعمت هذه الفكرة في الآونة الأخيرة.
فالجيش فقد ذخيرته البشرية بداية مع قضية أرغنيكون، وبلغ النزيف ذروته في المحاولة الانقلابية صيف 2016. خرج أو سُرّح الآلاف من الضباط وضباط الصف من الخدمة، وتعرض نظام الجيش إلى هزة عنيفة.
كانت فكرة أن معنويات وحماسة الجيش مفقودة وأنه من الصعب عليه مجابهة مشكلة متعددة الأوجه كعفرين، شائعة في التحليلات المبنية على المعطيات المذكورة أعلاه. وكان من المعتقد أن الجيش التركي سيتخبط في عفرين وسيفقد السيطرة على الوضع.
الفرضية الثانية تضمنتها تحليلات تتحدث عن معاناة الجيش التركي من نقص الذخيرة. وبحسب الفرضية فإن القوات المسلحة التركية تواجه مشكلة خطيرة على صعيد الإمداد اللوجستي، ولهذا لن تتمكن من القيام بعملية طويلة الأمد، وستستسلم بسرعة.
بيد أن تركيا حلت بسرعة المشكلة اللوجستية لعملية بحجم وطبيعة "غصن الزيتون". نجحت في تصنيع السلاح المحلي القادر على تغيير شروط اللعبة.
وتمكنت من ادخال الطائرات المسيرة المسلحة والتقنية بسرعة فكان لها تأثير قاتل على تنظيم مثل "بي كي كي" يزعم أنه بارع في القتال بأسلوب "حرب العصابات".
الفرضية الثالثة التي خاب فيها المحللون هي "الأساطير" الرائجة عن المهارات والقدرات القتالية لتنظيم "بي واي دي/ بي كي كي".
يمتلك تنظيم "بي كي كي" خبرة أربعين عامًا، وفوق ذلك فإن الولايات المتحدة تمده بالسلاح والعتاد. حارب داعش بشكل جيد وحاز على "تقدير" الغرب. وبالنظر إلى الناحية الإعلامية كانت معنويات التنظيم مرتفعة جدًّا.
كما أن القوات الخاصة الأمريكية دربته، وذكرت مصادر عسكرية أن ثلاثة آلاف عنصر من عناصره توجهوا إلى عفرين للقتال.
كانت التوقعات تشير إلى أن التنظيم سيحقق مفاجآت في عفرين، ومن خلال ذلك تُظهر القوات الخاصة الأمريكية كيف دعمت ودربت وكيلها ليحقق نجاحًا فشلت هي بتحيقه في أفغانستان.
فرضية أخرى تهاوت في عفرين، وهي أن عملية غصن الزيتون ستدفع المتعاطفن مع التنظيم في تركيا للنزول إلى الشارع والإخلال بالنظام العام. وستقع الدولة في مأزق حرج جراء اضطرارها لتفريق هؤلاء بالقوة. لكن شيئًا من هذا لم يحدث، ومرت العملية بهدوء، فلم يتأثر الاقتصاد بكلفة العملية ولم تقع احتجاجات.
من الواضح أن لعملية "غصن الزيتون" تداعيات عسكرية وسياسية ودبلوماسية. أظهرت العملية في الوقت ذاته الأحكام المسبقة الإيديولوجية والشخصية لدى المحللين الذين يكتبون عن الشؤون التركية.
تساءل ملايين المهجّرين واللاجئين السوريين عن مصير ممتلكاتهم عقب إصدار "بشار الأسد"، قانون "10"، الثلاثاء الماضي، والذي يقضي في مادته الثانية بتقديم أصحاب الأملاك أو وكلاءهم لتقديم الوثائق والمستندات المؤيدة لحقوقهم خلال ثلاثين يوماً فقط، للدوائر المسؤولة لإثبات ملكيتهم.
وفي الواقع من المستحيل أن يتمكن أكثر من 10 مليون سوري مهجر ولاجئ مطلوبين للنظام السوري، ناهيك عن مئات آلاف المعتقلين في سجونه، ومئات آلاف الذين قتلوا تحت قصفه، من أن يثبتوا ملكيتهم لأي عقار أو أرض في سوريا.
وماذا عن الوكلاء؟ فالنظام السوري يدرك تماماً أنه لن يتمكن أحد موجود في قائمة المطلوبين، ان يوكل محامي، فأي محامي سيرضى أن يتوكل ولو أخذ نصف الأملاك لشخص مطلوب بتهمة "الثورة"، وأي ابن سيرضى أن يقدم أباه أو أخاه أوراق ثبوتية لممتلكاته، فالنتيجة معروفة، الوكيل (الأب أو الأخ) في السجن بتهمة التواصل مع شخص إرهابي والممتلكات أولا وأخيراً ستعود إلى جيب النظام.
استغلال النظام السوري للحرب لا يحتاج لتمعن، وأسهل طريق لديه في هذه الأوضاع هو فرض قانون الطوارئ، الذي يشرعن له سن قوانين جديدة باسم حفظ لأمن وإعادة التنظيم في البلاد، سن قانون "10" الجديد ليس بالمفاجأة، فقد سبقه عمليات تهجير ممنهجة في الكثير من المحافظات السورية تمهيداً للتغير الديمغرافي في سوريا، والتي كان آخرها تهجير أهالي الغوطة الشرقية، وما النتيجة إلا بدء مرحلة سن التشريعات والمراسيم، واللعبة اليوم واضحة وهي نقل ملكية الأراضي والعقارات بعد التهجير بذريعة القانون.
وظيفة أعضاء مجلس الشعب التابع للنظام السوري، ديناميكياً هو التصفيق والتمجيد، ومن الطبيعي أن يقوم بإقرار قانون " 10" المتعلق بالتنظيم العمراني، والذي يقضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية، وذلك بناءً على اقتراح وزير الإدارة المحلية والبيئة.
ووسط تكهنات حول مصير أملاك المهجرين، فإن السيناريو الأكثر طرحاً سيكون بنزع ملكيات الأراضي والعقارات من السوريين الذين عارضوا نظام الأسد، ومنحها للفئة العلوية التي تعود أصول معظمهم للمنطقة الساحلية، بعد توزيع الحصة الأكبر للوافدين الجدد من إيرانيين وحزب الله وشيعة العراق، ، وغداً سنسمع عن مرسوم جديد يقضي بتجنيس أصحاب الأملاك التي ستؤول اليهم تلك العقارات والأراضي، والنتيجة شعب سوري جديد من طائفة "شيعية".