تصاعد الاحتجاجات في حلب: رفض نقابي وطلابي لقرارات وزارة التربية بشأن المعلمين ومراكز الامتحان
كلّف وزير التربية والتعليم، الدكتور محمد عبد الرحمن تركو، مدير التخطيط والتعاون الدولي في الوزارة، الأستاذ "يوسف عنان"، بمتابعة تنظيم عملية توزيع طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية على المراكز الامتحانية في محافظة حلب.
وأوضحت الوزارة في بيان صحفي أن قرار التكليف جاء عقب اعتراضات متكررة من الطلاب والأهالي، تتعلق بآلية توزيع المراكز الامتحانية، وما تسببه من أعباء إضافية، خصوصاً في ظل التوزع الجغرافي الواسع للطلاب بين المدينة وريفها.
وسيُشرف الأستاذ "عنان" على تنظيم العملية بشكل مباشر، كما سيقوم برفع مقترحات جديدة بالتنسيق مع محافظ حلب ومديرية التربية والتعليم في المحافظة، بما يضمن العدالة والمرونة في توزيع المراكز.
وتهدف هذه الخطوة، بحسب الوزارة، إلى تخفيف الضغط النفسي واللوجستي عن الطلاب، وضمان أن تكون المراكز الامتحانية أقرب ما يمكن إلى أماكن سكنهم، ما يسهم في تحسين ظروف الامتحان ويعكس اهتمام الوزارة بمتابعة أدق التفاصيل المتعلقة بالعملية التربوية.
وشهدت مدينة عفرين شمال حلب وقفة احتجاجية شارك فيها عدد من الطلاب، عبّروا خلالها عن رفضهم لقرار وزارة التربية والتعليم القاضي بتحديد مدينة حلب كمكان وحيد لإجراء الامتحانات، معتبرين القرار مجحفاً وظالماً بحقهم.
ورفع الطلاب لافتات كُتبت عليها رسائل مباشرة إلى وزير التربية والتعليم "عبد الرحمن تركو"، عبّروا من خلالها عن استيائهم من القرار الذي تجاهل، برأيهم، واقعهم الجغرافي والأمني والمعيشي.
واعتبروا أن التنقل إلى مدينة حلب يشكّل عبئاً كبيراً، سواء من حيث الجهد الكبير أو الكلفة المادية، ما يضع العديد منهم أمام خيار صعب، إما التخلي عن استكمال تعليمهم، أو تكبد عناء السفر والتكلفة المادية، وطالب المحتجون بإعادة النظر في القرار، واعتماد مراكز امتحانية داخل المناطق التي يقيم فيها الطلاب، بما يراعي ظروفهم الخاصة ويضمن مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم.
وشهدت دائرة الامتحانات في مدينة حلب ازدحاماً خانقاً مع توافد آلاف الطلاب من حاملي شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، القادمين من مختلف مناطق الريف للتسجيل في الامتحانات، وسط ظروف خدمية وتنظيمية بالغة الصعوبة.
وفي التفاصيل أفادت مصادر إعلامية بأن الطلاب القادمون من مناطق بعيدة مثل منبج وجرابلس اضطروا للانتظار لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، دون وجود تنظيم واضح أو آلية مرنة تُسهم في تخفيف العبء عنهم.
هذا المشهد الفوضوي دفع بالكثيرين إلى التعبير عن شعورهم بالإحباط والإرهاق، في وقت وصفوا فيه الإجراءات بالمعقدة والعشوائية وقال أحد الطلاب "أحاول منذ أكثر من ستة أيام أن أتسجل من دون جدوى".
وأضاف أن "الازدحام شديد، والانتظار طويل، ولم أستطع إنجاز معاملتي حتى الآن" ويؤكد أن مئات الطلاب الذين افترشوا الأرصفة، بعضهم قدموا من مناطق نائية، واستيقظوا قبل الفجر على أمل إنجاز معاملاتهم، ليصطدموا بمشهد لا يقل تعقيداً عن رحلتهم الطويلة.
و وصف أحد الطلاب الإجراءات بأنها "معقدة جداً"، مشيراً إلى أن اليوم هو آخر موعد للتسجيل، وقال: "أنا هنا منذ السابعة صباحاً، ولا يزال مئات الطلاب بحاجة إلى تدخل عاجل من وزارة التربية لتبسيط العملية".
و دعا طلاب إلى حلول أكثر واقعية، وأكدوا على ضرورة "فتح مراكز تسجيل إضافية في الريف أو تفعيل نظام التسجيل الإلكتروني، بحيث تتم الإجراءات المبدئية عن بُعد، ثم يأتي الطالب فقط لدفع الرسوم".
الشكاوى لم تتوقف عند سوء التنظيم، بل طالت أيضاً ما وُصف بتجاوزات واضحة، إذ تحدث عدد من الطلاب عن اضطرارهم لدفع رشاوى من أجل تسريع دورهم في ظل غياب الرقابة، ما فاقم شعورهم بالتمييز والظلم.
بيانات وحراك رافض في حلب
وكانت أصدرت نقابة المعلمين السوريين الأحرار بياناً شديد اللهجة، عبّرت فيه عن رفضها القاطع لجملة من القرارات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم، ووصفتها بأنها "مجحفة وظالمة" بحق المعلمين والطلاب في المناطق المحررة.
وأكدت النقابة، انطلاقاً من واجبها الأخلاقي والوطني، رفضها استمرار سياسة التهميش تجاه المعلمين من خلال اعتبارهم "وكلاء" رغم سنوات طويلة من العمل التطوعي في ظروف الحرب والتهجير، من دون تثبيت أو ضمان لأي حقوق وظيفية. كما استنكرت النقابة تصنيف المعلمين المفصولين أو المنقطعين عن العمل على أنهم "مستقيلون"، وتجريمهم بالقانون رقم 364، معتبرةً ذلك استهدافاً تعسفياً لفئة قدمت تضحيات جسيمة.
وفيما يتعلق بالطلاب، انتقدت النقابة بشدة قرار إلزام طلاب الثالث الثانوي "الأحرار" بالسفر إلى محافظة حلب لتقديم الامتحانات، رغم وجود القدرة على تنظيمها محلياً في مناطقهم، معتبرةً القرار تهديداً مباشراً لحقهم في التعليم الآمن والعادل.
وأكد البيان أن "كرامة المعلم والطالب لا تُساوم"، وطالب بتثبيت المعلمين المتطوعين، وإنصاف المفصولين، وتوفير بيئة آمنة للطلاب خلال الامتحانات، دون تحميلهم أعباء أو مخاطر إضافية، و دعت النقابة جميع الشعب النقابية إلى التحرك العاجل، والاجتماع بالمعلمين وممثلي الطلاب، وحشد كافة الجهود الإعلامية والمجتمعية للدفاع عن التعليم وحقوق كوادره.
الطلاب في مواجهة تحديات مريرة بسبب توزيع المراكز الامتحانية
يعاني طلاب الثالث الثانوي الأحرار من تبعات قرار تحديد مراكز الامتحان في حلب المدينة، وهو ما يضعهم أمام خيارين كلاهما مرّ، لا يراعي ظروفهم المعيشية والأمنية الصعبة. فإما أن يستأجر الطالب منزلاً داخل المدينة خلال فترة الامتحانات، ويتكبد نفقات الإيجار والمرافق، إلى جانب الحاجة لجلب أحد أفراد أسرته لمرافقته وخدمته كي يتفرغ للدراسة، وهو ما يشكّل عبئاً هائلاً على العائلات ذات الدخل المحدود.
أو أن يختار الطالب السفر يومياً إلى إدلب أو حلب، مما يعرضه للإرهاق الجسدي والنفسي، ويجعل حضوره للامتحانات محفوفاً بالمخاطر، لا سيما في حال تعطل المركبة أو حدوث طارئ على الطريق.
بيان طلاب وطالبات الريف الشمالي: لا للقرارات المجحفة
في السياق ذاته، أصدر طلاب وطالبات الريف الشمالي بياناً أعلنوا فيه رفضهم المطلق لقرار نقل مراكز الامتحانات إلى مدينة حلب. وأكد البيان أن هذا القرار يتجاهل تماماً الظروف الحياتية والأمنية للطلاب، خاصة في ظل محدودية الموارد وصعوبة التنقل، فضلاً عن الأوضاع الاجتماعية التي تمنع الكثير من الطالبات من السفر لمسافات طويلة لأداء الامتحانات.
وأشار البيان إلى أن هذا القرار لا يضع في الاعتبار الواقع الفعلي للطلاب، ويعرّض مستقبلهم للخطر. وطالبوا بنقل المراكز الامتحانية إلى مناطق الريف الشمالي، وتوفير بيئة آمنة ومناسبة للجميع، مع التأكيد على أن مطالبهم لا تتجاوز الحد الأدنى من الحقوق الأساسية في التعليم.
دعوات للتراجع ومطالب بتحقيق العدالة التعليمية
في ظل هذا الحراك الطلابي والنقابي المتصاعد، تتزايد الأصوات المطالبة بضرورة مراجعة القرارات الأخيرة لوزارة التربية، وتغليب المصلحة العامة والعدالة التعليمية. فقد عبّر الطلاب والمعلمون على حد سواء عن معاناتهم في مواجهة قرارات لا تراعي الواقع، داعين الجهات المعنية إلى التراجع الفوري، والعمل على صياغة سياسات تعليمية تراعي كرامة الإنسان وظروفه.