
أطباء بلا حدود تطلق برنامجاً لدعم الناجين من الاعتقال والتعذيب في سوريا
أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" عن إطلاق مشروع طبي ونفسي جديد في سوريا مخصص للناجين من الاعتقال والتعذيب، وذلك استجابةً للاحتياجات الكبيرة التي خلفها إرث نظام الأسد البائد، الذي ارتكب على مدى أكثر من خمسة عقود واحدة من أبشع تجارب الاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب في العالم، حتى وصفت معتقلاته منظمات دولية مثل "العفو الدولية" بأنها "مسالخ بشرية".
وقالت المنظمة في بيان عبر موقعها الرسمي إن "ظلام المجهول طغى على عتمة الزنازين"، مشيرة إلى أن سنوات الحرب التي استمرت 14 عاماً فاقمت من شيوع الاعتقالات التعسفية التي طالت الآلاف من دون محاكمات، وخلّفت إصابات جسدية وصدمات نفسية وحالات صحية مزمنة لدى الناجين.
شهادات الناجين
ونقلت المنظمة شهادة سيدة خمسينية تُدعى "سهى" (اسم مستعار) اعتُقلت عام 2018 لمدة ست سنوات من دون تهمة، حيث قالت: "أُخذت إلى الحبس الانفرادي بينما وُضعت بناتي في زنزانة أخرى. لم أكن أعلم عن مصيرهن شيئاً، ولم أكترث للضرب الذي تعرضت له بقدر ما كنت أرجو أن أراهن بخير".
ونالت سهى حريتها مع مئات المعتقلين حين أُسقط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، لتخرج من سنوات الاعتقال القاسية التي تميزت بالحرمان من الطعام والعلاج، والتعرض المستمر للتعذيب النفسي والجسدي.
برنامج دعم متكامل
استجابةً لهذه الأوضاع، أطلقت "أطباء بلا حدود" برنامجاً تجريبياً في إدلب ثم توسع لاحقاً ليشمل عيادة متخصصة داخل "مستشفى المجتهد" في دمشق، وأخرى في كفر بطنا بالغوطة الشرقية، وهي منطقة عُرفت بمقاومتها للنظام السابق وتعرضها لحصار وقصف شديد.
ويقدّم البرنامج استشارات طبية عامة، وإحالات إلى مراكز الرعاية المتخصصة، إضافة إلى دعم نفسي واجتماعي وخدمات عمل اجتماعي تربط المرضى بالمساعدات غير الطبية عبر منظمات محلية.
وقالت لورا غوارديولا، المستشارة الطبية للمشروع في دمشق: "الاعتقال تحت ظروف غير إنسانية يترك جروحاً نفسية عميقة ودائمة، تحتاج وقتاً ورعاية حتى تبدأ بالتعافي".
النساء والناجون من العنف الجنسي
أوضحت المنظمة أن الوصول إلى النساء ما زال محدوداً، إذ لم تتجاوز نسبة الاستشارات معهن في دمشق 15% خلال أول شهرين، بينما تتردد كثير من المعتقلات السابقات في طلب المساعدة بسبب وصمة العار، خاصة الناجيات من العنف الجنسي. أما الأطفال، فإقبالهم على الاستشفاء أقل من النساء، رغم تعرضهم أيضاً لانتهاكات جسيمة.
طريق صعب نحو التعافي
مع خروج المعتقلين إلى واقع جديد، تبقى ذكريات السجون حاضرة في تفاصيل حياتهم اليومية، مما يجعل إعادة اندماجهم في المجتمع أكثر صعوبة. وتقول سهى: "ذلك النفق المؤدي إلى المزة سيبقى محفوراً في ذاكرتي، يذكرني بأنني لم أعد يوماً إلى منزلي سالمة". وأضافت: "أفكر بالانتقام أحياناً، لكنني أعلم أن الكراهية تؤذيني أنا فقط، لذلك أريد التخلص من هذا العبء".