
الدكتور النابلسي: سورية تحررت ولن تعود إلى الوراء.. رسائل تسع تؤسّس لرؤية وطنية جديدة
أصدر الدكتور محمد راتب النابلسي، عضو مجلس الإفتاء في سوريا، بيانًا هامًا حول الأحداث الأمنية المؤسفة التي شهدتها مؤخراً منطقتا جرمانا وأشرفية صحنايا بريف دمشق، وجّه فيه جملة من الرسائل الوطنية والدينية، داعياً فيها إلى التعقل ونبذ الفتنة، مؤكدًا أن سوريا بدأت مرحلة جديدة من الحرية، ولن تعود إلى الوراء.
إدانة لنظام البعث وممارساته الطائفية
وفي مستهل بيانه، حمّل الدكتور النابلسي نظام حزب البعث، الذي وصفه بـ"العصابة المجرمة"، مسؤولية خراب البلاد وتمزيق نسيجها الاجتماعي، قائلاً إن هذا النظام لم يترك لوناً من ألوان القمع والفساد إلا ومارسه، حيث شرّد الناس، واعتقلهم، واغتصب الأموال، وانتهك الأعراض، وأهان الكرامات.
وأوضح أن النظام نشر ثقافة طائفية دخيلة على الشعب السوري وتاريخه، مستخدمًا تلك الورقة وسيلة لتفتيت وحدة البلاد وتأمين ولاء الطوائف لصالح بقائه في السلطة، فيما استُدرج بعض أبناء الطوائف للمشاركة في الاستبداد أو التواطؤ معه.
دعوة إلى وأد الفتنة ومواصلة بناء الوطن
وفي سياق آخر، أكد النابلسي أن العلماء أدّوا واجبهم الوطني والديني في منع مظاهر الانتقام والفوضى بعد سقوط النظام، وحرصوا على تهدئة النفوس وفتح صفحة جديدة أساسها المحبة والعدالة، مشيراً إلى أن وأد الفتنة واجب يقع على عاتق الجميع من أجل بناء وطن يسوده السلام والأمل.
رسائل تسع تؤسّس لرؤية وطنية جديدة
الدكتور النابلسي قدّم من خلال بيانه تسع نقاط رئيسية وصفها بـ"مفصلية" في مسار التحول السوري نحو الاستقرار والعدالة، محذرًا من مخاطر الفتنة ومؤكدًا على ضرورة الوحدة والاحتكام إلى مبادئ المواطنة والعدل:
1. سوريا تحررت ولن تعود إلى الوراء
أكّد النابلسي أن الشعب السوري قد استعاد حريته بعد سنوات طويلة من الاستبداد، وأن هذه الحرية غدت مكسبًا لا يُفرّط فيه. وقال إن السوريين اليوم على استعداد للدفاع عن هذا المكسب بالغالي والنفيس، في وجه كل محاولات الارتداد إلى الوراء.
2. الحقوق مصانة لجميع السوريين دون تمييز
شدد على مبدأ المساواة الكاملة بين المواطنين، مؤكداً أن كرامات الناس وأموالهم وأرواحهم ليست خاضعة لأي تصنيف طائفي أو مناطقي، وأن القانون يجب أن يكون هو الحَكَم والضامن الوحيد للحقوق.
3. الطائفية ليست تهمة ولا امتيازًا
بيّن النابلسي أن مجرد الانتماء الطائفي لا يمنح صاحبه ميزة ولا يضعه موضع اتهام، مبرزًا أن المعيار الأخلاقي الوحيد هو الوقوف ضد الجريمة ورفض الظلم.
4. المواطنة الحقيقية تتجلى في مواجهة الجريمة
دعا النابلسي إلى الانحياز الدائم لقيم العدالة والانضواء تحت راية الوطن، بعيداً عن العصبيات والانتماءات الضيقة، مؤكدًا أن من يتستر على المجرمين أو يبرّر لهم لا ينتمي للوطن بحق.
5. الاستقواء بالأجنبي خيانة عظمى
اعتبر النابلسي أن أي لجوء إلى قوى خارجية، سواء كانت دولاً محتلة أو جهات أجنبية، يمثل خيانة واضحة للوطن وشركاء الدم والمصير، وهو ما يضرب قيم التعايش السلمي في العمق.
6. العدالة الانتقالية أساس الاستقرار
طالب بضرورة تطبيق عدالة انتقالية حقيقية وعاجلة بحق من تورّطوا في ارتكاب الجرائم بحق السوريين، مؤكداً أن هذه العدالة تمثّل الشرط الأوّل لأي مشروع سلمي وطني جامع.
7. استغلال الطوائف لإفشال التحرر مخطط قديم مكشوف
أشار إلى محاولات مستمرة لاستغلال أبناء بعض الطوائف بهدف تقويض حالة التحرر الوطني الراهنة، مشدداً على أن وعي السوريين المتنامي بات كفيلاً بإفشال هذه المخططات.
8. الحكمة والتعقّل في مواجهة الفتنة
ناشد السوريين كافة بضبط النفس وتجنّب الانفعال، داعيًا إلى ترك المعالجة للمؤسسات الرسمية والأجهزة المختصة، محذرًا من أن التصرفات الفردية تُعقّد الأوضاع ولا تحلّها.
9. الوعي الرقمي مسؤولية أخلاقية ووطنية
اختتم النابلسي رسائله بالتنبيه إلى أهمية تحمّل المسؤولية عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، موضحاً أن للكلمة في أوقات الفتنة وقعًا أشد من الرصاص، داعيًا إلى نشر ما يوحّد الصف لا ما يفرّقه.
سوريا التي نريدها: حرية وعدالة وكرامة
وختم الدكتور النابلسي بيانه بالتأكيد على أن سوريا التي ينشدها السوريون هي دولة موحّدة، عادلة، لا إقصاء فيها ولا احتكار، دولة يحكمها القانون وتستند إلى إرادة الشعب، وتحفظ كرامة الإنسان وحقه في الحرية والمواطنة. ودعا الجميع إلى الالتفاف حول مشروع وطني جامع، يعيد بناء سوريا من رماد الألم، ويستثمر في وعي الشعب وتضحياته من أجل مستقبل يستحقه الجميع.