رحلة كرامة في زمن النار: شهادة طالبة من إدلب على مقاعد الخطر
رحلة كرامة في زمن النار: شهادة طالبة من إدلب على مقاعد الخطر
● تقارير إنسانية ١ مايو ٢٠٢٥

رحلة كرامة في زمن النار: شهادة طالبة من إدلب على مقاعد الخطر

لم تكن دراستي الجامعية مجرد سنوات من الكتب والمقررات، بل كانت ملحمة شخصية، خضتُ فيها معركة بقاء للحلم وسط رماد الحرب. لم أكن طالبة فحسب، بل كنت شاهدة على زمنٍ تنزف فيه الأحلام وتتشبث فيه الكرامة بخيط رفيع من الأمل.

كانت نقطة التحول في عامي الثاني، حين خرجت مدينة إدلب عن سيطرة النظام. شعرتُ يومها وكأن المدينة تنفست الصعداء عني، وكأن سجنًا فُتح ببطء. لكن لحظة النشوة لم تكتمل، إذ أصبحت جامعتي بعيدة، شبه مستحيلة. لم أستسلم، حملتُ أختي وقلقي، وذهبنا إلى جامعة حماة الخاضعة للنظام. 


الرحلة التي بدأت بالأمل انتهت على حاجز عسكري حيث وقعنا في فخ الإهانة والذل. ادّعى الجنود أن الحافلة تحوي متفجرات. تفتيش، شتائم، وضربٌ لشاب فقط لإذلاله. لم أُصب جسديًا، لكن كرامتي ضُربت في صميمها. وعدتُ يومها بقرار واحد: لا علم يُطلب على حساب الكرامة.

مرّت شهور وأنا أراقب أحلامي تتآكل بصمت. لكنني لم أنسَ الطريق. حين فُتحت لي فرصة لمتابعة الدراسة في إدلب، قفزتُ إليها دون تردد. لا شيء كان سهلاً. كل شيء من حولنا كان يدفعنا للانسحاب: القصف، المخاوف، الأصوات المثبطة: "شو هالدراسة؟"، "ما إلها قيمة!". لكنني كنت أتابع الطريق بابتسامة عنيدة، لأنني ما كنت أبحث عن شهادة، بل عن نفسي التي تركتها ذات يوم على مقعد خشبي في قاعة باردة.

كانت السماء تمطر نارًا، والطائرات لا تغيب، والمقاعد تفرغ أحيانًا من أصحابها إلى الأبد. لن أنسى ذاك اليوم الذي استُشهد فيه شاب من أبناء حارتي، زميل مقاعد وحلم مشترك. سقط بيننا، على عتبة الحياة، بينما صرخات أهله تشقّ صدر السماء. والدته ناحت على جثته: "ما لحقت أفرح فيه!". لم يكن مشهدًا عابرًا، بل جرحًا مفتوحًا في ذاكرة لا تنسى.

ورغم كل ذلك، أكملتُ. وتخرجت بمعدل 80%. تحت القصف، فوق الخوف، بجانب الشموع. وبعد التخرج، حظيتُ بفرصة عمل محترمة، شعرتُ معها أن كل خطوة في طريقي المثقل لم تذهب سدى. كان ذلك العمل بداية جديدة في حياة تشبه الحلم وسط ركام الواقع.

لقد اخترت أن أمشي هذا الطريق، رغم الأشواك. لم يكن سهلاً، لكنه كان طريقي… وأنا مشيتُه حتى النهاية.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ