الشيباني: لن نوقّع اتفاقًا مع إسرائيل قبل الانسحاب… وقدمنا لـ«قسد» كل شيء
قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في مقابلته مع مجلة «المجلة»، التي أُجريت في مقر إقامته في لندن في الثالث عشر من نوفمبر 2025، إنّ الانتقال من المقاربة الأميركية الحذرة تجاه الحكومة السورية الجديدة إلى الشراكة السياسية المباشرة لم يكن فجائيًا، بل جاء نتيجة سلسلة من اللقاءات والاختبارات انتهت بالحدث المفصلي في الرياض في أيار الماضي، حين اجتمع الرئيس أحمد الشرع والرئيس دونالد ترمب بدعوة ورعاية مباشرة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وذكر الشيباني في حديثه للمجلة أنّ ما حصل كان «انقلابًا كاملاً» في الموقف الأميركي، وتحولًا من الترقّب إلى تبنّي الحكومة السورية ودعمها.
من الترقب الأميركي… إلى تبنّي الحكومة السورية
وأوضح الشيباني في المقابلة أنّ واشنطن قبل مايو كانت تعتمد، كما وصفها، «مقاربة شرطية وحذرة… تراقب ولا تنفتح»، مشيرًا إلى أنّ باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي، كانت أول مسؤول أميركي يلتقي القيادة السورية بعد سقوط النظام السابق بأسبوعين فقط.
وذكر أنه التقى لاحقًا ناتاشا فرانشيسكي في بروكسل، وأن الولايات المتحدة قدمت للحكومة السورية لائحة مطالب واضحة، إذ كانت واشنطن «تختبر» الحكومة لكنها لم تفتح أبوابها بعد، فالعقوبات قائمة والتطبيع مجمّد والحذر هو سيد الموقف.
وقال الشيباني إنّ المشهد تغيّر «في يوم واحد» حين دُعي الرئيس أحمد الشرع والرئيس دونالد ترمب إلى الرياض في الرابع عشر من مايو، وأنّ الأمير محمد بن سلمان «استخدم رصيده كمملكة ورصيده الشخصي لدعم سوريا»، مشيرًا إلى أنّه هو من دعا ترمب لإزالة العقوبات ودعاه للقاء الشرع.
وأضاف أنّ لقاء الشرع مع ترمب وولي العهد، الذي شارك فيه الرئيس رجب طيب أردوغان عبر الهاتف، كان تحولًا كبيرًا، لأنّ الأمير محمد «كان يزكّي سوريا»، وأردوغان أيضًا «كان يزكّي سوريا»، ومع هذا الدعم المشترك أصبح لدى ترمب «انطباع إيجابي جدًا عن سوريا».
وأكد الشيباني في مقابلته أنّ هذا اللقاء أدى إلى انتقال العلاقة الأميركية من الحذر إلى التعاون، ومن الاختبار إلى الشراكة، وصولًا إلى اللحظة التاريخية التي دخل فيها الرئيس أحمد الشرع لأول مرة في تاريخ سوريا إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في العاشر من نوفمبر 2025، حيث انضمت سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» وحصلت على ثلاثة تعهدات أميركية تتعلق بـ«قسد»، والاتفاق الأمني مع إسرائيل، و«قانون قيصر».
كيف فهمت واشنطن التغيير في سوريا؟
وذكر الشيباني أنّ إدارة ترمب «إدارة تقتنص الفرص وجريئة أكثر من الإدارات السابقة»، وأنّ التغيير الذي حصل في سوريا «فاجأ الكل»، وأنّ واشنطن رأت «فرصة تغيير كبيرة جدًا» في بلد أزاح النفوذ الإيراني، وغيّر اتجاهه السياسي، ولديه مصلحة مشتركة مع الأميركيين في مكافحة «داعش»، وأوقف تصدير الكبتاغون، ويمكن أن يكون «شريكًا محتملًا» في المستقبل.
وقال الشيباني إنّ الولايات المتحدة حافظت على موقف داعم للثورة السورية، وإن كان بدرجات متفاوتة، لكنها في المقابل حافظت على العقوبات، وقيّدت أي محاولة للتطبيع مع النظام السابق، وظلت «ضابطة إيقاع» حتى لحظة التحرير.
وأضاف أنّ واشنطن كانت تحتاج إلى ما يسميه «تزكيات» من حلفائها، وأنّ الانفتاح السوري على السعودية والأردن والدول العربية، والعلاقة الجيدة مع تركيا، لعبت دورًا مهمًا في تكوين صورة إيجابية أكبر لدى واشنطن.
وذكر في حديثه للمجلة أنّه حتى السفير الأميركي الذي عُيّن قبل أن يُسحب لاحقًا —وكان من الديمقراطيين ويتحدث العربية— كان لديه تواصل جيد مع القيادة السورية الجديدة، وأنّ الأميركيين رأوا «طرحًا عقلانيًا» و«تفكيرًا منطقيًا» من جانب الحكومة السورية.
لقاء الرياض: اللحظة التي غيّرت كل شيء
وتابع الشيباني قائلًا إنّ النقلة الكبرى التي وجّهت الأمور «بطريقة أكثر عملية» كانت لقاء السعودية، وإنّ دعم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان استخدم «رصيده كمملكة ورصيده الشخصي بالمراهنة على هذه الحكومة»، وأنّه هو من دعا ترمب لإزالة العقوبات وللقاء الرئيس الشرع.
وأشار الشيباني في مقابلته إلى أنّ الانطباع الأول للرئيس الأميركي كان إيجابيًا جدًا، وأنّه حضر اللقاء الذي شارك فيه الرئيس رجب طيب أردوغان عبر الهاتف، وأنّه شعر بأنّ من يزكّي سوريا في غرفة الاجتماع ليس طرفًا واحدًا فقط، بل «الأمير محمد بن سلمان والرئيس أردوغان معًا»، وأنهما كلاهما كانا يطلبان من ترمب «إزالة العقوبات أكثر وأكثر».
وقال إنّ ترمب، الذي تربطه علاقات قوية بتركيا والسعودية، خرج من اللقاء بانطباع إيجابي كبير عن الرئيس أحمد الشرع، وبذلك تبنّى التحول الحاصل في سوريا.
وأوضح الشيباني أنّ الحكومة السورية دخلت بعد ذلك في نقاشات مفتاحية مع واشنطن حول «داعش»، والكيماوي، والمفقودين الأميركيين، وشكل الحكومة الجديدة، والتنوع فيها، والحوار الوطني، والإعلان الدستوري، وكلها ملفات قالت القيادة السورية إنها أنجزتها كما ينبغي.
وأكد الشيباني أنّ السياسة الخارجية السورية انتقلت من معسكر سابق إلى اتجاه جديد يركز على «المعسكر العربي الخليجي الأوروبي الأميركي»، وأنّ الولايات المتحدة بدأت تتلقى الرسائل السورية وتفهمها، وأنّ «اللغة أصبحت قريبة»، وأنّ سوريا «دولة مهمة جدًا وليست هامشية» في المنطقة.
وعن السؤال عمّا إذا كانوا يتوقعون لقاء ترمب قبل نهاية السنة، قال الشيباني: «ولماذا لا نلتقيه؟ وسنلتقيه مرة أخرى أيضًا». وأضاف ردًا على سؤال آخر: «نرى سوريا قد الدنيا… نحن السوريين رأسنا كبير… نرى أنّ سوريا مهمة ولا نراها دولة بسيطة ليتحنن علينا أحد بلقاء. بالعكس نرى أننا نضيف للذي يقابلنا وليس العكس».
اتفاق دمشق – قسد… “قدمنا لهم كل شيء”
وعن ملف «قوات سوريا الديمقراطية»، قال الشيباني في مقابلته مع المجلة إنّ الاتفاق الذي جرى مدعوم من الأميركيين بشكل «كبير جدًا»، وإنّه أول اتفاق تقبل به دولتان كانتا مختلفتين دائمًا حول هذا الملف: تركيا والولايات المتحدة. وقال إنّ الحكومة السورية كانت «منطقية جدًا» في مقاربتها.
وأوضح الشيباني: «كحكومة، ماذا أفعل مع قسد أكثر مما أفعله؟ يوجد اتفاق، يوجد احترام، يوجد إيمان بالمشاركة، يوجد التزام بحقوق الأكراد، يوجد حتى وساطة مع تركيا، أنا أحل لك مشكلتك مع تركيا. حتى إذا كان لديك أتراك مطلوبون، أنا أتحدث مع تركيا لتصدر عفوًا عنهم ليعودوا».
وذكر أنّ الحكومة السورية «سارت بالتنازلات أو بالتسهيلات للأخير»، وأنّ دمشق كانت جاهزة «لكل ما يريدون فقط تعالوا لنتجاوز هذه المرحلة»،. ولو كان نظام الاسد أعطاهم 20 في المئة (من المعروض) كانوا وافقوا، نحن اليوم مع احترام وتبنٍ من الرئيس أحمد الشرع لكن رغم ذلك «لم تتم الأمور». وقال إنّ الأميركيين وعدوا بأن يكونوا ضامنين لتنفيذ الاتفاق.
وتحدث الشيباني عن النظرة الأميركية إلى «قسد» موضحًا أنّ هناك تيارًا يعتبرها «الطفل المدلل»، وتيارًا آخر يريد الانسحاب من سوريا، لكن المقاربة السورية الجديدة قدّمت للأميركيين خيارًا لا يحرجهم: «لا تتخلوا عنهم ولا تتركوهم حالة معلقة». وقال: «أدمجهم في الحكومة واطمئن عليهم، وبعدها إن أردت أن تغادر فالله معك».
وأضاف أنّه بهذه المقاربة يمكن للولايات المتحدة أن تقول إنها لم تتخلّ عن حليفها بل دمجته، وأنّ مكافحة «داعش» لن تضعف بل ستزداد قوة لأنّ سوريا انضمت للتحالف. وشدد على أنّ إنهاء “قسد” أو خروج الأميركيين «لن يعيد داعش»، خلافًا لما كان يخشاه كثيرون.
الاتفاق الأمني مع إسرائيل: لا اتفاق قبل الانسحاب إلى خط 7 ديسمبر
وعن الملف الإسرائيلي، قال الشيباني: «نحن لا نذهب إلى سلام بأي ثمن. لن نوقع أي اتفاق بينما تُحتل أرضنا. الشرط واضح: انسحاب كامل إلى خط 7 ديسمبر 2024. إن أرادوا اتفاقًا فليعودوا إلى الحدود. غير ذلك لا يوجد اتفاق… ولا تنازل».
وعندما سئل عن تصور دمشق للاتفاق الأمني، قال إنّ سوريا تتوقع «اتفاق ترتيبات أمنية»، وإنه سيكون نسخة من اتفاق 1974 «مع تغيير طفيف». ونفى وجود «مناطق عازلة»، وقال إنّ «مناطق محدودة السلاح» ستكون مؤقتة فقط، ضمن مراحل بناء الثقة.
وأكد الشيباني أنّ دمشق رفضت «نسف اتفاق 1974» وإحضار اتفاق جديد، لأنّ الاتفاق القديم معمول به منذ خمسين سنة وجرى تبنيه في مجلس الأمن، ولا حاجة لإعادة إنتاج اتفاق مختلف عام 2025. وقال إنّ استغلال الوضع الحالي لفرض وقائع جديدة «مرفوض تمامًا».
وعن الضمانات الأميركية للضغط على إسرائيل، قال الشيباني: «هناك وعد أميركي، لكن حتى نحن لن نوقع الاتفاق إذا لم يكن هناك انسحاب». وأضاف أنّ أي اتفاق بينما الأراضي محتلة هو اتفاق «غير قانوني»، وأنّ الشرط الأساسي هو الانسحاب، وأنّ «جوهر الاتفاق ليس شيئًا آخر».
وأكّد أنّ سوريا مستعدة لوضع قيود عسكرية في الجنوب ضمن العلاقة الأمنية، لكن دون مسّ السيادة أو فتح الباب لأي تدخل خارجي. وقال إنّ أي خرق أمني في الجنوب «ستلام فيه الحكومة السورية وحدها».
وأوضح أنّ سوريا ترى فرصة أيضًا لإسرائيل، لأنّ «هناك حكومة جريئة تتحدث بالعلن»، تريد اتفاقًا أمنيًا، وتريد العودة إلى خط 7 ديسمبر.
وعن اتفاقية السلام اللاحقة قال: «هذا يبحث بعد الاتفاق الأمني. وموضوع الجولان سيكون الأساسي فيه».
وعلّق على تقارير تحدثت عن دور القواعد الأميركية كضامن للاتفاق الأمني بالقول: «هذا غير صحيح. الخبر غير صحيح».
لسنا في اصطفاف… نحن مثل الهوائي نوجّه الإشارة حيث تكون المصلحة
وعن سؤال حول انتقال سوريا من محور إيران–روسيا إلى محور أميركا–الخليج، قال الشيباني إنّ سوريا «لا تؤمن بالمحاور»، وإنّها تريد الحفاظ على علاقة متوازنة مع جميع القوى لأنها تدخل مرحلة إعادة الإعمار التي قد تستمر «عشر أو خمس عشرة سنة» حتى الوصول إلى الشكل النهائي للدولة المستقرة.
وقال إنّ سوريا تحتاج إلى علاقات متوازنة كي لا تدخل في «استقطاب أمني أو استخباراتي أو عسكري» يشتت جهود إعادة البناء. وأضاف أنّه لا مشكلة في أن تميل العلاقات «بنِسب معيّنة» نحو هذا الطرف أو ذاك، لكن من دون ارتهان.
ثم قال الجملة التي لخص بها سياسة الخارجية السورية: «نحن مثل اللاقط الهوائي… أين إشارة المصلحة السورية نحول عليها». وأضاف أنّ سوريا «ليست دولة فاعلة تقلب موازين القوى العالمية»، وأنّ انحيازها لأي طرف «لن يهزم روسيا ولن يهزم أوكرانيا»، ولذلك فإنّ كل ما تريده هو ما يجلب «استقرارًا أمنيًا، وتنمية اقتصادية، ودعمًا للمرحلة الانتقالية».
وفي نهاية المقابلة أعاد الشيباني التأكيد على أن «سوريا تليق بالسوريين»، وأنّ السوريين، كما قال: «رأسنا كبير».