الطفل الأناني: كيف نحوّل السلوك السلبي إلى قيمة إيجابية؟
قد يجد الأهالي أنفسهم أمام تحدٍ حقيقي عند التعامل مع الطفل الأناني، الذي يميل إلى امتلاك كل شيء لنفسه دون مراعاة مشاعر إخوته أو الآخرين. هذا السلوك يدفعه إلى حب السيطرة والسعي الدائم للحصول على ما يرغبه فقط، متجاهلاً حاجات من حوله.
وتكون النتيجة غالباً إحباط الوالدين وصعوبة في ضبط مواقف الأسرة، فيما تتأثر العلاقات بين الأبناء ويشعر بعضهم بالظلم أو قلة التقدير، خاصةً عندما يضعف الأهل أمام رغبات الطفل الأناني ويستجيبون لكل مطالبه على حساب إخوته.
اضطراب العلاقة بين الإخوة
ويشير براء الجمعة، المختص في الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، في تصريحٍ خاص لشبكة شام الإخبارية، إلى أن تأثير الطفل الأناني يتجاوز الحدود الشخصية، ليخلق بيئة أسرية واجتماعية غير صحية.
ويُوضّح الجمعة أن الابن الأناني يجعل إخوته يشعرون بالظلم والغضب، إذ يُطلب منهم غالباً التنازل أو الرضوخ لرغباته لتجنّب الخلافات، مما يُولّد لديهم مشاعر سلبية وعدوانية مكتومة. ومع مرور الوقت، يؤدي هذا السلوك إلى اضطراب العلاقة بين الأشقاء وضعف الروابط الأسرية التي يُفترض أن تقوم على التعاون والتفاهم.
ويُضيف الجمعة أن استمرار هذا الوضع قد يُسهم في تشجيع سلوكَي “التملّق” أو “الانسحاب” بين الأشقاء، إذ يلجأ بعضهم إلى مجاراة الأخ الأناني والتقرّب منه في محاولةٍ للحصول على حقوقهم، بينما يختار آخرون الانسحاب والصمت، ما يفقدهم الثقة بقدرتهم على الدفاع عن أنفسهم أو التعبير عن احتياجاتهم داخل الأسرة.
تداعيات الأنانية
ويقول السيد براء الجمعة: "في السياق السوري الذي يعتمد على الروابط الاجتماعية والمشاركة العميقة، غالباً ما ينبذ الأطفال الأنانيين من مجموعات اللعب أو النشاط لأنهم يرفضون الالتزام بقواعد المجموعة أو المشاركة في الأغراض".
كما يواجه الطفل الأناني صعوبة في فهم مشاعر الآخرين أو التعاطف معهم، نتيجة ضعف مهاراته في هذا الجانب. وفي البيئات التي مرت بظروف قاسية أو معاناة، يزداد هذا النقص وضوحاً، مما يعيق قدرته على بناء علاقات داعمة ومستقرة.
وينعكس هذا السلوك أيضاً على تفاعله الاجتماعي، فيجد صعوبة في الاندماج ضمن أي نشاط جماعي مستقبلي، سواء في المدرسة أو في مبادرات المجتمع، إذ يتوقع دائماً أن يكون محور الاهتمام وصاحب القرار.
استراتيجيات للتعامل مع الطفل الأناني
ويقترح المختص مجموعة من الاستراتيجيات للتعامل مع الطفل الأناني، منوّهًا إلى أن الأنانية في مرحلة الطفولة المبكرة (تحت 4–5 سنوات) سلوك طبيعي تطوري، إذ لا يزال الطفل يركّز على احتياجاته الخاصة. لكن إذا استمر هذا السلوك وتفاقم لاحقاً، فإنه يحتاج إلى تدخل تربوي واعٍ.
ويضيف أن الاستراتيجيات النفسية والاجتماعية الصحيحة للأهالي تتمثل في نمذجة الإيثار والمشاركة (القدوة)، فالطفل يتعلم بالمحاكاة. يجب أن يرى الوالدان نفسيهما يشاركان أو يتنازلان عن شيء للآخرين أو لبعضهما البعض. وفي البيئة السورية، يمكن تطبيق ذلك عبر المشاركة في أعمال خيرية بسيطة أو مساعدة الجيران والأقارب، لتصبح المشاركة قيمة اجتماعية ملموسة ومرئية.
وتابع أنَّه يجب تعليم الطفل التمييز بين حقه في تلبية حاجاته الأساسية (مثل الأمان، والطعام، والعناية) و رغباته الشخصية (كاللعب أو الامتلاك). وعندما يطالب بشيء قد يؤثر على الآخرين، يجب رفض طلبه بلطف مع تقديم شرح منطقي وموجز، مثل: "هذا ليس لك الآن، لكن يمكنك أن تلعب بلعبتك الأخرى".
وأردف أنه يجب استخدام لغة "نحن" بدلاً من "أنا"، لتعزيز مفهوم الأسرة كوحدة واحدة. فعلى سبيل المثال، عند شراء شيء ما، بدلاً من القول: "اشترينا لك"، يمكن القول: "اشترت الأسرة شيئاً جديداً سنستمتع به معاً".
كما يقترح المختص التعامل بمنطق "التبادل"، موضحاً أنه لا ينبغي للطفل الأناني الحصول على ما يرغب فيه إلا بعد أن يظهر سلوكاً إيجابياً تجاه الآخرين. فعلى سبيل المثال: "يمكنك أخذ اللعبة الجديدة بعد أن تساعد أختك في ترتيب غرفتها أو لعبها لمدة عشر دقائق". هذا الأسلوب يربط بين المتعة والعطاء والمسؤولية.
الثناء على سلوك المشاركة
إلى جانب ما سبق، يجب الثناء على سلوك المشاركة (التعزيز الإيجابي). فعند ملاحظة أي مبادرة للمشاركة أو الإيثار، حتى لو كانت بسيطة، ينبغي مدحها فوراً وبشكل محدد. على سبيل المثال: "أنا فخور بك جداً يا بطل، لقد شاركت أخاك لعبتك المفضلة، هذا عمل رائع". هذا الأسلوب يعزز السلوك المرغوب ويحد من السلوك الأناني.
بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بتنظيم الأنشطة الجماعية وإشراك الطفل في ألعاب تتطلب التعاون وتبادل الأدوار، سواء داخل المنزل أو في محيط العائلة والأقارب، وهو أمر يسهل تطبيقه في النسيج الاجتماعي السوري المتماسك.
وفي ختام حديثه، أكّد براء الجمعة أن بإمكان الأهالي تحويل الأنانية من صفة سلبية إلى فرصة لتعليم الطفل قيمة العطاء والمسؤولية المشتركة، مستفيدين من التماسك الأسري والمجتمعي المعروف في البيئة السورية.