
الهجري يقود السويداء إلى الهاوية: مشانق، رهائن، واستقواء بإسرائيل
ارتكبت الميليشيات المسلحة التابعة للشيخ حكمت الهجري في محافظة السويداء سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي شابهت في قسوتها ووحشيتها جرائم تنظيم داعش ونظام الأسد البائد، ما يطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل المحافظة وأمن المدنيين في حال حصلت هذه المجموعات على أسلحة نوعية أو غطاء سياسي خارجي.
جرائم مروعة ضد المدنيين والعسكريين
شهدت المحافظة أعمال قتل وتمثيل بالجثث لعناصر الجيش وقوى الأمن، حيث جابت شوارع السويداء جثث العسكريين المُنكّل بهم، بعد أن تمّ شنقهم أو تعليقهم على أعمدة الإنارة في مشاهد تعذيب علنية تهدف إلى بث الرعب، كما قُتلت نساء وأطفال وتم تهجيرهم قسريًا، في حين مُنعت المساعدات الإنسانية من الدخول إلى المدنيين المحاصرين بفعل الاشتباكات.
كما وثّقت مصادر حقوقية أعمال حرق ونهب طالت الممتلكات العامة والخاصة، إلى جانب احتجاز رهائن مدنيين واستخدامهم كدروع بشرية، ثم إعدام بعضهم ميدانيًا بالرصاص. ولم تقتصر الانتهاكات على الداخل، إذ تجاوزت ذلك إلى التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي الذي قصف أهدافًا داخل سوريا بالتزامن مع هذه الأحداث، في سابقة تكشف عن درجة العمالة والخطورة التي بلغتها تلك الميليشيات.
أرقام مفزعة توثق حجم الكارثة
أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنها وثّقت مقتل 558 شخصاً في السويداء خلال الفترة الممتدة من 13 تموز/يوليو 2025 حتى لحظة إصدار بيانها، من بينهم 17 سيدة – إحداهن تُوفيت إثر أزمة قلبية بعد سماعها خبر مقتل حفيدها – و11 طفلاً، إلى جانب ستة من الكوادر الطبية بينهم ثلاث سيدات، واثنين من الإعلاميين.
كما سُجلت إصابات تجاوزت 783 شخصاً بجروح متفاوتة، ضمن موجة عنف شديدة تصاعدت إلى اشتباكات واسعة وهجمات جوية إسرائيلية، في ظل انهيار أمني غير مسبوق.
تحليل سياسي: رهائن بيد الميليشيا
الأكاديمي السوري عبد الرحمن الحاج أشار في تصريح مصور إلى أن الوضع في السويداء لا يمكن معالجته بالعنف وحده، بل يتطلب توافقات وطنية، معتبرًا أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية دقيقة بعد حرب مدمّرة أرهقت المجتمع السوري، وقال إن فصيل الشيخ الهجري لا يمثل أهالي السويداء بل يستخدمهم كرهائن لخدمة طموحات شخصية مريبة.
وشدّد الحاج على أن ميليشيا الهجري تحتوي على مجرمين وتجار مخدرات وفلول من أجهزة الأسد الأمنية، وتعمل تحت غطاء ديني لا يعكس الواقع، بل يختبئ خلفه مشروع عنفي مدعوم من الخارج. كما ندد بمحاولة التجميل المتعمد لرموز قمعية مثل عصام زهر الدين، واصفًا ذلك بالتمجيد للقتلة وتبييض صفحتهم.
دعوات شعبية للتصدي لمشروع الفوضى
الناشط السوري ماجد عبد النور انتقد ما اعتبره "خداعًا فكريًا" يقوم به بعض المثقفين في محاولة تبرير سلوك الهجري، وقال إن خطاب الأخير منذ سقوط نظام الأسد كشف نوايا عدائية تجاه الدولة، رغم المبادرات الحكومية المتكررة للتهدئة.
وأضاف عبد النور أن الشيخ الهجري مارس تحريضًا صريحًا من مضافته، ورفض كل دعوات الحوار، معتبرًا أن شعاراته الطائفية مثل "نداء الكرامة" و"لبيك يا سلمان" كانت وسيلة لتجنيد الأتباع ودفعهم نحو العنف في وقت حساس من عمر الدولة السورية.
وختم بالتحذير من استمرار نهج التصعيد، قائلًا إن الشيخ الهجري أظهر عنادًا سياسيًا أعمى زج بالمحافظة في صراع لا طائل منه، كان يمكن تجنبه بسياسة حكيمة ومسؤولة.
بالنظر إلى حجم الانتهاكات التي شهدتها محافظة السويداء خلال الأسابيع الماضية، والفظائع المرتكبة بحق المدنيين والعسكريين على حدّ سواء، يتّضح أن ما جرى لم يكن مجرّد صراع محلي محدود، بل مشروع فتنة منظم، استُخدمت فيه أدوات العنف والتحريض الطائفي، واستُبيحت فيه القيم والحرمة الإنسانية على نحو يذكّر بأبشع ممارسات التنظيمات الإرهابية، وفي طليعتها داعش ونظام الأسد البائد.
لقد وضعت هذه الأحداث السويداء أمام مفترق خطير، بين أن تعود لحضن الدولة وتستعيد أمنها واستقرارها، أو أن تظل رهينة لمغامرات ميليشيوية تقودها شخصيات ذات أجندات شخصية وخارجية، تسعى إلى عزل المحافظة وتمزيق نسيجها الاجتماعي.
المأساة التي وقعت، وما رافقها من دماء ودموع ودمار، لم تكن قدراً محتوماً، بل نتيجة مباشرة لصمت دولي وتراخٍ سياسي، وغياب الحسم في مواجهة المجموعات الخارجة عن القانون. وإن استمرار هذا الوضع دون محاسبة حقيقية للمتورطين، وبدون استعادة هيبة الدولة وسيادة القانون، لن يؤدي سوى إلى مزيد من الانهيار، ليس في السويداء وحدها، بل في مجمل الجغرافيا السورية.
ومما لاشك فيه أن مستقبل السويداء اليوم مرهون بمدى الجدية في وقف نزيفها، ومحاسبة من استباحها، وإعادة بنائها على أسس وطنية عادلة، تضمن المشاركة السياسية دون سلاح، وتحفظ كرامة الأهالي دون أن تُستغل كغطاء لجرائم ميليشيوية مقيتة.