بدء الجلسات العلنية لمحاكمة المتهمين بانتهاكات الساحل السوري اليوم
أعلنت اللجنة الوطنية للتحقيق في أحداث الساحل السوري، أن أولى الجلسات العلنية لمحاكمة المتهمين بارتكاب الانتهاكات ستبدأ صباح اليوم الاثنين، في خطوة وُصفت بأنها محطة مفصلية في مسار العدالة الانتقالية داخل البلاد، وبداية لمسار قضائي طال انتظاره من أهالي الضحايا.
وقال رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل، القاضي جمعة العنزي، عبر منشور على منصة إكس مساء أمس الأحد، إن الجلسات ستكون مفتوحة أمام وسائل الإعلام المحلية والدولية، مشيراً إلى حجم الجهد الذي بذلته وزارات العدل والداخلية والدفاع والمؤسسة القضائية والضابطة العدلية للوصول إلى هذه المرحلة، لما يحمله الملف من تعقيد ودقة في الإسناد القانوني وإجراءات التجريم والملاحقة.
وأكد العنزي أن بدء هذه المحاكمات يمثل حدثاً بالغ الأهمية لذوي الضحايا ولكل المهتمين بملف العدالة والإنصاف، معتبراً أن تطبيق مخرجات اللجنة على الأرض يؤكد التزام الدولة السورية بمبادئ العدالة وتطبيق القانون، ويقدّم رسالة للمجتمع المحلي والدولي حول جدية الإجراءات المتخذة.
وسبق أن قال وزير العدل السوري مظهر الويس إنّ البلاد دخلت مرحلة «العدالة الانتقالية الشاملة» التي تقوم على كشف الحقيقة وجبر الضرر والمحاسبة، بعيدًا عن الانتقام أو الانتقائية، مؤكدًا أنّ الدولة تسعى لبناء نموذج قضائي متوازن يضع سوريا على طريق المصالحة والاستقرار.
وكانت أصدرت لجنة التحقيق الأممية تقريراً موسعاً حول أحداث الساحل، أكدت فيه أن موجة العنف التي شهدتها المنطقة تضمنت أفعالاً قد ترقى إلى جرائم حرب، من قتل وتعذيب ومعاملة لا إنسانية للموتى، إلى النهب على نطاق واسع وحرق المنازل، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين.
وأشار التقرير إلى تورط عناصر من قوات "الحكومة المؤقتة"، إلى جانب مدنيين ومقاتلين موالين للنظام المخلوع، في تنفيذ هذه الانتهاكات، داعياً السلطات المؤقتة إلى ملاحقة جميع المتورطين بغض النظر عن انتماءاتهم أو رتبهم، ومشدداً على أن حجم العنف الموثق يستدعي توسيع نطاق المساءلة.
كما لفتت اللجنة إلى أن قوات الحكومة المؤقتة حاولت في بعض الحالات وقف الانتهاكات وإجلاء المدنيين وحمايتهم، إلا أن بعض العناصر المنضوية في التشكيلات الأمنية تورطت بدورها في ارتكاب انتهاكات، وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة، بينها فصل المشتبه بتورطهم من الخدمة بانتظار التحقيق.
وأكد التقرير أن نتائجه تستند إلى تحقيقات موسعة شملت أكثر من 200 مقابلة مع ضحايا وشهود، وأن اللجنة ما تزال تتلقى معلومات عن انتهاكات مستمرة في عدة مناطق، داعياً إلى تعزيز إجراءات الحماية للمجتمعات المتضررة، ومقرّاً بالتزام السلطات المؤقتة بتحديد هوية المسؤولين عن تلك الانتهاكات، معتبراً أن تقريرها الأخير، إلى جانب تقرير اللجنة الوطنية للتحقيق في سوريا، يشكلان خطوات مهمة نحو الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة.
وكان وزير الخارجية والمغتربين السوري، أسعد حسن الشيباني، قد وجّه رسالة رسمية إلى رئيس لجنة التحقيق الدولية، باولو سيرجيو بينهيور، عبّر فيها عن شكر وتقدير الحكومة السورية للجهود المبذولة في إعداد التقرير، مؤكداً أن نتائجه وتوصياته تتطابق مع ما توصلت إليه اللجنة الوطنية المستقلة لتقصي الحقائق في سوريا.
سبق أن دعت مجموعة من المنظمات المدنية والحقوقية، في بيان مشترك، الرئيس أحمد الشرع، إلى نشر التقرير الكامل للجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل، باستثناء الملاحق السرية، مع عرض الخطوات العملية التي ستتخذها الحكومة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات من مختلف الأطراف، باعتبار ذلك أساسًا لتحقيق العدالة والإنصاف للضحايا، وترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وشدد البيان على أن إتاحة التقرير للعلن يمثل خطوة مفصلية في إعادة بناء الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، كما يكرّس الاعتراف الرسمي بالانتهاكات المرتكبة، ويسهم في ترسيخ الحق في الوصول إلى الحقيقة لجميع السوريين، لا سيما المتضررين من النزاع، بوصفه أحد الحقوق الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي.
وأكدت المنظمات أن الشفافية في تقديم المعلومات حول الانتهاكات، وتفاصيل السياقات التي سمحت بوقوعها أو سهّلت استمرارها، هو السبيل الأول لتفكيك إرث العنف، وبداية حقيقية لمحاسبة الجناة وضمان عدم تكرار المآسي. كما دعت الحكومة إلى المضي قدماً في إجراءات المساءلة المؤسسية، والاعتراف الصريح بنتائج التقرير، والالتزام العلني بتنفيذ التوصيات كافة.