تحت الضغط والتهديد… إلغاء مظاهر الاحتفال بأعياد الميلاد في السويداء
أعلنت عدة جهات في محافظة السويداء جنوب سوريا عن إلغاء جميع مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً وتساؤلات متزايدة حول ما إذا كان القرار نابعاً من قناعة دينية واجتماعية، أم جاء نتيجة ضغوط وتهديدات مباشرة تعرّض لها المسيحيون في المدينة خلال الأيام الماضية.
وأصدر الأب "طوني بطرس"، راعي كنيسة شهبا، بياناً مصوراً أعلن فيه إلغاء أي مظاهر احتفالية، داعياً الأهالي إلى الالتزام بالقرار، ومبرراً الخطوة بـ"احترام دماء الشهداء" و"الظروف الحساسة التي تمر بها المدينة" ومشدداً على ضرورة تغليب القيم الإنسانية والوطنية في هذه المرحلة.
غير أن هذا الإعلان جاء بعد أيام من تداول مقاطع فيديو وتصريحات علنية صادرة عن أشخاص محسوبين على ميليشيات الهجري، تضمّنت تهديدات مباشرة بمنع الاحتفالات المسيحية في السويداء، وهو ما دفع ناشطين وحقوقيين إلى الربط بين تلك التهديدات وبين قرار الكنيسة، واعتباره نتيجة إكراه غير معلن أكثر منه خياراً طوعياً.
وبالتوازي، أصدرت ما يسمى "غرفة عمليات شهبا، بياناً منعت فيه أي مظاهر احتفالية أو إطلاق نار بمناسبة رأس السنة، تحت أي ذريعة كانت، مبررة القرار باحترام دماء الشهداء والحفاظ على السلم الأهلي، ومتوعدة بمحاسبة المخالفين.
كما أعلن "محمد الخطيب"، سائس مدينة شهبا، تعليق المظاهر الاحتفالية الدينية خارج المنازل، محذراً من أي خرق للقرار تحت طائلة الحرم الديني، ومؤكداً أن هذا التوجه يأتي انسجاماً مع بيان خوري المدينة الأب طوني بطرس.
وأثارت هذه القرارات موجة تساؤلات واسعة، في ظل استمرار تنظيم فعاليات اجتماعية وترفيهية في محافظة السويداء خلال الفترة نفسها، شملت سباقات دراجات هوائية مختلطة، وحفلات داخل مقرات تابعة للحرس الوطني، وفعاليات رسم وأنشطة شبابية، إضافة إلى استمرار الأعراس والمناسبات الاجتماعية دون قيود مماثلة.
ويرى ناشطون أن هذا التباين يضع علامات استفهام كبيرة حول انتقائية المنع، ويعزز فرضية أن قرار إلغاء الاحتفالات المسيحية لم يكن مرتبطاً فقط بالحِداد، بل جاء في سياق مناخ ترهيب متصاعد يطال الأقليات الدينية في بعض مناطق المحافظة.
وكانت مقاطع مصورة قد انتشرت قبل نحو أسبوع، ظهر فيها شخص محسوب على ميليشيات "الهجري"، يلوّح صراحة بمنع احتفالات المسيحيين، مستخدماً لغة تهديد وتحريض، ما أثار قلقاً واسعاً داخل الأوساط المسيحية، ودفع كثيرين إلى الحديث عن تراجع مساحة الأمان الديني في السويداء.
وفي هذا السياق، عبّر ناشطون عن خشيتهم من أن تكون قرارات "الاحترام والحداد" غطاءً لتكريس واقع جديد يُفرض بالقوة، يُقيَّد فيه الحق في ممارسة الشعائر والاحتفالات الدينية، تحت ضغط السلاح والخطاب التحريضي.
ورغم أن بيان الأب "طوني بطرس"، لم يشر صراحة إلى وجود تهديدات، إلا أن توقيت القرار وسياقه الأمني والاجتماعي، وفق مراقبين، يوحيان بأن الكنيسة وجدت نفسها أمام خيارات محدودة، في ظل مخاوف من التصعيد أو الاعتداء، ما دفعها إلى اتخاذ قرار وقائي لتجنّب أي احتكاك.
هذا ويحذر حقوقيون من أن السكوت عن هذه الممارسات قد يفتح الباب أمام مزيد من التضييق على الحريات الدينية، ويقوّض التعايش الذي لطالما ميز السويداء، مطالبين ببيئة آمنة تضمن حق جميع المكونات في التعبير والاحتفال دون خوف أو تهديد.