
تقرير الخارجية الهولندية يعتمد بشكل موسّع على الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقييم الوضع داخل سوريا
أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنها شكّلت المصدر الحقوقي الثاني الأكثر اقتباسًا في تقرير وزارة الخارجية الهولندية الأخير حول سوريا، حيث ورد اسمها في 160 موضعًا من أصل 164 صفحة شملها التقرير، لتأتي بعد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي تصدرت القائمة بـ174 اقتباسًا.
وصدر التقرير ضمن إطار تقييم وزارة الخارجية الهولندية لطلبات اللجوء المقدّمة من السوريين، واتخاذ قرارات بشأن الأشخاص الذين رُفضت طلباتهم، حيث غطى الفترة الممتدة من 27 تشرين الثاني 2024 حتى نيسان 2025، مركّزًا على الوضع الحقوقي والسياسي والأمني، وأوضاع اللاجئين، وظروف العودة، إضافة إلى تطورات المشهد العسكري.
مصادر التقرير الأساسية
إلى جانب الشبكة السورية لحقوق الإنسان والمفوضية السامية، اعتمد التقرير على عدد من الجهات الدولية البارزة، من بينها: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (51 اقتباسًا)، وهيومن رايتس ووتش (27 اقتباسًا)، فضلًا عن تقارير لليونيسف، والصليب الأحمر، ومصادر إعلامية ومنظمات محلية ودولية متنوعة.
الانهيار السياسي وتفكك النظام السابق
رصد التقرير التطورات السياسية الكبرى التي شهدتها سوريا خلال الفترة المذكورة، وفي مقدمتها سقوط نظام الأسد عقب هجوم مباغت شنته فصائل معارضة تقودها "هيئة تحرير الشام"، ما أدى إلى فرار الإرهابي الفار بشار الأسد إلى روسيا، وتفكك المنظومة الأمنية بشكل شبه كامل.
وأشار إلى أن الحكومة الانتقالية لم تنجح بعد في فرض سيطرتها الكاملة على البلاد، حيث لا تزال خارطة النفوذ العسكرية منقسمة: فـ"قوات سوريا الديمقراطية" تسيطر على شمال شرق البلاد، والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا على مناطق الشمال، مع استمرار وجود عسكري لكل من الولايات المتحدة وروسيا، وتوغلات إسرائيلية جنوبًا، إلى جانب بقاء فصائل محلية قوية في مناطق مثل درعا والسويداء.
الواقع الأمني الهش وحالة الانقسام
سجّل التقرير استمرار حالة التوتر الأمني والاضطرابات، رغم غياب المعارك الواسعة. وذكر حوادث عنف طائفية، لاسيما في حمص واللاذقية، وعمليات انتقامية ضد عناصر النظام السابق، معتبرًا أن الفوضى الأمنية ما تزال مستمرة نتيجة الفراغات الناجمة عن تفكك الأجهزة الأمنية وغياب مؤسسات الدولة.
أوضاع النازحين واللاجئين وغياب شروط العودة
رصد التقرير استمرار موجات النزوح الداخلي بسبب الاشتباكات والخوف من الاعتقال، مشيرًا إلى أن الظروف الحالية لا تزال غير مناسبة لعودة اللاجئين في الخارج، بسبب غياب الضمانات الأمنية والقانونية، ووجود الألغام، والدمار الواسع في البنى التحتية، ما يعقّد إمكانية العودة الكريمة والطوعية.
الواقع المعيشي والخدمي المتدهور
تناول التقرير أيضًا الأوضاع المعيشية المتردية، متحدثًا عن انهيار الخدمات الأساسية، وانتشار الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، مشيرًا إلى أن مشاريع الإعمار التي أطلقتها الحكومة الانتقالية ما زالت محدودة النطاق وغير مؤثرة، بفعل ضعف المؤسسات وانعدام التنسيق.
توثيق الانتهاكات ودور الشبكة السورية لحقوق الإنسان
استند التقرير في القسم المتعلق بحقوق الإنسان بشكل كبير إلى توثيقات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والتي سجلت مقتل 1,562 مدنيًا خلال شهر آذار فقط، بينهم 102 طفل و99 امرأة و33 من الكوادر الطبية، إلى جانب 880 حالة اعتقال تعسفي خلال الشهور الأولى من 2025، وحالات متعددة من الوفاة تحت التعذيب، خصوصًا في مناطق الإدارة الذاتية.
وأعربت الشبكة عن قلقها من استمرار عمليات الاحتجاز والانتهاكات، مؤكدة الحاجة إلى احترام المعايير الحقوقية الدولية خلال المرحلة الانتقالية، ودعت لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
قيود الحركة وانتهاك الحريات
أشار التقرير إلى أن حرية التنقل داخل سوريا ما زالت تواجه عوائق كبيرة، نتيجة انتشار الحواجز العسكرية، وسوء التنسيق بين القوى المسيطرة، وسوء معاملة المدنيين، لا سيما النشطاء والنساء، فيما يتعرّض العائدون من الخارج لمخاطر أمنية حقيقية.
واقع القضاء وغياب سيادة القانون
كشف التقرير عن هشاشة الأنظمة القضائية، واستمرار العمل بمحاكم ميدانية أو استثنائية، مع غياب الاستقلالية، خاصة في دمشق، بينما تواجه الإدارة الذاتية اتهامات بفرض نظام عدالة حزبي، وسط استمرار التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز، دون وجود آليات رقابة أو مساءلة حقيقية.
غياب مقومات العودة الآمنة
ختم التقرير بالتأكيد على أن الدعوات الرسمية لعودة اللاجئين لم تقترن بإجراءات عملية حقيقية، في ظل استمرار الانتهاكات، وانعدام الإطار القانوني الذي يضمن العودة الطوعية والآمنة، إلى جانب تعقيدات ترتبط بملف استعادة الممتلكات، وانعدام الخدمات الأساسية في السكن والصحة والتعليم.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان: التزام مستمر بالتوثيق والتعاون الدولي
وأعربت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن تقديرها لورودها كمصدر رئيسي في التقرير، مؤكدة استمرارها في توثيق الانتهاكات بشكل يومي، من خلال قاعدة بيانات تراكمية دقيقة، تتيح بناء تقييم واقعي للأوضاع الحقوقية في سوريا.
كما جدّدت التزامها بالتعاون مع الهيئات الدولية والأممية، لتوفير المعلومات اللازمة من أجل دعم الضحايا ومحاسبة الجناة، والمساهمة في مسار العدالة الانتقالية والإنصاف.