
رفع علم الاحتلال الإسرائيلي في مظاهرة بالسويداء: خيانة لمفهوم التحرر أم خلل في البوصلة..؟
ليس مستغرباً أن تشهد محافظة السويداء مظاهرات واحتجاجات شعبية ضد السلطة الجديدة في سوريا، لكن ما أثار صدمة واسعة في الأوساط السورية خلال الساعات الماضية، كان مشهد رفع علم الاحتلال الإسرائيلي في ساحة الكرامة وسط المدينة، في ما اعتُبر خرقًا فاضحًا لكل القيم الوطنية وتجاوزًا للخطوط الحمراء التي وحّدت السوريين لعقود، مهما اختلفوا في السياسة أو المواقف.
من الاحتجاج إلى التوظيف السياسي
الاحتجاج ضد السلطة حق مشروع، خاصة في ظل حالة التجاذب السياسي وتبني أطراف في المحافظة موقفاً مناهضاً للسلطة الجديدة فيؤ دمشق عقب سقوط نظام الأسد، لتحقيق أهداف ومشاريع انفصالية، لكن توظيف هذا الاحتجاج لغايات سياسية تتقاطع مع أجندات خارجية، يخرج بالفعل من إطار التعبير المشروع إلى التواطؤ مع مشاريع معادية، في مقدمتها الكيان الإسرائيلي الذي ما زال يحتل الجولان ويمارس القتل اليومي بحق شعوب المنطقة.
وفي حين اعتبر بعض النشطاء أن رفع العلم جاء من "مجموعة فردية" لا تمثل الحراك، فإن صمت بعض الجهات الفاعلة على الأرض، ومحاولات تبرير السلوك بحجج تتعلق بـ"التحرر من كل الرموز"، يزيد من الشكوك حول وجود خلل عميق في البوصلة السياسية لعدد من القوى المحلية التي بدأت تنزلق من موقع المعارضة إلى موقع العمالة.
صدى الصدمة في الشارع
الشارع السوري، داخل السويداء وخارجها، استقبل المشهد بذهول وغضب، واعتبرت بعض القوى أن ما حصل "طعنة في ظهر الشعب السوري"، وتبريرًا غير مباشر للعدوان المتكرر الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على جنوب سوريا، عبر استهداف البنية التحتية والمراكز العسكرية وحتى المدارس والمشافي.
كما أشار متابعون إلى خطورة هذا الفعل في سياق تصاعد الحملات الإعلامية التي تحاول تقديم إسرائيل كـ"شريك محتمل" أو "قوة مخلّصة"، وهو ما يخدم بشكل مباشر استراتيجية التطبيع التي تسعى سلطات الاحتلال إلى تمريرها عبر أدوات محلية في مناطق الصراع.
خيانة للتحرر
أن ترفع شعار التحرر من الاستبداد، ثم تضع علم الاحتلال الإسرائيلي في صدر الساحات، لا يُعد تعبيرًا عن الرأي، بل تناقضًا بنيويًا في فهم معنى الكرامة والسيادة، فكيف يمكن الحديث عن "التحرر" من سلطة محلية، بالتوازي مع تمجيد كيان يمارس الاحتلال والقتل والتهجير؟! هذا السلوك، بحسب توصيفات قانونية وسياسية عدة، لا يقع ضمن حرية التعبير بل يرقى إلى مستوى "الخيانة الرمزية" و"الانفصال عن المشروع الوطني السوري".
دعوات للمحاسبة والتصحيح
بالتزامن مع الجدل الواسع، تصاعدت الدعوات داخل المجتمع المحلي في السويداء إلى مراجعة عاجلة للمسار السياسي الذي تتخذه بعض الجهات التي تدّعي تمثيل الشارع، والعمل على وقف محاولات اختراق الحراك الوطني من قبل مجموعات تدفع نحو الفوضى والتنسيق مع الاحتلال.
ليست كل مظاهرة شكلًا من أشكال الوعي، وليست كل راية تُرفع في الساحات تعني التحرر، وفي ظل ما تعيشه سوريا من مرحلة انتقالية دقيقة، يصبح الانحراف عن المبادئ الوطنية خيانة لمفهوم الحرية ذاته، وخدمة مجانية لأعداء الداخل والخارج، لأن رفع علم الاحتلال في ساحة الكرامة لا يعكس كرامة، بل إهانة لذاكرة الشهداء، وإعادة صياغة مشوهة لمفهوم المقاومة والتحرر.