فضل عبد الغني: علنية التحقيقات تهدد العدالة وتنسف قرينة البراءة
فضل عبد الغني: علنية التحقيقات تهدد العدالة وتنسف قرينة البراءة
● أخبار سورية ٢٣ أغسطس ٢٠٢٥

فضل عبد الغني: علنية التحقيقات تهدد العدالة وتنسف قرينة البراءة

أكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في مقال نشره عبر موقع الجزيرة نت بعنوان "محاكمة المجرمين في سوريا أمام أعين الجميع"، أن التمييز بين مرحلتي التحقيق الجنائي والمحاكمة يمثل ركيزة أساسية في أنظمة العدالة الجنائية الحديثة، إذ يقوم التحقيق على السرية من أجل جمع الأدلة، بينما تنعقد المحاكمة في جلسات علنية لضمان مبدأ الخصومة العادلة والشفافية أمام الجمهور.

وأشار عبد الغني إلى أن هذا الحد الفاصل بين التحقيق والمحاكمة يتعرض لتآكل متزايد نتيجة لظاهرة بث أو تصوير جلسات التحقيق، وهو ما يحوّل إجراءً قضائياً سرياً إلى مشهد علني يضر بجملة الضمانات الجوهرية للمحاكمة العادلة.

سرية التحقيق ضرورة لصون العدالة

أوضح عبد الغني أن التحقيقات الجنائية تهدف إلى التحقق من كفاية الأدلة، وتتطلب إجراءات مختلفة عن تلك التي تسود المحاكمات، مثل جمع شهادات الشهود، وضبط الأدلة، والاستعانة بالخبراء، واتخاذ قرارات تتعلق بالتوقيف أو المصادرة.
ولفت إلى أن القانون الدولي، مثل المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يعترف بضرورة تقييد العلنية في مرحلة التحقيق، حفاظاً على نزاهة العملية وضماناً لسلامة المشاركين وصوناً لقرينة البراءة.

وبيّن أن سرية التحقيق تقوم على ثلاثة مرتكزات أساسية: حماية الأدلة من العبث أو التنسيق بين الشهادات، حماية الشهود والضحايا وأعضاء فرق التحقيق من التهديد، وأخيراً منع أي تأثير مسبق على القضاة أو المحلفين بما يضر بمبدأ البراءة المفترضة.

علنية المحاكمة ضمانة ديمقراطية

في المقابل، شدد عبد الغني على أن المحاكمة يجب أن تكون علنية، فهي مرحلة الفصل في الإدانة أو البراءة بعد اكتمال التحقيق، وتستند إلى مبدأ المساواة بين الخصوم وعلنية الجلسات، وتضمن هذه العلنية إخضاع القرارات القضائية للتدقيق المجتمعي، ورفع مستوى الثقة في نزاهة القضاء، وإعطاء كل طرف فرصة لمناقشة الأدلة في جلسة مفتوحة.

مخاطر تحويل التحقيق إلى استعراض

وحذر عبد الغني من أن تصوير أو بث جلسات التحقيق يشكل انتهاكاً خطيراً لقرينة البراءة، وقد يؤدي إلى إبطال الإجراءات القضائية برمتها، واستشهد بأحكام صادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي اعتبرت وصف المتهمين علناً بالمذنبين قبل المحاكمة انتهاكاً للقانون، وكذلك بقرار المحكمة العليا الأمريكية في قضية "ريدو ضد لويزيانا"، التي رأت أن بث اعتراف مصور للمتهم شكّل "محاكمة فعلية" أفسدت جميع الإجراءات اللاحقة.

وأضاف أن علنية التحقيق قد تؤدي إلى "تلويث الشهادات" من خلال اطلاع الشهود على تفاصيل القضية، كما تتيح للمتهمين أو شركائهم تنسيق إفاداتهم أو إتلاف الأدلة، الأمر الذي يقوض مصداقية العدالة ويفتح باب الإفلات من العقاب.

إخفاقات مؤسسية وعواقب نظامية

أوضح عبد الغني أن بث محتوى التحقيق يقوّض ثقة الجمهور بالنظام القضائي، إذ تتحول العدالة إلى "فرجة إعلامية" تفقد هيبتها وتدفع الشهود إلى التردد في التعاون مع السلطات. كما يخلق ذلك انطباعاً بأن الدعاية تتقدم على نزاهة الإجراءات، وهو ما يضعف شرعية المؤسسات ويؤثر على فاعلية سيادة القانون.

بدائل مشروعة لضمان الشفافية

واقترح عبد الغني بدائل توازن بين الشفافية وصون العدالة، منها إصدار بيانات رسمية تؤكد وقوع الاعتقال دون الكشف عن تفاصيل الأدلة، أو الإعلان عن التهم بشكل عام دون الدخول في مضمون التحقيقات، إضافة إلى السماح لجهات رقابية مستقلة بالاطلاع على سير الإجراءات ضمن التزامات بالسرية. وأكد أن هذه الأدوات كافية لطمأنة الرأي العام مع الحفاظ على نزاهة التحقيق.

واختتم عبد الغني مقاله بالتشديد على أن صون الحد الفاصل بين التحقيق السري والمحاكمة العلنية ليس مجرد تفصيل إجرائي، بل هو أساس الحوكمة الديمقراطية وسيادة القانون. وحذّر من الانزلاق وراء النزعة الشعبوية أو المصالح السياسية على حساب ضمانات المحاكمة العادلة، مؤكداً أن العدالة المؤجلة بسبب الالتزام بالأصول أفضل بكثير من عدالة مُهدَرة بسبب انتهاكها.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ