
في دير الزور.. العائدون من النزوح يصطدمون بواقع سكني مرير
تشهد محافظة دير الزور شرقي سوريا أزمة حادة في سوق الإيجارات، في وقت تحاول فيه الحكومة السورية إعادة ترتيب الواقع الخدمي والمعيشي في المحافظة بعد سنوات من الحرب والدمار الواسع.
وبينما تبذل الجهات الرسمية والخدمية جهوداً متزايدة لتحسين واقع الكهرباء والمياه والنقل في المدينة، تواجه تحدياً من نوع آخر يتفاقم إلا وهو أزمة السكن التي تتزايد في عموم سوريا.
بحسب ناشطين محليين تعود جذور أزمة الإيجارات إلى التدمير الكبير الذي طال البنية السكنية، ما أدى إلى خروج أحياء بأكملها من الخدمة، مثل الحميدية، الشيخ ياسين، الحويقة، والصناعة.
وقد دفعت هذه الظروف السكان إلى التزاحم في الأحياء الأقل تضرراً، مثل القصور والجورة والموظفين، ما ضاعف الطلب على الشقق القليلة المتوفرة ورفع الأسعار إلى مستويات تفوق قدرة المواطنين.
ويقول الناشط "مؤيد مروان" في حديثه لصحيفة "العربي الجديد"، إن عودة تدريجية للنازحين مؤخراً زادت من الضغط على سوق مأزوم أصلاً، في ظل غياب مشاريع إسكان جديدة أو تنظيم قانوني واضح يضبط العلاقة بين المالك والمستأجر.
ويشير "أحمد العلي"، وهو موظف حكومي يعيل عائلة من 5 أفراد، إلى أن راتبه الشهري لا يتجاوز 400 ألف ليرة سورية (40 دولاراً تقريباً)، بينما إيجار شقة متواضعة يصل إلى مليون ونصف (150 دولاراً).
من جهتها، تروي السيدة "فاطمة المحمد"، وهي أرملة عادت من النزوح مؤخراً، معاناتها مع الإيجارات المرتفعة، مشيرة إلى أن بعض الملاك يطلبون مبالغ تأمين توازي ما يُطلب في دول أوروبية.
وفي السياق نفسه، يؤكد "خالد الحسن"، وهو صاحب مكتب عقاري في المدينة، أن السبب الرئيسي للأزمة هو ندرة المعروض، مشيراً إلى أن "الأسعار تتحدد بناء على ظروف السوق، وكثير من الملاك يرون أن رفع الإيجار هو حق لتعويض خسائر السنوات الماضية".
تؤكد مصادر ميدانية أن غياب استراتيجية حكومية واضحة لإعادة إعمار الأحياء المتضررة أو تنظيم سوق العقارات، يُسهم في تعميق الأزمة، ما يؤدي إلى تهديد استقرار آلاف الأسر.
وتشير التقديرات إلى أن الفجوة بين دخل الفرد وتكاليف الإيجار تضع شريحة واسعة من السكان على حافة الفقر والتشرد.
ودعا نشطاء الجهات المعنية إلى التدخل العاجل عبر خطوات تشمل إطلاق مشاريع إسكان اجتماعي، مراقبة سوق الإيجارات، وتقديم إعانات مادية للفئات الأشد ضعفاً، بما فيهم العائدون من النزوح.
تُعد أزمة الإيجارات في دير الزور نموذجاً مصغراً عن التحديات التي تواجه المدن السورية في مرحلة ما بعد الحرب وزوال النظام البائد فهي لا ترتبط فقط بالعرض والطلب، بل تكشف عن الحاجة العاجلة لرؤية حكومية متكاملة تشمل البنية القانونية، والرقابة، والدعم الاجتماعي، لضمان ألا يتحول السكن من حق أساسي إلى عبء يهدد كرامة الإنسان.