قاضٍ منشق يقترح صيغة توفيقية لتنظيم الولاية على القاصر: مصلحة الطفل فوق تراتبية السلطة الأبوية
تحدّث القاضي المنشق حسين حمادة عن تعميم وزارة العدل الأخير المتعلق بتنظيم ولاية الأب على القاصر، مشيراً إلى ما قد يسببه من تعقيدات قانونية واجتماعية، خصوصاً في الحالات المرتبطة بإصدار الوثائق الرسمية للأطفال، مثل جوازات السفر، حين تكون الأم هي الحاضنة الفعلية.
وأوضح حمادة الفرق بين مفهومي الولاية والحضانة، حيث تُعنى الولاية بإدارة الشؤون القانونية والمالية والتعليمية للقاصر، بينما تشمل الحضانة الرعاية اليومية والمعيشة والتربية، وغالباً ما تكون من مسؤولية الأم في سنوات الطفولة المبكرة. وأشار إلى أن الخلط بين المفهومين يخلق فراغاً قانونياً واختلالاً في إدارة حياة الطفل.
وحذر من أن اشتراط موافقة الولي القانوني (عادة الأب) في إجراءات بسيطة كالمدرسة أو العلاج، يعطل مصالح القاصر، ويحول الولاية في بعض الحالات إلى أداة ضغط على الأم الحاضنة، خاصة في ظل غياب معيار واضح يضع "مصلحة الطفل الفضلى" فوق أي اعتبارات تقليدية.
وانتقد التعميم الوزاري لتركيزه على الهيكل القانوني دون معالجة الواقع العملي الذي تتحمل فيه الحاضنة العبء الأكبر من المسؤولية، مشدداً على ضرورة مراجعة الإطار القانوني القائم.
واقترح حمادة صيغة توفيقية تبقي الولاية بيد الأب أو من ينوب عنه، مع منح الحاضنة صلاحية اتخاذ القرارات اليومية والعاجلة، كتسجيل الطفل في المدرسة، الحصول على وثائق، وتقديم الرعاية الصحية، دون الحاجة لموافقة مسبقة من الولي، مع ضمان حق الأخير بالاعتراض قضائياً إن ثبت أي ضرر بالقاصر.
هذا الطرح، بحسب حمادة، يحقق توازناً ضرورياً بين نص القانون ومقتضيات الواقع، ويعيد الاعتبار لمفهوم الحماية القانونية التي يجب أن تكون موجّهة أولاً وأخيراً لمصلحة الطفل، وليس لفرض تراتبية السلطة الأبوية.
تعميم “رقم 17” يثير جدلاً واسعاً في سوريا ويعيد النقاش حول حقوق القاصرين
أثار التعميم رقم (17) لسنة 2025، الصادر عن وزير العدل في الحكومة السورية، موجة من الجدل القانوني والاجتماعي في الأوساط المدنية، بعد أن وضع إطاراً جديداً لتحديد أصحاب الولاية على نفس القاصر، خاصة في ما يتعلق بقضايا السفر وإصدار جوازات السفر والمعاملات القانونية المرتبطة بالقصر أمام الجهات الرسمية.
وينطلق التعميم من تسلسل تقليدي للولاية على القاصر، يتصدره الأب، ثم الجد من جهة الأب، تليه طبقات من الأقارب الذكور من جهة الأب مثل الأخ الشقيق والأخ لأب والعم وأبناء العم، وصولاً لأقارب أبعد مثل ابن عم الجد، بغض النظر عن العلاقة الفعلية أو الدور التربوي بين القاصر ومن يُمنح له الحق.
وبموجب هذا السياق، تُمنح الصلاحية القانونية لاتخاذ القرارات المصيرية الخاصة بالقاصر لأي ذكر من عائلة الأب، ما أثار استياء ناشطات وحقوقيات، وفتح نقاشاً حاداً حول مكانة الأم ضمن منظومة الولاية وحدود صلاحياتها القانونية تجاه أطفالها.
تصريحات حقوقية: قرار مجحف بحق النساء
في حديثٍ خاص مع شبكة "شام" الإخبارية، وصفت المحامية والباحثة القانونية نور عويس، الناشطة في مؤسسة «حقي» ضمن مشروع المجلس العربي، التعميم بأنه مجحف بحق النساء لما يترتب عليه من آثار سلبية، ومنها حرمان الأمهات من حماية أطفالهن وتقييد حقوقهن داخل إطار العصبة الذكورية، التي تعطي الأفضلية المطلقة لذكور جهات الأب حتى لو لم تكن لهم علاقة مباشرة بالقاصر.
وأشارت عويس إلى أن وزارة العدل تملك صلاحية منح استثناءات للنساء في ما يتعلق بقضايا السفر واستخراج جوازات السفر، وأن هناك آليات ممكنة للتراجع عن القرار أو تعديله عبر فتح قنوات تواصل مع الوزارة ووزير العدل لفهم المبررات القانونية والظروف التي استند إليها التعميم.
ودعت عويس النساء إلى إثبات الأهلية وقدرة الأم على حماية الطفل أمام الجهات المعنية، معتبرة أن المجتمع الذكوري غالباً ما يحرم النساء من حقوقهن، لكن ذلك لا يمنع من المطالبة القانونيّة بحقوقهن ومواجهة التمييز بنهج مدروس.
إيضاح من القضاء الشرعي وتأكيد على حقوق الأم
رداً على حالة الجدل التي أثارها التعميم، أصدر القاضي الشرعي الأول في دمشق، المستشار أحمد حمادة، بياناً إيضاحياً يحدّد نطاق تطبيق التعميم ليقتصر على المسائل الإجرائية المرتبطة بإصدار جوازات السفر وأذونات السفر الخاصة بالقاصرين فقط.
وأوضح البيان أن الأم لها حق استصدار جواز سفر القاصر مباشرة من إدارة الهجرة والجوازات دون الحاجة لمراجعة القضاء الشرعي، كما أشار إلى إمكانية اعتماد وسائل الاتصال المرئي للتحقق من موافقة أحد الوالدين في حال وجوده خارج البلاد، مع التأكيد على استمرار العمل بأحكام الوصاية الشرعية دون تغيير.
مطالبات بإعادة النظر في التعميم
على الرغم من التوضيح القضائي، يواصل ناشطات وحقوقيات في سوريا الضغط من أجل إعادة النظر في التعميم، حتى لا يُستغل كأداة تمييزية أو إقصائية، ويُتاح للقضاء التعامل مع حالات القصر بمرونة وتقييم موضوعي يراعي المصلحة الفضلى للقاصر بعيداً عن أي أحكام مسبقة تستند إلى الجنس أو القرابة الشكلية.
يُعد هذا الجدل رافعةً جديدة للنقاش حول حقوق الأطفال ومكانة الأم قانونياً واجتماعياً في سوريا، في وقت تتسع فيه الدعوات لإصلاحات قانونية أكثر شمولاً تراعي العدالة والمساواة في الحقوق الأسرية.