من الاعتقال إلى الحرية: رحلة ناجٍ من سجون الأسد
تتوالى قصص الناجين من جحيم سجون النظام البائد، لتكشف السياسة الوحشية والقمعية التي اتبعها في التعامل مع خصومه ومعارضيه. وتؤكد هذه الشهادات أن الثمن الذي دفعه السوريون لنيل الحرية كان باهظاً، خاصة أن من طالهم الاعتقال عاشوا ظروفاً قاسية، بعضهم قتل ولم يعد إلى عائلته، والبعض الآخر نجا ليكشف جرائم وانتهاكات الأسد.
وفي هذا السياق، تبرز قصة الناجي محمد أحمد تقي، شاب عاش تجربة الاعتقال في سجن صيدنايا، المعروف بسمعته القمعية والوحشية، حيث عرض تفاصيل تجربته خلال لقاء مصور مع صحيفة "الثورة".
وقال محمد إنه تعرض للاعتقال على يد قوات الأسد نتيجة انشقاقه عن الجيش في عام 2011 بمحافظة درعا، وبعد قضائه شهرين وثلاثة أيام، نُقل إلى سجن صيدنايا الأحمر، وهنا كانت الطامة، حسب وصفه.
وذكر تقي مشاهد من المعاناة التي عاشها هناك، إذ حُرم من المياه لمدة ستة أيام، مضيفاً أن المعتقلين في السجن اضطروا لشرب بول بعضهم البعض، ولأسباب مرضية تم قبوله في المستشفى.
وتابع أنهم عندما أعادوه من المستشفى إلى المفرزة إلى الغرفة التي يُحتجزون فيها، وأحضروا جثثاً من السجن ووضعوها في غرفته، حيث وصل عددها إلى 12 جثة وكان هو الوحيد الحيّ بينها. ثم تم قبول شخص بحالة صحية حرجة من السويداء، فطلب منه أحد رجال الشرطه قتله، مهدداً بأنه سيقتله بدلاً عنه لو لم يفعل، ما جعل محمد يعيش لحظة شديدة الصعوبة والخوف.
وبعد دقيقتين، وصلت سيارة من صيدنايا تقل شخصاً جرمه جنايات، دخل الغرفة وخنق الشاب، لينجو محمد من ذنب ذلك الشخص، لكنه في الوقت نفسه شعر بالأسى عليه لوفاته.
تحدث تقي عن لحظات افتتاح السجون وتحرير المساجين، مضيفاً أنهم كانوا يشعرون بالخوف، وسمعوا أصواتاً تقول: "إذا كان هناك أحد، قولوا الله أكبر"، فتعالت أصوات التكبير وصاروا يضربون الباب الحديدي الصعب فتحه. وطلب منهم من كانوا يحاولون تحريرهم الابتعاد عن الباب خشية أن يتعرضوا للأذى، لكنهم لم يستمعوا، إذ كانوا ينتظرون هذه اللحظة بلهفة.
وبعد أن خرج، مشى من باب السجن إلى التل لمسافة تصل إلى ستة كيلومترات، دون أن ينظر إلى الخلف باتجاه السجن خوفاً من أن يتعرض للاعتقال مرة أخرى. وبينما كانوا يمشون، أخبره الأهالي بأن سوريا تحررت، فسأل عن المحافظات المتبقية، فأجابوه بأن سوريا كلها تحررت.
ختاماً، يُعد محمد واحداً من آلاف السوريين الذين عاشوا هذه المعاناة وكتب لهم النجاة، فيما تعرّض آخرون للتصفية، ولا يزال مصير غيرهم مجهولاً، لذلك يطالب أهالي المعتقلين وذووهم بمحاسبة كل من تورط في ملف الاعتقال وتسبب في وصول السوريين إلى هذه المعاناة.