من التمجيد إلى الاعتذار.. أغنية "سيدي الرئيس كلنا فداك" تثير الجدل وتحذف
من التمجيد إلى الاعتذار.. أغنية "سيدي الرئيس كلنا فداك" تثير الجدل وتحذف
● أخبار سورية ١٩ أكتوبر ٢٠٢٥

من التمجيد إلى الاعتذار.. أنشودة "سيدي الرئيس كلنا فداك" تثير الجدل وتحذف

أثارت أنشودة بعنوان "سيدي الرئيس كلنا فداك" للمنشد "عبد الله السلمو"، التي صدرت  قبل يومين، موجة واسعة من الجدل في الأوساط السورية، ليس فقط بسبب مضمونها الذي وُصف بأنه يحمل طابع التمجيد، بل لأنها أعادت إلى الأذهان إرثًا سياسيًا وثقافيًا تحاول شرائح كبيرة من السوريين التحرر منه.

وكانت ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي واضحة في رفضها لهذا النهج، حيث اعتبر كثير من النشطاء أن الأغنية لا تعبّر عن روح المرحلة الراهنة التي تتطلع إلى بناء وعي وطني جديد قائم على المحاسبة والشفافية، لا على التبجيل والشخصنة.

ويبدو أن القضية لا تتعلق بأغنية بقدر ما تعبّر عن صراعٍ أعمق في المجتمع السوري بين جيلٍ يسعى للتجديد والانعتاق من رموز الماضي، وجيلٍ ما زال يرى في التمجيد والرمزية الشخصية نوعًا من الوفاء والاستقرار. ومع تزايد الوعي الشعبي، يبدو أن السوريين باتوا أكثر حساسية تجاه أي خطاب يعيد إنتاج لغة السلطة القديمة أو يكرّس ثقافة "القائد الأوحد".

من جانبه احتوى المنشد "عبدالله السلمو"، الذي عرف سابقًا بأناشيد ذات طابع وطني وديني مثل "أنعم الله على الشام ببني أمية"، الموجة الغاضبة بنشر فيديو اعتذار أوضح فيه أن العمل لم يكن مقصودًا به الإساءة أو إثارة الجدل، واعتذر عن العمل لما يذكر بثقافة الخضوع وتمجيد السلطة.

ويذكر أن الأغنية، التي مدحت الرئيس أحمد الشرع بأسلوب بخطاب السلطة في العقود السابقة، اعتُبرت من قبل كثيرين عودةً غير مرغوبة إلى نمط التقديس الشخصي للقائد الذي كان سائدًا في حقبة حزب البعث والنظام القديم.

ويبدو أن ما أثار الحساسية بشكل خاص هو أن السوريين، بعد سنوات طويلة من الحرب والمعاناة، يسعون لتجاوز مرحلة الخطاب السياسي الذي يربط الوطن بشخص الحاكم، ويركّز على الولاء الفردي بدلًا من المسؤولية الجماعية والمؤسساتية.

وهذا النوع من التمجيد يذكر بتراث الدعاية الرسمية التي استخدمت الفن والإعلام لترسيخ فكرة "القائد الأب" أو "الزعيم المنقذ"، وهو نموذج ارتبط بالاستبداد والهيمنة السياسية في الذاكرة الجمعية للسوريين.

سوريا الجديدة: من إزالة اللافتة إلى إزالة ثقافة التقديس
وفي وقت سابق قامت عناصر الأمن العام في محافظة اللاذقية بإزالة لافتة علّقها أحد المواطنين على شرفة مكتبه، تضمنت عبارات تمجيد للرئيس أحمد الشرع، الخطوة، التي قد تبدو إجرائية في ظاهرها، تحمل دلالة رمزية في سياق التحول الجاري داخل البلاد لفك الارتباط مع ثقافة التقديس السياسي التي ميزت العقود الماضية، وبخاصة في مرحلة حكم النظام البائد.

إرث التقديس... من الشعارات إلى حياة الناس
على مدى عقود، عانى السوريون من سياسات ممنهجة رسّخت ثقافة "عبادة الفرد" وتحويل الولاء السياسي إلى طقوس يومية مفروضة في المدارس والإعلام والمرافق العامة، فقد طغت صور وتماثيل وشعارات "القائد" على كل مساحة عامة، في مشهد كان يعكس لا محبة حقيقية، بل خوفًا عامًا من كسر الاصطفاف المفروض.

وشكلت هذه الممارسات أحد أوجه القمع الناعم، حيث ارتبط الانتقاد بالخيانة، وغُيّب المواطن داخل معادلة الولاء القسري، الأمر الذي عمّق الفجوة بين الدولة والمجتمع، وساهم في إضعاف ثقة الناس بمؤسساتهم.

من دولة الفرد إلى دولة المواطن
إن إزالة لافتة تمجيد شخصية عامة، ولو كانت برغبة فردية، تعكس تطورًا في فهم مؤسسات الدولة الجديدة لمفهوم الحضور العام للسلطة، وهو تطور مرحّب به من قبل قطاعات واسعة من السوريين الذين يطمحون للانتقال من دولة "القائد الرمز" إلى دولة المواطن الحر.

لقد قامت الثورة السورية في جوهرها على رفض هذا النموذج، وسعت إلى بناء دولة مدنية تحترم الإنسان، وتصون كرامته، وتفصل بوضوح بين المسؤول العام وتمجيد الأشخاص.

إنهاء التزلف... بداية لحرية حقيقية
في نظر كثيرين، رفض المبالغة في مدح الشخصيات العامة، وخاصة المسؤولين، ليس مجرد تفصيل بروتوكولي، بل هو مؤشر على مناخ سياسي جديد، أكثر احترامًا لعقل المواطن، وأقرب إلى ثقافة الحكم الرشيد. فحرية التعبير تبدأ من رفض النفاق السياسي، ومن إنهاء صناعة الأصنام البشرية التي كانت تُقدّس بقدر ما كانت تُخيف.

وعي لا يُقمع بعد الآن
بات واضحًا أن المواطن السوري اليوم أكثر وعيًا وإصرارًا على رفض أي مظهر يُعيد إنتاج أدوات الاستبداد، ولو كان في شكل لافتة بسيطة. إن إسقاط الرموز الزائفة لا يبدأ من التماثيل فحسب، بل من تفكيك العقليات التي صنعتها. وما هذا الحدث إلا إشارة إضافية إلى أن الزمن تغيّر، وأن ما كان يُفرض بالأمس أصبح اليوم يُرفض بهدوء.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ