
من شعار إسقاط النظام إلى بناء الوطن... قراءة في انتخابات مجلس الشعب السوري
كتب الدكتور نوار نجمة، المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري، مقالة على حسابه على منصة إكس، تناول فيها التجربة الانتخابية الأولى في سوريا بعد التحول السياسي، واصفًا إياها بأنها "ليست تعيينًا ولا انتخابات تقليدية مباشرة"، بل امتحان حقيقي في بناء الوعي الوطني وتجاوز ثقافة الماضي.
وأشار نجمة إلى أن مبدأ الاختيار شكل التحدي الأكبر، إذ واجهت اللجنة معضلة الموازنة بين الرأي الشخصي والوطني ورأي الشارع، في ظل واقع ديموغرافي ولوجستي معقد لا يسمح بإجراء انتخابات تقليدية مباشرة، مبينًا أن "الانتخابات المباشرة قد تكون الفخ الذي تقع فيه الثورات، وحصان طروادة الذي يتسلل منه أبناء الأنظمة السابقة عبر المال السياسي والعصبية الدينية أو المناطقية".
وأضاف أن إعداد النظام الانتخابي المؤقت تم "بمنهجية واقعية تراعي هموم الناس"، وأن التحدي الأخطر تمثل في محاولة إرضاء الشارع الغاضب وسط حالة اجتماعية "تغيّر الولاءات بعدد ساعات النهار"، ما يعكس عمق التحدي الذي ستواجهه العدالة الانتقالية في المجتمع السوري.
وأوضح نجمة أن المشاركة الشعبية لم تكن مباشرة، لكنها تجلت في ثورة رقابية على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى أبواب لجان الطعون، حيث تم التدقيق في كل اسم وعنوان قبل إعلان النتائج، مشيرًا إلى أن احترام المبادئ الدستورية للنظام الانتخابي كان أهم من سرعة إعلان الأسماء.
وفي حديثه عنصناديق الاقتراع، وصفها بأنها "ورقة التحليل الشفافة التي كشفت أمراض المجتمع السوري ونقاط ضعفه"، مؤكداً أن التجربة أظهرت استمرار النزعات المناطقية والعشائرية والطائفية، وضعف مشاركة المرأة، وهي مظاهر تعكس إرث النظام البائد الذي ما زال حاضراً في الذهنية السياسية والاجتماعية، مشددًا على أن "الشعوب تحتاج أجيالًا لتتغير، وأن انتقال السلطة لا يعني انتقال الثقافة فوراً".
كما أشار إلى أن الثورة حضرت داخل البرلمان عبر شخصيات ثورية وكفاءات وطنية، لكن غياب الأحزاب المنظمة وماكينات العمل السياسي حال دون نشوء نقاش برلماني مؤسساتي منسجم، مما قد يصعّب مهمة التشريع ما لم تتوافر الإرادة والقدرة على العمل الجماعي.
واعتبر نجمة أن البرامج الانتخابية تبقى غالبًا وعودًا وردية لا تتحقق، لكنه دعا إلى تسريع الثقافة البرلمانية الجديدة وتحويل البرلمان إلى ساحة حقيقية للمشاركة والتنوع، بعيدًا عن عقلية "المنتصر والمهزوم"، حتى لا تتحول الثورة إلى أقلية سياسية معزولة عن هموم الناس.
وختم مقاله بدعوة واضحة إلى الاندماج الوطني الكامل، والانتقال من شعارات الهدم إلى البناء، قائلاً: "لقد آن الأوان لأن نتحرّك من شعار الشعب يريد إسقاط النظام، إلى شعار الشعب يريد بناء الوطن".
وشهدت الانتخابات منافسة بين 1578 مرشحاً في خمسين دائرة على 140 مقعداً من أصل 210، حيث يُنتخب الثلثان عبر الاقتراع المباشر، فيما يعيّن الرئيس أحمد الشرع الثلث المتبقي وفقاً للإعلان الدستوري، وجاء توزيع المقاعد على المحافظات على النحو الآتي: حلب 32، ريف دمشق 12، حمص 12، حماة 12، إدلب 12، دير الزور 10، اللاذقية 7، طرطوس 5، درعا 6، والقنيطرة 3 مقاعد.
وأكدت اللجنة العليا أن عملية الفرز تمت بإشراف قضائي مباشر وبحضور ممثلي وسائل الإعلام، مشيرة إلى أن النتائج النهائية ستُعتمد رسمياً من قبل اللجنة المركزية خلال مؤتمر صحفي يعقد في الأيام المقبلة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها “ترسّخ مسار الانتقال نحو مؤسسات شرعية أكثر تمثيلاً وشفافية في سوريا”.