من يقف خلف هجوم تدمر؟ محللون يقرأون التوقيت والمستفيدين
أثار الهجوم الذي استهدف دورية مشتركة للقوات الأميركية وقوى الأمن السورية في مدينة تدمر وسط البلاد موجة واسعة من التساؤلات حول الجهة التي تقف خلفه، والأهداف الكامنة وراءه، إضافة إلى دلالات توقيته، في ظل مرحلة سياسية وأمنية حساسة تمرّ بها سوريا. محللون وخبراء حاولوا تفكيك أبعاد العملية وقراءتها في سياقها الإقليمي والدولي.
وأعلنت القيادة الوسطى الأميركية أن الهجوم نُفذ عبر كمين نصبه تنظيم الدولة، وأسفر عن مقتل ثلاثة أميركيين بينهم جنديان، وهو ما أكده أيضاً البنتاغون، الذي أشار إلى إصابة ثلاثة جنود آخرين خلال مهمة مشتركة مع قوات سورية في تدمر. في المقابل، توعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرد على التنظيم، فيما أكد وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أن “كل من يستهدف الأميركيين سيُلاحق ويُقتل دون رحمة”.
وفي قراءة تحليلية على قناة الجزيرة، رجّح كبير الباحثين في المجلس الأميركي للسياسة الخارجية، الدكتور جيمس روبنز، أن يكون الهجوم من تنفيذ تنظيم الدولة الإسلامية، لافتاً إلى أن القوات الأميركية تعقد اجتماعات ميدانية مع السلطات المحلية، ما يفتح احتمال تسريب معلومات حول تحركاتها.
ولم يستبعد روبنز أن يكون للهجوم ارتباط غير مباشر بالنقاشات داخل الكونغرس الأميركي حول رفع العقوبات عن سوريا، لكنه رأى أن العملية لن تؤثر على مسار العلاقة بين دمشق وواشنطن ولا على العملية السياسية السورية.
وأشار روبنز إلى أن الهجوم سيثير جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة حول جدوى الوجود الأميركي في سوريا حالياً ومستقبلاً، مضيفاً أن طبيعة الرد الأميركي ما تزال غير واضحة رغم التصريحات المتشددة الصادرة عن وزارة الدفاع.
بدوره، تناول الكاتب والباحث السياسي ياسر النجار طبيعة المنطقة التي وقع فيها الهجوم، موضحاً أنها منطقة شاسعة وخالية من السكان ونقاط الرصد، وتخضع منذ نحو عشر سنوات للسيطرة اللوجستية والأمنية لقوات التحالف الدولي، ما يعني –برأيه– أن مسؤولية تأمين القوات المستهدفة تقع أساساً على الجانب الأميركي. وطرح النجار فرضية “الذئب المنفرد”، أي تنفيذ الهجوم من قبل شخص واحد دون تنسيق مباشر أو دعم لوجستي واسع.
وفي تحليله للأطراف المستفيدة من العملية، رأى النجار أن إسرائيل قد توظف الهجوم لتكريس رواية عدم الاستقرار الأمني في سوريا وتبرير تدخلات عسكرية جديدة، كما أشار إلى أن تنظيم الدولة سبق أن قدّم نفسه كأداة تُستخدم بشكل غير مباشر لخدمة مصالح أطراف أخرى. واعتبر أيضاً أن “قوات سوريا الديمقراطية” قد تجد في الحادثة فرصة لتأكيد سرديتها حول دورها الأمني مقابل الدولة السورية.
وخلص النجار إلى أن الهجوم يكشف عن ثغرة أمنية حقيقية في المنطقة، ما سيدفع الدولة السورية إلى تعزيز اعتمادها على قدراتها الذاتية وعدم ترك القرار الأمني بيد قوات التحالف.
من جانبه، طرح الخبير العسكري والاستراتيجي العميد إلياس حنا جملة تساؤلات حول طبيعة الوجود الأميركي إلى جانب قوى الأمن السورية في تدمر، متسائلاً عمّا إذا كان هذا التعاون يشير إلى مشروع أوسع أو شراكة استراتيجية أعمق، خصوصاً بعد انضمام سوريا إلى التحالف الدولي، ورفع العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، واستقبال الرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض.
ويعكس الهجوم، وفق مجمل القراءات، مرحلة معقدة تتداخل فيها الاعتبارات الأمنية والسياسية، في وقت لا تزال فيه سوريا ساحة مفتوحة لتقاطعات إقليمية ودولية متعددة.
إدانات عربية ودولية لهجوم تدمر وتأكيد استمرار التنسيق السوري–الأميركي لملاحقة داعش
أدانت كل من دولة قطر والمملكة الأردنية الهاشمية، الهجوم الذي استهدف قوات أميركية وأخرى من الأمن السوري في منطقة البادية قرب مدينة تدمر بريف حمص، وأسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم، مؤكّدتين رفضهما القاطع لجميع أشكال العنف والإرهاب.
وقالت وزارة الخارجية القطرية، في بيان رسمي، إن الدوحة تجدّد موقفها الثابت الرافض للإرهاب والأعمال الإجرامية أياً كانت دوافعها أو مبرراتها، وتشدد على ضرورة حماية الأمن والاستقرار ومواجهة التنظيمات المتطرفة.
من جهته، أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردنية، السفير فؤاد المجالي، تضامن المملكة الكامل مع سوريا والولايات المتحدة، ورفضها المطلق لكل أشكال العنف التي تستهدف زعزعة الأمن، مؤكداً دعم الأردن لمسار إعادة بناء سوريا على أسس تضمن وحدة أراضيها وسيادتها وأمنها، والتخلص من الإرهاب مع صون حقوق جميع السوريين.
وفي السياق نفسه، أوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، أن قيادة الأمن الداخلي كانت قد أصدرت تحذيرات مسبقة للقوات الشريكة في منطقة البادية من احتمال وقوع هجمات لتنظيم داعش، إلا أن تلك التحذيرات لم تُؤخذ بعين الاعتبار.
وبيّن أن الهجوم وقع عند مدخل أحد المقرات في بادية تدمر خلال جولة مشتركة بين قيادة التحالف الدولي وقيادة الأمن الداخلي، حيث أقدم شخص يُشتبه بانتمائه لتنظيم داعش على إطلاق النار.
وأكد البابا أن منفذ الهجوم جرى تحييده بعد اشتباك مباشر مع قوى الأمن السوري وقوات التحالف، مشدداً على أنه لا يرتبط قيادياً بقوى الأمن الداخلي ولا يُعد مرافقاً للقيادة، فيما لا تزال التحقيقات جارية لتحديد ما إذا كان مرتبطاً تنظيمياً بداعش أو متأثراً بأفكاره فقط.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في وقت سابق مقتل ثلاثة أميركيين في الهجوم، بينهم جنديان ومترجم مدني، إضافة إلى إصابة ثلاثة جنود آخرين، مؤكداً أن تنظيم داعش يقف خلف العملية، وأن الرد سيكون “قوياً وخطيراً”. وأشار ترامب إلى أن المنطقة التي وقع فيها الهجوم تُعد شديدة الخطورة ولا تخضع للسيطرة الكاملة، لافتاً إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع “غاضب جداً” مما جرى.
بدوره، أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، في بيان، أن عدداً محدوداً من القوات الأميركية لا يزال منتشراً في سوريا ضمن مهمة دحر داعش وحماية الولايات المتحدة من الإرهاب، متوعداً بملاحقة كل من موّل أو شارك في الهجوم بالتعاون مع الحكومة السورية.
وحذر من أن أي استهداف للقوات الأميركية سيقابل برد سريع وحاسم. ورحّب باراك بما وصفه التزام الرئيس أحمد الشرع الواضح بتحديد هوية المتورطين ومحاسبتهم، مؤكداً استمرار التنسيق المشترك لمواجهة التهديدات الإرهابية.
وعقب الهجوم، شنّت قوات سورية–أميركية مشتركة حملة تمشيط واسعة في مدينة تدمر ومحيطها، ضمن تحرك أمني فوري يهدف إلى ملاحقة الخلايا الإرهابية وتعزيز الإجراءات الوقائية، في تأكيد على استمرار التعاون العملياتي بين الجانبين في مواجهة تنظيم داعش.
وفي بيان منفصل، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مقتل جنديين من الجيش الأميركي ومترجم مدني، وإصابة ثلاثة جنود آخرين، إثر الهجوم الذي وقع خلال اجتماع أمني سوري–أميركي مشترك خُصص لبحث ملفات مكافحة الإرهاب، مؤكدة القضاء على منفذ العملية.
وكانت أفادت مصادر رسمية بأن الهجوم نُفذ أثناء جولة ميدانية مشتركة لعناصر من قوى الأمن الداخلي ووفد من التحالف الدولي في مدينة تدمر، ما أعاد تسليط الضوء على استمرار التحديات الأمنية في البادية السورية، وضرورة تكثيف الجهود المشتركة لمنع عودة نشاط التنظيمات المتطرفة.