واشنطن بوست: فرص هائلة ومخاطر كبيرة في سوريا الجديدة.. وترامب يتعهد
واشنطن بوست: فرص هائلة ومخاطر كبيرة في سوريا الجديدة.. وترامب يتعهد
● أخبار سورية ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥

واشنطن بوست: فرص هائلة ومخاطر كبيرة في سوريا الجديدة.. وترامب يتعهد

كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في تقرير موسّع عن المشهد المتحرك لفرص الاستثمار في سوريا الجديدة، حيث يفتح الرئيس السوري أحمد الشرع الباب أمام الشركات الدولية بعد أكثر من أربعة عشر عاماً من الحرب، في وقت تتداخل فيه الوعود الاقتصادية الضخمة مع عقبات سياسية وقانونية معقدة، أبرزها استمرار قانون قيصر، والصراع الأميركي الداخلي حول مستقبل العقوبات.

يبدأ التقرير من زيارة الشرع الأخيرة إلى واشنطن، والتي مثّلت ـ بحسب الصحيفة ـ نقطة تحول رمزية وعملية في العلاقة الاقتصادية بين دمشق والغرب. ففي اليوم ذاته الذي التقى فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب داخل البيت الأبيض، كان الشرع يجلس مع ممثلي كبريات الشركات الأميركية مثل “كاتربيلار”، “كونوكو فيليبس”، “جنرال إلكتريك”، “شيفرون”، “فيزا”، و”ماستر كارد”، في أول اجتماع لمبادرة الأعمال الأميركية ـ السورية التي استضافتها غرفة التجارة الأميركية.

ووفقاً لما نقله مشاركون في الاجتماع، فإن الشرع أبلغ المديرين التنفيذيين بأن ترامب تعهد شخصياً بخفض الرسوم الجمركية الأميركية على البضائع السورية من 41% إلى 10% فقط، وهي أدنى نسبة تعرفة تفرضها إدارة ترامب. وينقل التقرير عن جاي سالكيني، رئيس مجلس الأعمال الأميركي ـ السوري، قوله إن “الجميع في الاجتماع سأل سؤالاً واحداً: كيف يمكنني الدخول إلى سوريا؟”، مؤكداً أن كل مليار دولار تستثمره الشركات الأميركية هناك يخلق خمسة آلاف فرصة عمل داخل الولايات المتحدة، وأن سوريا قد تستقبل مئة مليار دولار من الاستثمارات الأميركية في غضون ثلاث إلى خمس سنوات.

عقبات داخلية وخارجية تُبطئ دخول الاستثمارات

على الرغم من الزخم السياسي، يشير التقرير إلى أنّ الطريق ما يزال محفوفاً بالمعوقات. فمن الجانب السوري، تعاني الوزارات من ضعف القدرات الإدارية والبيروقراطية وعدم وجود كادر كافٍ للتعامل مع الشركات الأجنبية أو مع مؤسسات دولية. وتضيف الصحيفة أن الحكومة السورية وقّعت مذكرات تفاهم بأكثر من 25 مليار دولار مع شركات دولية، إلا أنّ معظمها لم يتحوّل إلى مشاريع فعلية بسبب بطء اتخاذ القرار داخل المؤسسات التي بُنيت من جديد بعد سقوط النظام السابق.

أما من الجانب الأميركي، فيبرز قانون قيصر بوصفه العقبة الأكبر أمام انطلاق المشاريع، إذ لا يزال وجوده في السجلات الفيدرالية كافياً لردع البنوك والشركات الكبرى خوفاً من “العودة المفاجئة” للعقوبات في أي وقت. ورغم تعليق إدارة ترامب تنفيذ القانون لمدة 180 يوماً، تبقى المخاوف قائمة، خصوصاً وسط انقسام الكونغرس بين مؤيّدين للإلغاء الكامل ومعارضين يشترطون وضع معايير سياسية قبل رفع العقوبات.

وينقل التقرير مواقف نواب أميركيين زاروا سوريا هذا العام ويضغطون بقوة لإلغاء القانون، منهم السيناتورة جين شاهين، والنائب جو ويلسون، والنائب مارلين شاتزمان، والنائب كوري ميلز، حيث أكد شاتزمان أنّ “سوريا الحرة والديمقراطية قد تكون مركزاً استثمارياً للشركات الأميركية في مجالات البنية التحتية والطاقة والمصارف”، محذراً من أنّ بقاء العقوبات سيترك المجال للصين كي تملأ الفراغ.

قدرات الدولة الجديدة لا تواكب حجم الدمار

وتعود الصحيفة لتشرح حجم التحديات الحقيقية على الأرض، إذ تشير إلى تقرير للبنك الدولي قدر كلفة إعادة الإعمار بنحو 216 مليار دولار، بينها 64 ملياراً لمحافظة حلب وحدها. لكن المشكلة ـ كما يوضح التقرير ـ ليست في الأموال وحسب، بل في قدرة الدولة السورية الناشئة على إدارة تلك المشاريع. ويقول خبراء إن الوزارات الجديدة غير قادرة بعد على اتخاذ القرارات اللازمة، ما يعرقل تحويل الاتفاقيات إلى مشاريع تنفيذية.

 

ويضيف تقرير واشنطن بوست أن مسؤولين سوريين وأميركيين يرون أن النوايا الحكومية جيدة، لكن ضعف الموارد يجعل المستثمرين “عالقين في الانتظار”، إذ لا يتحرك أي مشروع ما لم يأتي الضوء الأخضر المباشر من الرئاسة.

الاستثمارات الخليجية: وعود لامعة بلا تنفيذ

يرصد التقرير أيضاً موجة الإعلانات الخليجية عن مشاريع بمليارات الدولارات في سوريا خلال العام الماضي، في مجالات العقارات والسياحة والصحة واللوجستيات. غير أن الصحيفة تقول إن هذه الوعود لم تترجم فعلياً، إذ لم يعلن أي صندوق سيادي خليجي عن استثمار حقيقي حتى الآن، وهو عادة مؤشّر على غياب الموافقة الرسمية النهائية في هذه الدول.

ويرى محللون أن المستثمرين الخليجيين مستعدون للدخول بقوة، لكنهم يخشون من البيئة القانونية غير المستقرة، خصوصاً ما يتعلق بقانون قيصر، إذ لا تستطيع البنوك الخليجية الكبيرة تعديل أطر الامتثال لديها وفق تحذيرات قد تتغير في أي لحظة.

قانون قيصر: “عنق الزجاجة” الأكبر أمام الإعمار

توضح الصحيفة أن الجدل حول إلغاء قيصر يدور حالياً داخل عملية إقرار قانون الدفاع الوطني في الكونغرس. النسخة الحالية من مشروع القانون في مجلس الشيوخ توصي بإلغاء قيصر، لكنها تسمح بإعادة فرضه إذا لم تحقق سوريا شروطاً معينة، وهو ما تعتبره الشركات “خطراً سياسياً” يثنيها عن الاستثمار.

وتنشر الصحيفة نصوصاً من رسالة سرية حصلت عليها، وجهها مجلس الأعمال الأميركي ـ السوري إلى كبار مسؤولي الخزانة والأمن القومي، يدعو فيها إلى الإلغاء الكامل للقانون وإخراج سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإلغاء الرسوم الجمركية، وإنشاء منطقة تجارة مراقبة داخل سوريا. ويرى المجلس أن هذه الخطوات ستمنح الشركات الأميركية أفضلية استراتيجية تمنع الصين وأوروبا من السيطرة على السوق السورية.

غياب القطاع المصرفي يجمّد كل شيء

يتوقف التقرير عند واحدة من أعقد المشكلات: غياب قطاع مصرفي قادر على التعامل دولياً. فحتى الحكومة السورية نفسها تواجه صعوبة في إدارة المدفوعات داخل البلاد، رغم إطلاقها نظام “شام كاش” للمدفوعات الرقمية، والذي تعرض لانتقادات واسعة تتعلق بالشفافية والبنية التقنية والأمن السيبراني.

وتشير الصحيفة إلى بوادر أولية مثل توقيع اتفاق بين “ماستر كارد” ومصرف سوريا المركزي، وإجراء أول عملية تحويل بنكي دولي عبر “سويفت”. لكن خبراء يرون أنّ هذه الخطوات غير كافية، وأن أي استثمار كبير لن يبدأ قبل عودة البنوك الدولية إلى العمل داخل سوريا.

قطاعات الطاقة والبنى التحتية تتحرك أولاً

في ظل هذا المشهد المعقد، تسجل الصحيفة تحركات مهمة في قطاع الطاقة، حيث أعلنت وزارة الطاقة السورية عن اتفاق جديد بين الشركة السورية للنفط وشركتي “كونوكو فيليبس” و”نوفاتيرا” لتوسيع التعاون في مجال الغاز. كما ناقشت شركات أميركية مثل “بيكر هيوز” و“أرجنت LNG” و“هنت إنرجي” وضع خطة رئيسية لقطاع الطاقة في سوريا.

 

وترى الحكومة السورية أن النفط والغاز قد يشكلان مصدراً رئيسياً للعملات الأجنبية، في حين تمتلك البلاد احتياطيات غير مستغلة من السيليكون والليثيوم، إلا أنّ تطوير هذه الصناعات يحتاج إلى بيئة استثمارية مستقرة غير متوفرة بعد بسبب العقوبات والقيود المالية.

الدبلوماسية الاقتصادية: شخصيات لا مؤسسات

تتبع الصحيفة أثر التحركات الدبلوماسية الأميركية المرتبطة بالإعمار، لافتة إلى أن الملف يدار عبر شخصيات قريبة من الرئيس ترامب، مثل السفير الأميركي لدى تركيا توم باراك، والمبعوث الخاص ريتشارد غرينيل، ومسعد بولوس. وتقول إن هذا الأسلوب يكشف طابع “الشخصنة” في معالجة الملف السوري، بدلاً من القنوات البيروقراطية المعتادة.

بين السباق إلى السوق والوقوع في فخ المشاريع الوهمية

يشير التقرير إلى أن السوق السورية الحالية ضعيفة التنافسية لدرجة تسمح لأي شركة تدخل أولاً بالحصول على شبه احتكار في قطاعها، نظراً لغياب الخدمات الأساسية وارتفاع الطلب الشعبي. لكن في المقابل، يحذر خبراء من أن بعض المستثمرين الأميركيين والخليجيين يبحثون عن مشاريع “لامعة” تخدم نخبة ضيقة، مثل نادي غولف يحمل العلامة التجارية لترامب في اللاذقية أو برج ضخم في دمشق، وهي مشاريع قد تزيح الأولويات الحقيقية للسوريين مثل الكهرباء والصحة والنقل.

الحاجة الماسة للشفافية… والقلق من عودة ممارسات النظام السابق

تختتم الصحيفة هذا المحور بتحذير من مخاطر غياب الشفافية في اختيار الشركاء المحليين، بسبب احتمال تورط بعضهم في شبكات الفساد التي كانت راسخة في عهد النظام السابق. ويرى خبراء أن الحكومة الحالية تحاول رسم صورة مختلفة، وأنها باتت أكثر انفتاحاً على الإصلاحات القانونية، لكن ما تزال هناك مخاوف من ترسخ نفوذ شبكات جديدة على غرار ما حدث في العقود الماضية.

ضوء أصفر في الطريق لا أخضر ولا أحمر

ترى واشنطن بوست أن سوريا الجديدة تقف عند نقطة مفصلية تجمع بين الإمكانات الاقتصادية الهائلة والواقع السياسي والإداري الهش. فالرئيس السوري يجلس مع كبار المديرين التنفيذيين، والنواب الأميركيون يزورون دمشق، والمستثمرون الخليجيون يترقبون اللحظة المناسبة للدخول، لكن كلها خطوات لا تزال مرتبطة بقرار واحد: مستقبل قانون قيصر.

وتختم الصحيفة بالقول إن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة، سواء في واشنطن أو دمشق، لتحديد ما إذا كانت هذه الانطلاقة ستتحول إلى شراكة حقيقية لإعادة الإعمار، أو ستظل معلّقة بين الوعود والمخاوف.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ