تدخين الأطفال في سوريا: ظاهرة تهدد جيل المستقبل
تدخين الأطفال في سوريا: ظاهرة تهدد جيل المستقبل
● تقارير إنسانية ١٤ يوليو ٢٠٢٥

تدخين الأطفال في سوريا: ظاهرة تهدد جيل المستقبل

أصبحت ظاهرة تدخين الأطفال في سوريا أمراً مألوفاً في الآونة الأخيرة، في ظلّ غياب الرادع القانوني أو الخوف من العقاب. والأخطر من ذلك، هو توجه عدد متزايد منهم نحو استخدام جهاز التدخين الإلكتروني المعروف بـ(الفايب - Vape)، رغم ما يحمله من أضرار صحية جسيمة. 

هذا الانجراف نحو التدخين، سواء التقليدي أو الإلكتروني، يجعل الأطفال عرضة لعدة تداعيات أبرزها الإصابة بأمراض مزمنة وسلوكيات سلبية قد تتطور مع الوقت، مما يستدعي تدخلاً عاجلاً من الأسرة والمجتمع والجهات المعنية.

غياب الرقابة

تعددت الأسباب التي دفعت الأطفال نحو التدخين، إلا أن أبرزها، بحسب القصص التي رُصدت خلال العمل على هذا الموضوع، يتمثل في غياب الرقابة الأسرية والمدرسية في آنٍ معاً. فالأطفال غالباً ما يجدون أنفسهم في بيئة محفزة على تبني سلوكيات ضارة، دون توجيه أو متابعة حقيقية من الأهل أو المدرسة.

كما يُعد غياب القدوة الحسنة عاملاً جوهرياً، حيث يتأثر الطفل بسلوك من حوله، سواء في الأسرة أو بين الأصدقاء. كثير من الأطفال تعلّموا التدخين مباشرة من الآباء المدخنين، فقلّدوهم دون وعي، معتقدين أن هذا السلوك طبيعي أو حتى "دليل على الرجولة".

سهولة الحصول على السجائر

إضافة إلى ذلك، يلعب رفاق السوء دوراً كبيراً في دفع الطفل نحو التجربة الأولى، في ظل غياب التوعية والمراقبة. وفي الوقت ذاته كان للعوامل الاقتصادية في تعزيز هذه الظاهرة، إذ أن سهولة حصول الأطفال على السجائر أو أجهزة التدخين الإلكتروني من المحلات التجارية، دون أي رقابة أو التزام بالقوانين التي تمنع بيعها للقاصرين، تُعد سبباً رئيسياً في استفحال المشكلة.

كما أن توفر المال في أيدي الأطفال، سواء من مصروفهم اليومي أو بطرق أخرى، يمنحهم القدرة على شراء منتجات التبغ دون صعوبة، خاصة في ظل غياب رقابة حقيقية من الأهل على كيفية إنفاق أبنائهم. هذه السهولة في الوصول والشراء تجعل التجربة الأولى أقرب مما يُتصوّر، وتمهّد الطريق للإدمان المبكر.

بحسب الدراسات الطبية، فإن التدخين يُعدّ شديد الضرر على صحة الأطفال، إذ يؤثر بشكل مباشر على الجهاز التنفسي، ويتسبب في ضعف نمو الرئتين. ولا يقتصر الخطر على ذلك، بل يمتد ليشمل ارتفاع احتمال الإصابة بأمراض مزمنة، مثل الربو، والتهاب الشعب الهوائية، وربما في المستقبل أمراض القلب والرئة.

كما يُظهر النيكوتين تأثيراً كبيراً على الجهاز العصبي للطفل، إذ يغيّر من كيمياء الدماغ ويؤثر على التركيز والانتباه. أما الإدمان المبكر، فهو من أخطر النتائج، لأن الطفل يصبح أسيراً للعادة في سن صغيرة، ما يصعّب عليه الإقلاع عنها لاحقاً، ويفتح المجال أمام سلوكيات أكثر خطورة.

وبحسب ما أوضحه أخصائيين نفسيين قابلناهم، فإن الأثر السلبي للتدخين لا يقتصر على الجانب الصحي فحسب، بل يمتد إلى السلوك النفسي والاجتماعي أيضاً. فالطفل المدمن على التدخين قد يلجأ إلى سلوكيات خاطئة وخطرة في حال لم يتمكن من تأمين المال اللازم لشراء السجائر أو جهاز الفايب.

من بين هذه السلوكيات: السرقة من الآخرين، أو إيذاء أصدقائه وسلبهم المال بالقوة، بل وقد يتطور الأمر إلى تبني سلوكيات عدوانية أو حتى التنمر على من حوله. هذا التدهور في السلوك يحدث نتيجة حاجة الطفل الشديدة للنيكوتين، في ظل غياب وعيه الكامل بمخاطر ما يقوم به، وافتقاره للتوجيه والدعم النفسي السليم.

اقترح ناشطون مجموعة من الحلول التي قد تسهم في مكافحة ظاهرة التدخين بين الأطفال، من بينها توعية الأهالي بأهمية مراقبة سلوكيات أبنائهم وتصرفاتهم، وضرورة فتح قنوات حوار صادقة معهم تساعدهم على الإقلاع عن هذه العادة السيئة.

 كما شدد الناشطون على أهمية نشر التوعية حول أضرار التدخين في المدارس، من خلال برامج تستهدف الطلاب والمعلمين على حد سواء، لضمان وصول الرسالة لأكبر عدد ممكن من الأطفال. ومن جهة أخرى، دعوا إلى تدخل الحكومة بشكل فعال، عبر فرض قوانين تمنع بيع السجائر وأجهزة الفايب للأطفال، ومراقبة تطبيق هذه القوانين بدقة في المحلات التجارية.

تُعدّ ظاهرة انتشار التدخين بين الأطفال واحدة من أخطر الظواهر الاجتماعية، لما تشكله من تهديد مباشر لجيل كامل. فالأطفال الذين يبدأون بالتدخين معرضون ليس فقط لمخاطر صحية جسيمة، بل أيضاً لسلوكيات خاطئة قد تؤثر سلباً على أنفسهم، وعائلاتهم، والمجتمع بأسره.

 لذلك، يتطلب الأمر تدخلاً عاجلاً وفعّالاً من جميع الجهات المعنية، بدءاً من الأسرة، مروراً بالحكومة، ووصولاً إلى المجتمع المدني، لضمان حماية أجيال المستقبل من هذه العادة الضارة.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ