منذ انطلاقة الثورة السورية في ربيع عام 2011، تحوّل موقف الاتحاد الأوروبي تدريجيًا من الإدانة السياسية إلى فرض واحدة من أوسع منظومات العقوبات التي عرفها ضد دولة بعينها. استمرت هذه السياسة لسنوات، قبل أن تشهد تحولًا ملحوظًا في أعقاب سقوط النظام السابق بقيادة بشار الأسد، وصعود حكومة انتقالية جديدة في دمشق.
البدايات: عقوبات ضد القمع
بدأت أولى العقوبات الأوروبية في 9 أيار/مايو 2011، كرد مباشر على العنف الذي واجه به نظام الأسد الاحتجاجات الشعبية. شملت الحزمة الأولى حظرًا على تصدير الأسلحة ومعدات مكافحة الشغب، وتجميد أصول مسؤولين متورطين في الانتهاكات، ومنع سفرهم إلى دول الاتحاد. وأكد الاتحاد حينها أن الإجراءات لا تستهدف الشعب السوري، بل "الآلة القمعية".
لاحقًا، وُسّعت قائمة العقوبات في 23 أيار/مايو 2011 لتشمل بشار الأسد نفسه ودائرته الضيقة، في خطوة غير مسبوقة حملت رمزية واضحة بتحميل رأس النظام المسؤولية عن الانتهاكات.
تشديد تدريجي خلال 2011–2012
مع استمرار التصعيد الميداني، صعّد الاتحاد الأوروبي من إجراءاته. في أيلول/سبتمبر 2011، فُرض حظر على استيراد النفط السوري ونقله، بالإضافة إلى حظر التأمين والخدمات المالية المتعلقة به، ما أدى إلى وقف صادرات النفط السورية إلى أوروبا كليًا. كما فُرضت قيود على الاستثمار في المشاريع الحكومية، وأُدرجت شخصيات من عائلة الأسد مثل أسماء الأسد وأنيسة مخلوف وبشرى الأسد ضمن قوائم العقوبات.
بنهاية 2012، كانت اللائحة قد طالت أكثر من 126 شخصية و41 كيانًا سوريًا، وشملت مسؤولين حكوميين وعسكريين وكيانات اقتصادية ومصرفية، مما جعل العقوبات الأوروبية من بين الأكثر شمولًا عالميًا.
تطوير الإطار القانوني (2013–2020)
في عام 2013، أعاد الاتحاد الأوروبي تنظيم العقوبات ضمن قرار موحد (2013/255/CFSP)، وأصبح هذا القرار الإطار المرجعي الأساسي للعقوبات السورية. شملت القائمة المستهدفة علماء أسلحة كيميائية، رجال أعمال، وشركات عقارية مرتبطة بـ"اقتصاد الحرب".
بعد هجوم الغوطة الكيميائي عام 2013، أجرت بروكسل تعديلات تقنية على العقوبات للسماح بتمويل عمليات تدمير الترسانة الكيميائية، دون المساس بإجراءات العزل المفروضة على النظام.
تأثير اقتصادي ملموس
أوقفت العقوبات صادرات النفط السوري بنسبة تجاوزت 90%، وجُمدت أصول المصرف المركزي السوري. كما تم حظر تصدير السلع الكمالية والتقنيات الحساسة التي قد تُستخدم في القمع، مثل أنظمة المراقبة. واستُهدفت شبكة الداعمين الماليين للنظام، كرامي مخلوف ومحمد حمشو وخضر طاهر.
ورغم شمولية الإجراءات، حافظ الاتحاد على استثناءات إنسانية لتأمين الغذاء والدواء والإغاثة، وسمح بتراخيص خاصة للمنظمات الإنسانية.
سياسة التمديد والمراجعة السنوية
منذ 2012، اعتمد الاتحاد الأوروبي سياسة تجديد العقوبات سنويًا، مع مراجعة دورية لقائمة الأفراد والكيانات المستهدفة. ففي أيار/مايو من كل عام، يصدر قرار بتمديد العقوبات 12 شهرًا إضافيًا. وتمت تنحية بعض الأسماء في حالات الوفاة أو تغيّر الظروف.
في عام 2024، بلغ عدد المُدرجين 316 شخصًا و86 كيانًا، بحسب البيان السنوي الصادر عن المجلس الأوروبي.
نحو الانفتاح: مرحلة ما بعد الأسد (2023–2025)
مع تسارع الانفراجات الدبلوماسية إقليميًا، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وبدء مسار سياسي جديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بدأت بروكسل مراجعة موقفها. وفي شباط/فبراير 2025، قرّر الاتحاد الأوروبي تعليق عقوبات اقتصادية رئيسية، أبرزها:
رفع الحظر على قطاع النفط والطاقة.
السماح باستئناف الرحلات الجوية والنقل البري.
إعادة ربط القطاع المصرفي ببعض البنوك السورية.
تثبيت الإعفاء الإنساني بشكل دائم.
رغم هذه الخطوات، أكد الاتحاد أن العقوبات الشخصية ضد مرتكبي الجرائم ستبقى قائمة، وأن رفع المزيد من العقوبات مرتبط بمدى تقدم العملية السياسية.
خلاصة المشهد
بعد أكثر من عقد من العقوبات، تبدو السياسة الأوروبية في سوريا على مفترق طرق. فبينما يواصل الاتحاد الضغط من أجل إصلاحات شاملة، يفتح في الوقت نفسه الباب أمام شراكات جديدة مع حكومة ترى فيها بروكسل فرصة حقيقية لتحقيق العدالة والانتقال السياسي.