بين القمع الدموي في 2011 وحماية التظاهرات في 2025: قراءة في التحول السياسي والأمني
بين القمع الدموي في 2011 وحماية التظاهرات في 2025: قراءة في التحول السياسي والأمني
● مقالات رأي ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥

بين القمع الدموي في 2011 وحماية التظاهرات في 2025: قراءة في التحول السياسي والأمني

في مشهد غير مألوف في الذاكرة السورية، قامت وحدات قوى الأمن الداخلي بحماية وتأمين تظاهرات خرجت في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص، شارك فيها المئات من أبناء الطائفة العلوية، ورفعت شعارات بعضها ذو طابع طائفي، وبعضها يحمل مضامين سياسية حادة، طالت النظام الجديد ووحدة السوريين.

وبينما بدا المشهد محاطاً بضمان أمني دقيق لتجنّب أي صدام أو اعتداء، سارع كثير من السوريين إلى المقارنة بين هذا "التسامح الرسمي" وتلك "القبضة الحديدية" التي واجه بها نظام الأسد البائد أولى التظاهرات الشعبية في ربيع عام 2011.

رسالة أمنية واضحة: حرية التعبير للجميع... دون تمييز طائفي
يرى متابعون أن ما قامت به قوى الأمن الداخلي من تأمين كامل للمظاهرات العلوية، ومنع أي احتكاك أو صدام، بعث برسالة واضحة مفادها أن الدولة السورية الجديدة تتعامل بمفهوم الأمن الوطني لا الأمن السلطوي، وأن حرية التعبير لا تُقمع مهما كان مصدرها أو خلفيتها، شريطة عدم تجاوز القانون والمسّ بالسلم الأهلي.

هذا السلوك، وفق مراقبين، يعكس تحوّلاً جوهرياً في ذهنية المؤسسات الأمنية، التي كانت – لعقود – أداة في يد السلطة لقمع الحريات والتنكيل بالمعارضين، دون أي اعتبار للمطالب الشعبية أو التظاهرات السلمية.

النظام البائد: براميل على الأحياء وصيدنايا شاهد حي
في المقابل، لا يمكن نسيان كيف واجه نظام الأسد البائد تظاهرات درعا، ودوما، وحمص، وحماة، .... وغيرها في عام 2011، حيث اختار الرد بالنار والاعتقال والتعذيب، بدل الاستماع للمطالب الشعبية، فتمّ إطلاق الرصاص على المتظاهرين، والزجّ بعشرات الآلاف في أقبية التعذيب، وارتكبت مجازر موثّقة، بينما امتلأت سجون صيدنايا وفرع فلسطين بضحايا الرأي والكرامة.

فحين طالب السوريون بالحرية والكرامة، أُطلق عليهم الرصاص الحي، وهُدمت منازلهم، وأُحرقت أحياؤهم. أما اليوم، فقد جرى تأمين مظاهرات رفعت مطالب سياسية حادة، بعضها تضمّن انتقادات صريحة للرئيس والمؤسسات، دون أن يُسجّل أي تدخل عنيف.

كيف قرأ السوريون حماية التظاهرات العلوية مقارنة بسنوات القمع؟
هذا التحول في تعاطي الدولة مع التظاهرات، وخاصة تلك التي خرجت من البيئة التي لطالما ارتبطت تاريخياً بالنظام البائد، أثار موجة من ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، عبّر فيها سوريون من خلفيات متعددة عن قراءتهم لما جرى، مقارنين بين ما حدث اليوم، وما جرى في عام 2011 حين واجه نظام الأسد البائد الحراك الشعبي بالحديد والنار.

فراس طلاس: لولا الثورة لما حلمتم بالتظاهر
قال رجل الأعمال والمعارض السوري فراس طلاس: "كنت أتمنى أن يهتف متظاهرو الساحل وريف حماة: حرية للأبد غصباً عنك يا أسد، لولا الحرية التي نالها السوريون لما تجرأوا حتى على التفكير بالتظاهر". وحيّا شباب الأمن العام على ما أسماه “التحمل والمسؤولية الوطنية”.

عبد الرحمن الإسماعيل: كنا أهدافاً مشروعة لرصاص الشبيحة
ذكّر عبد الرحمن الإسماعيل بماضي القمع قائلاً: "كنا نحلم ألا يرانا عناصر الأمن أثناء تظاهرنا في زمن البعث، كنا أهدافاً مشروعة لبنادقهم وسكاكينهم"، مؤكداً أن مشهد حماية الأمن للمتظاهرين اليوم هو دين في رقاب الجميع لدماء الشهداء.

عهد زرزور: شكراً للثورة... علمتموهم الكرامة
الكاتبة عهد زرزور كتبت: "شكراً للثورة السورية العظيمة، علّمت الناس الكرامة وقدسية الصوت"، موجهة التحية لمليون شهيد ومئات آلاف المعتقلين والمهجّرين، مشددة على أن ما يحدث اليوم هو من صنيع ثوار 2011.

ماجد شمعة: قناة الإخبارية تنقل التظاهرات… حدث نادر
الصحفي ماجد شمعة عبّر عن دهشته من أن قناة الإخبارية السورية غطّت الحدث، وقال: "بعكس إعلام بشار الأسد الذي أمضى 14 سنة ينكر التظاهرات، الدولة الجديدة تدرك أن الشفافية قوة لا ضعف".

ملاذ الحمصي: تظاهر نعم... لكن لا لتمجيد القتلة
قال الناشط ملاذ الحمصي إن التظاهر حق مشروع، وإن حماية الأمن له تعكس صورة الدولة التي نطمح لها، لكنه حذّر من أن مطالب الإفراج عن مجرمي حرب تورطوا بقتل مئات الآلاف ليست سوى محاولة لتزييف الحقائق.

عبد الله الموسى: الدولة حامية لا قاتلة
معاون وزير الإعلام عبد الله الموسى اعتبر أن ما جرى اليوم تأكيد على المسار الصحيح، وقال: "الأمن يحمي احتجاجات متباينة المطالب، والمسؤولون يستمعون حتى لمن يرفع شعارات خاطئة"، وبين أن "ما حدث على الأرض اليوم أكّد شعارات الثورة: حق التظاهر – الدولة الحامية لا القاتلة"

عبد الوهاب أبو علي: الثورة تحققت في مشهد اليوم
الناشط الثوري عبد الوهاب أبو علي قال: "شاهدنا اليوم مسؤولاً رفيعاً يستمع للمتظاهرين، وأمن عام يمنع الصدام رغم تحطيم سياراته"، مضيفاً: "نطالب بالمحاسبة القانونية لأصحاب الخطاب الطائفي، ورفض الفتنة".

زياد المحاميد: رجل الأمن صار أيقونة وطنية
رأى مدير وكالة سانا زياد المحاميد أن الصورة الأبرز اليوم هي لرجل الأمن الذي "يجسد الوطنية والأخلاق"، وقال: "ما حدث ليس مجرد إجراء أمني بل فعل وطني يكرّس احترام الدولة لكرامة المواطن".

مالك أبو عبيدة: ليست كل مظاهرة بريئة
قال الناشط مالك أبو عبيدة إن التظاهر السلمي حق، لكن رفع شعارات طائفية مستفزة في بعض التظاهرات يعيد جراحاً لم تلتئم، محذراً من محاولات بعض الجهات إشعال الفتنة وخلق مشهد مشابه لأحداث دامية.

أنس الدغيم: الفارق شاسع بين هتافنا وهتافهم
علّق الشاعر أنس الدغيم قائلاً: "عندما تظاهرنا تحت رصاصهم، هتفنا: الشعب السوري واحد، أما اليوم فيتظاهرون تحت حمايتنا ويهتفون: الدم العلوي واحد... حسبكم هذا التفاوت بيننا".

محمد جفا: نبني دولة لا سلطة
قال المهندس محمد جفا: "التعامل مع المظاهرات يجب أن يكون مسؤولاً وشفافاً، لأننا نبني دولة تحترم الإنسان، لا سلطة تخشاه، والإعلام يجب أن يكون جزءاً من هذا التحوّل لا تابعاً له".

سيلفا كوريا: خذوا معكم وردة وماء وصورة غياث
دعت الناشطة سيلفا كوريا المتظاهرين إلى "حمل علم الوطن وصورة غياث مطر ووردة وعبوة ماء"، كرمز لما بدأته الثورة، وأضافت: "قد نكون انتصرنا جميعاً حين فهمنا المعنى الحقيقي للحرية".

حسام جزماتي: أنتم ترفعون شعاراتنا
وعلّق الكاتب حسام جزماتي قائلاً: "ما الذي قلناه في 2011 سوى ما ترفعونه اليوم؟ نحن سبقناكم إلى هذا، ودفعنا الثمن، واليوم تحصدون ثماره".


مازن علوش: في سوريا الجديدة لا يُطلق فيها النار على المتظاهرين
وقال مازن علوش مسؤول العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، إن سوريا الجديدة هي تلك التي لا يُطلق فيها النار على المتظاهرين، ولا تُسفك فيها الدماء، ولا تُدهس فيها الأصوات بالدبابات، ولا تُملأ فيها الأقبية بالشباب لأنهم عبّروا عن رأيهم كما كانت زمن النظام البائد.

وبين أن سوريا التي يعلو فيها صوت القانون، وتحكمها أخلاق الدولة لا سطوة السلاح، ويُصان فيها حق الناس في التعبير مهما كان الاختلاف في الآراء، متوجهاً بالشكر والتقدير لعناصر وضباط وزارة الداخلية على ما أظهروه اليوم من تعاملٍ أخلاقي ومسؤول مع جموع المتظاهرين، وعلى ضبط النفس رغم ما تعرّضوا له من أذى وشتائم وتجاوزات. لقد قدّموا نموذجاً راقياً لسلوك رجل الأمن الذي يحفظ كرامة الناس ويؤمّن سلامتهم دون عنف أو قمع.


والثابت أن ما جرى اليوم في مدن الساحل السوري وحمص لم يكن مجرد مشهد احتجاجي، بل لحظة مفصلية تكشف عمق التحولات التي تمرّ بها الدولة السورية، وشكل العلاقة الجديد بين السلطة والمجتمع، فبينما كان النظام البائد لا يرى في السوريين سوى أعداء محتملين، تأتي اليوم مؤسسات الدولة لتقول إنها الضامن لحق التعبير، والحامية لحريات المواطنين، مهما كانت هويتهم أو خلفيتهم.

الكاتب: أحمد نور الرسلان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ