٦ يوليو ٢٠١٧
يجمع المراقبون على أن لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، المزمع عقده على هامش قمة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية يومي الجمعة والسبت القادمين، سوف يكون حدثاً بالغ الأهمية والتأثير في الوضع العالمي الراهن، ولا سيما في وضع المنطقة العربية والوضع السوري على الأخص.
وقد حان الوقت لموسكو كي تقطف ثمار رهانها العربي، أو هذا ما تأمله. ولإدراك ما سوف يكون في صلب الحوار بين الرئيسين، لا بدّ من فهم المغزى من التدخّل المباشر لطيران روسيا الحربي في الساحة السورية بدءا من خريف 2015، وقد ترافق بتدخّل روسيا في ساحات عربية أخرى، منها ليبيا حيث تلتقي مع المحور القائم بين مصر عبد الفتّاح السيسي والإمارات العربية المتحدة. فقد استغلّت موسكو الفرصة التاريخية التي منحها إياها رئيس أمريكي، هو باراك أوباما، خشي التورّط العسكري إلى أقصى حدّ (وعوّض عن خشيته هذه باستخدام كثيف للطائرات بدون طيّار، أجبن الأسلحة)، وقد أشرف على سنته الأخيرة في الرئاسة، وهي السنة التي يكون فيها الرؤساء الأمريكيون على درجة عليا من الشلل، لا سيما في مجال الخيارات العسكرية.
فرأى لاعب الشطرنج بوتين أن يقدّم أحجاره على الرقعة العربية بما يعزّز من حظوظه على الرقعة الأوروبية وعلى الرقعة الدولية بوجه عام. وكانت المجازفة محدودة في الواقع، إذ يعلم بوتين علم اليقين أن واشنطن ليست مبالية بدفاع موسكو عن نظام آل الأسد، وهو ما تدخّل هو من أجله، وهي ليست مبالية بالوضع السوري برمّته، عدا تنظيم داعش الذي تحدّاها بصورة مباشرة باكتساحه الأراضي العراقية في عم 2014، والذي رأت أن تحاربه في سوريا مذّاك بواسطة القوات الكردية. (ومن المعلوم أن واشنطن أكثر اهتماماً بالعراق بكثير، إذ تتناسب درجة اهتمامها ببلدان المنطقة مع ما يحوز عليه كل بلد من ثروة نفطية وموقع استراتيجي بالنسبة للثروة النفطية الإقليمية.)
أما مجازفة بوتين في تدخّله المباشر في الحرب السورية فاقتصادية في المقام الأول، إذ أن روسيا غير قادرة على خوض حرب عالية الكثافة والكلفة لمدة طويلة بينما يعاني اقتصادها من هبوط الواردات النفطية. وهذا الهبوط بذاته ناتجٌ عن حرب تخفيض أسعار النفط التي شنّتها المملكة السعودية على إيران وروسيا بتشجيع من واشنطن منذ ثلاث سنوات. وهنا تكتمل الحلقة إذ أن إنهاء تلك الحرب الاقتصادية هدفٌ رئيسي من أهداف مجازفة بوتين الأشبه بالمقامرة.
هذا وقد تبدّلت الأوضاع منذ خريف 2015 بما يلائم تماماً الرهان الروسي. طبعاً، كان الحدث الأساسي في هذا الصدد اعتلاء ترامب سدة الرئاسة الأمريكية، وهو معجبٌ ببوتين ينوي التعاون معه، بل يعوّل عليه كي يساعده على فرض استتباب النظام الرجعي القديم في المنطقة العربية. فهو ذا خيار ترامب الأساسي، والسبب الرئيسي الكامن وراء إعطائه الضوء الأخضر للهجمة السعودية/الإمارتية/المصرية على قطر التي يتهمونها بمواكبة «الربيع العربي» ومحاولة تسييره بواسطة جماعة الإخوان المسلمين وقناة «الجزيرة». وطبعاً يدرك ترامب أن النظام الرجعي القديم لا يستطيع أن يستتبّ في المنطقة العربية بدون إنهاء الحرب السورية وتدعيم الحكم القائم في دمشق الذي هو ركنٌ أساسي من أركان ذلك النظام.
لذا لا يبالي ترامب باستمرار بشّار الأسد بحكم سوريا بالرغم من أنه سبق ونعته بالحيوان، وهو على قناعة من أن «أسداً» من هذا النوع يسهل تدجينه. كما يلتقي الحلف الثلاثي السعودي/الإماراتي/المصري مع هذا الاعتبار، والحال أن مصر السيسي أعادت نسج العلاقات مع النظام السوري منذ مدّة. كما نتذكّر أن السعودية انتظرت طويلاً قبل أن تدخل في منافسة قطر على إدارة ملفّ المعارضة السورية، وهي مستعدّة بالتأكيد للقبول بمساومة تبقي آل الأسد في السلطة تمشّياً مع المنحى الأمريكي الذي بات موضع إجماع غربي منذ أن تبنّاه الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون.
غير أن ثمة عقبة عظيمة على طريق اتفاق واشنطن وموسكو على سوريا وترحيب الرياض باتفاقهما، وهذه العقبة اسمها إيران. فالعداء الشديد لطهران أهم ما تلتقي عليه واشنطن في عهد ترامب والرياض (ومن ورائهما دولة إسرائيل بالطبع)، ويحكم هذا العداء سياستهما المشتركة في المنطقة. فلن تقبل العاصمتان ببقاء نظام آل الأسد إن لم يترافق بقاؤه بصيغة (قد تكون الاتفاق على نشر قوات دولية في سوريا) تؤدي إلى إقصاء التواجد العسكري الإيراني وملحقاته من داخل الحدود السورية.
كما تعلم واشنطن والرياض أن تحقيق هذا الشرط يقتضي مشاركة روسيا، إذ يصعب، بل يكون من الجنون أن تدخل إيران في مواجهة مع أمريكا وروسيا مجتمعتين لو اتفقتا الدولتان، ومعهما مجلس الأمن الدولي، على صيغة تتطلب خروج القوات الإيرانية وملحقاتها من سوريا.
فسوف يعتمد مصير الحوار الأمريكي/الروسي على ما تستطيع واشنطن أن تقدّمه لموسكو من تنازلات ومكاسب من أجل قيام روسيا بالدور المطلوب منها، وليس أقل ما تتوخّاه موسكو تعهّد السعودية بالعمل على إنهاء حقبة أسعار النفط المتدنّية. وقد تجد طهران في هذا الشرط الأخير تعويضاً اقتصادياً عن خسارتها لسوريا، أو على الأقل قد يقتنع بذلك الجناح الإصلاحي البراغماتي في النظام الإيراني، الذي يتزعّمه الرئيس الحالي حسن روحاني، بما يصعّد التوتّر بينه وبين الجناح الأيديولوجي/العسكري الذي يضمّ قوات «الحرس الثوري» ويميل إليه المرشد الأعلى علي خامنئي.
٥ يوليو ٢٠١٧
على مدار سنوات الأزمة السورية، بقي التدخل الأميركي مقتصرا على البعد السياسي، مع الاكتفاء بتدخل عسكري غير مباشر، من خلال دعم قوى محلية، لها أجندة مطابقة لأجندتها. ومع إدارة الرئيس دونالد ترامب، أحدثت الولايات المتحدة تحولا كبيرا في تعاطيها مع الأزمة، فانتقل التدخل الأميركي من المستوى العسكري غير المباشر إلى المباشر، مع الإبقاء على الثابت الأساسي، المتمثل بعدم إسقاط النظام عسكريا، وعدم إسقاط المعارضة المسلحة عسكريا. ولا يعبر هذا التحول عن اختلافٍ في الرؤى بين إدارتين أميركيتين فحسب، بقدر ما يعكس المرحلة الجديدة التي وصلت إليها الأزمة السورية، من صراع إقليمي دولي على النفوذ في سورية.
يبدو التدخل العسكري الأميركي المباشر مؤشرا على وصول الحرب إلى خواتيمها، بعدما أصبحت الجغرافيا السورية، في معظمها، مقسّمة تقسيما واضحا بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، وتتجه نحو استكمال التقسيم. ولا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن الحرب ستنتهي قريبا، ذلك أن مرحلة تقسيم النفوذ لا تنفصل عن مسألة تحديد مصير النظام السوري، فالأمر ليس مجرّد اقتطاع مناطق جغرافية بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، عبر حلفاء محليين.
يتطلب تثبيت نفوذ مستدام للقوى الإقليمية والدولية إيجاد حل مستدام للأزمة السورية، ومن دون ذلك، ستستحيل المناطق الجغرافية المسيطر عليها إلى مناطق استنزاف استراتيجي لهذه الدول. هنا تكمن العقدة السورية الكبرى: إيران لا تريد أي تغيير حقيقي في النظام السوري، هي تقبل بتغيير شكلي لا يؤثر في بنيته، فيما تبدو روسيا على استعداد لإجراء تغييراتٍ، شرط ألا تؤدي إلى انهيار النظام، تقبل إعادة إنتاجه لكن ليس على الطريقة الإيرانية، أما الولايات المتحدة فتميل إلى الطرح الروسي، لكنها لا تقبل بقاء الأسد على رأس السلطة بعد التسوية الكبرى.
وحتى تلك المرحلة، يسعى الفرقاء الإقليميون والدوليون إلى تثبيت أقدامهم على الأرض، قبيل حدوث التسوية الكبرى التي يجب أن تأخذ بالاعتبار الحقائق الجديدة على الأرض. ويمكن ملاحظة التركيز الأميركي على فصائل المعارضة السورية، بعد أن كان دعمها مقتصرا على الوحدات الكردية، ثم على قوى عربية لها الأهداف نفسها، كما الحال مع "قوات سورية الديمقراطية" وغيرها.
الدعم الأميركي المتزايد للجيش الحر مرتبط، في جزء منه، بمعطيات الجغرافيا العسكرية. ولكن في جزء آخر مرتبط بالمرحلة المقبلة، فإذا كانت مرحلة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية تتطلب تركيز الدعم على "قسد"، فإن مرحلة ما بعد "داعش" تتطلب حساباتٍ وخياراتٍ أوسع من "قسد".
إنه صراعٌ على مستقبل سورية وموقعها الجيوسياسي، وهو يتطلب المرور بثلاث مراحل رئيسية، الأولى إسقاط "داعش" والثانية إسقاط القوى الإسلامية الراديكالية، سواء المدرجة على قائمة الأمم المتحدة للإرهاب، أو تلك غير المدرجة، لتأتي المرحلة الثالثة التي ينحصر فيها النزاع بين الثنائي السوري، النظام والمعارضة. ووفقا لذلك، يعتبر تقاسم مناطق النفوذ الجغرافي في سورية بين القوى الإقليمية والدولية ضرورةً ملحةً لمنع الفوضى العسكرية، ولوضع سقفٍ عسكري للفرقاء المحليين والدوليين، بما يتناسب مع التفاهمات الأميركية ـ الروسية.
واضح أن الولايات المتحدة تقبل حضوراً إيرانياً في سورية، فهي لا ترفض إعطاء إيران حصتها السورية، وربما لا تستطيع فعل ذلك، كما تقبل حصة لتركيا أيضا، لكن هذه الحصص يجب أن تبقى ضمن إطار المسموح به، فلا تشكل عائقا أمام التسوية المنتظرة ولو بعد حين. وللوصول إلى ذلك، يتطلب الأمر عملاً كثيرا، خصوصا حين يتعلق الأمر بإيران التي لم يعد حضورها في سورية مقتصرا على البعد العسكري، بل تجاوز الأمر ليصل إلى المنظومة السياسية والأمنية والاجتماعية السورية، بمختلف مستوياتها الدينية والإثنية والعشائرية.
سيؤثر تقاسم النفوذ على الأرض سلبا على مكانة سورية المستقبلية، وحضورها الإقليمي، لكن من شأن هذا التقاسم أن يكون عاملا مهما في مسار إنهاء الصراع العسكري، والتمهيد لمسار سياسي جدي، ينتهي بحلٍّ يكون انعكاسا للواقع على الأرض.
بعبارةٍ أخرى، لن تكون التسوية نقلة كبرى في النظام السياسي، بقدر ما ستكون انتقالا تدريجيا، وربما على سنوات، للوصول إلى نظام مستقر، لكنه نظامٌ ضعيفٌ، من حيث القوة السيادية ومن حيث النظام السياسي.على مدار سنوات الأزمة السورية، بقي التدخل الأميركي مقتصرا على البعد السياسي، مع الاكتفاء بتدخل عسكري غير مباشر، من خلال دعم قوى محلية، لها أجندة مطابقة لأجندتها. ومع إدارة الرئيس دونالد ترامب، أحدثت الولايات المتحدة تحولا كبيرا في تعاطيها مع الأزمة، فانتقل التدخل الأميركي من المستوى العسكري غير المباشر إلى المباشر، مع الإبقاء على الثابت الأساسي، المتمثل بعدم إسقاط النظام عسكريا، وعدم إسقاط المعارضة المسلحة عسكريا. ولا يعبر هذا التحول عن اختلافٍ في الرؤى بين إدارتين أميركيتين فحسب، بقدر ما يعكس المرحلة الجديدة التي وصلت إليها الأزمة السورية، من صراع إقليمي دولي على النفوذ في سورية. يبدو التدخل العسكري الأميركي المباشر مؤشرا على وصول الحرب إلى خواتيمها، بعدما أصبحت الجغرافيا السورية، في معظمها، مقسّمة تقسيما واضحا بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، وتتجه نحو استكمال التقسيم. ولا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن الحرب ستنتهي قريبا، ذلك أن مرحلة تقسيم النفوذ لا تنفصل عن مسألة تحديد مصير النظام السوري، فالأمر ليس مجرّد اقتطاع مناطق جغرافية بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، عبر حلفاء محليين. يتطلب تثبيت نفوذ مستدام للقوى الإقليمية والدولية إيجاد حل مستدام للأزمة السورية، ومن دون ذلك، ستستحيل المناطق الجغرافية المسيطر عليها إلى مناطق استنزاف استراتيجي لهذه الدول. هنا تكمن العقدة السورية الكبرى: إيران لا تريد أي تغيير حقيقي في النظام السوري، هي تقبل بتغيير شكلي لا يؤثر في بنيته، فيما تبدو روسيا على استعداد لإجراء تغييراتٍ، شرط ألا تؤدي إلى انهيار النظام، تقبل إعادة إنتاجه لكن ليس على الطريقة الإيرانية، أما الولايات المتحدة فتميل إلى الطرح الروسي، لكنها لا تقبل بقاء الأسد على رأس السلطة بعد التسوية الكبرى. وحتى تلك المرحلة، يسعى الفرقاء الإقليميون والدوليون إلى تثبيت أقدامهم على الأرض، قبيل حدوث التسوية الكبرى التي يجب أن تأخذ بالاعتبار الحقائق الجديدة على الأرض. ويمكن ملاحظة التركيز الأميركي على فصائل المعارضة السورية، بعد أن كان دعمها مقتصرا على الوحدات الكردية، ثم على قوى عربية لها الأهداف نفسها، كما الحال مع "قوات سورية الديمقراطية" وغيرها. الدعم الأميركي المتزايد للجيش الحر مرتبط، في جزء منه، بمعطيات الجغرافيا العسكرية. ولكن في جزء آخر مرتبط بالمرحلة المقبلة، فإذا كانت مرحلة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية تتطلب تركيز الدعم على "قسد"، فإن مرحلة ما بعد "داعش" تتطلب حساباتٍ وخياراتٍ أوسع من "قسد". إنه صراعٌ على مستقبل سورية وموقعها الجيوسياسي، وهو يتطلب المرور بثلاث مراحل رئيسية، الأولى إسقاط "داعش" والثانية إسقاط القوى الإسلامية الراديكالية، سواء المدرجة على قائمة الأمم المتحدة للإرهاب، أو تلك غير المدرجة، لتأتي المرحلة الثالثة التي ينحصر فيها النزاع بين الثنائي السوري، النظام والمعارضة. ووفقا لذلك، يعتبر تقاسم مناطق النفوذ الجغرافي في سورية بين القوى الإقليمية والدولية ضرورةً ملحةً لمنع الفوضى العسكرية، ولوضع سقفٍ عسكري للفرقاء المحليين والدوليين، بما يتناسب مع التفاهمات الأميركية ـ الروسية. واضح أن الولايات المتحدة تقبل حضوراً إيرانياً في سورية، فهي لا ترفض إعطاء إيران حصتها السورية، وربما لا تستطيع فعل ذلك، كما تقبل حصة لتركيا أيضا، لكن هذه الحصص يجب أن تبقى ضمن إطار المسموح به، فلا تشكل عائقا أمام التسوية المنتظرة ولو بعد حين.
وللوصول إلى ذلك، يتطلب الأمر عملاً كثيرا، خصوصا حين يتعلق الأمر بإيران التي لم يعد حضورها في سورية مقتصرا على البعد العسكري، بل تجاوز الأمر ليصل إلى المنظومة السياسية والأمنية والاجتماعية السورية، بمختلف مستوياتها الدينية والإثنية والعشائرية.
سيؤثر تقاسم النفوذ على الأرض سلبا على مكانة سورية المستقبلية، وحضورها الإقليمي، لكن من شأن هذا التقاسم أن يكون عاملا مهما في مسار إنهاء الصراع العسكري، والتمهيد لمسار سياسي جدي، ينتهي بحلٍّ يكون انعكاسا للواقع على الأرض. بعبارةٍ أخرى، لن تكون التسوية نقلة كبرى في النظام السياسي، بقدر ما ستكون انتقالا تدريجيا، وربما على سنوات، للوصول إلى نظام مستقر، لكنه نظامٌ ضعيفٌ، من حيث القوة السيادية ومن حيث النظام السياسي.
٥ يوليو ٢٠١٧
ربما آن الأوان أن يعترف اللبنانيون بأنّ لبنان الجميل، ذاك الحلم الرومانسي وبعض سنيّ الازدهار، قد مات حقاً وفعلاً. لبنان الذي واجه تدخلات وتجاوزات المقاومة الفلسطينية، والذي تحمّل احتلال ووصاية نظام الأسد، قد مات، أو بالأحرى قُتل، ليس على يد ياسر عرفات أو آل الأسد، بل بأيدٍ لبنانية، وعلى يد المقاومة اللبنانية التي لا تعترف أصلاً بلبنان الوطن والكيان. وبعض علامات موت لبنان هو حلول البشاعة والخراب في كل ما كان باقياً من تميّز لبنانيّ، حلول القسوة والتجهّم محل الانفتاح والرحابة، في تحوّل بيروت إلى معسكر خانق للأرواح بعد أن كانت متنفّس المشرق.
والحال أنّ موت لبنان هو أشبه بحدث متواصل الحدوث، يكرّر ذاته ويعيد تأكيد واقعة الموت. هذا ما تقوله وقائع كثيرة كالتي حصلت في عرسال أخيراً تجاه اللاجئين السوريين. هنا، وانصياعاً للمنطق لا يمكن تجاهل ما يتحمّله لبنان كدولة من أعباء اللجوء السوري، ولا يمكن تجاهل الخوف التاريخي للبلد الصغير من جاره الكبير. بيد أنّ هذا لا يبرّر بأي حال مستوى العنصرية التي بلغها البعض تجاه السوريين، ففي المقابل، وبلغة الأرقام التي يتذرّع بها العنصريون، قد تكون رؤوس الأموال السوريّة التي هربت واستقرت في مصارف بيروت كافية لوحدها في تعديل الميزان الاقتصادي اللبناني، بل في ترجيحه إيجابياً ربما. هكذا، تبدو الذرائع والمبررات الاقتصادية واهية وعديمة الفائدة، ذاك أنّ السبب الأساس في كلّ ذلك إنما يكمن في إيديولوجية الكراهية الطائفية التي يعتنقها «حزب الله» وجمهوره، هذه الإيديولوجية المدعّمة بسلاح خارج عن القانون باتت تخنق اللبنانيين أنفسهم، ولعلّها السبب الخفيّ خلف انبعاث عنصرية اليمين اللبناني القديمة، وفي انتفاخ هذه العنصرية التي تتمثّل في جبران باسيل وأمثاله.
على أنّ عنصرية هؤلاء هي عنصرية منافقة ومتحايلة، إذ تتحايل على مستوى الكبت الذي يسببه «حزب الله» في الحياة العامة اللبنانية وتبحث عن وسيلة لتفريغ هذا الكبت، ولا يوجد أنسب من السوريين، في ضعفهم ومحنتهم، كوسيلة لتفريغ ذاك الكبت. وبهذا، يؤكّد هؤلاء على نهاية حقبة الحماية الأوروبية المسيحية للبنان، التي لا تقتصر أسباب نهايتها على الخذلان الأوروبي فحسب، بل على أداء نخب اليمين اللبناني والتحالف الخطير لجزء منهم مع «حزب الله». والمفارقة هنا، كما أظهرتها أحداث عرسال، أنّ عنصرية هؤلاء تعلن مجدداً موت لبنان عبر الرغبة في تحويله إلى دولة ديكتاتورية. ذاك أنّ العنصريين يحتمون في مثل هذه الأحداث بادعاء التعلق بالجيش الوطني، بوصفه خطاً أحمر، وذلك رغبة في إبعاد تهمة العنصرية والطائفية عنهم بتمسكهم بمؤسسة تعبر عن الانتماء الوطني، لكنهم بذلك يتغافلون عن حقيقة أنه ليس هناك من هو فوق المساءلة في النُظم الديموقراطية، وأنّ هذا الإصرار المتعمّد على عدم مساءلة الجيش يسيء إليه هو نفسه.
على هؤلاء أن يدركوا أنّ «حزب الله» لن يدوم مهما طالت الأيام، وأنّ السوريين باقون في أرضهم، جيراناً لهم، وأنهم لن ينسوا ما حصل لهم في لبنان.
٥ يوليو ٢٠١٧
درجت مستويات السلطة والديبلوماسية في روسيا على إبلاغ من تلتقيهم، من النظراء العرب والأوروبيين، أن مصير بشار الأسد لا يعنيها، وانها إنما تقاتل في سورية كي لا تتحوّل إلى بلد فاشل آخر، بالإشارة إلى ليبيا التي قتل رأس النظام فيها فذهبت البلاد إلى فوضى مديدة.
ومع ان حكام روسيا يرغبون في تحويل مقتل القذافي إلى عقدة تلازم السياسات الغربية وتكبح مبادراتها في المنطقة، فإن من الطبيعي أن أي مسؤول دولي سيشعر بالرهبة والإحراج في نقاش إزاحة الأسد عن الحكم، فلا أحد يمكنه أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية عن هدم الدول وإيقاعها في الفوضى، وبخاصة إذا جلب له محدثه الروسي الأمثلة عن فشل البدائل التي يجري تصنيعها سريعاً وعلى نار حامية، كما حصل في العراق سابقاً وليبيا لاحقاً.
وإذا أرفقت روسيا روايتها تلك بأن الأولوية الآن في سورية هي لإنهاء الأزمة وهزيمة الإرهاب وإعادة الاستقرار، فإن الطرف المقابل يصبح مربكاً ويشعر أنه مثالي وساذج لأنه لم يكن لديه أكثر من موقف إنساني متعاطف مع قتلى نظام الأسد وبعض شعارات عن الحرية والديموقراطية، وتلك على رغم نبلها إلا أنها لا تضمن الاستقرار للدول والمجتمعات ولا تدير مؤسسات للحكم، عندها يتجرأ الروسي ويطرح مقولته الأثيرة إن الأسد لا يستهدف الآخرين وليست لديه مشاكل مع العالم الخارجي.
يظهر الجانب التقني من الموقف الروسي وجود طرف دولي مسؤول يفكر من خارج الصندوق وبما يليق بالواقعية السياسية أن تكون، ويكشف ظاهريا عن رؤية إستراتيجية عميقة تقوم على ما هو أبعد من الانفعال بالأحداث اليومية والصور الناتجة منها ولا تتأثر بعواطف الكره والمحبة التي تشوّه المواقف السياسية وتؤثر في القرارات الصادرة عنها، لكن هل الموقف هو هكذا بالفعل؟
على رغم ادعاء روسيا ذلك إلا أنها ديبلوماسياً وإعلامياً تستخدم بكثافة مواقف عاطفية للدفاع عن الأسد، فكم من مرّة وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثوّار بـ «آكلي الأكباد» تعليقاً على حادثة فردية، ولم يتردّد وزير خارجيته في وصف «الخوذ البيض» بالمشعوذين، بل إن روسيا دافعت عن جرائم الأسد الكيماوية في شكل مبتذل ولا يليق بديبلوماسية بلد يعتبر أحد الدول الخمس المسؤولة عن الأمن والسلم الدولي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل مارست سياسة الأرض المحروقة تجاه البيئات الحاضنة للمعارضة السورية، وقد ذكر تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان ان روسيا قتلت خلال حملتها في سورية حوالى ثلاثة عشر ألف شخص، منهم ألف وثلاثمئة طفل دون سن الثامنة عشرة، وثماني مئة امرأة، وأكثر من نصف عدد القتلى من المدنيين العزل.
وقد أثبتت روسيا انها مستعدّة للذهاب أبعد من ذلك من أجل حماية الأسد وتثبيته، وكل ما تمارسه موسكو من ادعاءات الحياد والحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها ليس سوى تقية، الهدف منها الحصول على مساحات زمنية وسكوت دولي يتيح لها تدمير كل أشكال المعارضة والمقاومة للأسد، ليبقى هو ونظامه من دون ادنى تغيير أو مشاركة في الحكم، ولا شك في أن روسيا تصدق في جزء من روايتها من أنها لا تفعل ذلك محبة بالأسد، لكن ما لم يقله أحد من المسؤولين الروس عن الأسباب الخفية هو جوهر الحكاية ومحتواها.
لقد كشفت حادثة مقتل العميل الروسي ألكسندر برفيشيلليني الذي كان يدير ملفات تبييض الأموال بين نظام الأسد والكرملين، والتي كشفت عنها صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية، جزءاً من رأس جبل الجليد من تفاصيل علاقة بوتين والأسد، وهي علاقة يتداخل فيها السياسي بالشخصي والعائلي، جزء من هذه العلاقة تديره مؤسسات الدولة الروسية مع نظيرتها في نظام الأسد، وهي علاقات سطحية، أما الجزء الأكبر من هذه العلاقة فهو ما تتم ترتيباته وإدارته في الغرف الخاصة سواء بين اجهزة الاستخبارات أو عبر قنوات تواصل مباشرة بين قصر المهاجرين والكرملين.
لا يتهيب بوتين من كل أشكال الفساد والانحراف في تعامله مع نظام الأسد، وهو تعامل مريح من دون الخوف من تبعات كشفه طالما ان الأسد ونظامه باقيان في السلطة، من هنا لا يبدو غريباً ان طباخ بوتين يحصل على ربع النفط السوري أو ان يجري استخدام نظام الأسد في عمليات تبييض الأموال للنخبة القريبة من بوتين.
هل يكفي ذلك لتفسير التكتيكات الروسية لإبقاء الأسد في السلطة، واطمئنان الأخير إلى انه ليس فقط باقياً في السلطة وإنما لن يتعرض للمحاكمة، ذلك ان بوتين باق في السلطة في روسيا وتأثيراته لن تنحسر حتى أمد بعيد.
يملك بوتين خيارات عديدة للإبقاء على لعبته في الحفاظ على الأسد إلى أبعد مدى، عبر سياسة تفنيد مصادر الخطر التي تواجهه، مثل تدمير البدائل وإلغاء شرعيتها، وخيار تقاسم النفوذ مع أميركا في سورية، وإرضاء إسرائيل من خلال نشر قوّة روسية في جنوب سورية وطمأنة تل أبيب.
لن يتخلى بوتين عن الأسد. ثمّة ملفات كثيرة يراد للزمن ان يدفنها، حتى لو كان الثمن دفن سورية بأكملها، فإما الأسد أو لا أحد.
٥ يوليو ٢٠١٧
حرص الجيش اللبناني، في روايته حول الهجمات التي نفذها جنوده ضد مخيمات للاجئين السوريين في عرسال، إلى استدراج العنصر الأهلي للجماعة التي يستهدفها، متقصداً بذلك الخلط بين ساكني الخيم منزوعي الحصانة القانونية، و«الإرهابيين» الذين يستمد منهم تعريفه الأخير لنفسه.
تعريف، ظاهره «حماية الوطن» وباطنه التناوب بين تطبيق تعليمات دول مهووسة بمحاربة «الإرهاب»، وإرضاء تناقضات الطبقة السياسية المحلية. والأخيرة، إذ اتفقت على تأجيل خلافاتها المفتعلة أصلاً، وجدت في اللاجئ عدواً مثالياً، وتدرجت في لغة عدائه قياساً بالحال الطائفي، الذي ينطوي عليه جمهورها. فالبيان الصادر عن قيادة الجيش زج بطفلة قتلت أثناء الهجمات، جاعلة إياها معادلاً عائلياً للانتحاري، ذاك أن تقارير كتبها صحافيون مقربون من الأجهزة الأمنية، كشفت أن الطفلة ابنة اخ أحد الانتحاريين، وسقطت بسبب تفجيره حزاماً ناسفاً. اللاجئ «الإرهابي»، كما تصوره الرواية العسكرية، وما استتبعها من خيال إعلامي مخطط له، ليس قاتل نفسه فحسب، بل أفراد عائلته، خطره فائض ليشمل المخيم كله، ما استلزم مسح المكان وتخريبه حرقاً وهدماً.
والعائلة – الأهلية، في البيان المذكور، ترمي أيضاً إلى جعل الطفلة شريكة في شبهة «الإرهاب»، وحصر «القاتل» و»ضحيته» في حيز واحد. «الإرهابي» لاجئ وكذلك الطفلة، من مكان واحد يخرج الاثنان وللتخلص من هذا «المرض» لابد من الاستئصال.
وإذا كان الانتحاري مؤبلس بطبيعة الحال بحكم موقعه، فإن الضحية، أي الطفلة، ليس بعيدة عن صورة عمها، فهي المستهدفة من قبل حملة إعلامية عنصرية، ما انفكت تستعدي كل اللاجئين وتصنفهم كأعداء متساوين في الشر، فلا فرق بين نازح وآخر إلا في درجة ضرره. والحملة تلك، تدرجت تبعاً للأحداث الأمنية التي ارتبطت باللاجئين، فقسمت هؤلاء بين «إرهابيين» و»إرهابيين محتملين»، وإن انتمى العم إلى الصنف الأول، أدرجت الطفلة مع الفئة الثانية، لينال الاثنان مصيراً واحداً.
هذا التعسف اتسع كذلك ليشمل المعتقلين، هؤلاء إذ أغفلهم بيان الجيش، تكفل بهم إعلاميوه والمروجون لروايته، فنسبوا زوراً رجالا مذلين ومهانين، إلى تنظيمي «الدولة الإسلامية» و»النصرة». والفرق الزائل بين معتقل و»إرهابي» هو نفسه الذي يماهي بين طفلة وعمها. ثمة استواء صلب لا يحتمل أي تمايزات أو اختلافات. الأطفال والانتحاريون والمعتقلون واحد لا ينفصل، جوهره لاجئ سوري يهدد البلد ويستجلب إليه الخراب. لاجئ، بات ضحية مستويين من الكراهية، الأول مصدره صورة نمطية حيال السوري في لبنان، تمزج بين رجل الأمن والعامل، فيما الثاني يتأتى من الحملة التحريضية التي تستثمر بكل الضغوط الاقتصادية التي تسبب بها النزوح الأخير. والحال فإن المستويين متكاملين، يستدعي كلاهما الآخر لتغذية صورة «العدو».
والجيش الذي يصادر «حزب الله» وظيفته المركزية، وجد في اختلاط اللجوء والإرهاب، فرصة مثالية لتقديم شهادة حسن سلوك أمام الدول التي تدعمه لوجستياً، وتزعم محاربة «الإرهاب». والمحاربة هنا، فعل أمني – استخباراتي، تتعمم في ظله صورة «الإرهابي» ليصبح بيئة واجتماعا، فيتداخل المدني بالعسكري، والخيمة بالمتراس، والسلاح بأدوات الطبخ، ويغدو الكل هدفاً مباحاً. اقتحام المخيمين في عرسال لم يشذ عن هذه القاعدة، بل هو تطبيق حرفي لها بنسخة لبنانية، جرت تغذيتها عبر حملات منظمة اشتركت في صناعتها الطبقة السياسية بمختلف تلاوينها. انمحت الخلافات بين معسكري 14 و8 آذار، توحد الخطاب، وعقدت الطوائف هدنة بإيعاز من قادتها، الذين انصرفوا لاستكمال هواياتهم في تمرير توريث أولادهم وصفقات الفساد وتفصيل قوانين انتخاب على مقاساتهم. وكان اللاجئ ضحية الصفقة فهو الغريب «العدو» الذي يمكن أن يتحمل أخطاء البلد وخطاياه، أمام الرأي العام، فيمتص نقمة الشارع ويستوعبها أفعالاً عنصرية تتكرر بشكل دوري.
والدفاع عن الجيش، بوجه الانتهاكات التي ترتكبها عناصره ضد اللاجئين، وإن تمظهر في فلكلورية لبنانية مملة ومعدومة الخيال، فهو في وظيفته المراد أداؤها دفاعاً عن الطبقة السياسية وارتباطاتها مع الدول المحاربة للإرهاب، لتستوي المعادلة بضرب اللاجئ الذي اختير من قبل السياسيين قرباناً لاستكمال لعبة الحكم بكل منافعها، ورشوة المجتمع بإطلاق يد أفراده لممارسة عنصرية مقززة ما يظهر من نتائجها أقل بكثير مما يحدث في الواقع.
٥ يوليو ٢٠١٧
يشكل التصريح الرسمي الذي صدر عن الجيش اللبناني , يوم أمس , حول شهادة معتقلين سوريين تحت التعذيب , و لجوءه إلى تبرير ذلك بأنه عائد لـ "ظروف جوية" , يشكل تطور خطير في المشهد القادم لقرابة 100 ألف لاجئ سوري في عرسال خصوصا و مليون و يزيد في كل لبنان.
الرسالة التي آثر الجيش اللبناني ايصالها , من خلال البيان , هو التأكيد أن الفعل "الآثم" هو شيء سيتكرر و يتتابع دوماً , و لن يكون هناك حاجة لتبريره أو إيجاد مخرج يمتص بعضاً من الاحتقان , إذ تعد الرسالة بأن في لبنان يوجد أيضاً من يقتل السوريين وبالتالي موتوا على يد أبناء ما يسمى "وطن" أفضل من الموت على يد الغريب أو الجار الذي كان ضمن من "ربينا سوا".
الرواية الرسمية التي تبنتها لبنان , كانت "وقحة" لأنها حقيقية , و لكن الحقيقة دوما قاسية و لا تطابق الآمال , إذ كان في امكانه أن يقول أنهم من ضمن من فجروا أنفسهم (كما ادعوا ليقدموا دليل ملموس) , ولكن قول الجيش اللبناني أن ماتوا لديه و في مشهد مشابه لمعتقلات التي توجد لدى الأسد , هي تمهيد أن لا خط للمواربة أو مسعى لمراعاة مشاعر الإنسان في بلد يقال أنه يحب الحرية والديمقراطية .
سبعة أو عشرة ضحايا , هي رقم مبدئي يخفي خلفه مصير مجهول لقرابة 350 آخرين , اعتقلهم جيش لبنان , في 30 حزيران الأسود , ممنوعون من كافة حقوقهم الإنسانية سواء في ظروف الاعتقالات و مسبباته و حق الدفاع عن النفس بتوكيل من يدافع عنهم , في تهمة مطاطة قد تصل حد الإعدام في أي وقت يشاء الجلاد.
السياسيون اللبنانيون (بمختلف الطوائف في بلد الطوائف) يسعون لايجاد تبرير لكل ما حدث أنه يصب في اطار مكافحة الارهاب وإحباط مخططات خطيرة تعصف في بلد , لا يوجد فيه مقومات ليس لدولة فحسب , فقد يكون المنطق حتى العشائرية بعيدة عن هذا النموذج الغريب , الذي يسيطر فيه ارباب ارضيون ممثلون لله بمختلف أشكاله الدينية , يتفوق فيه العابد على المعبود.
اليوم ليس وحدهم السوريون يجب عليهم الوقوف أمام آلة القتل الجديد "القذرة" في لبنان , و لكن حتى اللبنانية أنفسهم عليهم التحرك , قبل أن يصل الأمر لنشهد بشار الأسد ثان عبر عون ومن خلفه حزب الله.
٤ يوليو ٢٠١٧
لا يمكن فصل عملية اقتحام الجيش اللبناني لمخيمات اللاجئين السوريين في محيط بلدة عرسال القريبة من الحدود الشرقية مع سوريا، عن الكلام المتصاعد لقيادات حزب الله عن ضرورة التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية من أجل التنسيق لعودة اللاجئين إلى سوريا. عرسال ومحيطها كما هو معروف يضمان أكثر من سبعين ألف لاجئ معظمهم قدموا من المقلب الآخر من الحدود أيّ منطقة القلمون السورية التي خاض فيها حزب الله أشرس المعارك ضد الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة منذ العام 2013، ونجح في السيطرة عليها بعدما تمّ تدمير معظم الحواضر والبلدات في هذه المنطقة وأشهرها مدينة القصير فضلا عن مناطق أخرى في حمص وريفها.
الجيش اللبناني قبل أيام قام من خلال قوة عسكرية باقتحام المخيم، وسط حملة إعلامية مركزة كان من الصعب خلالها تقصي المعلومات الدقيقة، ففيما تحدث الجيش في بياناته الرسمية عن عملية استباقية استهدفت مخططا جهنميا كان يجري التحضير له في هذه المخيمات ضد مناطق لبنانية، نفت أوساط قريبة من اللاجئين وجود مثل هذا المخطط وتحدثت عن عملية ترويع طالت اللاجئين في هذه المخيمات، وأدّت إلى اعتقال مئات اللاجئين بطريقة وحشية كشفت عنها بعض الصور التي جرى تسريبها خلال هذه العملية وأثرها، كما أنّ بيانات الجيش تحدثت عن خمسة انتحاريين فجروا أنفسهم خلال تنفيذ الجيش عملياته داخل المخيمات ولكن من دون أن يؤدي هذا التفجير إلى سقوط ضحايا من الجيش اللبناني، فيما جرى الحديث عن سقوط طفلة سورية قال الجيش اللبناني إنّها قضت نتيجة التفجير الانتحاري.
للمرة الأولى يمكن الحديث عن عملية عسكرية لا تلقى ردات فعل سلبية من جهات طالما انتقدت عمليات استهداف اللاجئين السوريين. الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وحده انتقد استهداف الآمنين في هذه المخيمات داعيا إلى التمييز بينهم وبين المطلوبين، لكنه ما لبث بعد ساعات أن حذف تغريدته، مبررا ذلك بأنه لا يريد أن يساء فهم موقفه، وسوى ذلك خيم الصمت على الجهات السياسية المشاركة في السلطة والتي تفادت تأييد خطوة الجيش أو إدانتها.
وحده حزب الله كان يغرد ويثني على هذه الخطوة ووجه رسالة تهنئة للجيش، بعد أن سرب صورا لطلاب في المدرسة الحربية في الجيش اللبناني وهم يقومون بزيارة إلى أحد مواقعه المدنية والسياحية في مليتا، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها ضباط من الجيش اللبناني لهذا الموقع الذي تمّ إنشاؤه قبل أكثر من عشر سنوات، ولم تكن الزيارة في أصلها وفي توقيتها، مع اقتحام الجيش لمخيمات اللاجئين، إلاّ محاولة من حزب الله لإظهار الجيش اللبناني في موقع المتناغم معه، لا سيما أنّ حزب الله كان من أكثر المؤيدين لخطوة اقتحام مخيمات اللاجئين، لإدراكه أنّ هؤلاء يحملونه مسؤولية تهجيرهم إلى جانب النظام السوري، بعد أن دمرّ بلداتهم وقتل الآلاف من أبنائهم.
لذا خرج نائب أمين عام حزب الله إثر العملية ليطالب الحكومة اللبنانية بالتنسيق مع الحكومة السورية من أجل تأمين “عودة طوعية للاجئين إلى سوريا”، وهذا المطلب ليس جديدا كما هو معروف لكنّه كان مطلبا مرفوضا من قبل أكثر من نصف أعضاء الحكومة الماضية والحالية، انطلاقا من أنّ لبنان لا يريد أن يكون طرفا في الأزمة السورية ويريد أن يكون منسجما مع الموقف العربي الذي اتخذ موقفا مقاطعا لنظام الأسد في سوريا بسبب ارتكاباته ضد شعبه، وعدم نجاح حزب الله في السنوات الماضية في خلق قنوات اتصال علنية ورسمية بين الحكومتين اللبنانية والسورية، لا يمنعه من خلق الظروف الضاغطة التي تساعد بنظره على فتح هذه القنوات، ويتم ذلك من خلال قلب الحقائق، فحزب الله الذي دخل الأراضي السورية عسكريا ورغم الاعتراض الرسمي اللبناني، بدل أن يبدأ من خطوة الخروج من سوريا استجابة لشروط السيادة اللبنانية، يعمل على فرض كل الظروف الضاغطة ليس من أجل عودة السوريين إلى بلادهم بل من أجل إلزام السوريين بالعودة ضمن ما يسميه المصالحات وهي في جوهرها الإقرار من قبل اللاجئين بأنّهم يلتزمون بشروط النظام ويقبلون بشروطه، بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر الاعتقال والقتل والانتقام.
ومن جانب آخر يريد حزب الله أن يلزم الحكومة اللبنانية بالعودة إلى حصر العلاقة بالشأن السوري بالنظام نفسه، وهو في هذه المرحلة يستثمر معركة القضاء على الإرهاب الجارية من أجل تعزيز موقع الأسد في المعادلة ومن خلال مواقع تأثيره أي لبنان.
ومن المعروف أيضا أنّ فلول تنظيم داعش وتنظيم جبهة النصرة ما زالت تتواجد في بعض المناطق الحدودية من الجانب الشرقي، وهذه التنظيمات التي لا يمكن النظر إلى معنى تواجدها ونشأتها في سوريا وفي هذه المناطق على أنقاض الجيش الحر، إلا لكونها ساهمت بوعي وبغير وعي في تمدد النظام السوري وفي شيطنة اللاجئين السوريين في لبنان، وكانت أداة طيعة في توفير الحجج والذرائع لنظام الأسد وحلفائه في كثير من محطات الحرب على هذه الحدود. بل يمكن القول إنّ نشأة هذه التنظيمات تمت إلى حد بعيد بدعم من نظام الأسد وحلفائه ضمن الاستراتيجية التي لا تزال مستمرة والقائمة على أن تغطية فظائع نظام الأسد ضد شعبه لا يمكن أن تتم إلا بمحاولة خلق تنظيمات تحترف القتل وقابلة للشيطنة.
لبنان في المرحلة المقبلة يجري تحضيره بوسائل شتى إعلامية وسياسية واجتماعية ومخابراتية لمواجهة مع اللاجئين، ويتم ذلك من خلال تضخيم آثار وجود اللاجئين على البلد، من خلال شيطنة هذا الوجود على الكيان اللبناني، وعبر بث الشائعات وتضخيم أحداث معينة ولصقها بالوجود السوري في لبنان، ومحاولة تحميل اللاجئين مسؤولية الأزمات اللبنانية الاقتصادية والمالية والبطالة، وهو سلوك خبيث من قبل السلطة للتغطية على فسادها وتقصيرها، وللتغطية أيضا على الارتكاب الاستراتيجي المتمثل بتدخل حزب الله في سوريا والذي ساهم في تعميق الشرخ النفسي والاجتماعي بين فئة كبيرة من السوريين وفئة كبيرة من اللبنانيين، ويحاول حزب الله اليوم أن يجعله شرخا لبنانيا سوريا لغاية توريط اللبنانيين في هذا العداء الذي صنعه بالأساس تدخله الفج في الأزمة السورية.
تحويل حياة اللاجئين السوريين في لبنان إلى ما يشبه الجحيم هو الهدف الذي تتجه إليه السياسة اللبنانية والتي يدفع حزب الله نحوها، والغاية منه جعل العودة إلى العيش تحت سلطة نظام الأسد أفضل من البقاء في لبنان، فالمعادلة هي ذاتها إمّا داعش وإما الأسد، وفي لبنان إمّا البؤس والاعتقال أو العودة إلى الأسد. فبعد يومين على اقتحام مخيمات عرسال، احترقت مئات الخيام التي تقيم فيها عائلات سورية في البقاع الأوسط، ومن دون أن تعرف الأسباب إلا أن ذلك يصب في خيار الدفع باتجاه جعل الحياة صعبة إن لم تكن مستحيلة للاجئين السوريين في لبنان، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الحوادث التي تطال اللاجئين تتم في مناطق تشكل بيئة حاضنة لهم، وهذا أمر ليس بريئا باعتبار أن الشرخ لم يعد بين بيئة حزب الله والسوريين، بل أيضا في بيئات معروفة بانحيازها إلى تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري
٤ يوليو ٢٠١٧
الدول العربية التي كانت تعرف بالمؤيدة للثورة السورية، والتي دعمت في مرحلة ما المعارضة السورية بوجه النظام وإيران، باتت اليوم بحاجة لمن يدعمها بوجه أزماتها، فحمى النزاعات وحالة الشقاق تتصاعد بين الدول العربية، التي يفترض أن تشكل العمق مقابل النفوذ الإيراني المكتسح يوما بعد يوم..
فأي مشهد قاتم يمكن تصوره لمستقبل النزاع مع ايران، في ظل هذا التراجع المطرد للنظام الرسمي العربي؟ الدول الخليجية متنازعة، وتركيا فقدت الثقة بمعظم حلفائها الخليجيين في الرياض بعد التطورات الاخيرة، وهذا يعني أن الخلافات الخليجية الأخيرة أفقدت اصدقاء سوريا العرب حليفا مهما بوجه ايران، هو تركيا الدولة الاقليمية الأهم التي كان من الممكن ان تشكل ظهيرا للدول الخليجية الداعمة للمعارضة.
بالطبع سيدفع هذا التطور الاتراك للعمل منفردين، وبالتنسيق مع الامريكيين والروس، دون الاخذ بالاعتبار وجود موقف عربي معارض للنظام، وهو موقف تلاشى عمليا في العامين الاخيرين، بل ان شريكا جديدا بات أكثر تاثيرا من تركيا في ما يتعلق بالموقف من الاسد، وهو السيسي، الذي يدفع باتجاه التطبيع العربي التام مع نظام الاسد.
يواصل النظام فرض واقعه العسكري على الارض بالدم والدمار، مدعوما بحلف وثيق منظم من طهران لبيروت، لكن في المقابل، فإن أكثر ما يشغل القاهرة والرياض هذه الايام ليس ضياع هذه الحواضر العربية في الشام والعراق، بل حسابات الثأر من الدولة التي لعبت دورا مهما في إيقاظ روح الثورة والتمرد العربي بوجه الأنظمة الرسمية، وإن كان محكوما بالسقف الأمريكي الذي لا يريد مثلا دعم حركات مقاومة كحماس في فلسطين، وغيرها من تيارات اسلامية، بات الثأر منها يهيمن على طموحات وخطط الدول التي قادت الثورات المضادة..
الكثيرون تعلقوا بالامل بعد زيارة ترامب للرياض، وعلاقته الوطيدة مع هذا المحور الممتد من ابو ظبي للقاهرة، وظنوا ان الجعجعة التي رافقت هذه الزيارة ستنعكس طحنا للمشروع الايراني في العراق وسوريا، وان الدعم الامريكي الوثيق سينعكس بقوة على جهود تلك الدول بمواجهة إيران، وبدأ البعض يسهب بالتفاؤل عن سيناريوهات لإدخال قوات من أصدقاء سوريا العرب مستعينين بالدعم الترامبي الكبير. ولكن تبين ان ما كان يجمعه هذا الحلف من قوة ومن مؤازرة امريكية، انما توجه بالنهاية ضد دولة شقيقة، كانت حليفتهم يوما بدعم المعارضة السورية! ولكنهم اكتشفوا أنها اكثر تهديدا لهم ممن يحتل عواصم اليمن والعراق وسوريا، ويقتل يوميا المئات من العرب، العرب الذين ظنوهم يوما «اصدقاء».
٤ يوليو ٢٠١٧
تسببت الحرب والفقر في نثر الأفغان في مختلف أرجاء العالم كما لو أنهم شظايا قنبلة. فالكثير من الأفغان وصلوا سن الرشد وهم يسكنون معسكرات اللاجئين في باكستان وإيران أو أصبحوا عمالا في دول كثيرة في المعمورة، ولا تزال الهجرة متواصلة. وحملت السنوات الأخيرة تطوراً خطيراً لجغرافية أفغانستان السكانية في المنفي، وهي أرض المعركة من أجل الدفاع عن نظام الأسد في سوريا.
فمنذ نحو عامين، غادر عبد الأمين (19 عاماً) بيته في فولادي فالي بمدينة باميان، وهي إحدى أفقر مدن أفغانستان، بحثا عن عمل في إيران، حيث يعيش نحو مليونا أفغاني غير مسجلين في إيران، بالإضافة إلى قرابة المليون إيراني مسجلين كلاجئين أفغان أيضا. وتعيش شقيقته وأخاها في أصفهان، ويأمل أن تتحسن حياته التي كانت تعتمد على الزراعة بمنطقة باميان الفقيرة، حيث يعيش نحو ثلثي سكان باميان بدخل لا يتعدى 25 دولاراً شهريا. ودفع الفقر المدقع وغياب فرص العمل آلاف الشباب الأفغاني بمدينة باميان إلى السفر بطرق غير مشروعة إلى إيران بحثا عن عمل، غير أن الكثيرين منهم مثل أمين انتهى بهم الحال بالتورط في حروب مع الغير.
واستطاع أمين أن يضمن دخلا يقارب 200 دولار شهريا كعامل بناء في أصفهان. والعام الماضي، استخدم مدخراته المتواضعة في السفر إلى العراق مع بعض زملائه من اللاجئين الأفغان. ثم اتجه إلى إيران.
وكما يحدث غالباً مع اللاجئين الأفغان في إيران، تعرض أمين للإهانة والتمييز، وعاش يملؤه الخوف من الترحيل مثل كل الأفغان هناك، وهو ما عبر عنه بقوله «إيران ليس بلادنا. فهنا إما أن تكافح لجمع المال أو تموت». وفي الشتاء الماضي، تقدمت السلطات الإيرانية لأمين بمقترح لتقنين وضعه في إيران ليتخلص من خوفه من الترحيل. عرض عليه الإيرانيون تصريحا بالإقامة لمدة 10 سنوات ومبلغ 800 دولار شهرياً لو أنه وافق على التوجه إلى سوريا للقتال لحماية «ضريح السيدة زينب».
ففي عام 2013، وعندما كانت قوات الأسد تخسر المعارك على الأرض في ظل تقدم الانتفاضة، قدمت إيران مليارات الدولارات إلى سوريا وأحضرت مقاتلي حزب الله، وشرعت في تكوين الميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها من الدول ذات النسب المرتفعة من السكان الشيعة.
تعود العلاقة بين إيران وسوريا إلى وقت الدعم السوري لإيران أثناء الحرب الإيرانية العراقية، وتعتبر سوريا المحور الأهم في الحركة بين إيران وحزب الله في لبنان. تأتي غالبية الأسلحة في حزب الله من إيران من خلال سوريا. وتسمح سيطرة الأسد على سوريا لطهران بإعادة إمداد حزب الله بما يحتاجه وبمد جسر إلى البحر المتوسط.
وعمل الحرس الثوري الإيراني ومقاتلو حزب الله على تدريب أمين وغيره من المجندين الأفغان الذين يشكلون قوام «فيلق فاطميون» على استخدام الأسلحة وعلى المناورات الحربية لشهر كامل، وبعضهم تلقى التدريب ليصبحوا قناصة، وبعضهم تدرب على حرب الدبابات، وبعد التدريب أخذوا إلى سوريا للقتال في الصفوف الأمامية في دمشق وحلب.
٤ يوليو ٢٠١٧
بعد عجز نظام الأسد وداعميه من الروسي والإيراني وحزب الله من العودة والسيطرة على المدن والقرى المحررة بالقوة العسكرية، لجأ الى أساليب جديدة تمكنه من اختراق المناطق المحررة عبر فكرة ابتكرها وزير المصالحة الوطنية علي حيدر.
وركز حيدر على تعزيز فكرة المجالس الأهلية أو مجلس الأعيان في المناطق المحاصرة والتي تعتمد على المبدأ العشائري او العائلي، واعتبرها الوصي الوحيد المعترف به في التفاوض مع نظام الأسد في تلك المناطق.
وقد يظن الجميع أن هذه الظاهرة عفوية وتسير في سياق الأحداث بشكل غير مسبق التخطيط له ، الا أن ظهورها مر عبر مراحل تؤكد بأنها تنفيذ لمخططات سابقة ، حيث تمر على مراحل متسلسلة ومتناغمة مع الأعمال العسكرية للنظام وتشديد الحصار أو تخفيفه.
وأولى المراحل هي مرحلة التسويق لشخصيات المجلس من مدنيين وعسكريين يعملون لصالح النظام ومحسوبين على التيار الثوري ومعظمهم يكونون أصحاب خلفيات حزبية أو دينية مشبوهة يعملون على استغلال عواطف المدنيين مبررين لأنفسهم ترويج بعض المفاهيم كرفع المعاناة عن المدنيين، ومصلحة الأمة، وضرورة التنظيم، في الوقت الذي تتواجد فيه شخصيات ثورية حقيقية لكنها مسلوبة القرار ومهمشة الرأي ووجودها لإضفاء الشرعية والواجهة الثورية للتشكيل لا أكثر.
وتعتبر هذه المرحلة هي المرحلة الأخطر والتي ينال فيها المجلس كامل التفويض ويستلم زمام القرار ويكون ذلك من خلال حدث جذري كخسارة معركة او وقوع مجزرة من الطيران او خلافات عائلية تملك سمة فصائلية ليلعب حينها على عواطف عامة المدنيين ويظهر بدور الحريص والوصي، ويترافق ذلك مع تصعيد من قبل النظام لتعزيز أفكاره لتمرير مشروعه ، وغالباً ما يتم طرح فكرة مجلس الاعيان من قبل أحد الجهات العسكرية التي يتعامل قائدها بالسر مع نظام الأسد، ويتذرع بحجة حاجة العسكريين الى جهات مدنية تكون مشكلة على أساس عائلي او عشائري، ويكون دور أشخاص مجلس الأعيان والعسكريين في الفترات السابقة بث الإشاعات بين الناس والتي تحرض على المؤسسات الثورية كالمجالس المحلية والعسكرية ومؤسسات الدفاع المدني والصحة وترويج فكرة أن سبب الاستهداف هو تلك المؤسسات ويتوقف التصعيد حينما تتم ازالتها ، وتحميل الفعاليات الثورية مسؤولية كل ما يحدث وإيجاد سبب وتبرير لكل جريمة يرتكبها النظام وتوجيه الأنظار الى أن السبب الأساسي هو نشاطات الفعاليات الثورية.
وتعتبر أخطر المراحل في تاريخ الأخيرة هي مرحلة التحشيد الشعبي خلفها باعتبار هذا الكيان الحامل لهموم المواطن والمداعي لحقوقه والمتواصل مع النظام بعد كل تصعيد والطلب منه إيقاف التصعيد ومعرفة مطالبه لتحقيقها وإيقاف التصعيد، وإجراء المفاوضات العلنية مع الجهات الثورية بالتزامن مع بث الإشاعات عليها في مكنة إعلامية مدروسة تعمل على عواطف المواطن المدني وتسعى الى تقسيمه الى قسمين الأول يريد أن يعيش بهدوء وناقم بعد كل قصف على فعاليات الثورة، والآخر يريد استمرار القصف والحرب باعتبار وجوده بوجودها وتظهره بأنه المستفيد من استمرارها على حساب الصنف الأول، وتزيد من هوة الشقاق بين الطرفين عبر مكنتها الإعلامية التي ترفع من وتيرة التشنج من التقسيمات التي تفترضها.
وبعد الاحداث الأخيرة التي انتهجتها يصطف خلفها شريحة كبيرة من المواطنين الذين تم اللعب على عواطفهم ويصبح لها شعبية وتيار كبير باعتبارها الملاك البريء الذي يريد الخير للآخرين والمخلص لهم والحريص على السهر لراحتهم.
وقد يستغرب الكثير ممن يقرأ التفسيرات الأخيرة وخصوصاً قاطني المناطق المحررة المفتوحة باعتبار هذه الظاهرة غير عامة، ولكن الكثير من الذين هُجروا قسراً يؤيدون ما تم ذكره، وأن مايسمى بالمجالس الأهلية او مجالس الأعيان التي كانت تعتبر نفسها " ثورية " هي السبب الرئيسي بما لحق بهم من تهجير، وأن كل أزلامها بقوا في مناطقهم على حساب تهجير كل من له علاقة بالثورة ولم يكن يعمل لصالح النظام.
وقد كشفت احداث التهجير الأخيرة في حمص ودمشق حقيقة مجالس الاعيان بأنها الحراك الناعم للثورة المضادة التي تساعد نظام الأسد على الدخول الى مناطق طالما كانت حلماً لقادته العسكريين بدون إطلاق أية طلقة، وأن ظهور هذه التشكيلات في المناطق الأهلية في الشهور الأخيرة ما هي إلا تطبيق لخطةٍ اثبتت نجاعتها في مضايا وعين الفيجة وبرزة والوعر والتل وغيرها وسيتم نقلها من المختبرات الصغيرة المحاصرة لتعمم على كل الأراضي المحررة، حيث بدأت تظهر في المناطق المحررة التي تقع على تماس مباشر مع مناطق النظام بوادر تلك التشكيلات في الشهور الأخيرة الماضية.
٣ يوليو ٢٠١٧
لم يعد السوريون يعوّلون كثيراً على أرقام الجولات التفاوضية وتزايدها المستمر، سواء التي تعقد في جنيف أو أستانة، أو في أماكن لا يتم الإعلان عنها، وتمرّر فيها القرارات الفعلية التي يعمل كل الأطراف المعنيين في الصراع السوري على ترجمتها عبر الاتفاقات، أو التمهيد لها ضمن معارك التصريحات الإعلامية المتبادلة. ولعل دخول مباحثات "أستانة"، المخصّصة لمناقشة الأوضاع الميدانية والصراع المسلح والإرهاب، جولتها الخامسة، وسط مزيدٍ من التصعيد العسكري في مناطق عديدة في سورية هو أحد تلك التقديمات المتبعة منذ ما يزيد عن خمس سنوات، بدءاً من جولة جنيف 1 في 2012.
وعلى الرغم من قناعة كل الأطراف أنه ما من حلول قادمة قريبة من دون أن تصل كل من الدولتين الكبريين، أي روسيا والولايات المتحدة، إلى تصوّر واضح بشأن الصفقة النهائية لمنطقة الشرق الأوسط عموماً، وسورية خصوصا، إلا أن ذلك لا يعني أن مباحثات أستانة التي تدعمها روسيا، بالتعاون مع إيران وتركيا، تجري بعيداً كلياً عن إرادة الإدارة الأميركية التي تتّخذ موقع المراقب فيها لغايات كثيرة، منها دفع كل الأطراف إلى مزيدٍ من التورّط في حرب استنزاف لطاقاتها العسكرية والاقتصادية من جهة، ولعلاقات هذه الأطراف الديبلوماسية مع محيطها المحلي والإقليمي والعالمي.
في هذا السياق، يمكن أن نفهم، أيضاً، إصرار روسيا على عقد جولة جديدة في أستانة، حيث إن دوراً فعلياً لهذه المباحثات تعوّل عليه موسكو في إدارة الصراع، ليصبح أكثر تكيّفاً مع الظرف الدولي، ما يسمح ببدء مشاوراتٍ سياسيةٍ تمهد لتقاسم النفوذ، وفق خطةٍ تقوم على شرعنة الوجود العسكري للأطراف الفاعلة، تحت مسمياتٍ جديدة، منها ما يتم تداوله باسم قوات "مراقبة" أو قوات "ضمان وقف إطلاق النار"، وكل هذا يمكنه أن يقود إلى المرحلة التي يتم الحديث عنها، والمتعلقة بإنشاء "مناطق آمنة" لن تكون من دون المرور فعليا بمرحلة وقف إطلاق النار، والذي يعني مناطق "خفض التصعيد"، وصولاً إلى المناطق الآمنة والعبور باتجاه الحل السياسي الذي تغيب معالمه اليوم عن جنيف، على الرغم من الجولات السبع الماضيات.
وتجتهد الديبلوماسية الروسية في تسويق عملها، بالتأكيد على اتفاق "خفض التصعيد"، ورسم خارطة جديدة لخطوط التماس، والالتزام بها من الطرفين (الأطراف)، نظاماً ومعارضة، وذلك للحؤول دون دخولها معارك جديدة، تلزمها التدخل والإخلال بدورها لمصلحة مساندة النظام السوري، ما يعني فقدان مصداقية دورها دولة ضامنة لوقف إطلاق النار، ليس فقط أمام دولٍ حليفةٍ مشاركة في الاتفاق، مثل تركيا. ولكن لإثبات أن يدها هي العليا في الشأن السوري أمام واشنطن، لزيادة حصتها في أي تفاهماتٍ جديدةٍ بين الدولتين، سواء في الملف السوري، مستقلا، أو بمبادلته بملفاتٍ خارجية، كالعقوبات الأميركية والأوروبية والدرع الصاروخي وأسعار النفط وطريق الغاز.
إلى ذلك، ولإنجاح مهمتها في بلورة اتفاقٍ قابل للتنفيذ، وليس للتهليل الإعلامي، وكسب مزيد من الوقت، على حساب دماء السوريين، لابد لروسيا أن تكون مستعدةً لتنفيذ مطالب مثل: أن تتعهد بسحب (وتجميع) المليشيات الأجنبية عن خط الجبهة، وإفساح المجال فقط لقوات حكومية شرطية، على أن تكون هي القوة التنفيذية في المناطق التابعة للنظام، مع توفير نقاط مراقبة تتبع للقوات الروسية، تكون هي الضامنة لتنفيذ الاتفاق كاملا. كذلك وقف أي طلعات جوية للنظام فوق المناطق غير التابعة لسيطرته، والأهم أن يضمن الاتفاق عدم تجاوز أطراف الصراع خط وقف إطلاق النار والخطوط الأخرى المتفق عليها، أي منع استغلال الاتفاق لكسب النظام، أو أيٍّ من داعميه أراضي جديدة، على حساب التزام فصائل المعارضة بالاتفاق.
من كل ما تقدّم، يمكن استنتاج أن روسيا أمام فرصةٍ حقيقيةٍ قد تمكّنها من العودة إلى واجهة العمل الديبلوماسي من جديد، على الرغم مما ارتكبته من جرائم بحق السوريين، قبل توقيعها على اتفاق مناطق "خفض التصعيد"، وبعده. ومثال ذلك ما يحدث في درعا من معارك، يحلّق فيها طيرانها، إلى جانب طيران النظام، ليسقط ضحاياه، من مدنيين ونساء وأطفال، وصل عددهم إلى حوالي مئة خلال الشهر الماضي، ما أحرج ممثلي الجنوب في مؤتمر أستانة، مع أن هذا لم ولن يمنع من تبقّى من الوفود من المشاركة.
من جهة أخرى، باتت فصائل المعارضة، مع هذا الدور الروسي المتناقض، أمام تساؤلاتٍ كثيرة، منها كيف يمكن أن يكون لها دورها ورأيها في ظل انقساماتها واختلاف أولوياتها، إنْ في خصوص المشاركة في مسار "أستانة" من عدمه؟ أو في خصوص كيفية التعامل مع الدور الروسي متعدّد الوجوه والوظائف؟
٣ يوليو ٢٠١٧
ليس جديداً أن يلجأ أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله إلى لغة التهديد والوعيد. منذ عام 2006، بات التهديد هو سلاحه الأكثر استعمالاً، بل شبه الوحيد، في مواجهة إسرائيل، فيما البندقية والرصاص والصواريخ وجهتها الشعب السوري. هدّد سابقاً بقصف خزانات الأمونيا، ثم هدّد بضرب مفاعل ديمونا. للفعلين الآنفين مفعول قنبلة نووية، علما بأن السلاح الدعائي الإيراني هو تحريم السلاح النووي بموجب فتوى غير مدونة تنسب للولي الفقيه. تقول إيران إنها لا تسعى لامتلاك السلاح النووي لأنه حرام، ولا يتردد نصر الله في التهويل بنووي غير مباشر، ستكون له النتائج والتبعات المحرمة نفسها. لا يهم. منذ زمن لم يعد نصر الله يهتم باتساق منطقه، وهذا ليس جديداً أيضاً.
الجديد هو تهديده إسرائيل، في خطاب يوم القدس الأخير، بأنه في أي حرب مقبلة مع «حزب الله»، فإن مئات آلاف المقاتلين ستُفتح لهم الحدود لمقاتلة إسرائيل من العراق واليمن وإيران وأفغانستان وباكستان! حشد شعبي أممي، يستكمل عملية إلغاء لبنان وإسقاط دولته.
استسهال تهديد من هذا النوع ربما يكون مرده أن «حزب الله» يعلم أن إسرائيل ليست الآن في وارد فتح جبهة معه. لا «حزب الله» يجرؤ على شن حرب يكرر مسؤولوه بإصرار أنهم لا يريدونها، ولا إسرائيل راغبة في دفع تكاليف توجيه ضربة له، وهي تراه يعمل بآلية التدمير الذاتي في سوريا وغيرها.
لكن هذا الاستسهال فضح ملامح، حرص نصر الله على تغطيتها بكثير من اللغو والتهديد والوعيد سابقاً. لطالما أصرّ «حزب الله» على أنه قادر على مواجهة إسرائيل رغم انشغالاته السورية، وأن جهوزيته تجاه إسرائيل غير منتقصة بفعل أولوية معركة حماية بشار الأسد. إذّاك، يُطرح السؤال: لماذا يحتاج «حزب الله» لمئات آلاف المقاتلين الأجانب لإسناده في معركة، صمخ آذاننا باستعداده لها؟ لماذا يعترف نصر الله، من حيث لا يريد، بأن حزبه ليس كافياً أو قادراً وحده على الحرب المقبلة؟
مفجع أن يعبر نصر الله بيسر عن تواضع قواه العسكرية، وحاجاته لحشد شعبي أممي، وهو يحاجج إسرائيل، فيما يتنافخ على مواطنيه اللبنانيين وجيرانه العرب. تواضع مع إسرائيل واستكبار على من لا ينبغي أن تكون بينه وبينهم عداوات أكبر من عدائه لإسرائيل.
حين انخرط «حزب الله» في الجريمة في سوريا، تذرع بأنه يحمي السيادة اللبنانية، ويبذل الدماء للدفاع عن لبنانيين ناكرين للجميل لا يرون المصلحة التي يراها هو لهم. فهل الحشد الشعبي الأممي الموعود يندرج هو الآخر في مهمة حماية لبنان واللبنانيين وسيادة وسلامة بلدهم؟ أم أن خطاب السيادة مجرد استعارة وقحة لخطاب خصومه وتجييره لصالح مشروعه ومشروع إيران؟
السؤال الأكثر بديهية الذي يطرحه الخطاب الأخير هو التالي:
قبل الحشد الشعبي الأممي، ألا يحتاج نصر الله لحشد شعبي لبناني، يسانده في الحرب المقبلة؟ الحقيقة، أن نصر الله لطالما كرر أن المقاومة لا تحتاج إلى إجماع وطني، بل إنها لم تحُز هذا الإجماع في تاريخها، وبالتالي هو ليس معنياً بأكثر من الإجماع الميليشياوي، أي إجماع مكونات الحشد الأممي، ومرجعيته الإيرانية.
ما يفضحه الاستسهال أيضا، هو مقولة الدولة التي ينتحلها نصر الله في كل خطاباته. لا يريد دولة، من يعد مواطني الدولة بمئات آلاف المقاتلين الأجانب في معركة لا يملكون حيال قرارها إلا التسليم. على بديهية هذا الاستنتاج إلا أنه في العمق هو الفيصل بين لبنانين اثنين. بين لبنان الذي يريده نصر الله مرتعاً لمئات آلاف المقاتلين الأجانب و«اللبنان الأغلبي»، أي أغلبية ناسه الطبيعيين، من مختلف الانتماءات السياسية، الطامحين إلى مئات آلاف السياح. بهذه البساطة.
خطورة كلام نصر الله أنه يوفر كل الحجج للمجتمع الدولي ومنطق مؤسساته، للقول إن لبنان دولة فاشلة من جهة، ولإسرائيل لتقول إنها تخوض حرباً استباقية، لو قررت، ضد لاعب يجاهر بأنه سيجلب مئات آلاف المقاتلين الأجانب لمحاربتها في أعلى لحظة استنفار دولية ضد إرهاب الميليشيات غير النظامية.
مثل هذا الوعيد لا يردع، بقدر ما يوفر أسباباً إضافية لإسرائيل لتمارس ضد لبنان ما يبقي هذا البلد منهكاً وضعيفاً، وعاجزاً عن استثمار مقدراته الطبيعية والبشرية ليكون منافساً لإسرائيل.
أي سعادة في تل أبيب بعد هكذا خطاب.
افتراض أن هذا الخطاب يردع إسرائيل هو مزحة سمجة، وخرافة.
في الوقت الذي يعدنا حسن نصر الله باستقبال مئات آلاف المقاتلين من الميليشيات العراقية والسورية والإيرانية واليمنية والأفغانية والباكستانية، تعلن إسرائيل الأرقام السياحية التالية:
منذ بداية عام 2017 دخَّلت إسرائيل أكثر من ملياري دولار من السياحة، وزارها في الأشهر الخمسة الأولى من العام نحو مليون ونصف مليون سائح، منهم 347 ألف سائح في شهر مايو (أيار) وحده.
وتعكس الأرقام رعباً من نصر الله وحزبه والميليشيات العراقية والسورية والإيرانية الموعودة، بحيث زادت السياحة 25 في المائة عن أرقام العام الماضي.
نصر الله يعدنا بالمسلحين، ونحن نحلم بالسياح، وإسرائيل تنعم باستقبالهم وعائدات استقبالهم.