مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٦ نوفمبر ٢٠١٦
هل يدفن ترامب إرث أوباما؟

أسابيع قليلة، ويغادر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، البيت الأبيض، تاركاً وراءه حزمة كبيرة من الأزمات المفتوحة، وارثاً مجهول المصير. بمجرد خروجه، سوف يبدأ أوباما، على الأرجح، كتابة مذكّراته، وسوف يتاح لنا أن نقرأ تاريخ الثماني السنوات التي قضاها في حكم القوة الأعظم في العالم، من وجهة نظر أول رئيس أميركي من أصول افريقية. سيخبرنا أوباما كيف أنه انشغل، منذ اليوم الأول لوصوله إلى الرئاسة، بالتحضير لإنفاذ وعوده الانتخابية الخاصة بسحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، وكيف أن نجاحه في انتشال أميركا من الأزمة المالية التي ضربتها عام 2008 كان يعتمد كلياً على وقف النزيف الخارجي للقوة الأميركية، خصوصاً في حرب العراق التي قدرت مصادر تكلفتها بتريليوني دولار.

سيروي أوباما تفاصيل خطته للانسحاب، والنقاشات التي دارت مع الدائرة الضيقة من المساعدين الذين أحاطوا به، خصوصاً مستشاره لشؤون الشرق الأوسط، روبرت مالي، ونائب مستشار الأمن القومي، بنجامين رودس، والذي وصفته "نيويورك تايمز" في تحقيق طويل، نشرته في 5 مايو/ أيار الماضي، بأنه ظل أوباما وعقله. اقتضت الخطة، كما غدا معلوماً، ترميم العلاقات مع حكومات العالم الإسلامي، تبني سياسات واقعية وطي صفحة "أوهام" نشر الديمقراطية. والأهم من ذلك كله تبني خلاصات لجنة بيكر-هاملتون التي أنشأها الكونغرس، بعد انهيار الوضع الأمني في العراق، إثر تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في فبراير/ شباط 2006، لتقييم الوضع هناك. انتهت اللجنة إلى التوصية بالانفتاح على إيران، لتهدئة الوضع في العراق، وتأمين خروجٍ آمن للأميركيين. أوكل تنفيذ الخطة لوزير الدفاع الأسبق، روبرت غيتس، وهو المسؤول الوحيد الذي احتفظ به أوباما من إدارة بوش، للإشراف على تنفيذ توصيات اللجنة التي كان غيتس من أعضائها، وهو من كتب توصياتها.

هنا، سيطلعنا الرئيس أوباما، على الأرجح، على تفاصيل المفاوضات السرية التي قادها غيتس مع إيران بين عامي 2009 و2011، لتأمين سحب القوات الأميركية من العراق، وكيف أن إدارته أيدت، إرضاءً لطهران، بقاء نوري المالكي رئيساً للوزراء، ضاربةً عرض الحائط بنتائج انتخابات عام 2010 التي خسرها أمام القائمة العراقية، بزعامة إياد علاوي. اقتضت المصلحة الأميركية تعزيز قبضة المالكي على السلطة، وتحويله إلى ديكتاتور، فساعدته، في ولايته الأولى، في ضرب خصومه من الشيعة (الصدريين خصوصاً) وغضّت، في ولايته الثانية، النظر عن سياساته الطائفية تجاه السنة، بهدف بناء سلطة مركزية قوية ترث النفوذ الأميركي المنسحب.

لا بد أن أوباما سيفرد فصلاً خاصاً، وربما فصولاً، عن مفاوضاته السرية مع إيران بشأن ملفها النووي، وكيف أن هذه المفاوضات بدأت مع حكومة محمود أحمدي نجاد التي صدّعت رؤوسنا بخطابات المقاومة وعزمها على إزالة إسرائيل من الوجود. وكما كان مضطراً أن يترك لها العراق خدمةً "للمصالح الأميركية"، سيخبرنا أوباما أنه، من أجل انتزاع اتفاقٍ معها بشأن البرنامج النووي، كان مضطراً إلى التغاضي عن تورّط إيران المباشر في قتل مئات آلافٍ من السوريين، وتشريد الملايين، وابتلاع خطوطه الحمراء التي رسمها، حال استخدم النظام السلاح الكيماوي.

سيدافع أوباما بقوةٍ عن سياساته في الانفتاح على إيران، باعتبار أنها سمحت له بتحقيق اثنين من أهم أهداف سياسته الخارجية في الشرق الأوسط: إتمام الانسحاب من العراق في ولايته الأولى، وانتزاع اتفاقٍ حول برنامج إيران النووي في ولايته الثانية، على الرغم من أنه دمّر العراق، ليحقق الهدف الأول، وأحرق سورية ليحقق الهدف الثاني.

بذل الرئيس أوباما قصارى جهده لإيصال هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، ليس حباً، وإنما سعياً إلى الحفاظ على إنجازاته "الإيرانية"، باعتبار أنها تمثل إرثه الرئاسي "الوازن". وأما وقد فاز ترامب، فالاحتمال كبير أن يتم دفن هذا الإرث، حتى قبل أن يتسنى لأوباما كتابته. فالرئيس الجديد يرى الانسحاب من العراق خطأً استراتيجياً كبيراً، لأنه سلم العراق إلى إيران على طبق من فضة، كما أنه يعد الاتفاق النووي الذي توصل إليه أوباما معها الأسوأ على الإطلاق. إذا ترجم ترامب هذه التصريحات إلى سياسات سيدخل في جولةٍ جديدة من الصراع مع إيران، يلقي معها كل ما حاول أوباما فعله، ثماني سنوات، في مزبلة التاريخ.

اقرأ المزيد
١٦ نوفمبر ٢٠١٦
بين ترامب الشجاع وأوباما المتردد

قد تختلف مع ترامب فيما يقول، لكنك إذا كنت موضوعيا لا يمكن أن تُنكر أنه رجل شجاع ومقدام ولا يخشى أحداً فيما يقول، في زمن يقولون إن من متطلبات السياسي الفطن أن يقول ما لا يؤمن به ويجاري النخب التقليدية المهيمنة على صناعة القرار السياسي.

ترامب نجح بامتياز في تحدى النخب السياسية والإعلامية المسيطرة على صناعة القرار السياسي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، واحتكم للشعب، وحقق انتصارا حقيقيا وكاسحا حسب شروط الديمقراطية الأمريكية، في حين ان «هيلاري كلينتون» القادمة من مدرسة هذه النخب التقليدية، مُنيت بخسارة كبيرة.

وأنا ممن يؤمنون إيمانا راسخا أن العظماء الحقيقيين يأتون غالبا من خارج السياق، ولا يرضخون للموروثات، أما الرؤساء الذين يحافظون على السياق والنسق، وعلى ما اتفق الناس على أنه (ثوابت) تقليدية، فهم غالبا ما يمرون بالتاريخ مرور الكرام، ولا يقودونه بقدر ما تقودهم هذه الثوابت.

وانتصار ترامب هو من زاوية أخرى هزيمة منكرة لما يُسمى (عقيدة أوباما)، الذي لم يتميز عهده بشيء إلا بكونه أول رئيس لأمريكا من أصول أفريقية، ثم لا شيء يذكر. بل يمكن القول إن الانتصار العظيم الذي حققه الرئيس التاريخي «رونالد ريغان» بإسقاطه للإتحاد السوفييتي، فرّط فيه أوباما، مكرسا (روسيا) العظمى ندا قويا ومناكفا جديدا للولايات المتحدة.

وليس لدي أدنى شك أن (التصفيق) الذي أبدته موسكو لانتخاب ترامب لن يدم طويلا، لأن شعار ترامب في حملته الانتخابية (لنعيد أمريكا كما كانت عظيمة)، لا بد وأن يتصادم مع طموحات الرئيس الروسي يوتين، الذي هو الآخر يريد أن يعيد مجد الاتحاد السوفييتي المفقود.

وأمريكا هي القوة العسكرية العظمى على وجه الأرض، وتُسيطر على ثلث اقتصاد العالم، بينما يتشارك بقية العالم في الثلثين الباقيين، ومن المهم للعرب عموما، وللمملكة ودول الخليج بصفة خاصة أن يكون رئيس أمريكا شجاعا لا يرضخ إلا لمصالح أمريكا العليا. السبب أن هذه المصالح متماهية مع مصالح العرب وتحديداً دول الخليج، ولن أتكلم هنا عن الثروات الطبيعية وعلى رأسها النفط، ولا عن الاستثمارات الرأسمالية الضخمة، وإنما عن علاج (الوباء) الذي يتّحد العالم للقضاء عليه، وهو الإرهاب. ولا يمكن لرجل عقلاني وموضوعي يرفع شعار الحرب على الإرهاب، دون أن يستعين بالمملكة. إضافة إلى أن سلفه الرئيس أوباما ارتكب خطأ فادحا حينما تحيّز لإيران، ومنحها (العراق)، وغض بصره عن سلوكياتها الشريرة لتصول وتجول في المنطقة، ما جعل العرب، وكذلك بقية المسلمين، يشعرون بانحيازه (الفاضح) لإيران في مساعيها لتشيّع بقية العرب والمسلمين، والسيطرة على سيادة قرارهم، مستخدمة النزعة الطائفية للتدخل في شؤونهم الداخلية.

وليس لدي أدنى شك أن شعور الكراهية تجاه أمريكا، سببه انحياز أوباما، لإيران، رغم أنه (ضد) مصالح أمريكا العليا.

وختامًا، لعل ما يثلج الصدر أن مستشار ترامب «وليد فارس» صرح بعيد انتصاره أن هناك توجها لدى ترامب للتحالف مع المملكة ودول الخليج ومصر والأردن، للقضاء على الإرهاب؛ اللافت للنظر أنه استثنى إيران الابن الذي كان مدللا للثنائي (أوباما/ كلينتون).

اقرأ المزيد
١٥ نوفمبر ٢٠١٦
نقلات خطيرة على خريطة الصراع السوري

يتميز الصراع في سورية عن سواه من الصراعات بخطورته وحركيته، فإضافة إلى تكتيكات حافة الهاوية التي تستخدمها روسيا، بصفتها اللاعب المحرك الآن، فإن القتال ينتقل بسلاسة مذهلة من أطراف الصراع المحلية إلى اللاعبين الدوليين والإقليمين، ما يعني أن استمرار ذلك، مع عدم توافر آليات لإدارة الصراع، ستفضي حتماً إلى تصادم بين تلك الأطراف.

ما حصل أن أطراف الصراع، الدولية والإقليمية، استخدمت نمطاً من التكتيكات يمكن تسميتها بـ «المغلقة» ولا تنطوي على إمكان للتفاعل أو المساومة، بمقدار ما تفرض خيار المواجهة أو التراجع، وقد كثّفت روسيا من استخدام هذا التكتيك من خلال استراتيجيتها الهجومية وإصرارها على أن جوهر القضية هو الحرب على الإرهاب ومساندة حكومة شرعية، في حين اتّخذت الاستراتيجية الأميركية منحى التفاوض السياسي من دون تحديد خطوطها الحمر، ما أظهر إدارة أوباما كأنها وسيط محايد، والدليل أن مفاوضيها كانوا يضعون في جيبهم، عند كل تعنت روسي، التهديد بالانسحاب من المفاوضات كعقاب لروسيا!

هذه الطريقة في إدارة الصراع، من جانب اللاعبين الكبار، هي المسؤولة عن إيصال الصراع إلى هذه المرحلة من الخطورة، واليوم تجد روسيا نفسها مضطرة لخوض معركة تدمير حلب، رغم إدراك صانع القرار الروسي حجم الأخطار التي سترتبها هذه العملية، ذلك أن التراجع الروسي، بعد كل الاستثمارات اللوجيستية والحرب الدعائية، ستكون له أثار عكسية على الصورة التي يحاول فلاديمير بوتين رسمها عن روسيا الجديدة، كما أنها ستعني بداية التراجع لمشروع عودة روسيا قوة فاعلة على المسرح الدولي.

في المقابل، فإن إقدام روسيا على هذه الخطوة سيضع أميركا في مأزق استراتيجي خانق، إذ عدا سقوط هيبتها، فإن انتصاراً روسياً حاسماً في حلب سيغذي العدوانية الروسية على مسارح أخرى في بحر البلطيق والبحر الأسود وأوكرانيا، وسيدعم رغبة روسيا في مد نفوذها صوب آسيا وأميركا اللاتينية، بعد أن أعلن الكرملين رغبته في إعادة إحياء وجود روسيا هناك.

وهذا الأمر في حال حصوله، سيؤدي إلى إجراءات ملموسة على صعيد تهديد الأمن القومي الأميركي، إذ سيترجم إلى حيثيات من أرض وقواعد عسكرية، وحينئذ لن يكون هامش قدرة المفاوض الأميركي وحده في مجال الخطر وإنما الوجود الأميركي ذاته، في ظل وجود حكام في الكرملين على شاكلة بوتين ونخبة عسكرية تستثمر في المغامرة وتعتبرها أحد عناصر قوة الدولة.

ويبدو أن ثمة إدراكاً متأخراً لدى البيت الأبيض، بأن إنقاذ حلب مسألة باتت صعبة، ما يستوجب البحث عن خيارات أخرى، وهو ما دفع بوزير الخارجية جون كيري إلى القول أن الحرب في سورية لن تنتهي بسقوط حلب، ولكن ما هي البدائل التي تملكها واشنطن لتحويل تهديداتها إلى واقع يدفع روسيا إلى إعادة حساباتها؟

ثمة قاعدة تترسخ يوماً بعد آخر، في مسرح الصراع السوري، مفادها أن الحفاظ على المصالح يتطلب الانخراط المباشر في أرض المعركة. روسيا وتركيا توصلتا إلى هذه القناعة، وأثبتت تجارب الانخراط التركي والروسي أن تكلفة الانخراط المباشر أكثر عائدية وأقل مخاطرة من دعم الوكلاء. فلو أن روسيا لم تتدخّل لسقط نظام الأسد وخرجت من المولد بلا مكاسب استراتيجية، ولو أن تركيا بقيت متردّدة لكان الشريط الحدودي أصبح كردياً بحكم الأمر الواقع، واستمرار تردد أميركا سيجعلها خارج أسوار الشرق الأوسط.

سيكون على الإدارة الأميركية الجديدة التحرر من القيود الكثيرة التي وضعتها إدارة أوباما على نفسها والتصورات الخاطئة التي كبّلت يديها، فيما ظهر بوتين كبطل لأنه لم يضع قيوداً على سلوكه، وتثبت حالة الغليان التي تشهدها المؤسسات العسكرية والأمنية الأميركية احتجاجاً على سياسات أوباما تجاه روسيا، في سورية وغيرها، أن ثمّة خيارات ستكون الإدارة المقبلة مجبرة على اتخاذها.

اقرأ المزيد
١٥ نوفمبر ٢٠١٦
الثورات العربية والبراغماتية الكردية

شكلت بداية الثورات العربية مرحلة جديدة في تاريخ العرب. كانت محملةً بالآمال العظيمة، وأنَّ هناك مستقبلاً جديداً سيدخلون فيه. تشبّثت الأنظمة القديمة بالحكم (اليمن، سورية، ليبيا، العراق) وأُدخلت البلاد العربية بأزماتٍ على المستويات كافة. كانت الحصيلة في الدول المستجيبة لأهداف الثورات إعادة تسلّم الأنظمة القديمة السلطة، مثل تونس ومصر. وليست بقية الدول التي لم تضعضها الثورات في حالة مثالية، ولا تشكل أي نموذج يُحتذى، وليست قادرة على قيادة مشروع عربي لمواجهة التدخلات الإقليمية، من تركيا وإيران وإسرائيل، ولا على مواجهة التدخلات الإمبريالية، كما الحال من روسيا تحديداً، وكذلك أميركا وأوروبا.

برز في هذا الوضع دور كردي جديد، دورٌ يُوظف ذاته في المشروع الأميركي والتبعية له، وبما يحقق للكرد مصالحهم، وهذا ما اتضح بشكل كبير في العراق، ومنذ الغزو الأميركي فيه عام 1990، وتجدّد حينما احتلت أميركا العراق بشكل كامل 2003. كانت هذه العلاقة تتطور على حساب العرب في العراق، وبسبب طائفية النظام في هذا البلد، وعدم إنصاف الكرد والاستجابة لمصالحهم ضمن وحدة العراق؛ أيضاً كانت حسابات الكرد في غاية البراغماتية، أي الاستفادة من الدولة العراقية، طالما أن الظروف الدولية والإقليمية لا تسمح بقيام دولة كردية مستقلة.

بعد قيام الثورة السورية في العام 2011، اتخذت القوى السياسية الكردية موقفاً قومياً خاصاً بها، لا هو ضمن الثورة، وليس ضمن تحالفات النظام بشكل كامل، والاستفادة من الوضع الناشئ من أجل تحقيق أوسع الحقوق لصالح الأكراد، والذي تجاوز مسألة الحقوق الثقافية والمواطنة، وصارت الأحلام تُهدِّد سورية بشيء من التفكير الانفصالي، وإن لم يُعلن عن ذلك بوضوح كامل، فهناك الفيدرالية وكردستان الغربية، وهناك التهجير للعرب، وهناك ادّعاء مُسفٌّ أن العرب دواعش. ويأتي هذا التوظيف الأيديولوجي ضمن الحملة الأميركية في الحرب على الإرهاب، وللانخراط كقوات برية للائتلاف الدولي ضد داعش، وهو ما تحقّق لقوات صالح مسلم، ولا سيما في أثناء تحرير عين العرب (كوباني) ومنبج. والآن، هناك توكيل أميركي لقوات مسلم لتحرير الرقة.

صالح مسلم لا يعنيه أن تشتعل حربٌ كبيرة بين العرب والكرد، فأغلب قيادات تنظيمه من أكراد تركيا، وهو على خلاف كبير مع بقية القوى الكردية السورية، وإن لم يختلفوا كثيراً في الرؤية لمستقبل الكرد في سورية! وقد بدأت معالمها (الحرب) المستقبلية تظهر عبر ممارسات التهجير القسري في بلدات الحسكة وتل أبيض، ومن ممارساتٍ استبداديةٍ إلغائية لأهالي منبج، ومنعهم من إدارة شؤونهم عبر مجلسهم المحلي المنتخب. ويمثل التوكيل الجديد، والذي أعلن عنه الكرد والأميركان في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مشكلة كبيرة للعلاقات المستقبلية بين القوميتين.

رفضت الفعاليات السياسية في الرقة في بيانٍ (منشور على موقع مجلس مدينة الرقة) توكيل قوات صالح مسلم لتحرير الرقة، وهذا يعني، بشكل واضح، أن التنسيق الأميركي الكردي لمصلحة الكرد ضمن المنظور المباشر، ومرفوض عربياً، وستكون حصيلته حرباً كردية عربية في سورية مستقبلاً؛ هذا هدف أميركي، وهو ليس جديداً، حيث تقوم الإستراتيجية الأميركية وكل إستراتيجية امبريالية على عوامل التفريق بين الشعب، وفقاً للهويات القومية أو الطائفية والعشائرية والعائلية. وبالتالي، ما يفعله صالح مسلم بأكراد سورية خطير للغاية، فهو يقودهم إلى المجزرة في المستقبل، ونضيف هنا: إذا كان هناك مبرّر سياسي ما لتشكيل جيش كردي في سورية و"تحرير" مناطق ذات وجود كردي كبير، فإن معظم ما فعلته قوات صالح مسلم كان بغطاء من النظام، ولم تقارعه مطلقاً، وضد العرب الثائرين، ولم تُحرّر مدينة فيها أكراد كثيرون، بل ما زال النظام في القامشلي والحسكة قوياً، وربما أكثر من المدن التي تحت سيطرته الكاملة؟!

معركة الرقة، كما معركة الموصل، ستُعزز أدوار الكرد في العراق وسورية؛ وإذ تتكرّر التحذيرات للبشمركة الكردية، ولقوات الحشد الشعبي الإيرانية، ويتم التساوي بينها في دخول الموصل، فإن القوى السياسية في الرقة رفضت الأمر بأكمله. ورفض المحاولات الكردية للتمّدد في البلدين متأتٍ من إعلان قوات مسعود البرزاني، أو قوات صالح مسلم، أن المناطق التي "تحرّرها" لن تتراجع عنها، وستحاول وصلها بالمناطق التي تسيطر عليها، أي هناك تخوف عربي من الإستراتيجية الكردية، والتي تقوم على قضم مناطق عربية، والتأسيس لحروب مستقبلية. هناك سبب آخر للتخوف، فأكراد مسعود البرزاني يتحالفون مع تركيا، وأكراد صالح مسلم يتحالفون مع إيران، وهناك أسباب كثيرة للقول بتنسيقهم مع النظام كذلك. النقطة الأخيرة مصدر تشكيك كبير من المعارضة السورية، أي أن تحرير الرقة لن يكون مرفوضاً من النظام، وبالتالي، سيُعتبر التحرير ضربةً قوية ضد المعارضة في حال قامت بذلك قوات مسلم، وبغطاء أميركي، وهذا ما قد يقارب بين روسيا وأميركا والنظام في هذه المعركة.

ما فعله "داعش" بالكرد، فعل أسوأ منه بالعرب، والفعل نفسه تكرّره الفصائل الإسلامية و"الجهادية" بالمناطق التي تسيطر عليها. وبالتالي، هناك أسباب كثيرة للتقارب بين الكرد والعرب، وما يعيق ذلك رؤية تنظيم صالح مسلم حدود دويلته، وربما ارتباطه مع النظام وإيران، وكذلك محدودية رؤية الفصائل الإسلامية لحقوق الكرد في سورية أو العراق. لا يمكن للمعارضة السورية العربية قبول أي دور كردي على حساب العرب في الحرب وفي السياسة، فهي تطرح رؤية سياسية لكل سورية، وإن كانت لا تتجاهل الحقوق الثقافية والتعليمية للكرد، لكنها بالتأكيد ضد كل محاولة تقسيمية لسورية، أو بناء جيش قومي مهمته الوحيدة ليست المطالبة بالحقوق ضمن الدولة، بل تشكيل كيان سياسي على حساب الدولة والقوميات الأخرى، كما يجري في المناطق التي يسيطر عليها صالح مسلم.

لا ينفي تعامل صالح مسلم، أو مسعود البرزاني، مع النظامين في دمشق وبغداد، مطلقاً أنه، وفي حال تهيئة شروط لقيام دولة أو كيان سياسي مستقل عن الدولة المركزية، سيتم تفويت الفرصة، بل سيكون الأمر متحققاً بشكل فوري، وبالتالي، ليس من تناقض في المنظور البراغماتي: التعامل مع الأنظمة إلى لحظة تهيئة شروط لقيام كيان سياسي كردي.

يوضح القرار الأميركي بدء معركة الرقة، ورفض تركيا لها، وصمت روسيا حولها، أن أميركا لن تترك سورية لروسيا بشكل كامل، وكذلك لن تسمح روسيا أو أميركا لإيران بالبقاء طويلاً كذلك. ليس فقط الصمت الروسي عن معركة الرقة، بل وكذلك الاستمرار في تثبيت الهدنة في حلب، على الرغم من التقدم الكبير لقوات المعارضة، والذي يفهم منه أن لتركيا حصة كبيرة في حلب، وكذلك لأميركا، وأن على النظام وإيران أن يستوعبا جيداً أن سورية محكومةٌ في إطار التنسيق الأميركي الروسي.

يمكن أن تقرأ الرسالة هذه كذلك كونها موجهةً ضد المعارضة والأكراد معاً، أي أن للأكراد حقوقاً، ولا بد أن يُعترَف بها. ولكن، ضمن الدولة السورية، وفي إطار اللامركزية الإدارية، وأن على المعارضة أن تتخلى نهائياً عن التنظيمات الجهادية، ومنها "فتح الشام"، وربما "أحرار الشام"؛ ويخطئ صالح مسلم كثيراً إن توهم أن الأميركان سيدعمون قيام كيان كردي خارج إطار اللامركزية هذه، وسيعود إلى الشعور بالخذلان لاحقاً.

ستتعقد المعركة في الرقة، بسبب الهيمنة الكردية على قوات سورية الديمقراطية، ورفض تركيا لها، والرفض العربي لقوات صالح مسلم، وهو ما سيستفيد منه "داعش" كثيراً في تعزيز وجوده فيها. وفي حال الانتصار، لن تكون نتيجته إدارة تابعة لصالح مسلم، وسيُطلب منه ترك الرقة كما سيترك منبج كذلك، وربما تكون معركة الرقة والتعقيد الملاحظ بخصوص معركة حلب، بداية التقارب الجديد بين روسيا وأميركا بخصوص الوضع في سورية، ووضع مقاربة جديدة له.

بدأ المقال بالإشارة إلى وضع الدول العربية المنهار، وهذا لنوضح أن المنطقة العربية بأكملها، سواء التي حصلت فيها الثورات أو لا، تتعرّض لتدخلات إقليمية واسعة، وكذلك لبزوغ المشروع الكردي، لكنها ليست قادرة على مواجهة التحدّيات، وهذا يعني الإمعان في التفتت العربي وفقاً للهويات الدينية والقومية والعشائرية. مصير سيئ لبداية ثورية واعدة.

اقرأ المزيد
١٥ نوفمبر ٢٠١٦
البعد الإسرائيلي في الموقف الأميركي من الثورة السورية

هل من بعدٍ أو عاملٍ إسرائيليٍّ في الموقف الأميركي من الثورة السورية؟ إنْ وجد، ما درجة تأثيره وفاعليته؟ ما هو هذا الموقف أصلا، وما هي مقادير التأثير الإسرائيلية عليه؟ من اللافت أن التصريحات الإسرائيلية في الشأن السوري، منذ انطلقت الثورة، شحيحة، إلى حدٍّ يجعلك تعتقد أن دولة الاحتلال لا تكترث بما يجري في سورية، أو أنها مطمئنةٌ من عدم تأثيره عليها، وعلى أمنها، ما يجعلها لا تجد نفسها مضطرة إلى إعلان أي مستوىً من القلق أو الاهتمام. وفيما تنشط الاتصالات الأميركية مع كل دول الإقليم، ومع فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وقبلها وبعدها مع روسيا، فإنك بالكاد تلحظ مشاوراتٍ أميركيةً إسرائيليةً في خصوص الأوضاع السورية، وفي الوقت نفسه، تتوالى التفاهمات الروسية الإسرائيلية في هذا الشأن، دلّ عليها مثلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، زار روسيا مرتين، في إبريل/ نيسان 2015 ويونيو/ حزيران 2016، تباحث فيهما مع الرئيس فلاديمير بوتين، بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، والذي بدأ في 30 سبتمبر/ أيلول 2015، وسبقته مباحثات بين الرجلين في الشهر نفسه في موسكو.

هذا انطباعٌ، لكنه كاشفٌ ودالٌّ ومسوّغ. ومحيّر أيضاً ربما. من أي نقطةٍ بالضبط يمكن مقاربة العامل الإسرائيلي في الموقف الأميركي بشأن الثورة السورية؟ يتصف هذا الموقف بوضوح العزوف عن أي جهد عسكريٍّ في سورية يساهم في إسقاط نظام بشار الأسد، ويكتفي بتسويق بضاعةٍ كلاميةٍ عن حل سياسي، باتت الشواهد وفيرةً تؤكد أنه حلٌّ لا يلحّ على إنهاء حكم الأسد، ولا يصرّ على إنفاذ بيان جنيف 1 المتفق عليه في يوليو/ تموز 2012، والذي نصّ على مرحلةٍ انتقاليةٍ تعبر فيها سورية إلى عهد جديد. ولا يكتفي سلوك إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بهذا الأمر في هذا الخصوص، وإنما يتوازى مع الامتناع عن بذل أيّ جهدٍ ميدانيٍّ أو سياسيٍّ ضاغط على موسكو وطهران، من أجل وقف مسلسل التدمير والقتل الذي لا يتوقف، ويروح عشرات السوريين ضحايا فيه يومياً، ومن جديد محطاته أخيرا ما تعرفه حلب من استهدافٍ بقصفٍ مشهود وعنيف. وهنا، يمكن التأشير إلى وجاهة قول المعارض السوري المعروف، رياض الترك، في عام 2013، إن الموقفين، الروسي والأميركي، بشأن الانتفاضة السورية واحد، غير أن الأميركيين أذكى من الروس"، بل إن بشار الأسد نفسه أبلغ وفداً لبنانياً زاره في العام نفسه إن "الأميركيين براغماتيون، ومع الرابح أخيراً".


تحطيم سورية واستنزافها

هل من بعدٍ إسرائيليٍّ يأخذ السلوك الأميركي بشأن سورية ما بعد الثورة إلى هذا الحال؟ أي إلى ما يمكن اعتباره ترخيصاً لنظام الأسد وللقوة العسكرية الروسية والمليشيات الإيرانية بمزاولة القتل والتدمير في سورية، بدعوى مواجهة الإرهاب والإرهابيين؟ الجواب: نعم. ويزعم صاحب هذه الكلمات أن هذا البعد حاسمٌ إلى حد بعيد، وموجزه أن إنهاك سورية، وتحطيمها، واستنزاف شعبها، واستغراقها في مطاحنات صراع أهلي مديد، مع أقصى مراتب التدمير والتفتت فيها، عمراناً ومجتمعاً وبنياناً ومؤسسات، وخصوصا لقدراتها وإمكاناتها العسكرية، هذا كله لا يمكن لإسرائيل إلا أن تغتبط به، فهي لو خططت ودبرت لمؤامرةٍ ضد سورية، على ما يردّد إعلام بشار الأسد، ومشايعوه في غير بلد، أن الثورة أساسا، ومنذ يومها الأول، إنما هي تدبير إسرائيلي، يستهدف صمود الأسد ونظامه، أقول إنها لو خطّطت ودبرت لمؤامرة، فإنها لن تستطيع إنجاز ما نرى ونعاين من حطامٍ مهول في البلد. يعني هذا الأمر، بالضرورة، أن إسرائيل سعيدةٌ تماما بالحرب التي يشنها الأسد على شعبه، وبالنتيجة الماثلة الراهنة لهذه الحرب، وبأي نتيجةٍ يمكن أن تؤول إليها الأمور لصالح الأسد، ذلك أن نظام المذكور لم يقلقها يوماً، وخبرتها معه تؤكد التزامه التام بأمنها، وبهدوء الجبهة السورية معها، بل حلق الطيران الإسرائيلي فوق قصر الأسد نفسه في اللاذقية في يونيو/ حزيران 2006، ولم يبدر منه شيء. كما إن المقاتلات الإسرائيلية شنّت غارةً جويةً مشهودةً على موقعٍ في منطقة دير الزور، في أكتوبر/ تشرين الأول 2007، قالت إنه منشأة نووية، ولم يردّ نظام الأسد سوى بالتنديد، وتوعّد إسرائيل في افتتاحيات جرائده. وبالمناسبة، هنا، كتب الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن، في مذكّراته، إن رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، إيهود أولمرت، هاتفه ليُخطره بموعد الضربة، ولم يطلب مشورته أو تغطيةً سياسية لقرارها، بل إنه رفض مشورة بوش بأن يتم استصدار قرار من مجلس الأمن بشأن القدرات النووية السورية، وأكد له أولمرت إن هذا أمرٌ يخصّ إسرائيل وحدها. وإلى هاتين الواقعتين، ثمّة غيرهما، من قبيل ضرب إسرائيل موقعاً عسكرياً لفصيل فلسطيني موال للنظام شمال دمشق في أكتوبر/ تشرين الأول 2003، وكانت المرّة الأولى التي يستهدف فيها الجيش الإسرائيلي الأراضي السورية منذ العام 1982.

لم يزعج نظام الأسد الولايات المتحدة، بإقلاق إسرائيل في أي واقعة، وإذا كان دعمه حزب الله أمراً معلوماً، فإن الحروب والاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وعلى حزب الله، تتكفل بمعالجة هذا الأمر والتعامل معه، بالنيران اللازمة. وإذا كان نظامٌ في أثناء قوته، وفي غضون إمكاناته العسكرية والسياسية المعلومة، وفي أزمنة نفوذِه وهيمنته في لبنان، لم تغضب منه الولايات المتحدة، ولا إسرائيل، بل كان تعاونه مع الاستخبارات الأميركية في شأن الإرهاب ممتازاً، بل وأكثر مما توقعت واشنطن نفسها، كما كتب مدير المخابرات الأميركية المركزية بين ديسمبر/ كانون الأول 1996 إلى يوليو/ تموز 2004، جورج تينيت، فإن بقاءه يبقى خياراً أفضل من العمل على إسقاطه، فيعقبُه حكمٌ في سورية غير مضمون السلوك، وغير موثوق. أما إذا تبدّى مهلهلاً وضعيفاً ومتهالكاً، فإن حالاً مثل هذا يصير أكثر اطمئناناً وارتياحاً، وسورية ذات إمكانات بشرية وحضارية وثقافية وفيرة، وعداء شعبها إسرائيل مؤكّد، وعلى متانةٍ لا يحتاج التدليل عليها إلى شاهد. وهذان أمران يدفعان إلى تحبيذ سورية ضعيفة ومنهكة ومستنزفة.

يسرّ الإسرائيليين ما يحدث في سورية، من تحطيمٍ لمقدراتها وإمكاناتها، وإضعاف بنياتها، وتخريبها وهدمها، وإشغال جيشها وقواها الأمنية في نزاٍع أهلي، وفي صراع مع الشعب. بل إن الجرائم المتوالية التي لا يتوقف نظام الأسد عن اقترافها تيسّر للعصابات الحاكمة في إسرائيل إشهار سخريتها من أي جهودٍ فلسطينية وعربية تنشط في محافل دولية لتظهير جرائمها وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الفلسطينيين في وطنهم، فثمّة في الجوار ما هو أدعى إلى النظر، وهو قدّام عيون العالم، ولا يليق حرف النظر إلى "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها". ولمزيد من التدمير الذي يُجهز على سورية، يحسُن بقاء نظام الأسد إلى أطول فترة ممكنة. وإذا كانت القناعة بأن هذا النظام ساقط، قريباً أو بعيداً، فإن تفكّك سورية وانشغالها بتأزماتها الاجتماعية، ذات التفاصيل الطائفية والمذهبية خصوصاً، معطوفاً على ترهّل القدرات الذاتية للبلاد، اقتصادياً وأمنياً، فذلك كله سيعني، بالضرورة، أن أي نظامٍ سيقوم بعد الأسد، وعلى هذا الحطام المهول، وعلى جبالٍ من الجثث والخراب، سيكون مربوطاً باستحقاقاتٍ مطلوبةٍ وموضوعة له، مع حاجته المؤكّدة إلى إعادة إعمار سورية، وإلى معوناتٍ دولية، وإلى بناء الجيش وتنظيم الأجهزة الأمنية، وغير ذلك من متطلباتٍ ثقيلة، لن يجد النظام المقبل بدّاً لتوفيرها من الاستجابة إلى رهانات وخيارات، قد لا تلتقي مع توجّه الوجدان الوطني العام. وليست إسرائيل معنيةً بالانشغال بمن تقع عليه المسؤولية في أخذ سورية إلى هذا الجحيم الراهن، إلى هذه الوحول الداخلية العويصة الصعبة، هي معنيةٌ بأن تنشط محدلة التمويت والفتك والدمار إلى أقصى مدى، ما قد يذكّر بقولة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، مناحيم بيغن، في خطابٍ له في الكنيست، بعد أسابيع من اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980 إنه يتمنى النصر للطرفين (!).

هل يقيم هذا المنظور الإسرائيلي في السلوك الأميركي بشأن الثورة السورية؟ الجواب نعم. بمعنى أنه يمثل نقطة التقاءٍ بين واشنطن وتل أبيب، غير أنه ، بالطبع، ليس المنظور الوحيد الذي يحتكم إليه السلوك المتحدّث عنه، فهناك بالطبع حساباتٌ أميركية خاصة، ذات صلة بالمستجدّات والمتغيرات الإقليمية الحادثة في المنطقة. ونقطة الالتقاء المشار إليها هنا تسوق إلى صحة ما قاله المفكر الأميركي، نعوم تشومسكي، لناشطين سوريين التقاهم في بيروت في يونيو/ حزيران 2013، إن الموقف الأميركي والإسرائيلي غير راغبٍ في أن يرى نظام الأسد يسقط حقاً، وإن إسرائيل لم تتصرّف بأي طريقةٍ تنم عن أنها تسعى إلى إسقاط هذا النظام. وإذ تأكد أن الصراع في سورية لا يشكل أي خطرٍ على إسرائيل وأمنها، ولا يؤذيها، فإن استمراره يصير مطلباً إسرائيلياً، ولا سيما إذا كان إضعافُ النظام، واستنزاف الجميع في الساحة السورية، يصبّ في النهاية، واستراتيجياً، لصالح إسرائيل. وصالح إسرائيل وأمنها وإبقاؤها متفوقةً نوعياً في المنطقة أحد عاملين حاسمين وجوهريين في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة تقليدياً، مع الحفاظ على المجال الحيوي عند منابع النفط، وضمان استمرار تدفق النفط.


ما بعد جريمة الكيماوي
وحده الاتفاق الروسي الأميركي على تدمير مخزون نظام الأسد من السلاح الكيماوي في جنيف في 14 سبتمبر/ أيلول 2013، عقب جريمة نظام الأسد استخدام السلاح الكيماوي في غوطتي دمشق في 21 أغسطس/ آب 2013، في ظني، كان الواقعة التي تبدّى فيها، إعلامياً على الأقل، تشاورٌ أميركي وإسرائيلي في الشأن السوري، ذلك أن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، ما أن أنهى مباحثاته مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، وتبادل وإياه وثائق الاتفاق على تدمير 1000 طن من العوامل والمواد الكيماوية في 54 موقعاً في الأراضي السورية بحلول منتصف عام 2014، ما أن أنهى هذا الأمر، طار إلى إسرائيل، فكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أول من اطّلع على الاتفاق. وأكّد الحرص الأميركي البالغ على وضع إسرائيل في تفاصيل ذلك الاتفاق ما هو مؤكّد، بشأن أولوية الحسابات الإسرائيلية في السياسة الأميركية في المنطقة العربية، في ما يخصّ أمنها، راهنا واستراتيجياً. وبحسب الصحافة العبرية في ذلك الأسبوع، لم يكترث نتنياهو كثيراً بأمر الاتفاق بذاته، وإنما كان يلحّ على الموضوع النووي الإيراني، ولا نعتقد هنا أن ذلك كان التزاماً بخيار حكومته عدم التدخل في الأزمة السورية، وعدم محاولة التأثير على الولايات المتحدة إذا كانت ستضرب في سورية أم لا، وإنما كان نتنياهو يعمل على توجيه الإدارة الأميركية إلى الأولوية الإسرائيلية الأدعى إلى الحسم، وهي إيران ومشروعها النووي غير المطمئن للدولة العبرية، ونتذكّر لاحقاً الانزعاج الإسرائيلي الظاهر من اتفاق الدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا مع طهران.

هل كانت إسرائيل حاضرةً في ثني الولايات المتحدة عن توجيه الضربة التي كانت مرتقبةً إلى حد بعيد ضد النظام السوري، عقب جريمة الكيماوي؟ لا شاهد يؤكّد هذا الأمر، ولا شاهد ينفيه، وإنْ يؤشّر المعلق الإسرائيلي، إرييه غولان، إلى أن إسرائيل ذُكرت 60 مرة في مناقشات الكونغرس بشأن تلك الضربة التي كانت الصور على الشاشات تجعلنا نتوقّعها، بل ونخمّن ساعة شنها، قبل انعطافة ذلك الاتفاق مع موسكو، وهو الذي لم تعلق بشأنه إسرائيل، ولم تعلن ترحيباً واضحا به، "لأن العبرة بالأفعال"، بحسب نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، وإن اعتبره وزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، "خطوةً جيدة". ولأن في وسع إسرائيل أن تقوم بما تشاء من استباحةٍ للأراضي السورية، سواء في قتل سمير القنطار، مع غضّ نظر روسي، في جنوب دمشق في ديسمبر/ كانون الأول 2015، أو في ضرب منشأة في دير الزور في عام 2007، ومن دون الحاجة إلى ترخيص بذلك من الولايات المتحدة. كما أن انتشار السلفية والجهادية في مكوّنات الثورة السورية مريح لإسرائيل، إذا ما قيّض لهذه وتلك أن تتفشّيا أكثر وأكثر، وأن يُعملا في المجتمع السوري ما يقترفه "داعش" وغيره، من جرائم وفرز مذهبي.

واستطراداً بشأن واقعة الكيماوي والاتفاق الروسي الأميركي الذي أعقبها، تفيدنا المصادر المتاحة بأمريْن متناقضيْن ظاهريا: ما ذكرته "يديعوت أحرونوت" عن طلب أوباما من نتنياهو، في عدة محادثات هاتفية، مساعدته في إقناع أعضاء الكونغرس لتأييد هجوم أميركي في سورية، وهو ما استجاب له نتنياهو، غير أن السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، ميشيل أوبرين، يذكر، في مذكّراته التي صدرت في يونيو/ حزيران 2015، إن إسرائيل منعت أوباما من ضرب سورية في عام 2013. ويزول التناقض الظاهر عندما نسترجع أن إدارة أوباما التي عملت على حشد سياسيٍّ من أجل تلك الضربة التي لم تتم، فتأمّنت لها موافقة 33 دولة على المشاركة فيها (ليست بينها بريطانيا بسبب عدم موافقة مجلس العموم)، فكان سيصير محرجاً لها إذا ما امتنع الكونغرس عن تأييدها، (وهو دستورياً لا يحتاج إليه بالضرورة). ما يعني أنه قد يحتاج إلى الاستعانة بتأثير إسرائيلي على الكونغرس، غير أن حكومة نتنياهو لم تكن متحمسّة لضربةٍ مثل هذه، كان يمكن أن تأخذ الوضع الميداني إلى تفاصيل مغايرةٍ لما تحبذه من اقتتال مستمر، لا ينتهي إلى أي حسم، أقله في أعوام أخرى إضافية، الأمر الذي يمكن أن يفسّر أن مشورة إسرائيل لإدارة أوباما كانت، في تلك الأثناء، باتجاه الامتناع عن الضربة. وهنا كان مقترح كيري بشأن تدمير مخزون سورية من السلاح الكيماوي، وهو ما التقطه لافروف، فكان إبلاغ وزير خارجية النظام، وليد المعلم، به، وإنْ جاءت تقارير غير مؤكّدة على أن أوباما والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كانا قد بحثا هذا الأمر، قبل الجريمة المشهودة في الغوطتين.

مختتم القول هنا، إن نجاح الثورة السورية يعني أنه قد يؤدي إلى قيام نظام ديمقراطي وطني في سورية، وهذا أوجبُ للخوف لدى إسرائيل التي تفرط في اطمئنانها إلى نظام الأسد القائم، والذي يُسعد إسرائيل أكثر وأكثر عندما ينشط في الإجهاز على سورية نفسها، وطناً ومجتمعاً وإمكاناتٍ وقدرات. هذا البعد الإسرائيلي حاضرٌ في السلوك الأميركي المائع والمتواطئ، والمعادي حقيقة للثورة السورية، منذ قال أوباما، في أيامها الأولى، إن على الأسد أن يقود التحول الديمقراطي أو يتنحّى جانباً، ومنذ قال رامي مخلوف لصحيفة نيويورك تايمز (الأميركية) إن بقاء النظام ضامنٌ لأمن إسرائيل. وصدق الثوار السوريون عندما هتفوا، غير مرة في الميادين، "الأسد في حماية أمريكا وإسرائيل".

اقرأ المزيد
١٤ نوفمبر ٢٠١٦
ملفات ترمب: مواجهة روسيا

هذا ملف بالغ الأهمية ليس للغربيين فقط، بل لنا أيضًا، ليس فقط لأن روسيا حليف نشط لإيران، وشريك أساسي في الحرب في سوريا، بل لأن ترتيبات العلاقات الدولية مرهونة بما سيحدث لاحقًا بين الدولتين العظميين في مناطق متعددة. والتوقعات المتفائلة بعصر جديد يعد بمزيد من التعاون بين موسكو وواشنطن، نتيجتها قد تفاجئنا بعكس ذلك، وتنتهي العلاقات الجيدة بينهما التي ميزت عهد أوباما طوال سنواته الثماني.

الرئيس المنتخب دونالد ترمب أثنى على الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، وردد قوله بأنه سيستطيع تحسين العلاقة معه. إنما لم أسمع رأيًا متخصصًا بأن الولايات المتحدة تحت إدارة الجمهوريين، في البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس يؤيد هذا القول. هناك كثير من المشكلات التي تغلي، مثل تنامي النزاع في أوكرانيا، والخلاف على حدود ونفوذ حلف الناتو، وتهديد مصالح أوروبا. بين الجمهوريين من يلوم إدارة أوباما لأنها لم تقف في وجه تمدد الروس، والعودة لمناطق نفوذهم القديمة أيام الحرب الباردة.

شخصية ترمب القوية، واتهامه المتكرر لسياسة إدارة أوباما بأنها ضعيفة، نتوقع أنها تعكس رؤيته الحقيقية، التي ستقود إلى توتر بين الدولتين العظميين، ما لم تتراجع موسكو عن سياستها في القرم وأوروبا الشرقية. والجميع في انتظار إعلان ترمب عن طاقم مطبخه، ويرجح أن يختار وزير خارجيته من الصقور، ليؤكد أن «أميركا ترمب» غير «أميركا أوباما».

ما الذي يهمنا في ملف علاقات موسكو وواشنطن؟

مثلت نهاية الحرب الباردة، في مطلع التسعينات، نهاية خريطة التحالفات في منطقة الشرق الأوسط كما عرفها العالم لنصف قرن تقريبًا، وغلبت على الفترة التالية سياستان أميركيتان متناقضتان؛ هجومية، مثل غزو العراق خلال رئاسة جورج دبليو بوش، وانكفائية في عهد أوباما. وقد وجه عدد من الجمهوريين انتقاداتهم للإدارة الحالية لأنها أنهت الوجود العسكري الأميركي تمامًا في العراق، مخالفة سياسة بوش التي أعلنت عن سحب معظم القوات، مع ترك ما يكفي لمنع وجود فراغ يتسبب في تسلل قوى أخرى إلى هذه الدولة المهمة استراتيجيًا، وهو ما حدث لاحقًا بهيمنة إيران وظهور تنظيم داعش.

الفصل الآخر في هذا الملف، طموحات إيران النووية، والعلاقة الاستراتيجية الأميركية مع إسرائيل، ومصالح واشنطن في منطقة الخليج البترولية. بعد انكشاف سر التفاوض مع طهران، أصبحت إسرائيل المعارض الأول والنشط ضد التفاوض والاتفاق. ومع أن أوباما حصل على موافقة الكونغرس على الاتفاق، وهزم اللوبي الموالي لإسرائيل مستخدمًا كل الضغوط التي توفرت له، إلا أن المعارضة لا تزال قوية وتتوعد بتعطيل الاتفاق في الموسم السياسي الجديد.

إيران لم تعطِ أوباما شيئًا مهمًا في المقابل، فقد سارعت لطمأنة الروس إلى أن اتفاقها النووي لن يخلّ بعلاقتها المميزة معهم، ثم أكدت تحالفها من خلال الصفقات والعمليات العسكرية المشتركة مع روسيا، وهذا، على الأرجح، سيعيد تلوين خريطة تحالفات الشرق الأوسط مقسمة بين الروس والغرب.

وقد يؤدي صعود ترمب، مع إصرار بوتين على مواقفه، إلى عودة روح الحرب الباردة وليس الحرب نفسها. فهل هذا الوضع المحتمل في صالحنا ومنطقتنا؟ من ناحية؛ هناك أثر سلبي، لأن التوتر والقلاقل ستزداد، ومن ناحية أخرى يمكن تفعيل الاتفاقات الدفاعية المشتركة الخليجية - الأميركية، والاستماع لاعتراضات إسرائيل ضد «حزب الله» التي ستضع حدًا للتمدد الإيراني في منطقتنا.

لا شك في أن وصول ترمب للبيت الأبيض حدث مهم سيترك بصماته في العالم، ومن بينه منطقتنا. هناك كثير من القضايا التي تركت معلقة خلال فترة أوباما، والتي سترتبط بتفسير العلاقة مع الكرملين، وبقدرة الرئيسين لاحقًا على التعاون أو التنافس. وليس علينا أن نتوقع الكثير في النصف الأول من العام الأول لرئاسة ترمب، خصوصا في مناطق النزاع الكبرى مثل سوريا والعراق، لأن سياسة إدارته ستتبلور بشكل أوضح لاحقًا. فهل ستكون إيران، قبل ذلك الحين، قادرة على حسم كل المعارك لصالحها؟ أم إن معسكر الدول العربية الذي يواجه إيران اليوم ينجح في تعطيل تقدمها على الأرض فترة كافية، وأنه يمكن إعادة إيران إلى الصندوق الذي سبق أن أغلق عليها في سياسة الاحتواء الغربية؟ أم هل تبدل إيران سلوكها استجابة للتطورات الدولية الجديدة؟

اقرأ المزيد
١٤ نوفمبر ٢٠١٦
رئاسة ترامب وسورية ولبنان

ينقل عن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أنه كثيراً ما يستشير أعضاء «مركز المصلحة الوطنية» Center of National Interest في واشنطن. ومواقف أعضاء هذا المركز براغماتية وواقعية بالنسبة إلى الشرق الأوسط، خصوصاً سورية.

كتب زميل المركز روبرت كابلان الشهر الماضي أن «مبدأ أساسياً في الواقعية هو أن الفوضى أسوأ من الظلم، فالظلم يشير إلى أن العالم ليس مثالياً، فيما الفوضى تعني أن ليس هناك عدالة لأي كان. بشار الأسد اتبع هذه الفكرة إلى أقصى الحدود غير المحمولة، ومستوى الظلم الذي مارسه يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية». لكن كابلان يستدرك أن «مستوى الفوضى في سورية حالياً وصعود المجموعات الإسلامية المتطرفة يجعل رحيل الأسد الأمور أسوأ».

فإذا كان ترامب سيتخذ مثل هذا الموقف، فسيعني ذلك أن أولويته ستكون مثلما أعلن من قبل هي محاربة «داعش» في الموصل في العراق وفي الرقة في سورية، على أن يترك الأسد ضعيفاً يسيطر على بعض أماكن سورية. وإذا كانت هذه سياسة ترامب فسيعني ذلك أنه سيعقد تحالفات مختلفة لمحاربة «داعش»، أولها تحالف متين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن يترك الأسد في الأماكن التي يسيطر عليها ويزيح «داعش» من أماكن تواجده في سورية والعراق.

وهذه الرؤية ستنشئ تطورات جديدة في المنطقة. ففي لبنان سيجبر بعضهم على التعامل مع واقعية جديدة لأن الأسد يسيطر على أماكن تحيط بلبنان. وزيارة مبعوث الأسد إلى الرئيس ميشال عون قد تكون إحدى إشارات هذا الواقع المرير. وفي الوقت نفسه، يؤيد بعض دول المنطقة، مثل مصر، بقاء الأسد لأنها تعتبر أنه يتصدى للمتطرفين الإسلاميين. والإمارات أيضاً لا تعارض ذلك، فيما الأردن يتخوف من التهديد الإسلامي، وتركيا ستتكيف مع مثل هذا الوضع.

أما في لبنان فسيكون الرئيس سعد الحريري مضطراً إلى التعامل مع هذا الواقع. فكيف سيواجهه مع أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري على أرضه، وكلهم من السنة الذين يخشون العودة إلى بلدهم مع رئيس قتل أشقاءهم وأهلهم وهجرهم وطلب من جيشين أجنبيين و «حزب الله» قصفهم.

التوقعات لسياسة ترامب إزاء سورية ولبنان غير مطمئنة. لكنه في الوقت نفسه معروف بانتقاداته اللاذعة للاتفاق مع إيران في شأن الملف النووي، لقربه من إسرائيل. لكن هل يمكن أن يلغيه؟ هذا مستبعد، لكنه مرتبط بموقف الكونغرس. والسؤال الآخر هو كيف يمكنه إذا أراد انتهاج سياسة الواقعية هذه بالنسبة إلى سورية التوفيق بينها وبين سياسته المعارضة للتطبيع مع إيران، فيما الأخيرة تحارب إلى جانب الأسد في سورية؟

أما القيادات الأوروبية فهناك أيضاً توقعات بالتغيير في صفوفها. فمن سيكون رئيس فرنسا في أيار (مايو) المقبل، وكيف سيتعامل مع سياسة ترامب إزاء الشرق الأوسط؟ وهل يمكن للرئيس الجديد أن يطلق سياسة أوروبية أقوى مما يحدث الآن؟ وهل سيتمكن من تكييف مواقفه مع ترامب حول الشرق الأوسط؟

يطرح هذا كله أسئلة كثيرة عن تأثير انتخاب ترامب على الشرق الأوسط. ولدى ترامب مستشار ديبلوماسي لبناني الأصل هو وليد فارس الذي كان مسؤولاً سابقاً في «القوات اللبنانية»، وخرج من لبنان بسبب الاحتلال السوري. وهو قال إن سياسة ترامب ستكون مبنية على تنظيم مؤتمر سلام لسورية، وهو ما حاولت القيام به إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري لكنها فشلت. ويلعب أيضاً اختيار ترامب لوزير خارجيته دوراً في تحديد مسار السياسة الأميركية إزاء المشرق العربي، بسبب تنوع مواقف الأسماء التي يتم تداولها مثل نيوت غينغريتش وبوب كوركر وجون بولتون.

يمثل ذلك كله أسباباً لعدم اليقين بالمستقبل في سورية والشرق الأوسط، لكنه لن يشكل تغييراً عميقاً عن سياسة إدارة أوباما إزاء سورية، خصوصاً أن الرئيس المغادر لم يتخذ أي خطوة لإزاحة الأسد، واكتفى بإدانة ممارساته فيما رفض تسليح المعارضة، بل واحتقرها. المرجح أن يستمر الخراب والتدمير في سورية لمصلحة بوتين وصديقه ترامب على حساب الشعب السوري.

اقرأ المزيد
١٤ نوفمبر ٢٠١٦
سورية.. ترامب بين المعارضة والنظام

أثار انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية المخاوف والتساؤلات بخصوص السياسة التي سينتهجها تجاه الصراع السوري، في موقفه من الثورة السورية، أو من النظام، بالإضافة إلى موقفه من الأطراف الدولية والإقليمية المتصارعة إلى جانب المعارضة أو إلى جانب النظام، لا سيما إيران وروسيا.

تشير كل المؤشرات إلى أن الرئيس المنتخب لن يلجأ إلى إحداث تغييراتٍ على الاستراتيجية الأميركية الذي اتبعها سلفه، والقائمة على عدم التدخل أو التورّط، وترك الأطراف تتصارع فيما بينها، لأن هذه السياسة تتناسب مع أهوائه، ومع تصريحاته المعلنة، ومنها تأكيده على أولوية محاربة الإرهاب.

في هذا السياق، يمكن فهم إعلان وزارة الخارجية الأميركية، بعد ساعات من زيارة ترامب البيت الأبيض ولقائه الرئيس باراك أوباما، موقفها الصريح من جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، بإضافتها إلى قائمة الإرهاب، معتبرة أن تغيير الاسم لا ينفي عنها صفة الإرهاب فعلياً، ولا يحجب حقيقة ارتباطها بتنظيم القاعدة. وبحسب بيان الوزارة، فإنه "على الرغم من محاولات التفريق بينها (فتح الشام) وجبهة النصرة عن طريق إنتاج شعار وراية جديدين، إلا أن مبادئ الأولى ظلت مشابهةً للتي لدى تنظيم القاعدة، والجماعة مستمرة في تنفيذ الأعمال الإرهابية تحت الاسم الجديد. اسم الجماعة مهما تغير سيظل تابعاً للقاعدة في سورية". إضافة إلى ذلك، ظهرت تسريبات صحافية (في "واشنطن بوست" مثلا) تفيد بأن الرئيس أوباما أمر وزارة الدفاع (البنتاغون) بالعثور على قادة "النصرة" وقتلهم في سورية. وتضمن القرار نشر مزيد من الطائرات من دون طيار (الدرون) وتعزيز القدرات الاستخباراتية، واعتبرت الصحيفة أن هذا المنحى ضد "النصرة" يُرجّح أن يزداد مع تولّي ترامب الرئاسة مطلع السنة المقبلة.

ولعلّ هذا الموقف الجديد ـ القديم يؤكد أن الاستراتيجية الدولية، وخصوصاً الأميركية، بشأن الصراع في سورية، ما زالت تنحصر في أمرين: أولهما، إعطاء الأولوية للحرب ضد الإرهاب، ويأتي ضمن ذلك السعي إلى فصل قوات "المعارضة المعتدلة" عن جبهة فتح الشام، وهذا يعني العودة إلى تفاصيل الاتفاق الروسي ـ الأميركي (سبتمبر/ أيلول الماضي). أما ثانيهما، فيتعلق بتعويم مصير بشار الأسد الذي بقي نحو خمس سنوات ونصف متأرجحاً بين التصريح أولاً عن فقدانه الشرعية ثم أولوية خروجه من المشهد السوري، وصولاً إلى التسويات الغامضة التي يمكن تفسيرها بأكثر من معنى في بيان جنيف 1، ثم لاحقاً بيان فيينا. وبعد ذلك ما تسّرب عن لوزان1، مع الحديث عن استفتاء شعبي يحدّد مصيره. وللتذكير، فإن لوزان هي المدينة التي يتفاءل بها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بسبب نجاحاته، على ما يبدو، بإنجاز الاتفاق النووي مع إيران فيها، وهو الانجاز الذي وعد ترامب المرشح بإلغائه في حال نجاحه، ولا نعرف إذا ما كان ترامب الرئيس المنتخب سينفذ وعده أم لا.

بديهي أن نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية التي أوصلت ترامب إلى سدّة الرئاسة فتحت المجال واسعاً لتوقعاتٍ متشائمة، بما يتعلق بملف الصراع في سورية، لأسبابٍ كثيرة، لا سيما منها تقارب وجهة نظر الرئيس المنتخب مع روسيا في ما يتعلق بأولوية الحرب على الإرهاب، ولا مبالاته بما يحصل في سورية. ومع أنه من المفيد التذكير بأن هذه الأولوية كانت، وما زالت، تحتل الحيز الأكبر في استراتيجية إدارة أوباما، إلا أنه يجدر لفت الانتباه إلى فارقٍ مهم جدا، يتعلق بأن إدارة أوباما اعتبرت روسيا شريكاً لها في هذه الحرب، بدليل الاتفاق الروسي ـ الأميركي بشأن حلب، بينما قد يختلف الأمر مع إدارة ترامب عن ذلك على الأرجح. ولعل هذا ما يمكن ملاحظته في خطاب النصر الذي ألقاه الرئيس المنتخب، وأكد فيه أن الولايات المتحدة تأتي أولاً، وأنه معني باستعادة عظمة أميركا، الأمر الذي يستنتج منه أن فكرة الشراكة بالمفهوم الأوبامي ستتراجع، لتصبح مجرد إيجاد أرضية مشتركة مع الدول الأخرى. أي أن "أميركا أولاً"، الترامبية، ربما تعني تولي الولايات المتحدة زمام القيادة والمبادرة، وإظهار قوتها وعظمتها وقيادتها للعالم، وليس شراكتها معه، بل وتخليها عن إعطاء وكالاتٍ للآخرين، ومنهم روسيا. وربما الأهم من ذلك لتعود أميركا العظيمة هو عودتها للدفاع عن حقوق الإنسان، ومبدأ الحريات والتزامها بدورها دولة عظمى.

مع ذلك، ربما ستحتاج الولايات المتحدة، في ظل رئاسة ترامب، إلى فترة فاصلة عن السنوات الثماني الماضية التي حاول فيها أوباما الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، وتوكيل إيران تارة وروسيا تارة أخرى، للقيام بمهمة لملمة نتائج سياسات بوش الابن، ولاحقاً أوباما، في فترة رئاسته الأولى، تلك السياسات التي كان من نتائجها ترك المنطقة لمصيرها واضطراباتها وانقساماتها الحادة. وكان غزو الأول العراق أدى إلى تفتيت هذا البلد، وتدمير مؤسساته، وجعله مطيةً للنفوذ الإيراني، في حين أن الثاني تعامل مع تداعيات "الربيع العربي" الذي أثمر في تونس، وتعثر في مصر، وأحدث حالة انفلات أمني في ليبيا، وحرباً طويلة الأمد ومتعددة الأطراف في سورية واليمن، بطريقة انتهازية ووظيفية، بعيداً عمّا تعتبره الولايات المتحدة قيمها الأساسية.

اللافت في المشهد، أو في أولويات الإدارة الأميركية في سورية، بعد أن أصبح ترامب رئيساً، ترحيب النظام السوري به، بسبب تقاربه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الحليف المغامر، وتعامل المعارضة بإيجابية مع وصوله، على الرغم من أجنداته المعلنة في أثناء حملته الانتخابية، وعلى الرغم من التشكّك بموقفه من الثورة المتساوق مع روسيا، علما أن ترامب المقرّب من روسيا هو نفسه ترامب المرحّب به تركياً.

مما يزيد في توضيح سيناريو السياسة الأميركية في المنطقة أنه سيبقى على النهج السابق نفسه في الملف السوري، أي الحفاظ على ديمومة الصراع، وجعل سورية مكاناً لاستنزاف الدول الأخرى، وأولوية الحرب على الإرهاب، وفصل جبهة النصرة عن المعارضة، وعدم تمكين أي طرفٍ من تحقيق الغلبة على الطرف الآخر، إلى حين فرض الحل السياسي الذي تعتقد الولايات المتحدة أنه آن أوان فرضه على الجميع، بمن فيهم روسيا. لذا، كان هناك ما يمكن لموسكو أن تقدمه لواشنطن، فهو القبول بوجهة النظر "الترامبية" الآن التي تريد لأميركا "العظيمة" أن تعود لتصدّر المشهد، وعلى كل الشركاء الآخرين في المشهد السياسي والعسكري التراجع إلى الخلف، ولعل ميدان الصراع في حلب المختبر لذلك كله.

يطرح هذا الواقع على المعارضة السورية (السياسية والعسكرية والمدنية) تكييف نفسها للتعامل مع المستجدات في المعطيات المحيطة بالوضع السوري، وفي المقدمة منه تغيير الإدارة الأميركية. كما يطرح على النظام السوري إنهاء حلمه المشترك مع إيران، وبرعاية روسية، بفرض الحل العسكري الذي سيصيب عظمة الولايات المتحدة بمقتل، حتى ولو كان ذلك بالتوافق مع شريكٍ روسي محتمل للعمل مستقبلاً.

اقرأ المزيد
١٤ نوفمبر ٢٠١٦
في نقد تفكير مؤيدي الثورة السورية

هناك كثير مما يمكن نقده في تفكير مؤيدي الثورة السورية، وكاتب هذه السطور منهم. من هذه الأمور تشبّثُ مؤيدين للثورة، سياسيين ومثقفين ونشطاء، وبدرجة أقل بكثير عسكريين، بشرح الحقيقة الواقعية أن علاقة وطيدة تربط نظام بشار الأسد وحكومة نوري المالكي في العراق وإيران بتنظيم القاعدة وبعده "داعش". كانت الغاية هي ربط الأطراف المذكورة بالإرهاب وتبرئة النفس، وكأن الأمر سهلٌ ومتاحٌ، ويمكن إقناع الآخرين ببساطة، به، إذْ يكفي أن نورد حقائق من نوع أن:
الأسد أخرج من السجن 900 إسلامي سلفي، جلّهم مرتبط بقاعدة العراق في عام 2011 من سجن صيدنايا. وفي الوقت نفسه، كانت أجهزته تزج في المعتقلات آلاف النشطاء المدنيين. وكان قادة أكبر الفصائل الإسلامية التي اعتبرت ثورية فيما بعد من هؤلاء الإسلاميين.

المالكي سهّل هروب آلاف من السلفيين المرتبطين بـ"الدولة الإسلامية" في العراق من سجن أبو غريب، وما تلاه فيما بعد من انسحاب 40 ألف عسكري وضابط من الجيش العراقي بطريقة مريبة من الموصل. ولم يكن مهاجمو الموصل آنذاك يتجاوزون 800 جهادي.

الإيرانيون أمّنوا ملاذاتٍ آمنة لبعض قيادات "القاعدة". عاش فيها نجل أسامة بن لادن من امرأته السورية إلى أن غادرت العائلة إلى سورية 2011. ولا زالت الأيام تكشف أن قادة آخرين من "القاعدة" ما زالوا مقيمين في إيران.
ومعروف جيداً أن مخابرات الأسد تعاونت، في مراحل متعددة، مع الأميركان والغربيين في الحقل الأمني، وكثيراً ما ذكّر الأسد الغربيين أنه تعاون معهم، وأنه يستأهل المكافأة، وليس غيرها. وأجهزة الأمن العراقية في حالة تعاون تام مع الأميركان، وهي لن تعمل في تعاونها مع الغرب ضد الجهاديين، بمعزل عن الشغل الإيراني.

والحال هذه، يقتضي الأمر أن نعرف أن الكلام عن وظيفيّة دول غير عظمى، كإيران، في التعاون ضد "الإرهاب" مع دول عظمى، عبر رصيد معلوماتها عن الإرهاب، واختراقها له، ليس مجالاً ناجعاً لإقناع الدول العظمى بصوابية وجهة نظرنا. إذْ كيف نقنع أجهزة مخابرات ومراكز قرار في الدول المؤثرة في أن يتخلوا عن مصادر معلوماتٍ ثريةٍ في معلوماتها، وكيف نقنعهم أن يتخلوا عن تعاون مثمر ومريح بالنسبة لهم؟ نحلم.

وللتوضيح أكثر. أعلن العالم، ممثلاً بالدول العظمى في مجلس الأمن، تضاف إليها دول أوروبا والهند، وجزء مهم من الدول الإسلامية، أعلن الحرب على الإرهاب. ما يعني، بوضوح، الحرب على القاعدة وداعش والسلفية الجهادية السنية أينما كانت. لا ينقص هذا من أن يكون هناك هامش تزييني، أو حقيقي، في اتهام أطراف غير سنية، هنا وهناك، مثل الحوادث الفردية من بيض في أوروبا أو أميركا، ومثل وضع حزب العمال الكردستاني (التركي).

ستجرف هذه الحرب على الإرهاب واقعياً معها دولاً ومنظمات وحركاتٍ، وحتى ثورات، تحت مسمى الحرب على الإرهاب. وقد فعلت هذا من قبل في العراق، وظلت مستمرة، ولم تخفت ضد كل ما يخص أي تشكيل عراقي سني، لا يوالي حكومة المليشيات الشيعية. الحرب على الإرهاب بلدوزر ضخم، له وجهة محددة، وسائق غير مدرب على تجنب شيء. كلّه سيُعفس للوصول إلى الهدف. والمصيبة أن الهدف، أي الجهادية السلفية، بفروعها ليست ثابتة في مكان، ولا تعطي نفسها بسهولة. وهي تعتاش على مبرراتٍ كثيرة، على أحقية عملها وكفاحها، ولن ينهيها بلدوزر أهوج.

إذن، وبوضوح، هل تسمع تلك الدول العظمى والدول صاحبة مشروع الحرب على الإرهاب لإيران التي تجمع بيدها أوراقاً عديدة في هذا المجال، أم لنا ولحلفائنا المحصورين في خانات قاتلة؟ هنا الفرق. وهنا ما هو حاصل.

لا يمكن تعديل هذا الميزان غير العادل، إلا بعمل سنوات وسنوات، وبمعرفةٍ وعمل من الدول الحليفة للثورة أن القضية ليست أمنياتٍ، ولا آمالاً، ولا تحشيداً بخطاب طائفي، وإنما بعمل منظم ودؤوب، وبسلوك إلى دروبٍ للعصر، بدلاً من الوقوف على الرصيف، والتمثّل بالسلف. وقد صارت دول كثيرة تحسب الثورة السورية على السلفية السنيّة الأقرب إلى الإرهاب.

وحدهما العمل والخطاب الوطنيان المستبطنان روح العصر في المدنية والعلمانية والديمقراطية هما ما يمكن أن ينقذا الثورة من بلدوزر الحرب على الإرهاب.

اقرأ المزيد
١٣ نوفمبر ٢٠١٦
الثورة الأميركية: هل تشبه الربيع العربي؟

الشائع في العالم العربي بأن الربيع العربي مؤامرة غربية أميركية لتمكين الإسلام السياسي في المنطقة. يبدو أن عدوى الربيع نفسه وصلت أولاً إلى بريطانيا وأخرجتها من الاتحاد الأوروبي، وثانياً إلى أميركا بانتخاب رئيس من خارج التقاليد والتاريخ السياسي لمؤسسة الحكم هناك، هل تآمرت واشنطن على نفسها أيضاً؟

لا شك في أن الانتخابات الأميركية الأخيرة كانت، بشقيها الرئاسي والبرلماني، استثنائية، وليست لها سابقة في التاريخ الأميركي. لماذا؟ لاعتبارات عدة. منها أنها لم تكن انتخابات عادية لاختيار هذا المرشح أو ذاك بناء على هويته الحزبية، كما جرت العادة. على العكس، كانت ثورة على الأحزاب، وتحديداً على الحزبين الجمهوري والديموقراطي. ولأن هذين الحزبين يمثلان معاً أكبر قوتين سياسيتين في مؤسسة الحكم، يصبح من الواضح أن هذه الانتخابات لم تكن منذ أيامها الأولى أقل من ثورة اجتماعية على مؤسسة الحكم. وهذا يقتضي إعادة تعريف الثورة بأنها ليست دائماً فعلاً عنيفاً لفرض تغيير بنيوي في المجتمع والدولة، بل قد تكون فعلاً سياسياً سلمياً إذا ما توافرت لها الأطر والمؤسسات والإجراءات الدستورية التي تسمح لها بأن تكون كذلك، وأن توفر لها الحماية في مسارها هذا. وهذا ما حصل في الولايات المتحدة على مدار العام الحالي، خصوصاً في الأسبوعين الأخيرين.

كيف يبدو البعد الثوري هنا؟ في ثلاثة أمور. الأول طبقي اجتماعي، بمعنى أن الطبقة العاملة، التي تعلم أفرادها أقل من التعليم الجامعي هي التي فرضت التغيير والتمرد على مؤسسة الحكم في اختيار المرشحين في الانتخابات. كان هذا واضحاً في المرحلة الأولى، أو الانتخابات الأولية لاختيار المرشح الذي سيمثل الحزب الجمهوري، حيث استطاع ترامب هزيمة 16 مرشحاً، جميعهم يمثلون تقاليد مؤسسة الحزب المتوارثة. توقع الجميع أن يخرج ترامب من الانتخابات الأولية نظراً الى عنصريته، وسطحية خطابه السياسي، ومفرداته المبتذلة، وعدوانيته التي لم يتردد في استخدامها علناً لتخويف خصومه. لكنه تمكن وبسهولة من إخراج جميع منافسيه من حلبة الصراع بأصوات الناخبين، ومن ثم الهيمنة على المؤتمر العام للحزب الجمهوري الذي لم يجد مناصاً من المصادقة على اختياره لأن يكون مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية. حصل هذا على رغم معارضة أغلب قيادات الحزب، بل ومقاطعة كثيرين منهم للمؤتمر.

حصل لدى الحزب الديموقراطي شيء مشابه، لكن ليس مماثلاً لما حصل للحزب الجمهوري، إذ تمكن بيرني ساندرز، اليساري الاشتراكي من فرض نفسه في الانتخابات الأولية كمنافس قوي لهيلاري كلينتون على ترشيح الحزب، وحصل هذا مرة أخرى بفعل أصوات الناخبين، وتحديداً أصوات الطبقة العاملة. لكن نجاح ساندرز، وعلى العكس من ترامب، لم يصل لحد الحصول على تمثيل الحزب. لكن الشاهد هنا أن فكرة الاشتراكية فشلت فشلاً ذريعاً في المجتمع الأميركي طوال القرنين الـ19 والـ20. وتبدو الآن وكأنها تعاود المحاولة مرة أخرى. هل تنجح؟ ليس بالضرورة. الأهم من ذلك أن نجاح ساندرز اليساري في الحصول على عشرات الملايين من أصوات الناخبين جعل منه ومن تياره اليساري قوة سياسية كبيرة داخل الحزب الديموقراطي، وفرضت بأن يكون برنامج الحزب هو الأكثر يسارية في تاريخه. ولعله من الواضح بأن نجاح كل من ترامب اليميني، وساندرز اليساري يؤشر في شكل واضح بأن مؤسسة الحكم الأميركية (The Establishment) تواجه ثورة سياسية لم تعهدها من قبل. والسؤال الذي يجري تداوله الآن في الأوساط الأميركية هو: هل تفرض هذه الثورة على الحزب الديموقراطي بفعل خسارته المدوية (وهو حزب الأقليات والطبقات العاملة والمتوسطة) الجنوح نحو اليسار، مقابل جنوح الحزب الجمهوري (وهو حزب مؤسسات المال الكبيرة) بنجاحه الكبير على يد ترامب نحو اليمين؟

هنا نأتي للعامل السياسي، أو الأمر الثاني. وينبع هذا من حقيقة أن ترامب اليميني هو الذي فاز بأصوات الطبقة العاملة، وليس ساندرز اليساري. والسبب في هذا واضح. فالحزب الديموقراطي اختار هيلاري كلينتون وليس ساندرز لتمثله في السباق الرئاسي مقابل ترامب الجمهوري. ومن حيث أن كلينتون تمثل رمزاً من رموز مؤسسة الحكم التقليدية، وترامب يمثل التمرد على هذه المؤسسة، فاز هذا الأخير في السباق. وفي هذا مفارقة كبيرة لأن ترامب لا يمثل الطبقة العاملة بأي شكل من الأشكال. وإنما يمثل بحكم عمله كرجل أعمال طبقة رأس المال الكبير. لكنها مفارقة تعكس عمق التمرد الشعبي على مؤسسة الحكم التقليدية، وأن هذا التمرد يبدو وكأنه يريد التغيير بأي ثمن. اتضح هذا في فوز ترامب في ولايات مثل بنسلفانيا وويسكونسن وميتشيغان التي تصوت عادة للحزب الديموقراطي. كما يتضح في أنه كسب أصوات الهيئة الانتخابية، وليست غالبية الأصوات الشعبية التي ذهبت في الواقع لكلينتون، وذلك لأن عدد الولايات التي فاز فيها أكثر من تلك التي فازت بها كلينتون. ونظام الهيئة الانتخابية يعطي لكل ولاية عدداً من الممثلين لها في الهيئة يعادل ممثليها في مجلسي الشيوخ والنواب. وبالتالي فإن أصوات ممثلي الولاية في الهيئة تذهب للمرشح الذي يفوز فيها ولو بنسبة صغيرة. بعبارة أخرى، الناخب الأميركي في الحقيقة لا يصوت للمرشح مباشرة، وإنما لممثلي الهيئة الانتخابية التي تقرر بناء على ذلك اختيار الرئيس.

نتيجة الانتخابات الأميركية ستفرض على الأرجح، وهذا هو الاعتبار الثالث، تصادم الاجتماعي مع السياسي، أي تصادم تطلعات الطبقة العاملة في التغيير، ومعها الطبقة الوسطى، مع الحدود السياسية للرئيس الجديد باعتباره أولاً لا ينتمي لأي منهما، وثانياً لأنه اختار أن يدخل المعترك السياسي من خلال الحزب الجمهوري ومؤسسة الحكم التي يفترض أنها هدف الثورة. بدأت معالم الصدام الأولى بتراجع ترامب مباشرة بعد فوزه عن عدد من الوعود التي كان يرددها أثناء حملته الانتخابية مثل بناء جدار على الحدود مع المكسيك للحد من الهجرة، أو إلغاء برنامج الرعاية الصحية الذي يحسب للرئيس الحالي باراك أوباما، أو ترحيل المهاجرين المسلمين. لن يمضي وقت طويل قبل أن يدرك الذين أوصلوا ترامب للبيت الأبيض بأنه انتهازي استغل إحباطهم من الواقع الاقتصادي لتحقيق أهدافه السياسية على حسابهم. السؤال هل تصل أميركا إلى حال نجحت فيها الطبقات في التعبير عن إحباطها، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها؟ وهل يجد الجميع عندها أنفسهم أمام حال انسداد بين طبقات متمردة، ونظام سياسي لا يستطيع الاستجابة بسهولة لتطلعاتها؟ لن تتحقق في الغالب نبوءة كارل ماركس بأن النظام الرأسمالي سيصل حتماً إلى مرحلة تنفجر عندها تناقضات هذا النظام من الداخل. فلدى هذا النظام الكثير من المرونة والآليات والمؤسسات التي توفر تنفيسات ومخارج عدة تجنبه الانفجار. مهما يكن فإننا أمام أميركا مختلفة عما استقرت عليه بعد الحرب العالمية الثانية، أميركا في حال تحول يميل نحو اليمين لكنه لم يستقر عليه بعد.

تشبه الثورة الأميركية الربيع العربي في شيء واحد، وهو أنها حتى الآن من دون قيادة فكرية أو سياسية. لكنها تختلف عنه في أنها ثورة طبقة بعينها، وفي أنها تتم في إطار سياسي يملك القدرة على الحوار والتفاوض معها. انتهى الربيع العربي مباشرة إلى الانفجار لأن مسألة الحكم في هذه المنطقة هي مسألة صفرية، وهذا هو المأزق الذي لم تتجاوزه منذ أكثر من 1400 سنة. بدأت الثورة الأميركية بالتعبير عن نفسها من خلال آلية الانتخاب. يبدو أنها فشلت حتى الآن. لكن فشلها ليس حتمياً، وليس أبدياً. وإذا كانت تميل نحو اليمين الشعبوي، فإن هذا لن يكون لونها الوحيد. ستنافسه ألوان أخرى. انظر في الجانب الآخر، كمثال، إلى دموية المشاهد التي أطلقها النظام في سورية. ستجد فوارق أخرى تقود إلى الإرباك. ثم انظر إلى مصر. ضاق الشعب هناك ذرعاً بحكم «الإخوان»، فإذا به يجد نفسه ليس أقل ضيقاً من الحكم الذي جاء على أنقاضه. وفي كل ذلك تحل الأصفار محل البدائل والمخارج والحوارات والألوان.

اقرأ المزيد
١٣ نوفمبر ٢٠١٦
نعم.. لتخرج "النصرة" من حلب وسورية

لا يشفع لجبهة النصرة أنها تجيد مقاتلة جيش الأسد المتهالك، لأنها قضمت وقاتلت، وما زالت تقضم وتقاتل، فصائل تحسب نفسها على عدو الأسد ونظامه: الجيش السوري الحر. ولا يشهد لثورة حريةٍ أن تحتاج إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، لكي يدافع عنها أو ينصرها، وليس من الثورية في شيء سكوتها عليه، وامتناعها ماضياً وحاضراً عن منعه من التوطّن في سورية، التي خرج شعبها، قبل قرابة ستة أعوام، طالباً حريته، فركبت على حراكه لا لتحقق أمنيته، بل لتحول بينه وبينها، وتنخرط في القتال من أجل استبداد مذهبي لا يقل سوءاً عن استبداد الأسد الطائفي، وتعدّ الشعب بحكم وثني الأيدلوجيا معاد للإسلام، من حيث رسالته ومعاييره السياسية وعنفه، ورفضه تراحم الدين الحنيف، وإحلاله إرادة الجولاني محل الإرادة الإلهية، وفرض رؤيته على المؤمنين، باعتبارها القراءة الوحيدة الصحيحة للإسلام التي يتوعد المسلمين والمؤمنين بتطبيقها بالسيف.

مثل "داعش"، ليست جبهة النصرة، ولم تكن يوماً جزءاً تكوينياً من ثورة الشعب السوري التي صاغت برنامجاً لخصه مطلبان: "الحرية، والمحافظة على وحدة الشعب". لكن "النصرة" ترفض مطالبته بالحرية، وحجتها أن المخلوق ليس، ولا يمكن أن يكون حرّاً، لأنه عبد لخالقه، ولأن مطالبته بحريته كفرٌ، يضمر انفكاكه عنه. وترفض، في الوقت نفسه، اعتبار السوريين شعباً واحداً، وترى فيهم مللاً ونحلاً، معظمها مرتد أو كافر. بما أن تعايش مؤمني "النصرة" مع الكفرة محال، فإنها ستقضي عليهم، ما دام قتلهم لا يعدّ جريمة، بل هو فعل إيمانٍ، يحتسب لمرتكبيه عند الله.

بهذا البرنامج، أسهمت "النصرة" في قتل السوريات والسوريين واضطهادهم، وقوّضت ثورة الحرية بحرفها عن مسارها الملبي حاجات ورؤى أغلبية الشعب، وتصدّت للمقاتلين تحت رايتها وطرحت برنامجاً مذهبياً، لعب دوراً خطيراً في تضليل المواطنين وتشتيت قواهم، وشقّ المجتمع وقسّمه إلى كياناتٍ متناحرةٍ، ليس لغير كيانه الحق في الحياة. بدل وعد الحرية لمواطنين يتساوون في حقوقهم وواجباتهم الذي قالت به الثورة، تعدنا "النصرة" بحرب أهليةٍ مفتوحةٍ، لا تعترف بآصرة وطنية أو مجتمعية أو إنسانية في مجتمعنا، وترفض أي تنظيم قانوني لعلاقاتهم، بحجة أن القانون وضعي ومنافٍ للتدبير الإلهي، كما ترفض هويتنا الوطنية، فنحن لسنا، في نظرها، سوريين، بل مهتدين من جهة وكفرة وضالين من جهة أخرى، فأية مساواةٍ في الحقوق والواجبات يمكن أن تكون بين من اهتدى إلى سبيل الله، ومن ضلّ عنه؟

أخيراً: هل سبق لسوري أن سمع بثورة انتصرت ببرنامجين متناقضين، يدعو أحدهما إلى الحرية، وثانيهما إلى نفيها، وقتال القائلين بها، والمطالبين بدولتها، الذين يعتبرهم مرتدّين وخارجين عن الدين، يفرض واجبه الشرعي، عليه مقاتلتهم، ومنعهم من الوصول إلى أهدافهم عبر سلطةٍ جديدةٍ، تقوم على أنقاض السلطة الاستبدادية الأسدية؟

هل يجوز الدفاع عن تنظيمٍ هذه وعوده ومواقفه، والنتائج الداخلية والعربية والدولية التي ترتبت على توطّنه في بلادنا، وأدت إلى تقويته وإضعاف المقاتلين من أجل الحرية، ووحدة الشعب والمجتمع، وأغرقت الثورة في التباساتٍ أنهكتها، وكانت في غنىً عنها؟ وهل يحقّ لأحدٍ التمسّك ببقائه في حلب، حيث يشجع على القتال بين التنظيمات، تمهيدا لاحتوائها وإقامة وضع على الأرض هو طرفه الأقوى أو الوحيد، بعد أن حال نيّفاً وشهراً دون إيصال الغذاء والدواء إلى قسمها الشرقي، واتّخذه الروس والنظام ذريعةً لتدمير حلب وقتل مواطنيها؟ إذا كانت مواقف "النصرة" تتعارض إلى هذا الحد مع مصالح الثورة والشعب السوري الواحد، هل يجوز التضحية بالثورة وسورية من أجلها؟ لو كانت "النصرة" حريصةً على وطننا وشعبنا، لبادرت إلى الالتحاق بالجيش الحر، ولرفعت علم الثورة، وتخلت عن طابعها العصبوي/ الإرهابي الذي عاد إلى اليوم بضرر قاتلٍ على شعبنا وثورة الحرية.

لتخرج جبهة النصرة من حلب، ومن سورية أيضاً، لأن طريقها غير طريقنا، وأهدافها معادية لأهدافنا، ولأننا نرفض ما تتبناه من خياراتٍ وأدلجة، ولا نقبل بديلاً عن برنامجنا: الحرية للشعب السوري الواحد.

اقرأ المزيد
١٣ نوفمبر ٢٠١٦
الأسد وثقافة "النظام المُنْضَمّ"

شرحتُ لحضراتكم، في زاوية سابقة، مصطلحَ "النظام المُنْضَمّ" الذي ‏يُسْتَخْدُمُ في الجيش السوري. إنه مجموعةٌ من التدريبات ‏الصارمة التي تساعد الفتى الغرّ (المُسَاق) لتأدية الخدمة على ‏تَعَلُّم السير الجماعي، والانضباط، وطاعة القائد، وخلق آليةٍ نفسيةٍ ‏غريزيةٍ، تؤهله لتنفيذ الإيعازات المباغتة بتلقائية مُبهرة.

أرجو ألَّا يبقى تفكيرُكم، الآن، منحصراً في نطاق الخدمة العسكرية، فأنتم تعلمون أن نظام حافظ الأسد المغوار جعل أنموذجَ الحُكم في سورية هو نفسه أنموذج "النظام المنضم"، بدليل أن الشخص الذي يتسلم أيَّ منصب في البلاد سرعان ما يتقمّص شخصية الضابط العسكري، مع اعتقادٍ جازم بأن المواطنين الذين يقعون تحت إمرته إنما هم جنودٌ ينتظرون منه الإيعاز لينفذوه من دون تلكؤ، أو تردّد، أو تذمر.

من هنا، نستطيع أن نفهم ظواهر كثيرة سادت في المجتمع السوري، خلال فترتَي الأسدين الأب والوريث، منها تعيين ضباط مخابرات ذوي سجلاتٍ حافلة بالإجرام في وظائف إدارية مدنية، كوظيفة (المحافظ). والواحد من هؤلاء ينسى، في أثناء تأديته عمله، أنه محافظ، وسرعان ما يحوّل مكتبه إلى مرتع للمخبرين وكتبة التقارير الأمنية. وفي أحيانٍ كثيرة، ينزعج من مواطنٍ ما، فيخطر له أن يرفعه (فلقة)، ووقتها يتذكّر أنه لا يمتلك أدواتٍ خاصة بالتعذيب، فيتصل بأحد رؤساء فروع الأمن، ويقول له، بلغةٍ ملغزة: باعت لك هدية، أرجو أن تقبلها مني، وأن تتولاها برعايتك!

يعرف القسم الأكبر من الشعب السوري أن رفعت الأسد، مثلاً، أمضى حياته كلها في الخدمة العسكرية، وأنه اختصّ، بعد وصول شقيقه حافظ إلى السلطة، بممارسة التصرفات الوسخة والمجازر بحق السوريين. لذا، بلغتْ دهشةُ الناس حدَّها الأقصى، حينما علموا أنه عضو في اتحاد الكتاب العرب. وعلى الرغم من دهشتهم الشديدة، لم يجرؤ أحد منهم أن يسأل الدكتورَ علي عقلة عرسان، رئيس الاتحاد الأزلي، عن المؤلفات التي قدمها السيد رفعت الأسد للمكتبة العربية، حتى قُبِلَ لعضوية الاتحاد، وما إذا كانت كتبُه مستوفيةً للشروط العالمية للكِتَاب التي حددتها منظمة اليونسكو، وهي الشروط التي كان الدكتور، عبد الله أبو هيف، عضو المكاتب التنفيذية الثلاثة (الطلائع- العمال- الكتاب) يتمسّك بها، ويتحدث عنها في مقالاته الصميدعية.

وبرأيي أن سبب دهشة الناس من انتساب الدكتور رفعت الأسد إلى اتحاد الكتاب العرب، وبقائه فيه حتى سنة 2012، يأتي من أنهم لا يعلمون أن نسبة 15% من أعضاء اتحاد الكتاب العرب ضباطٌ متقاعدون من الجيش والشرطة. وقد وزّعهم الدكتور عرسان على جمعيات الشعر والقصة والمسرحية والرواية... وبالنسج على هذا المنوال، اقترح أحدُ الكتاب الساخرين على المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب إحداث جمعية خاصة بـ (كتاب التقارير الأمنية).

لا يمكن أن يُسْتَكْمَل الحديث عن الأدب والصحافة، بوصفهما مرتعاً لـ "النظام المُنْضَمّ"، بمعزل عن اسمٍ مؤثّرٍ في هذا المجال، هو سيادة العميد محمد إبراهيم العلي الذي كان قائداً لـ "الجيش الشعبي"، وكان، في الوقت نفسه، يكتب رواياتٍ لا تكفي صفةً "كبيرةً" للتعبير عنها، فهي "ضخمةٌ"، ولم يكن أحدٌ بين المثقفين السوريين ليجرؤ على الادّعاء بأنه استطاع أن يُكمل قراءة أيٍّ منها، لأنها سردية، ومسطحة، وخلوٌ من المهارات الفنية، ومملة. ومع ذلك استطاع العلي، من خلال نفوذه العسكري والسلطوي، أن ينال بها شيئاً من العالمية، فعلى أيام الاتحاد السوفييتي الصديق، تُرجمت أعماله الروائية كلها إلى الروسية، وصار يُعْرَفُ هناك بأنه الروائي السوري الأول!

ولئلا أخرج عن موضوعنا الأساسي؛ أحيطكم علماً بأنه كان بإمكان القائد العلي أن يطلب من قيادة الجيش أن تفرز بعض الكتاب الشبان لتأدية الخدمة الإلزامية في الجيش الشعبي، وهؤلاء، بعد الفرز، يساعدون سيادة اللواء بكتابة رواياته، في مقابل إعفائهم من التدريبات الشاقة التي تدخل تحت تسمية "النظام المُنْضَمّ".
فتأمل.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى