مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٥ أبريل ٢٠١٦
افتعال حرائق و تفجيرات بجانب المقامات .. الورقة المتبقية للنظام بعد لحية علوش

لم يعد بيد النظام ورقة ليماطل بها في جنيف , و يشغل مجلس الامن بها عن تنفيذ بنود القرار الدولي 2254 , الا مناطق المزارات في دمشق , فبدأ منذ يومين بتفجير سوق العصرونية , القريب من مزار السيدة رقية , و ألحقه اليوم بتفجير على مدخل منطقة السيدة زينب , ليضرب عصفوران بحجر , و ينعت المعارضة المعتدلة في جنيف ب"الارهابية" من جهة , و يجبر الناس و التجار في تلك المناطق على افراغ أكبر مساحة حول المزارات تحت ضغط الخوف لتصبح تحت قوى ميليشيات ايرانية شيعية من جهة اخرى

لم يجد "بشار الجعفري" بحنكته المعتادة , و سطحيته المعروفة , في جنيف اليوم , "محمد علوش" كبير المفاوضين للهيئة العليا, ليعلق مفاوضاته مع المعارضة على لحيته و يطالبه بحلقها , فكان افتعال الحريق و الحاقة بتصريح سريع قبيل اجتماعه مع المبعوث الأممي الى سوريا "ستيفان دي ميستورا" , هو الحل الامثل لاثبات ان المعارضة تسلك طريق"الارهاب" بعد انسحابها من جنيف و تسعى للأعمال الارهابية في اشارة منه الى حريق السيدة زينب , متبعاً مسار تمرير الوقت كعادته و لكن بمنحى آخر لاخراج المفاوضات عن مسارها , بعيداً عن بنود قرار مجلس الامن 2254

مسلسل التفجيرات و الحرائق التي قام بها النظام في الاماكن التي تعد ذات أهمية دينية و استراتيجية للشيعة في دمشق , لم يرتقي الى مستوى أفلام "هوليوود" , وبقي كما عهدنا الأسد و نظامه اقرب لأفلام "بوليوود" الهندية , ذات النهايات الهزيلة المتأرجحة , التي كشف اخراجها المنهك المتلعثم , أن النظام وراء حريق العصرونية و تفجير السيدة زينب بلا منازع

خطة ايران الأسدية التي اخذت ربما اسم "ع" أو "و" المهم أنها ليست الخطة الأخيرة , كانت بافتعال الماس الكهربائي منذ يومين في العصرونية , بجانب مقام السيدة رقية , و التي احترق على اثرها عشرات المحال التجارية لباعة بسطاء , بهدف ايجاد وسيلة لتوسيع مقام السيدة رقية بعد حرق السوق الذي يشكل حاجز لتوسيع المقام و الجامع التابع له , و ما الحريق الا بداية التوسع الشيعي بجانب الاموي و وسط دمشق "الأمويين" , لتصبح كما ترى ايران دمشق "الصفويين"

و اكلمت ايران اليوم الخطة بتنفيذ النظام لتفجير مدخل السيدة زينب , تلك الرقعة الجغرافية التي سارع التجار و الميليشيات الايرانية خلال الاشهر الاخيرة لشراء أراضي و منازل فيها , ليكون التفجير عقد بيع سيوقع عليها ملاك المنازل في هذه المنطقة , و باسعار زهيدة لتسليمها الى من ارادها دون مقاومة , و تنفيذ التوسع الشيعي بجدارة هنا أيضاً

الأحداث المتتالية خلال أيام , دليل عجز النظام و ايران لتقديم أي عثرة للمفاوضات , ناهيك أن النظام وايران و الى جانبهم روسيا أعلنوا افلاسهم السياسي و العسكري و الذي بدا واضحاً من تصريح وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" , الذي أبدا انزاعجه من واشنطن التي اعتبرها مقصرة في استخدام نفوذها على المعارضة المعتدلة و مطالبتها بالانسحاب من حلب , بحجة تدمير جبهة النصرة والتنظيم , لتصبح ساحات عاصمة الثقافة حلب ملكاً للنظام وايران مقابل توسعهم في عاصمة الحضارة "دمشق"

اللعبة ببساطة , روسيا تخلي حلب من المعارضة المعتدلة و التتنظيم يعيدها الى النظام على طبق من ذهب , وايران و النظام يفتعلان تفجير و حريق بوليودي , لتجبر أصحاب البيوت و المحال في مناطق المقامات على التخلي عنها مقابل مبالغ نقدية زهيدة و دون مقاومة , و النظام يؤمن للتنظيم طريق سالك من الضمير الى منطقة البادية ليعيد الاخير الى النظام طريق الأوتستراد الدولي و يصبح بيد النظام من جديد , لأن النظام مدرك تماما انه سيراوغ في الحل السياسي و لن يكون أمام المعارضة سوا العودة الى "حرب الشوارع" بعدياً عن أروقة الفنادق و المؤتمرات

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٦
سياسة أوباما لا تقل خطورة عن «داعش»!

منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الشهيرة، أصبحت السعودية بالنسبة إلى الإعلام الغربي موضوعاً للنقد، الصالح منه والطالح، وموضوعاً للتحامل والتشويه أيضاً. من الطبيعي أن يكون الإعلام الأميركي هو من يحمل شعلة هذا التيار. تأمل مثلاً حقيقة أن 15 من منفذي تلك الهجمات كانوا سعوديين والاستنتاجَ الذي تخرج به غالبية الكتابات الغربية بناء على هذه الحقيقة، حين تستخدمها أحياناً بشكل مباشر وأحياناً أخرى بشكل مضمر لا تخطئه عين كمؤشر على تورط السعودية حكومة وشعباً وثقافةً في ما قام به «القاعدة» في خريف 2001. وهذا حكم ثقافي جماعي مسبق على ثقافة وجماعة أخرى فيه الكثير من التحيز والتعصب الثقافي، بل والعنصري أحياناً. ومع أنه «حكم» ينتمي إلى الماضي وليس إلى الحاضر، إلا أنه يؤكد القاعدة التي تقول إن الحقائق لا تتكلم عن ذاتها من ذاتها، وإنما نحن من يجعلها تتكلم بطريقة معينة دون سواها، وضمن سياق دون غيره.

هذا عن الماضي القريب، أما عن الحاضر فهناك تراكم يتصاعد للموقف ذاته بناء على المعطيات المشوهة ذاتها. آخر مؤشرات ذلك ما حصل لخير الدين مخزومي (جاء إلى أميركا لاجئاً من العراق)، الذي تم إنزاله من الطائرة لأنه تحدث على الهاتف بالعربية قبل الإقلاع، وقال في نهاية حديثه للشخص الذي يتحدث معه كلمة «إن شاء الله» (انظر موقع «نيويورك تايمز» عدد أمس السبت).

في الحاضر أيضاً، وعلى مستوى صانع القرار السياسي، انظر كيف أصبح تنظيم «الدولة الإسلامية»، أو «داعش»، هو الهاجس الوحيد في الشرق الأوسط كله للسياسة الأميركية، ومعها دول أوروبا الغربية. بات «داعش» أخطر من ظاهرة الميليشيا، ومن الطائفية التي تتغذى عليها، ومن نظام الأسد، ومن إيران، ومن الدول الفاشلة في العراق وسورية واليمن... إلخ. لم يعد الغرب يرى إلا «داعش»، ولا يريد أن يسمع شيئاً إلا عن «داعش». ومع أن لا أحد يختلف حول ضرورة القضاء على هذا التنظيم المتوحش وأولويته، لكن السؤال المركزي الذي يتم تجاهله تماماً: ماذا بعد القضاء على «داعش»؟ ما هي الخطوة التالية لهذا الإنجاز إن قُدر له أن يتحقق؟ ماذا سنفعل أمام الميليشيات الأخرى التي تجوب المنطقة طولاً وعرضاً؟ بعض هذه الميليشيات، خصوصاً الشيعية منها، أصبح جزءاً من المؤسسة الأمنية والعسكرية في العراق وسورية ولبنان، من دون أن تتماهى مع الدولة في هذين البلدين. لا أحد يعرف الإجابة، أو حتى يلقي بالاً للتفكير فيها، لا في واشنطن ولا في أي من العواصم العربية أو الغربية، أو هكذا يبدو، ما يعني أن الحرب على «داعش» هي من دون استراتيجية واضحة. هل يمكن القضاء على «داعش» فعلاً بمثل هذا التصور المبتور؟

تجربة الحرب على «القاعدة» تؤكد عكس ذلك، فبعد حوالى ربع قرن على انطلاقته لا يزال «القاعدة» معنا، بل ظهرت معه عشرات، وربما مئات التنظيمات والميليشيات الأكثر توحشاً في كل أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا. هناك الآن حروب أهلية تعصف على الأقل بثلاث دول عربية، هي العراق وسورية واليمن، أطرافها الرئيسة هي هذه الميليشيات. واللافت أن هذه الدول لم يخرج منها «القاعدة» أصلاً. من بين أهم ما تشير إليه هذه النتيجة البائسة أن «الحرب على الإرهاب» فشلت فشلاً مدمراً. و «داعش» الذي يتم التركيز عليه حالياً خرج من رحم «القاعدة» الذي كانت «الحرب على الإرهاب» تروم القضاء عليه. بعبارة أخرى، بدلاً من القضاء عليه، انتهت هذه الحرب بنهجها وتداعياتها إلى تحويل «القاعدة» من تنظيم إلى ظاهرة إقليمية تنافس الدول، ويصل خطرها إلى قلب أوروبا نفسها. وعلى رغم ذلك، تصر واشنطن ومعها حلفاؤها الأوروبيون، على التمسك برؤيتها وبالنهج ذاته الذي انتهى إلى ما انتهى إليه.

هناك ثلاثة عوامل تفسر هذا الموقف: الأول والأهم أنه يتم تجاهل حقيقة أن الإرهاب بعد الغزو الأميركي للعراق يختلف جذرياً عن الإرهاب الذي كان يمثله «القاعدة» قبل ذلك. الطائفية حالياً، وعلى عكس ما كان عليه الأمر من قبل، هي المصدر الأساسي للإرهاب، ولا يمكن تفسيره والتعاطي معه إلا من هذا المنطلق. بهذا المعنى لا يمثل «داعش» إلا عرضاً لما هو أكبر وأخطر. يعترف الغرب بهذا، لكنه يتفادى مواجهته مباشرة تفادياً للكلفة السياسية التي يتطلبها ذلك. كيف؟ يعرف الغرب يقيناً، وأوباما تحديداً، أن الحرب الأهلية في العراق مثلاً هي حرب طائفية. ويعرف أوباماً يقيناً أيضاً أن إيران هي من يرعى الميليشيات الشيعية في هذه الحرب، وأنها هي من يوفر لها الغطاء السياسي. لكن إدارته تتفادى الحديث عن هذا الموضوع مباشرة. الأسوأ أنها تتعاون مع هذه الميليشيات بمرجعيتها الإيرانية في محاربة «داعش». وفي هذا مفارقة صارخة من ناحيتين. الأولى أنها تحارب ميليشيا (داعش) بالتعاون مع ميليشيات أخرى. وهو ما يعزز فكرة الميليشيا بدلاً من إضعافها، ليس فقط في العراق، بل خارجه أيضاً. الثانية، وهذه نتيجة للأولى، أنها بمآلاتها هذه للميليشيا، تساهم الإدارة الأميركية في إضعاف فكرة الدولة في العراق، بما يؤدي بها عملياً إلى استكمال ما بدأته إدارة بوش السابقة عندما اختارت تدمير الدولة العراقية بعد إسقاطها نظام صدام حسين. وهذا واضح الآن في أن هناك حرباً سياسية موازية تدور رحاها على أساس طائفي داخل مؤسسات «الدولة»، وأن العراق لم يعد بإمكانه نتيجة لذلك تأسيس جيش وطني، وبالتالي لا تمكنه محاربة «داعش» من دون الاستعانة بالميليشيات وبإيران. اللافت هنا أن إدارة أوباما اختارت التعايش مع هذا الواقع انطلاقاً من وهم أنه يساعد في إعادة بناء دولة وطنية جامعة تتسع لكل العراقيين. المفارقة الثالثة أن هذه الإدارة بانخراطها على هذا النحو في الأزمة العراقية تصطف عملياً مرة أخرى - بقصد أو غير قصد، لا فرق - إلى طرف ضد آخر في حرب أهلية طائفية.

العامل الثاني، أن الدول العربية، خصوصاً السعودية ومصر ودول الخليج، ومعها تركيا أيضاً، تبدو وكأنها بدورها تساير هذه السياسة الأميركية في العراق وسورية تفادياً للثمن السياسي الذي يمكن أن يترتب على معارضتها، خصوصاً بشكل علني. هل هذا ما يحصل فعلاً داخل الدوائر الدبلوماسية؟ أم أن الخلاف السعودي الأميركي، والتركي الأميركي يشي بما هو عكس ذلك؟ مهما يكن، فإن كون «داعش» بات الآن، بسبب الضغوط الأميركية، الرمز الوحيد للإرهاب، فرض على المنطقة واقعاً سياسياً ضاغطاً على الجميع. وهذا يؤشر إلى فشل إعلامي وسياسي عربي في كشف حقيقة أن «داعش» عرض لأزمة أخطر، وأن الاقتصار على التعامل مع العرض من دون جذوره وأسبابه يهدد بما هو أسوأ مما يبدو على السطح.

أخيراً نأتي إلى العامل الثالث المتمثل في دلالات السياسة الأميركية، والموقف العربي منها. فالسياسة الأميركية، وهي سياسة انكفاء في حقيقتها أكثر مما هي سياسة انخراط، تعكس تراجعاً في القوة والنفوذ الأميركيين، وهو ما يفسر هاجس خوف الإدارة من الانخراط. لكنها بمثل هذه السياسة الخرقاء تصطدم، ومعها الغرب، مع سنّة المنطقة بشكل مباشر واستفزازي، وهو ما يشكل مصدر دعم لـ «داعش» ولأي تنظيم قد يحل محله، كما حصل من قبل مع «القاعدة». وهذا أكثر وضوحاً على المسرح السوري. على الناحية الثانية تبدو المسايرة العربية لهذه السياسة محاولة لشراء الوقت تفادياً لمواجهة حال جمود سياسي سيطر على المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومن ثم فنحن أمام التقاء حال تراجع غربي مع جمود سياسي عربي كل منهما لأسبابه يخشى مواجهة واقع المنطقة وما تتطلبه هذه المواجهة من تنازلات وتضحيات. والمستفيد من ذلك حتى الآن هي القوى الطائفية المناهضة لمفهوم الدولة الوطنية ولعروبة المنطقة ولفكرة الحرية.

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٦
صناعة المعارضين في سورية

ليس مهماً بالنسبة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ولا طبعاً بالنسبة إلى رئيس وفد النظام السوري إلى مفاوضات جنيف بشار الجعفري أن ينسحب وفد الهيئة العليا للمفاوضات أو أن يبقى. هناك دائماً معارضون جاهزون في مصانع النظام، للحلول مكان هؤلاء. لافروف يرى أن انسحاب وفد الهيئة هو «خسارة» لها وحدها وليس لأي طرف آخر. أما الجعفري فيقول إن انسحاب الهيئة «ليس مشكلة كبيرة لنا»، فهي في نظره ليست الممثلة الوحيدة للمعارضة السورية. ومع تحوّل الجعفري إلى خبير نفسي، أضاف أن هيئة المفاوضات تضم «مراهقين سياسيين»، لم يدركوا الهدف من المشاركة في جنيف!

حسناً، ما هو هدف هذه المشاركة إذن؟ في نظر النظام السوري لا بد أن يكون الهدف هو إعادة إنتاج بشار الأسد، بعدما أصبح فاقد الصلاحية في نظر معظم العرب والجزء الأكبر من المجتمع الدولي. هل يمكن أن يصدق أحد أن النظام أرسل وفده إلى جنيف ليفاوض على اقتلاع رئيسه من الحكم؟ النظام موجود في جنيف لإيهام العالم أنه لا يمانع في البحث عن حلّ للأزمة، حلّ يكون وفق شروطه طبعاً. والمعارضة موجودة في جنيف بعد أن خضعت لضغوط إقليمية ودولية (أميركية وروسية وأوروبية) إضافة إلى ضغوط الأزمة الداخلية التي تفرض عليها السعي إلى حل، بالحد الذي يمكن قبوله.

سعى النظام وحلفاؤه إلى إنجاح عملية إعادة إنتاج بشار الأسد من خلال: 1- قطع الطريق على إمكان بقاء المعارضة في المفاوضات برفض الحديث في مسألة الانتقال السياسي، التي تشكل المطلب الأساسي للسوريين. ففي جولة المفاوضات الأخيرة طلب رئيس الهيئة رياض حجاب من المبعوث الدولي دي ميستورا جدولاً زمنياً للانتقال السياسي، لأن الهيئة بما تمثله من قاعدة عريضة للمعارضة لا يمكنها القبول بأقل من تخلّي الأسد عن السلطة، بعد كل الدماء التي سالت والخراب الذي حلّ بالبلد كنتيجة مباشرة لأوامره وأوامر المجموعة الأمنية المحيطة به. 2- اختراع مجموعات معارضة تعمل تحت مظلة النظام وبتوجيهات منه أو من حليفه الروسي، ولا تتمتع بأي تمثيل أو حيثية على الأرض، للايحاء بأن الهيئة العليا لا يحق لها احتكار تمثيل المعارضة. ورافقت ذلك عروض من هؤلاء «المعارضين» شملت الموافقة على حكومة موسعة أو تعيين نواب للرئيس، لقطع الطريق على مطلب إزاحة الأسد. 3- ابتزاز المجتمع الدولي والشعب السوري بمسألة الحفاظ على الهدنة، لإعطاء الانطباع بأن انفراط عقد التفاوض سيؤدي إلى انهيارها، مع أن هذه الهدنة لم تعد قائمة فعلاً، بعد أعمال القصف في حلب وغوطة دمشق وسواهما، كما أن النظام لم يلتزم خلال فترة التفاوض أياً من الشروط التي كان من الضروري أن ترافق الهدنة، وهي: إطلاق المعتقلين، رفع الحصار عن المدن، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وبالطبع يدخل ابتزاز النظام في إطار علاقة التلازم التي فرضها على السوريين، بين قتلهم أو البقاء فوق رؤوسهم: أحكمكم أو أقتلكم.

ما هو الدور الذي يلعبه المبعوث دي ميستورا، والمجتمع الدولي من ورائه، في وجه هذا التلاعب السوري بالمفاوضات؟ تقول أوساط المعارضة إنها لم تفاجأ بقرار دي ميستورا المضي في المفاوضات، بعد انسحاب وفد الهيئة العليا. لم يكن المبعوث الدولي قادراً على غير ذلك أمام الموقف الروسي الذي عبّر عنه الوزير لافروف بقوله إن الهيئة هي التي خسرت بانسحابها، وبتبنيه موقف النظام من أنها ليست الجهة الوحيدة التي تمثل المعارضة. غير أن دي ميستورا يعرف أن المفاوضات لا يمكنها أن تخرج بأي نتائج في غياب الهيئة، التي تسلمت منه، كما قال أحد أركانها، رسائل مكتوبة قال فيها المبعوث الدولي إن الهيئة هي الوفد المفاوض باسم المعارضة، كما أكد دي ميستورا أن الوفد الذي يستطيع أن يفرض الالتزام بالهدنة هو الذي يمكن اعتباره ممثلاً للمعارضة، وقد أثبتت هيئة التفاوض قدرتها على ذلك من خلال إعلان 107 فصائل ثورية وعسكرية موافقتها على الهدنة مع بدء المفاوضات الأخيرة.

الجميع يعرف من هي المعارضة الحقيقية في سورية، من يمثلها وماذا تريد تحقيقه. الجميع بمن فيهم النظام السوري. أما عمليات صناعة «معارضين» للتفاوض معهم، والحديث عن انشقاقات داخل هيئة المفاوضات، فلا تخرج عن محاولات إنكار الواقع الذي يواجهه النظام، وهي المحاولات التي ساهمت إلى حد بعيد في إطالة عمر الأزمة إلى اليوم.

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٦
بعد "البابا" الدور يأتي على "ميركل" .. هل يجب أن نقبل "الأطراف" لنحظى بـ"حقنا" !؟

لم تكن لتهدئ الأنفس قليلاً وتركن عملية قذف الاتهامات يمنة وشمالا، بعد تقبيل أحد الأطفال السوريين لقدم بابا الفتيكان، حتى نشر يوم أمس مقطعاً يظهر طفلاً آخراً يقدم على تقبيل يد المستشارة الألمانية أنجيلا ميرك، خلال زيارتها لأحد المخيمات على الحدود التركية - السورية، كي تطمئن على اتفاق الهجرة أنه يسير كما تشتهي كونها العرابة التي نظمته بين أوربا و تركيا.


لا نعرف إلى أي حد يريد العالم أن يصل إليه الشعب السوري، و إلى أي مدى يجب أن تصل إليه الكرامة السورية، وماهو المستوى الذي يجب أن تخرج عليه أجيال سوريا القادمة، هل هو بحث عن جيل و بالتالي شعب مستقبلي ذليل، لحد لن يفكر بالانتفاض مرة أخرى على حاكم يراد له أن يبقى و يورث حكمه للأجيال المنبثقة عنه مهما طالت، دون أن يجد معترضاً.


سيقود المدافعون سيلاً من الحجج بأن "ميركل" هي "ماما" السوريين على مر السنوات الماضية، و أن تركيا بيت السوريين في مواجهة "الخضوب"، و فلان هو سند السوريين في مواجهة "الأعاصير"، و .... و .... ، و آخرون سيلجؤون لنوع آخر من التهرب بقذف الشتائم، اللعنات على المشرق العربي و الجمع الإسلامي، بقياداته و شعوبه و رؤوس دينه و دنياه، لتقف عند هذا الحد ، بانتظار "طرف" آخر يطبع عليه قبلة من شفاه تشققت من شدة الشظف التي عاشته وحيدة.


و لكن ننسى في خضم تقاذف التهم و التباكي، أنفسنا نحن السوريين، في جميع مواقعنا و أماكن تواجدنا، و اذا قررنا الانكفاء و أخذ دور المتفرج و المتابع، و دون أن يكون لنا أي حضور على الأرض، و حتى إن تحقق ذلك الحضور، فيكون كـ"برستيج"، أو تصوير و نشر على المواقع كـ"ناشطين" انسانيين، مفعمي النشاط و الحب، و لكن لأنفسهم، قوائم أسماء الجمعيات و المنظمات، تكفي لإنقاذ خمسة بلدان، و لكنها عاجزة عن خدمة خمسة مخيمات عشوائية تضم بضع عشرات من الخيم.


لا مجال للدفاع عن أحد أو مهاجمة أحد، فالخطة تسير بخطى واثقة صوب أمر محدد، هو الآخر سيرفضه و يؤيده البعض الآخر، ألا و هو الكرامة السورية، التي يبدو قد أرقت و أزعجت العالم الذي رغم كل ما خطط له و دفع به لم يستطع كسرها، أو تحويلها إلى ماض لا يمكن اعادته، و لكنها لم تفارق الشعب ولا للحظة.

اقرأ المزيد
٢٣ أبريل ٢٠١٦
سوريا... لم يحن أوان التسوية

لا يحين أوان التسويات للحروب الأهلية ما دام الأطراف المحليون يرون أنفسهم قادرين على الانتصار وتحقيق غاياتهم بالوسائل العسكرية، فكم بالحري إذا ما كان هؤلاء الأطراف المعاندون لإيجاد تسوية سياسية لا يزالون يحظون بدعم إقليمي تمويلاً وسلاحاً؟ والحرب السورية ليست شواذا عن هذه القاعدة على رغم ان ثمة رغبة أميركية - روسية في "الحل السياسي" ولكن لا يبدو ان ثمة قدرة على فرض هذا "الحل" على الداخل السوري.

في مجرى هذا السياق للاحداث لا يعود مستغرباً تعثر صيغة جنيف والعودة الى الميدان في محاولة لحسم صراع أكثر تعقيداً بكثير مما تعتقد واشنطن وموسكو، فلا "التناغم" الذي دعا إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الروس كاف وحده، كي يقنع تركيا ودول الخليج العربية بأن أوان التسوية السياسية قد حان في سوريا، ولا دعوة الكرملين الى مراقبة دولية على الحدود التركية - السورية بالأمر المتاح. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تظهر الصواريخ المضادة للطائرات من طراز "اف أن - 16" على أكتاف مقاتلي المجموعات السورية المعارضة وقت إنعقاد آخر جولات جنيف.
ويمكن أن يقرأ الموقف الاقليمي المعارض للتسوية السياسية، ليس من خلال تزويد المعارضة السورية أسلحة جديدة نوعية، بل يجب التدقيق جيداً في ما قاله منسق وفد الهيئة العليا للمعارضة رياض حجاب في معرض تبريره للانسحاب من جنيف ألا وهو أن التسوية غير ممكنة مع بقاء الرئيس السوري في الحكم بأي صيغة من الصيغ، وذلك رداً على إقتراح المبعوث الاممي تعيين ثلاثة نواب للاسد من المعارضة على ان يتنازل لهم عن بعض صلاحياته.
ما تريده المعارضة السورية أو هؤلاء الأطراف الداعمون لها ولا سيما منهم الاقليميون، هو سوريا من دون الاسد. ولأن هذا هدف من المستحيل أن يتحقق من طريق المفاوضات سواء في جنيف أو في غيرها، فإن الحرب السورية لدى المعارضة وداعميها الاقليميين لم تحقق غرضها بعد.
وهنا تتبدى محدودية الضغط الأميركي - الروسي للتقيد بوقف الاعمال العدائية او للمضي في حوار جنيف. إذن هي حرب من أنواع الحروب التي لم تستنفد أغراضها بعد، على رغم كل التحذيرات من المخاطر المترتبة على إستمرارها سواء في صعود التنظيمات الارهابية أو في امتداداتها على دول الجوار وحتى على أوروبا.
لذلك لا يعود مستغرباً تعثر جنيف والعودة الى الميدان لتحسين الشروط السياسية. ولا يكفي أن تقتنع روسيا وأميركا بـ"الحل السياسي" وإنما المطلوب أن يقتنع الأطراف المحليون ورعاتهم الاقليميون بذلك أولاً.

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٦
إذا أردت القضاء على ثورة شعبية ألبسها ثوبا إسلاميا

لا شك أنكم سمعتم أبواق النظام السوري في الأيام الأولى للثورة وهي تصور المتظاهرين وكل أنواع النشاطات الثورية السلمية على أنها أعمال إرهابية إسلامية. أول من وصم الثورة السورية بالإرهاب هو إعلام النظام. ولم يكن ذلك عبثاً، بل كان بداية لتنفيذ الخطة الموضوعة لشيطنة الثورة وإلباسها ثوباً إسلامياً منذ انطلاقتها لتأليب العالم عليها. لا بل إن أجهزة المخابرات السورية دفعت ببعض عملائها إلى ارتداء ثوب ديني في مناطق كثيرة ليخطبوا أمام المتظاهرين، ويدعوا إلى إقامة نظام إسلامي في سوريا. وقد شاهدت بأم عيني أحد رجال الدين وهو يقف على شرفة إحدى البلديات ويصرخ بأعلى صوته أمام المتظاهرين داعياً إلى أسلمة البلاد. وقد تساءلت في تلك اللحظات قبل حوالي خمس سنوات: كيف تجرأ ذلك الشيخ على ذلك الفعل، دون أن أدري أنه لم يكن شيخاً بقدر ما كان عميلاً للمخابرات هدفه إلباس الثورة ثوباً دينياً يسهّل على النظام وصمه بالإرهاب والتطرف لاحقاً بسهولة فائقة ودفع الغرب إلى مواجهته بدل التعاطف مع الثورة.
وبعد أسابيع فقط سارع النظام إلى إعلان عفو عام في سوريا. وقد ظن بعض المغفلين وقتها أنه يريد أن يرطب الأجواء مع الشعب الثائر، بينما كان الهدف من العفو ليس إطلاق المساجين والمتظاهرين السلميين، بل إطلاق الإسلاميين المتشددين، وعددهم بعشرات الألوف، بحيث يؤكد النظام لاحقاً نظريته التي أطلقها بأنه لا يواجه ثورة، بل إسلاميين إرهابيين.
وحسب لبنانيين مقربين من نظام الأسد، فقد ترك النظام الورقة الإسلامية حتى المرحلة الأخيرة. كيف لا وهو ماهر جداً في التلاعب بها، فقد اعترف اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي، حسب وثائق ويكيليكس، بأن المخابرات السورية كانت قد أخبرت الاستخبارات الأمريكية بأنها قادرة على اختراق كل الجماعات الإسلامية وتسييرها حسب المُراد. وبينما كانت الثورة السورية على وشك أن تضع النظام في الزاوية، راح يركز بشكل مكثف على تضخيم الجانب الإسلامي «الإرهابي» بين قوسين في الثورة، وهو بعبع لا يضاهيه أي بعبع آخر في تخويف الداخل والخارج على حد سواء. وبينما كان الجميع يتحدث عن ثورة شعب، كان النظام وحلفاؤه يتحدثون عن جماعات إسلامية إرهابية في سوريا.
وعندما وافق النظام على التفاوض مع المعارضين في مؤتمر جنيف الأول، رفض مناقشة أي شيء باستثناء موضوع الإرهاب. وقد قال ممثله في الأمم المتحدة وقتها إن مشكلة سوريا تتمثل أولاً وأخيراً في قضية الإرهاب. ولا يمكن حل أي مسألة دون مكافحة الإرهاب أولاً. ومن الواضح أن رسالته بدأت منذ مؤتمر جنيف الأول تصل إلى العالم، وخاصة الغرب. وقد لاحظنا أن الإعلام الغربي بدأ شيئاً فشيئاً ينسى شيئاً اسمه ثورة شعب في سوريا، وراح يتحدث فقط عن جماعات إرهابية، خاصة بعد أن بدأ اسم داعش يلمع بقوة في سوريا والعراق. وقد استفاد النظام السوري كثيراً من سيطرة داعش على مدينة الرقة في سوريا وعلى الموصل في العراق، بحيث أصبحت المهمة أسهل بالنسبة له عندما يريد إقناع العالم بإسلامية الثورة.
واليوم بعد أن أنهت الثورة السورية عامها الخامس، نستطيع القول إن النظام نجح نجاحاً باهراً في إقناع العالم بأنه يواجه إرهاباً إسلامياً وليس ثورة شعبية. وقد لاحظنا منذ أشهر كيف بدأ الكبار يتحدثون سراً وعلناً عن ضرورة إشراك الجيش السوري في عملية مكافحة الإرهاب في المنطقة متناسينً كل ما فعله ذلك الجيش الفاشي بالسوريين. لقد أصبحت الجماعات الإسلامية ممثلة بداعش وغيرها الشغل الشاغل للعالم، بينما غدا النظام السوري شريكاً في مكافحة الإرهاب المزعوم. ولم يعد ينظر الإعلام الغربي إلى الرئيس السوري كمجرم تاريخي، بل كضحية للإرهاب الإسلامي، وراح يصوره شريكاً استراتيجياً في التصدي للإرهابيين الإسلاميين الذين أخذوا بدورهم يهاجمون العواصم الغربية كباريس وغيرها.
لماذا بعد خمس سنوات توجهت أنظار العالم إلى داعش والجماعات الإسلامية الأخرى ونسيت أصل البلاء؟ لماذا يركزون على تنظيمات إسلامية لم تقتل من السوريين بضع مئات، بينما قتل النظام مئات الألوف وهجّر الملايين، ودمر ثلاثة أرباع البلاد؟ أيها العالم الأعور، فلتذهب داعش وأخواتها في ستين ألف داهية، لكنها ليست أساس المشكلة السورية، فلماذا أصبح بعبع الإسلاميين الشغل الشاغل في وسائل إعلامكم، بينما تتسابق التلفزيونات الغربية على إجراء مقابلات مع بشار الأسد بهدف التلميع والترويج، مع العلم أنه رأس الكارثة في سوريا؟
لا نقول أبداً إن الثورات يجب أن لا ترفع شعارات إسلامية. لا أبداً، فمعظم الثورات العربية ضد الاستعمار قادها إسلاميون، وقد كانوا على الدوام مقاتلين صناديد أشداء في ساحات الوغى. لكن بعد أن شيطن الإعلام الغربي وحتى العربي كل ما هو إسلامي، فقد أصبحت أسهل طريقة للقضاء على أي ثورة شعبية إلباسها ثوباً إسلامياً. ما على الطواغيت إلا أن يربطوا أي حركة شعبية بالإسلام والإسلاميين، فيهرع العالم الحقير أجمع لمساعدتهم في القضاء عليها، حتى لو كانت مشروعة مائة بالمائة.

اقرأ المزيد
٢١ أبريل ٢٠١٦
نظام الأسد مستميت على قتل مبدأ «الانتقال السياسي»

ما فعله الصراع في سورية، عدا ارتكابات نظام بشار الأسد من مجازر وتدمير وتصفيات تحت التعذيب، أن استحالة الحسم العسكري فرضت خيار الحل السياسي، لكنّ حلاً كهذا يفترض وجود «قنوات» اتصال بين الطرفين، وهذه مفقودة تماماً بإرادة الطرفين، وحتى الدور الذي يمكن أن يتولاه مستقلّون متعذّر أيضاً، فهؤلاء قد يرغبون في أدائه إلا أنهم يفتقدون اعتراف النظام والمعارضة بهم كـ «وسطاء»... لذلك، استقرّ إنهاء الصراع في كنف القوى الخارجية، وهو يخضع بالضرورة لمصالحها واصطفافاتها وانحيازاتها، فيما أظهرت المراحل المتعاقبة لمحاولات الحسم، عسكرياً أو سياسياً، أن إدارة الأزمة والكلمة الفصل كانتا دائماً لدى الثنائي الأميركي - الروسي.

تسلّطت الأضواء مجدّداً على الجولة الثالثة للمفاوضات السورية في جنيف، وكان واضحاً أن أفقها مسدود، وأنها آيلة الى «التعليق» أو الانهيار. فالنظام يشارك فيها شكلياً، لأن حليفه الروسي طالبه بلعب اللعبة وحليفه الإيراني لم يمانع، لكنه أقبل على التفاوض بأطروحة مستهلكة تفيد بأن النظام قائم وباق، بل إنه أجرى انتخابات صوَرية للمرّة الثالثة طوال الأزمة، وكل ما يستطيع التنازل عنه هو بضع حقائب وزارية للمعارضة في «حكومة وحدة وطنية» لاستئاف الحكم، كأن شيئاً لم يكن، على رغم أن الرجل الباقي أيضاً على رأس النظام هو صاحب «ملف الأسد» الموثّق الذي لا يثبت إجازته الجرائم فحسب، بل يطلب التشدّد بمعاقبة مَن يقصّرون في استخدام أقسى أنواع التعذيب (وفق لجنة العدالة والمساءلة الدولية/ مجلة «نيويوركر»، وتقارير دولية عديدة). ويستند نظام الأسد الى عناصر عدة لدعم موقفه «التفاوضي»: انقلاب المقاربات الدولية من أولوية إطاحته الى أولوية محاربة الإرهاب ومواجهة تدفّق اللاجئين، تحسّن وضعه العسكري بفضل التدخل الروسي، وصلابة الدعم الإيراني. والأهم، أن المحور الأساسي للتفاهمات الأميركية - الروسية («الحفاظ على الدولة والمؤسسات») عنى دائماً ضرورة الحؤول دون انهيار النظام، على رغم عدم تردّده طوال الأزمة في تقويض تلك الدولة والمؤسسات كما في تدمير كل مقوّمات الاقتصاد.

صيغة «الحل» هذه كما عرضها الأسد في خطبه وأعاد الإيرانيون اختراعها في «مبادرة النقاط الـ4» وأيّدها الروس في كل مناسبة، كانت ولا تزال غير كافية وبالغة الانفصال عن طبيعة الأزمة. ليس هذا مشروع حل أو تسوية يعرضه «رئيس» تعلّم مما حصل، فالأسد يقترح فيه مواصلة احتقار شعبه وإخضاع البلد لمصالح حلفائه، مخيّراً المجتمع الدولي بينه وبين «داعش»، ومهدّداً بفوضى عامة في حال سقوطه أو إسقاطه، فوضى أخطر ما فيها سيكون صراع شبّيحته في ما بينهم، فضلاً عن صراعات الفصائل المعارضة نفسها. هذه الاحتمالات تجعل القوى الخارجية متردّدة حيال خيار «هيئة الحكم الانتقالي»، الذي بني أساساً على فرضيتين: الأولى، أن الأسد يريد التنحّي وسيجد في هذه «الهيئة» مخرجاً «آمناً»، والثانية أن الدعم الدولي لـ «الهيئة» سيشكّل ضغوطاً على الأسد تضطرّه للرضوخ والانكفاء... لم يتأكّد أي من الفرضيتين في أي مرحلة، لا في جنيف 2014 بعد القرار 2118 في سياق التوافق الأميركي - الروسي على تدمير الترسانة الكيماوية، ولا في جنيف 2016 بعد ذروة «التوافق» الدولي في لقاءات فيينا والقرار 2254.

ما تأكّد فعلاً، أن العجز عن الحسم العسكري كان انعكاساً للعجز عن الحسم السياسي، والعكس صحيح. ينطبق ذلك على النظام وإيران كما على المعارضة، على رغم أن الأخيرة قدّمت تنازلاً كبيراً بقبولها تقاسم «هيئة الحكم الانتقالي» مع النظام. لكنه عجزٌ ينطبق أيضاً على الولايات المتحدة وروسيا اللتين تتحكّمان بالحركة الميدانية (مع أفضلية انتزعتها روسيا لمصلحة النظام، بموافقة أميركية مشروطة)، ولا تبدوان متحكّمتين بالتحرّك نحو الحل السياسي، سواء لصعوبة توافقهما على صيغة متوازنة لهذا الحل، أو لأنهما تختلفان علناً على «مصير الأسد» وتتفقان ضمناً على ضرورة وجوده في بداية أي عملية سياسية، حتى لو لم يكن تعاونه مضموناً لتحقيق أهدافها. وعلى رغم أنهما توصّلا الى فرض هدنة «وقف العمليات العدائية»، إلا أن استثمارها سياسياً يبدو متعذّراً حتى الآن، مع افتراض أنهما مصممتان فعلاً على إنهاء الصراع، لكن ما أظهرتاه من «إرادة» لا يؤكّد ذلك.

هناك مفاوضات في جنيف لكنها بين الأميركيين والروس، ويتردّد أنهم يبحثون في صيغة لـ «الانتقال السياسي» يمكن فرضها على الطرفين، صيغة لا تتضمّن رحيل الأسد ولا تمنحه «حكومة وحدة وطنية» كما يصفها ويتوقعها إحياءً لـ «شرعيته»، ولا تلتزم حرفية «هيئة الحكم الانتقالي» بل تتجاوزها لمصلحة «حكومة جامعة» وفقاً لصياغات لقاءات فيينا. قد يدعونها «حكومة انتقالية»، لكن المهم ليس اسمها بل وظيفتها، لذلك ينكبّون على صوغ «إعلان دستوري» بمحتوى يتيح لهم الضغط على الدول الداعمة ومن ثمَّ على الطرفين. إذا اتفقت الدولتان الكبريان على هذا «الإعلان»، فإنه ينزع من الأسد ديماغوجية المحاججة بأن «دستور 2012» لا ينص على «انتقال سياسي» (وهل ينص على تشريع جرائم النظام؟)، كما أنه الطريقة الوحيدة لنقل صلاحيات الأسد الى «الحكومة» أو «هيئة الحكم» الانتقاليتين. أما هل تستطيع الدولتان فرض ما تتفقان عليه؟ فهذا سيكون موضع اختبار.

هناك آليات طرحتها موسكو، وأهمها «المجلس العسكري» المشترك بين الجيش النظامي و «الجيش الحرّ» والضباط المنشقّين الذين لم يشاركوا في القتال، وهو يشكّل عيّنة من الأفكار ذات المنحى الانتقالي الواضح، إذ يُفترض أن تكون إعادة الهيكلة محور عمله، وأن تشمل أيضاً أجهزة الأمن. لكنه غير قابل للتفعيل إلا في ظلّ حل سياسي. لكن هناك أيضاً اقتراح الـ «ثلاثة نواب للرئيس تختارهم المعارضة»، الذي وضعه ستيفان دي ميستورا أمام وفد المعارضة، مع «صلاحيات محدودة للأسد في المرحلة الانتقالية». لم يكن المبعوث الأممي يهَلْوِس أو يستخرج الاقتراح من خياله أو من اجتهادات أحد مستشاريه، كما قال، فهو يعرف أن نظام دمشق لن يمرّر له مثل هذا التعرّض لـ «مقام الرئيس». الأرجح، أن موسكو حمّلته هذا العرض كـ «بالون اختبار» يمكن أن يحدث بلبلةً في صفوف المعارضين. لكن المنحى الإغرائي المكشوف أفشل التجربة وأحبط الإيحاء بأن النظام بدأ يفكّر في «تنازلات» لا لدفع الحل السياسي وتسهيله بل لتغيير وجهته، وبالتالي لنسف فكرتَي «الانتقال السياسي» و «هيئة الحكم الانتقالي» من جذورهما.

كان الهدف من «بالون الـ3 نواب» إظهار النظام كأنه ينخرط جديّاً وإيجابياً في المفاوضات، وجعل من فكرة «حكومة وحدة وطنية» خياراً محفّزاً وجذاباً، بحيث يكون دي ميستورا وفريقه جاهزَين لطيّ صفحة «هيئة الحكم الانتقالي» وتوجيه التفاوض نحو «ما يتوافق عليه الطرفان»، وهذا في أعراف الأمم المتحدة أقوى وأعلى من بنود أي قرار دولي.

لكن طبيعة الصراع في سورية حدّدت وجهة بوصلة الشعب في شكل نهائي، فأي طرح لا يلبي مطلب «رحيل الأسد» هو بالنسبة الى المعارضة، أحزاباً وأفراداً، تجاهلٌ لشرعيتها ومشروعيتها. لذلك، أخفق «الاقتراح» الروسي في إضعاف تماسك المعارضة وزاد من تشبّثها بمطالبها، بل إنه على العكس أظهر أمرَين: الأول، أن النظام مستميت للقضاء على مبدأ «الانتقال السياسي» الذي ثُبِّت كاستحقاق سوري (ودولي) لا بدّ منه. والثاني، أن النظام وحلفاءه يعترفون بأن هذه المعارضة التي ميّزت نفسها بوضوح عن الجماعات الإرهابية، والمستعدة للتفاوض، هي التي تخوض الصراع الداخلي، وبالتالي فإن أي اتفاق سياسي في جنيف ينبغي أن يتمّ معها، خصوصاً أنها تمكّنت من فرض احترام الهدنة، وهذا ليس في متناول أي «معارضات» أخرى... لكن هذه المعارضة تعاني، في المقابل، من غياب إرادة دولية، أميركية - روسية تحديداً، لدعم جديّ ومجدٍ لمقتضيات الحل التفاوضي. بل إنها مدركة أن روسيا تدخّلت في الأساس لضربها وتصفيتها تعزيزاً لوضع الأسد ونظامه، وهذا في حدّ ذاته لا يسهّل أي حل بل يقوّضه.

اقرأ المزيد
٢١ أبريل ٢٠١٦
وعد أوباما

وكان خط أحمر قد رُسم من قبل رئيس أعظم دولة في العالم. وكان العرب، مواطنين لا حكاماً، قد صدّقوا أن حماية المدنيين أولوية، وأن القتل الممنهج لا بدّ أن يتوقف. يومها استنفرت دول المنطقة على أساس أن الموت بقذيفة أو صاروخ أو قناص مسموح أم الموت بسلاح كيماوي فتماما محظور. ومرّ أيلول وعامان ليتضح أن الخط الأحمر ما هو إلا دماء السوريين، جميعا، من هم مع حكومة الأسد ومن هم ضدها.

أذكر الأمل في عيون ذلك اللاجئ في مخيم الزعتري في الأردن. قال لي: "لن يسمح أوباما أن تباح دماؤنا ونتشرد في أصقاع الأرض، سوف يتدخل ونعود إلى ديارنا".

حتى اللحظة يقبع مئات الآلاف من اللاجئين في المخيمات، والحياة بالنسبة لهم تعود إلى الوراء.

تصوروا لو لم يحتضن بعض السوريين داعش وتنظيمات أخرى متطرفة؟ ماذا كان سيفعل الرئيس الأميركي والمجتمع الدولي؟ ربما كان اخترع ذريعة أخرى كي لا يفعل شيئاً.

تارة يقول المسؤولون الأميركيون لا بديل للأسد، وربما هنا هم محقون، فما يُسمى بالمعارضة السورية تكاد لا تُجتمع على قضية واحدة. وطورا نسمع أن التطرف الديني هو العدو الحقيقي، وهذا أيضا صحيح، فهو عدو العرب، مُسلميهم وأقلياتهم الإثنية والعرقية والدينية. ثم يُقال إن الأزمة في سوريا تدوّلت، وهو كذلك لأن تمييع القضية يُفسح الطريق للطامحين عبر الحدود بلعب الأدوار العسكرية والسياسية.

في الماضي كان أي رئيس أميركي، بالمطلَق يحاول أن يسجل هدفا ما في ملف السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فالقناعة كانت أن القضية الأم في العالم العربي هي قضية فلسطين المحتلة. في السنوات الماضية لم تعد فلسطين هي القضية الوحيدة، إذ انضم إليها مطالب الشعوب العربية بحياة أفضل وحريات وأنظمة سياسية عصرية. أصبح همّ العربي أن يعبّر عن مطالبه دون أن يُقتل أو يُسجن.

وهنا وعد أوباما وفشل، لم يسجل أي هدف في تونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق.

يوم وقف في القاهرة خطيبا، استبشر المواطن العربي خيرا، وحَلُم باستيراد مبادئ الديمقراطية والعدالة إلى مصر والخليج وبلاد فارس والهلال الخصيب. صدّق كثيرون أن شرطي العالم يملك حلولا لمشاكل المنطقة المزمنة. ظنّوا أن رجلا جلده من جلدهم يفهم مشاكل المنطقة وينهي الحروب تماما، كما قلّص من حروب أميركا وتواجدها العسكري في أفغانستان والعراق. خاطب أوباما العربي دوما وقطع وعودا كثيرة ونفّذ منها القليل.

نظرة المواطن العربي للرئيس الأميركي بين خطاب القاهرة واليوم، وقفت عند خطوط حمراء لم يلتزم بها في سوريا، يوم وعد بإيقاف حمام الدم ولم يفعل. قد يكون القرار بعدم الانغماس في وحول بلاد الشام قد جنّب العالم حربا عالمية ثالثة شرارتها سوريا. أو ربما حربا إقليمية تغرق الأردن ولبنان وتركيا والعراق في دوامة حروب لا نهاية لها. أو ربما تفادى أوباما المزيد من المجازر المدنية. سيناريوهات كثيرة منها ما نعيشه اليوم من حرب إقليمية في سوريا.

كثيرون يدركون أن الولايات المتحدة الأميركية منهمكة بقضاياها الداخلية من الاقتصاد إلى الأمن الداخلي. لكن صورة أوباما أصبحت مرادفة لصورة ناكث بالوعود، بدأت في سوريا وانتهت في صفقة شبه غامضة مع إيران. لعل وعود أوباما درس للعرب، في أن الحل هنا، والخطوط الحمراء نحن من يرسمها ونلتزم بها. حان وقت التغيير ليس للمواطن الأميركي فقط بل للعرب أيضا.

اقرأ المزيد
٢١ أبريل ٢٠١٦
أوراق دي مستورا المبعثرة

من المؤكد أن المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي مستورا لم يكن يتوقع أن تكون مهمة صناعة السلام وإنهاء الصراع الدامي والمستمر منذ أكثر من خمس سنوات في سوريا أمرا هينا وسهلا، نظرا لتعقيدات الوضع السوري ولعدم وجود رغبة حقيقية من راعي عملية السلام في الضغط باتجاه الوصول إلى حل يضمن توقف نزيف الدماء، ويفتح الطريق أمام السوريين لبدء الحياة من جديد، وعلى الرغم من أن السيد دي مستورا كان واثقا بقدرته على تقريب وجهات النظر بين المتحاورين، واستطرادا المتحاربين، إلا أنه وبلا أدنى شك أخفى في ثنايا تصريحاته المتفائلة نوعا ما الحقيقة الواضحة وضوح الشمس وهي ألا وجود لنقاط يمكن البناء عليها من أجل البدء بشكل جدي بعملية تفاوض، ولتستغرق تلك العملية ما تستغرقه من الوقت، وهو يدرك، كما يدرك المجتمع الدولي بأسره والذي لم يبخل بالقرارات الأممية التي تمهد الطريق أمامه لإنجاز مهمته، أن العقبة الرئيسية في وجه الشروع في عملية صناعة السلام تتمثل في بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا، وأن جميع التفاصيل التي يتم التفاوض حولها تظل ناقصة ولا قيمة لها، طالما أنه لم يتم الاتفاق، دوليا، على إزالة تلك العقبة، ليست للأمر علاقة بالموقف الروسي الداعم لنظام الأسد فحسب، ولكن لعدم وجود رغبة أميركية حقيقية في إنهاء هذا الملف.

وعلى الرغم من الفشل الذي منيت به جميع المباحثات السابقة، والتي تعتبر المباحثات الأخيرة أكثرها نجاحا، كونها جمعت الأطراف جميعا في مكان واحد، وإن لم يتم لقاء مباشر بينهم، فقد عمل المبعوث الأممي على حمل أوراق الطرفين ودراستها وإطلاع كل طرف على ما في جعبة الطرف الآخر، دون أي تقدم بطبيعة الحال، ولا حتى انفراج مهما كان بسيطا، الأمر الذي لم يخفه دي مستورا وهو يعلن في كل مرة أن الأمور ما زالت بحاجة إلى الوقت، وقد ذكره مؤخرا رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب وهو يعلن الانسحاب من مفاوضات جنيف بأن وقت السوريين من دم، وأنهم لم يأتوا إلى جنيف لإضاعة الوقت بالاستماع إلى محاضرات يتلوها رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، الذي لا يضيع فرصة دون أن يتهم وفد الهيئة العليا للمفاوضات بالتبعية والإرهاب، متناسيا في الوقت نفسه أن النظام الذي يمثله يخضع، وبشكل كامل، للوصاية الروسية، وهو يتحالف مع إيران التي تمثل رأس الإرهاب في المنطقة.

التلاعب بالألفاظ الذي يتقنه بشار الجعفري جعله يترجم هيئة الحكم التي نص عليها القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي إلى حكومة وحدة وطنية، ومع أن التباين واضح في المفهومين، إلا أن السيد دي مستورا لم يقف ليعلن أن المطلوب هو تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، ربما لحرصه على عدم إفشال المسار الهادئ الذي كانت تسير به المفاوضات، حسب تعبيره، إلا أنه على ما يبدو لم يحسب حساب الطرف الآخر.

وهكذا قدر لمفاوضات جنيف أن تتوقف، وعلى المبعوث الأممي السيد دي مستورا أن يعيد ترتيب أوراقه للمرة العاشرة ربما وأن يؤمل نفسه بألا يكون مصير مهمته الفشل كما حدث مع سابقيه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي وهذا الأخير تحديدا وصف عملية إحلال السلام في سوريا بالمهمة المستحيلة.

ولعل السيد دي مستورا سيكون مضطرا للعودة إلى مجلس الأمن مرة أخرى، ليعينه على إكمال عمله، إذ أن الهدنة، كما هو واضح، باتت في خبر كان، والنظام المدعوم روسيا وإيرانيا يزداد شراسة وتزداد وتيرة القصف يوما بعد يوم، فيما الكتائب المقاتلة على الأرض قد حسمت أمرها على مواصلة تصديها لمختلف أنواع الميليشيات الطائفية والتكفيرية وهي تأمل أن يأتي الدعم العسكري، عربيا هذه المرة لمواجهة التغول الإيراني، والذي تقول مؤشرات كثيرة إنه لن يتأخر عن الوصول.

اقرأ المزيد
٢٠ أبريل ٢٠١٦
مسرح جنيف أو التفاوض من أجل حل مسبق الصنع

هل من المبالغة القول إن ما نشهده اليوم بجنيف، مما أطلق عليه وصف المفاوضات بين ممثلي النظام الأسدي وممثلي المعارضة بإشراف الوسيط الأممي وبمعونة مستشاريه من النساء والرجال الذين على زعمهم المعارضة لم يحظوا بشرف التواجد ضمن الوفد الممثل لمعظم أطيافها، ليس إلا مسرحيات مُعدّة بإتقان، بعضها يعرض أمام العامة وتنقله وسائل الإعلام وبعضها أمام الخاصة ويُسرَّبُ منه ما شاء له المخرج أن يُعرف وثالثها أمام خاصة الخاصة لا يُعرف منه شيئاً إلا استنتاجاً أو بالأحرى تخميناً؟
يدرك كل من بذل جهداً بسيطاً في متابعة مجريات الحدث السوري منذ بداياته أنّ كل محاولات العثور على ما أطلق عليه منذئذ «الحل السياسي» لم تكن إلا ترويضاً على قبول ما لم يكن وما لا يمكن أن يقبل به شعب يكابد القتل اليومي والتهجير والحصار والتجويع منذ خمس سنوات من دون أن يتنازل عن حقه الأساس الذي خرج يطالب به في إسقاط النظام من أجل تحقيق الحرية والكرامة.
إسقاط النظام يعني، من دون أي مواربة أو مراوغة أو لعب بالألفاظ: إسقاط النظام الأسدي بكل رموزه وممثليه، أشخاصاً ومؤسسات؛ يعني: إسقاط نظام المصالح الفردية/الفئوية الذي أقامه الأب المؤسس من حول شخصه وأسرته وحفنة من طائفته، بعد أن جمع عصبة من الأفراد والجماعات ذوي انتماءات قومية ودينية وطائفية مختلفة، مدنية وعسكرية، وربطها إليه بمصالح أتاحها لها، فصارت من بعدُ جزءاً لا يتجزأ من هذا النظام بحيث بات دفاعها عنه هو، في الوقت نفسه، دفاعاً عن نفسها بالدرجة الأولى. لم يكن الأمر، وليس هو بأي وجه من الوجوه، عبودية بقدر ما هو تماهي أشخاص ومصالح ومصائر في نسق عصبة مصلحية، وهذا ما يفسر هذا التلاحم من حول شخص رئيس النظام ماضياً وحاضراً، وما يؤدي بالتالي، منطقياً، إلى جعل مطلب إزاحته أساساً جوهر أي عملية انتقالية لابدّ لأي حلٍّ تفاوضي يوصف بالسياسي أن يتضمنه كاملاً غير منقوص.
لكن البعض ممن يقدمون أنفسهم بوصفهم «المعارضة البناءة» ويضعون قوسين صغيرين من حول كلمة الثورة كلما تطرقوا في أحاديثهم إلى ثورة السوريين يأخذون على من تصدّوا لحمل هذا الحق والدفاع عنه أمام من ينكرونه عليهم محاولين تجسيده قولاً وفعلاً وممارسة أنهم لا يزالون يراوحون عند مطلبهم الأساس في الوقت الذي «تفوّق» فيه خصمهم على نفسه و»تطور» فصار ينطق بما يريد سادته وحُمَاتُه منه أن يقول.
كما أن البعض من القوى الإقليمية والقوى الدولية ممن لم ينظروا يوما إلى ثورة السوريين إلا بوصفها حادثاً طارئاً يمكن السيطرة عليه وتكييف مآلاته أو إعادة صنعه عملت ما بوسعها كي ترتقي بمطلب وقف القتال إلى مقام أولوية مطلقة بالنسبة إلى المطالب الأخرى بما فيها الحرية والكرامة وإسقاط النظام، ليسهل بعد ذلك الالتفاف على الجرائم المرتكبة وإعادة تأهيل مجرمي الحرب حكاماً يكتسبون الشرعية عن طريق صناديق اقتراع ما كانت يوماً أكثر من سجل استبدادهم ونفاقهم وتزويرهم والتي لم يتوقفوا يوماً عن الاستناد إليها من أجل تبرير بقائهم أو تفسير عودتهم التي يطمئنون إليها بفضل حلفائهم وحماتهم.
وكان مدخل هؤلاء وأؤلئك إلى هذا التكييف الحديث عن «مؤسسات الدولة» وضرورة المحافظة عليها؛ والإصرار على ضرورة «احترام الشرعية» التي لم يتقدّم أحد منهم لشرح معناها أو التذكير بمصدرها بله تبرير شرعيتها ذاتها! والحقيقة أن هذه «الشرعية» بالذات، التي نودي بها منذ البداية وحُكيَ عن «فقدانها» و«ضرورتها»، لم تنكرها، باستثناء الغالبية العظمى من الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية، الغالبية العظمى من الدول الكبرى أو الصغرى الفاعلة بدليل استمرار وجود النظام الأسدي ممثلاً لدولة كاملة العضوية ضمن منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها وكذلك استمرار التعاون الأمني الدولي معه سراً أو علانية. كما بقي الحديث طوال السنوات الأخيرة إما رفضاً صريحاً لموضوع رحيل رئيس النظام من قبل ممثلي النظام الأسدي وكذلك من قبل سادته الإيرانيين والروس معاً ومن ورائهم سيد البيت الأبيض الذي ما برح يكرر القول عن «فقدان الشرعية» ويفعل كل ما يعززها، وإما رفضاً ضمنياً معطوفاُ على «الشعب السوري» الذي يعود إليه أمر تقرير مصير «رئيسه»، وكأنّ أحداً لا يعلم من هو هذا «الشعب» الذي قام بانتخاب رئيس النظام عام 2014 وهو يُقتل ويُشرّدُ ويهجَّر، وكيف دُعي في الظروف ذاتها مؤخراً إلى «انتخاب ممثليه» في مجلس الشعب!
على غرار النظام الذي أتقن لعبة الشكليات في كل مجال من مجالات السياسة والحكم والدبلوماسية: الانتخابات الرئاسية والنيابية أو النقابات او الدستور المُفصَّل على مقاس سيد النظام وتبعاً لرغباته على الصعيد الداخلي، والابتزازات المالية ذات الطابع المافيوي على الصعيد الإقليمي، وكذلك ممارسة لعبة المفاوضات أيضاً بعد أن سبق له ممارستها على الصعيد الدولي، بدعم مكشوف وفعلي من حلفائه الذين صاروا اليوم سادته، يقوم هؤلاء السادة بالتعاون مع خصومه المفترضين وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية باستخدام لعبة الدلالات والشكليات ذاتها: الانتخابات، و»قرار الشعب السوري»، وسوى ذلك من الترهات التي صدعوا والحق يقال رؤوس السوريين بها، فضلاً عن رؤوس مواطنيهم.
لكن السؤال الأهم، أو إن شئنا السؤال/العذاب، يبقى: ما طبيعة هذه المفاوضات؟ وبين مَن ومَن تجري فعلاً؟ ومَنْ يُراد له أن يقوم بدور شاهد الزور؟
يُقال إن الحل بات جاهزاً. وربما كان الأدق القول إن الحل كان مقرراً سلفاً ولم يبق سوى إخراجه على نحو يبدو معه وكأنه نتيجة مفاوضات عسيرة وتنازلات متبادلة! سوف يُستعاض في صياغة هذا الحل عن بعض التعابير أو عن دلالاتها بتعابير أو دلالات أخرى. فبدلاً من «هيئة انتقالية بكامل الصلاحيات»، ستكون ثمة «حكومة انتقالية مشتركة بكامل الصلاحيات» يرأسها الأسد الذي سيقرر «الشعب السوري» مصير بقائه من عدمه. وسيكون هناك دستور تشرف على وضعه هذه الحكومة، ثم انتخابات رئاسية ونيابية.. إلخ.
يُحكى في سوريا دوماً عن «عقدة النجّار»! تلك التي تحول بينه وبين إنجاز عمله على النحو الذي يريد وبالسرعة المُلائمة. العقدة هنا كانت، ولا تزال، وستبقى «بشار الأسد» شخصاً ونظاماً. ذلك أن العناصر التي تسكت عنها المقترحات الأممية، أكان مصدرها حلفاء النظام الأسدي أم «أصدقاء» الشعب السوري، تجهل أو بالأحرى، وهو الأدق، تتجاهل طبيعة النظام التي أشرنا إليها في مستهل هذا المقال: «العصبية المصلحية، أي تلك التي تتجاوز العائلة إلى حلقات أكثر عدّة وعدداً. فكيف يمكن لنظام قوامه هذه العصبية على وجه التحديد أن يسلك سلوك نظام عقلاني قوامه النهج الديمقراطي أو المؤسساتي الذي يزعمه نهجه؟ وكيف يمكن لحلفائه وخصومه المُفترضين أن يجعلوا منه في صياغة مقبولة شكلاً مرفوضة قواماً لقمة سائغة في فم شعب عانى مرارة مذاقها خلال نيف وأربعين عاماً؟
وحدها الصياغة الواضحة البليغة تقول شيئاً ذا معنى: هيئة انتقالية بصلاحيات كاملة من دون الأسد وزمرته. لكنها ليست على جدول الأعمال.
إذ من الواضح أن الاستغباء الذي يمارسه النظام الأسدي بات قانون الجميع اليوم بجنيف: مسرح يراد أن يكون أبطاله دمىً يجسدها كلٌّ من النظام والمعارضة. من الواضح أن النظام وقد فقد على الأرض كل شيء وبات بفضل حلفائه قادراً على أن يقف على أقدامه بعض الوقت قد استحال دمية كاملة الأوصاف لا ينطق إلا بما يريد له حامله أن ينطق به. أما ممثلو المعارضة فهم يملكون حرية اختيار رهان الشعب المصيري الذي تصدّوا لتمثيله: الانتقال من الاستبداد إلى الحرية والكرامة: الخيار الوحيد.

اقرأ المزيد
٢٠ أبريل ٢٠١٦
الثوار يكسرون جيش إيران ويدفعونها للنكران

أسقط قائد الجيش الإيراني اليوم، وببضع كلمات الهالة التي أحاطت قواته النظامية التي دخلت سوريا وخرجت منكسرة.

كلمات النفي من أعلى ضابط إيراني تؤخذ بمعنى واحد فقط ألا وهو أن الأرض في سوريا ليست مؤاتيه لإيران والأهم لهيبتها.

سنوات مضت من التدخل الإيراني المتواصل والمكثف وبكافة الأشكال (تطوع، عقائدياً، مرتزقة) لم تأتي بأي أوكل أو تفيد في حرية التحرك وإعادة الأمور لنصابها وان كان لم يستطيعوا تعديل الكفة مع الثوار.

شهور ستة تحت ضغط جوي غير مسبوق منذ احتلال العراق وجحافل سارت على الأرض من كافة الأشكال والجنسيات ومدججه بسلاح أمريكي وروسي وحتى صيني إضافة إلى الخردة الإيرانية كل ذلك لم يكفل الثوار السوريين إلا سبعة بالمئة أو ثمانية على أبعد تقدير فالانهيار الذي أريد أن يحدث بمشاركة ثاني أكبر قوة في العالم وثاني أكبر قوة في المنطقة لم يحدث وان أصاب بعض الثوار بعض الوهن.

في جنيف أريد ان تكون فرصة إضافية للنظام وحلفائه ولا سيما إيران وروسيا أن يحققوا مبتغاهم ويزيدوا أوراق الضغط المستمدة من الميدان فزج بنخبة النخبة ليس من اللواء 65 (القبعات الخضر) فحسب، إنما من كافة تشكيلات الجيش الإيراني بما فيه مشاة البحرية الذين سبق وان استعرضوا قوتهم في مسرحية أسر المارينز الأمريكيين كل هذا الضغط واستحضار العتاد وحتى سحب العتاد الأمريكي من العراق عبر الميليشيات الأمريكية لم يمكن تلك الجحافل من اعتلاء تل من تلال العيس في ريف حلب.

التنصل الإيراني بعد شهور من التبجح تلاه أيام من البكاء على جثث القتلى يشير إلى أن إيران لا تريد أن تخسر ماء وجهها في تلك البقعة من الأرض وان كانت ستزج بكل طاقتها وقدرتها بغية أن تجبر الكسر الذي لحق بها.

فلا مناورات الرسول الأعظم ولا حلقات التدريب في سوريا ولا حتى استعراضات الأسلحة الخلبية في طهران ومشهد وشيراز نفعت إيران في ترهيب المنطقة وباتت اليوم أضعف من الأمس رغم مليارات النووي والتقاطر الأوربي للاستثمار فيها.

اقرأ المزيد
١٩ أبريل ٢٠١٦
في" المعرة ".. "الفراولة" اكتسبت حمرتها من دمنا و أسقطت الدم من وجوه العالم

يبدو أن عِظم المصيبة و كبر هول الفقد، حول أيدينا لخشبة عاجزة عن التعبير أو وصف ما حدث، صعدت للسماء خمسين روحاً و هناك أرواحاً أخرى معلقة بين الأرض و السماء تنزف دماً، و عشرات القلوب تفطرت و تهدمت بشكل يصعب أن تعود كما كانت .

اليوم و بلا أي موعد أو سابق تهديد، في يوم صيفي انتشرت فيه الخضروات في السوق تبحث عن الراغبين ، كان ينقص "الفراولة" لون ما حتى تكون نضرة ولامعة و شهية، فاختارت قاني الدم السوري، فبعثرت أشلائه بحثاً عن اللون المطلوب، وحصلت عليه بالفعل، بأنانية و جمود الخضروات.

يبدو المشهد أشد قسوة ما كلمات مبعثرة كما هي الأجساد التي تبعثرت فوق الخضار و اندمجت بها، وسط أصوات الباعة (الساسة) الهدنة لا تخرقوها، لا تلمسوها، لا تعطلوا على العابثين لعبهم ، فهم يمارسون حقهم و يأخذون مستحقاتهم من أرواحكم و دمائكم.

في الوقت الذي تدور فيها الرحى في جنيف، كانت رحى أخرى تواصل دورانها على أجساد السوريين ، من أخطأت منزله، لحقت به إلى السوق، فهو حق غير معترض عليه، و الشهداء أرقام لا تأثير لهم على المفاوضات التي يجب أن تستمر، ولا حتى قيمة حتى يدفع السفاح الثمن، فالحل المتفق عليه يجب أن يسر وفق ما هو مرسوم، و لو كلف الأمر مزيداً من الدم.

 من أيام كان لي لقاء مع المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات ، حول الخطة "ب" ، وعبر حينها عن الخوف من أن تكون تلك الخطة هي قتل من تبقى من سوريين، و لكن ما الذي حدث اليوم أهو قتل من تبقى بصفة كلية أو بكمية لا تؤدي إلى الـ"ما تبقى" اذا بقيت بعض الأرواح المعذبة الشبيه بالموتى.

حديث آخر حصلت عليه من كبير المفاوضين و سمعت من رئيس وفد المفاوضات و كذلك من المنسق العام و أخيراً من رئيس الائتلاف، الجميع أجمع أن المفاوضات لحفظ الدم، و التوقف أو التعليق لضمان التنفيذ، و الدخول في مرحلة الآمان.

كل هذه الوعود الحقيقة سقطت أمام أشلاء ذلك الطفل أو تلك السيدة أو هذا الرجل الذي منح "الفراولة" لونها، ليتنا كنا خضار ، كنا أُكلنا أو رُمينا.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى