مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣٠ أبريل ٢٠١٦
محرقة حلب ورهانات النظام السوري وحلفائه

الأربعاء 26 أبريل 2016 في يوم اختتام الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف 3، وبعد شهرين على “الهدنة” المفترضة، أتت غربان الموت وقصفت مستشفى القدس في شمال مدينة حلب، المدعوم من منظمة أطباء بلا حدود الدولية مما أدّى إلى مقتل 30 شخصا بينهم ثلاثة أطباء وتدمير المستشفى بشكل كامل.

في هذا السياق، اتهمت منظمة أطباء بلا حدود قوات التحالف الذي تقوده الحكومة السورية بتنفيذ هذا العمل المتعمد، أما رئيسة بعثتها في سوريا، موسكيلدا زانداكا، فوجّهت صرخة إلى أصحاب القرار قائلة “أين هو غضبكم مما يجري؟ أنتم من يتوجب عليهم إيقاف هذه المجزرة”.

لكن هذه الصرخات تشبه أصوات الصارخين وسط برية هذا العالم في القرن الحادي والعشرين، وأصحاب القرار فيه كأنهم لا يعلمون أن الوضع في مدينة حلب، كان حرجا جدا حتى قبل هذا الهجوم. فقد بقي ما يقدّر بـ250.000 شخص في أجزاء المدينة التي تسيطر عليها الجماعات المناهضة للنظام (كان عدد السكان مليونا و300 ألف شخص في 2014) وشهدوا ارتفاعا هائلا في مستويات القصف والقتال والموت خلال الأسابيع الأخيرة. ولم تبق سوى طريق واحدة مفتوحة للدخول والخروج من هذه المناطق، وفي حال تم قطعها ستصبح المدينة محاصرة بالكامل.

أشار بيان منظمة أطباء بلا حدود إلى أنه خلال الأسبوع الأخير تعرّضت عدة مرافق طبية للهجوم والتدمير في مدينة حلب وقتل خمسة من متطوعي الإنقاذ في الدفاع المدني السوري (القبعات البيضاء)، ويجدر التذكير أن عدة مستشفيات تعرضت للقصف في شمال سوريا وجنوبها منذ بداية العام 2016 ومن بينها 7 مرافق طبية مدعومة من قبل منظمة أطباء بلا حدود، قُتل خلالها ما لا يقلّ عن 42 شخصا من بينهم 16 موظفا طبيا على الأقل.

إن إلقاء الضوء على هذا الجانب المحدود جدا من الكارثة الإنسانية في سوريا، يفضح استنكاف ما يسمى المجتمع الدولي عن تحمل المسؤوليات البديهية في احترام أدنى الحقوق الإنسانية وفي مواكبة مسار سياسي مترنح، يعود ذلك بالطبع إلى إصرار النظام في دمشق على مقولة الحسم العسكري التي لم تفارقه يوما، وإلى شراكة إيران ومحورها لهذا الخيار بالتلازم مع التدخل الروسي وتداعياته. ولم يحصل كل هذا من دون الالتباس الأميركي في الشأن السوري والفشل السياسي والأخلاقي لواشنطن التي لا تتردد في ممارسة الضغوط على شركاء دوليين وإقليميين من أجل ضبط الوضع تحت سقف مصالحها وسقف ما تسميه أولوية الحرب ضد الإرهاب، وليس من أجل إنتاج حل واقعي للمعضلة السورية.

في مقالة سابقة عن “جون كيري ومعركة حلب: ميونيخ أو ساراييفو؟” (13 فبراير الماضي)، قارنت بين سابقة اتفاق ميونيخ الذي كان عارا لبعض الأوروبيين ولم يمنع الحرب مع هتلر، وبين ترتيبات لافروف – كيري التي لا تنتج إلا حربا. وتساءلت ما إذا كان مصير حلب سيشبه ما جرى في دمشق عام 1920 ونهاية ما سمي الثورة العربية الكبرى، أو إذا كان الوضع شبيها بساراييفو 1914 عشية الحرب العالمية الأولى.

اليوم مع مجزرة مستشفى القدس واستمرار مسلسل قتل الإنسانية فوق الركام السوري (بشار الأسد متعهد تدمير سوريا أعلن منذ فترة عن حجز إعادة الإعمار لكل من إيران وروسيا والصين. ووائل الحلبي رئيس وزرائه أعلن توقيع عقود مع الحكومة الروسية لإعادة إعمار سوريا بمقدار مليار دولار في لحظة إعلان البنك الدولي عن قرب نفاد احتياطي دمشق من العملات الصعبة)، نتذكر أحداثا أخرى في العالم أدّت لهز الضمير الإنساني أو تغيير مجرى المصالح والأحداث. ففي الثامن والعشرين من أغسطس 1995 قام الصرب بقصف سوق شعبي في مدينة ساراييفو (37 قتيلا و90 جريحا) وحصل ذلك بعد ثلاثة أعوام على بدء حرب البوسنة وحروب البلقان، وأسفر عن بدء تدخل حلف شمال الأطلسي ضد بلغراد والصرب بعد تردد واستنكاف، ويومها تحمل بيل كلينتون الأميركي وجاك شيراك الفرنسي وهلموت كول الألماني وجون ميجور الإنكليزي مسؤولياتهم، ووضعوا حدا للحرب عبر اتفاقيات دايتون.

بالطبع يدور التاريخ دورته ونحن لسنا أمام عالم الأحادية الأميركية كما كان في 1995، ولكننا في عالم الاضطراب الاستراتيجي وليس في عالم الأحادية الروسية.

في النزاع السوري المتضمن عدة حروب في حرب، هناك تقاسم للمسؤوليات عن الكارثة بين العديد من العوامل الداخلية والخارجية، ووجود الكثير من اللاعبين غير العقلانيين. في موازاة مسار جنيف 3 يبدو واضحا أن التأقلم الأميركي مع دور موسكو في سوريا لم يسفر عن تحكم روسيا بالملف السوري تماما، نظرا لرفض إيران وسعيها إلى إعادة تأهيل النظام السوري. وهذا ما يفسر إرسال قوات اللواء 65 من الجيش الإيراني واتخاذ قرار تصعيد معركة حلب.

يجري كل ذلك وسط إقرار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف “أن التعاون مع واشنطن ساعد على تحقيق تقدم في سوريا”. لكن هذا التعاون لم يكن فعالا في تهدئة الأمور ولجم النظام وشريكه الإيراني، اللذين استفادا من وقف الأعمال العدائية لكي يفرضا الأمر الواقع في ميادين القتال من ضواحي حلب إلى الشيخ مسكين في الجنوب.

بيد أن كل هذا الزخم في هجوم النظام ومحوره منذ أكتوبر 2015، لم يحقق الغاية المرجوة في تدمير المعارضة وإلزامها التوقيع على صك استسلام الشعب السوري أمام النظام. ومما لا شك فيه أن واشنطن التي تعتبر أن إسقاط النظام في دمشق حاليا غير وارد أو هو خط أحمر كما بالنسبة لموسكو (إذا صدقنا ما باح به لافروف أمام دبلوماسيين عرب) أسهمت على طريقتها في المعركة الروسية عبر قطع الإمداد عن المعارضة منذ أوائل 2016 ومنع مدها بأي سلاح نوعي.

ترافقت معركة حلب مع انعقاد مفاوضات جنيف 3، وعبر معركة حلب كانت الرسالة الأسدية الإيرانية لا لبس فيها وخلاصتها منع طرح مصير الأسد على طاولة المفاوضات وفرض حل متناسب مع المصالح الإيرانية والروسية. عبر تحريك قطع المدفعية نحو حلب شارك القيصر الجديد في المعركة تحت ذريعة تداخل مواقع جبهة النصرة والمعارضة. لكن وزير دفاعه، سيرجي شويغو، نطق بالكلام الصريح إذ قال إنه لا يثق بأن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد سيسمح بالحل في سوريا. والأدهى أن فلاديمير بوتين نفسه قال أمام وفد من الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية زاره أخيرا أنه “يجب إعادة القسطنطينية إلى المسيحيين كما أراد القيصر نيقولا الثاني”.

هناك إذن ما هو أبعد من سوريا والسيطرة عليها، أو من الانتقام الروسي من تركيـا أو من تصفيات حسـابات مذهبية داخل الإسلام أو من حق تقرير المصير للأكراد، إذ تحتوي معركة حلب على أبعاد كثيرة في التوازنات الإقليمية والعالمية. أرادها النظام محرقة لدفن حلم الشعب السوري وحراكه الثوري، وأرادتها أطراف أخرى ساحة لصراع الإرادات وقياس النفوذ. ماتت هناك الإنسانية، لكن حلب وكل سوريا تعاني فعليا من “شام فوبيا” عالمية. إنه الرهاب والخوف من الشام الحرة والمشرق المتحول. لكن الطفل أحمد الرحب الذي خرج حيا بعد يوم كامل من تحت أنقاض مستشفى القدس يقول عكس ذلك، ويقول إن الصراع المفتوح ينتهي بهزيمة الفاشية من كل أنواعها وبقاء سوريا.

اقرأ المزيد
٣٠ أبريل ٢٠١٦
ماذا يعني أن تدفن حياً أو توأد عائلتك أو تنتظر من لن يأتي !؟ .. في "حلب" وحدها تعلم المعنى

ماذا يعني ان تكون محاطاً بكتلة غير متناهية من الركام بحيث يكون كل هدفك البحث عن بضع حبات من الأوكسجين

لتبقى تتنفس .. ما هو شعورك عندما تقف أمام كتلة عظيمة من التراب وأنت متيقن انه تحتها موتى ولكن تُكذب نفسك
وتقول ان أطفالي لازالوا أحياء .. كيف تُعبر وأنت تقف على باب غرفة يقال عنها أنها مركز طبي تنتظر يداً سحرية
تبعد شبح الموت عن طفلك أو زوجتك أو أمك المصابة ببلاغة.

أسئلة سيطرت على عقلي وقيدت مشاعري وجمدت عيوني طوال الأيام الثمانية الماضية؛ عجزت معها عن صياغة أي
شيء يعبر عن ما يحدث في حلب أو أحلل ما هي الخطة من وراء ذلك وأي لعبة يراد لعبها هنا.

حلب كما هي العادة تشهد الجنون الأكبر والحقد أشد عماءً من قبل كل أثم وقاتل وإرهابي, فالثلاثي يضرب بأعتى قوته
وأشد قذارته وأوغل حقده هذه المحافظة (ريف ومدينة) فهي القلب النابض لسوريا وميزانها وسندها ومشعل ثورتها
منها قد ينطلق النصر وفيها قد يؤد الحلم وعليها يعول كل من كلم وثكل وفقد أن يجد العوض.

نتابع الأخبار بشكل دقيق من تصريحات وبيانات, أشد ما لاحظناه هو غضب شديد من أمريكا وتنديد عنيف من الأمم
المتحدة وحنق من المعارضة, صمت مدقع من العروبة والإسلام بشكل كامل ومريب وغريب وقد يصل
إلى مرتبة (حقير) ، فجميع ما ذكر أنفاً شريك بشكل أو آخر سواء بفعل أو بانعدام رد الفعل.

اليوم نلملم أشلاء أجساد أطفالنا ونبحث عن قطعة قماش نستر بها عورات نساءنا, وببضع قطرات ماء نسمح دم جرحانا
والكثير الكثير من الصبر اللا محدود في انتظار ناج قد تبعث له الحياة مجدداً من تحت جبال الركام التي كانت قبل الأن
أبنيه وسكان.

حلب لم تنتهي ولن تنتهي ومر عليها الكثير ويمر عليها الأشد وبقيت صامدة محافظة على نفسها والأهم محافظة على ما تبقى لنا من كرامة وحياة.

من خان حلب اليوم سيخان في الغد ومن صمت اليوم سيلحقه العار إلى أبد الأبدين
حلب السلام ولكي السلام ولأرواحك الأمان.

اقرأ المزيد
٢٩ أبريل ٢٠١٦
أوباما أشطر رؤساء أمريكا في بيع السلاح للعرب

هل تعلمون سبب الصمت الأمريكي عما يحدث في منطقتنا من حرائق وفوضى وخراب ودمار وصراعات؟ ليس صحيحاً أبداً أن الرئيس أوباما رئيس عاجز وغير حازم كما يدعي بعض المغفلين، بل هو ينفذ سياسة القوى الحقيقية التي تهيمن على الساحة الأمريكية. فكما نعلم أن الذي يدير السياسة الأمريكية فعلاً ليس الرئيس ولا حتى الكونغرس، بل شركات السلاح والأدوية والكارتيلات العملاقة واللوبيات الكبرى، فهي صاحبة الكلمة الأخيرة في تحديد مسار السياسة الأمريكية. ومن المعروف أن حتى أعضاء الكونغرس المفترض أنهم أقوى من الرئيس لا يحلمون بالوصول إلى مجلس النواب من دون دعم الشركات والكارتيلات وجماعات الضغط. وبالتالي، فهم يمثلون مصالح تلك الشركات الهائلة قبل أن يمثلوا مصالح الشعب الأمريكي الذي انتخبهم. فالناخب المالي في أمريكا أهم وأقوى بكثير من الناخب الشعبي.
وبما أن مصلحة شركات السلاح في أمريكا تكمن بالدرجة الأولى في بيع أكبر كم من الأسلحة وتحصيل مليارات الدولارات من الأرباح، فلا عجب أبداً أن صمت الرئيس الأمريكي على ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا والعراق وماطل في التخلص من داعش. ولو اندلعت نزاعات جديدة في الشرق الأوسط ستتعامل معها الإدارة الأمريكية بنفس اللامبالاة المدروسة. ليس صحيحاً أبداً أن الشرق الأوسط لم يعد مهماً بالنسبة للأمريكيين، وأنهم بدأوا يتوجهون إلى آسيا. لماذا لا نقول إن أهمية الشرق الأوسط تكمن الآن في أنه مصدر دخل مالي عظيم لشركات السلاح الأمريكية؟ فما المانع أن يستنزفوا ثروات المنطقة ببيع الأسلحة ومن ثم يعودون ليستثمروا في إعادة إعمارها؟ وهم بذلك يضربون عصفورين بحجر واحد. هكذا يفكر الأمريكان دائماً ـ بالمصالح المادية أولاً وأخيراً.
أضحك كثيراً عندما أسمع البعض يتهم الإدارة الأمريكية بالعجز وقلة الحيلة فيما يخص قضايا الشرق الأوسط في سوريا والعراق واليمن وليبيا. عندما يعثر المرء على منجم ذهب ألا يستغله حتى النهاية؟ أليست منطقتنا منجم ذهب بالنسبة لشركات السلاح الأمريكية وحتى الروسية؟ ألم يعترف الرئيس الروسي نفسه بأنه يستخدم سوريا كحقل تجارب لأسلحته الجديدة، وأنه عقد صفقات بالمليارات بعد أن أثبتت الأسلحة الروسية فعاليتها في سوريا؟ فما بالك بأمريكا التي إن لم تجد حروباً تقوم باختلاقها هنا وهناك لبيع السلاح. متى نعلم أن التراخي الأمريكي عن حل الأزمات في سوريا واليمن والعراق وليبيا ليس بسبب ضعف الرئيس الأمريكي ولا بسبب الابتعاد عن قضايا الشرق الأوسط؟ ألم يقل المستشار السابق للرئيس الأمريكي إنه سمع من أوباما حرفياً أن الأخير يفضل استعار الحريق السوري لسنوات وسنوات؟ ولا شك أن الأمريكيين لا يمانعون في استمرار مسلسل القتل والدمار والصراع في العراق واليمن وليبيا لنفس الأسباب.
هل تعلمون أن الرئيس الأمريكي أوباما الذي يعتبره البعض ضعيفاً ومتردداً باع أسلحة للشرق الأوسط أكثر من كل رؤساء أمريكا «الحازمين»؟ كيف للعرب‬ أن يطلبوا تحقيق الاستقرار في المنطقة من ‏أمريكا‬ وهي تستثمر مشاكلنا لمصالحها لتحقيق أهدافها القريبة والبعيدة، أقربها بيع ‏الأسلحة‬ بالمليارات، فقد حصدت أمريكا خلال فترة حكم ‏أوباما‬ فواتير قيمتها 48,7 مليار دولار للسعودية‬ فقط. هل تعلمون أن أمريكا باعت للسعودية أسلحة خلال فترة حكم أوباما أكثر من أي رئيس أمريكي سابق؟
هل تعلمون أن أمريكا باعت أسلحة للسعودية خلال فترة جورج بوش «الشرير» بمبلغ ستة عشر ملياراً فقط، بينما باعت في عهد أوباما «الطيب» بثلاثة أضعاف المبلغ؟ ولو قارنا فترة أوباما بفترات الرؤساء الذين سبقوه لوجدنا أنه تفوق عليهم جميعاً في بيع السلاح للمنطقة وتشجيع الصراعات. فحسب إحصائية صادرة عن وكالة التعاون العسكري والأمني الأمريكية فإن جورج بوش الأب والابن وكلينتون وريغان وكارتر وفورد ونيكسون لم يبيعوا كما باع أوباما من سلاح للعرب خلال فترة حكمه حسب إحصائيات الوكالة الأمريكية؟ ثم يأتي بعض المغفلين ليطالب أوباما بإقفال المنجم الذي ينتج له ذهباً في سوريا والعراق وليبيا واليمن. ليس صحيحاً أبداً أن أوباما يفضل بشار الأسد على المعارضة السورية. وليس صحيحاً أنه يريد بقاء النظام والأسد. لا أبداً، بل هو يريد استمرار الصراع. لهذا رفض رفضاً قاطعاً تزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات، ليس لأنه خائف على الطائرات الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية في الأجواء السورية، بل لأنه يعرف أنه إذا أعطى تلك الصواريخ لقوات المعارضة السورية فإن ذلك سينهي الصراع في سوريا، وبالتالي سيتوقف شراء السلاح؟ لا ما نع لدى أمريكا أن يستمر الصراع في اليمن لعقود وعقود طالما أنه يدر المليارات على شركات السلاح الأمريكية. وليس هناك أدنى شك أن الإدارة الأمريكية على ضوء ذلك سعيدة جداً ب»فتوحات» داعش ومغامراتها في المنطقة لأنها تدفع الجميع إلى التسلح. هل تذكرون كلام وزير الدفاع الأمريكي الأسبق الذي قال إن القضاء على داعش يتطلب أكثر من ثلاثين عاماً؟ هل من عاقل لم يفهم إلى الآن لماذا تُرِكت إيران تُلهب دول المنطقة بمليشياتها العابرة للحدود؟ إن الأمريكان يعتاشون على الحروب، وهم المُغذي لها. غالباً هُم لا يصنعون المشاكل ولكن إن حدثت، يُمسكون بأطرافها ويحلبونها حتى آخر قطرة.
ولا ننسى الهدف الأمريكي والإسرائيلي الأسمى وهو ترك الدول ‏العربية‬ تمزق نفسها بنفسها لصالح بقاء ‏إسرائيل‬ وتفوقها على محيطها.
إن طالب الاستقرار في الشرق الأوسط من أمريكا كطالب الدبس من ذنب النمس. ألا يقول المثل الانكليزي: لا تقتل الأوزة التي تبيض ذهباً؟

اقرأ المزيد
٢٩ أبريل ٢٠١٦
في "حلب" الموت و عذاباته يهينا كرامة البشرية و يلاحقان الصامتون المساندون

ماذا يعني ان تكون محاطاً بكتلة غير متناهية من الركام بحيث يكون كل هدفك البحث عن بضع حبات من الأوكسجين

لتبقى تتنفس .. ما هو شعورك عندما تقف أمام كتلة عظيمة من التراب وأنت متيقن انه تحتها موتى ولكن تُكذب نفسك

وتقول ان أطفالي لازالوا أحياء .. كيف تُعبر وأنت تقف على باب غرفة يقال عنها أنها مركز طبي تنتظر يداً سحرية

تبعد شبح الموت عن طفلك أو زوجتك أو أمك المصابة ببلاغة.

أسئلة سيطرت على عقلي وقيدت مشاعري وجمدت عيوني طوال الأيام الثمانية الماضية؛ عجزت معها عن صياغة أي

شيء يعبر عن ما يحدث في حلب أو أحلل ما هي الخطة من وراء ذلك وأي لعبة يراد لعبها هنا.

حلب كما هي العادة تشهد الجنون الأكبر والحقد أشد عماءً من قبل كل أثم وقاتل وإرهابي, فالثلاثي يضرب بأعتى قوته

وأشد قذارته وأوغل حقده هذه المحافظة (ريف ومدينة) فهي القلب النابض لسوريا وميزانها وسندها ومشعل ثورتها

منها قد ينطلق النصر وفيها قد يؤد الحلم وعليها يعول كل من كلم وثكل وفقد أن يجد العوض.

نتابع الأخبار بشكل دقيق من تصريحات وبيانات, أشد ما لاحظناه هو غضب شديد من أمريكا وتنديد عنيف من الأمم

المتحدة وحنق من المعارضة, صمت مدقع من العروبة والإسلام بشكل كامل ومريب وغريب وقد يصل

إلى مرتبة (حقير) ، فجميع ما ذكر أنفاً شريك بشكل أو آخر سواء بفعل أو بانعدام رد الفعل.

اليوم نلملم أشلاء أجساد أطفالنا ونبحث عن قطعة قماش نستر بها عورات نساءنا, وببضع قطرات ماء نسمح دم جرحانا

والكثير الكثير من الصبر اللا محدود في انتظار ناج قد تبعث له الحياة مجدداً من تحت جبال الركام التي كانت قبل الأن

أبنيه وسكان.

حلب لم تنتهي ولن تنتهي ومر عليها الكثير ويمر عليها الأشد وبقيت صامدة محافظة على نفسها والأهم محافظة على ما تبقى لنا من كرامة وحياة.

من خان حلب اليوم سيخان في الغد ومن صمت اليوم سيلحقه العار إلى أبد الأبدين

حلب السلام ولكي السلام ولأرواحك الأمان.

اقرأ المزيد
٢٨ أبريل ٢٠١٦
استنزاف إيران

المرشد الأعلى في إيران يشتكي بمرارة من أن الغرب لم يفِ بوعوده، وأن العقوبات الاقتصادية على بلاده لم ترفع رغم أنها قدمت الالتزامات المطلوبة منها بإيقاف مشروعها النووي. لا بد أن الوضع عسير على الحكومة الإيرانية حتى تجأر بالشكوى على هذا المستوى.


حظها سيّئ جدًا، فأسعار البترول لا تزال منخفضة، وبسببها وضع إيران المالي اليوم، بعد توقيع اتفاقية البرنامج النووي، هو أسوأ كثيرًا مما كان عليه مثل هذا اليوم قبل عام مضى عندما قبلت بالاتفاق المبدئي! أمر لم يخطر على بال القيادة الإيرانية التي كانت تعتقد أن رفع العقوبات سينهي أزمتها الاقتصادية.


وفي نفس الوقت حجم الانخراط الإيراني العسكري في الخارج يزداد بسبب اشتداد المعارك، وتمويلها المتعدد للأنظمة الحليفة، مثل بشار الأسد في سوريا و«حزب الله» في لبنان والجماعة الحوثية في اليمن.


إيران، خسرت، مثل بقية دول النفط المنتجة، أكثر من ستين في المائة من مدخولها المالي الرئيسي، ولم تسعفها التحويلات المالية التي استرجعت بعضها من حساباتها المجمدة في الخارج. كما أن العقود والصفقات الكثيرة التي استعجلت توقيعها مع حكومات وشركات عالمية لشراء أسلحة، وطائرات مدنية، ومشاريع للبنية التحتية، في ورطة، حيث لا يوجد تمويل لها، مما يعني أن على طهران أن تدفع المزيد من الفوائد البنكية، والغرامات عند التأخير في دفعها.


لم تهنأ الحكومة الإيرانية بفرحة الاتفاق، وهذا سبب مرارة المرشد وتعبيره عن غضبه من الغرب. وقد يكون هو نفسه غرر به عندما أقنعه فريقه المتحمس للمصالحة بأن الاتفاق سيحل مشاكل الدولة المادية، ليجد أن مداخيلها تناقصت بشكل مريع! وهذا لا ينطبق على جيرانه المنافسين له، مثل دول الخليج النفطية، لأنها تملك احتياطيات وصناديق مالية كبيرة قادرة على تمويل عجزها، والبنوك العالمية مستعدة لإقراضها عند الحاجة، أما إيران فلا تملك شيئا من هذا.


لهذا ربما على الحكومة في طهران أن تدرك أن المصالحة مع واشنطن وحدها لن تمنحها الثراء، ولا النفوذ، ولا الهيمنة. وأن تدرك، كذلك، أنه مهما ضخمت قدرات قواتها، وحرسها الثوري، لن تستطيع سد النقص في ميزانية الخبز والرز وحاجات مواطنيها الأساسية.


إيران تريد أن تفرض شروطها في كل مجال ومكان. تريد رفع أسعار النفط عالميًا دون أن تشارك في الثمن، كما فعلت في مؤتمر أوبك الأخير في الدوحة، رفضت تخفيض حصتها من الإنتاج، وطالبت دول أوبك الأخرى، مثل الخليجية، أن تخفض حصتها حتى يرتفع السعر.


تريد من مفاوضي السلام للأزمة اليمنية في الكويت أن يعطوا حليفها الحوثي أكثر مما يستحق على حساب الوضع الذي كان موجودًا قبل الانقلاب. وترفض أي تنازل في سوريا بإصرارها على الإبقاء على كل نظام دمشق، ببشار الأسد، مستخدمة ميليشياتها. تقوم بدفع حلفائها في العراق، مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى إحداث الفوضى، بتغيير الخريطة السياسية، وتعتقد أن بقية القوى سترضخ لها. وفي نفس الوقت تخطط وتقاتل من أجل تحقيق كل هذه الأهداف المكلفة وخزينتها في أسوأ وضع مالي منذ سنين.


وربما ما زاد الوضع الداخلي إحباطًا أن المرشد، والرئيس، وبقية أركان الدولة، تسابقوا مطلع هذا العام، يبشرون الشعب الإيراني، بمرحلة ازدهار سريعة، في سبيل إقناعه بأنه عندما أجبر على تحمل العقوبات الدولية عشرين عامًا أخيرًا ربح المعركة رغم أنه لم يحقق وعده بالقنبلة النووية. إنما الإيرانيون يدركون اليوم أن الحقيقة عكس ذلك، تحملوا عشرين عامًا والنتيجة صاروا أفقر مما كانوا.


بعد فشل أرباح صفقة الاتفاق النووي هل أصبحت المعادلة أوضح لراسمي السياسة ومنفذيها في طهران؟ المصالحة مع الغرب لن تفلح في حل أزمات إيران البنيوية التي تواجه الدولة ولن تعالج حاجات النظام المستعجلة. ولو كان في طهران نظام يحكم العقل والمنطق لمد يده إلى كل الجيران حتى يخرج من الأزمات، ومعظمها من فعله أو مستمرة بسببه. يمكن للمصالحة الإقليمية أن تحقق للإيرانيين وجيرانهم الخليجيين نفس الأهداف، الاستقرار والرخاء. إنما هذا المنطق عسير على أنظمة مثل إيران وكوريا الشمالية، وبالاستمرار في رفضه تزيد من ورطتها. إيران تريد أن تتوسع وتهيمن وهي لا تجد ما يكفي لإطعام شعبها.

اقرأ المزيد
٢٨ أبريل ٢٠١٦
سوريا وجناية أوباما

دخل باراك أوباما إلى البيت الأبيض يحمل جائزة نوبل للسلام، ويستعد لمغادرته، وهو يتحمل مسؤولية الجزء الأكبر من الهولوكوست السوري، بعد أن أمعن طيلة 5 سنوات في افتعال المبررات لقراراته بعدم مساعدة الشعب السوري في التخلص من بشار الأسد، وتعمده تعطيل المنظومة العربية والإقليمية والأوروبية، التي توافقت على ضرورة إنهاء المأساة السورية، ورحيل النظام منذ انطلاق ثورة الشعب السوري. وعندما فشل التدخل الإيراني في حماية الأسد، عبر عشرات الآلاف من الميليشيات الطائفية، التي أرسلتها طهران إلى سوريا من دون أي اعتراض جدي من ساكن البيت الأبيض، وجد باراك أوباما في التدخل الروسي ضالته، فاستغله لعله يتمكن من خلاله من فرض منطقه للحل، الذي قام أساسا على تسوية لا غالب ولا مغلوب، وهي في جوهرها تسوية لا تنتج سوى تغيير في الشكل وليس في المضمون، بهدف الحفاظ على مهمة نظام آل الأسد، حتى ولو غابوا عن قيادته، وهي المهمة المتوافق عليها دوليًا، وتقوم على ضمان حماية أمن إسرائيل، وفي الوقت نفسه تنفيذ المهمة المستجدة بالنسبة لأوباما، وهي الحفاظ على المصالح الإيرانية في سوريا، فترك لطائرات الـ«سوخوي» أن تصيغ واقعًا ميدانيًا لصالح الأسد وميليشياته الإيرانية، في حين مارست الدبلوماسية الأميركية واحدة من أكبر سياسات التخفي خلف إصبعها، وانصاعت دون قيد أو شرط للمطالب الروسية، فتمكنت موسكو من تمرير أسوأ القرارات الدولية بشأن سوريا في مجلس الأمن بالتوافق مع واشنطن، قرارات أعطت الفرصة للمبعوث الدولي دي ميستورا من أجل محاولة الالتفاف على قرارات «جنيف 1» و«2»، وطرح تفسيرات جديدة للمرحلة الانتقالية، وهذا ما كشفت عنه الوثائق السرية المسربة أخيرًا، التي قدمها إلى مجلس الأمن منذ عدة أشهر، والتي عرفت بـ«مسودة الأطر التنفيذية لبيان جنيف»، وتنص الفقرة 51 منها على وجود مرحلة تحضيرية، يسمح فيها ضمنيًا باحتمال استمرار الأسد في ممارسة بعض المهام خلال هذه الفترة، على الرغم من أن المسؤوليات العسكرية والأمنية ستتولاها منذ البداية هيئة الحكم الانتقالي، التي رفضتها المعارضة السورية والدول الإقليمية الداعمة لها في حينها، مما دفع دي ميستورا إلى حذفها من الوثيقة المسربة، وإبقاء مصير الأسد غامضًا عبر نص جديد يذكر فيه الصلاحيات البروتوكولية للرئيس.


مؤشرات عددية شجّعت المبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا على محاولة إعادة تعويم نظام الأسد، وفي مقدمتها تيقنه بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما ليس في وارد السماح بإجراء أي تغيير فعلي في موازين القوى في الميدان السوري، بل إن تصريحاته الأخيرة في العاصمة البريطانية لندن، التي اعتبر فيها أنه من الخطأ الكبير أن تقوم أميركا وبريطانيا أو أي دولة أخرى بإرسال قوات برية من أجل الإطاحة بالأسد، ليست دليلاً على انكفاء للدور الأميركي في القيادة العالمية، بل الانتقال إلى دور المعطل المتفرج، الذي يراهن على أن الدول التي تحارب مباشرة في سوريا أو بالوكالة سوف تستنزف، وبأن الشعب السوري سيتعب، وسيتخلى في لحظة ما عن كثير من مطالبه، التي ليس لأحد رغبة في تنفيذها أو حتى السماح بحصولها. فمواقف الإدارة الأميركية الأخيرة، ورفض أوباما مجددًا تشكيل منطقة آمنة، ليست إلا ضوءًا أخضر جديدًا للأسد وداعميه للاستمرار في عمليات الإبادة، واستخدام العنف المفرط ضد المدنيين، وإشارة إلى احتمال قبول باراك أوباما بحدوث تغيير استراتيجي على الأرض لصالح الأسد، يفرض أمرًا واقعًا على المفاوضات، يخفف العبء الذي يتحمله أوباما جراء رفض المعارضة السورية المستمر القبول ببنود ورقة دي ميستورا، التي لا تنص صراحة على رحيل الأسد، في حين زاد وزير خارجيته جون كيري الطين بلة، في حديثه لصحيفة «نيويورك تايمز» منذ أيام عن أسباب انهيار الهدنة وارتفاع حدة المعارك في حلب، عندما اعتبر أن «التمييز بين الإرهابيين وقوات المعارضة على ساحة القتال غدا أكثر تعقيدًا مما توقعته الولايات المتحدة»، مشيرًا إلى أن «وجود الإرهابيين في هذه المنطقة، هو الذي دفع إلى تحريك قوات المدفعية باتجاه حلب»، فيما اكتفى أوباما بالتصرف كأنه رئيس لجمعية خيرية وليس لدولة عظمى، عندما اختزل دور واشنطن باستخدام نفوذها لإقناع روسيا وإيران بالعمل على التوسط في عملية انتقال سياسي في سوريا.


تحاول إدارة أوباما منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران حماية مصالح طهران الاستراتيجية في سوريا، وتعتمد على روسيا في رسم التوازن الدقيق بينها وبين تل أبيب، ففي إحدى زيارات المعارضة السورية إلى واشنطن، طالب وزير الخارجية الأميركي السوريين الذين التقوه سنة 2014 بتقديم ضمانات لطهران في الحفاظ على ممراتها الآمنة إلى لبنان، ويصرّ أوباما قبل رحيله عن البيت الأبيض على مقاربة للواقع السوري تريح طهران وتفرض نفسها على مواقف الرئيس الأميركي المقبل، بحيث تمنعه من سرعة التحرك أو التفلت بسهولة من تركة سلفه، فأوباما الذي واجه عدم ثقة الخليجيين بمواقفه في الرياض، لن يتخلى فيما تبقى له من أشهر في السلطة عن فرض مقاربته المستحيلة على المنطقة، وتمسكه بالأهمية الجيو - استراتيجية لبقاء النظام السوري، التي تمنع قيام نظام إقليمي عربي متماسك يعيد إيران إلى حجمها الطبيعي، لذلك تصبح معركة حلب مصيرية، وعليه، ينطبق المثل السوري: «يا رايح كتر من القبايح».

اقرأ المزيد
٢٨ أبريل ٢٠١٦
"حلب" عوضاً عن "الرقة" بلا سكان أو ثوار

تحولت مدينة حلب لمنطقة مستباحة من قبل الطيران الحربي التابع للأسد وروسيا، منذ سبعة أيام والتي تعتبر التطبيق الفعلي للاتفاق المزدوج الذي يجمع أمريكا وروسيا حول إعادة احتلال مدينة حلب من قبل الأسد وحلفائه والوصول إلى الحدود التركية مقابل استبدال قتال تنظيم الدولة في الرقة بقتالهم في حلب.

مفاعيل الاتفاق ظهرت في عتاب وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف"، لأمريكا منذ أيام لعدم استخدامها سلطتها في الضغط على المعارضة المعتدلة للخروج من حلب، بحجة ضرب النصرة وتنظيم الدولة، أو بالمختصر "الإرهاب" حسب مزاعم روسيا، رد بتناغم مبطن المبعوث الأمريكي إلى سوريا "مايكل راتني"، في بيان صدار عنه عبر فيه عن وجوب إخلاء الثوار لحلب بقوله "يتعين على الشعب السوري وفصائل الثورة أن يستمروا في رفضهم للإرهاب في كافة أشكاله وينأوا بأنفسهم عن الإرهابيين إلى أقصى درجة ممكنة".

إخلاء حلب ليس مجرد طرح سياسي، لمقاتلة تنظيم الدولة والنصرة، فحلب رغم أنها تحولت لمجرد أنقاض بعد معارك طاحنة من كل الجهات إلا أنها تمثل مركزاً استراتيجياً لروسيا أولا، فحلب ثاني أهم مدينة بعد دمشق، وروسيا بحاجة لعاصمة عسكرية في الجزء الشمالي من سوريا وقريبة من الحدود التركية التي تعتبرها هدفاً أساسياً في حربها ضدها، إضافة إلى حربها ضد الفصائل المعتدلة.

السيطرة على حلب ستقوي موقف الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" اقتصادياً داخل بلاده، بعد تعرضه لنقد عنيف من قبل شعبه ومعارضيه بسبب الأزمة الاقتصادية التي حلت بموسكو، بعد مشاركتها في الحرب على سوريا.

أما إيران فهي تسعى للسيطرة على حلب كطريق للوصول إلى بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب الشيعيتين، وفي مسعى لبسط سيطرتها على نبل والزهراء في ريف حلب الذي عجزت منذ 3 سنوات على إرجاعها تحت سيطرتها، وبقدرتها على الاستيلاء على هاتين المدينتين تكون قد حققت نجاح في عزل حلب عن ريفها الشمالي القريب من الحدود التركية التي تستمد منها الفصائل الثورية سلاحها إلى معظم المناطق المحررة.

و لا يخفى علينا أن النظام يسعى لهدم البنى التحتية  للفصائل المعتدلة قبل تنظيم الدولة، و هذا ما يعني أن سعيه للسيطرة على حلب ليس لمحاربة التنظيم فحسب , لأن حربه ضد التنظيم مركزه الرئيسي يكون في الشرق السوري بالرقة،  و لكن بمعاركه في حلب يستطيع أن يحقق هدفين , أولهما النصر الوهمي على التنظيم أمام المجتمع الدولي, و بالتالي تعزيز صورته و عرض قدراته أمام العالم انه القادر الوحيد حتى الآن على رعاية مصالح العالم في سوريا ضد الإرهاب , و ثانيهما التخلص من الفصائل المعتدلة في الشمال و صهرها بحجة محاربة تنظيم الدولة و النصرة في إدلب و حلب أي في الشمال السوري الحدودي لتركيا.

اقرأ المزيد
٢٧ أبريل ٢٠١٦
سوريا إلى مرحلة جديدة من الصراع

انهيار اللا-مفاوضات السورية في جنيف كان انعكاساً طبيعياً لانهيار هدنة "وقف العمليات العدائية". كانت روسيا وافقت على الهدنة بعد فشل الجولة الأولى في جنيف (مطلع شباط)، تحديداً بسبب مؤازرتها الجوية الكثيفة لقوات النظام السوري وميليشيات ايران في هجومٍ وشيك على حلب، ومع الهدنة قيل إن موسكو اعتزمت الضغط على بشار الاسد كي ينخرط في تفاوضٍ جدّي. انعقدت الجولة الثانية منتصف آذار وسط انتهاكات متفاوتة الخطورة لوقف النار، لكنها مهّدت لجولة ثالثة وصفت بأنها ستدخل صلب الموضوع: الانتقال السياسي. وبين الجولتين الاخيرتين نشطت اتصالات اميركية - روسية، سياسية واستخبارية، تحت عنوان "مصير بشار الاسد"، وفيها تذرّع الرئيس الروسي بالرفض الايراني لأي سيناريو يزيح الاسد، وبذلك كان يشير الى الاميركيين بأنهم لم يعرضوا عليه "صفقة" ويريدون رأس الاسد مجاناً.

لم يكن تدخّل بوتين في سوريا "من أجل حل سياسي" للصراع، بل للضغط على اميركا واوروبا كي ترضخا للأمر الواقع في اوكرانيا وتحرّكا ملفات الخلاف الأخرى مع روسيا. وفي سياق هذا الضغط دعم بوتين تغيير المعادلة الميدانية لمصلحة نظام الاسد، وكان سانده طوال الأزمة، واستجاب بعض رغبات الايرانيين، لكنه لا يزال يتجنّب أي تورّط يُغرق روسيا في صراع طويل قد يتحوّل حرباً استنزافيةً ويوقع خسائر في صفوف عسكرييه. في المقابل، لم يرَ أي استفزاز من الجانب الاميركي بل مزيداً من المراعاة لتشجيعه على ترجيح حل سياسي خلال الشهور المتبقية من ولاية باراك اوباما، وفي آب كحدّ زمني أقصى. لكن الخلاف استمر على امكان نجاح أي حل بوجود الاسد أو بدونه، لذا ارتؤي البحث في "اعلان دستوري" يقلّص صلاحياته. في الأثناء سرّبت موسكو عبر ستافان دو ميستورا اقتراح "ثلاثة نواب للرئيس تختارهم المعارضة" فيما كانت الهدنة تترنّح، وبالتزامن مع حركة نقل آليات وأسلحة ثقيلة روسية الى جنوب حلب ونشاط ايراني لحشد جنود من "الحرس الثوري" والميليشيات. لم يتخلّ الروس والايرانيون ونظام الاسد عن خيار "الحسم العسكري".

تحاول روسيا حالياً إبقاء المفاوضات قائمة، وتوحي بأن ثمة حلاً ممكناً بين النظام و"معارضات موسكو + القاهرة + استانة + حميميم + الأكراد" التي لم تغادر جنيف (وفد "حميميم" وصل بطائرة وفد النظام). وكلها "معارضات" مفبركة، باستثناء "معارضة القاهرة" التي تضمّ مجموعة من الشخصيات الاعتبارية التي اتخذت موقفاً وسطيّاً لكن يصعب انضواؤها في حلٍّ بوجود الاسد وزمرة القتلة المحيطين به، وبمعزلٍ عن المعارضة التي برهنت باحترامها الهدنة أنها هي الطرف الآخر الحقيقي في المعادلة. في المقابل ترى الدول الداعمة للمعارضة أن اميركا - اوباما خسرت أمام روسيا- بوتين في ادارة الأزمة، وبالتالي فإن الصراع دخل مرحلة جديدة بدأت معالمها ترتسم، خصوصاً في دمشق وغوطتها.

اقرأ المزيد
٢٧ أبريل ٢٠١٦
من يرسل الإيرانيين إلى سورية؟

لم يعد الدور الذي تلعبه إيران بقواتها و «حرسها» سراً في دعم النظام السوري. لذلك كان مفاجئاً ومصدراً لكثير من التأويل والتحليل هذا الجدل القائم بين قائد الجيش الإيراني اللواء عطاءالله صالحي وعدد آخر من ضباطه، من بينهم قائد القوات البرية، حول إرسال قوات إيرانية إلى سورية ومن المسؤول عن اتخاذ هذا القرار.

قائد الجيش نفى المسؤولية وحاول أن يفصل بين دور الجيش ودور ما سماها «أجهزة خاصة»، متجنباً الإشارة بالاسم إلى «الحرس الثوري»، المعروف بتلقي أوامره مباشرة من المرشد علي خامنئي، مثلما هو معروف الدور المهم الذي يلعبه قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني إلى جانب النظام السوري وأجهزته الأمنية.

في دولة أخرى وفي نظام سياسي آخر، كان يمكن أن يشكل إعلان قائد الجيش عدم معرفته بالجهة التي ترسل عناصر من قواته للقتال في بلد آخر، فضيحةً مدويّة، إذ إن المتعارف عليه هو أن الصلاحية الأخيرة لقرار كهذا يفترض أن تعود إلى قائد تلك القوات. غير أن الأمر ليس كذلك في إيران، ففي هذه الدولة المثقلة بكل أنواع المؤسسات، الأمنية والسياسية والاستخبارية، لم يعد هناك مجال للجدل حول هوية صاحب القرار الأخير.

ما يدعو إلى الاستغراب أن يكون قائد الجيش الإيراني اللواء عطاءالله صالحي يجهل هذه الحقيقة. وإلا لما كان خرج بتصريحه المثير، بعد الإعلان عن مقتل عدد من ضباط هذه القوات من أصحاب «القبعات الخضر» التابعين للواء 65، على جبهات القتال هناك. وأشار صالحي إلى أن تلك القوات «متطوعة» وهو لا يتحمل مسؤولية إرسالها. لكنه لم يستبعد أن يكون «جهاز خاص» هو الذي يقوم بإرسال الضباط إلى سورية بصفة «مستشارين».

ثم جاء تأكيد قائد القوات البرية في الجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان، بأن الجيش لم يرسل قوات بل «مستشارين بطلب من دمشق». لكن الأغرب كان تفسير بوردستان للسبب الذي دفع الجيش الإيراني إلى عدم إرسال وحدات مقاتلة إلى سورية، إذ قال: «لم نرسل وحدات إلى سورية لأن داعش ليس عدونا الأساسي».

في نظر متابعين للشأن الإيراني، أن هناك 3 أسباب وراء تنصل اللواء صالحي من المسؤولية عن إرسال عناصر جيشه إلى سورية: الأول هو ردة الفعل الشعبية السلبية حيال مقتل هؤلاء في المعارك، وانعكاسات ذلك على سمعة الجيش الإيراني وموقعه، في الوقت الذي يفاخر بقدراته العسكرية، وبجهوزيته للمعارك الصعبة، ما يجعل من الصعب قبول مقتل ضباطه وجنوده في مواجهات مع ما يسميها الإيرانيون «ميليشيات إرهابية».

السبب الثاني هو أن التدخل في سورية يتجاوز المهمة الدستورية الموكلة للجيش الإيراني، وفق المادة 143، التي تنص على أن «مهمة الجيش هي الدفاع عن الاستقلال والحدود والنظام الإيراني». وبالطبع، فان الحرب السورية لا تهدد نظام إيران ولا حدودها إلا إذا اعتمدت النظرية التي يتبناها «الحرس الثوري» ومعه «حزب الله» وعدد من الميليشيات العراقية المقاتلة إلى جانب النظام السوري، مثل «فيلق بدر» و «عصائب أهل الحق» وسواهما، وهي النظرية القائلة إن سقوط نظام الأسد يهدد «محور الممانعة»، وله بالتالي آثار سلبية على قوة النظام الإيراني في المنطقة كلاً.

أما السبب الثالث الذي يمكن أن يفسر تصريح قائد الجيش الإيراني، فهو تخوفه من أن تلحق العقوبات الدولية بكبار ضباط جيشه، أسوة بما حصل لقادة «الحرس الثوري»، بسبب تدخلهم في الحرب السورية.

أياً يكن التفسير، فان هذا الجدل «العسكري» الدائر في إيران حول دورها في سورية يخفي جدلاً شعبياً أوسع حول الكلفة المعنوية والمادية لهذا التدخل، غير أن هذا الجدل مكتوم الأنفاس حتى الآن، ولعل تصريح قائد الجيش الإيراني يفتح ثغرة في هذا الصمت.

اقرأ المزيد
٢٦ أبريل ٢٠١٦
بوتين إذ يأمر الأسد بما يلائم الأسد

بعد رحيل جوزيف ستالين في 1953، بدأ الشرق الأوسط يرتفع في قائمة الأولويّات السوفياتيّة، وكانت سوريّة مدخل هذا التحوّل. ففيها، قبل مصر، بدأ كسر احتكار الغرب لتسليح المنطقة، من خلال صفقة سلاح تشيكيّة وروسيّة تراءى لـ «التقدميّين» العرب أنّها تكفّر عن ذنب الصفقة التشيكيّة التي ضمنت، عام 1948، التفوّق العسكريّ للمنظّمات الصهيونيّة ضدّ الجيوش العربيّة في فلسطين. وفي سوريّة، لا في العراق ولا في السودان، تمكّن الشوعيّون، منذ أواسط الخمسينات، من إحراز موقع مؤثّر في السلطة. ومعروف أنّ الخوف منهم، فضلاً عن الخوف من تركيّا، كان من الأسباب الدافعة إلى الانضواء السوريّ في وحدة 1958 تحت جناح مصر. أمّا في 1967 فكان النظام البعثيّ في سوريّة، الذي وزّر الشيوعيّ سميح عطيّة، النظام العربيّ الأقرب إلى قلب موسكو، متقدّماً في ذلك على النظام الناصريّ، علماً أن دمشق الرسميّة، لا القاهرة، كانت الأكثر راديكاليّة حيال الصراع مع إسرائيل. وأمّا منذ 1970، فبات حافظ الأسد القائمقام الأوّل للروس في الشرق الأوسط العربيّ، يحاولون أن يوازنوا به أنور السادات الذي اتّجه بمصر غرباً، ولا يرون على يديه دماء شيوعيّة كالتي اشتهر بها بعثيّو العراق وزعيمهم صدّام حسين.

ولئن لم تخلُ علاقات موسكو ودمشق الأسديّة من بعض التوتّر، في هذه المحطّة أو تلك، فإنّ محطّات التلاقي ظلّت أكبر كثيراً، محكومةً باستراتيجيّة سمّاها حافظ الأسد بلوغ التوازن الاستراتيجيّ مع إسرائيل، وإن عنت عمليّاً أوسع استثمار في الحروب الأهليّة المشرقيّة والإمعان في إضعاف المنطقة وتفتيتها.

على العموم، كانت روسيا السوفياتيّة إلى جانب سوريّة الأسد، وإلى جانب كلّ نظام عسكريّ يقول إنّه سيحارب الدولة العبريّة فيما يحكّم المخابرات بحركات مواطنيه وسكناتهم. فهي تعرف أنّها لا تملك إلاّ السلاح والعقائد العسكريّة تصدّرها وتمدّ فوقها النفوذ الذي تبتغيه في الشرق الأوسط. أمّا في السلع المدنيّة التي يحضّ عليها الخروج من العسكرة وأنظمة الطوارئ والتعبئة، فحال الروس مثل حالنا، لا يفضله إلاّ قليلاً.

صحيح أنّ روسيا البوتينيّة ليست الاتّحاد السوفياتيّ الشيوعيّ، إلاّ أنّ السياسات الخارجيّة لموسكو حافظت على درجة بعيدة من الثبات الذي تتخلّله اختلافات ضئيلة. وهنا اندفع بوتين في دعمه النظام السوريّ أبعد ممّا اندفع أيٌّ من أسلافه السوفيات، لكنّه اندفع أيضاً في دعم الموقف الضمنيّ لنظام الأسد من الصراع مع إسرائيل، وإن خالفته الأقوال والتصريحات المنسوبة إلى الرسميّين السوريّين.

فإعلان بنيامين نتانياهو ضمّاً نهائيّاً لهضبة الجولان السوريّة المحتلّة، وسط تنسيق مع بوتين الذي فوّضه الأسد أمر السيادة السوريّة، وما يتردّد في الإعلام عن رسم «خطوط حمر» و «حصص» يريد الإسرائيليّون ألاّ يغيبوا عنها، يوحي بدور روسيّ في تقسيم سوريّة المحتمل لا يقلّ عن الدور السوفياتيّ في تقسيم فلسطين قبل سبعة عقود. وهذا ما يتجانس تماماً مع نظريّة «سوريّة المفيدة» التي يصعب إدراج الجولان فيها، خصوصاً أنّ كلفة تحريرها أكبر كثيراً من أكلاف المناطق «غير المفيدة» الأخرى. ومن باب أولى في من يتخلّى عن الجولان أن يتخلّى عن فلسطين التي سبق للنظام الأسديّ أن تخلّى عنها عدداً من المرّات لا يفوقه إلاّ عدد المرّات التي أكّد على تحريرها.

وهذا أمر واقع آخر سيأمر به بوتينُ الأسدَ ليجد في المأمور أطيب الاستعداد لأن يؤمر. و «هل يمكنني»، كما قد يقول سيادة الرئيس، «أن أقف في وجه العالم؟».

اقرأ المزيد
٢٥ أبريل ٢٠١٦
سوريا: ماذا تريد روسيا الآن؟

كان راصدو انتفاضة الشعب السوري ومآلاتها خلال السنوات الخمس الأخيرة رهينة لتجاذبين: بين حسن الظن بالمواقف الدولية، وعلى رأسها الموقف الروسي - وتاليا، الموقف الأمريكي – على أساس أنه ليس بمقدور أي دولة كبرى، مهما بلغ عمق تحالفها مع نظام تابع السكوت إلى ما لا نهاية على قمعه الإجرامي لشعبه، وبين تعامل أكثر واقعية واثق بأن روسيا، على الأقل، لن تتخلّى عن نظام آل الأسد مهما كان الثمن.

في البداية نبّه استخدام موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، بالتحالف مع الصين، لمنع اتخاذ أي قرار حازم ضد نظام بشار الأسد، بعدما اختار «التحاور» مع مطالب شعبه بالقتل والتهجير، كثيرين إلى أن لدى روسيا حسابات جمّة معقّدة في المسألة السورية. غير أن الصورة ظلت «ضبابية» بالنسبة لأولئك الذين فضّلوا قراءة موقف موسكو على أنه لا يخرج عن كونه مجرّد رسالة موجّهة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، عنوانها «نحن هنا» الغاية منها منع إهمال موسكو كما حدث في ليبيا.

كانت تلك قراءة البعض بعد «الفيتو» الروسي-الصيني الأول. إلا أن عددا متزايدا من هؤلاء أخذوا يغيّرون قراءاتهم بعد «الفيتو» المزدوج الثالث، ويتنبّهون لجديّة وعناد لا لبس فيهما في الكرملين يعبّر عنهما أسوأ تعبير وزير الخارجية سيرغي لافروف.. ومعه أبواق الإعلام الأمني الروسي في وسائل الإعلام العربية والعالمية. إذ غدا واضحا لكثيرين أن المسألة تجاوزت «التذكير» وقاربت ما هو أخطر، ولا سيما، أن موقف واشنطن الحقيقي أخذ ينكشف خطوة خطوة بالتوازي مع مسيرة «تطبيعها» النووي والسياسي مع طهران، ومسلسل تساقط «الخطوط الحمراء» سوريا.

ولم يطل الوقت حتى تأكد أن الولايات المتحدة ما عادت جزءا من مجموعة «أصدقاء سوريا» – وهذا إن كانت كذلك أصلا – بل صارت في أفضل الحالات طرفا «محايدا». ومن ثم، أضحت لقاءات لافروف مع نظيره الأمريكي جون كيري أقرب إلى جلسات انسجام وصفاء ودية منها إلى اجتماعات بحث جادّ في قضايا خلافية، على وقع المجازر والمآسي في مختلف أنحاء سوريا، ناهيك عن غرقى البحار ومعاناة نازحي اللجوء.

خلال السنوات الأخيرة، مع تخلّي باراك أوباما عن السوريين.. وتذرّعه بالتصدّي لخطر «داعش» الذي اعتبره أولوية الأولويات بالنسبة لواشنطن، لم تكتف موسكو بدعم نظام الأسد بالسلاح والذخائر والدبلوماسية في أروقة السياسة الدولية، بل نشطت على مسار ضرب المعارضة السورية الحقيقية، وضرب صدقيتها، واصطناع «معارضة» عميلة أخرجتها من تحت عباءة النظام ودهاليز استخباراته، بل وفي حالات معينة، من وزرائه وساسته والناطقين باسمه «سابقا».

وللأسف، عند هذه النقطة نجحت موسكو في استثارة حساسيات معيّنة داخل بعض الدول العربية، راهنت عليها لتستقوي بها في مؤامرتها الهادفة إلى تفجير المعارضة السورية من الداخل. وبالفعل، بوشر باصطناع «معارضة» مزيفة من أزلام النظام وعملائه بهدف تحويل أي «حوار» سياسي يتبنّاه المجتمع الدولي إلى «دردشة» يجريها نظام الأسد مع نفسه، لتنتهي بإعادة إنتاج الطغمة ذاتها.. كي تمارس دورها ذاته، ولكن بوجوه بعضها غير مستهلَك في أعقاب إحالة المستهلَكين إلى التقاعد.

لكن هذه الخطة في حدّ ذاتها ما كانت كافية، في ظل إخفاق المليشيات الإيرانية «المتعددة الجنسيات» في حسم المعارك على الأرض، واحتفاظ قوى الثورة والمعارضة بقوة الدفع والعزيمة، رغم كل التفخيخ والتفجير السياسي عبر «المعارضات المزيفة» والتفجير العسكري عبر «داعش» الذي كان – ولا يزال – يقاتل الثوار مدعوما بتواطؤ النظام.

أكثر من هذا، كان هناك قلق في أوساط بعض الأقليات الدينية والمذهبية مما تعنيه هيمنة ملالي طهران وحرسهم الثوري على سوريا، وحملة الاستحواذ الإيرانية على الأراضي في مختلف أنحاء البلاد عبر التهجير والتبادل السكاني والشراء الإغرائي والقسري والتحايلي (ومنها بيع عقارات المهجّرين).

وهكذا، تضافر عاملا «صمود الثورة» ميدانيا و«القلق الأقلياتي» – ولا سيما المسيحي – من الهيمنة الإيرانية، لإقناع موسكو بضرورة التدخل العسكري المباشر. وتيسّر لها ذلك في سبتمبر (أيلول) 2015 دون أي مشكلة بفضل «عقيدة أوباما» القائمة على الاصطفاف مع «الشيعية السياسية» على امتداد الشرق الأوسط، بمواجهة «التطرّف الإرهابي السنّي» ممثلا بـ«داعش» و«القاعدة» وإفرازهما السوري «جبهة النصرة».

اليوم تخوض روسيا وإيران الحرب الميدانية في سوريا على الأرض، بينما تواصل واشنطن التملّص من أي التزام لها مع المعارضة السورية. بل إنها تنسّق ليس فقط مع الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي (أحد الوجوه المعتدلة للشيعية السياسية على مستوى المنطقة)، بل تطلِق في العمق وعلى مستوى عال مع أكراد العراق وسوريا، مسارا يهدّد بالتعجيل بتقسيم العراق وسوريا، وربما تركيا أيضا.

واشنطن تتعامل راهنا مع سلطات إقليم «كردستان العراق» كدولة ناجزة السيادة، سياسيا وعسكريا وماليا، من دون المرور حتى بحكومة العبادي. أما بما يخصّ سوريا، فهي تتجاهل تماما التدخل الإيراني العسكري المباشر، وتتبنى التفسير الروسي لكل الوثائق والتفاهمات السياسية في جنيف، وتصمت على مساعي موسكو الحثيثة لاصطناع «معارضة» عميلة تنسف بها فعليا أي مفاوضات تنتهي بحل سياسي.

هذا الموقف الأمريكي، كما سبقت الإشارة، تفسره أبلغ تفسير «عقيدة أوباما»، لكن ما ليس أقل منه أهمية فهم «السيناريو» الروسي في ظل التفويض الفعلي الأمريكي لموسكو.

إن محوَرية التصوّرات الروسية للمنطقة تؤكدها هذه الأيام ليس فقط زيارة قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني لموسكو، وسط سكوت أمريكي تام، ولا إصرار موسكو الشديد على وجود كردي موال لها منفصل عن المعارضة في أي مفاوضات مقبلة، بل الحوارات المستمرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. أيضا.

إسرائيل لاعب أساسي في كل ما يحدث في المنطقة، وتصوّر وجود «نأي بالنفس» إسرائيلي – على الطريقة اللبنانية – عن أوضاع المنطقة وخرائطها المستقبلية وهمٌ كبير.

نعم، إسرائيل لاعب مؤثر وحاسم، ومحسوب حسابه في واشنطن وموسكو وطهران، ولا خرائط للمنطقة بغير علمها وبمعزل عن مصالحها ومطالبها.

اقرأ المزيد
٢٥ أبريل ٢٠١٦
حلب ليست مهمة .. فالسكان الجدد حماة "زينب و رقية" أولى بالرعاية و الدموع

اليوم مطلوب مننا أن نقف مشدوهي الوجه، و فاتحي الثغور، أمام هول "الإرهاب" الذي ضرب أحد الحواجز في المنطقة المحتلة في محيط دمشق، كي لا نكون مساندين و داعمي لتنظيم داعش، و بالتالي من مساندي الإرهاب.

أقف مذهولاً أمام التفجير الذي أودى بعشرات من عناصر مارسوا القتل و التعذيب و الاضطهاد بالقرب من السيدة "زينب"، لأؤيد أرواحهم "الملعونة" بغية الهروب من لعنة عدم لصق وسم "داعش" بي، و في نفس الوقت علي أن أصم آذاني و أغلق عيوني عن آهات و آلام أطفال درعا البلد و أحياء حلب التي غصت سمائها بالأرواح المتصاعدة، كي أكون مسالماً و أؤيد الحل السياسي.

نعم انه المنطق الرائج حالياً، فالمطلوب مننا أن نكون رحيمين مع القتلة جميعاً، وسفاحين بحق أنفسنا، والأهم أن نكون عبارة عن أحجار وبنادق تتوجه نحو العدو الذي يراه العالم أنه "عدو"، و لو كان عبارة عن سحابة دخان ناتجة عن نار تأتي على كل شيء حي فينا، معروفة المصدر و المجرى و الهدف.

داعش رغم قسوة إجرامها بحق الثورة، إلا أنها كانت واضحة المعالم و حظينا بتوافق مع الجميع أنها آفة لابد من ازالتها، و لكن النظام الذي انقلب بقدرة "العالم" من مصنع للإرهاب و مصدره، إلى مكافح له، و بتنا نحن في موضع مطلوب مننا أن نكون رحيمين مع النظام و عنيفين مع داعش و غداً النصرة بطبيعة الحال، بغية عدم احتسابنا بإرهابيين أو متسببي المشاكل في المستقبل.

بعد ثلاثة أيام من المجازر القاسية في حلب، يقفز وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ليقول أن حلب يجب أن تفرغ من الثوار، تمهيداً لضرب "الإرهابيين" بناء على اتفاق مع أمريكا، و أتبع ذلك بالتأكيد أن من يقف مع "الارهابين" سيحاسب حسابهم، أي اما أن تتركوا حلب للأسد، أو نرتكب الفظائع بسند و موافقة دولية.

حلب ليست ذات أهمية استراتيجية الحقيقة ، فالأهم حالياً أن نركز عن مواقع المحتلين الشيعة من إيرانيين و عراقيين و لبنانيين و من لف لفيفهم، فهم أولى بالرعاية من أطفال سوريا و نسائها و رجالاتها، فهم السكان الجدد، و هم الحكام الجدد، وما تبقى عبارة عن أوراق يجب أن تسقط عن الشجرة السورية، تمهيداً لإلباسها اللبوس الجديد "الجمهورية السوشيعية "، لتتناسب مع المفاهيم المقبولة عالمياً.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى