ضمن عملية هدرجة الأفكار في الوقت بدل الضائع للحرب الدائرة في سوريا، وفي اطار البنود المشتتة من القرار 2254 القائم على تشكيل هيئة حكم انتقالي بين النظام والمعارضة، ومع الاستعداد لرسم دستور جديد، تضيع وجهة المعارضة التي تتخبط بين أمل بأن يتحول سراب الحل لحقيقة، هذا الانتظار لم يكن الأول و لن يكون الأخير، ليتمخض عنه دس قوة أحد الدول التي تدعي الصداقة لسوريا أن تمد يد العون "المتأرجح"
تصريحات وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير"، عن ربط ارسال قوات بلاده البرية لمحاربة تنظيم الدولة أو بمعنى أدق "الإرهاب"، بإرسال أمريكا لقواتها، هي دليل على ممارسة فعل المماطلة ، و تمرير الحرب الى مابعد عام 2016 ، و منح النظام فرصة ليدمر ما تبقى من سوريا بحجة محاربة الارهاب
يكاد لا يخلو تصريح من كلمة محاربة "الإرهابيين"، التهمة التي لازمت الثورة السورية، وفشل "جنيف3" أكبر دليل على أن الحل السياسي ليس الحل المرتقب، و تسليم سوريا للشعب الذي ثار لن يكون إلا بعد زرع كافة أنواع التطرف في العالم تحت سمائها، و بإحتضان دولي يداعب الوقت لا أكثر، حينها سيكون إجراء انتخابات نزيهة وسط التطرف أمر محال، وسنعود لسيناريو العراق و أفغانستان، فلا بد في وقت عربدة التطرف أن يشترك المجتمع الدولي في اختيار نظام مناسب ورئيس مخضرم على أيدي إحدى الدول الاوروبية
الأسد و حلفاؤه الإيرانيون و الروس ليسوا بسذج، فقد احتضنوا كافة أنواع المرتزقة من أفغان و باكستانيين و عراقيين و حتى لبنانيين الى جانب المرتزقة الروس، ليشكلوا حلفاً متيناً ضد من قد يشكل عليهم خطراً انقلابياً ذات يوم، وفي حال صنف أولئك المرتزقة بالإرهابيين ستتنصل ايران منهم باعتبار أنهم "متطوعين" لاقيمة لهم، و تستتبع الخطة خلق إسمٍ لزج، قادر على التوسع الجغرافي بسرعة ويحمل الوقت نفسه فكرة الصاق "الإرهاب" بـ "السنة"، فوجدت "داعش" أولا و "النصرة" ثانيا و هناك بحسب المجتمع الدولي أسماء ثالثة و رابعة مصنفة كإرهابية من الطائفة السنية، فنصف الفصائل المعتدلة من الممكن تحميلها اسم طاعون "الارهاب"
الجبير، في تصريحه الأخير، بدا أكثر تخبطاً و أشارة بوضوح إلى وجود ضبابية أمام المخطط المعاكس، و الضبابية امتدت للوقت اللازم لتحقيق الهدف، ووعد بأن الحل سيكون دون الأسد خلال مدة تتراوح بين 3 أشهر و 3 سنوات، جاعلاً كلماته مطاطية كي يوصل للمعارضة فكرة أن الحل السياسي "محال"، و ليس بيدهم خيار إلا الامداد بأسلحة "أشد فتكاً"، علها تمنحهم الوقت ريثما يتم اعتماد خطة واضحة وسط الضباب العام الذي يحيط بالدول التي تسمى أصدقاء الشعب السوري
وسط ضبابية الحل السياسي، سيكون الوقت متاحاً للاقتتالات الداخلية الطاحنة، وتصفية قيادات و انقلابات بين الفصائل المعتدلة نفسها، وبعدها سيتم اختيار الفصيل و الرئيس الأنسب للجميع إلا السوريون أنفسهم، لكن طبعاً دون الأسد، فبعد التصفيات لم يعد هناك حاجة للأسد بالتأكيد
مشهدان؛ واحد سياسي وآخر أمني عسكري، طَبَعا المشهد السوري – اللبناني نهاية الأسبوع الماضي. الأول زيارة مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي أكبر ولايتي، إلى بيروت ودمشق، والثاني عملية أمنية عسكرية تلت المجازر التي ارتكبت في حلب عبر الهبّة التي قامت بها قوى المعارضة في ريف حلب الجنوبي وأدت إلى سقوط نحو مئة بين قتيل وجريح وأسير للنظام السوري وحلفائه في بلدة خان طومان، بينهم 13 إيرانيا من الحرس الثوري رتبات وعناصر.
في إطلالته من بيروت قال مستشار السيد علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، إنّ “إيران وسوريا ستحميان محور المقاومة ومركزها الأساسي في جنوب لبنان”. مستشار زعيم محور الممانعة والمقاومة ربما لم يزل معتقدا أنّ الجمهور الذي يستمع إليه لا يزال مقتنعا بأن السياسة الإيرانية منهمكة بكيفية تحرير فلسطين، بينما يشاهد هؤلاء كيف يجاهد الحرس الثوري والميليشيات الشيعية التابعة له من أجل تخليص سوريا، ولا سيما مدينة حلب، من “الإرهابيين”.
المهم في زيارة ولايتي إلى بيروت ودمشق ولقائه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس بشار الأسد، أنها تأتي في سياق تأكيد إيران التزامها دعم حزب الله، لا سيما في ظل العقوبات المالية التي طالته ولا تزال، خاصة من قبل وزارة الخزانة الأميركية، في موازاة استمرار الانفتاح بين الإدارة الأميركية والحكومة الإيرانية. كما أنها الزيارة الأولى لمسؤول إيراني بعد الانتكاسة العسكرية لحزب الله في تلة العيس جنوب حلب في شهر أبريل الماضي، وسط تساؤلات متنامية في بيئة حزب الله وشكوك حول الموقف الروسي في الميدان، وتساءل عن طبيعة العلاقة والتحالف بين إيران وروسيا في الشأن السوري.
مما لا شك فيه أن أفق الأزمة المفتوح في سوريا يلقي بثقله على حزب الله، الذي شكلت السنوات الخمس الماضية من تدخله في القتال السوري مجالا لاستنزاف من دون مؤشرات على وقفه، وبسبب الخسائر التي طالت نسبة عالية من كوادره ومقاتليه، وتراجع قدراته القتالية مع توسع جغرافيا القتال، اضطرت القيادة الإيرانية إلى الزجّ بمقاتلين إيرانيين في الجبهات السورية، وعـززت من حضـور لواء الفاطميين المكون من اللاجئين الأفغان، في محاولة لسدّ الثغرات التي بات حزب الله عاجزا عن ملئها.
وحين كان ولايتي يجدد دعم الأسد في دمشق ويؤكد على وقوف إيران إلى جانبه، بعد إشارة وزير الخارجية الروسي إلى أن روسيا ليست أولويتها بشار الأسد، شهد ريف حلب الجنوبي انتكاسة جديدة للنظام السوري وحلفائه، حيث سقط نحو مئة عنصر بين قتلى وجرحى وأسرى من قوات النظام، وقتل 13 عنصرا وأصيب العشرات من القوات الإيرانية والميليشيات. الانتكاسة الجديدة والمفاجئة على جبهة جنوب حلب نفسها كانت نتيجة الهجوم المفاجئ لقوات الفتح وسيطرتها على البلدة الإستراتيجية خان طومان وعدد من القرى المحيطة بها حسب مصادر سورية.
وكانت تقارير قد تحدثت عن وصول قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني على رأس وحدة خاصة من الحرس الثوري الإيراني من أجل نجدة جبهة ريف حلب الجنوبي شمال سوريا، وذلك بعد سلسلة من الانتكاسات العسكرية والهزائم التي تعرّضت لها قواته التي تقود العمليات العسكرية في هذه الجبهة، إلى جانب مقاتلين من حزب الله وميليشيات عراقية وأفغانية مدعومة من جيش النظام.
وكانت تقارير سابقة قد تحدّثت عن وصول قاسم سليماني إلى سوريا في الأسبوع الأول من شهر أبريل الماضي بعد الانتكاسة الأولى لقواته في ريف حلب الجنوبي، إثر سيطرة جبهة النصرة وحلفائها على تلة العيس والقرى المجاورة لها وسقوط حوالي 50 قتيلا من عناصر الحرس وحزب الله والميليشيات العراقية، وقد نعى حزب الله 10 من مقاتليه حينها، كما نعى الحرس الثوري عددا من ضباطه ومستشاريه، وكان لافتا بعد ذلك فشل الهجوم المعاكس في استعادة التلة المذكورة ومحيطها على الرغم من تدخل الطيران الحربي بشكل مكثف.
يذكر أن قوات “جيش الفتح” تضم جبهة النصرة وأحرار الشام وفصائل إسلامية أخرى، وفصائل من الجيش الحر، وقد تمكنت هذه الفصائل المقاتلة من السيطرة على عدة مواقع بينها بلدة خان طومان، وقرية الخالدية، وحرش خان طومان، وتلة المقلع وتلة الزيتون ونفق خان طومان، ومعمل البرغل وتلة الدبابات.
كما أكدت المصادر أن عناصر جيش الفتح وفصائل الجيش الحر استخدموا نفس الأسلوب الذي استخدموه في اقتحام بلدة العيس الشهر الماضي حيث قاموا بتصوير العمليات من خلال طائرات استطلاع ساعدت القادة على إدارة المعارك من خلال رصد سير العمليات.
هذه المرة يضاف إلى معاني زيارة ولايتي وإطلالة سليماني تفاقم الأزمة في العراق بما هي أزمة المعادلة السياسية التي رعتها القيادة الإيرانية، إذ لا أحد يستطيع القول إنّ مكونات السلطة في العراق ليست من أصدقاء إيران وحلفائها، بل ليس ثمّة وزير في الحكومـة العراقية معاد لإيران. لذا فالأزمة العراقية اليوم تعكس فشل الإدارة الإيرانية لهذا البلد، الذي أتيح لإيران أن تقدم فيه نموذجًا لما تبشر به من ممانعة. لكنها قدمت أسوأ دولة فاشلة في المنطقة. وثبت أن أكثر المفسدين في السلطة العراقية هم أكثرهم تبعية والتزامًا بتوجيهاتها في الساحة العراقية، لا بل إنّ القدرة على الإفساد والفساد تحتاج من مرتكبهما في بلاد الرافدين أن يكون من موالي النفوذ الإيراني والمؤتمرين به. لذا كانت الأصوات التي ارتفعت عاليًا في المنطقة الخضراء من قبـل الجموع العراقيـة “إيران برا برا..” شعار كشف، إلى حدّ بعيد، دور إيران في حماية منظومة الفساد داخـل الدولة العراقية.
إيران تحاول أن تطمئن حزب الله بأنها لن تتخلى عنه رغم الحوار مع واشنطن، وتحاول أن تطمئن حلفاءها في لبنان وسوريا بأن العراق لم يزل في يد أمينة، وهي تعمل على استعادة بعض ما خسرته من التدخل الروسي في سوريا، وتحاول أن تعوّض الخيبات في العراق وفي اليمن، باندفاعة عسكرية في حلب، شكّلت معركة حلب عنوانها.
هكذا تحاول إيران من خلال دعم الخيار العسكري “طرد الإرهابيين والتكفيريين قريبًا من حلب”، بحسب قول ولايتي. وربما هذا ما جعل الأسد يبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّه لن يقبل إلاّ بالانتصار الكامل. لكن الرسائل المقابلة في ريف حلب الجنوبي كان لها معنى آخر مفاده أن القيادة الإيرانية والرئيس الأسد يحتاجان إلى أكثر من تعاون روسي لمنع الهزيمة عن جنودهما ومواقعهما في المعادلة السورية التي لم ترتسم بعد.
عندما تتبنى دولة كبرى أساليب أقل ما يقال فيها إنها «صغيرة» أو «مرتبكة»، كما هي حال روسيا في الحرب السورية الآن، تكون إما في منتهى الثقة بالنفس لشعورها بأنها صاحبة الكلمة الأقوى، أو أنها في غاية الارتباك لإدراكها أن ما تفعله، مع حليفها نظام بشار الأسد، لن يؤدي عملياً إلى ما تصبو إليه. ويبدو أن الأمرين ينطبقان على حال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في معركة حلب المستمرة منذ أكثر من أسبوعين.
فليس سراً أن هذه المعركة، التي بدأت فوراً بعد تعليق وفد المعارضة مشاركته في مفاوضات جنيف، استهدفت الضغط على الوفد لتغيير موقفه الرافض لبقاء الأسد في المرحلة الانتقالية التي يتم البحث بها حاليا، وبالتالي إنقاذ النظام من مصيره المحتوم. ولذلك تحديداً، بادر بوتين إلى اعتماد «صغائره» هذه في تبرير الحرب على حلب أولاً، ثم الكذب بشأنها وبشأن الهدنة التي سميت «نظام تهدئة»، مرة بعدم شمولها المدينة، وأخرى بأن التهدئة تقتصر على اللاذقية والغوطة الشرقية، وثالثة بأن القصف يستهدف «داعش» و «جبهة النصرة» من دون غيرهما... إلى حد أن وزير خارجيته سيرغي لافروف اتخذ عدداً من المواقف التي يناقض واحدها الآخر، بل وحتى يكذبه علناً وبكل وضوح كما يأتي:
> قبل بدء المعركة في 19 تموز (يوليو)، صرح لافروف بأن انسحاب الوفد من «جنيف 3» يؤكد أنه لا يمثل المعارضة في سورية من جهة، وأنه من جهة أخرى لن يؤثر على المؤتمر الذي سيستأنف في موعد (حدده من تلقاء نفسه) هو يوم 10 أيار (مايو)، وأنه سيعقد بمن حضر لأن وفد المعارضة، كما قال، «يريد نسف التسوية السياسية في سورية».
> بعد ارتكاب النظام مجزرة تلو أخرى (نحو 250 قتيلا خلال 4 أيام)، سارع لافروف إلى ادعاء أن المعارضة، وليس النظام، هي من نفذ هذه المجازر. ثم أنه، إثر اتصال أجراه معه الوزير الأميركي جون كيري، أدلى بتصريح قال فيه إن «التهدئة» تشمل اللاذقية والغوطة الشرقية وليس حلب أو حتى ريفها. وبعد ذلك بساعات، أعلن أنه لا ضمانات بوقف النار لا في هاتين المنطقتين ولا في حلب.
> بعد اتصال آخر مع كيري، قال إن هناك أملاً بوقف القتال خلال ساعات. لكنه، إثر زيارة قام بها المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا إلى موسكو، تحدث عن هدنة لـ24 ساعة في كل من اللاذقية والغوطة... من دون أن يذكر حتى كلمة حلب؟!.
لم يكن خافياً على أحد، خصوصاً على كيري ودي ميستورا، أن «صغائر» لافروف تريد إعطاء الأسد، ومعه ميليشيات إيران و «حزب الله»، وقتاً كافياً لحسم معركة حلب، لكن الأيام مرت (أسبوعان كاملان) من دون التمكن من إنجاز الهدف. على العكس، قامت الدنيا ولم تقعد على موسكو بالذات، لأنها لم تمارس ضغطاً على الأسد طالبها به العالم (مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) لوقف مجازره في حلب.
وهكذا، صدر من موسكو يوم 3 أيار موقفان كشفا طبيعة «الارتباك» الروسي (الكذب العلني) من ناحية، وزادا من ارتباك المجتمع الدولي إزاء حقيقة موقفها من ناحية ثانية. أولهما، كان تصريحاً من لافروف قال فيه إن الأسد ليس حليفاً لروسيا، إلا أنها تقاتل معه ضد الارهاب في سورية. أما الثاني، فكان الإعلان عن سحب 30 مقاتلة روسية من قاعدة حميميم، بالطريقة ذاتها (فجأة ومن دون سابق إنذار) التي أعلنت فيها موسكو قبل شهور عن سحب «الجزء الأكبر» من قواتها وطائراتها الحربية في سورية.
والأدعى للتساؤل في هذا السياق، أن الإعلان بعد ذلك عن اتفاق أميركي/ روسي على هدنة لـ48 ساعة في حلب، تبعه تصريح من الأسد قال فيه إنه أبلغ بوتين في اتصال بينهما أن معركة حلب لن تتوقف «قبل سحق قوى المعارضة فيها».
والسؤال هو: هل يعيد التاريخ نفسه، أي سحب القوات الروسية في 15 آذار (مارس) الماضي تحضيرا لمحادثات «جنيف 3» بمشاركة الأسد، وسحب المقاتلات الآن ضغطاً عليه للعودة إليها، أم أن المسألة روسية أولاً وأخيراً، وتتعلق بارتباك قيادتها بين «الحليف الذي لم يعد حليفاً»، لكنها تقف إلى جانبه، كما قال لافروف، وبين شريكها الآخر في تسوية الحرب السورية (الولايات المتحدة)، بعد أن أعطاها كل ما تريده وتحتاج إليه لإنجاز هذه التسوية؟.
بل أكثر: هل كانت روسيا، التي قال رئيسها في وقت سابق إنه ترك في سورية قوات تكفي لحماية النظام ومقاتلة الارهاب، تتوقع أن تتمكن قوات الأسد وميلشيات إيران و «حزب الله» من حسم المعركة في حلب... وخاب ظنها؟، أم أن ما في ذهن موسكو يختلف جذرياً عما في خطة الأسد وحليفه الأول في طهران... لذلك كان هذا «الارتباك» الروسي في الفترة الأخيرة؟.
الواقع أن من شأن الدول الكبرى أن تكون لها سياسات كبرى، بما فيها الأساليب والأدوات المستخدمة فيها. وقد تقع دول كبرى في ارتباك، لكنها غالباً ما تعترف بالخطأ وحتى تملك شجاعة التراجع عنه، كما حدث مع بريطانيا وألمانيا اللتين استقبلتا، في عز معركة حلب، رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، ومع فرنسا التي دعت إلى عقد اجتماعين في باريس، أحدهما مع السعودية والإمارات وتركيا وقطر ووفد المعارضة السورية، والثاني مع مجموعة ما يسمى «دول أصدقاء الشعب السوري».
فهذه الدول الثلاث، وهي دول كبرى، فعلت ذلك ليس فقط تنديداً بمجازر الأسد في حلب، إنما أيضا وفي شكل خاص رفضاً لموقفي روسيا والولايات المتحدة اللذين يصح القول إنهما كانتا معا، وعلى رغم تهديدات كيري للأسد (إذا لم تلتزم، ستكون هناك تداعيات) «مرتبكين» قولاً وفعلاً منها.
من الممكن أن تتخيل أن يتضمن معرض الكتاب صوراً لكتّاب و شعراء و بعض من المناظر الطبيعية، المشجعة للانفتاح العقلي و الروحي، وطبعاً هذا في البلدان ذات صفات طبيعية، و لكن ليس في ايران حتماً، التي حولت احدى قاعات معرض طهران للكتاب إلى "استوديو" لالتقاط صور تذكارية على ركام سوريا و مدنها و قراها، في مسعى لنشر ثقافة التدمير و ترسيخها بين شعوب المنطقة، تحقيقاً لخرافاتهم و طموحاتهم التوسعية و الانتقامية من آلاف السنين.
عشرات الصور نشرتها الوكالة الرسمية الايرانية، لإيرانيين وهم يركبون دراجة نارية عسكرية، و يتخذون وضعيات مختلفة، مع لباس عسكري، وعلى محياهم ابتسامات و لمعة النصر في عيونهم، و لكن أين و على ماذا، هذا ما توضحه الخلفية التي هي عبارة عن صورة من الدمار الهائل الذي حل في سوريا نتيجة آلة القتل المستمر منذ خمس سنوات، بفضل الدعم الايراني الكامل و المتواصل و المتصاعد.
ليس من السهل تفكيك التصرفات التي قام بها أؤلائك الايرانيون، أو تحليل شعورهم العارم بالسعادة، و كذلك مدى خبث القائمين على هذا العمل في زرع تسهيل واباحة قتل أكثر من ٤٠٠ ألف سوري و تشريد ١٢ مليوناً، و تدمير ٧٠٪ من هذا البلد، و انهاء الاقتصاد، تفكيك المجتمع، و ايقاد نار حرب لن تنطفئ قبل أن تأكل الملايين من البشر، وحتى عندما تنتهي من هذه الملايين، لن تهدأ و ستتجدد كل ما أتت الفرصة، لكن هذا جزء من كم هائل من التصرفات التي تعمد ايران على اتخاذها بغية زيادة التجييش الطائفي، وتحويل سوريا إلى كربلاء جديدة، تدعو لـ"حسين" جديد يدافع عن آل بيت روسول الله.
عشرات الصور التي تم تداولها ( أرفقها مع هذا المقال)، تظهر نساء و رجال و فتيان و أطفال، و هم يمارسون متعة الانتصار على خلفية تحمل أحد الشوارع المدمرة جراء القصف و المعارك التي تخوضها و تدعهما ايران في سوريا، ضمن جناح اطلق عليه "المدافعون عن الحرم" لإضفاء الهيبة و الأهمية و سلخ أي صفة إجرامية.
نظام الملالي يبحث من خلال هذا التصرف و عشرات الاجراءات الأخرى، عن إعادة اشعال نار الفتنة، و تصعيدها للحد الذي يعيد لعمائمها سيطرتهم المطلقة، و نفوذهم اللامحدود، الذي خبى مع انتهاء الثأر من "البعث العراقي"، وباتت الحاجة لخلق "بعث" جديد، يجعل من خامنئي "خميني" جديد، يدخل تاريخ "المخلدين"، ويحي مبدأ تمثيل "الألوهية" على الأرض، باعتباره سفير "امام الزمان" المهدي المنتظر، وفق المبدئ الأساس و المطلق الذي يقوم عليه المذهب الشيعي الاثني عشري، الذي تم اختلاقه و تعزيزه و ترسيخ مبادئه من قبل "الفرس" الباحثين عن خلق الفوارق مع العرب، لتنفيذ الانتقام من العرب، لثأر يعود لبداية الإسلام الذي حطم عروش" كسرى"، ووعد نبيه الأكرم "صل الله عليه و سلم" بأن (لا كسرى بعد كسرى).
شبّه الايرانيون القتلة في سوريا بأنهم يمثلون الحسين في دفاعهم عن أهل البيت الرسول، و لكن هذه الكلمة "الرسول" تم نسخها، انتقاماً من (لا كسرى بعد كسرى)، و تم وضع مصطلح آل الله، لإلغاء كل من هدد أو توعد بزوال الفرس و عدم عودتهم، حتى لوكان رسول من الله، ينقل ما أوحى إليه، لتظهر الحقيقة الكاملة بأن الصراع ليس صراع طائفي داخل دين واحد، و إنما صراع على مستوى حضارات بأسرها.
على الضد تماما مما أعلنه السفير الإيراني في دولة الكويت علي رضا عنايتي عن حيادية النظام الإيراني في النزاع السوري! وأن إيران ليست معنية بمصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، فإن المستشار السياسي للولي الإيراني الفقيه للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي الذي يحمل اليوم مسؤولية ملفات العراق وسوريا واليمن وحتى البحرين ضمن محموعة ومنظومة جهاز الأمن القومي الإيراني له موقف آخر ومختلف وصريح وحقيقي ولا يختفي وراء التقية أوخلف العبارات الديبلوماسية المطاطة يقول علنا وبملء الفم وعلى رؤوس الأشهاد: “أن مصير رئيس النظام السوري هو خط إيراني أحمر“! وبالتالي فإن المعركة القائمة في الشام هي معركة تقرير المصير للنظام الإيراني ذاته! وهي حرب تعتبرها إيران حربها الخاصة التي تعتمد على نتائجها جهود 36 عاما من الاستثمار السياسي والعقائدي في الساحة السورية!
النظام الإيراني وفقا لرؤية ولايتي التي هي رؤية الولي الفقيه لا يمكن أن يقف على الحياد في ملف يصيب في مقتل العصب الرئيسي للنظام! فنظام الملالي لايمكن له أن يقف متفرجا على تهاوي نظام حليف تشارك معه في إدارة أزماته، وحيث وقف النظام “البعثي ” السوري موقفا مساندا للنظام الإيراني إبان مرحلة الحرب الشرسة مع العراق الذي كان يحكمه هوالآخر نظام “بعثي” ولكن من الضفة الأخرى للبعث، والنظام الإيراني استطاع تحويل أرض الشام قلعة نفوذ ومركزا استثماريا واستخباريا وقاعدة من قواعد التعبئة والحشد الطائفي الإيراني في الشرق القديم، وسقوطه يعني تلاشي النفوذ الإيراني في المنطقة واضمحلاله بالكامل وقطع الارتباط المباشر مع المجاميع العميلة والعاملة في خدمة النظام الإيراني التي ستنتهي بالكامل مع نهاية نظام دمشق، فـ”حزب الله” اللبناني سيضمحل بالكامل وتنتهي سطوته على الشعب اللبناني ويعود مجرد حزب طائفي معزول يجتر ذكريات الأيام الخوالي.
كما أن الاستراتيجية الأمنية للنظام الإيراني تعتمد على كون إدارة معارك الدفاع عن النظام لا تكون في العمق الإيراني بل في العمق العربي من خلال الخطوط الدفاعية الحصينة في بغداد ودمشق، وخروج دمشق من سطوة النظام سيتبعه بالتأكيد خروج بغداد التي تعيش اليوم إرهاصات لمتغيرات مستقبلية كبرى ستطيح بالنفوذ الإيراني وتعجل بانحسار التيارات الطائفية الإرهابية، وكل شيء بصراحة معتمد ومتوقف على نتائج الحرب السورية والتي ستكون نتائج إقليمية حاسمة ستبدل كل الموازين والمعادلات.
إذن فإن طبيب الأطفال الذي تحول لدبلوماسي ثم ستراتيجي أمني علي أكبر ولايتي يحمل سيف المواجهة المباشرة ضد شعوب المنطقة، ويرسم الخطوط والحدود ويضع إطار السيناريوهات! وهو دور لن يستمر طويلا بكل تأكيد فحجم الهزائم المريرة للنظام الإيراني وادواته في المنطقة ستجعله يتجرع كؤوس السم الزعاف من جديد! ولا زلت أتذكر تلك السحنة الذليلة لولايتي في اجتماعات جنيف مع الوفد العراقي الذي كان برئاسة وزير الخارجية العراقي السابق والراحل طارق عزيز بعد نهاية الحرب العراقية-الإيرانية عام 1988 وكيف اضطر نظام الملالي للتخلي العلني والذليل عن شرط (إقامة جمهورية معممة في العراق كشرط لإنهاء الحرب)! ثم حصل ماحصل بعدها من تطور ملحوظ في العلاقات بين المتخاصمين وما توج من علاقات اقتصادية قوية بين أبناء المسؤولين في النظامين، حتى كشرت إيران عن أنيابها بعد الغزو الأميركي للعراق لتعيد للواجهة استثماراتها القديمة من العملاء العراقيين العاملين لخدمة مشروعها الإرهابي الانقلابي وهم الجماعات الطائفية الفاشلة المريضة التي تحكم العراق اليوم!
وليس ثمة شك أن ولايتي حين أكد على كون نظام بشار خط أحمر فهو يعني ما يعنيه وقد أكد على ذلك الموقف من خلال الزج بالجيش الإيراني إضافة لفرق الحرس الثوري وللعصابات الطائفية اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية في المعارك الدائرة تحديدا في حلب وريفها الجنوبي وحيث خسر التحالف الإيراني خسائر بشرية رهيبة في معارك خان طومان! وهزيمة الحلف الإيراني في الشام مسألة وقت فقط، ولولا التدخل الروسي الواسع النطاق وبقوة نارية رهيبة لدولة عظمى لانهار النظام السوري بالكامل ولتشتت قوات المساعدة الإيرانية ولانتهى النفوذ والتمدد الإيراني في الشرق.
لذلك فالمعركة الإيرانية في الشام والتي حدد خطوطها العامة وأبعادها الستراتيجية المستشار ولايتي هي فعلا “معركة المصير الواحد “!.. ولكن الذي تناساه ولايتي ومن هم خلفه أن انتصار الثورة السورية هو أمر محسوم وأن هزيمتهم المدوية ستتوج المتغير الاستراتيجي الكبير القادم في الشرق، وستجعل هزيمة نظام الملالي فضيحة بجلاجل وأجراس مدوية… إسع سعيك وكد كيدك ياولايتي فإنك وجندك بإذن الله مهزومون ومدحورون لا محالة.
أُتخمت مسيرة نصف قرن من معاناة الشعب السوري وافتقاره إلى أدنى حقوق الإنسان وحشره في قوقعة تضعه أمام خيارات محدودة فإما أن يتعاون مع عصابة الإجرام أو ينزوي – قمعا وتنكيلا ونهباً – وقام الأسد ببناء نظامه على كذبة تحولت إلى خديعة كبرى بدليل أنها لاقت ومازالت تلقى مؤيدين محليا وإقليميا وعالميا بغض النظر عن المصالح المتبادلة، ومن المؤكد بأن مفاعيل الزمن الطويل وتراكماته قد ساهمت في تكريس هذه الخديعة التي تضرجت بالدماء وتكللت بالدموع.
لاشك بأن هذه الفترة قد طالت، ولكن اندلاع الثورة السورية، وما يجري اليوم بين هذا النظام المجرم وحلفائه سواء في الداخل أو الخارج، وإن بدا أن ظاهره الوفاق والتحالف إلا أن الحقيقة تعكس أن باطنه الشقاق وأن كل واحد من الحلفاء المزعومين يعمل على ابتزاز صاحبه وما يدل على ذلك تلك المشكلات العميقة والمتجذرة التي تطفو على السطح بين الآونة والأخرى ، وسيل السلوكيات و التصريحات الإعلامية التي من تظهر من رموز لهذا الحليف أو ذاك .
في الداخل السوري عمل نظام الأسد على ربط مصير الطائفة العلوية ربطا وجوديا به، وظهر انعدام الأمن الطائفي كسمة غالبة على السياسة السورية في أعقاب كارثة حماة. وكان هذا دعماً سياسياً هاماً لسلالة الأسد لأنها استطاعت أن تحافظ على العصبية العلوية، واستثمر في سبيل ذلك ما حدث، وعمل على تجييشهم أيما تجييش، كما عمل على تخويف الأقليات من حكم الأكثرية وهو ما استثمره أفضل استثمار خلال الثورة، وهو قبل ذلك عمل جاهدا للحد من الشعور بانعدام الأمن الطائفي ، فمثلاً في حزيران 2007 حُكم على سبعة طلاب بالسجن لإجراء حوارات على الإنترنت حول الإصلاح السياسي. وقد كشف تصريح من قبل ضابط الاعتقال يُوضح فيه أن “هؤلاء الشباب هم أكثر خطورة من تنظيم القاعدة، لأنهم يأتون من جميع الطوائف.” وحقيقة أن اثنين من الطلاب تلقوا حكماً لمدة سبعة سنين وآخرون خمسة سنين فقط، وأن من عوقب بشكل أكبر هم من العلويين، في رسالة من النظام لأبناء طائفته أما ان تكون وقودا في سبيلي أو التنكيل والاعتقال، واليوم تدفع الطائفة العلوية أغلى ما تملك من استقرار وأمان ومساهمة في بناء الوطن في الغد القريب بحكم تحالفها مع النظام القاتل، ولنا في الحاضنة الشعبية الموالية للنظام في مدينة حمص التي تعتبر إحدى الخزانات البشرية لميليشيات الدفاع الوطني والشبيحة خير مثال على ذلك ، فالأحياء الموالية للنظام تعرضت للتفجيرات وأعمال العنف مالم تتعرض غيرها من الأحياء الموالية في باقي المحافظات، وهنا يطرح الأسئلة التالية نفسها: من الذي فجر ؟ وما الدافع إلى التفجيرات؟ ألم تُسور الأحياء الموالية والقرى بالحواجز ووحدات الحماية واللجان الأمنية ؟ وغيرها الكثير من الأسئلة عن التفجيرات التي لن يكون آخرها التفجيرين المزدوجين اللذين هزا مدينة المخرم الفوقاني الموالية صباح الخامس من نيسان من العام الجاري.
إن التحليل المنطقي والواقعي لمثل هذه التفجيرات وبعيداً عن ذكر التكتلات الموجودة على الأرض السورية التي عمل نظام الأسد على استحضارها من أجل الدفاع عنه وبقاء اغتصابه للسلطة في سورية يؤكد أمرين لا ثالث لهما، أما الأول: فهو انحلال عرى الترابط و التواثق بينه وبين مواليه من أبناء البلد وتذمرهم منه ومن الآليات التي اتبعها في مواجهة الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح ، وأن النظام ما أن يشعر بأن حدة هذا التذمر قد ارتفع في مكان ما من المناطق الموالية له حتى يلجأ إلى التفجيرات لتخويفهم من الإرهاب، وهو نفس الأمر الذي باتت تلجأ إليه تلك الميليشيات الطائفية الدخيلة إذا ما إعترض سكان تلك المناطق وتذمروا من تصرفات عناصرها وما تقوم به من اعتداءات على الأموال والأعراض . أما الثاني: عدم الثقة المتبادلة بين النظام والميليشيات الطائفية الدخيلة ، وعدم اكتراث الأخيرة بجيش النظام ووحداته المرافقة لهم في تحركاتهم، وذلك بسبب دفع القادة من جيش النظام أن تكون عناصر تلك الميليشيات في المقدمة على الجبهات، وهو الأمر الذي اعترضت عليه تلك الميليشيات وقادتها أكثر من مرة ليتضح مؤخرا ما وراء ذلك ، وهو رغبة تلك الميليشيات بالسيطرة على الأرض والإمساك بها وحرمان قوات الأسد من ذلك، الأمر الذي أربك حسابات نظام الأسد ومخططاته وخاصة في حمص حيث يتواجد الثقل العسكري الأكبر لحزب الله والميليشيات الشيعية ، والتي تقوم علانية برفع راياتها على المواقع التي تسيطر عليها وتنكيس علم النظام ، هذا الأمر فسره قادة ومقاتلون في الجيش السوري الحر وكتائب الثوار أن نظام الأسد يسعى جاهدا لإبرام المصالحات مع المناطق الثائرة والمحررة ، بدلا من التفكير بإعادة السيطرة عليها بمساندة تلك الميليشيات الساعية إلى احتلال الأرض وتذويب وحدات جيش النظام.
تحمل القوى العابثة باستهزاء بدم الشعب السوري، ثأراً دفيناً في التاريخ، عجزوا عن تحقيقه في أي رقعة من هذا العالم، وجاءوا باحثين عنه بين ركام منازلنا و أشلاء أطفالنا و نسائنا و رجالاتنا، علهم يطفؤون تلك النيران التي مضى عليها قروناً، أو يعيدون تشكيل حقد جديد يعيش لقرون أخرى يضمنون خلالها تواجد هياكلهم العظمية التي أكل الزمان عليها و شرب.
اليوم يستذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نصر بلاده على النازية و يستحضرها و يسقطها مباشرة على ما يحدث في سوريا، و اعتبارها أنها جزء لا يجزأ من تلك الحرب، التي باتت أطرافها من الصداقة و المصالح ما يمنع عودة الثأر أو مواصلة التغني بالنصر، و بات لزاماً اللجوء إلى شيء آخر يتم الاستناد عليه للإبقاء على وهم "الشيوعية" قاهرة "النازية".
فبعد عشرات السنين تتشابه المشاهد بين جوزيف ستالين هو يعاقر الخمر في اللحظات الأخيرة من انهيار امبراطورته تحت ضربات الجيش الألماني، و بين روسيا التي تقف على حافة الانهيار من سلسلة الأزمات الاقتصادية تحت مطرقة العقوبات و الفساد المستشري، فأعادت "ستالينغراد" الصحو للعجوز المنهك ستالين، و بوتين اليوم يبحث عن تلك المدينة في ركام "حلب" علّه يكرر الأسطورة مرة أخرى و يستعيد مجدٍ اندثر بغير رجعة، لدولة بُنيت على تشتيت الشعوب و تغيير السكان فيما كان يعرف بـ"الاتحاد السوفيتي".
في المقابل يبحث الايرانيون، عن إعادة اشعال نار الفتنة، و تصعيدها للحد الذي يعيد لعمائمها سيطرتهم المطلقة، و نفوذهم اللامحدود، الذي خبى مع انتهاء الثأر من "البعث العراقي"، وباتت الحاجة لخلق "بعث" جديد، يجعل من خامنئي "خميني" جديد، يدخل تاريخ "المخلدين"، ويحي مبدأ تمثيل "الألوهية" على الأرض، باعتباره سفير "امام الزمان" المهدي المنتظر، وفق المبدئ الأساس و المطلق الذي يقوم عليه المذهب الشيعي الاثني عشري، الذي تم اختلاقه و تعزيزه و ترسيخ مبادئه من قبل "الفرس" الباحثين عن خلق الفوارق مع العرب، انتقاماً للفرس من العرب، الذي بدأ مع الإسلام الذي حطم عروش" كسرى"، ووعد نبيه الأكرم "صل الله عليه و سلم" بأن (لا كسرى بعد كسرى).
بوتين وجه التحية للأولائك الذين قاتلو النازيين، و بنفس الوقت لهؤلاء الذين يقاتلون "الإرهاب"، و بين أؤلائك و هؤلاء وجد الشبه في تخليص العالم من "الشرور"، في حين شبّه الايرانيون القتلة في سوريا بأنهم يمثلون الحسين في دفاعهم عن أهل البيت الرسول، و لكن هذه الكلمة "الرسول" تم نسخها، انتقاماً من (لا كسرى بعد كسرى)، و تم وضع مصطلح آل الله، لإلغاء كل من هدد أو توعد بزوال الفرس و عدم عودتهم، حتى لوكان رسول من الله، ينقل ما أوحى إليه، لتظهر الحقيقة الكاملة بأن الصراع ليس صراع طائفي داخل دين واحد، و إنما صراع على مستوى حضارات بأسرها.
فبين قتال اليزيدين و النازيين وقعت سوريا، فالجميع ينبش في تاريخ الدم لاستحضاره بصورة اقسى و أعنف، لصنع تاريخ جديد و منطلق جديد للتأريخ، فما قبل سوريا ليس كما بعدها، و ما سيبنى بعدها سيكون ثابتاً لسنين و قرون قد لا تكفي الحياة الدنيوية لتغييره، فلا بد من انتظار "نفخة الصور" لإنهائه.
منذ تحول الثورة السورية إلى أزمة مسلحة، بفعل آلة القتل الأسدية، وتدخل إيران و«حزب الله»، وبعد ذلك التدخل الروسي، وكله لمحاولة إنقاذ نظام بشار الأسد، فإن المعادلة بالأزمة السورية لا تقوم على حقن الدماء، ولا التوصل لحلول سياسية، وإنما هي لعبة الوقت.
الأسد يعوّل على الوقت، ومثله الإدارة الأميركية، وكذلك الإيرانيون، والروس. الأسد يعوّل على الوقت لقتل كل محاولة دبلوماسية تفاوضية، أملاً بالنجاة من كل محادثات بوأدها، ومن ثم محاولة تحقيق نجاح على الأرض، ودائمًا يفشل. بالنسبة للإيرانيين، وميليشياتهم الإرهابية من «حزب الله» وغيره، كانوا، ولا يزالون، يعوّلون على عامل الوقت وذلك من أجل محاولة صمود نظام الأسد، وضمان عدم سقوطه، وكذلك إنجاز الاتفاق النووي مع أميركا، والمجتمع الدولي، ومن أجل تعزيز حظوظ إيران بالحصول على أفضل اتفاق ممكن في سوريا، وذلك كجني أرباح للاتفاق النووي الدولي.
بالنسبة للروس هم يعوّلون على عامل الوقت أيضًا، لكنهم لا يريدون المماطلة أكثر لأن ذلك مكلف اقتصاديا وعسكريًا، وسياسيا، والأهم داخليًا بروسيا، ويعوّل الروس على إنجاز اتفاق قبل رحيل أوباما، حيث يقتنع الروس، وهم محقون، بأن أي رئيس أميركي قادم لن يقدم لهم تنازلات كما يفعل أوباما الآن، ولن يكون، أي الرئيس الأميركي القادم، بضعف أوباما، فإما المتهور دونالد ترامب، وبالتالي صعب توقع ما يمكن أن يفعله تجاه سوريا، أو هيلاري كلينتون ولديها مواقف مسبقة، ومتشددة، تجاه الأزمة السورية، ولذا فإن الروس يعوّلون على اتفاق ينجز في عهد أوباما نظرًا لقناعتهم بأنه سيمنحهم الكثير، وهذا ما يتأمله الإيرانيون أيضًا.
أما الإدارة الأميركية، وتحديدًا أوباما، فقد كان واضحًا منذ فترة طويلة أنه يريد أن تكون سوريا مشكلة من يأتي بعده، حيث لا يريد فعل شيء بسوريا، وكل ما فعله شكلي، ومحاولة منه للنأي بالنفس عن الأزمة السورية أكثر من المساعدة في حلها، ورغم كل التهديد الأمني الذي تشكله الأزمة للمنطقة، والمجتمع الدولي، من «داعش» وخلافه، فأوباما آثر الابتعاد عن الأزمة السورية لكي لا تعطل اتفاقه النووي مع إيران، وكذلك بسبب سلبيته في تقدير حجم عواقب ما يحدث بسوريا على المنطقة والمجتمع الدولي. ولذلك يلحظ أن إدارة أوباما تتحدث عن روسيا، وتعوّل عليها، أكثر من حديث الأسد عن روسيا، أو حديث إيران عن الدور الروسي، الذي ربما يقلق طهران أكثر من كونه يريحها.
ولذا، ورغم كل الجرائم غير المسبوقة في حلب من قبل آلة القتل الأسدية، ورغم إعلان إيران بالأمس عن مقتل 13 مستشارًا عسكريًا لها هناك، نجد أن إدارة أوباما لا تكترث بأزمة حلب الإنسانية، ولا تداعياتها الأمنية والسياسية على سوريا والمنطقة، وبدلاً من التحرك، واستخدام أدوات مؤثرة فإن إدارة أوباما تلجأ للرئيس الروسي مما يقول لنا إن كل شيء الآن بات معلقًا بلعبة الوقت، وحتى معرفة الرئيس الأميركي القادم، ولحظة دخوله البيت الأبيض.
قبل عامين خرجت محافظة حمص التي تعتبر عاصمة الثورة السورية من معادلة الثورة وباتت تحت سيطرة النظام بشكل شبه كامل، إثر اتفاق هدنة اضطرت فصائل الثوار على توقيعه إنقاذا لما تبقى من مدنيين عالقين في المدينة التي تحولت إلى أثر بعد عين بعد أشهر من القصف الذي تعرضت له الأحياء التي شهدت أولى مظاهرات الثورة، من قبل قوات النظام والميليشيات الطائفية الموالية لها، وانسحبت فصائل الثوار إلى ريف حمص الشمالي، فيما تمت محاصرة المدنيين في حي الوعر، وما زالوا محاصرين هناك.
قبل ذلك استطاع تنظيم داعش، بتسهيلات كبيرة من قبل الحكومة العراقية الموالية لإيران، التسلل إلى المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية وأصبحت محافظتا دير الزور والرقة خاضعتين كليا لسيطرة التنظيم، الذي تمكن من إنهاء الثورة وإلغاء وجودها بعد أن شن حروبا ومعارك متواصلة ضد كتائب الجيش الحر التي كانت قد تمكنت من طرد قوات النظام وأقامت مجالس محلية لتسيير شؤون الناس. وفيما خرجت محافظة الرقة كليا من المشهد وأصبحت عاصمة تنظيم داعش في فرعه السوري، فإن محافظة دير الزور تم تقاسمها بين قوات النظام وتنظيم داعش، ولم تشهد خلال عامين تقريبا أي اشتباكات تذكر بين الجانبين، بل إن الوثائق التي انتشرت على نطاق واسع مؤخرا تؤكد أن التنظيم والنظام تجمعهما صلات تجارية وتبادل مصالح. ومثلما خرجت حمص من معادلة الثورة فقد أخرجت الرقة ودير الزور، وباتتا على حافة كوارث متلاحقة ليس أقلها الجوع والأمراض اللذان ينتشران بين أهلها المحاصرين، أو من تبقى من أهلها بين فكي الكماشة الداعشية الأسدية.
نتيجة لموجة العنف التي تعرضت لها شهدت المحافظات الثلاث حركة تهجير كبيرة، حتى أفرغت تقريبا من ساكنيها، ومن بقي هو بمثابة الأسير الذي لا يستطيع الحركة أو التنقل، فما بالك بإظهار معارضته للنظام أو للتنظيم أو تأييده للثورة.
ضمن هذا السياق لا يمكن فصل ما يجري منذ أيام في حلب، وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات النظام بالتعاون مع الحليف الروسي ضد عاصمة الاقتصاد السوري، عن مخطط تجفيف منابع الثورة، وإفراغ سوريا المتمردة من ساكنيها تمهيدا لإنشاء الدويلة العلوية التي تحدث عنها في فبراير الماضي وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، وقال إن روسيا تساعد الأسد على إقامتها، كما لا يمكن فصل مقترح الهدنة الذي روجت موسكو له عن فكرة إنهاء مظاهر المعارضة لنظام الأسد من المدينة، وقد تهدف إلى إخراجها هي الأخرى من الثورة، دون أن يمانع النظام وروسيا من ورائه أن يبقى تنظيم داعش مسيطرا على بعض المناطق، لأن الحالة في ضوء وجود داعش تفضي بالضرورة إلى اقتتال يستنزف القوى ويحول قوات النظام من خصم إلى متفرج كما هو حاصل حاليا في درعا جنوباً.
لا يمكن أن نغفل التواطؤ الأميركي الواضح في كل ما يجري، فقد ماطلت واشنطن في الرد على مشروع كانت قد تقدمت به المملكة العربية السعودية يقترح إرسال قوات برية لمقاتلة داعش داخل سوريا، بل سارعت إلى التوصل إلى اتفاق هدنة شكلية مع موسكو وقامتا بفرضه على فصائل الثوار الذين أعلنوا التزامهم بالهدنة، فيما استمر الطيران الروسي وطيران النظام في حصد أرواح المدنيين تحت ذريعة محاربة الإرهاب
لا يمكن القول إن النظام نجح في إنهاء الثورة أو في القضاء عليها، لكنه استطاع كسب بعض الوقت لتدمير ما يمكن تدميره، وتحقيق حلم الدويلة، واستطرادا مساعدة إيران على التوغل في العمق السوري.
ماذا لو انقلبت الأفرع الأمنية على الأسد ؟
ماذا لو شارك رئيس فرع المخابرات الجوية "جميل حسن" في محاصرة القصر الجمهوري , بعد ان كشف أن الأسد يتحضر للهروب و تركهم في ساحة الحرب ؟
ماذا لو بثت قناة النظام مباشرة صور لوزير الدفاع التابع للنظام "جاسم الفريج" و هو يردد البيان رقم "١" ؟
هذا السيناريو الذي يرغب به المجتمع الدولي ليكون مخرجاً للقضية في سوريا , مستغلين الوقت الضائع الناتج عن مهدئات الحل السياسي , في ظن منهم أنهم يحافظون عن ما يسمى بـ مؤسسات الدولة و الدستور
في زمن الأسد و أبيه كنا نبحث دوماً عن دستور مطبق , و لم يكن هناك ما يعرف "قانونياً" بالدستور أصلا , فقد كان مجرد حبر على ورق يدعم وجود العائلة الأسدية في الحكم , و يصهر الأجهزة الامنية تحت جناح "القائد" , و يعمل على تقويض الاعمال القانونية للسلطات القضائية و الشرعية , و اخضاع كل مؤسسات الدولة لإرادة حكم الأسد.
الفكرة التي يطرحها مجلس الأمن دوماً , و تخوف الدول الصديقة للثورة السورية و الدول الكبرى من انهيار مؤسسات الدولة أمر في غاية السذاجة , فعن أي مؤسسات التي يخافون عليها , و أي قانون يخشون من انهياره ,هل قانون الطوارئ الذي علق الحياة الدستورية في سوريا طوال فترة حكم الاسد الأب و الابن , و الذي سيطر على سن القوانين و على تعيين كافة المسؤولين في كافة المؤسسات القضائية و التشريعية و التنفيذية و الخدمية تحت بند عريض يدعى "قانون الطوارئ", هل هذا ما يخشون من انهياره، أم يرون في اخضاع كافة المواطنين لإرادة أجهزة الأمن و المخابرات التي ماهي الا ميليشيات و مافيات تصب في ارادة القصر الجمهوري، مؤسسات و هيئات لابد من حمايتها من الإزالة.
ماذا لو انقلبت مؤسسات الأمن أو الجيش على الأسد , هل يعتقد مجلس الأمن أن هذا يؤدي إلى انهيار كافة التبعيات المطلقة لهذه الاجهزة!؟
رحيل الأسد و انحلال مؤسساته الامنية قبل العسكرية هو الحل الأمثل الذي سيرمي الى انهيار سلطة الحكم الذي كان شبه امبراطورية , و نهاية الدستور الملفق و المستباح من قبل الأسد , انه الحل لبداية خلق دستور جديد تنفصل فيه الأجهزة الامنية عن الحاكم , لتحاسبه على كل تجاوز , انه صناعة دستور يكون فيه للعسكر دور في حماية سيادة الدولة لا سيادة الحاكم
النظام السوري خلال مفاوضات جنيف اقنع المبعوث الأممي الى سوريا "استافان دي ميستورا" و مجلس الامن بخطورة انهيار مؤسسات الدولة , فعلا إنه لأمر يثير الذعر فمؤسسات النظام العسكرية الهشة و الأمنية التبعية ستنهار , وبالتالي سيفتح المجال أمام كل مؤسسة لتطبق قوانين الادارة المترتبة عليها بمعزل عن تسلط و فساد و استبداد أجهزة الأمن و المخابرات ومافيات النظام و حاشيته, و سينتهي زمن تقويض عمل هذه المؤسسات , و لن يعود هناك سلطة للأسد الحاكم على حصار المدنيين الذين حاصرهم عبر اجهزته التي أقنع المجتمع الدولي بخطورة انهيارها , و التي أفرغت في الحقيقة من مضمونها القانوني و التشريعي و المهني , هذا ان لم نقل أنها كانت ذريعة لارتكاب أبشع أنواع جرائم حرب
الأسد بالنسبة للدول الغربية و مجلس الامن بمؤسساته الفاسدة المخابراتية و العسكرية ما هو الا "أداة" لوقف امتداد الإرهاب (وفق منظورهم) في المنطقة أولاً، و من ثم وصوله الى الغرب ثانياً, فوهب المجتمع الدولي سوريا للأسد , ليرسل ذاك المجتمع كافة الارهابيين الذين يؤرقون أمنه اليها وسط ضياع البوصلة في أرجاء سوريا و على قول المثل "الفايت فايت و الطالع طالع" .
الأسد يلعب دور حافر قبور "الإرهابيين" في العالم وسط سوريا كما أقنع المجتمع الدولي , و الضريبة دم ابناء سوريا طبعاً , و ما وجوده بالنسبة للعالم اجمع الا لدرء خطر امتداد تنظيم الدولة و تنظيم القاعدة الى ما وراء الحدود السورية التي اتخذوا في شرقها قاعدة لهم اليوم.
لذا دعونا نغمض اعيننا ونكتفي بمجرد الحلم بنهاية بشار الأسد و أجهزته المتعفنة , بعيداً عن وهم يدعى "الحل السياسي" , فالمجتمع الغربي يجيد لعب دوره في المسرحيات التراجيدية من خلال ابداء اصراره على الحل السياسي بينما هو مصر على وجود الأسد لسحق الإرهاب، و يشهر سيف خطر رحيل الأسد و انهيار مؤسساته الامنية و العسكرية خوفاً من انهيار سوريا على حد زعمهم , و ما الحل السياسي الا جرعة مهدئة للمواطن السوري , فالنغمض أعيننا ونحلم اذن
تصاعدت حدة الاشتباكات في الأيام الأخيرة في سورية على أكثر من جهة وبخاصة حلب، تحت عنوان «الهدنة الإنسانية» التي لا تحترم من الفرقاء المقاتلين. فما هي أسباب وأبعاد هذا التصعيد وأين هي الحرب السورية مع بداية عامها السادس وهل من متغيرات جذرية؟
وإضافة إلى ذلك ما معنى أن يقول وزير الخارجية الأميركية جون كيري «إن الوضع في سورية أصبح خارج السيطرة»؟
وللتعليق على كلام كيري نسأل: هل كان الوضع سابقاً تحت السيطرة حتى يخرج الآن عنها؟
المواقف الأميركية باتت تشكل استخفافاً بعقول الناس المتابعين للشأن السوري. فالسيد كيري يكتفي بإطلاق «الكلام الكبير» في شكل تصريحات لا تجد لها الصدى المطلوب، وبخاصة عندما يصعّد ضد «الشريك الروسي» في البحث عن السلام السوري، ليتضح أن كيري يكتفي بالكلام ولا أفعال، وأن القيصر الروسي فلاديمير بوتين ماض في اتخاذ كل المواقف التي تتلاءم مع مصالح روسيا.
على صعيد الموقف العام:
دخل الرئيس أوباما مرحلة الوداع التدريجي لمغادرة البيت الأبيض، وضمن تصوره يعمل بمعزل عن الضغوط السياسية طوال فترة حكمة.
كانت فترة الولايتين مدعاة للكثير من النقاش حول الآمال التي علقت على دخول أول رئيس غير أبيض إلى البيت الأبيض. عندما منح جائزة «نوبل للسلام» وكان لا يزال حديث العهد في الرئاسة، قوبل الاختيار بالعديد من الانتقادات إذ جرت العادة أن تمنح الجائزة تقديراً لإنجازات سلمية تحققت، وهو لم يحقق شيئاً بعد، فيما كان الجواب على المنتقدين أن هذا التقدير المعنوي الكبير ربما حصل عليه المكرم كتشجيع على تحفيز الرجل للقيام بمبادرات تنشر ثقافة السلام في المناطق المضطربة وما أكثرها ومن منطلق أهمية الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة الأميركية في شتى أصقاع الأرض.
لكن لأسباب متعددة لا مجال هنا لتعدادها، لم ينجح أوباما في تحقيق الأمنيات الملقاه على عاتقه سواء في المناطق المشتعلة في الشرق الأوسط، وفي الفشل الذريع في مواجهة الإرهاب، ناهيك عن الفشل الذريع في تحقيق أي تقدم على صعيد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والعربي - الإسرائيلي، وأخيراً وليس آخراً الغرق في المستنقع السوري، وهنا كثير من الكلام يجب أن يقال.
وفي ما يعمل أوباما على إعداد حقائبه استعداداً لمغادرة البيت الأبيض، ارتفعت بعض الأصوات التي تطالب بـ «تجريد» ـه من «نوبل للسلام»، احتجاجاً على المواقف التي اتخذها أو لم يتخذها، ولدى الدخول في تفاصيل تعقيدات الأوضاع الشائكة في سورية، ميدانياً أو في المحادثات التي تشهدها مدينة جنيف من حين إلى آخر، فإن وفد النظام برئاسة السفير بشار الجعفري يتحدث بلغة فيما وفد سائر المعارضات يتحدث بلغات أخرى مختلفة، وعندما يطرح الحديث عن مصير الرئيس بشار الأسد تأتي المواقف متباعدة جداً. فالمعارضات لا تريد أن ترى أي دور له فيما وفد النظام يؤكد أن من يقرر مصير الأسد هو الشعب السوري!
ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني عودة الحل إلى الإطار السوري السوري، وأن مصير الأسد لا يتقرر في محادثات جنيف. ويسعى الوسيط الأممي ستيفان دي ميستورا بكل ما أوتي من «قوة إقناع» لإبقاء المحادثات مستمرة، كي يبقى بالتالي دوره مستمراً. وفي الزيارة الأخيرة لموسكو سمع الوسيط ما يريد أن يسمعه من وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي يرفض رفضاً قاطعاً الانتقال للحديث عن «النقلة السياسية للوضع في سورية»، وهذا يفترض تشكيل فريق عمل سياسي من مختلف الأطراف ليتولى المرحلة الانتقالية.
ويؤكد مصدر قريب من الوفد الروسي المتابع لمفاوضات السلام أن كل المحادثات التي جرت وتجري لن تصل إلى «نهاية سعيدة»، لأن أطراف النزاع غير متوافقة على نقاط محددة للحل.
ويعتقد «المصدر الروسي» بأن المفاوضات لن تنجح سياسياً، وأن العمليات العسكرية ستستمر لتدمير ما تبقى من معالم سورية لا تزال قائمة في مدينة حلب، أو في غيرها من المدن. وفي الحديث عن حلب تعرضت أقدم مدن العالم للعديد من أعمال القصف، وكل فريق يتهم الآخر بالقصف العنيف وبخاصة «مستشفى السلام» الذي تعرض لإصابات مباشرة قضت على ضحايا كانوا يتلقون العلاج.
وميدانياً كُشف عن المعلومات التالية لواقع الأمور في مختلف المحافظات والمرافق السورية. واستناداً إلى خرائط محدودة فمحافظة إدلب في أقصى شمال غربي سورية هي المحافظة الوحيدة الخارجة بالكامل عن سيطرة النظام وسيطرة «داعش» والمليشيات الكردية. وفي المقابل فمدينة طرطوس هي المحافظة الوحيدة التي تسيطر عليها قوات النظام والحلفاء من الجنود الروس بالكامل. ونشرت معلومات توضح بالنسب المئوية مدى سيطرة قوى النظام والقوى الأخرى عليها واستناداً إلى هذه الخرائط هناك المعلومات التالية:
تتركز مناطق نفوذ النظام في طرطوس (مئة في المئة) ومدينة اللاذقية (95 في المئة) والسويداء (93 في المئة) وفي محافظة دمشق (89 في المئة) ومحطة ريف دمشق (74 في المئة) ثم حماه (52 في المئة)، وينحسر نفوذ النظام في درعا (30 في المئة) وحمص (25 في المئة) والقنيطرة (19 في المئة) وحلب (12 في المئة) والرقة (2 في المئة).
واستناداً إلى الخرائط فإن «داعش» يتركز وجوده في محافظة دير الزور حيث يسيطر على 89 في المئة بينما يتقاسم مع المليشيات الكردية محافظة الرقة (75 في المئة) كما يسيطر في محافظة حلب على 49 في المئة، ثم يتراجع نفوذه في محافظات حماه (33 في المئة) وريف دمشق (21 في المئة) والحسكة (13 في المئة) السويداء ( 5 في المئة) ودرعا (5 في المئة) وصولاً الى مدينة دمشق (1 في المئة) والقنيطرة (1 في المئة) ليختفي حضور «داعش» في محافظات طرطوس واللاذقية وإدلب.
وتتابع الخرائط: فصائل «الجيش الحر» (ومعها «جبهة النصرة») يتركز وجودها في محافظة إدلب، ثم في محافظات القنيطرة (79 في المئة) ودرعا (64 في المئة) ليختفي حضورها في محافظات طرطوس والرقة والحسكة ودير الزور.
وإذا ما سلمنا بجدية النسب المئوية المرافقة للخرائط فهي لا ترجح وجود «داعش» والقوى الأخرى المعارضة في مواقع محدودة، بل هي منتشرة في شتى أرجاء المحافظات السورية.
على أن القراءه الروسية لتطورات الأحداث، كما شرح أحد الخبراء المواكبين لمحادثات - جنيف، فكالتالي: كل ما يجري حالياً هو لإكمال عملية التفاوض الشكلية التي لا يعلق عليها الروس أهمية. فموسكو لا تؤيد تقرير مصير الأسد في مفاوضات - جنيف، ويردد أحد الخبراء ما يقول وزير الخارجية سيرغي لافروف: هذه المسألة يقررها السوريون أنفسهم في انتخابات عامة.
وهذا يعني بوجه الإجمال عودة أو إعادة الموضوع إلى سياقة السوري - السوري والتفاوض في ما بين الأطراف المتنازعة. على أن ما تستشعره موسكو من دون أن تعبر عنه صراحة، أن تنظيم «مرحلة الانتقال السياسي» لن يكون بهذه السهولة وأن الوفود في جنيف ستفشل في التوصل إلى حل نهائي.
وعليه تخلص مجموعة خبراء متابعين إلى أن الكلام عن «تقسيمات سورية معينة» ليست بعيدة من منطق الأمور، وربما يحتاج الوضع إلى المزيد من التدهور ليتأكد لمختلف الأطراف أن إعادة تجميع الخريطة السورية في جغرافية واحدة ستكون من المستحيل! الأمر الذي يطرح موضوع... التقسيم في شكل تلقائي.
وبعد...
أولاً: إن التصعيد الكبير والخطير الذي شهدته مجموعة جبهات في طول الخارطة السورية وعرضها، أعطى الانطباع وكأن المواجهات الميدانية واللوجستية لم تعد تقتصر على عمليات الكر والفر، بل إن المعارك الأخيرة وبخاصة في حلب وريفها مؤشر إلى التركيز على «حسم عسكري ما».
ثانياً: يتزامن هذا التصعيد مع الموقف الأخير للأسد، في معرض رسالته إلى بوتين، والذي تضمن الإصرار على متابعة المواجهات العسكرية «حتى النصر الأخير». وهذه التهديدات لا تطلق جزافاً، وهي تعطي موسكو الحجة للظهور بمظهر «الضاغط» عليه للأخذ ببعض الاعتبار إجواء الهدنة والغايات الإنسانية!
ثالثاً: إن سورية اليوم مع توزع انتشار المقاتلين من كل حدب وصوب فيها وعبر صيغة «كونية»، هي ولا شك مقسمة... ولا يغير الكثير من هذا الموقف التقسيمي أي كلام عن عدم وجود مخطط للتقسيم، فمثل هذا لا يصدر بقرار بل هو أمر واقع يتكرّس في ضوء عمليات الفرز السكاني المذهبي والطائفي والعرقي المنتشر. ولذا لا يجدي نفعاً ترداد الكلام وفي شكل ببغائي حول رفض تقسيم سورية، لأنه لا يعني فعلا عدم وقوعه.
رابعاً: من مفارقات الحرب السورية ملاحظة الرابط الوثيق بين عمليات التدمير الممنهج وحالة التنافس الحادة القائمة حالياً حول إعادة بناء سورية - بعد إنهاء الحرب، والتي قدّر بعض الخبراء تكاليفها بأنها تتخطى مبلغ الثلاثمئة بليون دولار أميركي في المراحل الأولى لإعادة البناء.
خامساً: إن ارتدادات الزلزال السوري لا تزال تشكل الخطر الكبير، ليس في أرض المعارك بل في دول الجوار للحرب المستعرة وفي طليعتها لبنان، التي تتأثر نتيجة تواصل التصعيد العسكري في سورية.
وقى الله لبنان من الداعشيين والنصراويين ومن لفّ لفّهم، وفي المناسبة لا يمكن لبنان أن يبقى معتصماً بـ «النأي بالذات» لدرء الأخطار المستعرة من حوله.
بين «ذكاء» القيصر المعاصر فلاديمير بوتين وتخبّط المغادر باراك أوباما إلى درجة الغباء تحت شعار «التذاكي»، يتوقف مصير المنطقة على صعيد التلاعب والتحكّم بقدر شعوبها في المستقبل.
إن الأجواء البركانية السائدة تمثل أخطاراً بالغة الجدية، منها ما في الحسبان ومنها ما ليس في الحسبان.
وفي الكلام الأخير، تعبير جديد دخل على مفردات التداول في المنطقة وهو «الإيرانوفوبيا» بقلم المرشد الأعلى السيد علي خامنئي.
يُعتبَر فيلم «من أجل إنقاذ الجندي رايان» من أهم الإنجازات الفنية التي قدمها المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ. وفي مشهد من الفيلم، تركز الكاميرا على عائلة اكتشفها الجنود الأميركيون، وهي عالقة داخل شقة دُمِّرَت كل جدرانها الخارجية. وحيال هذا المأزق الخطر، اضطرَّ الأب لأن يرمي ابنته من علو شاهق على أمل بأن تتلقفها أيدي الجنود الممدودة بغرض الإسعاف والإنقاذ.
هذا المشهد الدرامي الذي اختاره المخرج سبيلبرغ للتدليل على قسوة الحرب ووحشيتها، ظهر في أحداث حلب كصورة فريدة نشرتها الصحف على صدر صفحاتها. ولقد تكرر هذا المشهد المؤثر عقب الغارات الجوية المكثفة التي شنتها طائرات النظام السوري ضد مناطق المعارضة حيث يقيم نحو مئتي ألف مواطن.
وكان من المنطقي أن يُتَّهَم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باتخاذ قرار التصعيد رداً على موقف المعارضة في محادثات جنيف. مثلما كان من الطبيعي أيضاً، أن يبادر الرئيس بشار الأسد الى الاستجابة لقرار يبقيه في الحكم بعد حرب أهلية دخلت عامها السادس وقُتِلَ فيها أكثر من 270 ألف نسمة.
لهذا السبب أحرِقَ العلم الروسي في عواصم عربية عدة، وأطلق المتظاهرون في إسطنبول هتافات مناهضة لروسيا وإيران والولايات المتحدة.
وعلى رغم تظاهر النظام السوري بالموافقة على وقف إطلاق النار، فإن تعطيل الخدمات المدنية في حلب يعطي الانطباع بأن الأسد يستهدف تهريب كل المواطنين الموجودين في الأحياء النائية. كل هذا بهدف السيطرة الكاملة على مواقع الثوار. لأنه في حال تحقيق السيطرة العسكرية على شمال حلب، فإن تجمعات الطائفة العلوية حول اللاذقية وطرطوس تصبح في مأمن، من جهتي الشمال والغرب.
وعلى رغم التعقيدات السياسية التي اكتشفها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، فهو يحرص على ضرورة تطبيق وقف إطلاق النار الذي وُقِّعَ في نهاية شباط (فبراير) الماضي. لذلك ناشد الرئيس بوتين بأن يمارس ضغوطه على الرئيس السوري، لاقتناعه بأن مفتاح الأزمة موجود في جيب الرئيس الروسي.
وفي هذا السياق، يتساءل المبعوث الدولي عن المكاسب التي يجنيها بوتين من وراء محاصرة حلب، وإخضاع المعارضة لشروطه.
الجنرال سيرغي كورالينكو، المسؤول عن المركز الروسي لمراقبة وقف إطلاق النار، يدّعي أن نظام التهدئة في اللاذقية وحول دمشق مطبَّق الى أبعد الحدود. في حين يتعرض هذا النظام للخلل بسبب تفكك صفوف المعارضة، وإصرار ممثليها على إنهاء سيطرة الأسد قبل تشكيل حكومة موقتة. ومثل هذا الشرط يخدم روسيا وإيران، اللتين تستفيدان من المماطلة لاستئناف القتال، وإنما على نار هادئة.
الثابت من مراجعة بيانات التطمين التي حصل عليها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، أن توقعات بوتين لم تكن صحيحة. والسبب أنه أراد ممارسة ضغوط عسكرية على القوى المعارضة في سورية لا تقل عن الضغوط التي مارستها موسكو على معارضي الشيشان. وبما أنه نجح مع الرئيس بوريس يلتسن، في تطويع غروزني، وتثبيت حكومة تابعة لمشيئة روسيا، فقد تصور أنه بمقدوره تطويع التنظيمات الجهادية في سورية، بالطريقة ذاتها.
وقد استخدم بوتين، من أجل تحقيق هذا الهدف، أسلوب العنف الذي استخدمه هنري كيسنجر في فيتنام وكمبوديا عندما كان مساعدوه يتفاوضون على مشاريع السلام. وهذا ما فعله بوتين الذي شدَّد الحصار على حلب، وسمح لطيران النظام السوري بالتعاون مع طيرانه، بقصف المستشفيات والمنشآت الصحية، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى الاحتجاج والاستنكار.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في كانون الأول (ديسمبر) 1991، طالبت الشيشان وتتارستان بالاستقلال داخل روسيا الاتحادية. واعتُبِرَت تلك الخطوة بمثابة حرب مفتوحة قادها الرئيس بوريس يلتسن سنة 1993، أي حينما أعلنت الشيشان الاستقلال الكامل عن موسكو في إطار جمهورية الشيشان.
وعقب نزاع عنيف سقط خلاله مئات القتلى من الفريقين، قررت موسكو تجاهل الرأي العام والمنظمات الإنسانية، مستخدمة المدفعية الثقيلة والدبابات والصواريخ والطائرات والأسلحة المحرَّمة كالقنابل الحارقة والأسلحة الكيماوية. واستمرت المعارك سنة كاملة ركزت فيها موسكو اهتمامها على اقتحام غروزني بعد محاصرتها. وجاء في الوصف الذي أطلقته الأمم المتحدة عليها، بأنها المدينة الأكثر دماراً على وجه الأرض، إذ بلغت نسبة الخراب 95 في المئة، تماماً كالخراب الذي أحدثته قنبلة هيروشيما.
ويُستدَل من الغارات الأخيرة أن بوتين يطمح إلى نقل هذا النموذج من غروزني إلى حلب، على أمل بأن تستسلم القوى المعارضة من دون قيد أو شرط.
ولكن المقارنة في هذا المجال ليست صحيحة، لأن الدول الكبرى تخلت عن دعم الشيشان في كفاحها الطويل، الأمر الذي ساعد موسكو على إخضاعها بعد تدميرها بواسطة البراميل المتفجرة التي ابتكرها الجيش الروسي خصيصاً لحرب الاستنزاف. وقد تلقى الجيش السوري النظامي كميات كبيرة منها قام باستخدامها في حماه وحمص وحلب. وسجلت الصحف حصيلة القتلى في الشيشان، بأكثر من ثلاثمئة ألف مواطن، ما يشكل حوالى ربع السكان.
الأمم المتحدة لا ترى في الحرب الأهلية السورية قضية معزولة كالشيشان. وإنما هي قضية متعددة الأبعاد تخص تركيا وإيران والسعودية وقطر والولايات المتحدة. كما تخص لبنان (مليون ونصف المليون لاجىء سوري) وتركيا (2.7 مليون لاجىء سوري) والأردن (مليون ومئتا ألف لاجىء سوري) وألمانيا (أكثر من مليون لاجىء سوري).
يوم الأربعاء الماضي عقد مجلس الجامعة العربية جلسة طارئة لبحث الأوضاع المتدهورة في مدينة حلب، إثر الغارات الجوية التي شنها النظام. وطالب الأمين العام نبيل العربي بضرورة تثبيت الهدنة، ووقف الأعمال العدائية، وإتاحة الفرصة لوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصَرة.
ويرى المراقبون أن ازدياد عمليات القصف الجوي كان بسبب فشل الجولة الثالثة من محادثات جنيف، وإهمال الدعم السياسي الذي تطالب به المعارضة. وربما توقع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف أن تنجح الغارات المتواصلة في إنهاك المقاومة المحلية قبل الاتفاق على توسيع الهدنة لتشمل مدينة حلب وريفها.
ومع أن موسكو وعدت المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بالضغط على بشار الأسد كي يوقف الغارات الجوية، إلا أن هذا الوعد لم يتحقق بسبب اقتناع بوتين بأن النظام يحارب الإرهابيين ويدافع عن الشرعية. وهو يلتقي في هذا التصور مع المرشد الإيراني علي خامنئي الذي أعلن عن استمرار تأييد نظام الأسد، وتعزيز موقف «حزب الله» بحيث يبقى القوة الفاعلة في لبنان.
وبعد انكفاء الرئيس الأميركي باراك أوباما عن ساحة التدخل في الشرق الأوسط، تحوّل وزير الخارجية جون كيري إلى دمية استعراضية غير مؤثرة. لذلك قوبلت دعوته بضرورة تنحّي بشار الأسد عن منصب الرئاسة بكثير من الإهمال والاستخفاف. خصوصاً أن قيادات المعارضة السورية غير مطمئنة إلى دعم واشنطن التي حصرت اهتمامها بمحاربة «داعش» وليس بمحاربة الأسد.
والثابت أن سورية ليست وحدها الجبهة الوحيدة في المنطقة التي تعرقل تدخل الولايات المتحدة. فالأزمة الخطيرة في بغداد تنبىء عن تعزيز الخلاف بين حيدر العبادي وسلفه في رئاسة الوزارة نوري المالكي. خصوصاً بعدما تحدّاهما أنصار مقتدى الصدر داخل المنطقة الخضراء، الأمر الذي شجع إيران على التدخل خوفاً من استغلال العناصر السنيّة لمصلحة «داعش». لذلك قام أمين عام مجلس الأمن الإيراني علي شمخاني باستدعاء مقتدى الصدر إلى طهران، وتأنيبه على التظاهرات التي أضعفت نفوذ النظام الذي تحميه طهران.
يقول المراسلون الأجانب في ريف حلب إن الهدنة المتوخاة يمكن أن تعزل «داعش» وتبعده عن ساحة القتال. ولكنها في الوقت ذاته تمنع روسيا من تحقيق نصر كامل يمهِّد طريق الوحدة الوطنية أمام بشار الأسد. ومثل هذا الإخفاق يمكن أن يفتح صندوق «باندورا» أمام الدول المعنية بمستقبل سورية ومصير النظام. ويرجَّح أن يصر الأسد على الاحتفاظ بدمشق. ويترتب على احتفاظه بالعاصمة نقل عدد كبير من السنّة إلى تركيا. ومعنى هذا أن سورية لن تعود إلى حدود ما قبل الحرب في دولة موحدة. ولمّح الوزير جون كيري أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إلى أن التقسيم قد يكون ضمن الخطة (ب) في حال أخفقت المفاوضات السياسية وأجهضت عمليات وقف إطلاق النار في كل المحافظات. وهذا ما دعا موسكو إلى اعتماد الحل الفيديرالي. وهو حلٌ ناقص يترتب عليه المزيد من عمليات النزوح الداخلي وفق التوزيع المذهبي.
ويتوقع المراقبون حصول التقسيم إذا كانت سورية ستبدل طبيعة نظامها. وهذا ما حصل بعد الحرب بين الكوريتَيْن، الشمالية والجنوبية. كما حدث بين الهند وباكستان، بعدما أدى التقسيم إلى قطيعة سكانية ضخمة وعداوة عميقة بين الشعبين. وبسبب وجود قائد فذ في فيتنام (1954) مثل الجنرال «جياب» فقد عمل على إعادة توحيد شطري البلاد. بعكس قبرص التي تفصل قوات الأمم المتحدة بين شطريها اليوناني والتركي. كذلك أدى تقسيم البوسنة في اتفاق «دايتون» إلى إنهاء حرب عنيفة بين الصرب الأرثوذكس والبوسنيين المسلمين والكروات الكاثوليك.
ولكن رعاية هذه التقسيمات تمت تحت مظلة الاتحاد الأوروبي الذي قوَّض مكانة السيادة الوطنية. بينما الوضع في سورية يفتقر إلى هذه المظلة، لأن روسيا وحدها غير مهيأة للعب هذا الدور، ولو كان ذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة أو الجامعة العربية.
الوزير لافروف يبرّر لرئيسه فكرة التدخل في سورية لإنقاذ حليف قديم في مواجهة قوى المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي. واقتضت هذه الخطوة العسكرية منع التدخل الغربي من إنشاء مناطق حظر جوي أو ملاذات إنسانية آمنة. وكان من الطبيعي أن يؤدي تدخل روسيا إلى رجحان كفة الأسد في جزء كبير من غرب سورية. مثلما أدى الى إضعاف قوى المعارضة المعتدلة وتخفيف أثرها العسكري.
حقيقة الأمر أن بوتين استطاع أن ينهي عزلته الديبلوماسية الناجمة عن أزمة أوكرانيا. كما ملأ في الوقت ذاته الفراغ السياسي التي تركه أوباما في منطقة الشرق الأوسط.
وفي الشهر الماضي، اشترت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كنائس عدة في لبنان بغرض ترميمها وإعادة استخدامها. ومثل هذا المؤشر البارز يؤكد عودة النفوذ الروسي الذي أهمله الحزب الشيوعي مدة سبعين سنة تقريباً.