تفيد تقارير ديبلوماسية عليا ان جون كيري فوجئ خلال زيارته الأخيرة لموسكو عندما قدم له سيرغي لافروف مسودة دستور سوري جديد، وطلب منه درسه وإبداء الملاحظات عليه، تمهيداً للتوصل الى مسودة مشتركة تقوم كل من موسكو وواشنطن بتسويقها لدى حلفائهما!
هذه المعلومات ظلّت موضع شكوك وتساؤلات، الى ان جاءت تصريحات لافروف أول من أمس لتؤكّدها عندما أعلن في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرته الأرجنتينية سوزانا مالكورا انه "من المتوقع ان يتفق الأطراف السوريون المتفاوضون في جنيف على مسودة دستور جديد، وان ذلك الدستور سيُعتمد كأساس للإنتقال الى النظام الجديد، على ان يتم تنظيم إنتخابات جديدة مبكرة"!
من الضروري الإنتباه الى ان هذا الكلام جاء وقت كان بشار الاسد يجري أول من أمس انتخابات نيابية، اعتُبرت مسخرة المساخر في نظر المعارضة والأمم المتحدة وعدد كبير من الدول، بما يعني إنها لن تلبث ان تفقد معناها الدستوري والتمثيلي، وخصوصاً بعدما تحدث لافروف صراحة عن انتخابات مبكرة، بما يعني ان الإنتخابات التي اجراها الاسد مجرد إجراء مرحلي هدفه عدم السماح بحصول فراغ في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
أكثر من مسخرة المساخر، ان تكون مسودة الدستور السوري الجديد كتبت في روسيا وان "الشركاء" الأميركيين تسلموا نسخة عنها لإبداء الملاحظات تمهيداً لتسويقها لدى حلفائهم، ولا يهمنا هنا ماذا سيكون رأي الاسد الذي لن يقدم او يؤخّر، بل ماذا سيكون رأي الإيرانيين الغارقين في الوحول السورية، إلا اذا كان الأمر سيوفّر لهم حجة للخروج من المأزق المتزايد الذي يواجههم!
ما هو أكثر من المسخرة ان يواصل فلاديمير بوتين والجوقة السياسية سواء في موسكو أو في طهران الحديث عن حق الشعب السوري في تقرير مصيره، في حين يقوم الروس بكتابة مسودة دستوره الجديد نيابة عنه ويتولى الأميركيون وضع الملاحظات عليها تمهيداً لتسويقها والأصدق لفرضها على السوريين.
في هذا السياق لست أدري ما الفرق بين بشار الأسد عندما يجري انتخابات المسخرة، ولافروف الذي يكتب دستور المسخرة وكل ذلك بإسم الشعب السوري ونيابة عنه، وقت بات أكثر من نصف الشعب السوري إما في القبور وإما في اللجوء.
الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره وهو صاحب الحق الوحيد في هذا الشأن، صحيح تماماً ولكن أين هو الشعب السوري اليوم، مليونان ونصف مليون في تركيا، ومليونان في لبنان، و٨٠٠ ألف في الاردن، وأكثر من أربعة ملايين في التيه داخل سوريا، والاسد يجري انتخابات نيابة عن الشعب ولافروف يكتب الدستور لهذا الشعب... ويحدثونك حرام عن حق السوريين في تقرير مصيرهم!
تتحرك ما كينة إعلامية ضخمة بشكل متناسق مع سياسية استراتيجية تنص على أن الأسد ليس شخصاً مرغوب به اطلاقاً ، وفي الوقت ذاته لن يكون في موضع المجرم الذي سيحاسب على الجرائم التي فاقت "جرائم الحرب" أو تلك "الانسانية" ، ولذا بدأ الحديث عن بقاء صوري أو فعلي مع نواب يحيطون به يجردونه من صلاحيات أساسية ، للوصول إلي موافقة على خروج آمن و سليم ، دون حساب .
يوقن الجميع أن إعادة الشرعية لبشار الأسد تعني انهيار كافة القيم الانسانية و كذلك السياسية ، ولذا تبدو المصلحة الجمعية تتمثل بإنهاء بشار الأسد كشخص بشكل هادئ ، و أن يظهر ذلك بعملية سياسية رتيبة ، و لكن دون أن يكون هناك محاسبة له بصفة "مجرم" ، إذ أن هذه الصفة تعني بأن روسيا ساندة مجرم و سفاح و بالتالي لحقت بها هذه الصفة ، و هذا لا يجوز بحق القوة العالمية الثانية.
بعيداً عن المناكفات الإعلامية الهادفة لعملية جس نبض الشارع و تهيئة الظروف الكاملة لقبول أي طرح تم الاتفاق عليه بين روسيا و أمريكا ، يجتهد الساسة الفعلين للوصول إلى صياغة "باكج" كامل للحل من الألف إلى الياء ، و ما المرحلة التي تدور رحاها في جنيف إلا عملية رقابة لصيقة و متعمقة للشخوص و الشخصيات التي ستكون فاعلة في عمليات تركيب "مكعبات" الحل التي تم رسم لوحتها بدقة و بحاجة لدقة إضافية في التنفيذ.
و رفع السقف و التمسك المستمر و المتواصل و في كل مرة بشخص الأسد ، و تركيز الصراع على شخص و ليس نظام أو جيش أو هياكل أمنية ، يجعل البدء بالتنفيذ هيناً و سهلاً ، اذا يكفي أن يتم إزالة السد المانع "الأسد" لتنساب بعدها مياه الحل وفق المجرى المحفور ، إضافة إلى أن التركيز على المشار إليه (الأسد) له فوائد أخرى اذ انخفضت الطلبات من سحله في الشوارع بعد الانتصار العسكري ، إلى المحاكمة العادلة بعد الهزيمة السياسية ، وصولاً إلى عدم الوجود في مستقبل سوريا ، دون الاقتراب من مصيره كشخص.
ومن يدري اذا ما بقينا نركز على الأسد كشخص ، قد نصل لمرحلة نقبل بوجوده بشرط أن لا يكون أميناً عاماً لحزب البعث العربي الاشتراكي ، و أن يتم فتح باب الترشح أمام شخصية جديدة لشغل هذا المنصب ، لاشيء مستحيل وسط هذا التخبط المريب و حب الظهور العنيف من قبل الجميع ، و فتح الفم و التفوه بكل شيء و أي شيء لتحقيق ظهور هنا أو هناك .
تمثل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي أجراها نظام الأسد، مشهدًا آخر في مسرح اللامعقول الذي كرسه نظام الأسد في السنوات الخمس الماضية في سوريا، وكان بين مشاهده الأخرى الأكثر إثارة قتل واعتقال ودمار وتهجير وإفقار وتجويع للسوريين، فاقت كل ما يماثلها من مشاهد، ظهرت على مسرح اللامعقول العالمي طوال عقود طويلة من الزمان في بلدان العالم المختلفة.
والانتخابات الأخيرة في بعض جوانبها، لا سيما في مسارها وفي نتائجها، بدت استمرارًا لنهج كان قد كرسه الأسد الأب في عهده الطويل، وقد بدأه بمجلس معين في عام 1971، قبل أن يرسم تجربة الانتخابات المحسوبة النتائج بصورة مسبقة ودقيقة للغاية، ولم يتم خرق تلك النتائج إلا مرات قليلة، وفي مناطق محدودة. وعمليات الخرق القليلة كانت نتيجة أخطاء من النظام وأجهزته، وخروجهما عن النهج المعمول به، أكثر مما كانت ثمرة لنشاط جماعات أو شخصيات عملت على خرق مسار الانتخابات ونتائجها، أو واحدة منها.
وبدا من الطبيعي أن يرث الابن فيما ورث من تركة أبيه الميت، تجربة الانتخابات البرلمانية، فكانت تجارب عهده الانتخابية مثل تجارب أبيه مع تعديلات طفيفة وغير جوهرية، غير أنه، ومع انطلاق ثورة السوريين على النظام في عام 2011، فتح الأسد الابن الباب أمام تبدلات عميقة في الانتخابات البرلمانية، فكانت تجربة عام 2012، التي تمت بداية العام الثاني من الثورة، ثم جاءت التجربة الأخيرة بعد دخول ثورة السوريين عامها السادس.
ففي عام 2012، وبدل أن يذهب نظام الأسد إلى حلول للقضية السورية تستجيب للمطالب الشعبية، وتتعامل معها بطريقة تتجاوز الحل الأمني العسكري الذي اتبعه، وتفتح الأبواب لحل سياسي، أصر على إجراء الانتخابات وجاء ببرلمان من مؤيديه ومن الشبيحة، ليدعموا سياساته وممارساته ضد الشعب، غاضًا البصر عما يحيط بالبلاد وبالسوريين من ظروف استثنائية، مؤكدًا رغبته في الاحتفاظ بالسلطة مهما كانت النتائج، قبل أن يضيف إلى ذلك فعلاً آخر مماثلاً في الانتخابات الرئاسية، التي جددت لبشار الأسد في عام 2014 وجوده على رأس نظام فقد شرعيته السياسية والوطنية والأخلاقية.
ثم جاءت انتخابات عام 2016، لتكون مسارًا إلى الأعمق في نهج النظام ورئيسه، متجاوزة وقائع تضرب في الأعماق فكرة إجراء أي انتخابات برلمانية، حيث تتوزع السيطرة في البلاد على سلطات الأمر الواقع المتصارعة، القسم الأكبر مساحة منها تسيطر عليه قوى الإرهاب والتطرف من «داعش» و«القاعدة» وأخواتهما، وقسم آخر تسيطر عليه قوى المعارضة المسلحة، وقسم تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سياسته الملتبسة، وقسم أخير يسيطر عليه النظام وحلفاؤه، وفي هذا الشق من السيطرة تنتصب قوى خارجية، تتبع دولاً، بينها إيران وروسيا وميليشيات من الأفغان والعراقيين واللبنانيين وغيرهم.
والنقطة الثانية في الوقائع المحيطة بانتخابات عام 2016، تكمن في حال السوريين الذين وزعتهم السياسات الدموية والإرهابية للنظام وحلفائه وجماعات التطرف إلى نحو ستين في المائة موجودين داخل الأراضي السورية، وأربعين في المائة مهجرين ولاجئين في بلدان الجوار وفي الأبعد منها. بل إن المقيمين في الداخل السوري لا تجمعهم ولا تساعد الظروف على مشاركتهم في عملية انتخابية، إذ لا يسيطر النظام بصورة كاملة إلا على محافظة واحدة هي طرطوس، وعلى أغلبية محافظة اللاذقية، وله سيطرة ملتبسة على محافظة السويداء، ووجود نسبي في بقية المحافظات، ما عدا الرقة وإدلب الخارجتين كليًا عن سيطرته.
النقطة الثالثة في الوقائع أن الانتخابات جرت في أجواء مساعٍ دولية لحل سياسي وفق مضمون القرار 2254 الذي انعقد مؤتمر «جنيف3» على أساسه، وعلى أعتاب جولته الثالثة، التي قيل إنها للبحث في موضوع الانتقال السياسي في سوريا، الأمر الذي يعني عدم جدية النظام في التعاطي مع المساعي الدولية أو استهانته بها على الأقل، من خلال سعيه إلى تكريس وقائع تعيق جهود التسوية.
النقطة الرابعة المحيطة بالانتخابات، تزامنها مع استئناف العمليات العسكرية للنظام وحلفائه في ثلاث جبهات على الأقل، تشمل دمشق وحلب والمنطقة الوسطى، في خرق واضح للهدنة، وهو ما ترافق مع إعلان مجيء قوات إيرانية إلى سوريا للقتال مع قوات النظام، وزيادة المشاركين في حرب النظام من الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية بهدف انتزاع أراضٍ جديدة من سيطرة قوة المعارضة، وخلق وقائع ميدانية تحسن وضع النظام على الأرض، وتفرض تلك الوقائع على مجريات المفاوضات سواء لتحسين ظروف الفريق التفاوضي للنظام أو لتعزيز قدرته على تعطيل الحل السياسي.
وسط تلك الوقائع، تبدو انتخابات النظام البرلمانية، مجرد مشهد مسرحي، لا يخفف من معناها إعلان النظام، أن إجراءها هو استحقاق ينبغي الحافظ عليه، ولا تبدل نتائجها، التي جلبت مطبلين ومزمرين وشبيحة من المؤيدين والمرتكبين، ليصيروا أعضاء في مجلس شعب دمية، يقارب التجربة العملية في الانتخابات البرلمانية السورية الشائعة، بل ويزيد عليها الكثير!
العنف الشمولي الذي مزق المجتمع السوري في السنوات الخمس الأخيرة يختلف نوعياً عن عنف بعض الحروب الاهلية في العقود السابقة مثل حروب البلقان في تسعينات القرن الماضي. النظام في سوريا اعتمد وحشية ممنهجة أدت الى مقتل عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون بواسطة أساليب تعذيب رهيبة، ووثق سبل قتلهم وفق اوامر خطية موقعة من بشار الاسد وكبار مساعديه وصغار جلاديه. الانظمة الشمولية توثق دوماً همجيتها. هذا ما فعله البعث العراقي في ظل طغيان صدام حسين، وهذا ما يفعله نظام الاسد في سوريا. المقال الطويل الذي نشرته مجلة "نيويوركر" بعنوان "ملفات الاسد" يرسم صورة مروعة وموثقة لوحشية منظمة اعتمدها النظام لتحطيم الانتفاضة الشعبية عليه. نظام الاسد استخدم الطائرات الحربية والمروحيات والصواريخ والمدفعية الثقيلة والاسلحة الكيماوية ضد شعبه، ودك مدناً وبلدات، وهذه الوحشية علنية وموثقة.
ولكن ما كشفه مقال "ملفات الاسد" هو ما يمكن تسميته بيروقراطية القتل المنظم في معتقلات النظام وسجونه، وما يسمى بمستشفياته العسكرية، حيث يشارك الاطباء والممرضون في تعذيب المعتقلين وقتلهم. المقال يتطرق تفصيلاً الى عمل "الخلية السورية المركزية لإدارة الأزمة" التي شكلها الأسد والتي يشرف عليها، وهي تنسق اعمال آلة التعذيب والقمع المؤلفة من اجهزة الاستخبارات المختلفة والسجون والمعتقلات، وتتولى بشكل ممنهج تنفيذ الاوامر والتعليمات الخطية للقيادة. هذا عالم تحت أرضي تمارس فيه فظائع لا تصدق: تجويع، تشويه، تقطيع للاوصال، حرق للمعتقلين ليموتوا ببطء، ضربهم لكسر عظامهم، وخنقهم وحتى تذويبهم. ولدى المحققين الدوليين نصف مليون صفحة من الوثائق وهناك اطنان من الوثائق المخبأة داخل سوريا، سوف تستخدم في المستقبل لمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم.
واذا كان النظام السوري يمارس وحشية منظمة ضد معارضيه، فان "داعش" يعتمد ويمارس ما يسمى "ادارة التوحش"، أي استخدام أبشع أنواع العنف الطقوسي والعلني لترهيب الاعداء ولتقوية عزيمة الانصار ليعتادوا قسوة الجهاد. ارهابيو "داعش" مثلهم مثل جلادي الاسد يتلذذون بالتفنن في قتل العزل.
وقد وصل حديثاً الى واشنطن عرض فني تفاعلي بعنوان "الحدائق تحكي" انتجته اللبنانية تانيا الخوري وهو يروي التاريخ الشفوي لعشرة ناشطين قتلهم قناصة النظام ودفنوا في حدائق خاصة. عشرة قبور مع شواهدها وترابها. عليك ان تدخل الحديقة - المقبرة حافيا وان تنبش التراب وتضع خدك في الثرى لتسمع قصة حياة الشهيد ومقتله. هكذا تعرفت إلى حياة وأمال أحمد بوابة الذي قتله قناص وهو في الثانية والعشرين في حلب. "كتير موتي كان بيشبهني، موت عادي ما حدا عرف فيه ولا انتبهلو غير اللي كانوا بلحظتها واقفين جنبي". ودعته قائلاً: يا أحمد محكوم علينا بالامل.
لا معنى لقول ستافان دو ميستورا إن محادثات جنيف التي استؤنفت أمس ستركّز على عملية الإنتقال السياسي، لأن من الواضح ان هذه العملية أُفرغت تماماً من مضمونها وأهدافها منذ تمكن سيرغي لافروف من إقناع جون كيري بأن لا مفر من بقاء بشار الأسد ليساعد في تنفيذ هذه العملية!
كيري قال لمحطة " العربية" قبل أيام إن بقاء الأسد ضرورة لاستكمال الإنتقال السياسي، وهذه هرطقة ومسخرة أولاً لأن الأسد يريد ان يكون الإنتقال منه وإليه، ربما تأكيداً لنظرية أنه خط أحمر، وثانياً لأنه يتعامل مع المحادثات في جنيف وكأنها بلا هدف أو معنى، والدليل أنه أخّر إرسال وفده الى هناك لأنه تمسك بإجراء الإنتخابات النيابية أمس، وان خمسة من أعضاء الوفد الحكومي المفاوض مرشحون لهذه الإنتخابات التي تتعارض كلياً في جوهرها وتوقيتها مع أهداف محادثات جنيف وخصوصاً لجهة عملية الإنتقال السياسي.
قياساً بالعمليات العسكرية المتصاعدة في حلب حيث يضاعف الطيران الروسي عملياته ويشن النظام وحلفاؤه هجوماً كبيراً يقولون إنه ضد "داعش" و"النصرة"، وقياساً بما سمعه كيري من الإيرانيين عندما طلب منهم المساعدة على حمل الاسد على ترك السلطة، تبدو جولة المحادثات الجديدة في جنيف مجرد مضيعة للوقت، أو بالأحرى مجرد عملية خداع ديبلوماسي هدفه شراء المزيد من الوقت لمواصلة الحل العسكري الذي يتمسك به النظام الذي يلقى دعماً ثابتاً من الروس، على رغم إعلانهم تكراراً أنهم يسعون الى حل سياسي عبر جنيف.
علي أكبر ولايتي قال لكيري وما شأنكم أنتم ببقاء الاسد أو رحيله أوليس تقرير هذا من حق الشعب السوري، ثم ان ايران تريده ان يبقى الى آخر ولايته وربما الى الأبد طبعاً، ومن الواضح والمفهوم ان البرلمان الذي جرت مسخرة إنتخابه أمس هو الذي يمكن بالتالي ان يتولى تجديد هذه الولاية.
اذاً ما معنى حديث كيري ودو ميستورا عن عملية الإنتقال السياسي؟
صحيح ان ورقة دو ميستورا التي تم الإتفاق عليها في جلسة المحادثات السابقة في جنيف تنص في بنديها السادس والتاسع على ضرورة حصول إنتقال سياسي، وصحيح ان الروس وافقوا على هذه الورقة، لكن العقدة التي تمسك بخناق محادثات جنيف منذ البداية هي موقع الاسد من هذه العملية الإنتقالية ومتى يمكن ان يخرج من السلطة.
المعارضة السورية تتمسك بأن يترك السلطة في بداية هذه العملية، وكان هذا موقف واشنطن دائماً، ولكن بعد زيارة كيري الأخيرة لموسكو يبدو ان لافروف أصابه بعدوى نظرية بقاء الاسد حتى نهاية هذه العملية، التي يبدو انها لن تنتهي إلا عندما يقتنع الجميع بنظرية موسكو حول الفيديرالية التي تمثل رهان واشنطن الضمني منذ البداية... مفهوم؟
مرة جديدة، تطرح الإدارة الأميركية فكرة تزويد #المعارضة السورية مزيداً من الاسلحة لمواجهة #النظام_السوري ، فهل حسمت واشنطن أمرها هذه المرة أم أن الفكرة لا تتعدى كونها ورقة ضغط على النظام بالتزامن مع محادثات جنيف؟.
فمع انطلاق جولة جديدة من محادثات السلام لسوريا برعاية الأمم المتحدة، توالت التقارير الواردة من واشنطن عن خطة أميركية لتزويد المعارضة السورية المعتدلة مزيداً من الأسلحة الفتاكة، في حال انهيار الهدنة المعمول بها منذ ستة أسابيع والتي بدأت تترنح أخيراً.
وبموجب ما دأبت وسائل الاعلام الأميركية على تسميته "الخطة ب"، أعدت إدراة الرئيس باراك أوباما، لائحة بأسلحة ستسمح لحلفائها، أي السعودية وتركيا، على الأرجح بشحنها الى المقاتلين الذين يحاربون نظام الرئيس بشار الأسد، الا أن الخطة معلقة الى حين تحديد مصير وقف النار.
ونسبت صحيفة "وول ستريت جورنال" ومجلة "الفورين بوليسي" إلى مسؤولين أميركيين أن وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" وشركاءها الإقليميين، وضعوا خططاً لتزويد المعارضة المعتدلة في سوريا بأسلحة أكثر فتكاً إذا انهار اتفاق وقف الأعمال العدائية المستمر منذ ستة أسابيع.
وبحسب المجلة والصحيفة الاميركيتين تدعو الخطط الى شحن أسلحة يمكن أن تستهدف مقاتلات النظام ومواقع المدفعية التابعة له.
وكانت الصحيفة الأميركية أوردت في شباط الماضي أن القادة العسكريين والمستشارين الإستخباراتيين الكبار في إدارة أوباما يضغطون على البيت الأبيض لوضع "خطة ب" لمواجهة روسيا في سوريا. ومذذاك، وردت معلومات متفرقة عن طبيعة الأسلحة الجديدة التي يمكن نشرها بموجب برنامج سري.
اجتماع سري
وتمت مناقشة الإستعدادات في اجتماع سري لرؤساء أجهزة الإستخبارات في #الشرق _الأوسط قبل دخول وقف النار حيز التنفيد في 27 شباط الماضي وفي اتصالات لاحقة بين أجهزة الإستخبارات.
وفي تلك الإجتماعات، تلقى أعضاء في التحالف الدولي ضمانات أولية من وكالة الإستخبارات المركزية "سي آي إي" بأنهم سيحصلون على موافقة لتوسيع الدعم للمعارضة السورية المعتدلة. وقد وافق أعضاء التحالف على العناوين العريضة للخطة ب، إلا أنه لا يزال يتعين على البيت الأبيض الموافقة على لائحة الأسلحة المحددة قبل ادخالها الى الميدان الحربي.
وقال المسؤولون إن وكالة الاستخبارات المركزية كانت واضحة أمام الحلفاء بأن المعدات العسكرية، في حال تمت الموافقة عليها، ستمنح للمقاتلين إذا انهارت الهدنة والمسار السياسي الراهن الرامي إلى التوصل الى سلام دائم، وإذا اندلع قتال واسع النطاق.
تركيا والسعودية
ويشكل هذا التطور المتعلق بلائحة الأسلحة جزءاً من جهد أوسع خلف الكواليس تبذله إدارة الرئيس باراك أوباما لمنع شركائها في الإئتلاف الدولي الذين يدعمون المعارضة المعتدلة من أخذ الأمور على عاتقهم.
وأفاد مسؤولون أميركيون أن "الرسالة الخاصة التي نقلتها واشنطن إلى موسكو مفادها أن المعارضة السورية المعتدلة لن تتراجع، وأن عودة إلى القتال على نحو واسع يمكن أن يضطر السلطات الروسية إلى تعريض مزيد من الطيارين الروس للخطر مجددا".وأضافوا أن السي اي قدمت ضمانات لحلفائها في التحالف الدولي، بمن فيهم تركيا والسعودية بأن واشنطن ستسمح للتحالف المعارض للأسد بتزويد المعارضة المعتدلة مزيداً من الأسلحة ، وإن تكن حذرتهم من التحرك من دون موافقة أوباما وتزويد المقاتلين أسلحة منع الرئيس أوباما إدخالها الى الميدان حتى الآن.
Manpads
وتقول "الفورين بوليسي" أن "السي آي اي" سمحت أًصلاً بشحن صواريخ "تاو" المضادة للدبابات وصواريخ "غراد " الى المعارضة السورية ، لكن السعودية وتركيا تدفعان منذ فترة طويلة لشحن أسلحة أخرى ، بما فيها الصواريخ المحمولة على الكتف Manpads ، والتي تخشى الإدارة الاميركية و"السي اي اي" وقوعها في أيدي إرهابيين يستخدمونها ضد طائرات مدنية.
واقترح شركاء في التحالف تخفيف الخطر، بتعديل الأنظمة للحد من مدة بطارياتها أو تركيب أجهزة استشعار لها تمنع اطلاقها خارج المناطق المحددة في سوريا، إلا أن واشنطن لا تزال مترددة.
تحويل دفة الحرب
وقال رئيس" مجموعة "أروراسيا" ، وهي مركز أبحاث، الخبير الجيوسياسي أيان بريمر لموقع "بيزنس إنسايدر" إن "ثمة نقاشاً كبيراً داخل الادارة الاميركية في شأن سبل المساعدة لتحويل دفة الحرب السورية....وتشارك في هذا النقاش حفنة من الأشخاص المحبطين ، بينهم وزير الخارجية جون كيري".ولكنه لا يبدي تفاؤلاً كبيراً في هذا الشأن، لافتاً الى أنه سبق للرئيس اوباما أن أقر بأنه يسلّم الحرب السورية الى الرئيس المقبل.هو ليس سعيداً بما يحصل ولكنه لن يصعد كثيراً في الاشهر القليلة الباقية له في البيت الابيض".
وبدوره، لم يبد أندرو تابلر الباحث في معهد واشنطن المتخصص في الشأن السوري متفائلاً بتصعيد أميركي.
وقال للموقع نفسه:"سمعنا أموراً كهذه سابقاً، لذا دعونا لا نحبس أنفاسنا".
أما الاستاذ في كلية الاقتصاد في لندن فواز جرجس فقال إن "لا شيء سرياً في الخطة.المسؤولون الأميركيون يقولون علناً إنه اذا فشل جنيف، سيتحولون الى الخطة ب التي تعني تزويد المقاتلين السوريين أسلحة نوعية، بينها صواريخ محملة على الكتف".
ومع ذلك، قال إن تسريب بعض تفاصيل الخطة "يخدم هدفين...ممارسة ضغط على الروس وإعادة طمأنة المعترضين في الولايات المتحدة والمنطقة أن إدارة أوباما لم تتنازل عن المشكلة السورية لروسيا".
أما تابلر فيرى أن خططاً كهذه هي نتيجة المشاكل التي يواجهها ديبلوماسيون في جنيف".
زيارة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان لأنقرة، أخذت أبعاداً مهمة في تركيا. فالعاهل السعودي حرص على زيارة تركيا قبل بداية القمة الإسلامية، التي تستضيفها إسطنبول اليوم.
وفي نفس الوقت، يصل إلى تركيا بعد زيارة تاريخية لمصر، نقلت العلاقات السعودية المصرية إلى مستوى جديد. ولذلك، كان اهتمام المراقبين بالزيارة ونتائجها. واتفقت التعليقات بأن الزيارة الناجحة والتطابق في كثير من المواقف، سيعمل على تطوير نوعي في العلاقات الثنائية، والعمل سوياً على إيجاد حلول لمشاكل المنطقة.
وهناك قناعة واضحة أن البلدين يحتاجان إلى بعضهما، فتركيا تحتاج إلى السعودية ودول الخليج، من منطلق أن هذه دول مستقرة، وتستطيع أن تتشارك مع تركيا في السعي إلى استقرار المنطقة.
كما أنها أسواق ضخمة، وفي مشروعها الاقتصادي، تتطلع تركيا إلى أسواق استراتيجية. وهي تستفيد من توجه الاستثمارات السعودية إليها، وكذلك السياحة الخليجية، التي أصبحت تشكل دخلاً مهماً في الاقتصاد التركي.
كما أن السعودية تنظر إلى تركيا كشريك مهم وقوة إقليمية في المنطقة. ويمكن لها أن تلعب دوراً مع السعودية في استقرار المنطقة، خاصة أن البلدين لم يعرفا نزعات توسعية، بل السعودية تنطلق في سياستها إلى ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، كما أن تركيا لها سياسة معروفة، أطلقت عليها تسمية (تصفير المشاكل)، وهي تعنى أن تكون في سلام مع الجميع.
وهذا يسهل على البلدين ترجمة مشروع سياسي مشترك. خاصة أن التمدد الإيراني في المنطقة يشكل إزعاجاً، ليس للسعودية فحسب، بل حتى لتركيا. وهي تنظر لسياسات إيران في تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، بعين من القلق وعدم الرضا.
ويتفق كثير من الأتراك أن إيران هي القاسم المشترك في مشاكل المنطقة، وعند زيارتنا ضمن الوفد المرافق لخادم الحرمين لمركز سيتا (مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية) في إسطنبول، وعقدنا ندوة مشتركة مع مفكرين أتراك، أوضحوا أنهم يرون أن إيران هي المشكلة، وقال محيي الدين أتامان نائب المدير العام في المركز، إن المنطقة تحتاج إلى تحالف سعودي تركي مصري..
وأن مثل هذا التحالف، هو الذي يستطيع أن يقف في وجه السياسات الإيرانية التوسعية. وقال إن تركيا لن تقبل بالتدخل الإيراني في دول المنطقة. واستشهد بالتدخل في سوريا، الذي قال إن تدخل إيران ساهم في تصعيد المشاكل الداخلية في سوريا.
تركيا دولة مهمة، وموقع جغرافي مهم، ولها علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعضو في الناتو والمجلس الأوروبي ومجموعة العشرين، وهذا يقربها من السعودية، التي تشترك معها أيضاً في عضوية العشرين.
والسعودية التي تنتهج الفكر الجديد في سياستها الخارجية، القائمة على بناء مصالح وعلاقات وشراكات مع دول العالم، تتجه إلى تركيا بقوة، ولا تضع اختلاف في أحد الملفات كعائق في مشروع تطوير العلاقة.
ففي موضوع الملف المصري، هناك تباين بين البلدين، ولكن هناك أصوات كثيرة داخل الحكومة التركية ومراكز الأبحاث، التي ترى أن هناك فرصة لمحور مهم، أضلاعه الرياض والقاهرة وأنقرة.
وهي نظرة واقعية، فمن ينظر إلى الخريطة السياسية الدولية، يجد أن الولايات المتحدة منسحبة بشكل ملموس من مشاكل المنطقة، فيما يعاني النظام الإقليمي العربي من تصدع، نتيجة انشغال دول عربية مهمة بمشاكلها الداخلية، والتي استفاد منها النظام الإيراني في تدخله في شؤون هذه الدول.
ويراهن كثيرون على قرار إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي، الذي يتوقعون منه نتائج تترجم هذه العلاقات والتقارب إلى مصالح متداخلة، وبناء استراتيجية سياسية موحدة لملفات المنطقة. خاصة بعد نجاح تجربة مجلس التنسيق السعودي المصري، الذي تمكن في أقل من ثمانية شهور، من إنجاز مشاريع ضخمة، وحل ملفات عالقة، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية العربية - العربية.
وتركيا لها مواقف إيجابية، فهي دعمت عاصفة الحزم، وانخرطت في مشروع التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، الذي تقوده السعودية.
كما أنها ترى أن إيران أصبحت أكثر عدائية في المنطقة، بعد توقيعها الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة. ويقول الدكتور خليال أوزجان عضو البرلمان التركي ورئيس جمعية الصداقة التركية السعودية، وبالمناسبة، هو أحد خريجي جامعة الملك سعود في الرياض، إن تركيا تنظر للسعودية كشريك استراتيجي موثوق به، وإن ما يجمع تركيا مع السعودية، يتجاوز بكثير ما يجمعها مع دولة مثل إيران. وأن الأتراك ينظرون للسعودية نظرة خاصة، كدولة قيادية وحاضنة للأماكن المقدسة.
السعودية في تحركها السياسي على أعلى مستوى، ممثلة في الزيارات الملكية، لديها رسالة واضحة، أنها دولة سلام واستقرار وتنمية، وأن مشروعها المهم، هو ضمان أمن واستقرار المنطقة، والانفتاح على العالم في نباء مصالح وشراكات تهدف إلى خدمة الشعوب، وتقديم الاقتصاد على السياسة.
إنه مشهد سوريالي فعلاً كيفما نظرت إليه. في سورية يذهبون إلى صناديق الاقتراع لاختيار 250 عضواً جديداً في مجلس الشعب. وفي جنيف يذهبون، في الوقت ذاته، إلى غرف المفاوضات للبحث في مصير النظام الذي يُجري الانتخابات في سورية للتأكيد على شرعيته وديمومته.
قد يكون التقاء التوقيت بين الحدثين مجرد صدفة، مع أن حصول الصدف أمر نادر في السياسة السورية. لكن هذا الالتقاء يعبر عن مفارقة أخرى، هي حجم التباعد بين رؤية دمشق ورؤية معظم العالم لما بات متعارفاً عليه على أنه «الحل السياسي». في سورية يتحدثون عن حل سوري نتيجة حوار سوري وبقيادة سورية، والمقصود طبعاً هو قيادة بشار الأسد. وفي الأروقة الدولية، بعيداً من موسكو وطهران، تتكرر عبارة «الانتقال السياسي» على كل شفة ولسان، بهدف إيصال رسالة إلى الأسد وشركائه، أن عبارة «انتقال» تعني، باللغة العربية كما بسائر لغات الأرض، الذهاب من مكان إلى آخر، وفي الحالة السورية الانتقال من الوضع السياسي الشاذ للنظام الحالي إلى وضع آخر يكتسب فيه النظام شرعيته من علاقاته السويّة مع شعبه ومن علاقاته الطبيعية مع سائر العالم.
عملية الانتقال هذه، التي كان يفترض أن تكون بديهية بعد كميات الدماء التي سالت على الأرض السورية، تجد عائقاً مهماً في طريق الوصول إليها. هذا العائق ليس النظام السوري، فهو أسهل العوائق وأبسطها عندما يحين وقت إزاحته. بل يتمثل العائق في القوتين الأساسيتين اللتين تشكلان مظلة للنظام السوري، وتتنافسان على قبض ثمن سقوطه، وهما روسيا وإيران. وأمامهما تقف الولايات المتحدة ومعها سائر الدول، التي ترى أن الحل في سورية لن يأتي سوى من طريق تغيير النظام، موقفَ العاجز.
من هنا، لا يُحسد المفاوضون السوريون الذاهبون إلى جنيف على الوضع الذي يجدون أنفسهم فيه، فهم بين فكّي كمّاشة: النظام ببطشه وآلته الدموية من جهة، والتنظيمات الإرهابية التي تتوسع على حساب ضعف النظام، وأحياناً كثيرة بالتواطؤ معه، وتهدد بالقضاء على أي أمل في إنقاذ سورية من هاتين الكارثتين.
المفاوضون الذاهبون إلى جنيف لا يجدون خياراً أمامهم، ولا شرعية لصفتهم التمثيلية لمعظم الشعب السوري، سوى بالإصرار على إبعاد بشار الأسد عن السلطة، لفتح الطريق أمام الإصلاحات الأخرى، التي تحافظ على مؤسسات الدولة، قبل أن تقضي الحرب عليها نهائياً. غير أن هؤلاء المفاوضين هم من دون سند دولي يسمح لمطلبهم هذا أن يرى النور. الولايات المتحدة فقدت القدرة على لعب أي دور في سورية، وبات دورها يقتصر الآن على اللعب في الملعب الروسي. الوزير سيرغي لافروف يفاخر بأن الأميركيين يدركون الآن أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً من دون روسيا. بل إن حالة الانهيار الأميركية بلغت حداً صارت مضطرة معه لاستجداء المساعدة الإيرانية من أجل إقناع الأسد بالتخلي عن السلطة، على ما كشفه علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد علي خامنئي، عندما قال إن الوزير جون كيري هو الذي طلب ذلك من الإيرانيين، الذين ردوا بأن من حق الأسد أن يكمل ولايته، وأن يترشح لولاية أخرى إذا شاء، «مثله مثل أي مواطن سوري». وزاد ولايتي موضحاً أن «رحيل بشار هو خط أحمر بالنسبة إلينا». علماً أن طهران تلتزم بخطوطها الحمر وتحترمها، على عكس ما يفعل رئيس جون كيري.
انتخابات مجلس الشعب السوري مضمونة النتائج، «ديموقراطية» كاملة الأوصاف بميزان النظام الذي تخلّى عن صفته البعثية لمصلحة «الوحدة الوطنية»، حيث لم يعد للشعارات أي معنى من فرط ابتذالها. أما مفاوضات جنيف الواقعة بين يدي دي ميستورا وسائر العاجزين عن فرض أي حل ينقذ سورية، فمضمونة النتائج هي أيضاً. من سينقذ السوريين من هذا المصير؟
حين ننظر إلى الوراء، القريب منه والأبعد نسبيّاً، تواجهنا ثلاث مسائل مستقلّة، وإن كانت مترابطة في النهاية، يطرحها التغيير السوريّ ويرتهن نجاحُه على المدى البعيد بوحدتها وتماسكها.
فأوّلاً، هناك مسألة الاستبداد الذي يستحيل في ظلّه إنجاز أيّ تقدّم اجتماعيّ أو مجتمعيّ من أيّ نوع، خصوصاً أنّنا هنا نتحدّث عن نظام بالغ التدخّل في الاجتماع والثقافة، وصارم التكييف بل المصادرة لهما، بما لا يتيح المجال، ما استمرّت قبضته، لأيّ رهان على مساواة المرأة بالرجل أو الإصلاح الدينيّ أو العلمنة.
وثانياً، هناك المسألة الثقافيّة، كالمساواة الجندريّة والعلمنة، والدفاع عن الأقلّيّات، التي لا يستقيم الصراع ضدّ الاستبداد ولا يكتمل من دون التصدّي لها ولبطنها الاستبداديّ الخصب المقيم في المجتمع نفسه، وإن استخدمته السلطة ووظّفته بما يلائمها.
وثالثاً، هناك النظام القرابيّ وامتداده الموسّع في النظام الطائفيّ، ممّا لا يُكافح إلاّ بالتشديد على مبادئ الوطنيّة والمواطنة، واستخلاصها من الولاءات الإيديولوجيّة المتوهّمة (أمّة عربيّة، أمّة إسلاميّة إلخ...)، ومن المعارك والتدخّلات العابرة للحدود الوطنيّة التي لا تنعكس على الداخل الوطنيّ إلاّ مزيداً من المخاوف والمحاذير الأهليّة المتبادلة.
والحال أنّ التقطّع والتقطيع هما على الدوام سمة العلاقة السوريّة بين هذه المسائل الثلاث. فأغلب المشتغلين على المسألة السياسيّة، أي مسألة الاستبداد، لا يعيرون وزناً للمسألة الثقافيّة، وحين يكون هؤلاء من الإسلاميّين يميلون إلى الاشتباه بالمسألة الثقافيّة ذاتها جملةً وتفصيلاً، بل يرفعون المجتمع، المؤمثل بعجره وبجره، في مواجهة الدولة «المنحطّة» و «البربريّة».
وبدورهم فإنّ أغلب المشتغلين على المسألة الثقافيّة، وفي عدادها التنوير، يضعون الاستبداد بين مزدوجين، أو يتغافلون عن طرحه كمسألة ضاغطة، بل حاكمة لسواها. ويذهب التجاهل إلى أقصاه حين يكون ضحايا الاستبداد من الإسلاميّين لأنّهم أيضاً خصوم التنوير والحداثة.
لكنّ الطرفين، السياسيّ والثقافيّ، تشاركا في التهوين من حجم المسألة القرابيّة – الطائفيّة («نحن لم نعرف الطائفيّة»)، كما تشاركا في تصيّد الحماسات العابرة للحدود، المسمّاة عند أحد الطرفين «قوميّة»، وعند الآخر «إسلاميّة»، وفي استزراعها في نسيج وطنيّ بالغ الهشاشة. فهنا، وحيال هذه الهشاشة، يُستحسن نزع الإيديولوجيا ما أمكن، بدل إعلائها، والتفكيرُ المتواضع بالقواسم المشتركة الممكنة بين جماعات وطن ممكن.
وهذا ما لا يُعدم أسبابه ومصادره في عموم تجربة المشرق العربيّ منذ احتكاكه بالغرب وأفكاره. فباستثناء مقطوعات إنشائيّة عن «حبّ الوطن» (اللبنانيّ بطرس البستاني)، ثمّ عن وطنيّة غامضة المضمون والملامح، سلبيّة التعريف («مناهضة الإمبرياليّة»...)، بقيت نادرةً مناسبات التطرّق إلى كيفيّة بناء الوطن وتعريفه ووصف العلاقات بين مكوّناته. وفي سوريّة تحديداً، «قلب العروبة النابض» و «الإقليم الشماليّ» في دولة أكبر، كان يستعان دوماً بالإيديولوجيا العروبيّة وبإسرائيل للهرب من بناء الدولة الوطنيّة، وهو ما استثمره إلى المدى الأقصى حافظ الأسد عبر سياسته التدخّليّة وشبه الإمبراطوريّة.
ولئن لم يتوقّف «برنامج» الحداثيّين العرب (علمنة، إصلاح زراعيّ، المساواة بين الجنسين...) عند الوطنيّة، فإنّه من خلال القوميّة والصراع ضدّ إسرائيل كان يزيد في هشاشة الحدود ويحيل الدول مجرّد «ساحاتٍ». وهذا علماً أنّ تلك الدول إنّما هي المسارح والإطارات التي تحتوي العلمنة والمساواة الجندريّة والإصلاح الزراعيّ وحقوق الأقلّيات...
كذلك لم تكن موضوعة الاستبداد أوفر حظّاً، خصوصاً مع ما أسّسه زمن الحرب الباردة، الذي هو أيضاً زمن دولنا المستقلّة وانتشار إيديولوجيّاتنا التي سادت. فقد كان التشبّه بأنظمة «حليفة للعرب»، توتاليتاريّة وشبه توتاليتاريّة، في الاتّحاد السوفياتيّ وكتلته، مصدراً اختياريّاً لإسقاط «الاستبداد» من ذاك «البرنامج» الحداثيّ. وهنا، وتحت تأثير «التقدّميّة» الرائجة، تمّ النكوص عمّا كان قد بدأ مع السوريّ عبدالرحمن الكواكبي والمصريّ وليّ الدين يكن...
وهذه، في عمومها، عناوين لمسائل ومراجعات تستحقّ، على الأرجح، شيئاً من النقاش.
١
تعد الغوطة الشرقية أحد أكبر العوائق الواقفة في وجه مشروع عصابات الأسد الطامح إلى جعل السيطرة في سورية محصورة في فئتين فقط، هما: قواته المجرمة وعصابات داعش الإرهابية. فما الذي يمكن أن يخدم الأسد وعصاباته، في استثمار ما يسمّى الحرب العالمية على الإرهاب، في ضرب الغوطة الشرقية؟
٢
إنّ عصابات الأسد تشنّ منذ سنوات حرباً إعلامية وأمنية على الغوطة الشرقية من داخل الغوطة نفسها. حيث استغلّت بدايةً بعض الخلافات الفكرية والمنهجية الموجودة بين فصائل الغوطة، وأرادت إدخالهم في مهاترات وصراعات جانبية، تحرفهم عن هدفهم الأساس وهو إسقاط النظام. هذا الهدف الذي يُفتَرض أن تتضافر لتحقيقه كل الجهود وبمختلف المشارب، لكن -مع الأسف- انساق بعضهم (من قادة، وأمنيّيين، وإعلاميين، وشرعيين يزيّنون لهم سوء أعمالهم) وراء تلك المهاترات الفارغة، والتي هي -في الحقيقة- حربٌ داخلية، خطرها أكبر من حرب الميدان والسلاح.
٣
كانت الحرب المركزة من قبَل عصابات الأسد تستهدف بشكل كبير ومباشر جيش الإسلام، ولا عجب في ذلك، فهو القوة الأكبر في الغوطة، والمرابط على أكثر من ٨٠٪ من جبهاتها، وبإضعافه تضعف الغوطة كلها. فكان ما رأيناه من تشويه وتحريض وطعن ومحاولة إسقاط داخلية، شارك بها من يعلم ومن لا يعلم أنه بفعله هذا يسير في مخطط رسمته له عصابات الأسد. هذا المخطط لا يختلف كثيراً عما حدث في كثير من الأراضي السورية، وكانت عصابات داعش ركيزة أساسيّة فيه.
٤
نعم، مخططٌ تكون داعش أبرز ركائزه، ويُراد تنفيذه حتى في الغوطة الشرقية الخالية من داعش!
عصابات داعش قد استؤصلَت -بحمد الله- (جسداً) من الغوطة، لكنها بقيت بقيت (فكراً) في أدمغة بعضهم دون أن يعلنوا ذلك. هذا الفكر متفشٍ بشكل كبير في صفوف جبهة النصرة، التي لم ينسَ أهل الغوطة لها مؤازرتها لداعش يوم استئصالها (بشهادة من قاد هذه المؤازرة من النصرة).
أصحاب هذا الفكر حافظوا على مراكزهم داخل النصرة، إلى أن ساعدتهم الظروف لينتقلوا الى تصدر القيادة، وذلك بحسب عناصر من النصرة من التيار المناهض لداعش فيها.
٥
وعبر النصرة، كانت بدايةُ مشروع داعش من جديد، لكن هذه المرة باحترافية أكبر وخبث أشد، رُسم مخططه على استغلال الخلافات بين مكونات الغوطة، لتتكلل هذه المرحلة بولادة "جيش الفسطاط" الذي يخضع بشكل تام لإدارة النصرة وفكرها المتدعشن.
"جيش الفسطاط" المولود سفاحاً، جاء ليوظّف المعطيات لمصلحة مشروعه:
- خلاف بين جيش الإسلام وأحرار الشام، سمّه إن شئت خلافاً فكرياً أو قل إنه نزاع على السلطة.
- نزاع بين جيش الإسلام ولواء فجر الأمة (الذي كان جزءاً من الاتحاد الإسلامي ثم انسحب)، بسبب أنفاق الغوطة ومواردها وغيرها.
- فيلق الرحمن الذي كان قريباً جداً من جيش الاسلام، تحوّل قربه بعد مدة قصيرة إلى خلاف، بعد أن انضم له الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، ناقلاً إلى الفيلق خلافاته الفكرية مع الجيش.
٦
ما أسلفنا ذكره لم يكن سوى توصيف لحال الغوطة، وأبجديات لفهم ما يجري فيها، ولسنا نتهم أيّاً من هذه الأطراف بعمالة أو نحوها، وإنما بالغفلة والتعصب الفكري والمناطقي والمنهجي. ناهيك عن عدم استطاعة جيش الإسلام احتواء هذه الخلافات، حيث يقع عليه اللوم الأكبر، كونه -كما وضحنا سابقاً- الفصيلَ الأقوى المطالَب باحتواء المشاكل والحفاظ على الغوطة. نعم، استطاع جيش الإسلام استئصال داعش التنظيم، ولكنه فشل في استئصال الدعشنة الموجودة فيه وفي باقي الفصائل الأخرى، والتي دائماً ما تفضي إلى الصدام بين رفاق السلاح ((الدعشنة هنا دعشنة التصرف والتعامل الجلف)).
٧
إن المشروع برمّته هو عملية تضييق على الغوطة الشرقية، وشيطنة لها أمام المجتمع الدولي، لتصوّر عصابات الأسد له أن حربها على الغوطة إنما هي جزء من حربها على داعش. وذلك عبر مخطط ذي شقين: تتولى جبهة النصرة قيادته داخلياً، مع اقتراب داعش إلى مشارف الغوطة خارجياً.
ربما هي صفقة بين عصابات داعش وعصابات الأسد (تدمر-الغوطة)، وربما يُفتَح المجال لتدخل عصابات داعش الغوطة من شرقها، بعد إضعاف الجبهة الداخلية وخلخلتها.
ومما يغيظ المؤمن، أن يرى جموعاً في داخل الغوطة تسير بغفلة خلف ما يُكاد لها، دون تصوّر المفاسد المترتبة، فكلٌ يسير خلف رؤيته متشبثاً بها.
۸
في النهاية ليس في المقدور إلا ان نوجه رسالة إلى قادة الغوطة، على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والمناطقية والتنظيمية، فنقول:
ما يُمكر لكم أكبر من أن تختلفوا في وجوده. وما ستضيعونه بخلافاتكم من دماء وأرواح وأراضٍ محررة، أكبر بكثير مما ستحصلون عليه من مكاسب جزئية.
كل من يراهن على العدالة الأمريكية إما مغفل أو ابن ستين ألف مغفل، فقد قالها الكثير من الاستراتيجيين الأمريكيين، وعلى رأسهم، جورج كنان في الخمسينات عندما سخر من كل الذين يؤمنون بالعدالة الأمريكية. وقد قال ما معناه إن كل من يعتقد أننا نحترم حقوق الإنسان، أو نشجع على العدالة والديمقراطية يجب أن يزور أقرب طبيب نفسي. هذا هو النهج الأمريكي منذ أن ظهرت أمريكا كقوة عظمى على المسرح العالمي. وبالتالي، لا تتفاجأوا أبداً إذا كانت أمريكا تتحالف مع الشياطين من أجل مصالحها القذرة، وتدوس كل القيم والأخلاق والديمقراطيات عندما تتعارض مع مصالحها. لا تتفاجأوا أبداً إذا رأيتم أمريكا تدعم أحقر وأقذر الطواغيت على وجه الأرض، بينما تعادي كل من يحاول أن ينهض بوطنه وشعبه. بعبارة أخرى، فإن الأمريكيين لا يتحالفون مع الأخيار، بل مع الأشرار، لأنهم يحققون المصالح الأمريكية أكثر بكثير من الأخيار الذين غالباً ما يحققون مصالح شعوبهم وبلادهم. وكل من يحاول أن يحقق مصالح شعبه، فسيكون بالنتيجة عرضة للاستهداف الأمريكي.
لقد درج الأمريكيون تاريخياً على احتضان أبشع الطواغيت والجنرالات، وخاصة في أمريكا اللاتينية حديقتهم الخلفية. وذات يوم سأل صحافي أمريكي الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون: «يا سيادة الرئيس أنتم ترفعون شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنكم في الوقت نفسه تدعمون ذاك الطاغية الحقير الذي يحكم شعبه بالحديد والنار. هل يعقل أنكم يا سيادة الرئيس تدعمون حاكماً ابن زنا»، فرد نيكسون ببرود شديد قائلاً: « صحيح أننا ندعم هذا الطاغية النغل (ابن الزنا)، لكنه ابن الزنا بتاعنا». لقد لخص نيكسون السياسة الخارجية الأمريكية ببلاغة عز نظيرها.
ولو أردنا أن نحلل السياسة الأمريكية الآن تجاه بشار الأسد وأردوغان مثلاً، فما علينا إلا أن نسترجع كلمات نيكسون، فالأمريكيون يحتضنون، ويدعمون فقط من يحقق مصالحهم، وليس من يحقق مصالح بلاده. لاحظوا بربكم كيف أن أمريكا تركت طاغية كبشار الأسد يقتل أكثر من مليون من شعبه، ويشرد حوالي خمسة عشر مليوناً، ويحول بلداً عظيماً إلى ركام على مدى خمس سنوات، دون أن يرمش لها جفن. وكل ما فعلته على مدى الأعوام الماضية إطلاق تصريحات سخيفة لم تعد تقنع أطفال المدارس مثل تصريح أن بشار الأسد فقد شرعيته. ليس لدى أمريكا للضحك على ذقون السوريين والعرب سوى ذلك التصريح البائس. وقد أعلن ضابط كبير من وكالة الاستخبارات الأمريكية قبل أيام أن الوكالة قدمت للرئيس باراك أوباما أكثر من خمسين خطة للإطاحة بالنظام السوري، لكن الرئيس أوباما رفضها جميعها. ويقول أحد الساخرين إن الرئيس الروسي بوتين المفترض أنه حليف بشار الأسد الأقوى استخدم حق النقض الفيتو مرتين فقط في مجلس الأمن لحماية بشار الأسد من السقوط، بينما الرئيس الأمريكي المفترض أنه ليس حليفاً لبشار الأسد رفض أكثر من خمسين خطة لإسقاط بشار. وبالتالي، يمكن القول ببساطة إن الصمت الأمريكي على ما يفعله الرئيس السوري في سوريا والمنطقة منذ خمس سنوات هو بمثابة شهادة حسن سلوك أمريكية لبشار الأسد، على اعتبار أن الصمت علامة الرضا، فلو لم تكن أمريكا سعيدة بما يفعله الأسد، ولو لم يحقق لها ما تريد، لما تركته يعيث خراباً ودماراً وتشريداً منذ خمس سنوات. صحيح أن أمريكا تتخلص بلحظة ما من عملائها وخدمها، لكنها تدعمهم دعماً هائلاً أثناء تأدية واجبهم لصالحها كما تفعل الآن مع النظام السوري.
وبينما نرى أمريكا ترفض المساس بأبشع طاغية في العصر الحديث، نسمع كبار المسؤولين الأمريكيين وهم يؤيدون علناً أي انقلاب يطيح بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي حقق لبلاده المعجزات على الصعيد الاقتصادي والديمقراطي والنهضوي. وقد قال السيناتور الأمريكي ميشيل روبين قبل أيام فقط إن جهات سياسية أمريكية مستعدة بالاعتراف بأي انقلاب يستطيع الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رغم أن أردوغان وصل إلى السلطة بانتخابات شعبية ديمقراطية مائة بالمائة، بينما بشار الأسد وصل إلى السلطة زوراً وبهتاناً، وغيروا له الدستور بدقائق كي يناسب عمره الصبياني آنذاك. واستمر في السلطة عبر استفتاءات مفبركة النتائج في أقبية المخابرات. مع ذلك بدأت أمريكا الآن تقول إن مصير الأسد بيد الشعب السوري. حتى أنها سحبت تصريحاتها السخيفة السابقة التي كانت تقول إن الأسد فقد شرعيته. وعندما نسمع أمريكا وروسيا تقولان الآن إن مصير الاسد يجب أن يقرره الشعب السوري، فهذا يعني حرفياً أن واشنطن وموسكو تدعمان بقاء الأسد أو فرضه على السوريين زوراً في انتخابات مزيفة محسومة النتائج مسبقاً. متى استطاع السوريون ان يختاروا رئيسهم بحرية أصلاً بوجود أجهزة أمن تزوّر حتى درجات الحرارة؟
لم أر منافقين أكثر من الأمريكان أبداً، فعندما زار الرئيس التركي أمريكا قبل أيام، راحوا يهاجمونه هناك بشدة بحجة اعتقال صحافي تركي. بالنسبة للإدارة الأمريكية: أردوغان ديكتاتور، لأن حكومته حققت مع صحافي، أما بشار الأسد الذي قتل أكثر من مليون سوري، واعتقل أكثر من نصف مليون، ودمر ثلاثة أرباع سوريا، وقام بتشريد نصف السوريين، فأمره، بالنسبة لجوقة الكذب والنفاق في واشنطن، متروك للشعب السوري كي يقرره ديمقراطياً. يا للهول! يعني أردوغان الذي انتقل بتركيا إلى العالم المتقدم ديمقراطياً واقتصادياً ديكتاتور صغير كما وصفه أوباما، ويجب تقليم أظافره. أما بشار الأسد الذي انتقل بسوريا إلى العصر الحجري فأمره متروك للسوريين حسب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية. لاحظوا كيف يشيطن الإعلام الغربي «الديموخراطي» أردوغان، ويمجد نيرون العصر وهولاكو الشام بشار الأسد.
«إذا رضيت عنك أمريكا، فاتهم نفسك». مقولة تنطبق حرفياً على النظام السوري. كن طاغية كبشار الأسد يرضى عنك الأمريكان. كن زعيماً وطنياً كأردوغان يتآمر عليك الأمريكان.
أهدرت السعودية وتركيا أكثر من فرصة في سورية، ولو تدخلتا مبكراً قبل سنوات لحسم مسألتها لكان ذلك أقل كلفة مما تدفعانه الآن، لذلك يجب ألا تضيعا فرصة كسب السباق نحو الرقة هذه المرة، فذلك التنظيم المسمى «خلافة» و «دولة إسلامية»، ليس هو بالخلافة ولا بالدولة، وينتظر من يطلق عليه رصاصة رحمة.
لا بد أن إيران وحلفاءها الروس والميليشيات العراقية وذلك النظام البائس في دمشق، الذي يوفر لهم الشرعية لحربهم ضد الثورة السورية، مجتمعون الآن، يناقشون في ما إذا كان من المصلحة المضي نحو الرقة وإعلان «تحريرها»، بما يوفر لهم ذلك من كسب إعلامي، يضيفونه إلى مكسب «تحرير تدمر»، أم أن المصلحة في ترك «داعش» يؤدي دوره المناط به في تبرير وجود الروس والقوات الخاصة الإيرانية وشتى الميليشيات الطائفية المحتشدة هناك، مع تخويف المجتمع الدولي من ذلك التنظيم المخيف وإشغاله بالسؤال: «داعش أولاً أم بشار؟».
وقبل أن يحسموا أمرهم، ليت السعوديين والأتراك وحلفاءهم يمضون نحو الرقة قبلهم، فهم غير معنيين بتوفير تبريرات لهذا أو ذاك، وإنما يجب أن يعنوا فقط بالقضاء على تنظيم إرهابي يهدد أمنهم ويوفر ساحة للتخطيط والتآمر عليهم، و «أمل زائف» لثلة من الحمقى يعتقدون أنه نواة دولة إسلامية تمتد ما امتدت الأبصار والشمس والقمر، فها هم يقتلون أقاربهم رجال الأمن في الدوادمي والخرج، ويفجرون أنفسهم في أنقرة وإسطنبول.
ولكن مشكلة السعودية وتركيا في حليفتهما الكبرى، الولايات المتحدة! فقرارها تائه. لم تعد انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب تشغل رئيسها أوباما، أو تدفعه لاتخاذ قرار شجاع بالتدخل أو على الأقل توفير غطاء أممي لغيره كي يتدخل. إنه مشغول بحماية اتفاق «الخمسة زائد واحد» الذي يعيد إيران إلى المجتمع الدولي، ولعله يصوغ الآن كلمته الوداعية، التي سيقول فيها إن العالم أصبح أكثر أمناً بهذا الاتفاق، وأن انتظروا القوى الإيرانية المعتدلة اللطيفة الظريفة التي ستصعد - بفضل الاتفاق - إلى مفاصل الحكم في طهران وتحول إيران من ثورة تتدخل في شؤون الآخرين وتنشر القتل والدمار في المنطقة باسم مهدي غائب وخرافات لا مكان لها في العلاقات الدولية، إلى دولة معتدلة مسالمة.
السعودية لم تنتظر أوباما في اليمن، فلِمَ تنتظره في سورية؟ والسوريون أدركوا خطأهم عندما ناوروا الأميركيين حول سؤال: «أيهما أولاً، داعش أم النظام؟»، فقالوا لن نقاتل «داعش» إلا أن نقاتل النظام معه. حتى كاتب هذا المقال وقع في ذلك الخطأ الاستراتيجي، فبرر امتناع الثوار عن مقاتلة «داعش» قبل الحصول على تعهد أميركي بدعمهم ضد النظام.
كان حرياً بالثوار، ومعهم السعوديون والأتراك، أن يجروا الأميركيين إلى المستنقع السوري تحت راية محاربة «داعش». لقد أدركت المملكة هذا المدخل عندما أعلنت استعدادها لإرسال قوات برية إلى سورية لمحاربة التنظيم، فرحبت الولايات المتحدة، ولم تلتزم بإرسال قوات برية مثلها، ولا حتى توفير حماية جوية، واكتفت باتفاق وقف العمليات القتالية مع الروس، الذي رحبت به الرياض من باب ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه.
استقرت حال وقف العمليات القتالية، وعاد التوازن بين الثورة والنظام، وبادر الأخير بالتقدم نحو تدمر وأعاد احتلالها من «تنظيم الدولة» بسلاسة تثير الريبة.
ولعلهم كما سبق يتذاكرون في ما إذا كان من الحكمة المضي نحو الرقة؟ والتفاضل هنا بين الاختيارين سياسي، لا عسكري، فلقد أثبتت عمليات درعا ضد «داعش» الجارية حالياً والتي يقودها تحالف من الثوار (بينهم «النصرة»، ولكن هذه تعقيدات لا بد منها) وتدعمها قوات خاصة أردنية وغرفة عمليات في عمان (مزيد من التفاصيل والتداخلات التي يمكن إنكارها أيضاً)، إن «داعش» قوي بوصفه تنظيماً إرهابياً يقتل الأبرياء والضعفاء غدراً في الدوادمي وإسطنبول وبروكسيل، ولكنه ليس بجيش ولا دولة أمام قوة منظمة.
عمليات درعا قد تفتح غرفة العمليات الجنوبية نفسها لتحرير مساحات أكبر جنوب الرقة، على امتداد حدود الأردن مع العراق، ولكن التحرك الأساسي لا بد أن يكون من اتجاه الشمال، وهنا يوجد تزاحم سياسي، فبعدما رفضت المعارضة الوطنية السورية التعاون مع الأميركيين في خطة «داعش أولاً» أو «داعش فقط» تواصل هؤلاء مع الأحزاب الكردية ذات العلاقات المريبة مع النظام في دمشق وحزب العمال الكردي، الذي تعتبره أنقرة إرهابياً، والذي قام فعلاً بعمليات تفجير في تركيا أخيراً، وقامت واشنطن بدعمهم بالسلاح، وشجعت عشائر عربية على التحالف معهم بدعم من دول عربية إقليمية صديقة للرياض، وشكلوا «قوات سورية الديموقراطية»، التي تقاتل أيضاً القوى السورية الوطنية المتحالفة مع الرياض وأنقرة والدوحة (مزيد من التفاصيل المتعارضة والتداخلات التي تتعدد الآراء في تحديد أسبابها وفك رموزها).
كيف تفعل واشنطن ذلك؟ ولماذا؟ ستزداد الصورة تعقيداً لو علمنا أن «البنتاغون» يدعم أطرافاً في الثورة السورية غير التي تدعمها الخارجية والاستخبارات! وتزداد أكثر لو استعرضنا الخطط الخمسين التي رفضها أوباما لإسقاط بشار، وكشف عنها عميل سابق في الاستخبارات الأميركية!
السعودية وتركيا ليستا في حصة تاريخ لفهم ما يجري بين واشنطن وموسكو والقاهرة، مروراً بالحسكة والقامشلي. ما يجب أن يهمهما هو حماية أمنهما، ومنع مشاريع تقسيم سورية، ليس لأنه ضد مصلحة الشعب السوري فقط، وإنما لكونه لا يخدم مصالحهما أيضاً، ولن يكون ذلك حالياً، وفي ظل اتفاق وقف العمليات القتالية، ومفاوضات جنيف، إلا بدعم المعارضة الوطنية لتحرر الأراضي من «داعش»، إذ سيوفر ذلك دعماً سياسياً للمعارضة في المفاوضات، والأهم من ذلك سيوفر لها سلاحاً كثيراً يمكنها من إلغاء مشروع الأكراد، أو بالأحرى مغامراتهم الانفصالية وغير الواقعية، ويجهزهم للمفاصلة الكبرى مع النظام، فيما إذا أصر رئيس وفد مفاوضي النظام بشار الجعفري على إشغال مفاوضات جنيف بالتاريخ والجغرافيا والآداب، وليس برحيل بشار، كما طالب أول سوري خرج متظاهراً في درعا قبل خمس سنوات، وأقره عليه «جنيف1».