مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٧ أبريل ٢٠١٦
هل الهدنة مدخل لتقسيم سوريا؟

تتباين التقديرات الإسرائيلية لمصير الهدنة في سوريا والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية والمستقبل السياسي لسوريا، والدور الذي تلعبه روسيا هناك على الصعيدين العسكري والسياسي. وبينما بدأت أوساط أمنية إسرائيلية تتحدث عن مؤشرات تدل على تراجع نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا في الأشهر الأخيرة، وأن الانتصار على التنظيم اصبح مسألة وقت فقط، برز قبل يومين تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون استبعد فيه انتهاء الحرب في سوريا في وقت قريب.

ينبع الاهتمام الإسرائيلي بما يجري في سوريا من أمرين أساسيين: حرص إسرائيلي كبير على ألا تؤدي أي تسوية مستقبلية في سوريا الى تمكين إيران و"حزب الله" من ان يكون لهما وجود في هضبة الجولان، والأمر الثاني التأكد من أن الروس سيمنعون مستقبلاً انتقال أي سلاح متطور من سوريا الى "حزب الله".

يجمع أكثر من خبير ومحلل إسرائيلي على أن الانسحاب الروسي من سوريا ليس نهاية التدخل العسكري بل تغيير في شكله وطريقة عمله، وانطلاقاً من هذه الفرضية يرسمون أكثر من سيناريو لمستقبل سوريا السياسي.

يرى الخبير في شؤون سوريا أيال زيسر أن وقف النار والاعلان الروسي عن سحب القوات هما بمثابة فرصة يستخدمها الروس من أجل تقويم الانجازات العسكرية التي حققوها حتى الان والتي، على أهميتها، لم تحقق الحسم العسكري، وللبحث في امكان معاودة المعارك من جديد اذا اتضح انه من الممكن تحقيق هذا الحسم العسكري من دون التورط في حرب استنزاف دموية لا نهاية لها. وفي رأيه أنه اذا اتضح للروس أنهم لن يستطيعوا تحقيق هذا الحسم، فإنهم سيعملون على توطيد الهدنة الحالية، وسيسعون إلى تطبيق ترتيبات سياسية موقتة يتم بواسطتها تقاسم السيطرة السياسية بين بشار الأسد الذي تمتد مناطق سيطرته من دمشق شمالاً نحو مدينة حلب والساحل العلوي ومدينة درعا جنوباً، ومنطقة خاضعة لسيطرة المعارضة السورية السنّية المعتدلة المدعومة من الولايات المتحدة والسعودية وتركيا، وحكم ذاتي كردي في شمال سوريا.

يتفق محللون في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل مع وجهة النظر هذه، ويرون ان الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة في شرق سوريا لاستئصال الدولة الإسلامية من هناك، تجري بالتفاهم مع الروس على المستقبل السياسي لهذه المنطقة بعد خروج "داعش" منها. وان مستوى التفاهمات السياسية بين موسكو وواشنطن أعمق وأوسع مما هو متداول ومعروف.

لا يهم إسرائيل مسألة بقاء الأسد أو ذهابه ولا مسألة تقسيم سوريا، ما يهمها حماية حدودها من إيران و"حزب الله" أولاً ومن التنظيمات الجهادية ثانياً.

اقرأ المزيد
٧ أبريل ٢٠١٦
مسار الحل السوري وفقاً لاتفاق أميركي سوري كلي بشار الأسد للروس كما ميشال عون لـ"حزب الله"!

اصطدمت نهاية الجولة السابقة من المفاوضات بين النظام والمعارضة السوريين في 24 آذار الماضي بأمرين مترابطين، هما الانتقال السياسي ومصير بشار الأسد. وتتعثر العودة إلى الجولة الثانية التي حددت في 9 نيسان الجاري مع احتمال تأجيلها أياماً على وقع مفهوم الانتقال السياسي وآليته. والبحث في هذا الموضوع ملأ المرحلة التي امتدت من 24 آذار تاريخ انتهاء الجولة السابقة من المفاوضات وبدء الجولة الجديدة.

وتركز الكلام على مصير الاسد وإمكان الاتفاق عليه بين الأميركيين والروس من ضمن التفاهم الجديد الذي تكرس مجددا بين الطرفين في اثناء زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري لموسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف في 24 آذار، أي في اليوم نفسه لانتهاء الجولة الاولى من المفاوضات.


وتعززت المعلومات المتناقلة في الأوساط السياسية في بيروت على اثر زيارة الرئيس سعد الحريري لموسكو الاسبوع الماضي ولقائه الرئيس بوتين والمسؤولين الروس، وفيها ان الجدل الاميركي الروسي تركز على مصير الأسد خلال الاسابيع الماضية، وأكد الروس ان الولايات المتحدة باتت اقرب الى وجهة نظرهم في هذا الشأن، ولم تنف ذلك واشنطن وإن استمرت في تأكيد موقفها من مصير الاسد، ولا ينفي ذلك ان هناك توافقا جديا ومتكاملا بين واشنطن وموسكو على الوضع السوري. ومع ان الجولة السابقة من المفاوضات انتهت الى ما كانت اليه الجولات السابقة التي عقدت في 2012 و2014، لا يزال الرهان كبيرا على ممارسة كل من الجانبين الاميركي والروسي الضغوط اللازمة على طرفي الازمة من اجل التزام الخطوط التي وضعت للمفاوضات. والدليل الأبرز على ذلك كان خفوت المواقف الاميركية حيال خروق الهدنة التي قام بها النظام السوري او حيال إعلان إيران إرسال لواء من قواتها الخاصة الى سوريا على نحو يثير تساؤلات عما اذا كان ذلك يوحي المزيد من المعارك، علما ان عددا كبيرا من الضباط الإيرانيين كما من "حزب الله" سقطوا اخيرا في زمن الهدنة المفترضة في سوريا، او ان ذلك يرتبط بمحاولة ملء المناطق التي اتيح للنظام استعادتها لافتقاده العناصر الكافية من الجيش لمنع خسارتها مجددا.


الكلام على توافق اميركي روسي كامل في شأن سوريا يفيد بالتزام الطرفين كليا، وفق ما ينقل، بمندرجات القرار 2254 اي انتقال سياسي يؤدي في نهاية الامر الى اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الامم المتحدة، وذلك رغم عزم النظام على اجراء انتخابات في 13 من الجاري لا يعيرها الخارج اهمية كبيرة، وإن كان النظام يسعى من خلالها الى محاولة اسباغ طابع شرعي على نظامه، أو بيع الانتخابات ونتائجها لاحقا في الوقت المناسب. فهناك مسار يقول الطرفان الاميركي والروسي بالتزامه على قاعدة اقتناع الاميركيين وفق ما ينقل عنهم بأن روسيا ستقوم بما يتعين عليها من اجل ان تحمل الاسد على القبول بهذا المسار، بما فيه مفهوم الانتقال السياسي وصولا الى انتخابات رئاسية يتحدد فيها مصير رأس النظام السوري من خلال مشاركة جميع السوريين في الداخل والخارج، الامر الذي يفيد بأن انتخابات حرة مراقبة من الامم المتحدة لن تعطي النتائج نفسها التي يعطيها النظام في انتخابات يجريها هو، والنموذج الابرز هو ما سيقيمه في 13 نيسان متحديا مفهوم الانتقال السياسي، علما ان اكثر من نصف شعبه مهجر في داخل سوريا، وهناك بين 5 ملايين الى 6 ملاييين لاجئ في دول الجوار ومناطق لم يعط بعد موافقته على فك الحصار عنها مثل دوما القريبة من دمشق، وداريا، ومناطق اخرى، في حين تخوض عناصر ايرانية وميليشيات شيعية حربا ضد بعض المناطق من اجل دعم استمراريته.


لكن اللافت وفق المتابعين ان المنسق الدولي للموضوع السوري ستافان دو ميستورا اعلن، عشية استئناف الدورة الجديدة من المفاوضات وغداة زيارة لروسيا تحضيرا لها، ان المحادثات الجديدة يجب ان تقود في شكل ملموس الى بداية حقيقية لانتقال سياسي في سوريا.


وبصرف النظر عن مدى حتمية المسار الاميركي الروسي المتفق عليه، تبقى الشكوك كبيرة حوله انطلاقا من ان تطورات كثيرة يمكن ان تعرقله في مرحلة من المراحل. وحتى اليوم يبدو أن هناك هامشاً ما يتصل باستمرار استثمار ايران والميليشيات الشيعية التابعة لها في الحرب السورية بين جولة واخرى من المفاوضات، علما ان الاسد قد يكون غدا بالنسبة الى الروس وتمسكهم به، وفقا للمتابعين انفسهم، على نحو مماثل الى حد كبير لما يعتمده "حزب الله" في لبنان من خلال استرهان الانتخابات الرئاسية والتمسك بشخص حليفه وحده العماد ميشال عون، وذلك من دون ابداء اي تساهل ازاء التوافق على الانتخابات الرئاسية لاعتبارات ومصالح محددة وخاصة بالحزب، في حين ان اهدافه قد تكون في مكان آخر. وهناك على الهامش ايضا استمرار للصراع التركي الروسي الذي يستمر فصولا عبر دعم الأكراد السوريين. كما ان هناك ايضا الصراع الايراني العربي على سوريا والذي يثير اسئلة كبيرة عما اذا كان التوافق الاميركي الروسي كافيا للتخفيف من وطأته، خصوصا انه لا يزال محتدما بقوة.

اقرأ المزيد
٧ أبريل ٢٠١٦
مظلة أميركية - روسية لإيران في سورية؟

لن يكون مفاجئاً أن تنتقد إدارة الرئيس باراك أوباما، بدء موسكو تسليم طهران صواريخ من طراز «س 300» في غضون أيام، على رغم لغط واسع واكب تأجيل هذه الخطوة مرات. هذه المرة يتزامن النبأ مع إعلان إيران إرسال لواء من قواتها الخاصة إلى سورية، دفاعاً عن نظام الرئيس بشار الأسد، ويستبق «اللواء» الجولة الجديدة من المفاوضات غير المباشرة في جنيف، بين النظام ومعارضيه.

وإذا افترضنا أن كل ما تشهده إدارة النزاع في سورية وعليها، والمفاوضات التي يجرّدها النظام من أي هدف، يتعدى تشكيل «حكومة وحدة وطنية»... أنّ كل ذلك يُدار بتنسيق كامل بين واشنطن وموسكو، فلا بد من التشكيك بمغزى تأكيد إيران علناً إرسال القوات الخاصة إلى سورية، وبما يفترض بالتالي إطلاع الروس شريكهم الأميركي على هذا القرار. فإذا «ابتلعه» أوباما، كما ابتلع الكثير من آثام نكبة السوريين، منذ تغاضى عن استخدام النظام سلاحاً كيماوياً، يتحول الدور الإيراني في سورية إلى واحدة من أدوات التفاهم الأميركي– الروسي.

هذه المرة، لن يمتعض البيت الأبيض من «فيلق القدس» و «أبو المستشارين» قاسم سليماني. فعناصر القوات الخاصة التابعة للجيش الإيراني، ستنفّذ مهمة محدّدة، هي إحياء مظلة الدفاع عن نظام الأسد، ما دام البحث في مصير الرئيس السوري مؤجلاً بتفاهم الروس والأميركيين، ولن يكون على طاولة التفاوض. والتفاهم ذاته الذي غضبت موسكو لـ «تسريب» خبره وتنصّلت منه ضمناً، عادت لتؤكده بعد أيام قليلة، ما حتّم زيارة موفد الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا لروسيا.

وإذا كان بديهياً أن يفضّل الرئيس فلاديمير بوتين عدم توريط جيشه في وحول الصراع، ولو أدى ذلك إلى إحياء دور عسكري إيراني، فإن طهران ستجدد طمعها بدور الشريك الفاعل في رسم مستقبل النظام ومصير رأسه.

لعلّ المفارقة بين ما تذيعه واشنطن أو موسكو، وبين الوقائع، تكشف مزيداً من الخيوط الخفيّة التي تجعل كل الآمال المعلّقة على جنيف مجرّد سراب. وقد يجدر الانتظار ليبرّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري ما حصل بين نهاية شباط (فبراير) الماضي ومطلع نيسان (ابريل) الجاري، إذا وجد ما يدفعه الى التبرير. لم تمضِ سوى خمسة أسابيع على تأكيد كيري للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس سحب «الحرس الثوري» الإيراني عناصره وضباطه من سورية، حتى أعلنت طهران إرسال اللواء الذي ستدعمه وحدات أخرى عسكرية! فإما أن الوزير وقع ضحية كذبة، مصدرها موسكو أو طهران، وإما أنه قلّد شريكه الروسي سيرغي لافروف، ادعاء نتائج لإدارة الحرب على الأرض المنكوبة.

حتى ادعاء خفض «العمليات العدائية» قد لا يصمد طويلاً، وواضح أن التصعيد الميداني من قوات النظام وفصائل المعارضة، يستبق التعزيزات الإيرانية، فيما قوى المعارضة يائسة من جولة أخرى لمحادثات الغرف المغلقة في جنيف، وهي تسمع بوضوح تساقط أصوات في الغرب كانت تتعاطف معها.

ليس آخر المفارقات، اعتبار النظام تشكيل «حكومة وحدة وطنية» ترياقاً لآلام الذين فقدوا حوالى ثلاثمئة ألف ضحية... أو اتهام «داعش» بقصف جيشه بغاز الخردل في دير الزور. وهذا ليس لأن التنظيم يأبى الفِعلة، بل لأن النظام الذي استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه ما زال يوهم نفسه بأنه ضرورة حتمية للمحور الروسي- الإيراني، ويتمنى ضلعاً أميركياً للمحور.

ما يحصل في سورية قبل العودة إلى جنيف، لا يمكن وصفه أو تبريره إلا بتحقير جميع الشهداء الذين سقطوا خلال خمس سنوات من نكبة العصر. والكارثة أن يصرّ أوباما في نهاية عهده على تعويم نظام الأسد، مهما ادعت واشنطن العكس، وأن يصرّ بوتين على «انتصار» للكرملين «يبرد» الصراع في سورية، باقتلاع المعارضة وفصائلها المعتدلة... كارثة أن تكتفي أوروبا بإغلاق أبوابها أمام اللاجئين، لتتفادى تسلُّل انتحاريين، وتترك سورية وشعبها لفصول أخرى من الانتحار والجنون.

اقرأ المزيد
٤ أبريل ٢٠١٦
ثمن الأسد في البورصة السورية ـ الأوكرانية!

أين اختفت تصريحات وليد المعلم عن أن بشار الأسد خط أحمر؟ وكيف تبّخر كلام بشار الجعفري عن أن كل المعارضة من الإرهابيين٬ وأن النظام لن يفاوضهم في جنيف؟.. ثم لماذا «لحست» الرئاسة السورية فوًرا ما نشر في بيروت نقلاً عن الأسد «أن لا رهان على حل سياسي مع هذه المعارضة وأن الحوار معها لن يجدي»؟

يبدو أن الأسد تعلّم الدرس الروسي جيًدا بعد قيام فلاديمير بوتين بمناورة محسوبة لّوحت بسحب قواته من سوريا٬ وبعد تصريحات المسؤولين الروس الصادمة في دمشق بأن «على الأسد أن يمشي وفق الروزنامة التي تضعها موسكو إذا أراد فعلاً أن يخرج من الأزمة بكرامته».

يوم الأربعاء الماضي حرص الأسد على إعطاء «نوفوستي» و«سبوتنيك» الروسيتين تصريحات ترضي روزنامة بوتين٬ فقال إن «النجاحات التي حققها الجيش السوري والدعم العسكري الروسي لن تعرقل التسوية السياسية٬ بل ستعّجل بها»٬ وإن وفده إلى المفاوضات أظهر مرونة ولن يضّيع فرصة واحدة٬ وإنه لن يترك فرصة إلا ويجربها من أجل حل الأزمة٬ لكنه حاول الالتفاف على قيام «الهيئة الانتقالية» بالحديث عن «حكومة انتقالية».

الحكومة الانتقالية هدفها إبقاء التسوية تحت سقف النظام٬ وهو ما قد تتضمنه خطة ثلاثية سرية قيل إن موسكو وواشنطن وضعتاها قيد التشاور٬ وهي تهدف إلى إجراء انتخابات نيابية٬ ثم وضع دستور جديد٬ ثم إجراء انتخابات رئاسية٬ ودون هذا صعوبات وشروط وتناقضات وعراقيل هائلة طبًعا.

مفاوضات جنيف التي يفترض أنُتستأنف في 11 أبريل (نيسان) تشكل فحًصا للنظام٬ وإذا كان قد ابتلع ما تنطوي عليه ورقة دي ميستورا في بندها٬ السادس الذي يقول: «طبًقا لقرار مجلس الأمن 2254 يشمل الانتقال السياسي آليات حكم ذات مصداقية وغير قائم على الطائفية٬ ويشمل جدولاً زمنًيا لإعداد دستور جديد وتنظيم انتخابات حرة نزيهة»٬ وفي بندها التاسع الذي يقول: «السوريون ملتزمون بإعادة بناء جيش قوي موحد بوسائل تشمل نزع سلاح٬ ودمج أفراد الجماعات المسلحة الداعمة للعملية الانتقالية وللدستور الجديد».

إن موافقة موسكو على هذين البندين تعني قبولها عملية الانتقال السياسي في النهاية٬ وأن ما يدور من مناورات بين واشنطن وموسكو إنما يتعلّق بالروزنامة التي تحدد مواعيد هذا الانتقال وآلياته٬ والذي يعني عملًيا موعد خروج الأسد وبطانته من السلطة٬ فهل تشّكل تصريحات الأسد فيُبعدها السيكولوجي بداية تسليم بحتمية خروجه٬ خصوًصا في قوله إنه استجاب لكل المبادرات التي طرحت من دون استثناء ومن كل الاتجاهات؟

الأسد يحاول الحصول على صك براءة بعد استعادة مدينة تدمر٬ لكن هذا لا يلغي حقيقة أنه كان قد سلّم المدينة تسليًما إلى «داعش» في 20 مايو (أيار) من العام الماضي٬ عندما دخلها الإرهاب دون مقاومة٬ وها هو رئيس وفد المعارضة أسعد الزعبي يقول إن «الأسد كما سلّم تدمر إلى (داعش) تسلّمها منه الآن ليحصل على ورقة ضغط في المفاوضات»!

صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية ألقت الثلاثاء الماضي الشكوك حول حقيقة ما جرى في تدمر٬ عندما نشرت روايةُمستغربة لمدير عام الآثار والمتاحف مأمون عبد الكريم٬ وفيها «إن النظام السوري عمل في شكل سري مع 45 إلى 50 شخًصا داخل المدينة لإقناع (داعش) بعدم تدمير المدينة.. وإن التنظيم لم يسرق أوَيبع أًيا من الآثار»!

ولكن كيف يمكن للنظام أن يقنع «داعش» الذي يذبح البشر بحفظ الآثار٬ خصوًصا في ظل الحديث عن أنه يحاربه ويريد القضاء عليه؟.. طبًعا لا داعي للبحث عن أجوبة رغم قول الزعبي إن «التنسيق قائم بين (داعش) والنظام»٬ لكن ما يلفت هو تصريح عالم الآثار السوري علي شيخموص في ستراسبورغ لوكالة الصحافة الفرنسية٬ بأن «استعادة تدمر نبأ سار٬ لكن الآثار باتت معرضة للنهب من قوات النظام وحلفائه وسيقال: إن (داعش) هي التي نهبتها٬ خصوًصا أنه ليس هناك قائمة بمحتويات المتحف»!

الأسد يطرح استعادة تدمر على أنها دليل على أنه يقود تحالًفا ضد الإرهاب٬ ومنطَلًقا لتقديم خدمات لبوتين عبر توجيه الازدراء إلى السياسة الأميركية٬ فهو قال إن «استعادة المدينة دليل على نجاعة الاستراتيجية التي يتبعها مع حلفائه٬ في حين فشلت استراتيجية أميركا والتحالف الدولي»٬ ثم سارع مندوبه في الأمم المتحدة٬ بشار الجعفري٬ إلى ما يشبه السخرية من واشنطن بالقول إن «الحكومة السورية مستعدة للتعاون مع أميركا في تحالف دولي ضد الإرهاب٬ لكن فقط إذا نّسقت واشنطن العمل معها٬ وإن أميركا لم تنجح ضد (داعش)٬ لأنها لم تنّسق مع الحكومة السورية٬ بينما نجحت روسيا لأنها فعلت ذلك»!

مسخرة المساخر طبًعا عندما يّدعي النظام السوري أنه المدخل الضروري لمحاربة «داعش»٬ في حين أنه الرحم الذي استولد الدواعش عبر المذابح والتنكيل بالشعب السوري٬ لكن ما هو أهم من كل هذه «العراضات» الإعلامية ما يدور فعلاً في الدبلوماسية السرية بين موسكو وواشنطن حول سوريا.

لهذا تعالوا نقرأ كلمات نائب وزير الخارجية سيرغي ريباكوف التي أدلى بها بعد زيارة جون كيري إلى موسكو «كيري يحمل دائًما أفكاًرا ومبادرات٬ وقد بحثناها ولدينا أفكار خاصة بنا٬ وفيما يخص التقدم نحو عقد اتفاقات حول سوريا هناك خطوات ملحوظة إلى الأمام٬ لكن هذه الزيارة لم تأِت بتغيير مبدئي أو قرارات انفراجية حول ملفي سوريا وأوكرانيا»٬ وهذا يدفع إلى السؤال ما ثمن الأسد أوكرانًيا عند بوتين؟

كل ما قيل عن أن واشنطن اقتربت من نظرية موسكو بعدم بحث مصير الأسد ليس دقيًقا٬ فالبحث يدور حول آليات وروزنامة خروجه الذي يؤّكده التوافق على عملية الانتقال السياسي٬ وفي السياق ينفي مايكل راتني٬ مبعوث واشنطن الخاص إلى سوريا٬ كلام روسيا عن تفهم أميركا عدم بحث مصير الأسد٬ قائلا إن «الانتقال السياسي هو جوهر المفاوضات وهو ليس غامًضا.. إنه انتقال يستبعد الأسد». أما زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأميركية٬ جون برينان٬ إلى موسكو بداية الأسبوع فقد بحثت تحديًدا مسألة رحيل الأسد بوصفها مدخلاً لإيجاد حل سياسي للأزمة ربما عبر الخطة الثلاثية السرية الموضوعة قيد مداولات مع المعارضة والدول المهتمة بالأزمة.

واضح أن هناك في الدبلوماسية السرية بورصة سياسية أميركية ­ روسية٬ لتبادل الأسهم السورية والأوكرانية٬ فعندما يقول فيكتور أوزيروف٬ رئيس لجنة الدفاع والأمن في البرلمان الروسي٬ إن «موسكو لا تعد الحفاظ على الأسد أساًسا في التسوية٬ والعمل هو لمصلحة الشعب السوري وليس للحفاظ عليه رئيًسا٬ ولا بد من تهيئة الظروف ليتم تحديد من يقود سوريا»٬ يصبح من الواضح جًدا أن مصير الأسد موضوع على نار الدبلوماسية السرية الهادئة!

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٦
واشنطن وموسكو تختلفان على مصير الأسد!

حرص الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على إنهاء مهمته في المنظمة الدولية بجولة واسعة في الشرق الأوسط، كان لبنان إحدى محطاتها. واستغل رئيس مجلس النواب نبيه بري هذه المناسبة ليحضّ الأمين العام على ضرورة ترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية مع إسرائيل. علماً أن الإدارة الأميركية كانت اعترفت في التقرير الذي رفعه الخبير هوف بمساحة 580 كلم، في حين يؤكد جيولوجيون محترفون أن المساحة تتعدى 800 كلم.


وجاء طلب رئيس المجلس استطراداً لمحاولات بذلها بري مع مساعد وزير الخارجية الأميركية أموس هولشتاين، أثناء زيارته لبنان. والسبب - كما فسره بعض نواب الجنوب - يعود إلى حاجة الدولة اللبنانية إلى ضرورة استثمار اكتشاف احتياطات غازية ونفطية في المياه الإقليمية، خصوصاً بعدما قفز الدّين العام إلى أكثر من سبعين بليون دولار، في وقت يتوقع المصرفيون هبوط المداخيل الخارجية من سبعة بلايين في السنة إلى خمسة بلايين.


أما السبب الآخر، فيتعلق باحتمال سحب إسرائيل الغاز من الحقول اللبنانية من طريق الحفر الأفقي. ومعنى هذا أن كل تأخير في عملية الاستثمار سيخفض إنتاج الحقول اللبنانية في المستقبل. إضافة إلى رغبة إسرائيل في احتكار الاكتشافات المشتركة بين فلسطين وإسرائيل ولبنان وسورية وتركيا وقبرص.


عام 2000، اكتشفت شركة «اتحاد المقاولين» (سي سي سي) حقلاً غازياً أطلقت عليه اسم «غزة مارين». ويضم الحقل احتياطاً يقدَّر بترليون قدم مكعبة من الغاز، ويقع على بُعد ثلاثين كيلومتراً غرب ساحل غزة. لكن إسرائيل أصرت على إغلاق الحقل، مدعية أن «حماس» ستستثمر هذا المصدر لزيادة «إرهابها»، وتحويل جزء من الريع لتغذية صندوق المساعدات لفلسطين.


يقول المطلعون على محادثات الأمين العام في لبنان أنه لفت انتباه المسؤولين إلى ضرورة استئناف ترسيم الحدود مع سورية من الجهتين الشمالية والشرقية. وربما دفعه إلى إثارة هذا الموضوع القديم اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهمية إنشاء فيديرالية في سورية بهدف حل المشاكل المتأتية عن تركيبة المجتمع الإثني والطائفي. وهي تركيبة غنية بالتناقضات يمكن أن تساعد الفيديرالية على صهر العلوي والكردي والمسيحي والسنّي والأرمني والآشوري والكلداني والدرزي في بوتقة واحدة.


المهم أن الدولة اللبنانية كانت حريصة على ترسيم الحدود مع سورية، الأمر الذي شجع مديرية الشؤون الجغرافية على مفاتحة دمشق بهذا الموضوع. وأوكلت وزارة الدفاع المهمة إلى المقدم يوسف البيطار، والمهندس أمين عبدالملك، رئيس مصلحة المساحة، والمهندس ألبير متى، عن مديرية الشؤون الجغرافية.


بينما تشكل الوفد السوري على النحو الآتي: المهندس أحمد عبارة، مدير عام المصالح العقارية، والعقيد الركن عبدالودود السباعي، والمهندس عبدالحكيم عباس، مدير المساحة. واستند الجانب اللبناني في خرائط المساحة إلى الخرائط الرسمية الأولى التي وضعها مهندس فرنسي يدعى درافور. وكانت تلك الخرائط تشير إلى تداخل في الحدود من الجهتين.


يُستدَل من ملاحظة بان كي مون حول ضرورة ترسيم الحدود اللبنانية مع سورية، على إيمانه بأن المنطقة مقبلة على مرحلة ستُصاغ فيها حدود جديدة لبلدان جديدة. وهو مقتنع أيضاً بأن سورية ستتعرض للتفكك، وإعادة تشكيل المناطق على نحو يشبه إعادة ترسيم المنطقة عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية.


الرئيس بشّار الأسد يعلم أهمية السيطرة التي تفرضها قواته على أرض الواقع. وهذا ما ساعد الرئيس الروسي بوتين على تأمينه، خصوصاً أن استعادة مدينة تدمر ستوفر لموسكو مادة تفاوضية ثمينة يمكن توظيفها في أوكرانيا.


مصادر مطلعة أطلقت الأسبوع الماضي خبراً مثيراً يتعلق بالاجتماع الذي عقده الوزير الأميركي جون كيري مع الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف. ومع أن موسكو تكتمت على تفاصيل اللقاء، إلا أن مؤشرات كثيرة توقعت الاتفاق على ترحيل بشار الأسد إلى إيران، مع الاختلاف على تحديد ساعة الصفر.


الصحف الفرنسية شككت في مهمة كيري لاقتناعها بأن نشاط الرئيس باراك أوباما ابتعد من أزمات الشرق الأوسط. وذكر بعضها أن هذا القرار اتخذ في أيلول (سبتمبر) 2013. أي حين انسحب أوباما من الخطوط الحمر التي وضعها البيت الأبيض حول استخدام السلاح الكيماوي. يومذاك تعهد الرئيس الأميركي ضرب القوات السورية النظامية في حال ثبت أن الأسد سمَّم آلاف المواطنين بالغاز. لكن أوباما تراجع عن هذا التعهد مقابل الموافقة السورية - الروسية على إخراج هذا السلاح من التداول.


سفير إسرائيل السابق في واشنطن مايكل أورن ادعى في كتاب نشره الصيف الماضي أن فكرة إخراج السلاح الكيماوي من سورية مقابل امتناع واشنطن عن قصف قوات الأسد كانت فكرة إسرائيلية. وتقدم حينذاك بهذه المبادرة الوزير يوفال شتاينبتس!


تقول صحف بريطانية أن الاتفاق الأميركي - الروسي على ترحيل الأسد لم يعد ملزماً بعد استعادة تدمر بواسطة قواته ومساندة الطيران الروسي. وقوبل هذا الحدث بفرح عارم عبَّرت عنه شخصيات سياسية وثقافية في طليعتها عمدة لندن بوريس جونسون.


حقيقة الأمر أن تدمير الآثار والكنوز التاريخية على أيدي جماعة «داعش» كان الحافز الذي شجع الأسد على استردادها، ولو دفع الثمن غالياً من قواته النظامية. كما أن موقعها الاستراتيجي المميز شجع الروس على تكثيف غاراتهم الجوية.


يدل موقع تدمر الجغرافي على قيمتها التاريخية، كونها في وسط البلاد. وقد بنيت كمحور مركزي بين دمشق ودير الزور حيث يسهل الاتصال بالعراق. ويفترض العسكريون أن خطوة الأسد المقبلة ستركز على الوصول إلى دير الزور بغرض استعادة السيطرة على معابر الحدود مع العراق.


في الوقت ذاته، قد يدفع الأسد بقواته لاسترداد مدينة الرقة التي اتخذها الخليفة أبو بكر البغدادي عاصمة له. هذا، مع العلم أن «داعش» سيكون محاصراً من ثلاث جهات: من الشمال الشرقي على طول الحدود مع تركيا... ومن الغرب حيث ينتشر الجيش السوري... ومن الشرق حيث يوجد الجيش العراقي الذي يصعّد هجماته على الموصل.


يقول المراقبون أن انتصار الأسد في تدمر منحه قوة معنوية إضافية. كل هذا بعد تثبيت حكمه في دمشق وقاطع الشاطئ العلوي. وهو في هذه الحال مضطر لاستعادة السيطرة على جنوب البلاد، قرب الحدود مع الأردن. وهو المكان الذي انطلقت منه الثورة قبل خمس سنوات.


ويرى المراقبون أن «داعش» يفقد سلطته في العراق وسورية، بعدما قرر توسيع شبكاته الخارجية في ليبيا وتونس وباريس وبروكسيل. وفي مطلع السنة الماضية طُرِدَ هذا التنظيم من عين العرب (كوباني) المدينة الحدودية مع تركيا بواسطة وحدات حماية الشعب الكردي.


وفي آذار (مارس) من السنة الماضية، استعادت القوات العراقية مدينة تكريت. وشاركت طهران وواشنطن في استعادة هذه المدينة الكبرى المأهولة بغالبية من السنّة في محافظة صلاح الدين.


في تشرين الثاني (نوفمبر) من السنة ذاتها، استعادت القوات الكردية سنجار، لتقطع بهذا الانتصار العسكري طريقاً استراتيجياً كان «داعش» يستخدمه للتحرك بين العراق وسورية. وفي هذا الموقع، ارتكب التنظيم فظائع همجية بحق الأقلية الإيزيدية.


آخر السنة الماضية، استعادت القوات العراقية مدينة الرمادي على مسافة مئة كلم غرب بغداد. وفي 24 الشهر الماضي، دخل الجيش السوري مدينة تدمر الأثرية. لكن هذا الدخول المفاجئ أثار الكثير من التساؤلات حول التجاهل المتعمد الذي قابل به النظام احتلال «لؤلؤة البادية» على أيدي مقاتلي «داعش». ففي أيار (مايو) من السنة الماضية قامت قوات الأسد بالانسحاب من تدمر قبل ساعات من وصول جحافل البغدادي. ومع أن الطريق المؤدي إلى القلعة كان مكشوفاً أمام طائرات النظام، إلا أن الأسد لم يأمر بتحريك سلاح الجو، وإنما اكتفى بنقل المعتقلين إلى سجون أخرى في دمشق.


عقب سيطرة «داعش» على القلعة والمدينة المحيطة بها، أمر بقطع رأس مدير الآثار في المدينة خالد الأسعد (82 سنة) الذي شغل هذا المنصب طيلة خمسين سنة. وبعد أسبوع، قام بتدمير المعابد والتماثيل.


تفسر المعارضة السورية تلكؤ الأسد عن ضرب قوات «داعش» وهي في الطريق الصحراوي إلى تدمر بأنه قرار سياسي لمنع الصحافيين والمصورين من الدخول إلى سجن تدمر. والسبب أنه استقبل في عهد حافظ الأسد آلاف المعتقلين من جماعة «الإخوان المسلمين» وغيرهم. وقد نشرت منظمات حقوق الإنسان عشرات الكتب عن هذا المعتقل الذي شهد سبع مذابح. وكان بين الأسرى سوريون ولبنانيون (600 شخص) وفلسطينيون وأردنيون. وبعد تحرير تدمر، يمكن أن يدّعي النظام بأن «داعش» كان مسؤولاً عن كل الارتكابات والمظالم.


من مراجعة حقبة تزيد على ستين سنة، تطل خمس سنوات من عهد بشّار الأسد فقدت فيها سورية أكثر من 300 ألف قتيل، وهجرت الحرب الأهلية أكثر من سبعة ملايين نسمة. والمطلوب من الدول المحايدة 200 بليون دولار بغرض ترميم المدن المدمَّرة.


وعلى رغم كل هذه الحرب العبثية، يسعى بشار الأسد إلى تعزيز موقفه التفاوضي لأنه استرد «لؤلؤة البادية» بعد أن تخلى عنها لخصمه أبو بكر البغدادي!

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٦
عودة الثورة السورية إلى صباها الجميل

احتجت أن أمضي إلى العاصمة الأميركية كي أدرك من جديد حقيقة الثورة السورية بعدما علتها تشوهات لم تردها. دعتني الجمعية السورية الأميركية إلى مؤتمرها السنوي، والتي تعد أكبر تجمع للسوريين الأميركيين، وهم جالية معتبرة هناك. من بين النشاطات العدة التي نظموها عرض لفيلم «غاندي الصغير»، الذي يروي قصة شاب سوري حلم بالحرية واعتقد أنه يستطيع أن يطرق بابها بقنينة ماء ووردة بيضاء يهديها إلى جنود بشار الأسد وشبيحته لعلهم يقتنعون أنهم وهو شعب واحد، وأن حريته من حريتهم، ولكنهم لم يقتنعوا وقتلوه في بدايات الثورة.


قتل غياث مطر، غاندي الصغير كما سمّاه محبوه، كان أحد شرارات الثورة ومن أسباب تحولها إلى العمل المسلح كرد فعل على بطش النظام الذي لم يترك لهم اختياراً آخر، على رغم أن رفاقه في الفيلم، وفي أروقة المؤتمر لا يزالون يتناقشون في ما إذا كان ممكناً إبقاء الثورة سلمية. من الواضح أنهم يتمنون ذلك، ولكن لم يعد ذلك اختياراً وقد عاشوا قصف مدينة داريا بالمدفعية الثقيلة، ثم بالطائرات والبراميل المتفجرة وكأنها جبهة حرب، وأخيراً محاصرتها وتجويعها، ولا تزال صامدة على رغم قلة من بقي فيها مع شحّ في السلاح والإمكانات، بينما استطاع النظام أن يدحر تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) المدجج بالسلاح من تدمر الأسبوع الماضي، وهو الذي لم يؤمن يوماً لا بالتظاهرات السلمية ولا بحلم غياث في سورية ديموقراطية وتعددية بما في ذلك أنصار الرئيس، ولكنهم لم يستطيعوا اقتحام داريا.


بينما كنت أشاهد الفيلم، تأكدت لي 3 حقائق ترسم مقبل الأيام للأزمة السورية، أولها عودة الثورة إلى صباها الجميل، حلم «الربيع العربي» وآماله، الثورة السلمية، شعارات الحرية، وذلك في التظاهرات التي عادت إلى المدن السورية المحررة من قبضة النظام و «داعش» معاً، وغابت فقط حيثما بقي النظام أو حيث حل «داعش» مكانه، فالاثنان سواسية في جينات الاستبداد وإن اختلفت تشوهاتهما النهائية.


الحقيقة الثانية كانت في المفاصلة مع «جبهة النصرة»، التي تتماهى مع الثورة في ساحة الحرب عندما يعلو صوت الرصاص، ولكنها تتعارض معها في زمن السلم. خرجت تظاهرات في معرة النعمان وإدلب حيث لـ «النصرة» قوة وحساب، لم يطلب المتظاهرون من «النصرة» الرحيل وإنما أعلنوا عليهم الحرية، فروح الربيع العربي ترفض كل أشكال الاستبداد حتى من ذاك الذي يزعم أنه ينصر الثورة، الحرية في عرف المتظاهرين هي ألا يُفرض على أحد كيف يعيش، لتختر أيها «النصراوي» ما شئت من مدارج الحياة، تشدد كيفما شئت على نفسك، وأهل بيتك الضعفاء، ولكن ليس من حقك أن تفرض رؤيتك الضيقة على الناس والحياة. هذه المفاصلة مهمة، لأنها تشي باقتراب ساعة الختام، حين تسكت المدافع ويجلس المتفاوضون الحكماء لرسم سورية المستقبل، والتي لا بد أن تكون حرة تعددية، لا رؤية بشار ولا «داعش» ولا «النصرة» ولا كورد صالح مسلم.


الحقيقة الثالثة، الانسحاب الروسي وجدية مفاوضات جنيف، وقبلهما وقف العمليات القتالية، صحيح أن كل ما سبق ليس مطلقاً، فالروس لا يزالون يساعدون النظام، والمفاوضات تتحرك ببطء، ويحاول النظام التملص من استحقاقها الحقيقي، وهو لزوم رحيله، كما أنه لا يزال ينتهك وقف العمليات القتالية، ولكن كل ذلك يشير ثانية إلى عودة الثورة إلى صباها وصبرها الجميل، فهي لم تُرِد يوماً أن تكون ثورة مسلحة، وتعلم ألاَّ قِبَلَ لها بالنظام وبطشه، ومصدر قوتها في إصرارها على الحرية، والجميع يعودون إلى أصلها وسببها الأول «ارحل ارحل يا بشار»، الهتاف نفسه الذي سمعه مبارك مصر وصالح اليمن وابن علي تونس وقذافي ليبيا. إنه الربيع العربي من جديد ولكن مثخناً مثقلاً بالجراح والإحباطات، ولكنه لا يزال ينبض.


كان غياث مطر وهو يقدم قنينة ماء ووردة بيضاء لشبيح النظام، المشهد الأول للثورة السورية ضمن مشاهد عدة امتدت فوق كامل تراب وطن يتوق إلى الحرية، حديثه وأحلامه، مقتله والتمثيل بجثته، تشييع جثمانه وألم أهل داريا. ديبلوماسيون غربيون ليس بينهم سفير عربي واحد يحضرون عزاءه، ثم تتوالى المشاهد، شبان وشابات يتحدثون عن ضرورة العمل المسلح، آخرون يعارضونهم، تتحرر الضاحية من سيطرة النظام ويشعر أهلها بالحرية فيخرجون عن بكرة أبيهم يتظاهرون ويغنون للحرية، يختفي الخوف والتردد، فيقصفها النظام بالمدفعية، وسط الركام والدخان تختفي صورة غياث وسلميته. يتحدث رئيس النظام، فيصف المتظاهرين بأنهم مجرد عصابات مسلحة، تأتيه العصابات التي يريد، بأشكال عدة، الوطني منها، فلا يكتفي، يستمر بالقتل ويتحدث أكثر عن المؤامرة الخارجية، والإرهاب، والسعوديين والأتراك والقطريين. حتى ذلك الوقت لا يوجد في المسرح سوى شعب مقتول ونظام قاتل، ولكنه يريد إخفاء صورة غياث مطر وحمزة الخطيب وعشرات الآلاف الذين قتلهم. مع استمرار القتل، والتصريحات المستنكرة، واجتماعات باريس ولندن لمناقشة الأزمة السورية، نسينا نحن المتابعين من بعد، وكذلك السوري، كيف انطلقت الثورة وماذا أرادت؟


اختفت صورة الحرية والورود البيضاء، وبتنا نناقش خرائط سورية وألوانها بين «جيش حر» ومناطق النظام. ظهرت الطائفية بوجهها القبيح، ثم مشهد «داعش» الأقبح بلونه الأسود الذي كاد يخفي خلفه كل تفاصيل سورية الأخرى.


توارت الثورة السورية في مقالات المحللين ولقاءات المسؤولين إلى مجرد «حروب بالوكالة» وتفصيل من تفاصيل التدافع السعودي الإيراني، حتى وصل هذا الفهم الخاطئ المشوش إلى ذهن الرئيس الأميركي باراك أوباما، فبات يصرح به في لقاءته الصحافية.


في السنة الثالثة أو الرابعة من عمر الثورة، لم يعد أحد يتذكر غياث، أو حمزة الخطيب وغيرهما من رموزها، وإنما يترقب اجتماعاً بين كيري ولافروف وعادل الجبير وشاويش أوغلو، وزراء خارجية أهم الدول المعنية بالأزمة. محلل آخر تتضاءل الثورة في حبر قلمه إلى مجرد غضب وانتقام، أن بشار وصف الزعماء العرب بأنصاف الرجال في قمة عربية غير مهمة في حقبة عربية رحلت، وثالث يجعلها مجرد صراع دول وشركات غاز وبترول تريد مد أو منع أنبوب غاز يصل الخليج بأوروبا!


وفجأة تتراجع كل هذه المشاهد المزدحمة، وتعود سورية، تقف في صدارة مسرح الأحداث تصرخ بمطالب الربيع العربي الأصلية البريئة، ذلك الحلم العربي الرائع الذي تمناه غياث بأقل التضحيات، وبسلام مجتمعي، ولكنّ تحالفاً غير متوافق بين الاستبداد والقوى الطائفية والمترددين، أحبط هذا التحوّل السلمي، ولكن لم يقتله.


ذكرني غياث بشاب مثله: وائل غنيم، الذي كان من محركي ثورة 25 يناير المصرية، بعدما خرج من المعتقل عقب استقالة مبارك، وتوجه إلى استوديو برنامج «العاشرة» ليلتقي مقدمته الشهيرة منى الشاذلي. كانت مصر يومها غير مصر اليوم، عاطفة هائلة مشحونة بآمال وحب هائل للوطن سادت في جنبات المكان، استعرضت الشاذلي صور عشرات من الشباب الذين قتلوا في الثورة التي انتصرت للتو، انهار وائل باكياً مغمغماً أنه لم يكن يريد أن يموت أحد.


اليوم وبعدما ساد القتل والخراب مدننا وأريافنا، لم يعد هناك أحد يبكي أن مات عشرات، بات الخوف أن يموت الوطن.

اقرأ المزيد
٢ أبريل ٢٠١٦
أمريكا تدغدغ السياسة الروسية حتى نهاية عهد أوباما

كثفت واشنطن جهودها الحالية الهادفة لتعزيز تواجدها في سوريا على الصعيدين العسكري و السياسي بشكل متواز , من خلال ملاطفة موسكو وفي نفس الوقت التحضير الميداني المتسارع و الذي بلغ مداه مع الاستعداد لارسال المزيد من القوات البرية , في عملية مزج تضمن من خلالها علاقة وثيقة بين الجهود و الحصول على كل المطلوب

تفاوتت الاقوال الامريكية بين الغزل مع روسيا و بين التحدي المنمق , فبعد ان كشف مصدر دبلوماسي في الأمم المتحدة أن رحيل الاسد هو الأمر الحتمي الذي آل اليه الاتفاق الروسي الأمريكي , سارع وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف " , لينعت التسريبات الامريكية ب"القذرة" , و نافياً أي اتفاق بينهما بهذا الصدد
حاولت أمريكا أن تحفظ ماء وجهها أمام التبجح الروسي , و غيرت مسار الحديث , و دغدغت مشاعر السياسة الروسية , و فتحت مباحثات اغلاق الحدود التركية – السورية , في محاولة لـ"الطبطبة" على الروس , و ارضائهم بشكل نسبي بالرغم من اعلانها في الوقت نفسه , عزمها لزيادة عدد قواتها المسؤولة عن العمليات العسكرية في سوريا , و زيادة عدد الاشخاص الذين ستدربهم من السوريين , ليكونوا عيون للطائرات الحربية السابحة في الجو ٫ في اشارة منها أنها لن تدع سوريا لبوتين يتلذذ بها وحده
طبعاً الادارة الامريكية راضية رضاً تام منذ خمس سنوات , عن كل من القوات التي ترعاها ايران و تلك التي يمتلكها نظام الأسد القامع , هذا الرضا لم يمنعها من إعادة الأسطوانة "لا مرحلة انتقالية بوجود الأسد" , لتثبت للروس أنها لن تكون صامتة على الرعاية الروسية للإبقاء على الأسد , و أن يدها ستطاله من خلال الحل السياسي متى أرادت .
في الوقت الذي قام الروس بتقديم مسودة دستور جديد قام بصياغته المعارضة السورية المقربة من النظام السوري و التي زارت مطار حميميم في الآونة الاخيرة , و التي على ما يبدو لم تنص على رحيل الاسد , و تضارب الرد الأمريكي ٫ الذي ينتهج سياسة "الملاطفة و الصرامة" , بغية ضمان مرور الأيام المتبقية من حكم أوباما بشكل هادئ

لعبة الشد و الرخي هو الأسلوب الذي تتبعه امريكا مع الروس في سوريا , فتارة تصرح بدراستها للدستور المقدم و تارة تؤكد ان مصير الاسد هو الرحيل لا محال , بل انها شاركت المعزوفة التركية في هذه اللعبة , لتدخل الروس في ثبات مؤقت , و لم تمانع امريكا روسيا من اغلاق الحدود السورية – التركية , فيما انها قامت بالتوافق مع اردوغان منذ يومين على عدة امور و على رأسها عدم السماح بتشكيل دولة فدرالية للأكراد في الشمال السوري
و ربما هذا التقرب النسبي للأمريكان لقلب القيصر ليس مودة او عن قناعة و انما لتسلم في الوقت الراهن من لذعته التي اشتهر بها , ريثما تمضي الفترة النهائية لادارة أوباما

اقرأ المزيد
١ أبريل ٢٠١٦
خاطفو السوريات في لبنان ليسوا “دواعش” حتى يضج العالم ..

تمر صور الفتيات الايزيدات اللاتي تم تحريرهن من مخالب "داعش" ، مروراً مدوياً و لانكاد ننساهن حتى يتم التذكير بهن ، بلقاء مع رئيس دولة أو بشرح الألم و المعانة عبر الاعلام العالمي أجمع ، في حين مر بالأمس قصة ٧٥ روح سورية طاهرة عذبت و اهينت و استغلت في لبنان ، مرور الكرام ، و دقيقاً مرور المهان .

نُسأل بشكل متواصل عن سبب هذا الحقد الذي يتملك غالبية السوريين على العالم أجمع ، و استعدادهم لمعادات الجميع ، و الحقيقة دائماً نملك شواهد عن حادثة هنا أو هناك أو مجزرة أو قضية ما نجد بعض السجال حتى يقتنع الطرف المقابل برؤيتنا، و لكن مع قراءتي لخبر بالأمس ، الذي نقل عن الأمن العام اللبناني تمكنه من القاء القبض على عصابة تجبر ٧٥ فتاة غالبيتهن من السوريات على ممارسة الدعارة ، و سعيي اليوم البحث عن آثاره في الاعلام ، الذي لم يظهر أي اهتمام و لو بزاوية صغيرة بالخبر ، يجعل أي سوري بأنه ليس مهمش فحسب بل مكان تفريغ شحنات الدول و أمراض البشر و الأهم ساحة للتجارة بكل شيء ابتداء بالدين و انتهاءً بظفائر شعر الموتى .


تفاصيل مرعبة تضمنتها حادثة الأمس ، وصورة مخيفة نقلت للعلن من إهانة و ضرب و تهديد بالفضح ، تشويه للأجساد ، حبس للحرية ، الأهم إهانة للروح بتطويع الجسد و تحويله لسلعة رخيصة ، و كل هذا يمر مرور الكرام ، ومن الممكن أن نسمع بالغد أن المجرمين هم الضحية و الفتيات هن من أجبرهن على الاتجار بهن ، فالخاطف و الفاعل و المنفذ ليس "داعشياً" .

ليست هذه القصة هي الوحيدة التي تقض أرواحنا و إنما لها من القسوة ما يكفي لأن يتحول بقايا الاعتدال و التفكير ، إلى بركان لا يبقي و لا يذر ، ويزيد الاحتقان أكثر فأكثر.

و الشيء بالشيء يذكر ، شهدت قاعة الاستقبال في البيت الأبيض أمس الأول عملية اطلاق نار ، لم يتم تداولها الا لدقائق و وأدت لأن المعتدي ليس مسلماً و لا ينتمي لتلك العروبة و ليس هناك جواز سفر لسوري ليزج بالمشهد ليجلب أضرواء الكميرات ، و كذلك اختطاف الطائرة المصرية من قبل الطليق المرح ، فهي ليست مهمة أيضاً فالخاطف صحيح يحمل الجنسية العربية ، لكنه لا ينتمي لإسلاميتها المدانة .

و يقال أن داعش خلقت من سراب ، و يتساءلون عن سبب العنف اللامحدود و حجم الرد الغير مفهوم .

اقرأ المزيد
١ أبريل ٢٠١٦
الجربا بالعبرية في حضن السيسي

يلحظ المتتبع لمسار أحمد الجربا المنحدر من عشائر تترامى مضاربها في الأراضي السورية والعراقية والسعودية والأردنية، أنه استقر، مثلاً، وإنْ من دون إعلانٍ رسمي، في القاهرة، وظل محط اهتمام القيادة الروسية.

حين اعتلى شخصٌ، يُدعى أحمد الجربا، منصب الرئاسة الدورية للائتلاف الوطني السوري المعارض، في يونيو/حزيران عام 2013، كانت الإشارات المقتضبة إلى النفوذ الإقليمي، والسعودي تحديداً، داخل هذا الإطار الهش، هي جواب السؤال عمّن يكون هذا المجهول الذي سيمثل قيادة ثورةٍ شعبيةٍ في المواجهة مع نظام حكم مستبد، ومدعوم بحلفاء إقليميين ودوليين، بعضهم ظاهر للعيان، وأكثريتهم طالما تخفت، عبثاً، في لبوس أصدقاء الشعب السوري.
آنذاك، وبعيداً عن أسئلة السيرة النضالية والولاء الإقليمي، أو ربما بفعل تزاوجهما عُرفياً، وقف مناضلون تاريخيون ومحترمون، يتقدّمهم ميشيل كيلو، سامحهم الله وسامحه، خلف انتخاب الجربا، وصار مئات آخرون من رفاقهم، يعملون تحت قيادة الرجل، بالمعنى النظري على الأقل، بينما صار هو الواجهة السياسية للمعارضة والثورة، ولايتين متتاليتين، امتدتا سنة كاملة، وشهدتا نجاحاتٍ نادرة وإخفاقات كثيرة، ناهيك عما ثار خلالهما من زوابع عاتية داخل الائتلاف نفسه.
وإذ جرت، من بعد، مياه كثيرة تحت جسور الشرق الأوسط، وجرفت معها ما جرفت من سياساتٍ سابقة، لا سيما في السعودية، فإن الجربا لم ينكفئ، عقب مغادرته منصبه، إلى دوائر النسيان، وسرعان ما استأنف سلسلة نشاطاتٍ، ظلت تؤشر إلى هويته السياسية الجديدة، أو الأصيلة. وسيلحظ المتتبع لمسار الرجل المنحدر من عشائر تترامى مضاربها في الأراضي السورية والعراقية والسعودية والأردنية، أنه استقر، مثلاً، وإنْ من دون إعلانٍ رسمي، في القاهرة، وظل محط اهتمام القيادة الروسية، فالتقى، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مبعوثها إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، ليطلع منه على أهداف التدخل العسكري الروسي في سورية، كما التقى، قبل نحو سنة، السيناتور الجمهوري الأميركي، جون ماكين، ليبحث معه ما قيل إنها خطة تدريب الجيش السوري الحر، ناهيك عن قيامه بجملة تحركاتٍ أخرى، حرص فيها على أن يكون الحديث عن محاربة الإرهاب، لا إسقاط نظام الأسد، لازمةً شديدة الالتصاق بصورته.
ولم يطل الوقت كثيراً لبلوغ المحطة المريبة أكثر في سيرة الجربا، عندما أعلن، قبل ثلاثة أسابيع، تأسيس “تيار الغد” في مؤتمرٍ احتضنه نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحضره ضيوف كثر، أبرزهم وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ومندوب عن السفارة الروسية، ومسؤول الأمن الوقائي الفلسطيني السابق، محمد دحلان.
هنا، أيضاً كان الحديث عن محاربة “داعش” لازمةً لصيقة بلسان الجربا الذي تجنب مجدّداً أية إشارةٍ إلى إسقاط الأسد، وردّد في بيانه التأسيسي كلاماً استهلاكياً عن قيام سورية لا مركزية، تؤمن بالتعددية والاختلاف، قبل أن يقفز قفزته نحو الغد الذي اختاره اسماً لتياره السياسي، ويبعث رسائل إلى إسرائيل، عارضاً إجراء مفاوضاتٍ مع حكومة بنيامين نتنياهو. ووفق معلومات نشرتها صحيفة معاريف، فإنها تلقت رسالة بالعبرية من “تيار الغد” إلى الرأي العام الإسرائيلي، تؤكد الالتزام بأمن إسرائيل، كما أرسل الجربا رسالةً شفوية عبر “مصدر عربي إسرائيلي”، تفصح عن اهتمامه بالتفاوض مع الحكومة الإسرائيلية.
صحيح أن “تيار الغد” رد ببيان يهاجم مطلقي ما وصفها بالشائعات ضده، غير أنه لم ينف الواقعتين المشار إليهما على وجه التحديد. ولعل ما لم يقله “المعارضون الجدد”، لا في رسالتهم عبر “معاريف”، ولا في بيانهم، يتلخص في أن الجربا أدرك، أخيراً، بغريزته، أو بفعل فاعل، سر بقاء الأسد، على الرغم من كل ما ارتكب من جرائم ضد الإنسانية، فتوجه إلى أهل الحل والعقد في تل أبيب، ليقدم نفسه بديلاً، بالشرط المعروف إياه؛ حماية أمن إسرائيل. ولا يسألن أحدٌ، هنا، عن موقفه من احتلال الجولان؛ سورية الجربا، ستتولى وظيفة سورية الأسد، وفق اقتراحه الذي مهّدت له “معاريف”، بالقول “إنه ليست نكتة من كوميديا عيد المساخر اليهودي”، وصار واضحا أنه بعض من تراجيديا زمن المساخر العربي.

اقرأ المزيد
٣٠ مارس ٢٠١٦
مسرحية في تدمر

مثلما سيطر “داعش” على تدمر قبل سنة، خرج منها بعد سنة. إننا أمام مسرحية شهدتها تدمر تدلّ مرّة أخرى، إن دلّت على شيء، فعلى مدى التواطؤ القائم بين النظام السوري والمجموعات الإرهابية التي تُعتبر جزءا لا يتجزّأ من تركيبته ومن ممارساته.

يسعى النظام السوري حاليا إلى الترويج لانتصار تحقّق بفضل الدعم العسكري الروسي والميليشيات المذهبية التي وضعتها إيران في خدمته. لا يعرف هذا النظام أنه سقط منذ فترة طويلة وأنّ وجوده الشكلي عائد إلى رغبة في الانتهاء من سوريا التي عرفناها، والحاجة إليه في تحقيق هذه الرغبة. وهذا هدف روسي- أميركي- إيراني- إسرائيلي في الوقت ذاته.

انسحب “داعش” إلى الرقّة ودير الزور تحت أنظار الذين يدَّعون أنهم يشنون حربا عليه. هل كان صعبا على الطائرات الأميركية تحديد خط سير القوافل التي كانت تقلّ عناصر “داعش” المنسحبة بانتظام من تدمر؟

كانت كل قافلة تضمّ العشرات من السيارات، التي يسهل كشفها ليلا ونهارا، لكنّ الواضح أن ليس هناك من يريد رؤية “داعش”، خصوصا أولئك المتواطئين معه، من الذين يريدون خلق انطباع، بين حين وآخر ومتى تدعو الحاجة، بأنّ النظام السوري قادر على تحقيق انتصارات على شعبه… وأنّه يحارب الإرهاب فعلا!

حسنا، عاد النظام إلى تدمر. ما الذي سيفعله غدا؟ مرّ يوم غد، ماذا عن اليوم الذي بعده؟

دخلت سوريا لعبة جديدة. هل دخلت الفصل الأخير من اللعبة ذات الطابع المأساوي أكثر من أيّ شيء آخر؟ هل ما نشهده اليوم هو الفصل الأخير، أم لا تزال هناك فصول أخرى تحتاج لاعبين آخرين ما زالوا بعيدين عن المسرح مثل تركيا، على سبيل المثال وليس الحصر؟

أعاد الروس النظام إلى تدمر بالتفاهم مع “داعش” الذي لم يكن، في مرحلة معيّنة، سوى حجة لتبرير التدخل العسكري لموسكو. كانت تلك العودة إلى تدمر، التي ترافقت مع غارات شنتها طائرات “سوخوي”، دليلا على أن الانسحاب العسكري الروسي لم يكن سوى انسحاب جزئي وأن هناك أهدافا محددة تسعى روسيا إلى تحقيقها بالتفاهم مع الولايات المتحدة وإيران… وإسرائيل طبعا.

ليس سرا، في موازاة عودة النظام إلى تدمر، أنّ الأكراد بدأوا يمارسون الحكم الذاتي في مناطق معيّنة من الشمال السوري. هناك على سبيل المثال صورة عن “إيصال قبض” صادر عن “الإدارة الذاتية الديمقراطية” في “مقاطعة عفرين- سوريا”. يتعلق الإيصال بمبلغ قبضته الإدارة الذاتية الكردية عن طريق “هيئة المالية- إدارة الجمارك”. هل هذه سوريا الجديدة في ظلّ التدخل العسكري الروسي وتفاهمات جون كيري- سيرجي لافروف والغطاء الذي توفّره الأمم المتحدة عن طريق رجل العلاقات العامة الذي اسمه ستيفان دي ميستورا… أو عن طريق بان كي مون الأمين العام للمنظمة الدولية الذي لم يتردد في الإشادة باستعادة النظام لتدمر؟

كذلك، لم يعد سرّا أن التسوية في سوريا تسير في اتجاه محدد يقوم على تقسيم البلد بما يتلاءم مع مصالح أطراف عدة يهمّها الانتهاء من نظام الأسد الذي أدّى المهمة المطلوبة منه في عهديْ الأب والابن، بل منذ كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع ابتداء من العام 1966 وإشرافه على تسليم الجولان، تسليم اليد، إلى إسرائيل.

لعب النظام كل الأدوار المطلوب منه أن يلعبها، بما في ذلك حماية إسرائيل طوال نصف قرن. شملت هذه الأدوار التدمير الممنهج للبنان ونقل سوريا إلى نظام الحزب الواحد، وهو حزب البعث، وذلك لتأمين الهيمنة العلوية على البلد، وصولا إلى هيمنة العائلة ابتداء من العام 2000، حين ورث بشّار الأسد سوريا عن والده.

ما الذي يمكن أن يتضمنه الفصل الأخير من اللعبة السورية؟

من الواضح أن الإدارة الأميركية تفاهمت مع فلاديمير بوتين على أن لا مستقبل في سوريا لبشّار الأسد. لكن الأميركيين أعطوا الروس الضوء الأخضر الذي يسمح لهم باختيار اللحظة المناسبة للقول للأسد الابن أن عليه أن يرحل. مثل هذا القرار المتروك لموسكو يأخذ في الاعتبار المصالح الروسية أوّلا. هناك اعتراف أميركي صريح بوجود هذه المصالح الروسية في سوريا.

كيف ستستخدم موسكو هذا الاعتراف الأميركي؟ الجواب، بكل بساطة، هل هناك من هو مستعد لدفع الثمن الذي يريده فلاديمير بوتين في مقابل رأس الأسد الابن؟

الثابت أن روسيا التي تعاني من أزمة اقتصادية عميقة ستعمل من أجل رفع أسعار النفط والغاز التي تبقى مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها. هذا لا يمكن أن يحصل من دون تفاهم مع المملكة العربية السعودية القادرة على لعب الدور الأساسي في هذا المجال. هل يحصل مثل هذا التفاهم السعودي- الروسي عندما يزور الملك سلمان موسكو قريبا؟

“وحده الشعب السوري الذي لم يتوقف عن تقديم التضحيات، يبدو قادرا على قطع الطريق على بوتين الذي يتبين، كل يوم، أنه يمارس لعبة تفوق حجم روسيا وقدراتها”

استعادت القوات التابعة للنظام تدمر أم لم تستعدها، مثل هذا التطور لا يقدّم ولا يؤخّر. هناك فصل أخير من المأساة السورية في حاجة إلى عملية إخراج لا تزال في انتظار بعض اللمسات الضرورية، علما أن ما لا يمكن تجاهله في أي شكل هو ذلك الإصرار لدى الشعب السوري على أن تكون له الكلمة الأخيرة له في شأن مستقبل البلد.

مرّة أخرى، فاجأ الشعب السوري المتعاطين بأزمة البلد عندما نزل إلى الشارع، مؤكّدا أن رحيل بشّار الأسد لا يمكن أن يكون موضوع مساومات. في كلّ يوم جمعة يؤكّد السوريون، عبر التظاهرات السلمية، أنّهم ما زالوا في قلب المعادلة. إنّهم الحلقة الأساسية في المعادلة. من الصعب أن يقبل السوريون بعد كل هذه التضحيات أن يأتي من يقرر عنهم مصير بلدهم وأن يبيع ويشتري على حسابهم وعلى حساب الدماء التي بذلوها.

من سيتولى دور المخرج للفصل الأخير من المأساة السورية؟

ترك الأميركيون المسألة لفلاديمير بوتين القادر على التنسيق مع إسرائيل وإيران والتحكّم بالنظام وما بقي منه وبالعلاقة القائمة بين النظام و”داعش”. ليس معروفا إلى أي حدّ يمكن تجاهل السوريين العاديين الذين ما زالوا متمسّكين بوحدة الكيان والذين فاجأوا العالم قبل خمس سنوات بثورة عارمة حقيقية على نظام لم تكن لديه رغبة في يوم من الأيّام سوى تحويلهم عبيدا لديه… بتواطؤ أميركي- روسي- إيراني- إسرائيلي، وحتّى عربي للأسف الشديد.

وحده الشعب السوري الذي لم يتوقّف عن تقديم التضحيات، يبدو قادرا على قطع الطريق على بوتين الذي يتبيّن، كلّ يوم، أنّه يمارس لعبة تفوق حجم روسيا وقدراتها. لو كان لروسيا الحجم والقدرات التي يتخيّلها بوتين… لكان الاتحاد السوفياتي لا يزال حيّا يرزق!

اقرأ المزيد
٢٩ مارس ٢٠١٦
هل ينفذ «داعش» تهديدات مُفتي سوريا الإرهابية في أوروبا؟

لا أدري لماذا يصم الإعلام الغربي أذنيه، ويغمض عينيه عن التهديدات التي أطلقها أحمد حسون مفتي النظام السوري في شهر تشرين الأول/اكتوبر من عام 2011. لقد مرت تلك التهديدات الخطيرة الصادرة عن أعلى سلطة دينية في سوريا مرور الكرام في الإعلام الغربي دون الانتباه لخطورتها على أمن أوروبا، بالرغم من أن مفتي سوريا هو مجرد موظف تابع لأجهزة الأمن السورية، ولا يمكن لأي مسؤول صغير في النظام المخابراتي السوري أن يدلي بأي تصريح بسيط دون العودة إلى دوائر الأمن، فما بالك أن يصدر التهديد الإرهابي من أعلى مسؤول ديني في البلاد.
لا شك أن التهديد الذي هدد فيه أحمد حسون الأوروبيين إذا لم ينصاعوا لأوامر النظام تمت كتابته في أحد فروع المخابرات الإرهابية السورية وليس في دار الإفتاء. مع ذلك لم نقرأ في أي صحيفة غربية إشارات إلى إمكانية تورط نظام الأسد في الأعمال الإرهابية التي تشهدها أوروبا، لا اثناء الهجمة الإرهابية على باريس قبل أشهر، ولا اثناء الهجمة الإرهابية التي تعرضت لها بروكسل قبل أيام.
هل هو نوع من التجاهل، أم إنه مطلوب من الإعلام الغربي أن لا يركز كثيراً على قذارات النظام السوري، وأن يتستر على ما يفعله الأسد، لأن المتحكمين بالإعلام العالمي لا يريدون إزعاج النظام، ويطلبون منه إكمال مهمته في تدمير سوريا وتهجير شعبها، حتى لو أساء أحياناً للدول الغربية.
لقد هدد مفتي سوريا قبل أكثر من أربع سنوات أوروبا وأمريكا بعمليات انتحارية يقوم بتنفيذها أشخاص متواجدون بالفعل في أوروبا وأمريكا في حال تعرضت سوريا لأي قصف أو اعتداء.و قال حسون في مقطع فيديو تم بثه على اليوتيوب «مع انطلاق أول قذيفة صوب سويا فلبنان وسوريا سينطلق كل أبنائهما وبناتهما ليكونوا استشهاديين على أرض أوروبا وفلسطين».
وأوضح حسون «أقولها لكل أوروبا وأقولها لأمريكا: سنعد استشهاديين هم الآن عندكم إن قصفتم سوريا أو قصفتم لبنان، فبعد اليوم العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم وأنتم من ظلمتمونا». وأضاف مفتي سوريا «سنقول لكل عربي ولكل إنساني: لا تعتقدوا أن من سيقوم بالاستشهاد في أراضي فرنسا وبريطانيا وأمريكا سيكونون عربا ومسلمين، بل سيكونون محمد درة جديد وسيكونون كل الصادقين الجدد»
ماذا يريد الغرب أكثر من هذا الاعتراف الصريح من الناطق الديني باسم المخابرات السورية؟ ها هو تنظيم الدولة الإسلامية يعترف بالفم الملآن أنه وراء العمليات الإرهابية التي شهدتها فرنسا وبلجيكا. وها هي تهديدات أحمد حسون تُنفذ بحذافيرها على أيدي شبان مسلمين يعيشون في أوروبا كما كان قد توعد حرفياً، حيث قال إننا سندفع بانتحاريين يعيشون بين الأوروبيين كي يقوموا بعمليات انتحارية تأديباً للغرب على تدخله في الوضع السوري. لماذا لا تفتح أوروبا تحقيقات في تهديدات أحمد حسون؟
ألا يعلمون أن معظم الحركات الإرهابية التي تعيث إرهاباً في سوريا والشرق الأوسط وأوروبا ترعرعت في سجون نظام الأسد؟ ألم يشاهدوا عميل المخابرات السورية الشهير «أبو القعقاع» الذي جندته المخابرات السورية أثناء التدخل الأمريكي في العراق لتدريب إرهابيين وانتحاريين وإرسالهم ضد القوات الأمريكية في العراق؟ وعندما انتهى دور «أبو القعقاع» أرسلت له مخابرات الأسد شخصاً أطلق النار عليه، ثم سجلوا الجريمة ضد مجهول؟
ألم يسمعوا بما كانت تردده المخابرات السورية عندما يسألونها عن علاقتها بالجهاديين؟ لقد كان ضباط الأمن الكبار في سوريا يقولون بشكل ساخر: «الجهاديون يريدون لقاء الحوريات في الجنة، ونحن نسهل لهم المهمة بإرسالهم لتنفيذ عمليات جهادية كي ينتقلوا بعدها إلى أحضان الحوريات».
ويقول أحد الخبراء السوريين الذين كانوا يترددون على فروع المخابرات السورية في دمشق وحلب إنه كان يرى بأم عينه عمليات تدريب الإرهابيين والتكفيريين والمتطرفين في السجون السورية. وقد كانت السجون التي يعيش فيها المتطرفون أشبه بفنادق.
ويذكر هذا الخبير أنه شاهد ذات يوم عناصر من المخابرات السورية وهم يجلبون صناديق مليئة بالكتب إلى أحد «السجون الفنادق» التي يقيم فيها المتطرفون. وكانوا يقولون للمتطرفين إن هذه الكتب ممنوعة في سوريا، وقد صادرناها من بعض المكتبات. سنتركها لكم هنا كي تتسلوا بها. وكانت تلك الكتب كلها لكتاب متطرفين إرهابيين تكفيريين من الطراز الأول.
وكان نزلاء السجن من المتطرفين يلتهمون تلك الكتب من الجلدة إلى الجلدة. وبعد أن يقرأوها يبدأون بتكفير بعضهم البعض، مع العلم أنهم ذوو خلفية مذهبية واحدة. وقد لاحظنا كيف أطلق نظام المخابرات مئات المتطرفين والتكفيريين من سجونه في بداية الثورة كي يحرفوا الثورة عن مسارها، وكي يصورها في أعين السوريين والعالم بأنها ثورة إرهابيين وتكفيريين، وليست ثورة شعب. ما علاقة هؤلاء التكفيريين الذين أطلقهم بشار الأسد من سجونه بالإرهابيين الذين يرهبون أوروبا الآن، والذين هدد أحمد حسون باستخدامهم لإرهاب أوروبا عام 2011؟
ثم ألم يتهم وزير الخارجية الأمريكي نظام الأسد مرات ومرات بأنه مسؤول عن ظهور داعش وأمثاله في سوريا والمنطقة بسبب سياساته الإرهابية؟ فإذا كان لدى أمريكا كل هذه الإثباتات على الارتباط الوثيق بين نظام الأسد والمنظمات الإرهابية الكثيرة التي رباها في سجونه، فلماذا لا توجه التهمة لنظام الأسد في العلميات الإرهابية التي يتعرض لها الغرب؟ لماذا يسمح الغرب للنظام السوري بأن يقيم الأفراح والليالي الملاح، ويتشفى بالغرب في كل مرة تتعرض فيها عاصمة أوروبية لعملية إرهابية؟ ألا يقولون في التحقيقات الجنائية: فتش دائماً عن المستفيد؟ أليس المستفيد الأكبر من الإرهاب الذي تتعرض له أوروبا نظام الأسد؟
مرة أخرى أيها الأوروبيون: عودوا إلى تهديدات مفتي سوريا لكم عام 2011 واحكموا بأنفسكم.

اقرأ المزيد
٢٨ مارس ٢٠١٦
لماذا لم تنتصر الثورة السورية بعد؟

لماذا لم تنتصر الثورة السورية بعد خمس سنوات من النزيف والتضحيات؟ سؤال مُلحّ، على الأقلّ في ضوء هول العنف الذي شهدته وعدد الضحايا وتدمير مدن بأكملها وتهجير ثلثي السكان إلى خارج الوطن أو إلى مناطق فيه، والقيام بعمليات تطهير عرقي في بعض المواقع! الثمن باهظ، ولا تلوح في الأفق بارقة أمل رغم جولتي التفاوض في جنيف.

سأكون مجازفاً بعض الشيء وأدّعي أن الثورة كانت ستنتصر في نهاية عامها الثالث لو أنه تمّ تزويد الثوار، حتى في فصائلهم العلمانية المعتدلة فقط، بمنظومتي سلاح متطورتين، الأولى مُضادة للدروع والثانية مضادة للطائرات، ولو تلك المحمولة على الكتف. لو أن فصائل من الثوار امتلكت هذين السلاحين كانت الثورة انتصرت ليس فقط على النظام بل على داعش، لأنها كانت ستقطع الطريق عليها. لكن ينبغي تأكيد أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة منع تسليح الثورة بهاتين المنظومتين، في إطار مناورات الولايات المتحدة لضبط نار الثورة وتكريسها خدمة لمصالحها في المنطقة وخارجها. وأرجّح أن الإدارة الأميركية منعت حلفاء الثورة من العرب أن يفعلوا ذلك (التسليح النوعي) وضغطت عليهم كي لا يكون تدخلهم أبعد من التدخّل الأميركي!

الأمر الآخر اللافت للنظر هو هذه «القصة» مع داعش. وهنا أيضاً أروم المجازفة والقول، بناء على دراستي للظاهرة في إطار رسالة جامعية، إنه لو أن المعنيين، وخصوصاً في الغرب، أرادوا القضاء على الظاهرة فعلاً، أو منع تمددها إلى سورية، لفعلوا في غضون شهر أو شهرين على الأكثر. لكن، مثلما كانت هناك محاور تحاول استثمار الثورة ووقائعها على الأرض، كان هناك نفس العدد من القوى الإقليمية التي استثمرت وجود «داعش» وناورت به، وأوّلها النظام السوري، الذي تفاهم مع التنظيم في أكثر من مفصل وموقع، خصوصاً في ما يتصل بتسليمه حقول نفط وغاز لاقتناء المازوت منها، أو لجهة تشغيلها ككاسر لشوكة فصائل معارضة أخرى في مواقع التماس القتالية. وكلّنا يذكر التمدد الداعشي المبثوث على الشاشات في شرق سورية وتدمر على مرأى ومرمى الطائرات الأميركية، التي تبدو الآن كأنها غطّت على التمدد ولم تأت لمحاربته! بل إن غارات الطائرات المختلفة الهوية على مواقع داعش وقواته خضعت بالكامل لرؤية أميركية وقصدت في حدها الأقصى تحجيم هذا التنظيم أو منعه من التمدد هنا أو هناك وليس القضاء عليه ليظلّ ورقة لعب.

الاستنتاج من المحورين الآنفين، أن تقاطع منظومات المصالح في سورية بين النظام وحلفائه وبين القوى الدولية والإقليمية مال لصالح النظام، بينما ظلّت ورقة الثورة ضعيفة ولا تعني الكثير لهذه المنظومة إلا بقدر ما خدمتها، فالإدارة الأميركية استعملت الورقة السورية بارتباط بالورقة الأوكرانية والروسية، وبتلك الإيرانية والتفاوض الغربي مع طهران حول مشروعها النووي. بمعنى إن الإدارة الأميركية لم تنظر إلى الثورة بذاتها أو بوصفها حقَّ شعب في التخلّص من طاغيته، بل كورقة يتقاطع التعامل معها مع مسائل أخرى على جدول مصالح تلك الإدارة. وخلافاً لما أشيع سابقاً، فإن الدور الأميركي كان أساسياً في إدامة الأزمة وبقاء النظام. ويُمكننا والحالة كهذه أن نقول إنها قدمت مصالح الشعب السوري المنتفض ومصالح داعميه الحقيقيين على مذبح مصالحها هي، والتي تلخّصت في جملة تفاهمات مع روسيا وإيران، الأمر الذي تنظر إليه تركيا والسعودية بقلق بالغ وبشعور بأن إدارة أوباما قد أدارت لهما ظهرها! بل نرى أنهما محجّمتان عن تدخل نوعي يقلب موازين الأمور على الأرض بسبب فيتو أميركي- روسي مشترك.

وعليه، سيجد الشعب السوري نفسه من جديد أمام مصيره وسيخلص إلى نتيجة أنه هو وحده القادر على الحسم، أو أنه من الأفضل إبقاء مسألة الحسم في يده هو وإن طالت الثورة. وهنا، نرى الأفضلية للثوار الخارجين من صلب الشعب وقضيته على أولئك الوافدين من الخارج. ومن هنا أيضاً، ضرورة المراجعة وبناء استراتيجية جديدة تعوّل على الداخل السوري وتراهن على التنظيم والاقتدار الداخلي، وهو ما يستدعي التخلّص من الرهان على قوى خارجية، وإن كنتُ على اعتقاد أن لهذه الثورة حلفاء مخلصين من العرب. أما احتمالات التقسيم السيادي أو الإداري لسورية كما حددتها اتفاقيات سايكس- بيكو، فينبغي ألا تمنع مثل هذه التدابير في صفوف الثورة وأولئك الذين ضحوا بكل شيء من أجل كنس الطاغية، فمن المهم والأفضل أن تكون لهم مشاريعهم ومخططاتهم ليواجهوا بها المرحلة المقبلة.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى