مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٥ يناير ٢٠١٦
الأسد يبرئ روسيا من كل جرائمها في سوريا .. ويفتح المجال أمامها لإرتكاب ماهو "أقذر"

شهدت التحركات الروسية في الأيام القليلة الماضية ، حالة من ترتيب أوراق الجرائم في سوريا ، تمهيداً لتقديم اللائحة النهائية لقائمة المجازر و الكوارث التي تسببت بها في سوريا طوال أكثر من مئة يوم ، لضمها إلى ملف جرائم نظام الأسد ، و تخرج هي و جنودها و ساستها براءة ، ومن الممكن أن تحصل على مكافئة من الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي على انجازاتها في سوريا .

ولم يكن التدخل الروسي رد فعل من النوع الغير مدروس ، و ليس لطياريها و ضباطها أن لا يكون عليهم قيود في استخدام ما يشاؤن من الاسلحة و تنفيذ الجرائم بكل أريحية بدون أي خوف من محاسبة ، لولا الحصانة التي تم منحهم اياها من قبل نظام الأسد ، الذي رضي أن يكون المجرم الوحيد في جريمة العصر أو جريمة البشرية ، والتي من أثارها ازالة سوريا و شعبها عن الخارطة . و احتفلت اليوم روسيا بتمدد اتفاقية بقائها في سوريا إلى ما لانهاية ، اتفاقية لم يمضي على توقيعها خمسة شهور ، لكن تم العودة إليها من جديد ، ليس بغاية فتح المجال أمام الوقت ، بل لهدف اعلانها على الملئ ، و ضمها إلى ملف البراءة الروسية من دمار السوريين ، وتعبيد الطريق للمزيد من الجرائم ، و إن كانت تحمل في مضمونها أيضاً ترهيباً للثوار مفاده "أني سأقتل المزيد و أكثر و لن تستطيع أحد ردعي و لن يكون لأي كان محاسبتي".

الاتفاقية التي وقعت في ٢٦ آب العام المنصرم و قبل شهر و بضع أيام على اعلان بدء العدوان الروسي على سوريا ، تتضمن نص مريب لم يكن ظاهر للعلن حينها (وان صح التعبير لم ينتبه له أحد كون القضية كانت التدخل في حد ذاته و ليس تفاصيله) ، ولكن الكريملين أكمل الخطة بنشره للاتفاق و التركيز على نقطة أن" روسيا لا تتحمل لا تتحمل مسؤولية أي أضرار تحدث بسبب عمليات القوات الروسية أو تواجدها. وأن "الحكومة السورية مسؤولة عن أي تعويضات بسبب تدخل القوة الجوية الروسية في سوريا أو تنتج عن الخلافات لأي جهة ثالثة”، النقطة التي ستكون النافذة الذهبية للهروب من أي تهمة قد تلاحق الروس عسكر كانوا أم ساسة ، جنوداً أو ضباط ، و إنما المسؤول الوحيد عن كل ما يحدث هو "الأسد" وحده و لا أحد غيره.

الاعلان عن تمديد اتفاقية سارية بالأساس ، لم يكن منفرداً ، إذا ارتبط بتصرفات تشي بأن روسيا ليست برئة من الناحية القانونية فحسب ، و لامن الناحية الفعلية أيضاً ، فتكريم سهيل الحسن الملقب بـ"النمر" على شجعاته الخلبية ليكون أن المجرمون هم قوات الأسد على الأرض و هذا أبرزهم ، و الاعلان بالأمس عن قيام مقاتلات تابعة للنظام بالتحليق مع نظريتها الروسية و تقديم التغطية النارية خلال تنفيذ عملياتها في ضرب "الارهابيين" أي العمليات تتم بحضور و توجيه من طائرات النظام ، و كذلك التسريبات عن حصول حزب الله عن أسلحة روسية بالمجان و تقديم عناصر الحزب الاحداثيات للطيران الروسي ليكون هو الآخر حاضراً في حال اضطرت روسيا لحرقه عند اتمام الصفقة الدولية ، وسبق هذا كله أن تصريحات روسيا في بداية العدوان أن الأهداف يتم قصفها بناء على معلومات استخباراتية يقدمها النظام ، و هذا كله يمثل الملف الدفاعي الذي ستدفع به روسيا في حال حصول أي محاكمة في المستقبل ، لتيقنها أن ما فعلته و تفعله في سوريا جرائم تتجاوز جرائم الحرب ، و يمكن أن يكون لها وصف واحد جرائم "القذارة الروسية".

هذا الاعداد المدروس لملف الدفاعي الاستباقي منح روسيا قوة في "فجورها" السياسي ، لتهاجم الجميع دون أدنى احترام للأعراف الدبلوماسية ، ما قالته اليوم المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية بحق تركيا ، التي اتهمت روسيا كثيراً باستهداف المدنيين ، بأنها تنتهج "اسلوب قذر" ، يدل على مدى "العهر" الاخلاقي و السياسي و طبعا العسكري الذي وصلت له روسيا . روسيا اليوم لاتواجه شعباً مكلوماً لا يجد من يناصره ، و إنما تواجه العالم أجمع ، وتتسابق أمامهم بـ"فجورها" في عرض تقول فيه "لست قذرة .. وإنما شيء لن تجدوا له اسماً آخراً إلا روسيا الاتحادية".

اقرأ المزيد
١٥ يناير ٢٠١٦
سوريا: غياب أميركي وهيمنة روسية وتنظيمات إرهابية!

باستحياء وبمواربة واضحة اعترف وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن هناك فعلاً «ورقة» أميركية تتضمن اقتراحًا ببقاء بشار الأسد رئيسًا لسوريا حتى بدايات عام 2017، وهذا يعني أن هناك ترتيبات تم الاتفاق عليها، من دون معرفة الأطراف المعنية الأخرى بشأن الأزمة السورية، بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، وهذا يفسِّر معنى ابتعاد الأميركيين والنأي بأنفسهم عن هذه القضية وإفساح المجال للروس، ليفعلوا ما يشاءون، وليتركوا «داعش» وشأنه، ويستهدفوا عسكريًّا حتى المعارضة (المعتدلة) وحتى المواطنين السوريين الذين لا حول لهم ولا قوة.


ربما أن هناك ما يبرر انكفاء الإدارة الأميركية وانسحابها تسللاً من جهود ومحاولات إيجاد حل معقول ومقبول للقضية الفلسطينية، فالفترة فترة انتخابات رئاسية، والرئيس الأميركي باراك أوباما أثبت خلال ولايته الأولى، وما مضى من ولايته الثانية، أنه أضعف رئيس أميركي ولج أبواب البيت الأبيض، وأنه لا يملك القدرة وربما ولا الرغبة لمواجهة لا هذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية ولا مجموعات الضغط الصهيونية وفي مقدمتها الـ«أيباك» التي لها تأثير رئيسي في صنع قرارات واشنطن المتعلقة بالصراع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.


أما أن ينكفئ الأميركيون على هذا النحو ويتركوا أكثر ساحات الشرق الأوسط خطورة والتهابًا للروس ليفعلوا فيها ما يشاءون، وليصوغوا معادلة عسكرية وسياسية.. واقتصادية تضمن بقاءهم في الشرق الأوسط ربما لقرن بأكمله، فإن هذا يدل على أنهم فعلاً قد نقلوا اهتمامهم إلى الشرق الأقصى، وإلى أميركا اللاتينية وغرب أفريقيا، أو أنهم في عهد هذه الإدارة المترددة لم يجدوا أن هناك ما يعيبهم في أن يرفعوا أيديهم عاليًا استسلامًا للرئيس فلاديمير بوتين، واعترافًا بأن وضعية القطب الدولي الأوحد قد ولت بلا رجعة، وأن روسيا قد استعادت مكانتها السابقة إنْ في عهد الاتحاد السوفياتي، وإنْ في عهد الإمبراطورية القيصرية عندما كانت في ذروة تألقها.


والغريب أن هذه الإدارة الأميركية، التي تتصرف بأسلوب وبطريقة من يضع كفيه فوق عينيه ليس حتى لا يراه الآخرون، لكن حتى لا يرى هو الآخرين، قد بقيت تتصرف تجاه هذه الأزمة السورية المستفحلة وهي تخبئ ورقتها الآنفة الذكر عمن من المفترض أنهم حلفاؤها، كأنها لم تسمع تأكيد فلاديمير بوتين على أن بشار الأسد سوف يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة، مما يعني أن روسيا باتت تطارد وتلعب في هذا الميدان وحدها، وأنها لم تعد معنية حتى بمجاملة دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهذا في حقيقة الأمر تتحمل مسؤوليته إدارة الرئيس باراك أوباما التي بقيت تتراجع خلال الأعوام الأربعة الماضية، بالنسبة للأوضاع الملتهبة في سوريا، خطوة بعد خطوة، وإلى أن أصبحت الأمور على ما هي عليه الآن، وغدت سوريا مستعمرة روسية يفعل فيها الروس ما يحلو لهم وما يشاءون.


حتى بالنسبة لمحادثات ومفاوضات الخامس والعشرين من هذا الشهر، بين المعارضة السورية ونظام بشار الأسد، فإن الغياب الأميركي واضح وضوح الشمس، واللافت أن هذا الغياب الأميركي يكمله غياب أوروبي، مما يعني أن الأوروبيين، بعد ضربات «داعش» الأخيرة في باريس، قد تسلموا رسالة الفاعلين، وفضّلوا الابتعاد عن هذه الدائرة الملتهبة وترك قيصر روسيا الجديد فلاديمير بوتين ليفعل في الشرق الأوسط ما يشاء وما يحلو له. وهكذا فلربما أن اجتماع جنيف الآنف الذكر لن ينعقد نهائيًا ما دام الروس يعتقدون أنهم قد ضمنوا بقاء بشار الأسد في موقع الرئاسة حتى أبريل (نيسان) العام المقبل 2017، وفقًا للورقة الأميركية التي يخبئها جون كيري في جيبه، ولم يطلع عليها حتى حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، وما دام رئيس النظام السوري قد أعلن سلفًا ومنذ فترة سابقة بعيدة أن كل تنظيمات المعارضة المسلحة تنظيمات إرهابية، وأنه لا يمكن أن يفاوض أي قوى إرهابية، ولهذا فإن المعروف أنه اشترط أن يعرف سلفًا ومسبقًا أسماء أعضاء وفد المعارضة المفاوض، وأن يتسلم قائمة بأسماء الفصائل التي جرى تصنيفها على أنها تنظيمات إرهابية.


ثم وباستثناء تصريحين متضادين؛ الأول اعتبر أن أحكام القصاص التي أصدرتها المحاكم السعودية ضد 47 إرهابيًا ستؤدي إلى «توترات طائفية»، والثاني وصف إيران بأنها دولة راعية للإرهاب، فإن الملاحظ أن الولايات المتحدة قد حرصت على ألا تتعاطى مع هذا التطور الخطير المتمثل في الاعتداءات الإجرامية السافرة على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد بالجدية المتوقعة، وهذا مع أن المفترض أنها تدرك وتعرف أنَّ أي خطأ في الحسابات وتحديدًا من قبل دولة الولي الفقيه التي تتنازع اتخاذ القرارات فيها مراكز قوى متعددة وكثيرة قد يؤدي إلى اشتعال المنطقة كلها بحرب جديدة ستكون وبالتأكيد، إنْ هي اندلعت، أخطر وأسوأ الحروب المحتدمة الآن!


إن الخطير في هذا كله هو أن انكفاء الولايات المتحدة وابتعادها عن كل هذه القضايا الملتهبة في الشرق الأوسط قد ترتب عليه أن روسيا قد أصبحت ليس رقمًا رئيسيًا، وإنما الرقم الرئيسي في معادلة هذه المنطقة، مما يعني تكريس بشار الأسد ليس لولاية جديدة، بل لولايات متعددة جديدة، وأيضًا تكريس هذا الوضع القائم في العراق وليبيا، وبالطبع في إيران، مما يعني مزيدًا من تجذير الإرهاب؛ «داعش»، و«القاعدة»، و«النصرة» في هذه المنطقة، إذ إن العنف الروسي الذي يستهدف المسلمين السنة في سوريا وتركيا وغيرهما سيؤدي حتمًا إلى تعاظم وطأة هذه التنظيمات الإرهابية، بل وإلى ظهور تنظيمات وتشكيلات متطرفة جديدة، وهنا فإن المشكلة التي يجب أن يفهمها الأميركيون هي أن هناك من بات ينظر إلى الحرب التي تشنها روسيا على الشعب السوري وعلى الشعب التركي على أنها حرب مسيحية ضد الإسلام، وأن فلاديمير بوتين يقود تحالفًا مذهبيًا وطائفيًا ضد الأكثرية المسلمة في هذه المنطقة الملتهبة التي من المنتظر أنها ستزداد التهابًا إنْ قريبًا وإن على المدى الأبعد!


كان على الولايات المتحدة أن تدرك وقبل فوات الأوان أن بقاء بشار الأسد، وأن انفراد فلاديمير بوتين بسوريا.. وبالتالي بالمنطقة، سيؤديان حتمًا إلى مزيد من التوتر المذهبي والطائفي في هذه المنطقة، وبخاصة أن هناك ذلك التحالف الذي يعد نفسه منتصرًا الذي يضم روسيا وإيران، وهذا النظام السوري البائس وأيضًا هذه «التركيبة» التي تحكم العراق بإشراف حراس الثورة والجنرال قاسم سليماني، وهذا يعني أن الأميركيين قد ارتكبوا خطأً فادحًا وقاتلاً عندما بادروا إلى الانكفاء، وترك هذه المنطقة الحساسة لهذا التحالف الذي بتصرفاته وممارساته واستهدافه للأغلبية السنية سيؤدي حتمًا إلى انتعاش «داعش»، و«القاعدة»، بل وإلى ظهور كثير من التنظيمات الإرهابية الجديدة.


إنه لا يمكن أن تكون مواجهة «داعش» و«القاعدة» مثمرة ومجدية إذا بقي هذا الحلف الآنف الذكر يستهدف السنة العرب والسنة الأتراك، وإذا بقيت الولايات المتحدة مصرة على حالة الانكفاء التي تعيشها الآن، كأنه لم يعد لها هم إلا تلك الورقة التي يحتفظ بها جون كيري في جيبه التي تنص على بقاء بشار الأسد في موقع الرئاسة حتى بدايات العام المقبل 2017.. إن الحرب الحقيقية على هذه التنظيمات الإرهابية تستدعي وضع حدٍّ لكل هذه التوترات الطائفية المتصاعدة والمتعاظمة، بسبب الاحتلال العسكري الروسي لهذا البلد العربي، وبسبب التدخل الإيراني السافر في الشؤون الداخلية العربية، وبسبب كل هذه الممارسات المذهبية البغيضة إنْ في العراق وإنْ في سوريا وإنْ في اليمن وإنْ في لبنان.
مرة أخرى نقول إن انكفاء الولايات المتحدة وانسحابها من شؤون هذه المنطقة وشجونها قد عزز «التغول» الروسي في الشرق الأوسط كله، وقد فتح المجال واسعًا أمام هذا التحالف الطائفي الذي تقوده روسيا والذي يضم إيران، والعراق وسوريا بوضعهما الحالي، وهذا يعني ومرة أخرى مزيدًا من انتعاش «داعش» و«القاعدة»، ومزيدًا من ظهور تنظيمات إرهابية جديدة.

اقرأ المزيد
١٤ يناير ٢٠١٦
تعدد الرايات في سوريا تقسيم ناعم

الحواجز والأعلام تتواتر بين خضراء وسوداء وصفراء وحمراء وبيضاء وهي أعلام لم يحفظها بعد كل السوريين ولكن التمييز بينها هو وسيلة النجاة الوحيدة.

تنطلق السيارة من مدينة الحسكة، شمال شرق سوريا، متجهة إلى العاصمة دمشق، وتمر بسلسلة من الطرق والدروب المليئة بالمغامرات أحيانا وبالكثير من المخاطر أحيانا أخرى، وتجتاز مناطق تخضع لسيطرة قوى عسكرية مختلفة، يعرفها الركاب من شكل ولون العلم المرفوع على الحواجز وعلى الأبنية الحكومية وكثير من الجدران غير الحكومية، وتلك الأعلام هي شكل من أشكال إفرازات الحرب السورية.

يحاول ركّاب السيارة التأقلم مع كل منطقة وفقا لأيديولوجيا حاكميها، فخلال مسافة مئة كيلو متر تعبر السيارة العديد من البلدات التي تتموضع بينها حواجز عسكرية و”دشم” لحمايتها من مقاتلي البلدة التي سبقتها، والتي تليها، ويرتفع على كل حاجز علم يدلّ على القوة العسكرية التي تسيطر عليها والتي على الركاب تحضير أنفسهم للتعامل بما يرضي المقاتلين على تلك الحواجز ويضمن سلامة مرور السيارة.

في أحياء الحسكة تتموضع حواجز لقوات النظام، وأخرى لميليشيات كردية تحمل اسم وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، في الأولى يرتفع العلم السوري الرسمي بنجومه الخضراء، وفي الثانية يرتفع علم وحدات الحماية الكردية بنجمته الحمراء وحروفه الثلاثة الدالة على اسم الحزب، أو علم قوات الأسايش الكردية الأزرق الذي يتوسطه نسر تحيط به ورقتا غار، وأحيانا أخرى يرتفع دون مُبرّر علم (كردستان) بشمسه الصفراء وألوانه الثلاثة، على الرغم من أن كل أكراد سوريا يدّعون أنهم غير انفصاليين وسيبقون جزءا من الدولة السورية.

بعد ذلك يقابل الركاب حواجز لقوات مسيحية آشورية (السوتورو) أو مكتب الحماية السرياني، ترفع علما يتوسطه نسر أزرق وذهبي وأسفله كلمات بالسريانية، أو ترفع العلم السرياني الأبيض الذي تتوسطه شمس الإله (شمشا) الزرقاء وتنطلق منها أربعة أشعة متصالبة ملونة.

بين الحسكة وحلب تتموضع حواجز عديدة لتنظيم الدولة الإسلامية، ترتفع عليها الأعلام السوداء وعليها البسملة باللون الأبيض ومحمد رسول الله ضمن دائرة بيضاء، والتي باتت ماركة مسجّلة لكل التنظيمات المتشددة.

ومن أطراف حلب إلى أطراف حمص تتتالى حواجز الكتائب الثورية المسلحة المعارضة، يرتفع على بعضها علم الجيش الحر بنجومه الحمراء وخطوطه الخضراء، أو أعلام الفصائل المسلحة الإسلامية، كعلم أحرار الشام والجبهة الإسلامية وغيرها.

بين هذا وذاك تتموضع حواجز لجبهة النصرة، وهي ترفع للتأكيد على هويتها علم القاعدة المعروف بلونه الأسود ووسطه الشهادة باللون الأبيض وللتمييز يوضع اسم الجبهة أسفله، وفي القلمون قبيل دمشق يصادف الركاب حواجز لميليشيات حزب الله اللبناني، وهي ترفع بفخر علم الحزب.

على حواجز النظام التي ترفع العلم السوري الرسمي يصمت ركاب السيارة، ينظرون لصور الرئيس وأسرته بابتسامة ظاهرة، ويتجنبون التدقيق في بعض العبارات الطائفية المؤيدة للنظام، ثم يُقدّمون بهدوء بطاقاتهم الشخصية للشخص الواقف على الحاجز، وهم على استعداد للتنازل عن أي شيء يُعجبه موضوع في صندوق السيارة، بل وسيشكرونه على أخذه.

وعلى الحواجز الكردية يطلب المقاتل من أصحاب السيارة الوقوف، وينظر الجميع له وهو يستهزئ بالعرب والعروبة، ويجاملونه بشتم البعث، ويُجهدون ذاكرتهم لتذكّر كلمة كردية يحيّونه بها، عسى أن تكون جواز مرور لهم. على حواجز تنظيم الدولة الإسلامية، تسارع السيدة لوضع نقاب يحجب وجهها، ويحضّر الزوج ما يُثبت أنها قرينته على سنّة الله ورسوله، ويتحضّر الجميع لرد التحية على (الأخ) أو (الحاج) بطريقة إسلامية، ويُجهّزون أنفسهم لمدح التنظيم والتزامه الديني بل وتشدده وقسوته ضد هذا الشعب “الكافر”، والجميع ينتظر لحظة إعلان هذا المقاتل براءتهم من الزندقة ليُكملوا طريقهم.

أما على حواجز الكتائب الثورية المسلحة فالأمر أسهل، وشد الأعصاب أقل، فالمطلوب التأكد بأن ركاب السيارة ليسوا من أنصار الأسد ونظامه، ولا يحملون أسلحة.

يعود القلق من جديد عندما تصل السيارة لحواجز جبهة النصرة، فهؤلاء سلفيون متشددون، لدرجة أن البعض صدّق بأنهم سيسألون العابرين عن عدد الركعات وعن بعض السور القرآنية وأسباب نزولها، لكن لا مجال للمزاح هنا، فالمطلوب رمي السجائر قبل الوصول للحاجز بمسافة، وإطفاء الراديو، ومن الضروري أن ينزع الراكب أي ساعة أو سوار يُزيّن به معصمه، وتضع السيدة حجابها، ويُقطّب الجميع حواجبهم للدلالة على أنهم منزعجون من تفاهة المجتمع وانجرافه نحو ملذات الحياة، وهو ما سيُسهّل المرور.

يستمر هذا القلق على حواجز حزب الله، وفي غالبيتها ترفع إلى جانب الأعلام شعارات طائفية لم يعرفها الشيعة السوريون من قبل، ويتحضر الجميع لسماع إهانة أو مصادرة شيء ما يثير إعجاب ذاك المقاتل.

تتواتر الحواجز والأعلام، بين خضراء وسوداء وصفراء وحمراء وبيضاء، أعلام لم يحفظها بعد كل السوريين، ويحفظها عن ظهر قلب كل من تضطرّه حياته للمرور المتكرر بينها، فالتمييز بينها هو وسيلة النجاة الوحيدة، وحسن التعامل مع العلم ورافعيه هو جواز المرور، لكن الخطر هو أن لا يرفع الحاجز علما يدلّ على مرجعيته، عندها سيكون على ركاب السيارة الاستسلام لحدسهم وتقديرهم الشخصي والاستسلام لمصير مجهول ينتظرهم.

اقرأ المزيد
١٤ يناير ٢٠١٦
#خروجي_قبل_تفاوضكم .. فالوقت يسير على بقايا “روحي”

المكان مكتظ جداً ، و المساحة أقل من أن تحدد ، أما الوقت فهو يسير على دمائنا ، و الساعة تتحرك على الدرجات الأخيرة من أنفاسنا قبل أن تصعد روحنا ... حلمي بأن أشتم "ريحة" أمي .. هو حلمه ضم ابنه ... هذا يتسائل كيف باتت ابنته ... ذلك يفكر ماذا حل بأبيه ..

على بعد آلاف الكيلو مترات .. تتناثر صور هياكل لا اسم عليها و لا وضوح لمعالمها ... رقم موضوع على الجبين ... ستحتاج لسنين لفك طلاسم هذه الأرقام .. و عشرات السنين لمحي هذه الوجوه من أرشيف الذاكرة ... ولن تمحى .

من المفروض أن تسير مع التيار و تنقل صور الأجساد التي أنهكها الجوع و ووأدها الحصار المانع لكل شيء ... لكن في الوقت ذاته مطالبين بالتأكيد على حق من لاصوت له و لاصورة ... من لا اسم له و لا هوية ... إنما هو عبارة عن رقم يلصق على الجبين و يوضع في قائمة "مهترئة" الأوراق ، داخل أدراج العفن .

في أقبية منتشرة في كل منطقة يوجد بها نظام الاستبداد ، يوجد مئات ، آلاف ، عشرات الألوف ، يأنون و يهمهمون .. يبتهلون ... يتابعون مراحل الموت البطيء ... و يرمقون لذة القتل البربري لدى السجان الذي دُرب و تفوق في الدورات و بات متمرس و خبير كيف يقتلك بلا حتى أن يتغير حجم أو كمية الهواء الخارج من صدره ...

مئات الآلاف خلف القضبان ، و من جهة آخرى أضعافهم يقفون خارج تلك القضبان جسداً و أرواحهم مع من هم بالداخل ... و الأصعب هو أن أياً من الطرفين لا يعرف شيء عن الآخر .. و كل ما هنالك أن "الهواء يخرج و يدخل لأجسادهم .. دون طعم أو لون ... يشوون بلهيب انتظار المجهول".
تنطلق بعد أيام مفاوضات "السلام" في سوريا ، و في أجندتها طريق الحل السياسي ، و الأيام تقترب ، و الساعات تمضي على الأطراف التي تتحضر ، تُحضر الأسماء و الحقائب ، لكن هذه الساعات تمر على أرواح "المعتقلين" الذين يجتهدون و يخرج منهم الفدائيون و يضحون بأجسادهم لتحمل لنا أرواحهم رسائل لمن بقي فيه بعض الحياة ، بأن #خروجي_قبل_تفاوضكم .

اقرأ المزيد
١٤ يناير ٢٠١٦
رحيل الأسد أوائل 2017 بتوافق روسي - أميركي

بددت فضيحة المجاعة الممنهجة في مضايا وجوارها، كل الأوهام عن «أخلاقية» ما لدى نظام بشار الأسد وحلفائه، ميليشيات كانوا كـ «حزب الله» اللبناني، أم دولاً كروسيا وإيران. بل إن «اللاأخلاقية» هذه تنسحب على مجتمع دولي تعايش مع مجازر الأسد وسلاحه الكيماوي وبراميله المتفجّرة وصواريخه الباليستية وتصفيته المعتقلين تعذيباً، ومع بشاعة الدور الروسي بسياسة الأرض المحروقة والقنابل العنقودية، الى حدّ أن المجاعة لم تصدمه أو تحرّك ضميره، أو تجعله يراجع رهانه على «بقاء الأسد».

لذلك، يُظهر النظام وأعوانه الكثير من علامات الارتياح الى مسار الأحداث منذ صار التدخل الروسي واقعاً وقلب معادلات الصراع. جمع الأسد كبار الضباط، وقال لهم أن الخطر زال كلياً، ولم يعد هناك داعٍ للقلق، لكن الشهور المقبلة ستكون صعبة وعلينا أن نقاتل كي يُحسَم الموقف نهائياً لمصلحتنا. قال أيضاً، لا تخشوا شيئاً من التحركات الدولية وما يقال عن المفاوضات والحل السياسي، فالحلفاء الروس وجدوا مصالحهم معنا وأثبتوا طوال المرحلة السابقة أن رهانهم الوحيد كان على تماسكنا، ولم يخذلونا في أي لحظة.

يشاطر الضباط رئيسهم الأسد مشاعره، لكنهم لا يجهلون الوجه الآخر من الواقع، وهو غير مطمئِن، ذاك أنهم يعرفون جيداً أن استعادة السيطرة الكاملة تبقى مشروعاً وهمياً من دون مشاركة فعلية من إيران وميليشياتها، وأن روسيا نفسها وافقت على أن العمر الافتراضي للنظام ينتهي بالانتخابات المقترحة في غضون سنتين. وعلى رغم أنهم يقدّرون أن هذه المهلة نظرية، قد تُحترم في موعدها أو تمدّد قليلاً، إلا أنها تعني ما تعنيه. لذلك، لم يلمس الضباط ما يقنعهم بوقف خططهم الخاصة لاستكمال تأمين مستقبلهم مع عائلاتهم خارج سورية.

ما زاد في ارتياح الأسد، أنه وجد لنفسه دوراً جديداً يمكّنه من اللعب ولو بحذر شديد على الحساسيات بين روسيا وإيران، ليبقى مستفيداً من توافقهما وتنافرهما، موزعاً الأدوار على الأعوان المكلّفين التنسيق من كلٍّ منهما. فعلى سبيل المثل، رأى الروس في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أن الهدنة ممكنة في بعض مناطق الغوطة الشرقية، وطلبوا التفاوض عليها مع أطراف المعارضة، فانتدب النظام مَن يقوم بالمهمة، وبعدما أُعلنت تلك الهدنة فعلاً، لم يحبذها الإيرانيون (ولا الأسد)، فأقدموا مع شركاء من النظام على قصف مركّز أدّى الى إسقاطها. لا تجهل طهران أن حسابات الأسد وأعوانه تغيرت جزئياً تجاهها، فمع استمرار تعاونهم معها انحازت أولويتهم أكثر الى الروس، الذين أنقذوا النظام وأوقفوا انهياره وجلسوا في غرفة عملياته معوّلين في شكل خاص على الجيش ولا يرغبون في الاستعانة بالميليشيات إلا عند الضرورة.

لكن الأسد لا يستغني عن الميليشيات سواء تلك التي استوردتها إيران أو تلك المحلّية التي أنشأتها ودرّبتها، فهي الوحيدة المتوافرة للنظام كي يعوّض النقص في قواته، إذ إن حواجز حملة اصطياد المدنيين (بمن فيهم بعض اللبنانيين!) لم تحقق نجاحاً. إضافة الى تغلغلهم في الأجهزة، أولى الإيرانيون أخيراً اهتماماً خاصّاً بحزب البعث وأنعشوا وجوده في المشهد، فعاد يتدخّل في الحياة اليومية للنظام وفي التعيينات لمناصب في المناطق، مستقوياً بميليشياه المسمّاة «كتائب البعث». وما يدفع الأسد الى التمسّك بالإيرانيين، يقينه بأنه رجلهم يستخدمهم ويستخدمونه ولا يسعون الى استبداله، فمستوى الثقة بينه وبينهم يبقى أعلى من ثقته بالروس الذين لم يفوّتوا فرصة للإعراب علناً عن عدم اهتمامهم به أو بمصيره. وإذا كان الإيرانيون عاملوه أحياناً بشيء من التهميش، وأكثروا من القول أنه لولاهم لكان سقط، فإن منسوب التهميش زاد مع الروس.

يوجز العديد من الأعوان وضع الأسد، منذ جاء الروس، بأنه يعيش حالياً «رعب البديل». فـ «القيصر» فلاديمير بوتين، يحتاج إليه لتمرير مرحلة، وبعدها سيكون لكل حادث حديث. أما البديل، فقد يكون موجوداً وقد لا يكون، لكن مجرد الشعور بأن البحث جارٍ فعلاً لا بد أن يؤرق الأسد. هنا، يقدّر قريبون منه أنه صار اليوم مهدّداً أكثر مما كان سابقاً، فبمقدار ما أن الروس أنقذوه بمقدار ما أقلقوه، لأن اللجوء إليهم قد يشبه أكثر ما يشبه اللعب بـ «الروليت الروسية».

في خلفية الثقة والارتياح، هناك وقائع كثيرة لا تخلو من الإزعاج، إذ لم يعد سرّاً أن الاهتمام الروسي مركّز على الجيش، حتى أن اللوائح السنوية للترقيات والترفيعات والإعفاءات جاءت هذه المرّة من موسكو. كما أن اتساع رقعة الإشراف الروسي على القطاعات والتحركات الأمنية بدأ يمسّ بمصالح قريبين من الأسد، فهذا رجل أعمال كانت سفنه تفرغ حمولتها فور وصولها الى ميناء طرطوس، لكنها باتت تنتظر أياماً للحصول على الموافقة الروسية، وهناك آخرون مثله، إضافة الى ضباط توزّعوا مختلف مجالات «البزنس»، من تهريب النفط والآثار مع «داعش»، الى التسلّط على وسائل النقل وجمع المحاصيل الزراعية وتحصيل الضرائب، إضافة الى غسيل الأموال. صحيح أنهم ينشطون كالمعتاد، إلا أنهم يشعرون بأن الروس يبدون اهتماماً متزايداً بأعمالهم التي لا علاقة لها بوظائفهم، أو حتى بتمويل حربهم. ولعل تكاثر مشاريعهم في رومانيا وهنغاريا وبيلاروسيا، وحركة تجاراتهم المشتبه بها عبر بيروت ودبي، وضخامة أموالهم في الخارج، هي ما جعل موسكو وطهران تحجمان منذ شهور عن تقديم مساعدات مالية للنظام.

في وقتٍ تبدو العلاقة بين الروس والنظام بالغة التواطؤية، خصوصاً على الصعيد الميداني، إلا أنها غير مريحة دائماً على المستوى السياسي. إذ يقصف الروس مناطق المعارضة وفقاً لـ «بنك أهداف» النظام وبالشدّة التي يتمنّاها، من دون اكتراث بانتقادات أميركية وأوروبية انعدمت تقريباً ولم تعد تلفت موسكو الى استهداف مواقع «داعش» بين حين وآخر، ولو حفاظاً على المظاهر. وقد أظهرت العمليات العسكرية أن الروس يريدون إنهاك المعارضة المسلّحة بعدما ظهر ممثلون عنها في مؤتمر الرياض وأضفوا طابعاً أكثر جدية على المفاوضات المزمعة، تحديداً في ما يتـعلّق بـإعادة هيكلة المؤسّستين العسكرية والأمنية. ومع وجود اختلاف شكلي بين أهداف روسيا والأسد، إلا أن أجندتيهما تلتقيان عند ضرورة تصفية قادة المعارضة المقاتلة في هذه المرحلة، على رغم أن موسكو لم تتخلَّ عن سعيها الى استعادة معظم عسكريي «الجيش الحرّ» لكن بشروطها، ومنها خصوصاً إقصاء فصيلي «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» اللذين حسمت تصنيفهما «إرهابيَّيْن»، وتتصرف إزاءهما على هذا الأساس لإقصائهما عن الجانب العسكري من العملية التفاوضية.

أما بالنسبة الى الأجندة السياسية، فثمة اختلاف غير ظاهر بين مقاربتي موسكو والأسد في ما يخصّ مستقبل هذا الأخير. فمنذ بداية لقاءات فيينا، وكان أولها غداة استدعاء الأسد الى موسكو، لم تكن دمشق مرتاحة الى اتجاه النقاشات التي تبلورت في بيان 14 تشرين الثاني (نوفمبر) ثم في قرار مجلس الأمن، تحديداً في الإشارة الى «عملية انتقالية» والانتخابات بإشراف الأمم المتحدة ومشاركة سوريي الشتات فيها. قبل صدور القرار 2254 وبعده، حاول موفدو النظام الى موسكو إقناعها بتعديلات ولم ينجحوا. وعلى رغم أن أوساط المعارضة تتخوّف من انتخابات تُجرى في ظروف غير مناسبة لها، إلا أن أوساط النظام تتداول قصة/ إشاعة معبرة عن مخاوف مماثلة، مفادها أن استطلاعاً أجراه مكتب الأمن القومي الذي يديره علي المملوك، بيّن أن مرشحي النظام لن يحصلوا على أكثر من 23 في المئة من الأصوات في أي اقتراع بشروط الأمم المتحدة.

غير أن الجدول الزمني الأميركي لبقاء الأسد حتى آذار (مارس) 2017، وفق تسريبة الى وكالة «أسوشييتد برس» لم تنفها واشنطن، أقلق أوساط النظام الذي راجع موفدوه موسكو ولم يعودوا بتطمينات صلبة، ما عنى أن الروس والأميركيين يسعون الى حلٍّ تظهر ملامحه الرئيسية قبل تولّي الرئيس الأميركي المقبل مهماته. لذلك، تبقى التفاهمات الأميركية - الروسية أكثر فاعلية من القرار 2254، إذ تعتمد صيغة وسطاً بين «حكومة وحدة وطنية» و «هيئة حكم انتقالي» لا تريح النظام ولا ترضي المعارضة، بحيث تنقل ثقل السلطة الى موقع رئيس الحكومة الذي قد يُسمّى أيضاً «نائباً للرئيس» لتسهيل تمرير الصلاحيات إليه.

اقرأ المزيد
١٣ يناير ٢٠١٦
سياسة الهدن من المستفيد منها؟؟

لم يكن العالم في انتظار مئات الصور القادمة من مدينة مضايا السورية ليدرك حجم الكارثة الانسانية التي اودت الى الآن بحياة 28 شخصا في واحدة من مآسي هذا العصر بحسب منظمة اطباء بلا حدود.

فحتى اضطرار السكان الى اكل الاعشاب في تلك الربوع السورية لم يحل دون تحول اجسادهم الى هياكل عظمية مثيرة للفزع من هول ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

كان يعتقد للوهلة الأولى ان صور المجاعات باتت من الماضي وانها ليست من شيم القرن الحادي والعشرين ولكن ما يحصل في سوريا قلب كل المقاييس واطاح بكل المسلمات وحقوق البشر والانسان.

فأمام هول هذه المشاهد وتراكم الدمار والسوداوية التي تغلف المشهد السوري  تغيب كل المعاني .

اذ يبدو ان هذه الصور لم تعد تحرك سواكن البعض وخاصة اولئك الممسكين بزمام الازمة السورية والمتحكمين في ايقاعها فتجويع المدنيين وحصار الاطفال باتا ورقة اخرى بيد فرقاء الصراع من اجل ربح هذه المعركة العدمية.

وافق أخيراً النظام السوري وحليفه (حزب الله) على دخول قافلة مساعدات إلى مدينة مضايا السورية المحاصرة من قبلهما منذ أكثر من 200 يوم  بعد الصور المروعة للمجاعة التي يعيشها أكثر من 40 ألف نسمة محاصرين داخلها من أطفال ونساء وشيوخ وبعد أن أحست منظمة الأمم المتحدة التي يراقب منتسبوها أحوال الشعب السوري  أنها شريكة في ما يحدث لأهل مضايا وهو ما وضع المنظمة في حرج شديد كان مطلوباً أن يرفعه عنها من تتعاون معهم في عقد الهدن وترحيل السكان وتحقيق ما يتطلعون إليه من تطهير طائفي يستهدف إخلاء جميع المناطق المحاذية للحدود اللبنانية السورية من سكانها السوريين السنة لرسم حدود الدولة العلوية – الشيعية في الشام.

 وبكل تأكيد كان مطلوباً من الأمم المتحدة أن تعلن عبر مؤسساتها وخاصة الجمعية العامة ومجلس الأمن عن حالة كارثة إنسانية في سورية ولكنها لم تفعل ولولا الصور المأساوية التي تسربت عما يحدث من تجويع في مضايا وغيرها من المدن السورية من نظام الأسد وحزب الله لم يمارسه سوى المغول في غزواتهم البربرية والنازيين في حربهم العالمية لما درى عنهم العالم وطبعا فإن شريكي الدم والمجازر (الأسد – حزب الله) سيبادران للتخفيف من وطأة الحرج عن الأمم المتحدة وكذلك الزخم الإعلامي عن مضايا حتى يقع حدث كبير في مكان آخر مثل قيام إرهابي مجنون بعملية في أوروبا وخلافه فيستديرا إلى مضايا مرة أخرى ليكملا جرائمهما وعمليات الترحيل والتطهير الطائفي وهو ما حدث في مخيم اليرموك داخل دمشق فعندما كان العالم مشغولاً بجريمة “داعش” بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة كان النظام السوري وحلفاؤه يقومون بأكبر عملية إبادة وتجويع وترحيل لسكان المخيم.

 ولا تقوم الأمم المتحدة التي ترعى الهدن ونقل السكان السوريين أبداً بعملية تسجيل وتوثيق لأسماء وممتلكات من يتم اقتلاعهم من أرضهم في سورية حتى لا يتمكنوا أبداً من العودة وتسهل عملية إحلال سكان آخرين من طوائف أخرى في أرضهم وهو الأسلوب نفسه الذي استخدم مع الفلسطينيين الذين اقتلعوا من أرضهم .

 وفي حين يتحرك حزب الله وميليشياته بكل حرية لفعل الأفاعيل في الشعب السوري، فإن أي محاولة من سني لبناني لنقل كيلوغرام واحد من القمح إلى الزبداني أو مضايا سيواجه بالنار من الجيش اللبناني المغطى والمدعوم من الولايات المتحدة والأوروبيين والأمم المتحدة والممول من دول الخليج العربي ليلعب هذا الدور لأن خلق دولة علوية – شيعية ودويلات سنية ودرزية وكردية هو أغلى أماني إسرائيل التي ستضمن وجودها الأبدي إذا تم ذلك بينما ستحافظ موسكو على وجودها الوحيد على البحر المتوسط عبر حماية ممارسات الطائفة العلوية لما قامت به من تدمير لسورية وإيغال في دماء أغلبيتها من السنة.

على الرغم من معرفة أنصار الهدن للمعوقات التي تواجه تطبيقها في سوريا إلا أن البعض منهم قد يجادل بأن الخطة السيئة تبقى أفضل من لاشيء وعليه فإذا استطاعت محاولات الهدن أن تساعد شخص واحد على الأقل فهي أفضل من لا شيء هذه الحجة صحيحة من حيث المبدأ غير أنها تتناقض مع مبدأ أساسي هام ألا وهو مبدأ عدم الإيذاء قد يكون من المتوقع للقتال أن يشتد مع بدء المحادثات التحضيرية للمفاوضات وهو ثمن الناس على استعداد لدفعه عادة لتحقيق السلام ولو مؤقتا غير أن ما حدث ويحدث في سوريا هو أن الناس يدفعون الثمن الدموي للهدن دون تحقيق أي شيء في المقابل فالهدن بشكل عام أدت إلى مزيد من القتل حيث يشتد القتال قبل المفاوضات و يشتد مرة أخرى بعد المفاوضات حيث يحاول كل طرف إعادة الطرف الآخر الى طاولة المفاوضات مع المزيد من التنازلات ولذلك من في بعض الأحيان الخطة السيئة هي أسوء من عدم وجود أي خطة خاصةَ إذا كانت الخطة السيئة تؤدي إلى مزيد من القتل و يمكن استخدامها كعذر لعدم البحث عن خطط بديلة خاصةَ في ظل غياب أي رغبة حقيقية للقيام بذلك.

اقرأ المزيد
١٢ يناير ٢٠١٦
ابعدوا خطوطكم الحمراء عن سوريا

مجرد أن يذكر اللون الأحمر للسوريين الحق في الذعر الكبير ، فيعني أن الأمر المشمول به سيكون بحكم الخاسر و دخل في دائرة الفقد ، من حماه إلى الكيماوي إلى حلب و ... و...و واليوم جبال اللاذقية قد دخلت هذه الكتلة المشبوهة .

يشي اللون الأحمر للسورين بالموت فقط ، و لا تعبير له ولا لغة تستطيع أن تغير من هذه الصفة ، ولا زالت الخطوط الحمراء بشأن الكيماوي علقماً في حلوقهم ، وها هي جبال اللاذقية تتساقط بتسارع مريب بتسارع مساوي لذكر اللون الأحمر و خطه الغريب الذي يحيط بكل نقطة يشمله ، و تنقلب المجريات بشكل لا يمكن العودة معه إلى المكان الذي سبق ذكر "الخط الأحمر".

أوغل الجميع في اللون الأحمر ، سواء ًبالسفك المباشر ، قتالاً على الأرض كان أم من خلال الجو أو بارسال المندوبين ، أو السفك صمتاً أو تهرباً أو تمييعاً .

لم يواجه شعب كالشعب السوري حرباً شملت كل شيء و من كل الأطراف ، و لم يجد حضناً هانئاً يربوا إليه ، بل على العكس الجفاء كان العنوان للجميع على رأسهم من يسمون بـ"الأصدقاء" ، الذين ليتهم لو كانوا أعداء على أقل الأحوال لم يحظوا بفرصة التدخل و ، وخلط الأوراق .

تسير الثورة السورية بترنح و غياب تام للتوازن ، وسط كثرة الطاعنين و العابثين ، محلياً و خارجياً ، ومن الممكن أن يكون حتى الفضاء الخارجي مشتركاً بالتلاعب بمصائر ملايين السوريين ، الذين لم يبقى أمامهم سوى طريق واحد هو الموت ، و لكن لديهم خيار في نوعيته ، قصفاً أم خنقاً أو ذبجاً و الجوع أيضاً بات متوافر .

سقوط نقطة أو هناك لا يعني سقوط الثورة ، و لكن في الوقت ذاته لايعني أن الأمر غير مهم أو غير كارثي ، سيما في هذه الفترة من الثورة التي تنتظر يوم ٢٥ الشهر ليكون مفصيلاً "تبعاً للرؤية العالمية" ، و لكنه سيكون كارثياً أكثر بالنسبة للسوريين و لثورتهم ، فتقلص المناطق و فقدان النقاط الاستراتيجية يمنح القوة للنظام المنتهي ، و أي خسارة يعني مد النظام بإكسير من نوع يجعله يرفع صوته و يضع شروطه التي يبدو أنها متطابقة مع الدول كافة التي وجدة في الوهم "داعش" شماعة لانقاذ نظام لن يأتي أفضل منه في الركوع و الخنوع و الطاعة .

الأوراق تزداد بعثرة حقيقةً ، و لايوجد طرف يمكن أن يتنبأ بشيء ، و لكن بالنسبة للسورين فهم قادرين على ذلك و من خلال بوصلة الخط الأحمر ، فابعدوا خطوطكم الحمراء عن سوريا حتى تتمكن من الاستمرار .

اقرأ المزيد
١٢ يناير ٢٠١٦
بعد كل هذه الدماء ... أما آن لكم أن تتحدوا ...؟

أربع أعوام مرت من عمر الثورة السورية والعام الخامس على الأبواب وكل يوم نسمع عن تشكيل عسكري هنا وأخر هناك يرفع رايته وينشر بيانه المناصر لثورة الشعب السوري وينذر نفسه للدفاع عنه وعن حريته ضد أرهاب أل الأسد وحلفائه حتى باتت أعداد الفصائل وأسمائها تتداخل في بعضها البعض ولم يعد الشعب الثائر يميز بين فصيل وأخر وراية وأخرى.

ومع اقتراب الثورة من بلوغ عامها السادس وتأمر كل قوى الشر على حرية وكرامة الشعب السوري وتهافت عشرات الميليشيات والدول لتدعم نظام الأسد المترنح ونتقذه من السقوط بدأت مرحلة جديدة من الثورة في صراع جديد بين الخير والشر بين الحق والباطل وبعبارة أدق وأوضح بين السنة والشيعة بعد أن توافدت عشرات الفصائل الشيعية الى سوريا وباتت هي من تقود الحرب على الأرض بدعم إيراني روسي وصل لمرحلة ارسال قوات برية وطائرات وبوارج حربية تمركزت على الأرض السورية وباتت هي من تدير العمليات وتقتل وتشرد وتسيطر على الأرض.

ومع دخول المليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والإيرانية والروسية واللبنانية باتت المعركة في سوريا معركة عقيدة ووجود أكثر من كونها معركة للحصول على حرية وديمقراطية من نظام استبد شعبه وسلبهم حريتهم لسنوات طويلة فاستوجب مقابلة هذه المعركة بسلاح أقوى وعقيدة صلبة تستطيع الصمود والوقوف في وجه كل القوى المستعمرة المتعطشة لدماء الشعب السوري وهذا مانادت به هيئات وعلماء وفعاليات شعبية ومدنية وإعلامية مطالبة فصائل الثورة بالتوحد والتكتل والتكاتف في خندق واحد وتحت راية واحدة تضع على أولوياتها مواجهة هذا الغزو الشيعي للأر ض السورية وتطالب قادة الفصائل بالتخلي عن مناصبهم وتشكيلاتهم وراياتهم والإندماج في جيش واحد تكون فيه القوة موحدة في وجه كل قوى الاستعمار.

وحتى اليوم مازالت الصيحات المطالبة بالتوحد تتعالى وتتوسع وسط تصعيد عسكري روسي غير مسبوق على المناطق المدنية والمواقع العسكرية والمقرات والساحات والشوارع دونما تمييز بين فصيل وأخر وراية وأخرى بحجة محاربة الإرهاب بالتزامن مع محاولات حثيثة للقوات البرية للتقدم في حلب وإدلب وحماة واللاذقية وحمص وريف دمشق ودرعا في محاولة لفرض خارطة عسكرية جديدة تسبق مباحثات الحل السلمي المطروحة على طاولة المؤتمرات الدولية ليكون موقف قوات الأسد وحلفائهم هو الأقوى في المفاوضات والتي ينظر إليها البعض انها وسيلة للمراوغة وكسب الوقت أكثر وشلال الدماء يسيل في الساحات وتحت ركام المباني المدمرة.

زين العمر

اقرأ المزيد
١٢ يناير ٢٠١٦
اللهم ارزق مضايا حصارا يشبه حصار غزّة!!

حتى لا تقع مضايا فريسة الخداع من جديد، فمن الضرورة أن يدرك المعنيون أن الحصار هو مدروس بعناية، ويهدف الى تحقيق نتائج كارثية على صحة الذين يتعرضون للحصار المميت في المستقبل، وهذا يعني أن هذا الحصار في مضايا وغيرها؛ يشرف عليه متخصصون، وبالتالي هؤلاء يعرفون تماما أنهم في لحظة معينة سوف يُضطرون إلى إدخال المواد الإغاثية للمدينة المحاصرة، وهنا تبدأ الحملة الإعلامية التي تهلل لفك الحصار عن المدنيين بأخذ دورها، ثم يتم طي صفحة الحصار من الإعلام، أمام المتغير الجديد، ولكن على الأرض يستمر الموت البطيء إلى ما لا نهاية.

هذه التجربة المميتة مررها النظام السوري ومليشيا حزب الله على مخيم اليرموك، ومن الضروري أن نعيد بعض التفاصيل، فالناس في مخيم اليرموك اضطروا لتناول الأعشاب وأوراق الشجر، والماء والبهارات، لفترة طويلة. وهذه الأشياء كلها ينتج عنها تبدلات مهمة في أنسجة وخلايا الإنسان، حيث تبدأ القصة من التحولات في معدة الإنسان، والتي تبدأ بإفراز مواد شبيهة بما في معدة الحيوان الآكل للعشب، ما يعني أن الأنسجة والخلايا وصولا للدماغ البشري، كلها تتعرض لمضاعفات خطيرة، أخطرها ما يقع على أجسام الأطفال، والذين بعد انتهاء الحصار سوف يحتاجون إلى سنوات طويلة من العلاج حتى تعود أجسامهم طبيعية من جديد.

في تجربة مخيم اليرموك بدأ النظام بإدخال المواد التموينية الجافة، وهذه بالطبع لم تحل المشكلة، لأنها أسكتت الجوع مؤقتا، وانتقلنا إلى مرحة ثانية من الحصار، وهي منع دخول الألبان واللحوم والخبز والبيض، وكل هذه الأشياء من المستحيل أن تستقيم صحة الأطفال بدون تناولها. ويضاف إلى ذلك الحصار منع دخول الخضروات والفواكه، وبذلك عمليا يكون الحصار مستمرا؛ لأن هدف الحصار هو هدف رخيص يقوم على قاعدة القتل والإبادة، وهكذا يستمر الحصار ويستمر الموت، ولكنه موت بطيء بطرق تبدو مختلفة، لكن أصل الموت واحد، وهو منع وصول مستلزمات الحياة كاملة للناس.

هناك صورة إضافية للحصار، وهو حصار على المواد النفطية؛ لأن هذا يمنع توفر الكهرباء اللازمة للأمور الضرورية كالعلاج في المستشفيات، وما يلحقها من الأدوية وغيرها، إضافة إلى أن عدم توفر الكهرباء هو سبب إضافي لعدم توفر طرق الحفاظ على المواد التموينية في حال توفرت، وهو يعني أن جميع الموجودين هم سجناء يتحكم بهم السجان ويتفنن بقتلهم باختيار الطريقة التي يريد.

فك الحصار عن مضايا ليس بإدخال بعض الطحين والأرز، فليس المطلوب أن نعيد تجربة مخيم اليرموك الذي لا تزال الناس تموت فيه بفعل سوء التغذية ومنع الأدوية، بمعنى أن الحصار باق ولكن أدواته مختلفة.

مؤكد أنه ليس هناك أسوأ في التاريخ من أن تقوم دولة تسمي نفسها إسلامية، مثل إيران، بهذا القتل البشع للناس، وليس هناك أسوأ من حزب يدعي أنه إسلامي ويسير نحو القدس.. وأيضا لم يسجل التاريخ أسوأ من ظاهرة القومجية العربية التي تسير وراء هؤلاء لأجل حفنة فلوس. وبمقابل ذلك، يتمنى كل سوري عدوا مثل إسرائيل، لأن إسرائيل هذه التي خرجت من صميم الحضارة الأوروبية، تحاول دائما أن تقدم صورة عصرية عن نفسها، رغم العقل العنصري الذي تقوم عليه. في مقابل ذلك، فنحن أمام دولة وحزب يقدمان الإسلام نموذجا، لكنهما يمارسان سلوك قبائل حاقدة غارقة في مجاهل التاريخ السوداء.

أمام وحشية إيران وحزب الله وبقية الأدوات الصغيرة الموجودة برفقتهم في سوريا، يمكن لأهل مضايا أن يعيدوا قول ما قاله سكان مخيم اليرموك سابقا: "اللهم ارزقنا حصارا يشبه حصار غزة".

اقرأ المزيد
١٢ يناير ٢٠١٦
“النمر" القاتل لشعبه يؤدي التحية للمحتلين و سعيد بوسام الذل

بخطى عسكرية وفق المدرسة العسكرية الروسية ، سار ما يسمى بالنمر باتجاه أعلى رتبة في مطار حميميم مقدماً التحية له و فخوراً بانجازاته التي هي عبارة عن سلسلة مجازر بحق الشعب السوري في كل رقعة خاض فيها معركة .

سهيل الحسن ، الاسطورة الوهمية التي يتغني بها موالوا الأسد ، على أنه البطل الذي لا يقهر ، وقف أمام الضابط الروسي ليحصل على وسام "القاتل لشعبه" ، في مشهد شاهدناه تاريخياً ، ولازلنا نشهده مع وجود بقايا نظام الأسد ، الذين قرروا الجلوس في حضن المحتلن و التحصن بهم .

تاريخ قذر يحمله المسمى بـ"النمر" الذي لا يتقدم سنتمتر واحد قبل أن يحرق كل شيء أمامه ، و ازداد اجرامه مع دخول العدو الروسي الذي تكفل بالحرق و لكن بأقذر الأسلحة ، مستخدماً أقذر الأشخاص على الأرض .

النمر صاحب فلسفة "العالم عدو العالم" وقف بالأمس في مطار حميميم و قدم التحية للحاكم الفعلي على الأرض السورية الخاضعة لسيطرة الأسد اسماً و روسيا و ايران فعلاً ، ليقدم واجب السمع و الطاعة للسادة الجدد .

بارك الموالون و تغنوا بهذه الخطوة ، و الغريب أن يحتفلون بالمحتلين و بانجازاتهم ، و لا يستطيعوا أن يقدموا أى انجاز لقواتهم و عناصرهم ، سوى النعوش و بقايا صور القتلى على جدران منازلهم .

اقرأ المزيد
٧ يناير ٢٠١٦
السعودية تقود المواجهة لكن الصراع عربي - فارسي

لم تشأ إيران أن تفهم أن الكيل طفح والصبر نفد عربياً، وليس سعودياً فحسب، وأنها إذا شاءت امتحان العرب خليجيين ومشرقيين ومغاربة بالنسبة إلى السعودية، بل إذا حاولت اختبار المسلمين حول العالم، فهي لن تحصد سوى خيبة أمل تناقض توقعاتها تماماً. فالاصطفاف هنا بديهي وطبيعي، أياً تكن الدوافع، سياسية أو قومية أو دينية ومذهبية. هذه مواجهة ما كان لإيران أن تذهب بها إلى شفير الهاوية، على جاري عادتها، وما كان لها أن ترسل رعاعها للاعتداء على الممثليتين الديبلوماسيتين وهي الطامحة للاعتراف بها كقوة ذات نفوذ إقليمي. لكن طبع المارقة يغلب على طبع الدولة – الندّ للقوى الكبرى كما صوّرت نفسها لحظة توقيع الاتفاق النووي.

أصبحت التدخلات الإيرانية مكشوفة، باستخدامها الاستقطاب المذهبي السنّي - الشيعي كوسيلة لتخريب العالم العربي. هذه سياسة حاقدة وانتقامية وقصيرة النظر لا تأخذ في الاعتبار حقائق المجتمعات التي تخترقها، إذ تزعزع روابط التعايش وجسور التواصل وتهدم ما بُني على مرّ العقود من وشائج بين مواطنين ينتمون إلى وطن واحد. لذلك، لم يكن لأيٍّ من تدخلاتها أي أثر إيجابي، وقد تحوّل بعضٌ منها إلى حالات احتلال تمقته المجتمعات التي يخترقها لأنه يرمي إلى تفتيت الدول، وبعضٌ آخر إلى مشاريع لتعطيل الدولة والاقتصاد. كما أن العمل على العسكرة وإنشاء الميليشيات الشيعية برهن أن وظيفته الأولى هي تفكيك الجيوش وشلّ أجهزة الأمن الوطني.

لم تشأ إيران أن تفهم أيضاً أن نهج «تصدير الثورة» عبر البوابة المذهبية انتهى إلى مآلات سيئة عدة: تأسيس ثقافة فجور سياسي تظهر أكثر ما تظهر في سلوك ميليشياتها، تعميق الانقسامات وإشعال الحروب الأهلية، وتأجيج بؤر الإرهاب واستغلال تنظيماته في «حروب بالوكالة»... وهذه يمكن أن تكون مجدية بعض الوقت وليس كلّه. لا شك في أنها بالغة الإيذاء والإضرار، ولا بدّ من أن ترتد على أصحابها في نهاية المطاف، لكنها ترتدّ أولاً على أبناء الطائفة الشيعية الذين تورّطهم إيران في عداوات داخلية مجانية ومفتعلة مع مواطنيهم، وهذا ما خبره العراقيون واللبنانيون والبحرينيون، فيما لا يزال الصراع في سورية واليمن شاهداً على أكبر جريمتين دبرتهما إيران ضد شعبين عربيين.

... والآن تسعى إيران إلى مدّ مسلسل التخريب إلى المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج، آخر منطقة عربية مستقرة، وعليها يعوّل العرب لمساعدتهم على استعادة سلمهم الداخلي. فاستهداف السعودية معروف ومعلن في خطاب إيران وميليشياتها، لا سيما «حزب الله» اللبناني، حتى قبل زمن من إعلان المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب أن إيران «استولت على العراق والآن تريد السعودية». لا سقف لمشروع التخريب هذا ولا حدود، وإنما مجرد عقل موتور لا يتوقف عن استخراج الضغائن من أوهامه الماضوية لينتج سياساته الظلامية، لكن رفضه الحقائق الجديدة في منطقة الخليج يكاد يطيح كل أحلامه، فعهد «شرطي الخليج» ولّى، فكرةً ومنظومةً ووظيفةً، إلى غير رجعة. وحتى مفهوم النفوذ، بالقوة والهمجية والإرهاب، لم يعد له مكانٌ، حتى لو غازلته الولايات المتحدة أو جاملته، لأسبابها ومصالحها. بل إن الإدارة الأميركية تقصّدت صمّ آذانها حيال عشرات التحذيرات التي أطلقها مجلس التعاون الخليجي، على مدى سنوات، من التدخلات الإيرانية المتمادية، لأنها كانت تسعى في سبيل الاتفاق النووي، وحصلت عليه، ثم واصلت تجاهل تلك التدخلات، لأنها باشرت السعي إلى مصالحها مع ايران. المؤكد أن السكوت الدولي طويلاً، خصوصاً الأميركي والروسي، عن انتهاكات إيران هو ما أوصل الوضع الخليجي والعربي والإسلامي - الإيراني إلى هذا المستوى من التوتر.

مُذ تلقّى الثور الإيراني الهائج تلك الصفعة في اليمن فَقَد صوابه عملياً. كان توصل إلى السيطرة على صنعاء، «العاصمة الرابعة» العربية، ويعيش ربع الساعة الأخير قبل أن يهيمن حوثيّوه على هذا البلد. لم تكن تفصله سوى ساعات قليلة ليشرف على باب المندب فيستكمل تطويق السعودية ويباشر اختراق حدودها... غير أن «عاصفة الحزم» طوت هذا السيناريو نهائياً. لم يعد وارداً ولا ممكناً. أصيب مشروع «الإمبراطورية» بانتكاسة خطيرة وقاتلة، ولم يبقَ لأصحابه سوى أن يمنّوا النفس بأن تكون السعودية استدرجت نفسها إلى ورطة لا نهاية لها. وسواء كانت ورطةً أم لا فإن الخيار (أو بالأحرى اللاخيار) الآخر كان السقوط في الفخّ الإيراني. من اليمن بدأ «ما بعد» الاتفاق النووي قبل شهور من إنجازه فعلاً، إذ لم يكن للسعودية وحلفائها أن ينتظروا أو يصدّقوا أن ذلك الاتفاق سيعيد إيران دولة عاقلة ومسالمة و «شريكة في حل الأزمات»، كما روّج لها باراك أوباما، مع علمه بأنها هي التي صنعت تلك الأزمات وأمعنت في تسميمها.

لم يكن استخدام إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر سوى ذريعة انتظرتها إيران لإثارة ردود الفعل المذهبية، والعودة إلى صفحة مفتوحة في الصراع مع السعودية. تريد أن تجعل من هذه الواقعة حافزاً ومبرراً لمعاودة تحريك «الورقة الشيعية» في الخليج، تحديداً في السعودية، على رغم أن النمر ليس «زعيم» شيعة السعودية، بل واحداً من الكوادر الذين اشتغلتهم طهران وضخّت في رؤوسهم أيديولوجية ولاية الفقيه. ومَن هم مثله بات معروفاً أن ولاءهم ليس لوطنهم ومجتمعاتهم بل للمرشد، ونماذج هؤلاء منتشرة من لبنان إلى العراق والبحرين واليمن. لكن مجرد التلويح بـ «الورقة الشيعية» صار وصفة مكشوفة، وقد اختُبرت في البحرين قبل خمسة أعوام ولم تكن لمصلحة المخططات الإيرانية ولا لمصلحة الشيعة الذين اختاروا التوتير والتأزيم تغليباً لمطامع طهران في بلدهم، على رغم أنهم أضاعوا عام 2011 فرصة لتحقيق طموحاتهم ومطالبهم ولا يزال بإمكانهم أن يحققوها بالحوار، لكنهم يرفضون الاسترشاد بتجارب الآخرين. فهذه «الورقة» اختُبرت أيضاً على النحو الذي صدّع العراق ودمّر سورية واليمن وعطّل لبنان.

لا مفاجآت في ما يحصل، وحدها التفاصيل لم تكن متوقعة، وفي الأيام المقبلة عندما يلتقي وزراء الخارجية الخليجيون في الرياض ثم الوزراء العرب في القاهرة لن يكون مقبولاً أن تقتصر مقارباتهم على حادث السفارة في طهران أو أي تفصيل آخر، فهذا سيكون فصلاً جديداً من فصول الهروب من طرح تدخلات إيران واعتداءاتها وانتهاكاتها بكل جوانبها، بما في ذلك التقاء أجندتها موضوعياً مع أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل، بدليل النتائج الملموسة لسياساتها التخريبية في سورية وفلسطين ودفعها في اتجاه تفتيت البلدان العربية. لم يعد واقعياً التعامي عن كل هذا العداء والأذى، وعن هذا اللعب بالإرهاب، تلك «الورقة» الأخرى الشريرة التي لم يتوانَ العرب عن مشاركة القوى الدولية في التغاضي عن دور إيران المزدوج في تخليقها أولاً من مخلفات إرهاب «القاعدة» ثم في ادعاء التصدّي لإرهاب «داعش». بل شارك العرب أيضاً في السكوت الدولي عن حال الإرهاب المبرمج التي تشكّلها ميليشيات عملت إيران على تفريخها هنا وهناك، ولم يعد جائزاً استثناؤها ولا تجاهل جرائمها وانتهاكاتها.

لا أحد يدعو الدول الخليجية والعربية إلى إعلان حرب على إيران، لكن الأخيرة التي عبثت طويلاً وعاثت فساداً من دون أن تتلقّى أي رد فعل عربي، خلصت إلى الاعتقاد بأنها إزاء منطقة ماتت بفعل تشرذمها وهوانها. لذلك، فإن المطلوب من مجلس التعاون والجامعة العربية يمكن أن يُصاغ في ثلاث لاءات: أولاها، لا للمشروع الإيراني، المذهبي - الفتنوي، لأنه يقود إلى تعميم الحروب الأهلية على المجتمعات والشعوب العربية كافة، وهو ما تمنته إسرائيل ولم تستطع تنفيذه. والثانية، لا استثناء ولا تمييز في الإرهاب، سواء كان إرهاب «داعش» و «القاعدة» وأخواتهما، أو إرهاب الدولة الإيراني أو إرهاب ميليشياتها أو إرهاب الدولة الإسرائيلي. والثالثة، لا صراع ثنائياً سعودياً - إيرانياً، بل هو صراع عربي - فارسي، وبالتالي فلا المواجهة متروكة للسعودية وحدها ولا تسوية تنتظر «حواراً» سعودياً - إيرانياً. فإيران سعت وتسعى إلى حوار كهذا بغية المساومة، والسعودية لا تريد مساومة إيران أو سواها على أرض/ أراضٍ عربية أو على شعوب عربية.

اقرأ المزيد
٧ يناير ٢٠١٦
حاصِر مضايا .. لا مفرُّ

لا مقامات مقدسة في مضايا. وليست البلدة السورية بقريبة من الحدود السورية- اللبنانية بحيث يُخشى تسلل انتحارييها إلى الداخل اللبناني. ولا أقليات طائفية فيها تتعين حمايتها من بطش التكفيريين. رغم ذلك، لا يجد مسلحون لبنانيون عيباً في إماتة أهل البلدة المحاصرة منذ أكثر من سبعة شهور، جوعاً ومرضا.

كذّبَ إعلام «حزب الله» الحربي في بيان له أمس الأول، الاتهامات بالتسبب في تجويع أهالي المدينة محمّلاً المسؤولية إلى قادة «الجماعات الإرهابية المسلحة» المنتشرين في مضايا باسترهان المدنيين وحبس المواد الغذائية عنهم. كما ذكر الإعلاميون الحربيون أن المسلحين في البلدة سبق أن ذبحوا عدداً من عناصر الجيش السوري وشاركوا في المعارك التي شهدتها بلدة الزبداني المجاورة. وطمأنوا إلى أن كمية من المساعدات ستصل مضايا في الأيام القليلة المقبلة في إطار اتفاق «الزبداني- كفريا- الفوعة».

نسلم جدلاً بصحة ما جاء في البيان، بيد أن صحته (المفترضة) لا تجيب عن التساؤل عما يفعله المسلحون اللبنانيون على الأراضي السورية، ومن هي الجهة التي فوضتهم حل النزاعات بين سكان مضايا وبين «قادة الجماعات الإرهابية» من جهة وبين هؤلاء وبين عناصر الجيش السوري من جهة ثانية.

تتعارض هذه الأسئلة مع الطبيعة الاضطرارية التي برر بها «حزب الله» زجّ الآلاف من عناصره في الحرب السورية، تارة بذريعة الدفاع عن المقامات المقدسة وطوراً بحجة حماية القرى الشيعية قرب القصيْر، وحيناً بهدف منع تسلل الإرهابيين إلى لبنان، وحيناً آخر من أجل الوصول إلى القدس مروراً بالزبداني والحسكة (!!) على ما قال الأمين العام للحزب. وهذه كلها أسباب اضطرارية دفعت الحزب وعلى كره منه، إلى الانزلاق إلى الحرب السورية وتنكُّب أعبائها وأكلافها الباهظة.

والحال أن هذه الجولة السياحية المسلحة بين المدن والقرى السورية والمساهمة في تدميرها وتشريد أهلها –الذين يأتي قسم منهم إلى لبنان كلاجئين- لا تفعل غير تعميق التورط اللبناني بالدم السوري وحفر خندق عميق في مستقبل العلاقات بين الشعبين، على ما بات بديهياً ومكرراً.

مع ذلك، لا يرى الإعلام الحربي في الحديث عن حصار أتباعه المدنيين وتجويعهم وإذلالهم عند حواجزه وقنص من يحاول منهم الفرار من الموت البطيء، غير حملة رامية إلى «تشويه صورة المقاومة»... ألا تستحق مقاومة كهذه تحاصر المدنيين وتتشارك -على الأقل- مع قادة «الجماعات الإرهابية المسلحة» في ترهيب السوريين، وقفة مطولة عن معناها ودورها اليوم؟

في جميع الأحوال، تبقى الحقيقة الباهرة في سوادها، هي أن الحزب يكرس محو الحدود الوطنية اللبنانية كلما صعّد مشاركته في القتال متنقلاً بين مهمات كلها اضطراري وكلها عبثي. وربما لم ينتبه الحزب، أو فاته في زحمة «انتصاراته» من مزارع شبعا إلى ريف حلب، الانتباه إلى أن هناك من احتفل قبل أقل من عامين بتدمير الحدود التي اصطنعها الاستعمار في شرق سورية عندما عبرت آليات «داعش» من العراق.

يضمر «حزب الله» و «داعش» عداء، كل من موقعه، للحدود الوطنية ولما تمثله من علامات قيام الدول واستقرارها. بيد أن العداء هذا الذي يجعل الحزب يحاصر مضايا ويهجّر أهالي القصير، ينتهي عند الحدود الفلسطينية- اللبنانية، فلا ينتقم لقادته القتلى إلا في مكان ملتبس السيادة مثل مزارع شبعا. عجباً!

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى