مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٣ يناير ٢٠١٦
الروس و الحل السياسي

إنقاذ الأسد 

لا يخفى على أحد أن التدخل العسكري الروسي جاء لإنقاذ ما تبقى من نظام الأسد الذي فتّتته ثورة الكرامة، ورمّمه في المرة الأولى حزب الله الطائفي، وصادرت القوات الإيرانية قراره وسيادته على أجهزته في المرة الثانية، ليأتي الروس في الثالثة ويعلنوا الاحتلال الرسمي لسوريا الأسد ويحاولوا احتلال سوريا الحرة.

 اتفاقيات دولية


كان من ضمن عملية خلط الأوراق السياسية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة السماحَ للروس بالتدخل في سوريا عسكرياً، والرجوع خطوة إلى الخلف ودفع الروس بخطوات إلى الأمام في الشأن السوري، ربما من أجل إغراق الروس في المستنقع السوري والذي قد يكون الضربة القاضية الأمريكية للروس، وربما هناك اعتبارات أخرى لانريد الخوض فيها، ما يهمنا أن التدخل الروسي كان بموافقة أمريكية ظاهرةً كانت أم مبطنة.


التجربة الروسية

من خلال تجارب الروس السابقة في أفغانستان وغيرها، علم الروس أن هذه الصراعات بين الشعوب والطغاة نهايتها استسلام الطغاة على طاولة السياسة، وحاولوا أن يستثمروا التدخل العسكري في فرض حل سياسي استسلامي على الشعب هذه المرة، ووجدوا فرصة أن يعيدوا تجربة مصر وتونس وغيرهما بالحفاظ على الدولة العميقة لإعادة إنتاجها فيما بعد، فجاء الحل الروسي وجاءت ورقة فيينا، والتي خفضت وبشكل واضح وفاضح سقف جنيف وطرحت -وبشكل مبطن- ورقة بشار الأسد للمساومة، وأشغلت الجميع في مسائل جانبية منها ملف الإرهاب وتأطير المعارضة وعلمانية الدولة لتحقق مبتغاها وتحافظ على الورقة الأهم (الدولة الأمنية العميقة).

 الواقع العسكري


كلنا يعلم الطريقة الروسية في المعارك، وهي سياسة الأرض المحروقة والجيوش الجرارة. النظام دائماً يدّعي أنه بخير، ويملك جيشاً قوياً منظّماً، وهذا ما أوهم به الروس، وبناءً على هذا الوهم بنى الروس خطّتهم العسكرية، وكانت المعركة الأولى في حماة، والتي كشفت واقع الجيش الأسدي المهترئ، من خلال مجزرة في العتاد والرجال اضطر بعدها الروس -وبسبب عدم نيتهم الغرق في المستنقع السوري- إلى الاستعانة بالميليشيات الإيرانية، والتي زجّت بقواتها على الأرض بكثافة عددية هائلة.
حقيقة الأمر أن النظام الأسدي لا يأبه بما يسمى "مقاتل"، وكان يدفن في المعارك المئات من مقاتليه، وقد لا يأبه حتى لدفنهم. على عكس الإيرانيين، الذين يتوجب عليهم نقل جثث مئات القتلى في الطائرات إلى شعبهم، ويبدو أن الإيرانيين لم يكونوا مستعدين لهذه الفواتير، ظهر ذلك جلياً في ضغطهم المستميت في فيينا 2، باتجاه وقف إطلاق نار فوري وشامل.
على الأرض وفي الجهة المقابلة، خسرت المعارضة بعض النقاط في جنوب حلب وجبال الساحل وبدرجة أقل في الريف الدمشقي، ما أوحى للعالم أن الروس يملكون أوراق ضغط حقيقية، لكن حقيقة هذه الخسارة أنها إبادة وحرق بفعل سلاح، الجو يليها تقدم سهل للميليشيات، لكن هذا التقدم هشٌّ جداً، وخاصة عندما نتحدث عن استعادة هذه النقاط، والتي يخرج فيها سلاح الجو من معادلة المعركة الانغماسية الالتحامية.

 الرمي بكل الأوراق

بعد طرح الروس الحل السياسي وتصدّرهم لمشهد الحل السياسي في سوريا، ومقارنةً بحجم إنجازاتهم على الأرض والتي لا تكفي لتحقيق رؤيتهم في الحل السياسي وتقتضي استسلام الثورة، كان لابد من زيادة الضغط وطرح كل الأوراق دفعةً واحدة، فجاء تحرك داعش على عدة محاور وفي عدة بلدان، وجاء أيضاً تحرك الميليشيات الكردية وضغطها على الثوار، وزادت حدّة الهجمات، وبدأ الجنون الروسي الذي ورثهُ الأسد وجيشه سابقاً، وبدأ الانتقام من الأسواق والمدارس للضغط على الحاضنة الشعبية، في محاولة يائسة لكسر إرادة الشعب، لكن السحر انقلب على الساحر، وازداد إصرار هذه الحاضنة على الاصطفاف الوطني خلف جيشها الحر.


 مِشعَر الاستنزاف :
مع طرح الروس كل أوراق اللعب على الطاولة دفعةً واحدة، والضغط الهائل الذي تتعرض له الثورة السورية اليوم، ومع كل ما يحدث على الساحة، تحاول جميع الأطراف اليوم إقناع المعارضة والقوى الثورية السورية أنها في حالة ضعف وانهيار وأن عليها الخضوع لحل استسلامي روسي.
وهنا نقول:
إن أهم مِشعَر لتحديد مَن هو المستنزَف والمضغوط في هذه المعركة، هو أن ننظر للذي يهرول إلى الحل السياسي بغض النظر عن طبيعة هذا الحل إن كان عادلاً أو استسلامياً، وكلّنا يرى هرولة الروس لإنهاء المعركة بطريقتهم، ومن المعلوم أن مَن طلب -وبشدة- وقفَ إطلاق النار الفوري والشامل هم الإيرانيون في فيينا 2 كما ذكرنا سابقاً.


الخلاصة


من كل ما تقدم، نرى فشل الروس في إدارة وفهم الملف، وأظنّ أنّ العالم بأسره عجِزَ وسيبقى عاجزاً عن فهم تعقيدات الثورة السورية، ونرى بوضوح أن من امتصَ -منذ بداية الثورة- عنف الجيش الأسدي، وتعلّم كيف يتعامل معه، -ثم بعد ذلك- عرف كيفية التعامل مع احتراف العصابات الشيعية على مرحلتين (حزب الله والحرس الثوري)، وأنهى كل هذه القوى، لن يعجز عن امتصاص هذه الفورة الروسية،
وستتحطم مطامع الغزاة على صخرة الإرداة الشعبية.

اقرأ المزيد
٢٢ يناير ٢٠١٦
سوريا بين «لافروف» و«كيري»

كنا نأمل أن يسهم لقاء الوزيرين لافروف وكيري في زيورخ يوم الأربعاء الماضي 20/1/2016 بدفع عملية المفاوضات المرتقبة في جنيف، ولكن تصريحات الوزير الروسي تنبئ بتعطيل هذه المفاوضات ودخولها في طريق مسدود، والمفجع أن روسيا التي تقصف المدنيين السوريين بشكل يومي يطال المناطق المأهولة بالسكان هي إحدى الدول الراعية للحل السياسي، وقد كشفت أنها تريد من هذا الحل أن يضمن انتصاراً للنظام على شعبه، وأن تؤدي مفاوضات جنيف إلى منح النظام شرعية جديدة.

لقد بدا إصرار لافروف على منع المعارضة السورية من حق اختيار وفدها المفاوض، استخفافاً بخيارات الشعب السوري، وتحيزاً علنياً للنظام عبر حرص روسيا على تفصيل وفد مفاوض على قياس مطالب النظام، وضامن بأن يتحقق من مفاوضات جنيف بقاء رموز النظام على رأس حكومة موسعة بدل الحكومة الانتقالية.

وروسيا تصر على هذا التدخل مع أن قرار مجلس الأمن 2254 الذي تستند إليه المفاوضات المرتقبة يؤكد على كون السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبلهم. أما ما أشار إليه القرار حين تحدث عن لمسات أخيرة يضعها «ديمستورا»، فهو مجرد لمسات لوجستية، وقد فهم «ديمستورا» هذا الأمر جيداً حين هنأنا في الرياض بما تم إنجازه في الهيئة العليا للمفاوضات، وأكد أنه لن يتدخل في تشكيل وفد المعارضة، وأذكر أنه قال حرفياً، إن هذا هو امتيازكم.

كما أن روسيا التي تحدث وزيرها في لقائه مع كيري عن اهتمامها بالبعد الإنساني هي المسؤولة المباشرة عن الحصار القاتل الذي تتعرض له عدة مناطق سورية يموت فيها الناس جوعاً، وتأتي مسؤولية روسيا من كونها هي الآن صاحبة القرار في شأن النظام السوري والوصية عليه.

وقد استغربنا أن يفهم أحد مطالبتنا بتنفيذ استحقاقات مرحلة ما قبل التفاوض التي حددها قرار مجلس الأمن، ولاسيما في البنود 12 و13 و14 على أنها شروط مسبقة، مع أن هذه الالتزامات الدولية هي من صلب قرار مجلس الأمن كما أنها من صلب بيان جنيف الذي يعتبر المرجعية الأساسية للحل السياسي. وروسيا هي إحدى الدول التي صاغت القرار، وهذه البنود منطقية لأنها تعبر عن ضرورة البدء بمرحلة حسن النوايا لضمان نجاح المفاوضات التي لا يمكن أن تدخل في موضوعاتها الرئيسة دون إنهاء الحصار والبدء بإطلاق سراح المعتقلين، والوقف الفوري لإطلاق النار والبدء بإجراءات بناء الثقة بالعملية التفاوضية ذاتها.

ولقد عبرنا في الهيئة العليا للمفاوضات عن إصرارنا على نجاح المفاوضات وليس على مجرد انعقادها، ونحن نخشى عبر هذه الضغوط على المعارضة أن تهمل القضية الرئيسة التي تعقد المفاوضات من أجلها وهي تشكيل حكومة انتقالية، بينما تغرق أجندة التفاوض بتفاصيل مرحلة النوايا الحسنة.

لقد طالبنا بفصل المسار الإنساني عن المسار السياسي، وطالبنا بجدول أعمال واضح لسير جلسات المفاوضات، وأوضحنا أننا لا نقبل أن يتدخل أحد في تشكيل وفد المعارضة الذي سمته الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر جنيف الذي جاء بتكليف من المجموعة الدولية الداعمة ومن بينها روسيا، وكذلك لا نقبل بوجود وفد ثالث حتى ولو كان في غرفة بعيدة.

وأما القول بأن مؤتمر الرياض لم يمثل كل أطياف المعارضة فيدحضه وجود تسع وعشرين شخصية ممن حضروا مؤتمر القاهرة، ونحو تسعة أشخاص حضروا مؤتمر موسكو، وأعضاء هذين المؤتمرين هم من ذات مكونات مؤتمر الرياض، فهم من الائتلاف ومن هيئة التنسيق ومن المستقلين.

وأما الإصرار على اتهام بعض الفصائل المشاركة في مؤتمر الرياض بأنها فصائل إرهابية، فهو مجرد تعطيل لمسيرة المفاوضات، لأن من يختار الحل السياسي ويقبل بالانتقال من دولة أمنية استبدادية إلى دولة ديمقراطية تنهي احتكار السلطة لا يمكن أن يتهم بالإرهاب، وقد وقعت الفصائل العسكرية المشاركة كلها على وثيقة الرياض التي أيدتها الدول الداعمة، ونرجو أن تسهم هذه الدول الشقيقة والصديقة في دفع روسيا إلى الاقتراب من مطالب الشعب السوري والتوقف عن قصفه، وإذا كانت روسيا تبحث عن مصالحها، فإن القوة العسكرية لا تحقق هذه المصالح، وإنما تحققها الإرادة المشتركة بين الشعوب.

اقرأ المزيد
٢٢ يناير ٢٠١٦
شهيد مجهول الهوية .. كم من الآلام سيجنها الشعب السوري لعقود

تتناثر الصور لاجساد ممزقة ، ووجوه باهتة بلا روح ، وفوقها تمر عبارة سريعة "شهيد مجهول الهوية .. نرجوا ممن يعرفه التواصل معنا" ، هي جملة تحمل مرارة لايمكن وصفها لأهل هذا الشهيد أو ذلك أو تلك ، فتشظي السوريون و تشتت العوائل حوّل معرفة مصير المتناثرين قضية في غاية الألم و التعقيد ، و قد تحتاج لأجيال لتندمل ، وسنوات طويلة من انتظار من لن يأتي .

لايمكن حصر حجم الأذى الذي لحق بالشعب السوري نتيجة ، مطلبه البسيط "الحرية" ، لينتقل إلى فصل لم يشهد له التاريخ مثيل ، فصل أتى على كل شيء و دمر كل شيء ، حتى بذرة الأسرة الأساس في أي مجتمع باتت غير موجودة ، وبات أعضائها بين قتيل و جريح و مهجر و نازح و مفقود إما في غياهب المعتقلات أو في قوائم الشهداء المجهولين .

وتعجز المؤسسات التوثيقية عن تقديم نتيجة شبه حقيقية أو تصل لحد ٥٠٪ من الواقع المرير ، الذي يبدو أنه سيبقى جاثماً حتى لو انتهت الحرب في الغد و عاد المهجرون جميعاً من غرب و شرق و شمال و جنوب الأرض إلى سوريا .

نحن اليوم أمام مجموعة من القوائم التي لايعرف محتواها ، منها ما يشير إلى مفقود في طريق اللجوء ، إلى تائه بين المناطق المتنوعة ، إلى شهداء مجهولي الهوية ، أو الغائبين في ظلام المعتقلات .

قوائم لانملك أسماء فيها و لا حتى معلومات ، قد يكون منتهى أو أفضل ما نملك صورة لوجه متآكل من الجروح أو القروح ، غائر المعالم من الجوع و التعذيب أو آلام مخاض خروج الروح .

خلف هذا القوائم و الصور يوجد آلاف العوائل التي تعيش على قارعة الانتظار ، و لكنه انتظار بلا موعد ، انتظار بلا واعد ، و كل ماهنالك انتظار لاغير .

هذا المشهد المآساوي يضرب ذاكرتي للعودة إلى عقود مضت و تحديداً إلى مجزرة حماه ، عندما غيب نظام الأسد الآلاف من السوريون في أماكن مجهولة و غير ممكنة الوصول ، و احتاجت حماه أكثر من ٣٠ عاماً حتى أيقن أهلها أن الانتظار لم يعد مجدي ، و التسليم بأن الغياب سيكون نهائي ، و كثيرٌ منهم لازال مصراً على الوقوف خلف الباب بانتظار ذلك الغائب رغم موت المُغيب و السجان ، و لكن للسجين حياة أطول في عقل المنتظرين .

حماه هكذا مع عشرات الآلاف القليلة التي غابت ، فكيف الحال في سوريا التي فقدت مئات الآلاف ليس في مكان بعينه ، و إنما في كرة أرضية بأسرها .

اقرأ المزيد
٢٢ يناير ٢٠١٦
أشهر العسل الروسية في سوريا شارفت على النهاية .. وبداية الانتكاس انطلقت ..

كلما كثُر العويل و التهديد بالمستحيل كلما تعمق اليقين بأن الألم بات غير محتمل ، وبات معه أن أي باب سيفتح للولوج لراحة ولو مؤقتاً مطلباً ملحاً ، هي الحالة التي تعيشها روسيا حالياً ، فأشهر العسل في سوريا شارفت على نهايتها و باتت في وسط النار ، تبحث عن أي مخرج من الجحيم الذي لم يكن متوقعاً أن يصل بها إلى هنا ، وما انهيار الروبل و ما سيتبعه إلا مجرد بوادر لمصائب قد تجعل من "الحالم" بالقيصرية ، ساعيٍ وراء العودة إلى أي حالة في دولته إلا وضعه الراهن .

أربعة أشهر إلا قليل هي المدة الزمنية لبدء العدوان الروسي على سوريا ،والتي حددها الروس عند الانطلاق بأنها لن تتجاوز هذه المدة حتى تحقق أهدافها ، ولكن الحقيقة هي المدة التي تستطيع روسيا تحمل نفقاتها التي تقدر بمليوني دولار يومياً ، احتسبت من نفقات وزارة الدفاع الروسية على التدريب ، و لا باب ثانٍ لتحويل الأموال منه إلى حربٍ ، أيقن الروس أنها لن تحقق المبتغى في سنين طوال .

الروبل اليوم في حالة انهيار شبه تام ووصلت نسبة الانخفاض إلى ١٢٪ ، فتجاوز الدولار عتبة الـ ٨٦ روبل فيما قارب اليورو الواحد ١٠٠ روبل ، وهو ما يؤكده الاقتصاديون أنه "انهيار" للاقتصاد الروسي ( الكلمة الغير محبذة من المسؤولين الروس ).

اجتماع عوامل عديدة أبرزها انخفاض النفط بشكل كبير و العقوبات الأوربية – الأمريكية بسبب الأزمة الأوكرانية ، يجعل الانهيار ( المرفوض كمصطلح) متسارع و بشكل كبير و ينذر بأن روسيا ستعيش أياماً يمكن اعتبار تلك الأيام التي تلت تفكك الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينيات القرن الماضي ، جنة و رغد أمام ما هو قادم .

لعبة النفط تعتبر الخطة الأنجع في الحرب الباردة التي خاضتها أمريكا و دول الخليج ضد كل من ايران و روسيا معاً ، ووضعتهما تحت الضغط ، فالسعر الحالي للنفط وصل إلى ٢٨ دولار و بضع سينتات و تكلفة استخراجه في ايران ١٢،٦$ و في روسيا ١٧،٣$ ،الأمر الذي جعل من طريق تفكيك البرنامج النووي الايراني متاحاً بالمجان ولن يفيد نتائجه ايران إلا في لملمة جراحها و الدخول في خرب مع شعبها لعدم تمكنها من تحقيق ما وعدت به مقابل النووي ،فيما ساعد سلاح النفط على تقليم أظافر روسيا لسنوات و سنوات ، و ستزداد هذه السنوات إذا ما استطاع الخليج المحافظة على انخفاض سعر النفط لأشهر ستة أخرى ، لتكون ضربة قاضية قد تنهي روسيا من الخارطة الاقتصادية و السياسية لأجيال .

ولم يكن سلاح النفط وحده ما توجيهه إلى روسيا ، بعد تم اعتماد عدة جبهات اخرى كالاستدراج إلى سوريا و استنزاف المخزون الروسي المالي و التقني و كشف الأوراق المخبئة ، إضافة لعقوبات قاسية متعلقة بأوكرانيا ،مما يمهد لوجود حقيبة حل متكاملة تشمل كل النقاط التي حشرت روسيا نفسها فيها، لتتنازل عنها دفعت واحدة للخلاص من تواصل الانهيار على الأقل .

وفي تلك الحقيبة التي يسعى الأمريكيون و الأوربيون من خلالها نزع الأنياب الروسية ، الملف السوري ، الذي تعتبره روسيا ورقة ضغط ضد الجميع ، ليتحول اليوم إلى ورقة ضغط من الجميع على روسيا ، وأول ما ستعمل الأخيرة على مواجهته هو القذف بهذا الملف الذي كما يعرف في السياسة العالمية الحالية بـ"بيضة القبان" .

سعت روسيا لاستحضار كل ما يمكن استحضاره ، و استندت على دول ظنت أنها تشترك معها في الأهداف ، و لكن كانت "كالمستجير من الرمضاء بالنار" فلا ايران قادرة على تثبيت نفسها بعد أن قلمت أظافرها النووية و تكشف زيف قوتها العسكرية التي تكسرت في سوريا ، و لا روسيا قادرة على انهاء ملف من كتلة الملفات العالقة من القرم لسوريا مروراً بتركيا و ليس انتهاءً بالنفط و التهديدات القادمة بأن غازها المتجه إلى أوربا لن يعود الوحيد مع مساعٍ لايجاد بدائل من سوريا وقطر .


ولا يعني الاستعراض السابق الإفراط في التفاؤل "المتواكل" ، فالأيام الثمان القادمة و التي ستكتمل فيها المدة المحددة للعدوان على سوريا ، ستكون مصيرية وحاسمة في تحديد المسار القادم في سوريا و العالم أجمع ، وما تصريحات الخارجية الروسية أمس بأن "المجموعات الارهابية" في سوريا تضغط بشكل كبير قبيل جنيف ، وما تحديد مسؤل روسي السقف لموعد المفاوضات بين المعارضة و النظام بـ ٢٩ الشهر الجاري ، إلا دليل على استنفاز الاسلحة و القدرات مع نهاية هذا الشهر .


لاشك أن الأشهر الأربعة كانت مُرة و علقماً على الشعب السوري "المكلوم" و لكنها كانت كذلك على الروس و الايرانيين وجميع من وقف مع نظام الأسد ، و ستكون أشد مراراً و انهياراً لهم في قادمات الأيام ، وماذلك إلا يقيناً بقول الله تعالى " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون “.

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٦
بعد رفع العقوبات: لا تغيير وإيران مستمرة بما هي عليه!

ربما أنَّ أول سؤال تبادر إلى أذهان المتابعين لهذا الشأن هو: هل أن إيران يا ترى بعد رفع بعض العقوبات عنها سوف تقف وقفة نقدٍ فعلي وجدّي مع الذات، وسوف تراجع حساباتها بكل صدق وشجاعة، وتعيد النظر في مسيرة انحراف مكلفة وخطيرة كانت بدأتها بعد انتصار ثورتها الخمينية في عام 1979، واستمرت على مدى كل هذه الأعوام الطويلة منذ ذلك الحين وحتى الآن؟!


يشير بعض التقديرات إلى أن كبرياء كبار معممي إيران، المبنية على الأوهام، قد دفعتهم إلى إنفاق أكثر من مائتين وخمسين مليار دولار على مشروع امتلاك الأسلحة النووية، وأن غرورهم قد دفعهم إلى تجويع شعبهم واضطهاده وأخْذ أبنائه عنوة إلى محارق حروب ونزاعات لا هي محقة ولا هي ضرورية، وكل هذا استجابة لوهْمِ ونزعة إحياء الدولة الصفوية، واستعادة ما يعدونه أمجاد فارس القديمة.


كان على حسن روحاني لو أنه صاحب قرار بالفعل ألا يزف البشرى للشعب الإيراني، ويدعوه إلى إقامة الأفراح والليالي الملاح، بل كان عليه أن يبادر فورًا إلى إنشاء محكمة مخولة لفتح صفحات مسيرة أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، ولمحاسبة حتى الأموات الذين أقحموا إيران خلال كل هذه الأعوام الطويلة في هذه الحروب، وهذا بالإضافة إلى الأحياء الذين ما زالوا يقحمونها في كل هذه الصراعات المكلفة، وفي التدخل في شؤون دولٍ مجاورة وبعيدة من المفترض أنها شقيقة وصديقة وأنه يجمع الإيرانيين بشعوبها تاريخ طويل وحضارة مشتركة.


وأيضًا فإنه كان على حسن روحاني، لو أنَّ لديه الرَّغبة والقدرة، ألا يدفع الشعب الإيراني دفعًا إلى الاحتفال بـ«إنجاز» كاذب ووهمي، وأن يبادر فورًا إلى الإعلان عن أن هناك مسؤولاً ومسؤولين عن هذه الكارثة، وأنه آن أوان المحاسبة، وأنه لا بد من فَتْح أبواب المحاكم ومحاسبة حتى الأموات على مغامرة دفع ثمنها الإيرانيون وعلى حساب قوت أطفالهم وتطور بلدهم ونموه، كل هذه الأموال الطائلة وكل هذه الأرقام الفلكية التي كان يجب أنْ تصرف بدل كل هذا العبث وكل هذه المغامرات على التنمية وعلى إنشاء المدارس والجامعات وعلى الطرق والسدود والمطارات والزراعة والصناعة.


وبالطبع فإن هذا مطلبٌ افتراضي وتعجيزي، فهذا الرئيس الإيراني حسن روحاني ليست لديه القدرة، حتى وإن كانت لديه الرغبة في فتح أبواب المحاكم لمحاكمة المسؤولين عن مسيرة إيران البائسة والمكلفة والمتعثرة والوهمية منذ عام 1979 وحتى الآن.. حتى هذه اللحظة فهو مجرد واجهة «ديكورية» لنظام صاحب القرار فيه هو الولي الفقيه ومرشد الثورة علي خامنئي، وهو قائد حراس الثورة الجنرال محمد علي جعفري، وهو بعض الذين يتدثرون بجزء من عباءة «الإمام».. وأيضًا ربما الذين يديرون أموال ولاية الفقيه التي تقدر بعشرات.. والبعض يقول بمئات المليارات.


كل وسائل الإعلام العالمية تحدثت عن أن الشعب الإيراني قد استقبل، ما اعتبره علي خامنئي ومعه حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف وبعض من يُعدون ويَعدون أنفسهم: «مسامير صحن» هذا النظام الغريب العجيب نصرًا مؤزرًا، بفتور واضح فهذا الشعب الذي ذاق الأمرين على مدى سنوات الثورة الخمينية الطويلة كان يعرف سلفًا أنَّ لعبة الحصول على القنبلة النووية لعبة فاشلة، وأن كل هذه المليارات التي صرفت كان يجب أن تُصرف على رخائه وعلى تطوير بلده، وأنه لم تكن هناك ضرورة لحرب الثمانية أعوام المعروفة ولا للصراعات التي افتعلها «آيات المعممين» في العراق وفي سوريا وفي لبنان واليمن والبحرين.. وفي الخليج (الفارسي)!! كله.. ومؤخرًا وكما يبدو في باكستان وأفغانستان وأيضًا في تركيا.


إنَّ هذه هي حقائق الأمور، وإنَّ هذا هو واقع الحال.. و«لا يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم»، ويبقى أنه لا بد من العودة إلى السؤال المتداول الآن في وسائل الإعلام وفي المحافل الدولية كلها وفي كل مكان إنْ في هذه المنطقة الشرق أوسطية أو في العالم بأسره وهو: هل أنَّ إيران يا ترى ستُدرِك كَمْ أن الذين قادوها على مدى خمسة وثلاثين عامًا وأكثر قد ارتكبوا بحقها وحق شعبها جرائم لا تغتفر، ولذلك فإنَّ رفع العقوبات الجزئي يجب أن يدفع الشعب الإيراني إلى القول لمسؤوليه.. إلى الولي الفقيه ومن يشاركه في القرار وكل منْ حوله من جنرالات حراس الثورة وغيرهم: كفى.. كفى.. ولا بدَّ من تصحيح المسيرة والتوقف عن كل هذا اللعب والتلاعب.. لا بد من تغيير الاتجاه!!


وبوضوح أكثر.. هل أنَّ أصحاب القرار الفعلي في إيران، الذين ليس من بينهم لا حسن روحاني ولا محمد جواد ظريف.. وأيضًا ولا هاشمي رفسنجاني، باتوا يدركون أنَّه ثبت أن كل «ألاعيبهم» فاشلة، وأن النهاية المأساوية التي انتهت إليها محاولاتهم النووية، بعدما كلفت إيران والشعب الإيراني أكثر من مائتين وخمسين مليار دولار، أقنعتهم بضرورة الوقوف وقفة شجاعة مع الذات وتغيير المسار كله والبدء مجددًا ومن جديد من نقطة الصفر إنْ على الصعيد الداخلي وإنْ على صعيد العلاقات مع الجوار.. والعلاقات الخارجية؟!


وأيضًا وبوضوح أكثر فهل يا ترى سيأخذ الولي الفقيه علي خامنئي ومعه جنرالات حراس الثورة قرارًا تاريخيًا ويبادرون لفتح صفحة جديدة مع جوارهم العربي ويضعون حدًا فعليًا لتدخل إيران السافر في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن وفي البحرين.. وانسحابها - أي إيران - من الجزر الإماراتية الثلاث: «أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى».. هل سيحدث هذا؟.. أم أنَّ كل ما يُقال في هذا الصدد وفي هذا المجال هو مجرد أمانٍ وافتراضات وهو مجرد أضغاث أحلام؟!


قبل ساعات قليلة من إعلان الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية، عن أنَّ إيران قد استجابت لكل ما طلب منها بالنسبة للتخلي عن كل تطلعاتها النووية وتفكيك كل «المفاعلات» المتعلقة بهذا الشأن، وأنه لا بد من رفع العقوبات المتعلقة بهذا الشأن عنها، ظهر قائد حراس الثورة الجنرال محمد علي جعفري على شاشات فضائيات العالم كلها وهو يعلن عن أنه تم تدريب (مائتي ألف) من الشبان وإرسالهم إلى العراق وسوريا واليمن وباكستان وأفغانستان.. فماذا يعني هذا؟!


ثم وبعد ساعات قليلة فقط صدرت الأوامر وربما من الجنرال محمد علي جعفري نفسه إلى قائد «الحشد الشعبي» في العراق هادي العامري، الذي هو ضابط مرموق في حراس الثورة الإيرانية، بارتكاب تلك المجزرة البشعة التي ارتكبت ضد العرب السنة في المقدادية وفي ديالي وتدمير تسعةٍ من مساجدهم.. فماذا يعني هذا؟!


وكذلك وفي الوقت ذاته فإن المعروف أن نظام بشار الأسد قد أعلن عن أنه يعد لهجوم عسكري كبير على مدينة حلب، وأن حراس الثورة، الذين فقدوا جنرالاً كبيرًا في هذه المنطقة خلال الأيام الأخيرة، سيشاركون في هذا الهجوم، وسيشكلون طليعته.. فماذا يعني هذا؟!
هناك مثل شعبي يردد بكثرة ودائمًا وأبدًا في منطقة بلاد الشام يقول: «لو أنها ستشْتي (تمطر) لكانت غيَّمتْ أولاً»، ولذلك ولأن إيران مستمرة في مواقف وسياسات ما قبل الرفع الجزئي للعقوبات عنها، ولم يبدر عنها ما يشير إلى أنها عازمة على ولو التخفيف من تدخلها في الشؤون الداخلية لكثير من الدول العربية فإنه علينا ألا نتفاءل لا كثيرًا ولا قليلاً بأن هناك تغييرًا مرتقبًا لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد في النهج الإيراني والمستمر منذ عام 1979 وحتى الآن!

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٦
سقوط «حزب الله» الأخلاقي المدوّي هذه المرة

ستظل لعنة مضايا تلاحق «حزب الله» ورعاته إلى أبد الآبدين. ستظل صرخة الجياع من أطفالها ونسائها وشيوخها تمثّل الكابوس المرعب لأولئك الذين باتوا أسرى أحقادهم المرضية. ستظل تلك الصرخة الدليل الدامغ الأقوى الذي يؤكد أن كل شعارات «المقاومة والممانعة» والادعاءات الإعلامية بخصوص المواجهة مع إسرائيل لم تكن سوى مسرحيات هزيلة، كان الغرض منها التستّر على الكبائر بأدوات ما بعد النفاق، وما بعد بعد النفاق.

كان السوريون يدركون أبعاد لعبة «المقاومة والممانعة» منذ اليوم الأول. لكن المشكلة أن التحالف غير المقدس بين أقطاب الشرّ تمكّن لمدة من الزمن، وفي غفلة منه، من تسويق صورة خادعة مضلّلة بخصوص الحزب المعني، حتى ذاب الثلج وبان المرج، وتبيّن لناسنا الطيبين أن الحزب الذي كان يدّعي أنه حزب المقاومة هو في جوهره حزب مبني على أساسٍ طائفي بغيض، أنهك المنطقة بالتشارك والتضايف مع «داعش»، وسلّمها لفوضى عارمة ستستمرّ على مدى عقود عجاف قادمة. هذا ما لم تتضافر جهود العقلاء من مختلف الأطراف، لوضع حدٍ مطلوب للحالة اللاعقلانية الغرائزية التي تعيشها منطقتنا راهناً.

«حزب الله» يجوّع أطفال مضايا ونساءها حتى الموت، والحجة الأقبح من الذنب أن كفريّا والفوعا تعانيان الحصار ذاته من قبل الآخرين، لأنها حجة لا تسندها الوقائع ولا شهادات المحايدين. لكن يبدو أن الحزب المعني الذي أعلن نفسه وصياً على الشيعة السوريين، ووليّ أمرهم، والمدافع عنهم، والضامن لوجودهم، يعتمد نهجاً وقائياً خاصاً به، فهو الذي يحدد طبيعته وقواعده وكأنه هو الذي حافظ على الشيعة السوريين في كفريا وغيرها، ومكّنهم من أداء شعائر مذهبهم على مدى ألف وأربعمائة عام، وهم الذين يعيشون وسط محيط سني يشملهم من جميع الجهات. واللافت هنا أن الحجة المتهافتة هذه تذكّرنا بتلك التي تمترس خلفها الحزب المعني في بداية الثورة السورية، ليبرّر إرسال قواته لقتل السوريين. وكانت الحجة حينئذ أنه فعل ذلك حماية لمقام السيدة زينب، وبقية الأماكن المقدسة لدى الشيعة.

حصار «حزب الله» لمضايا خطوة في إطار استراتيجية ايرانية مستمرة منذ عقود، تستهدف إحداث تغييرات ديموغرافية، تحسباً أو سعياً لتحوّلات في الجغرافيا السياسية للمنطقة. وهي خطة تُمكّن النظام الإيراني من تجاوز جملة الاستحقاقات في الداخل الإيراني، التي تتصل بحقوق الشعوب الإيرانية من كرد وعرب وبلوش وآذريين وغيرهم، واستحقاقات أخرى تتمحور حول تطلعات شباب إيران ونسائها، ورغبتهم في الاندماج مع محيطهم الإقليمي وعصرهم.

«حزب الله» يفرض الجوع على الأطفال والنساء. وبشار الأسد يضرب السوريين ببراميل البارود، براميل الحقد الدفين، وبالأسلحة الكيماوية، ويمارس القتل الجماعي في المعتقلات. والحرس الثوري الإيراني يشارك بقواته وعبر أدواته وعملائه في قتل السوريين وتجويعهم. وبوتين يضرب السوريين بكل أنواع الأسلحة المجرّبة وغير المجرّبة. كل ذلك من أجل انتزاع الاستسلام من السوريين والسوريات، وهو أمر لم ولن يكون أبداً.

مضايا لم تكن الأولى والوحيدة التي استخدم النظام وحلفاؤه سلاح التجويع ضدها، ولكنها أصبحت الرمز. سلاح التجويع استخدمه النظام منذ البداية ضد مختلف المناطق السورية. استخدمه في داريا والمعضمية وغوطة دمشق وحمص وغيرها من المناطق. أما أهداف هذا السلاح فمتعددة منها: فرض الاستسلام أو الانسحاب على المقاتلين، وإحداث تغييرات ديموغرافية، إلى جانب تمهيد الأرض لدخول المافيات المرتبطة بالنظام على الخط، حتى تتحكّم بإدخال المواد الغذائية والأدوية بأسعار خيالية، هذا مع العلم أن كميات كبيرة من هذه المواد دخلت، وتدخل، سورية عبر برنامج المساعدات التابع للأمم المتحدة، وهي تُسلّم في معظمها للنظام وأتباعه، على أمل أن تكون عوناً للسوريين، لكنها تغدو سلاحاً ضدهم.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام وحلفائه كالجزيرة مثلاً، تعاني وضعاً مأسويا نتيجة الارتفاع اللامعقول في أسعار المواد الغذائية والطبية، الأمر الذي يؤدي إلى سوء التغذية المزمن بخاصة بين الأطفال، كما ينتشر ما يمكن أن نسميه المجاعة الصامتة. وهذا ما يضغط على السكان، ويرغمهم على اعتبار الهجرة الخارجية الخيار الأقل ضرراً.

الشعب السوري يعيش محنة قاسية نتيجة التناغم بين وحشية النظام وحلفائه ورعاته وسلبية المجتمع الدولي ونفاقه. لكن شعبنا العزيز تمكّن بفعل تضحياته وثباته، وتمسّكه بحقه المشروع في الحرية والعدالة والكرامة، من إسقاط سائر الأقنعة، لتظهر قباحات أصحاب شعارات المقاومة الخلبية والممانعة الادعائية من أسرى النزعة المذهبية على حقيقتها، وليظهر نفاق كل من كان يتشدق بالقيم الإنسانية التخديرية، وبأهمية دعم تطلعات الشعوب ومساعدتها لتعيش عصرها، وتضمن مستقبلاً أفضل لأجيالها القادمة. إنها أيام صعبة نعيشها لا ننكر ذلك، ولكن تجربة السنوات الخمس علّمت السوريين كثيراً، وصقلتهم على رغم كل العذابات والمرارات ومشاعر الإحباط. فسورية ستبقى، وشعبها سيبقى ليبني وطنه من جديد، وطناً خالياً من الاستبداد والإرهاب.

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٦
إيران مؤهلة للتأزيم والتخريب لا للمساهمة في الاستقرار

«نحن لا نشكّل تهديداً لأي شعب أو حكومة»... العبارة لحسن روحاني أمام مجلس الشورى الإيراني، وليس معروفاً كيف أمكنه التلفظ بها وهو يعلم جيداً أنها كذبٌ فاقع. كان عليه، توخّياً للدقّة والصدق، أن يسأل أهل مضايا والزبداني وبلودان وبقّين ودير الزور السورية، وأهل ديالى وتكريت وبعض بغداد العراقية، وأهل تعز اليمنية، وأهل بيروت اللبنانية، وأهل البحرين، عما اذا كانت ايران تشكّل تهديداً لهم أم لا. فـ «خبراؤها» الموجودون على الأرض وميليشيات «حزب الله» اللبناني وجماعة «أنصار الله» الحوثية ورديفاتها العراقية كـ «أبو فضل العباس» والأفغانية كـ «الفاطميون» ليسوا قتلة وإرهابيين فحسب بل إنهم مهندسو حصارات التجويع وشركاء مباشرون في هذا العار الإنساني. وإيران هي التي تحرّض المعارضة في البحرين على العدوانية بدل الحوار، وهي التي حوّلت «حزب الله» من «مقاومة» لإسرائيل من جنوب لبنان الى أدوات لغزو بيروت، وأما «الحرس الثوري» فهو المشرف والمشارك في سفك دماء هذه الشعوب جميعاً.

لكن الرئيس الإيراني معذور، فليس في ملفات مجلس الأمن الدولي أي شكوى من دولة عربية ضد ايران، ولا في قرارات القمم العربية والجامعة العربية، والقمم الخليجية وبيانات مجلس التعاون، سوى كلام عام يرفض «التدخل الإيراني» أو يدعو ايران - بتهذيب وحصافة - الى «وقف تدخلاتها». لماذا؟ لأن الدول مسلوبة الإرادة، كالعراق وسورية ولبنان، واليمن قبل الانقلاب الحوثي، فتكت الانقسامات بوطنية حكامها وسلبت قرار حكوماتها وأفقدتها حسّ تمييز السيادي عما هو خضوع يبلغ حدّ التماهي مع قوة خارجية مثل ايران يعلن مسؤولون فيها على الملأ أنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية. اشتغلت ايران بدأب على تلك الانقسامات، وجعلت التعددية وبالاً على تلك الدول وتهديداً «ذاتياً» لها، حتى أن الاستلاب بلغ بوزير الخارجية «اللبناني» حدّ «التضامن» مع إيران - ضد السعودية - «حفاظاً على الوحدة الداخلية» اللبنانية، كما قال، وطبعاً لا وحدة ولا من يوحّدون، لكن الوزير تصرّف لمصلحة حزبه الذي غدا منذ تحالف مع ايران رأس حربة الانقسام الداخلي.

كان روحاني يتحدّث بعد لحظات على بدء التنفيذ الرسمي لرفع العقوبات عن ايران، معتبراً أن الاتفاق النووي والمفاوضات التي سبقته يمثلان «صفحة ذهبية» في تاريخ بلاده. وكان من شأنه أن يمجّد هذا الإنجاز الذي انتخب على أساسه وجعله استراتيجية كبرى لحكومته، وها هو يعتبره «حصيلة مقاومة وحكمة وتدبير شعب يعارض الحرب والعنف»، أي أنه أدخله في «الإيديولوجية الجهادية»، مستذكراً «شهداء الملف النووي الذين علمونا أن العزّة والفخر هما ثمرة الجهاد والصبر»... ولا في أي لحظة اعترفت ايران، لذاتها لا للآخرين، بأن هذا «الملف» كان خدعة للذات، بدليل أن اللحظات الوحيدة التي اعتبرت فيها ايران دولة ذات صدقية هي لحظات تطبيقها الاتفاق، ولم تفدها طوال عقد ونيّف تصريحات المرشد بأن «الإسلام يحرّم اقتناء سلاح نووي». وبالتالي فإن إيران صوّرت سعيها إلى العقوبات جهاداً ومقاومةً وتصوّر الآن رفع العقوبات على أنه انتصار، ناسية أن عشرات الدول حول العالم أنشأت مفاعلاتها النووية للأغراض السلمية من دون أي أزمة على الأطلاق، وأن دولاً كثيرة خامرتها أحلام الحصول على «القنبلة» وتخلّت عنها من دون أن تضع اقتصادها خارج خريطة التجارة العالمية أو تعرّض مواطنيها لمستوى عيش بائس باعتماد «استراتيجية الاقتصاد المقاوم».

لا يجهل الرئيس الإيراني أن التضحيات التي قدّمها الشعب كانت أكبر بكثير من نتيجة «الانتصار» الذي تحقق بفضل الاتفاق النووي. نعم، هناك الإنجاز العلمي، وقد حقّقه علماء إيرانيون يُشهد لهم، من دون أن يعلموا أنه سيفضي إلى هذا المآل الكارثي الهجين: واحدٌ من أكثر نتاجات التقدّم العلمي حداثة في تصرّف أكثر العقول المؤدلجة تخلّفاً، بل واحدٌ من الإنجازات التي يُفترض أن تضمن للأمّة أمنها ورفاهها تحوّل في أيدي الملالي و «الحرس الثوري» لعبة لإفقار الأمّة وإذلالها. وإذا كانت عقول هؤلاء العلماء عملت بأقصى طاقتها مدفوعةً بهدف إعلاء شأن إيران، ومعها إعلاء شأن الإسلام، فلا شك في أن لهاث البلد وراء رفع العقوبات ونيل الرضا الأميركي والمسارعة إلى تفكيك المفاعلات وترحيل اليورانيوم المخصّب وبيع المياه الثقيلة لم تكن النتيجة المُستَحقَّة لجهدهم. فإيران ربحت برنامجها النووي وخسرت عقدين من التراجع الاقتصادي، وكسبت وهم «مكانة دولية» متجدّدة لتخسر وهم العَظَمة النووية الذي رشت به الداخل لإسكاته ولم يعد هناك سبب لسكوته، لكنها بالتأكيد لم تُعلِ شأن «المقاومة» ولا شأن الإسلام بل وضعتهما في أكثر الاختبارات إجحافاً وانتهازيةً. فمعها غدت المقاومة شعاراً لتغطية أبشع الجرائم، ومعها غدا الإسلام مجرّد وسيلة للفتن والمجازر وتنكيل المسلمين بالمسلمين.

حدّد روحاني هدفين لما بعد الأزمة النووية: الأول للداخل وهو «تنمية بلادنا وتحسين رفاهية الأمة»، والآخر للخارج وهو «إرساء الاستقرار والأمن في المنطقة». كان الأفضل أن يقتصر على الأول، فهو بالكاد يستطيعه، حتى مع عشرات مليارات الدولارات التي ستستعيدها إيران، وهي حقّ للشعب الإيراني في أي حال. أما بالنسبة إلى الخارج فبرهنت إيران ما تستطيعه من عبث وتخريب، ومن دعم للإجرام والاستبداد والإرهاب، ولا داعي للمزيد منها، فهذا ما تعرفه وما طبّقته على أرض الواقع، وقد أهّلها سلوكها للتأزيم والتخريب، أما أن تكون مؤهلة للمساهمة في الاستقرار فهذه قصة أخرى. ذهبت إلى مقارعة «الشيطان الأكبر» مشتهيةً اكتساب كل سيئاته، وانبرت إلى محاربة «المجرم الإسرائيلي» محققة كل أهدافه بل ماضيةً أبعد في تجسيد كل أحلامه السوداء ضد العرب، ولا نهاية حقيقية و «منطقية» لمغامرةٍ كهذه إلا بالتماهي مع هذين الشيطانين تطبيعاً ومصالح مشتركة.

إذا اعتُبرت عهود المحافظين الإيرانيين أسوأ ما عرفه العرب فإن عهود الإصلاحيين كانت أوقاتاً مستقطعةً لإضفاء مسحة من الجمالية الخادعة على ما يبيّته المتشددون. لكن حسن روحاني ليس محمد خاتمي الذي أنهى عهده منسجماً فعلاً مع ابتسامته وخطابه وهو يُحاسَب الآن عليهما. فخلافاً لخاتمي يبدو الرئيس الحالي أكثر تشبعاً بأفكار المرشد واقتناعاً بأهداف «عصابة الحُكم»، أي أنه إصلاحيٌ في ما يعني الداخل ومتشدد في ما يعني الخارج، يريد الداخل قوياً لتتمكّن إيران من الحفاظ على «مكاسبها» و»عربدتها» الخارجيتين اللتين سيتخذهما أدواتٍ في «البزنس» الاقتصادي والسياسي مع العالم. قد يُوجب حسن النية الأخذ في الاعتبار أن روحاني يسلك طريقاً طويلاً ولا يمكن الحكم على مراميه منذ الآن، إلا أن واقعيته تبطئ رهاناته الافتراضية أو المتخيّلة، والواقع الإيراني بالغ الوضوح في غلبة الميكيافيلية الإيديولوجية على أي عملية سياسية، وهيمنة السلاح على عمل الحكومة والمؤسسات، ووطأة «الحرس الثوري» واستخباراته على فاعلية القانون والقضاء. وإذا أضفنا سيطرة «الحرس» على جانب كبير من الاقتصاد، من خلال استثماره في «الاقتصاد المقاوم» (العقوبات)، فإن التنمية التي يتأهب لها روحاني لا بدّ أن تتكيّف مع هذا الواقع أيضاً. وبذلك تكون إصلاحيته في خدمة المحافظين وتشدّدهم.

مرّة أخرى، يبدو الرئيس الإيراني معذوراً، فالإدارة الأميركية ذاتها تفاوض الإصلاحيين وتلاطف المحافظين لأنهم عصب النظام وسلاحه وسياساته، ولم يُسجّل لها أنها أزعجت المتشدّدين في أي مغامراتهم العدوانية في المنطقة العربية. ومن يرصد مواقف واشنطن من أزمات الأعوام الخمسة الماضية يخرج بحصيلة مفادها بأن اميركا لم ترِ ولم تسمع بأي دور لإيران، لا في سورية ولا في العراق واليمن أو في لبنان والبحرين، ولا حتى في تأجيج الإرهاب. ومع أن باراك أوباما نسب لذاته «الحزم» في «التنديد» بـ «سلوك إيران المزعزع للاستقرار» إلا أن التنديد لم يشكل يوماً سياسةً يعتدّ بها، وهو لم يمنع تدخلات إيران واستمرارها. لكن أوباما حرص على الإشارة إلى انتهاكات حقوق الإنسان وبرنامج الصواريخ الباليستية، باعتبارهما مشكلتين لا تزالان قائمتين مع إيران، أما الصواريخ فطُوّرت في ظلّ العقوبات ورغماً عن أميركا، وأما حقوق الإنسان فغالباً ما تنساها أميركا حين تحصل على مصالحها.

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٦
«البعث» لم يعد قومياً؟

إذا صحّ ما نُشر عن حلِّ النظام السوري للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، يكون ذلك تكريساً إجرائياً لواقع قائم منذ زمن بعيد، أولاً، واعترافاً من المدرسة البعثية بنهاية الطريق التي طال إنكارها.

والحال أن القيادة القومية للفرع السوري من «البعث» لم تعقد مؤتمراً لها منذ صيف 1980 أثناء الصراع بين حافظ الأسد وجماعة «الإخوان المسلمين»، عندما سعى الأسد إلى إضفاء بعد قومي على تمسكه بالسلطة في مواجهة معارضيه. انتهى الصراع بانتصار الأسد فانتهت عملياً الحاجة إلى الوظيفة المفترضة للقيادة القومية وبات في الإمكان تركيز الاهتمام على «القيادة القطرية» التي شكلت في مرحلة معينة حكومة موازية ذات سلطات واسعة همها الوحيد تطبيق سياسات حافظ الأسد الداخلية وابتكار صنوف جديدة من عبادة الشخصية وتبرير تسلط الأجهزة الأمنية ومركزة موارد البلاد ضمن قلة من أيدي الموالين.

ظلت القيادة القومية للبعث السوري اسماً بلا مسمى عقوداً عدة تقتصر مهمتها على توفير الغطاء الأيديولوجي لتدخلات نظام الأسد في لبنان والأردن وعلى الساحة الفلسطينية وغيرها. الخبر المنشور يوم أمس يقول، إذا ثبتت صحته، أن بشار الأسد أو من يقوم مقامه قد سئم من هذه اللعبة ولم يعد يجد فائدة لها بعدما أسقطت الثورة السورية كل أقنعته وخرافاته، من «علمانية النظام التقدمي» إلى «تحرير فلسطين» مروراً بالتوازن الاستراتيجي مع إسرائيل...

بيد أن كل هذا يقع في عالم السياسات الواقعية التي قدّمها حكم الأسد الأب على الادعاءات الأيديولوجية، خصوصاً بعد تولي صلاح جديد وحافظ الأسد السلطة في انقلاب شباط (فبراير) 1966 وإبعاد مؤسس الحزب ومنظّره الأول ميشال عفلق. لم يتحمل العقل الأداتي لمجموعة جديد - الأسد عبء الأيديولوجيا على مشروعها السياسي. الموقع الهامشي الذي احتله عفلق بعد إرغامه على الرحيل عن سورية في الفرع العراقي من البعث يشير إلى أن عملية مشابهة كانت تجري في بغداد ما حمله على البقاء في ظل «القائد الضرورة» صدام حسين.

كرّس حكم حافظ الأسد وصدام حسين الطلاق الناجز بين الأيديولوجيا وبين السلطة كممارسة يومية. وكان الحكمان أقل حرجاً في التخلص من الحمل البعثي في جوانبه الداخلية والانتقال إلى نفعية صريحة عندما بدا أن شعارات رئيسة من شعارات الحزب («الحرية» ثم «الاشتراكية» مع الإبقاء على «الوحدة» التي لا تكلف شيئاً) راحت تحول دون إمساك حكام الدولتين وأفراد عائلاتهم بالجوانب المربحة من اقتصاد البلدين والاضطرار في المقابل، إلى الإنفاق على قطاعات التعليم والاستشفاء والنقل والخدمات العامة الخاسرة.

بيد أن هذا أصغر مشكلات البعث. ذلك أن الرؤية إلى العالم وإلى دور العرب وقدرتهم على الاتحاد في دولة واحدة متعددة «الأقطار»، التي جاء الحزب كنتاج لها وحامل لمشروعها في المنطقة، ظهرت كواحدة من أكثر الأيديولوجيات غربة عن الواقع وإنكاراً لحقائقه بل بداهاته البسيطة. هذه الحقائق التي تعرضت إلى التهميش لعقود تجمعت وتحولت إلى انهيار عريض جاء على شكل الثورات العربية التي أعادت طرح الأسئلة عن الدولة الوطنية والمجتمع والشعب والسلطة والجماعة والطائفة والدين. بكلمات ثانية، طرحت كل الأسئلة التي تهرّب البعث من نقاشها والتفكير الجدي فيها وقدم نفسه كحل عصري لمشكلة الأقليات والاجتماع السياسي وأنظمة الحكم والشرعية التي خلفها انحسار السلطنة العثمانية قبل مئة عام.

ومن مهازل حلّ قيادة الفرع السوري من القيادة القومية للبعث القول إن قانون الأحزاب السوري الجديد «يحظر وجود فروع خارجية» لأي حزب سوري. ما يجعل شعار «البعث طريقنا» (إلى الوحدة العربية) ذات وقع غرائبي.

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٦
هل يمكن لإيران أن تتغير؟!

إن العالم يقف مراقباً لإيران بحثاً عن أي مؤشرات تدل على وجود تغيير، لتتحول من كونها دولة مارقة وثورية إلى عضو محترم في المجتمع الدولي. إلا أن إيران عوضًا عن مواجهة العزلة التي تسببت في حدوثها لدولتها، لجأت إلى تعتيم سياساتها الطائفية والتوسعية الخطيرة، إضافة إلى دعمها للإرهاب، من خلال كيل الاتهامات للمملكة العربية السعودية بلا دليل يدعم هذه الاتهامات.


من الأهمية بمكان أن نفهم الأسباب التي دفعت المملكة العربية السعودية وحلفاءها من دول الخليج للالتزام بمقاومة التوسع الإيراني وانتهاج اُسلوب الرد القوي لمواجهة أي تحركات عدوانية تقوم بها إيران. فظاهرياً، قد يبدو وكأن هناك تغييرًا في إيران، فنحن نعلم بالخطوات الأولية التي اتخذتها إيران فيما يتعلق بموافقتها على وقف برنامجها النووي بهدف تطوير سلاح نووي. كما أننا وبكل تأكيد على يقين من أن شريحة كبيرة من الشعب الإيراني تسعى لتحقيق انفتاح أكبر على الصعيد الداخلي وتكوين علاقات أفضل مع دول الجوار ودول العالم، إلا أن الحكومة الإيرانية لا تريد ذلك.


إن نهج إيران كان ثابتاً منذ ثورتها عام 1979، حيث ينص دستورها على تصدير هذه الثورة، فعمدت إلى دعم الجماعات المتطرفة والعنيفة، بما في ذلك «حزب الله» في لبنان، و«الحوثيون» في اليمن والميليشيات الطائفية في العراق. كما أن إيران أو عملاءها متهمون بارتكاب الهجمات الإرهابية التي نفذت في العالم، بما فيها التفجيرات التي استهدفت ثكنات مشاة البحرية الأميركية في لبنان عام 1983، وأبراج الخبر في المملكة العربية السعودية عام 1996، والاغتيالات التي نفذت في مطعم «ميكونوس» في برلين عام 1992. وتشير بعض التقديرات إلى أن القوات التي تدعمها إيران قتلت ما يزيد على 1100 من
القوات الأميركية في العراق منذ عام 2003.


إضافة إلى ذلك فإن إيران تلجأ إلى استهداف المواقع الدبلوماسية لتستخدم ذلك كإحدى أدوات سياستها الخارجية، وما اقتحام إيران لمبنى السفارة الأميركية عام 1979 وسيطرتها عليه إلا بداية لهذا النهج، فمنذ ذلك الحين، تعرضت السفارة البريطانية، والدنماركية، والكويتية، والفرنسية، والروسية، والسعودية للهجوم سواء كان داخل إيران أو في الخارج على أيدي عملائها، كما تعرض الدبلوماسيون الأجانب والناشطون السياسيون المحليون لعمليات اغتيال في مختلف مناطق العالم.


كما يسعى حزب الله، عميل إيران في لبنان، للسيطرة على لبنان وشن الحرب ضد المعارضة السورية، ومن خلال ذلك يقوم بمساعدة تنظيم داعش على الازدهار.


ويتضح جليًا السبب الذي يدفع إيران للإبقاء على بشار الأسد في السلطة، حيث ذكر تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الاٍرهاب الذي صدر عام 2014 أن إيران ترى في سوريا «طريقًا مهمًا يمكنها من تزويد حزب الله بالسلاح»، بأن إيران تقدم السلاح والدعم المالي والتدريب بهدف «دعم نظام الأسد ليقوم بقمع وحشي ذهب ضحيته ما لا يقل عن 191 ألف شخص»، وذكر التقرير ذاته والصادر عام 2012 وجود «انتعاش واضح في التمويل الذي تقدمه إيران للإرهاب»، والذي اتضح من خلال زيادة في النشاط الإرهابي لحزب الله بحيث بلغ «درجة لم نعهدها منذ التسعينات».


كما نتج عن دعم إيران لانقلاب الحوثيين ضد الحكومة الشرعية في اليمن، اندلاع حرب أودت بحياة الآلاف. وفي حين تدعي إيران بأن أولوياتها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية تتركز حول بناء الصداقة، نجد أن نهجها يبين أن العكس صحيح؛ فإيران هي أكثر دول المنطقة عدوانية، فتعكس أفعالها التزامها بتوجهها نحو السيطرة على المنطقة وقناعاتها المترسخة بأن الإقدام على أي بادرة ودية ما هو إلا مؤشر على الضعف، سواء كان ذلك ضعف إيران أو ضعف خصومها.


ومن هذا المنطلق، قامت إيران في العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) بعمل اختبارات للصواريخ الباليستية، أي في غضون بضعة أشهر من توقيعها للاتفاق النووي، مما يعد خرقًا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي شهر ديسمبر (كانون الأول)، أطلقت سفينة عسكرية إيرانية الصواريخ بالقرب من سفينة أميركية وفرقاطة فرنسية تعبر مياهًا دولية. كما أنه ومنذ أن تم توقيع الاتفاق النووي، قام المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بدفاع مستميت عن الشعار الذي تردده إيران والذي ينادي بـ«الموت لأميركا».


إن السعودية لن تسمح لإيران بالعبث بأمننا، أو بأمن حلفائنا، وسنتصدى لكل المحاولات التي تسعى للعبث به وتهديده. وفي كذب سافر، تقوم إيران بتوجيه الإساءات والإهانة لكافة السعوديين بقولها أن موطني - موطن الحرمين الشريفين- يقوم بغسل أدمغة الشعوب ويعمل على نشر التطرّف. فلسنا نحن الدولة التي وصفت بأنها الراعية للإرهاب، بل هي إيران، ولسنا نحن من يخضع لعقوبات دولية بسبب دعمها للإرهاب، وإنما هي إيران.


ولسنا نحن الدولة التي يندرج أسماء مسؤوليها ضمن قوائم الإرهاب، بل هي إيران. لا يوجد لدينا عميل صدر بحقه حكم محكمة نيويورك الفيدرالية بالسجن 25 عامًا لضلوعه في التدبير لعملية اغتيال سفير في واشنطن عام 2011، بل هي إيران.


لقد كانت السعودية ضحية للإرهاب وللعمليات التي يقوم بها في الغالب حلفاء إيران. فدولتنا هي خط الدفاع الأول لمحاربة الإرهاب، وتعمل على مواجهته بالعمل الوثيق مع حلفائنا، كما قامت المملكة العربية السعودية بعمليات اعتقال للمتورطين في عمليات إرهابية كان عددهم بالآلاف، ونفذت القصاص في المئات منهم. ونحن مستمرون في محاربتنا للإرهاب، فها هي المملكة تقود جهودًا متعددة الجنسيات لملاحقة كل من يتورط في أنشطة إرهابية، ومن يقوم بتمويلها، وكل من يتبنى الفكر الذي يحرض على الإرهاب.


إلا أن السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت إيران تريد العمل وفقًا لقوانين الأنظمة الدولية، أو تريد أن تبقى دولة ثورية تسعى للتوسع والاستخفاف بالقانون الدولي. ففي نهاية المطاف، نريد إيران تعمل على معالجة المشكلات بما يمكن الشعوب من العيش بسلام. إلا أن تحقيق ذلك يتطلب حدوث تغييرات كبيرة في سياسة إيران ونهجها. وهو أمر ما زلنا في انتظار حدوثه.

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٦
الطريق إلى جنيف تبدأه المعارضة بـ"صفعة" الوفد فهل تكمل الصفع !؟

 

تتسارع البيانات و تتضارب حول المفاوضات بين نظام الأسد و المعارضة السورية في جنيف في تاريخ تائه كحال الدول الفاعلة و المتصارعة في الملف السوري ، وباتت سوريا عبارة عن "بيضة القبان"في العلاقات الدولية ، فمن يستحوذ عليها سيكون من نصيبه أمور كثيرة .

وكما هي "بيضة قبان" هي معركة "كسر عظم" في ساحة لا ألم مباشر يلحق بالمتنافسين ، بل مجرد أذية شعور بسيط يتعلق بكبرياء هذه الدولة أو تلك ، و فالصاراع اليوم هو سياسي في الدول البعيدة ، ويتردد الصدى على الأرض ، بقصف و تدمير و ابادة منظمة ، وإنهاء أي إمكانية للحياة حتى في المستقبل البعيد المدى ، ما المفاوضات و الوفود المشاركة بها ، إلا حلقة في سلسلة الحرب الناعمة بين الدول و النارية على الشعب السوري.

فمنذ الأمس تحول الصراع التمهيد و المستبق للوفد إلى صراع حقيقي وسط خلافات ليست عميقة بل هي "عقيمة" لا حل لها ، سيما مع الاعلان عن وفد المعارضة التي اجتمعت في الرياض ، فجاءت الأسماء الرئيسية كـ"صفعة" صامتة لروسيا التي بقيت طوال الأيام الماضية تتحدث عن وجوب السماع لطلباتها و تنفيذيها و اقحام عناصر داخل الوفد كـ"قنابل موقوتة" ، وكذلك مكون اضافي غير متجانس لتزيد من ضعضعة الوفد الذي سيواجه النظام في جنيف .

وجهت انتقادات كثيرة لوفد المعارضة ، و أبرزها أن رئيس الوفد و كبير المفاوضين إضافة لثلاثة أعضاء آخرين من أصل ١٦ هم من الجناح المسلح للمعارضة ، واعتبر البعض أن هذا دليل ضعف لدى المعارضة كونها لاتملك فريقاً سياسياً ، لذلك لجأت إلى العسكر ، و إن كان هذا النقد ليس بمكانه سيما مع اليقين التام أن الفعالية في المعارضة السورية سواء في القول أو الفعل تعود للثوار على الأرض ، و هم القادرين على الالتزام من عدمه ، و ما المعارضة الخارجية إلا ممثل شكلي ، إذ أن من بين أبرز أخطاء المعارضة السورية هو اتخاذها شكل دولة ، خارج الأرض ، و كان من الأجدر الاكتفاء بلعب دور "وزارة الخارجية" دون أن تحمل مسميات كبيرة و غير واقعية كـ"ائتلاف" أو "حكومة مؤقتة".

الوفد المشكل لتمثيل المعارضة كان معروف حجم الرد الروسي عليه ، والرفض التام له من قبلها ، سيما أن الممثل عن الفصائل كان من الفصيل الذي اغتيل قائده بتوصية روسية ، والرئيس يعبر بشكل أو بآخر عن جبهة قد تكون الأهم في مسألة الحسم "الجبهة الجنوبية" ، لذا يعتبر اعتماد الوفد بهذه الأسماء و على هذا الشكل هو الرد من المعارضة مجتمعة على روسيا ، التي يبدو أنها ستضع كل ثقلها لإنهاء أي مفاوضات قبل أن تولد ، و هذا التهديد قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام ثلاث ، بأن المفاوضات ستكون هذا الشهر و في "دمشق" ، أي في حال عدم الالتزام بشروط روسيا فسيتم مسح جنيف من المفاوضات و استعاضتها بـ"دمشق" وتم تحضير ١٥ اسماً هم بالأصل موجودون في دمشق أو يمكن حضورهم بأي حال ، لنتابع تكراراً لسيناريو مفاوضات موسكو ١ و ٢ و كذلك مفاوضات أخرى جرت في كازاخستان ، عندما اجتمع النظام مع نفسه و خرج بوثيقة تثبته ، و لكنها لم تلزم أياً كان حتى موقعيها .

ومع اعتبار أن وفد المعارضة الذي أعلن عنه رياض حجاب ، المنسق العام للهيئة العليا للتفاوض،هو "صفعة" فعلية و ليست رد سياسي كلامي على تصرفات روسيا ، ينتظر أن تتوالى الصفعات برفض الدخول في المفاوضات قبل تحقيق بنود ما أسماها قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ (وقف اطلاق النار، فك حصار المدن ، اطلاق سراح المعتقلين) ، إضافة لعمل ميداني متوازٍ يكون فعال و مؤلم ، كي تعطي الصفعات فاعلية .

اقرأ المزيد
١٧ يناير ٢٠١٦
روسيا وإسرائيل وأمريكا على قلب رجل واحد في سوريا


كم هم سخفاء وكاذبون أولئك «الممانعون والمقاومون» المزعومون الذين صدعوا رؤوسنا منذ بداية الثورة السورية وهم يتحدثون عن أن المتآمرين على سوريا يريدون أن ينقلوها من محور المقاومة إلى محور التبعية لأمريكا وإسرائيل. وبناء على ذلك راحوا يصورون الصراع في سوريا على أنه بين أمريكا وأتباعها من جهة، وروسيا وما يسمى «حلف الممانعة» من جهة أخرى. ألم يصبح هذا الكلام ضرباً من الهراء بعد أن بات الروس والإسرائيليون ينسقون عملياتهم في سوريا من غرفة عمليات واحدة، حتى بالتعاون مع النظام وحلفائه «الممانعين».
لا أدري لماذا يصر القومجيون والناصرجيون والمقاومجيون العرب وبقايا اليسار الهزيل على تصوير الصراع في سوريا على أنه صراع بين الشرق والغرب، كما لو أننا في ستينات القرن الماضي حيث كانت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا في أوجها. صحيح أن الرئيس الروسي يحاول استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي البائدة بعقلية وأيديولوجية ومعطيات جديدة، لكنه ليس أبداً في وارد التصادم مع أمريكا في الشرق الأوسط. ولا نصدق أيضاً أن الروس يملؤون الفراغ الذي بدأت تتركه أمريكا في المنطقة، كما لو أن الأمريكيين انهزموا أمام الزحف الروسي.
لا علاقة للتدخل الروسي السافر في سوريا أبداً بضعف الجبروت الأمريكي، ولا بصعود الجبروت الروسي، بل الأمر برمته مرتبط بمصالح إسرائيل في سوريا خصوصاً والمنطقة عموماً، وطبعاً بمصالح أمريكا وروسيا المشتركة. فلا يمكن لروسيا مثلاً أن تدخل الساحة المصرية بهذه القوة لولا المباركة الإسرائيلية وبالتالي الأمريكية، فمصر مازالت في الجيب الأمريكي سياسياً وعسكرياً، ومازالت تعتاش في جزء من ميزانيتها العسكرية على المعونة الأمريكية. ولو كان النفوذ الروسي سيؤثر على النفوذ الأمريكي في مصر لما تجرأ بوتين أن يلقي السلام على المصريين. لاحظوا أيضاً كيف أن الأردن بات ينسق مع روسيا أكثر مما ينسق مع أمريكا. هل كان ليجرؤ على ذلك لولا الضوء الأخضر الإسرائيلي والأمريكي؟
ولو عدنا إلى الساحة السورية، لرأينا التدخل الروسي قد حدث بعد مداولات إسرائيلية روسية على أعلى المستويات السياسية والعسكرية والاستخباراتية. لقد التقى بوتين ونتنياهو مرتين خلال أسبوعين قبل التدخل الروسي. وقد اعترف وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق جوزيف ليبرمان بأن التنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا يجري على مدار الساعة سبعة أيام في الأسبوع.
حتى الأطفال الصغار يعلمون أن من يحدد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عموماً هي إسرائيل وليس وزارة الخارجية الأمريكية. وإذا كانت تل أبيب هي من ترسم السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، فمن الطبيعي أن تكون أمريكا راضية تماماً عن التدخل الروسي في سوريا عندما يكون بمباركة وبضوء أخضر إسرائيلي.
إذاً من العيب أن نسمع بعض السوريين واللبنانيين والإيرانيين المؤيدين للنظام السوري وهم يتفاخرون بالدور الروسي في سوريا كما لو كان في مواجهة الدور الإسرائيلي أو الأمريكي. ما أسخفهم عندما يقولون إن روسيا جاءت لتطهير سوريا من الإرهابيين المدعومين أمريكياً وإعادة الاستقرار إليها، كما لو كانت روسيا جمعية خيرية لمساعدة المحتاجين. ليس هناك ما يثبت أن روسيا تصارع الأمريكيين في سوريا. وفي أحسن الأحوال ربما تكون عملية تقاسم مصالح بين الروس والأمريكيين، إن لم نقل إن الروس يسمسرون للأمريكان في سوريا، كما فعلوا من قبل عندما ضغطوا على القيادة السورية لتسليم سلاحها الكيماوي الاستراتيجي نزولاً عند رغبة إسرائيل وأمريكا. من يجرد سوريا من سلاحها الاستراتيجي لصالح إسرائيل لا شك أنه أقرب لإسرائيل منه إلى النظام السوري. وعلى المطبلين والمزمرين للتدخل الروسي في سوريا أن يتذكروا «اتفاق كيري-لافروف» الذي وصفه البعض وقتها بأنه بمثابة «سايكس-بيكو» جديد وربما أخطر، على صعيد تقاسم النفوذ والثروات وتمزيق المنطقة بين الأمريكيين والروس. وقد اعترف السيناتور الأمريكي الشهير ليندسي غرايام في استجوابه الشهير لوزير الدفاع الأمريكي قبل فترة بأن أمريكا باعت سوريا برضاها لروسيا وإيران ضمن لعبة تبادل المصالح.
إذاً: مهما تبجح جماعة الممانعة والمقاومة بعلاقتهم وتحالفهم الاستراتيجي مع روسيا، فمن المعروف أن التحالف الروسي الإسرائيلي يبقى أقوى بعشرات المرات لأسباب كثيرة. فلا ننسى أن اليهود الروس الذين يزيد عددهم على المليون في إسرائيل هم من يحرك السياسة الإسرائيلية، وهم على ارتباط وثيق بروسيا. وكلنا يتذكر صورة الرئيس الروسي بوتين وهو يرتدي القلنسوة اليهودية وهو يزور موقع حفريات «الهيكل» تحت المسجد الأقصى، ويبارك الحفريات التي ستهدم ثالث الحرمين الشريفين في يوم من الأيام.
دعونا نوّصف الأمر بلغة الناس البسطاء لمن يرفض التوصيف آنف الذكر. روسيا، كما تبين الإحصائيات الدولية، ليست أقوى من أمريكا، وهي، في مقاييس القوى الدولية، مجرد دولة إقليمية وليست عظمى حسب ناتجها المحلي الذي لا يصل إلى ناتج أضعف الدول الأوربية، ناهيك عن أنها مازالت تعتمد إلى حد كبير على تصدير النفط والغاز. صحيح أن لديها قوة عسكرية وترسانة هائلة، لكن هذا لا يؤهلها وحده لتكون منافساً خطيراً لأمريكا. وبالتالي فإن ما تفعله روسيا في سوريا وغيرها لا بد أن يكون برضى أمريكا الأقوى منها. وعندما لا يرضى الكبير عن الصغير يستطيع أن يوقفه بصفعة بسيطة، أو بفركة أذن. ولو لم تكن أفعال روسيا في سوريا تروق للكبير الأمريكي، لما تجرأت روسيا أصلاً أن ترسل طائرة ورق إلى سوريا.
إن كل من يتحدث عن صراع روسي أمريكي على سوريا، كما كان الأمر أيام الحرب الباردة، فهو يهرف بما لا يعرف.
ولو أرادت أمريكا أن تعرقل التدخل الروسي في سوريا لأعطت المعارضين السوريين خمسة صواريخ مضادة للطائرات فقط لإسقاط الطائرات الروسية في الأجواء السورية، فذهبت هيبة روسيا أدراج الرياح، وتحولت بين ليلة وضحاها إلى مهزلة دولية. صحيح أن وثيقة الأمن القومي الروسي الأخيرة تصف أمريكا وحلف الناتو بأنهما أكبر خطر على روسيا، لكن عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإن الروس والإسرائيليين والأمريكان على قلب رجل واحد.

اقرأ المزيد
١٥ يناير ٢٠١٦
ما الغاية من طرح جيش الاسلام و أحرار الشام من قبل الروس على قائمة الإرهاب؟

كانت الأنظمة الإرهابية باختلافِ مسمياتها و مفرداتها و الشعارات التي ترفعها أنظمةً وظيفيةً لأجهزة مخابراتٍ عالميةٍ هي من صنعها و ضخّمها و حماها .

انطلاقاً من الأنظمة الظالمة والمستبدة التي تم إسقاطها أو الجاري إسقاطها , وعلى رأسها نظام الأسد الطائفي الإجرامي, وصولا لنظامِ البغدادي وفكره المتطرف , الذي صوّر على أنه الفكر الإسلامي ، 

مع ملاحظة أن الأخير أدى خدمة إضافية عظيمة وهي ربط اسم الإسلام بالإرهاب.

وبقي هذا الربط ( بين الإسلام والإرهاب ) شبه قائم إلى أن أتت الثورة السورية المباركة لتكشف للعالم عِوَر هذا الفكر وانسلاخه عن الإسلام . 

وكان أحد أهم عوامل فك الإرتباط بين الإسلام والإرهاب هو ظهور بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية من عموم المسلمين وعامّتهم حاربت إرهاب الأسد بداية ،فحاول الغرب والأسد استغلال بعض الخطابات التي وجهت لمقاتلين مسلمين يدخلون إلى معارك ضد النظام حملت طابعا دينيا ،وتم تجييرها باتجاه معين وهو إطلاق اسم إسلاميين على بعض هذه الفصائل وخاصة الكبيرة منها .

طبعا كانت الغاية إلصاق تهمة الإرهاب بها من خلال هذا الاسم وربطها بداعش وغيرها من أصحاب الإيديولجيات المصنعة المتطرفة ، لكن هذه الفصائل المسلمة والتي حاربت إرهاب الأسد أثبتت للعالم الهوة الحقيقة بين المعنى الحقيقي للإسلام والفكر الإرهابي المتطرف بكل أشكاله فكانت أول من حارب إرهاب داعش حتى قبل أن تحاربه الدول الغربية وأثخنت فيه أكثر مما أثخنوا

فوجد الأسد وحلفاؤه أنفسهم في ورطةٍ أكبرَ وهي ورطةٌ قد تهدم كل ماتم إنجازه سابقامن مكتسبات في الحرب على الإسلام ، وهو فك الارتباط الذهني الذي تكون سابقاً بين مصطلح (الإسلامي ) والفكر الإرهابي المتطرف .

فأصبح هناك تميبز عالمي بين داعش وبين الفصائل (التي أطلق عليها إسلامية) والتي حاربت داعش كما حاربت الأسد ،وهدمت فصائل الثورة السورية بوعيها وفهمها لدينها كل مابنته الأنظمة العالمية خلال عقود .

فلم يكن من هذه الأنظمة , والتي استلمت روسيا قيادتها في هذه المرحلة , كما هو واضح للجميع من بدٍّ إلا أن تخرج تصنيفاتٍ جديدة تستطيع من خلالها إدراج الثورة السورية كاملةً على قائمة الإرهاب. 

ولكن يبقى الهدف الأهم لهذه الأنظمة وهو أن يتم تسويق الإسلام كإرهاب.

لذلك فإن الأهم هو طرح تصنيف الفصائل الإسلامية قبل غيرها، وهذا ماكان بطرحهم تصنيف جيش الإسلام وحركة أحرار الشام .

 

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى