مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١١ ديسمبر ٢٠١٥
مؤتمر الرياض ومستقبل الثورة السورية

أمام أعضاء مؤتمر الرياض للمعارضة السورية مهمات وصعوبات عديدة، جرى الحديث عنها بإسهاب وتفصيل، وقدمت من أجل مواجهتها أوراق مهمة ومفيدة. ولا شك أن الكتل والمنظمات والشخصيات المشاركة تدارست ذلك وغيره، كما أنه تراكم لديها الخبرة الكافية والمريرة خلال تجربة السنوات الخمس العجاف من عمر الثورة السورية، بما عرفته من مؤتمرات وحوارات، وما مرت به من ضغوط وصراعات، ويفترض بهم أن يكونوا على قدر من المسؤولية والأهلية، لأن يتوصلوا إلى توحيد رؤيتهم بشأن مفاوضات المرحلة الانتقالية، وربما من أجل تشكيل وفد المعارضة إلى المفاوضات المرتقبة.

لكن، بموازاة كل الضجيج والآمال المعقودة على تلك المفاوضات، والمنطلقة من القرار الدولي بعد مؤتمر فيينا، يمكن ملاحظة ما نعنونها، اليوم، بالمرحلة الروسية في الصراع السوري. وليس ذلك مرتبطا فقط بما هو واضح من شدة التدخل العسكري الروسي الذي بدأ مع هجمات سلاح الجو الروسي وقاذفاته منذ أكثر من شهرين، ثم تطور، أخيراً، مع نشر صواريخ إس 400، وضمن منظومة دفاع جوي روسية غطت سماء سورية، بعد إسقاط سلاح الجو التركي الطائرة الروسية، والتي حولت سورية إلى ما هو أشبه بالمنطقة الروسية الآمنة. بل إنه مرتبط كذلك بعمل حثيث وبطيء ومتدرج، يتمثل في موجة جديدة من بدء سريان هدن أو اتفاقات على طريق تنفيذ هدن في مناطق سورية متعددة، لطالما كانت، فترات طويلة، خاضعة لحصار الجوع أو الركوع، بدءاً من ريف دمشق وغوطتها إلى الوعر في حمص وغيرها، والذي طالما سكت المجتمع الدولي عن جريمة هذا الحصار الموصوفة في القانون الدولي، ضمن ما سكت عنه من سلسلة جرائم النظام السوري وحلفائه.

وإن كانت هذه الموجة الجديدة من الهدن استمراراً لاستراتيجية النظام في القضاء على بؤر الثورة، وإخماد شعلتها في حمص وداريا والزبداني وغيرها، تحت شعارات التهدئة والمصالحة، وسبق أن اندرجت، في إطار تدخل إيراني هامشي، يتلطى وراء مشاركة حزب الله وبعض القوى العسكرية. ودلّ على ذلك مشاركة المندوبين الإيرانيين في مفاوضات حمص القديمة والوعر، والزبداني، لكن حلول المندوب الروسي في مفاوضات الغوطة الأخيرة ارتبط بنقلة جديدة أعلى في مستوى تدخل حلفاء النظام وتحكمهم بمسارات الصراع السوري وتوظيفاته، بل صار يجري في إطار استراتيجية روسية أعلى، بدأت ترسم دولياً ملامح الحل السياسي منذ مؤتمر فيينا. وللمقارنة، لم يكن للحليف الإيراني مثل هذا التدخل والسيطرة، كما لم يكن لديه مثل هذا الموقع في توجيه الاستراتيجية الدولية، وهذا هو الفرق الأكثر أهمية.

قد يقال إن لا جديد في الأمر، وإن تلك الهدن تندرج، أيضاً، في سياق سعي مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي مستورا، إلى توظيف التهدئة والمصالحات المحلية في سياق استراتيجية جنيف/ فيينا. لكن، إذا لاحظنا أن مساعي المندوب الأممي لا تملك أكثر من قوة بيانات الأمم المتحدة وقراراتها، على عكس القوة الروسية التي هيمنت على المجال العسكري السوري، بموازاة مبادراتها السياسية في إطار التحالف الجديد ضد الإرهاب. وعليه، فإن السياق الذي تجري فيه تلك الهدن، إنما هو سياق وقائع المرحلة الروسية الجديدة التي تتغيير موازين القوى فيها ميدانياً، وعلى مختلف المستويات عسكرياً وجغرافيا، والذي سيستكمل السيطرة على من تبقى من السوريين المنهكين جوعاً وقهراً، بينما استكملت الهجمات الإرهابية المشبوهة تحشيد التحالف الدولي الجديد. والذي تمكنت روسيا والنظام خلفها من حجز دوريهما فيه، مع ما رافقه من دعواتٍ غربيةٍ جديدة إلى لغة خلاقة بخصوص رحيل الأسد، وإلى الاستفادة من الجيش السوري في محاربة الإرهاب.

هذا التطور يعني أن الصراع في سورية وعليها ما زال مستمرا وعلى أشده، وليس الخلاف الروسي التركي إلا أحد جوانبه المفتوحة. ولن تكون المفاوضات، إذا بدأت، إلا حلقة جديدة من حلقاته التي يبدو أنها ما زالت طويلة ومستمرة، وقد انخرطت فيه قوى عظمى، تجد حكوماتها في مشاركتها فيه، لا دفاعاً عن حصصها ومصالح بلدانها فقط، بل وجهاً من وجوه صراعاتها السياسية الداخلية أيضا، كما هو متجلٍّ بصورة حادة في أوروبا اليوم.

تتطلب هذه الرؤية المفتوحة للصراع من مؤتمر المعارضة في الرياض لا أن يكتفي بتوحيد رؤيته ووفده حول المرحلة الانتقالية ومفاوضاتها، وهو أمر مهم، وسبق أن تقاربت رؤى مختلف فصائلها حوله، بل أن يرتفع إلى مستوى مواجهة المرحلة الطويلة التالية من الصراع، ويلبي حاجة طال انتظارها، وهي أن لا يكون انعقاده أمراً استثنائياً وعابراً، واستجابة لضغوط الآخرين، بل أن يتجاوز ذلك إلى تشكيل مرجعية مستقرة للثورة السورية، يمكنها أن تتفرغ نهائيا للثورة ومقتضياتها، فتمكث مثلا في مكان واحد، لعله يكون في الأراضي المحررة أو بجانبها، بدل أن يستمر ممثلو الثورة مهاجرين ومتنقلين بين العواصم، وأصحاب مناصب بلا مؤسسات. وكي يتوحد التمثيل، أخيراً، بدلا من هذا الانفصام الزائف والمستمر بين معارضتين، داخلية وخارجية.

وضداً عما هو شائع من تذرّر وانقسام في الجماعة السورية، ورداً نهائياً على حجة النظام وحلفائه، بكونه طرفاً موحداً، في حين يفتقد الطرف الموحد المعارض، فهل يمكن للمؤتمرين أن يتعالوا على ذاتياتهم وانقساماتهم وروابطهم المناطقية والحزبوية، وأن يرتقوا إلى ما هو أرفع في تمثيل الثورة السورية، فيستقيلوا جميعاً من أوهام ونزوعات الفرد والرئيس، الذي طالما حشرت واختصرت فيه الشخصية السورية، كي يتوافقوا على مرجعية تسير بالثورة إلى بر أمان المرحلة الانتقالية، حيث يتولى البرلمان الحر القادم انتخاب القيادة التالية، وتخوض البلاد تجربتها الديمقراطية، بما فيها من آلام التجربة والعدالة الانتقالية، وبما ستعانيه من صعوبات إعادة الإعمار والبناء.
إنتاج المرجعية الموحدة هو الحاجة الرئيسة في الثورة السورية، وهو ما تستحقه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ثورة الشعب السوري وتضحياته التي فاقت كل ما عرفته الثورات الأخرى.

اقرأ المزيد
١٠ ديسمبر ٢٠١٥
بوتين النووي

يأمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألا يضطر إلى تزويد الصواريخ «الحديثة والدقيقة» التي تطلقها قواته على مناطق سيطرة «داعش» في سورية رؤوساً نووية في سياق الحرب على الإرهاب.

منذ نهاية الحرب الباردة، نادراً ما صدر كلام جديّ عن استخدام الأسلحة النووية عن سياسي يتسم بحد أدنى من المصداقية. وباستثناء شطحات بعض غلاة المحافظين الجدد في إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش أو المحيطين بها من الذين اعتادوا توجيه تهديدات أكبر من أحجامهم، أثناء غزو أفغانستان والعراق وفي ذروة الأزمة حول برنامج إيران النووي، لم تعد معتادة الإشارة إلى السلاح الذري، سواء على المستوى التكتيكي الذي لوح به بوتين أو على مستوى الخيار الاستراتيجي الذي كان سائداً بين الخمسينات والثمانينات من القرن الماضي.

أرست الحرب الباردة ما يصح وصفه «بالأدبيات» في تناول الأسلحة النووية، خصوصاً بعد مواجهات كادت تدمر العالم، مثل أزمة الصواريخ الكوبية واقتراحات بعض الجنرالات الأميركيين بقصف كوريا وفيتنام نووياً أثناء الحربين هناك، وتشبّع القيادتين السوفياتية والأميركية بهاجس الإفناء الناجز المتبادل. حملت تلك الخبرة جانبي الصراع، السوفياتي والأميركي، على إبداء درجة أعلى من «الحكمة» في التعامل مع المسألة النووية.

تعريفاً، السلاح النووي يوجه لتدمير المراكز المدنية والاقتصادية والسياسية عند العدو. أما الأسلحة النووية الصغيرة من النوع الذي تحدث عنه بوتين مع وزير دفاعه سيرغي شويغو، فتُستخدم –نظرياً– ضد الأهداف العسكرية الضخمة: القواعد الكبرى والمطارات وحاملات الطائرات، ويكون استخدامها في سياق حرب نووية مفتوحة.

بديهي أن الحقائق هذه حاضرة في ذهن الرئيس الروسي، الذي يعرف حكماً أن استهداف أي منطقة يحتلها «داعش» بذخيرة نووية مهما صغر عيارها، يعني الموت الفوري لعشرات الآلاف من المدنيين، إلى جانب بضع مئات من مسلحي التنظيم الإرهابي.
تُفصح معادلة قتل آلاف الأبرياء مقابل القليل من المجرمين، من جهة، عن فشل أخلاقي فظيع يعاني منه بوتين الذي يحاول إخفاء هذه النقيصة بإبداء «الأمل» في ألا يضطر إلى الخطوة النووية، ويتشارك في فشله هذا مع المواقف القديمة لمحافظي أميركا الجدد. وتعلن، من جهة ثانية، بؤس السياسي الذي لا يملك سوى التهديد باللجوء إلى ما يفتقر اللجوء إليه إلى المعنى والجدوى باستثناء الدمار والقتل المجانيين، فالتلويح بقتل الذبابة بمدفع لا يكشف مهارة الرامي بقدر ما يُظهر خرقه وانعدام الوسائل الناجعة لديه في مكافحة آفة الإرهاب.

وإذا استفاد بوتين من فراغ القيادة في الغرب والانكفاء الأميركي ومن إدراكه أن لا التهديد ولا التنفيذ في حال حصوله، سيقابلهما أي رد فعل عملي، فإن ذلك لا يضعه في موقف متقدم على نظرائه من قادة العالم في حربه على الإرهاب، بل يجعله شريكاً لهم في عدم القدرة على استنباط أساليب تتجاوز اللجوء إلى القوة والحلول العسكرية الأمنية لكبح مشكلة تتخذ أبعاداً عالمية ويمتد نسيجها من جبال أفغانستان إلى أفريقيا.

وإلى جانب التبلد الأخلاقي والسياسي الذي تشير إليه فكرة قصف المناطق السورية بأسلحة نووية، فهي تقول إن ما من جهة عربية أو دولية ارتقت بعد إلى مستوى علاج ظاهرة الإرهاب من جذورها المتشابكة وصولاً إلى قمتها، وإن الحرب على الإرهاب أهم بأشواط من أن تُترك للضابط بوتين.

اقرأ المزيد
١٠ ديسمبر ٢٠١٥
عن رفض موسكو النفوذ الخارجي في سورية

عاملان رئيسيان يتحكمان بالسياسة الروسية حيال سورية والمنطقة، يعكسان تفضيلها تحقيق الأهداف المرحلية، مع تأجيلها البحث بأهدافها الاستراتيجية الكامنة وراء تحركاتها العسكرية والسياسية والديبلوماسية في الشرق الأوسط، والمتعلقة بمقاومتها تمدد النفوذ الغربي والأطلسي في دول أوروبا الشرقية، حديقتها الخلفية.

العامل الأول هو المواجهة المستجدة بين الجانبين الروسي والتركي التي حولها حادث إسقاط أنقرة طائرة «سوخوي» الى صراع مفتوح، مع ضوابط لا تقود إلى الحرب بين الدولتين.

أما العامل الثاني فهو أن لا حديث في نظر موسكو عن أي أمر في ما يتعلق بسورية والحل السياسي فيها وفي مستقبل المنطقة، إلا مواجهة الإرهاب، الذي التقطت حاجة الغرب الى إعطائه الأولوية بعد جرائم «داعش» في باريس والعديد من أنحاء العالم. بل إن الديبلوماسية الروسية باتت تربط المواجهة التي انطلقت مع أنقرة بعنوان الإرهاب، فتتهمها بتأييد الإرهابيين، وتهيئ لمزيد من الإجراءات ضدها.

بناء على هذين العاملين تسلك موسكو في دعايتها الإعلامية طريقاً يرفض منطق «النفوذ التركي المشروع» في الأراضي السورية، بحكم وجود أقلية التركمان والعلاقات التاريخية مع الشمال السوري. بل إن موسكو تقفز فوق تواجدها العسكري على الأرض السورية وزيادة عتادها وعديدها العسكري، قبل إسقاط طائرة «سوخوي» وبعده، لتدحض الاتهامات الموجهة إليها بأنها تسعى الى تثبيت نفوذها في بلاد الشام، وتبرر بذلك اعتراضها على الطموحات التركية بالنفوذ في سورية، فهي ليست في وارد القبول بتنافس الدول على من يفوز في الميدان السوري.

تبعد موسكو عنها تهمة تجاهل مصالح تركيا ودورها واستبعاد السلطان الجديد من المشاركة بالحلول في سورية بإعطاء بعد سياسي آخر لاختيار أنقرة المواجهة معها، هو السعي الى إجهاض عملية التفاوض في فيينا وإفشالها، والتي كان في أولوياتها التعاون لمكافحة الإرهاب، بالتوازي مع السعي الى إنجاح العملية السياسية بين النظام والمعارضة في سورية.

وفيما ينظر كثر إلى الصراع المفتوح بين موسكو وأنقرة على أنه أجهض الهدف التركي بإقامة منطقة آمنة في شمال سورية، بالتوازي مع الحل السياسي الذي يجب أن يقود الى إبعاد بشار الأسد من السلطة، فإن الجانب الروسي يستهزئ بتكرار رجب طيب أردوغان الدعوة الى رحيل الرئيس السوري.

«لقد سئمنا الكلام عن إزاحة الأسد لأنه يعرقل العملية السياسية، ولا نريد التحدث بعد الآن في هذا الموضوع، حتى مع الأميركيين، الذين نتفق معهم على خطوات يمكن تحقيقها، بدءاً بالحوار بين الفرقاء السوريين وفقاً لبيان جنيف1 وتوجيه الأمور نحو إجراء انتخابات هي التي تحدد من يبقى أو لا يبقى في السلطة». وإن لم يحصل تقدم يدفع واشنطن الى وقف المطالبة برحيل الأسد، فإن موسكو تراهن على أن يقود تزايد التفهم الأوروبي، وآخره التفهم الفرنسي، لوجوب محاربة الإرهاب من السوريين، معارضين وموالين للنظام، في ظل وجود الأسد، الى تعديل في الموقف الأميركي.

وترمي موسكو الى أن تقابلها دول الغرب الموقف وفق المعادلة التالية: «إذا افترضنا أننا نريد بقاء الأسد في السلطة، فنحن لا نمارس ضغوطاً حتى يبقى، فيما الدول الغربية تريد رحيله وتضغط لأجل ذلك، ونحن نريدها أن تكف عن هذا الضغط وتترك الأمر للعملية السياسية السورية...».

لكن الأهداف الروسية المرحلية في سورية والتي تشمل مواجهة النفوذ التركي، تتناقض مع التعايش الروسي مع النفوذ الإيراني في سورية، بل إن الرئيس فلاديمير بوتين أكد التطابق مع طهران أثناء زيارته إياها قبل أسبوعين.

لا تفسير لاستعداد موسكو لتصعيد المواجهة مع أنقرة سوى أنها تستخدم النفوذ الإيراني في مواجهة الطموح التركي إلى النفوذ، على رغم تأكيدها أن التعاون مع طهران لأجل الحل السياسي في سورية لا يعني «أننا في محور الممانعة»، وأنها لا تنسق مع قوات «الباسيج» والميليشيات المدعومة من طهران، وتترك الأمر للسلطات السورية أن تنسق معها، لأن هذا شأنها «السيادي».

اقرأ المزيد
١٠ ديسمبر ٢٠١٥
من الرياض .. المعارضة تصفع الجميع و تخرج موحدة لأول مرة

وجهت المعارضة السورية اليوم الصفعة الأقوى لجميع أعداء الثورة ، على مدى السنوات الخمس ، وكانت الرسالة الموحدة من الجميع و التي انتهت بالتوقيع الجماعي ، مع بعض الإعتراضات البسيطة ، التي لاتغيير في الهيكل العام ، الا وهو "المعارضة السورية" معاً لأول مرة منذ خمس سنوات .

لا يمكن أن ننفي حجم التناقضات التي ضمها اجتماع الرياض ، فضم المعارضة المسلحة إلى جانب السياسية في نفس الهيكل ، والمعارضة التي تقسم بين الداخل و الخارج ، والأهم الأطياف كافة من إسلاميين بمختلف التدرجات إلى جانب العلمانيين ، و المختلفين مذهبياً و دينياً ، ليكون الطيف الأوسع الذي يخرج للمعارضة السورية .

في الحقيقة الرسالة الأهم صدرت من الدعم السعودي عبر لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ، وكذلك استباق المؤتمر بلقاء مع ولي العهد السعودي الذي حفّز الجميع على رفع السقف و ان يكونوا على قدر التضحيات ، الأمر الذي مهد للإتفاق و الخروج كتلة واحدة قد تكون غير متجانسة أو متوقعة ، لكنها خرجت و وانتهت مرحلة المخاض ، ومن بين الأمور ذات الأهمية هي اعتبار كل من يخالف بنود اتفاق الرياض بأنهم " ليسوا بمعارضة" ، فلا معارضة خارج المتفق عليه ، و بالتالي يجب على اجتمع في الحسكة او الأركوزات الذين التقوا في دمشق ، أن يعوا أن الأمر بات جدياَ .

أما الرسالة الأسعد للشعب السوري كانت برد الفعل الإيراني الهستيري ، الذي صدر فور اصدار البيان و إعلان موافقة الجميع ، عندما خرج مساعد وزير الخارجية الإيراني واصفاً المجتمعين بأنهم "إرهابيون" , متحديهم بأنه إيران "لن تسمح بأن يعتبرواأنفسهم معارضة معتدلة , و أن يقرروا مستقبل سوريا" ، في حين أن الرد السعودي كان أمضى و أقوى و من خلال دول التعاون الخليجي ، عندما أعاد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير كلمته المزعجة :" الأسد أمام خيارين إما التنحي عن السلطة عبر مفاوضات مع أطراف المعارضة السورية، أو أنه يتم إسقاطه بالقوة".

لا يمكن ان نخفي أن التركيبة التي التقت و اتفقت في الرياض ، هي كتلة تجمع المتناقضات ، و لكن خطورة المرحلة و مصيرتها بالنسبة للشعب السوري ، اضطر كثر لتقديم التنازلات عن بعض المبادئ ، التي من الممكن أن تسبب بعض الشقاق في صفوف هذا الفصيل او التنظيم أو الحزب أو ذلك ، لكن لنكون واقعين و عقلانيين ، فالدم المسال و المباح بحتجة لتضحية ، لوقفه أو الحد من جريانه ، قد نختلف ثورياً بأن ما حدث في الرياض لايتوافق مع المسيرة التي خاضتها الثورية ، ولكن كعقلانيين هذه المرحلة بحاجة لرؤية أوسع و صدر أرحب لتجاوزها و العبور إلى الآمان .

اقرأ المزيد
١٠ ديسمبر ٢٠١٥
هل فعلاً الأسد باقٍ ولا انتصار على «داعش»؟

عندما يعترف وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ويعلن بأن هناك انقسامات دولية «حادة» بشأن مستقبل بشار الأسد وبشأن الأزمة السورية، وعندما يقول مستشار الولي الفقيه الإيراني علي ولايتي إن إيران منعت سقوط الرئيس السوري ونظامه، وإن هذا الرئيس خط أحمر، ثم عندما تنقل روسيا خيرة جيشها وبصواريخ «إس 400» وطائرات «سوخوي 34» ودبابات «تي 90» وتباشر حربًا لا هوادة فيها تحت عنوان الإرهاب والقضاء على «داعش» وهي لم تستهدف إلَّا المعارضة السورية المعتدلة.. فماذا يعني هذا؟!


ثم عندما يسود الارتباك في فرنسا والغرب كله، وفي مقدمته الولايات المتحدة، بعد ضربة «داعش» الإرهابية في باريس، وأيضًا في كاليفورنيا في أميركا وفي سيناء المصرية في شرم الشيخ، ويبدأ التراجع عن مواقف وقرارات سابقة عنوانها: «لا وجود لبشار الأسد في مستقبل سوريا»، وتحل محلها مواقف متأرجحة وضبابية ويهيمن عليها «التَّلعْثم»، فإن هذا يفهم وبكل وضوح ومن دون لبس وإبهام بأنَّ هناك تحولات جذرية وأن «الاشتراطات» السابقة لم تعد مطروحة ولا موجودة، وأن المرفوض غدا مقبول، وأن هذا الرئيس السوري، لا غيره، حسب هؤلاء باقٍ قبل وبعد «المرحلة الانتقالية».. هذه المرحلة التي قد يطويها الزمن وتبعثر شملها المستجدات وتصبح نسيًا منسيًا.


كان الإيرانيون والروس قد أصروا على أن الأولوية هي للقضاء على «داعش» وعلى الإرهاب، وليس لإزاحة بشار الأسد، والغريب أنه ما كاد صدى هذه التهديدات المبطنة يتلاشى حتى بدأ «تسونامي» الدماء والقتل والخراب والدمار يضرب في أربع رياح الكرة الأرضية، بدءًا بالطائرة الروسية في سماء سيناء وشرم الشيخ، وصولاً إلى كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، مرورًا بتلك المجزرة البشرية المروعة في فرنسا وبارتداداتها الجانبية في عدد من الدول الأوروبية وغير الأوروبية.


وحقيقة أن كل هذا يعني أنَّ كل هؤلاء الذين غيروا مواقفهم وتسببوا في كل هذه الانقسامات الدولية، التي أشار إليها جون كيري آنفًا، إنْ بالنسبة إلى مصير الرئيس السوري، وإنْ بالنسبة إلى الحلول الأخرى المقترحة للأزمة السورية، قد خضعوا خضوع المرتبك والمصاب بالهلع والذعر لابتزاز روسيا وإيران وابتزاز رئيس نظام دمشق نفسه الذي كان قد قال، بينما كانت أصوات الانفجارات تهز أجمل أحياء العاصمة الفرنسية، إنه لا حلول سياسية وعلى الإطلاق قبل القضاء قضاءً نهائيًا على التنظيمات الإرهابية، وقبل أن يسيطر «الجيش العربي السوري» على كل الأراضي السورية.


فماذا يعني هذا؟.. إنه يعني وبكل وضوحٍ وصراحة أن الذين أصيبوا بالهلع والرعب وبخاصة بعد «ضربة» باريس المرعبة، قد أصبحوا على قناعة راسخة أنَّ اليد العليا في سوريا والعراق والشرق الأوسط كله وصولاً إلى أوروبا والولايات المتحدة بالنسبة إلى الإرهاب و«داعش» وإدارته والتحكم فيه هي اليد الإيرانية، واستطرادًا هي اليد الروسية، وهنا فإن المقصود بالتحكم ليس التبعية المباشرة ولا الارتباط التنظيمي، وإنما قدرة هذين النظامين على إدارة الصراع بهذه الطريقة الدموية، وعلى هذا الجانب عن بعد ومقدرتهما على التلاعب بمعادلات الصراع وأرقامه وبخاصة في سوريا والعراق!!


هناك معلومات، لم يجر الحديث عنها بكثير من التحديد والإفصاح قبل الآن، تقول إن الروس استطاعوا إقناع بعض الأطراف المعنية بهذا الصراع المحتدم في سوريا والعراق، بأن الولايات المتحدة ليس لديها القدرة ولا الرغبة على مزيد من التورط في مشكلات وإشكالات هذه المنطقة، وأنها «عمليًّا» قد سلمت الراية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصل به ما يمكن أن يعتبر تحديا لحلف شمال الأطلسي بالتطاول على تركيا، العضو المؤسس والرئيسي في هذا الحلف، بعد إسقاط طائرة الـ«سوخوي 24» الروسية التي يعرف الرئيس الروسي نفسه تمام المعرفة أنها اخترقت الأجواء التركية بالفعل، وأن هذه ليست المرة الأولى التي تخترق فيها الطائرات الروسية الأجواء التركية.


تقول هذه المعلومات إنَّ الروس قد أقنعوا هذه الأطراف أن روسيا قد جاءت إلى هذه المنطقة بأساطيلها وجيوشها وصواريخها وطائراتها الاستراتيجية، وأنها أقامت كل هذه «القواعد» كي لا تنسحب منها إطلاقا إلا بعد تأمين واقع مستجدٍّ في سوريا وفي كثير من الدول القريبة والمتاخمة يضمن لها بقاءً دائمًا وطويلاً، ويعيد إليها أمجاد القيصرية القديمة وأمجاد الاتحاد السوفياتي عندما كان في ذروة تألقه، قبل أن يغرق في المستنقع الأفغاني فتكون نهايته تلك النهاية المأساوية. وبالنسبة إلى بشار الأسد فإن الروس، وفقًا لهذه المعلومات المشار إليها آنفًا، قد أفهموا هذه الأطراف أنهم سيتمسكون به وببقائه حتى نهايات عام 2017، وأنه بعد ذلك ستجري انتخابات رئاسية وبرلمانية في ظل عدم وجود معارضة مسلحة وعلى الإطلاق، وبسيطرة كاملة لـ«الجيش العربي السوري» على كل الأراضي السورية، ليكون هناك امتداد لهذا النظام القائم الآن، ولكن بنسخة منقحة جديدة تعطي انطباعًا بأن المراحل السابقة منذ بداية الانقلابات العسكرية في سوريا في عام 1949 قد ولت دون رجعة، وأن ما بعد عام 2017 هو استئناف للحياة الديمقراطية التي لم يعرفها هذا البلد إلَّا في فترتين قصيرتين جدًّا، الأولى بعد انسحاب الفرنسيين مباشرة، والثانية عندما جرت انتخابات في نحو منتصف خمسينات القرن بالإمكان القول إنها كانت الانتخابات التشريعية الوحيدة التي عرفها هذا البلد العربي.


في كل الأحوال وعَوْدًا على بدء، فإنه يمكن القول وبثقة تامة إن حسابات الحقل لا تتطابق مع حسابات البيدر، ليس في بعض الأحيان وإنما في معظم الأحيان، وإن هذا الشعب العظيم الذي تحدى وطأة استبداد تواصل لأكثر من أربعين عامًا، وأطلق هذه الثورة الباسلة ومن الصفر، وعندما كان بشار الأسد في كامل لياقته الأمنية، وكان جيشه يعتبر عدة وعتادًا واحدًا من أهم وأقوى جيوش هذه المنطقة، وكان حلفاؤه الحاليون هم حلفاءه في عام 2011 وفوقهم إسرائيل.. فكيف الآن وهذا النظام قد أصبح في أوضاع لا تسر الصديق ولا تغيظ «العدا»، وبينما إيران ليست أكثر من نمرٍ من ورقٍ، في حين أن روسيا تعاني من أوضاع اقتصادية متردية لا تؤهل بوتين لأي مغامرة وقد تأخذه للغرق في هذا المستنقع السوري كما غرق ليونيد برجنيف وهو في نهايات حياته في المستنقع الأفغاني، وأغرق معه الاتحاد السوفياتي.


إن حسابات بوتين الحالية تستند إلى تقديرات معظمها وهمية، فابتزازه إلى جانب ابتزاز إيران لبعض الدول الغربية بواسطة «داعش» ومن خلاله، لا يعني أن هذه المنطقة باتت تعيش في فراغ مطبق، وأنه ومعه حلفاؤه الإيرانيون سيملأون هذا الفراغ.. إن هناك أولاً إرادة الشعب السوري الذي أطلق هذه الثورة المستحيلة في عام 2011 من الصفر، وأن هناك عربًا مصممين على الاستمرار في احتضان هذا الشعب السوري العظيم وثورته حتى النصر، والشاهد هو مؤتمر الرياض الذي ينعقد في هذه الأيام.. والشاهد أيضًا هو أن كل الثورات التي انتصرت على الطغاة والأنظمة الظالمة قد انطلقت في ظروف أسوأ كثيرًا من هذه الظروف التي تعيشها وتمر بها الثورة السورية.


الآن وقد بدأت المخاوف تضرب بعض «أصدقاء سوريا» وبدأ الارتباك يضعف هِمَم الذين خضعوا لابتزاز روسيا وإيران، بعد ضربة باريس الموجعة، وبعد سلسلة الهزات الارتدادية لهذه الضربة، فإن مسؤولية إنقاذ الوضع تقع على عاتق المعارضة السورية التي عليها بكل فصائلها أن تغلب العام على الخاص، وأن تتبادل التنازلات وأن تنقي صفوفها من المندسين والمرتزقة، وأنْ تركز على النوعية وتهمل الكمية وتتخلص منها بصورة نهائية.. فهذا هو الرد على مخططات ومؤامرات كل الأطراف والدول المعادية لها ولقضايا شعبها، الشعب السوري العظيم، ويقينًا ونقولها مرة أخرى: إن كل هؤلاء الذين هزوا قبضاتهم عاليًا في الهواء والذين لجأوا إلى إطلاق الزغاريد المدوية بعد الارتباك الذي أصاب بعض الدول الأوروبية، وأدى إلى ما وصفه جون كيري بـ«الانقسامات الدولية الحادة بالنسبة إلى مستقبل بشار الأسد وبالنسبة إلى مصير الأزمة السورية» سوف يعضون أيديهم ندمًا.. ولكن عندما لا تصبح هناك فائدة من الندم!

اقرأ المزيد
١٠ ديسمبر ٢٠١٥
المعارضة السورية: المرحلة الأصعب بدأت للتو

مؤتمر المعارضة السورية في الرياض قد يخرج بصيغة متشددة تجاه بشار الأسد ونظامه، وسقف مرتفع للمطالب في المرحلة الانتقالية، على رغم تمني وزير الخارجية الأميركي كيري اعتماد «لغة خلاقة»، واضعاً «العربة أمام الحصان»، إذ لا يعقل أن تقدم المعارضة التنازلات التي قد تقبل بها قبل بدء المفاوضات المزمعة مع النظام. لكن الإنجاز الأهم سيكون تشكيل المجتمعين مرجعية تلتزم بها المجموعات السياسية والعسكرية لتتولى خوض جولات «شد الحبال» مع ممثلي دمشق، إذا نجح المجتمع الدولي في أن يفرض على الجميع الانخراط في مسار التسوية الذي سيكون طويلاً ومضنياً.

من الصعب بالتأكيد التوصل الى صيغة ترضي سائر الأطراف، ففي ذلك تضاد مع مفهوم الديموقراطية، أو الشورى، لكن نجاح المؤتمر سيتمثل في تقريب وجهات النظر قدر الإمكان، لأنها المرة الأولى التي تجتمع فيها كل مكونات المعارضة السورية تقريباً، والكثير منها لم يكن موجوداً قبل الثورة التي مضى عليها حوالى خمس سنوات، ولم يسبق أن قام بينها تنسيق واسع سياسياً أو ميدانياً، وتباعد بينها خلافات كثيرة وكبيرة تبدأ مع الأيديولوجيا ولا تتوقف عند تطبيقاتها.

لكن إلى جانب أهمية ما ستحققه في الرياض، لا تزال المعارضة بكل تلاوينها تواجه مهمة صعبة تتمثل في منع روسيا، حليفة النظام الأولى، من تغيير موازين القوى على الأرض خلال «الوقت الضائع» قبل بدء التفاوض، وهو أمر يبدو أن موسكو تفعل كل ما في وسعها لإنجازه، سواء عبر تعزيز قواتها العسكرية في سورية، وتزويدها أسلحة متطورة، مثل نشر منظومات الدفاع الجوي الصاروخية أو إرسال غواصة حاملة للصواريخ إلى الساحل السوري، أو عبر محاولة تحييد «العامل التركي» بعد افتعال مواجهة مع أنقرة تكاد تصل الى حد القطيعة.

وتستغل روسيا، في سعيها إلى تدعيم وضع النظام السوري، موقف الولايات المتحدة المائع والمتردد وفق إجماع الإعلام الأميركي والمعارضين الجمهوريين وبعض السياسيين المستقلين، وتشديدها على الأولوية القصوى لمحاربة الإرهاب، متراجعة عن مطلب رحيل الأسد، ورفضها القاطع إرسال قوات برية إلى سورية (باستثناء 50 عنصراً من القوات الخاصة لغرض تدريب المقاتلين الأكراد)، ما وضع المعارضة في مواجهة آلة عسكرية متقدمة تشارك فيها بكثافة إيران وميليشياتها المتعددة الجنسية، وتسجل على ما يبدو بعض التقدم الميداني.

وفي إطار تحقيق هدفها، ستعمد موسكو قدر المستطاع الى تأجيل موعد المفاوضات المفترض الذي تقترحه «خريطة طريق» شاركت في وضعها مع الأميركيين والأمم المتحدة وقوى دولية أخرى في فيينا، بحجة أن المعارضة «ليست جاهزة» للتفاوض بعد، لأن سقف مطالبها لا يزال مرتفعاً، وهي مهدت لهذا التأجيل بتشكيكها في إمكان عقد اجتماع تسعى إليه الولايات المتحدة في نيويورك الثلثاء المقبل، متذرعة بضرورة الاتفاق مسبقاً على استبعاد تشكيلات سياسية وعسكرية، تعتبرها «إرهابية»، من المفاوضات. ويأمل الروس في أن يؤدي ضغطهم على المعارضة إلى إطلاق شرارة خلافات تؤدي لاحقاً إلى إعادة تشتتها وإضعاف موقفها التفاوضي، حتى لو خرجت بموقف شبه موحد من اجتماع الرياض، بما يسمح بالالتفاف على تضحيات السوريين منذ أربعة عقود في ظل حكم عائلة الأسد.

ولهذا يبدو أن اتفاق المعارضين السوريين على مبادئ التسوية وأولوياتها وتذليل تبايناتهم، قد يكون، على صعوبته، أهون بكثير من المرحلة الكأداء التي ستبدأ بعده، في مواجهة النظام السوري المراوغ وروسيا المندفعة بحمق إلى «وراثة» التركة الأميركية.

اقرأ المزيد
٩ ديسمبر ٢٠١٥
المعارضة السورية وسباق الحواجز

تدخل المعارضة السورية، اليوم، في سباق يشبه سباق الحواجز. المجموعة الأولى منها هي حواجز مؤتمر الرياض الذي يعقد اليوم وغداً، 9 و10 ديسمبر/كانون أول، وأمامه عدة حواجز عليه أن يتخطاها، وهي:
حاجز التوافق على تحديد أساس التفاوض مع النظام بين، أ) الإصرار على بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118 وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، أي لا صلاحيات خارجها، والتمسك بأن يعلن النظام والمعارضة، في بداية المفاوضات، أن أساس التفاوض هو بيان جنيف وقرار مجلس الأمن، علماً أن النظام يرفض "جنيف" كلياً، ويعادي كل من يؤيد جنيف، وب) وبين من يتمسك بعدم وضع أي شرط مسبق للتفاوض، بما يعني فتح الباب أمام بقاء رأس النظام والنظام.
حاجز النص صراحةً على أن لا دور لبشار الأسد، لا في المرحلة الانتقالية ولا بعدها، حاجز التوافق على أن مؤتمر الرياض هو مرجعية التفاوض مع النظام ومرجعية وفد المعارضة، وقد يبرز خلاف حولها بين من يوافق على هذه الفكرة ومن يريد "الائتلاف" مرجعية ومن لا يريد أيّ مرجعية، وأن يكون الوفد مرجعية نفسه. حاجز التوافق على انتخاب سكرتاريا لمؤتمر الرياض، تكون بمثابة قيادة سياسية لعملية التفاوض، وقد يكون هذا موضع صراع، فالائتلافيون، وعددهم قرابة 40 عضواً في مؤتمر الرياض، يرغبون في أن يكون "الائتلاف" المرجعية، بينما مجموعات أخرى، وهم الغالبية، ترفض هذا الأمر بتاتاً، ولا تراه منطقياً ولا مقبولاً. حاجز تسمية وفد التفاوض، وسيكون هذا موضع صراع كبير.
قد ينجح مؤتمر الرياض في تجاوز هذه الخلافات، ويخرج بنتائج مقبولة من الجميع تقريباً، وخصوصاً عبر الضغط السعودي، وقد تبلغ الخلافات حد انسحاب بعض المشاركين، لا سيما ما تسمى المعارضة اللينة، وإن انسحبت ستعطي الروس حجة أن وفد المعارضة للتفاوض لا يمثل كل أطيافها، وسيطالبون بحصة من وفد التفاوض، وإن تراخى المؤتمر في مخرجاته كي يضمن بقاء الجميع بدون انسحاباتٍ، فقد تجد الفصائل المعارضة نفسها في وضع حرج، ما لم يخرج المؤتمر بموقفٍ قويٍّ يتوافق وحجم التضحيات والقتل والدمار المستمر، وقد تجد نفسها مضطرة للانسحاب، لأن قواعدها ستحاسبها، والتراخي من الفصائل يدفع مجموعات منهم إلى الذهاب إلى "جبهة النصرة". إذن، يضم المؤتمر مجموعاتٍ، ليس من السهل التوفيق بين مواقفها.
المجموعة الثانية حواجز مؤتمر فيينا/ نيويورك وما سينتج عنه، وفي حال نجاح مؤتمر الرياض والقفز بنجاح فوق جميع حواجزه، ستواجه المعارضة حواجز مؤتمر فيينا/ نيويورك. وفي حال كانت مخرجات "فيينا" تعزز الموقف المتمسك بعملية انتقال سياسي فعلي في سورية، أم كانت تعزز الموقف المتساهل مع الأسد وبقائه، خصوصاً وأن أحداث "داعش" تدفع الموقف الدولي باتجاه قبول الأسد، ويتوقع أعمال أخرى لداعش كي تدفع المجتمع الدولي أكثر نحو قبول النظام "شريكاً لا بد منه"، في محاربة داعش. هذا الحاجز ليس للمعارضة أي يد فيه، أو تأثير عليه، ولكن، لكل من السعودية وقطر وتركيا تأثير عليه، فكيف ستتصرف هذه الدول الثلاث في فيينا/ نيويورك، لمواجهة الضغوط الأميركية والروسية المتوقعة في مؤتمر فيينا/ نيويورك؟
"قد ينجح مؤتمر الرياض في تجاوز الخلافات، ويخرج بنتائج مقبولة من الجميع تقريباً، وخصوصاً عبر الضغط السعودي، وقد تبلغ الخلافات حد انسحاب بعض المشاركين، لا سيما ما تسمى المعارضة اللينة"

المجموعة الثالثة من الحواجز هي المفاوضات بين المعارضة والنظام، ففي حال تخطي حواجز مؤتمر الرياض ومؤتمر فيينا – نيويورك بنجاح، سيبقى الحاجز الأصعب، وهو المفاوضات مع النظام، فقد تبرز اختلافات وجهات النظر ضمن وفد المعارضة نفسه في أثناء عملية التفاوض. وفي حال تخطي حدوث خلافاتٍ ضمن وفد المعارضة، عبر التنسيق والتحضير الجيدين، ستبرز الخلافات الكبيرة مع وفد النظام الذي سيتشدد لدفع المعارضة إلى الانسحاب، عبر طرح مناقشة مسألة الإرهاب أولاً، وهو طرح يلقى تأييد الروس (شركاء النظام) وتعاطف الأميركان والأوروبيين، وتأييد مندوبي لبنان ومصر وغيرها. وقد تتوقف المفاوضات بعد الجولة الثانية، أو الثالثة، من دون إحراز تقدم. وحينها، يتوقع تصاعد القتال، بعد أن يهدأ قليلاً في أثناء المفاوضات، وسيسعى الطرفان إلى تحقيق مكاسب على الأرض، وقد تمضي ثلاثة شهور تقريباً إلى حين إعادة ترتيب جولة مفاوضات ثانية، ولكن، لا أحد يعرف كيف ستكون النتائج.
يتوقع أن تكون استراتيجية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عدم تسهيل اجتياز هذه الحواجز وعرقلة الوصول الى أي توافق، الآن، ريثما ينجز استراتيجيته المتمثلة بالقضاء على الفصائل المقاتلة للمعارضة السورية، أولاً، قبل القضاء على "داعش"، لكي يبقى في الميدان النظام و"داعش"، ما يضع المجتمع الدولي أمام خيار وحيد، هو محاربة "داعش"، وتمكين النظام، لأن القضاء على "داعش"، قبل القضاء على فصائل المعارضة المسلحة سيقوّي موقع الأخيرة من جهة، ومن جهة أخرى، سيجعل القوى الغربية تعود إلى موقفها الأول، وتصر على تحقيق انتقال سياسي في سورية، من دون الأسد. وهي الاستراتيجية التي يطبقها بوتين، منذ لحظة تدخله الفعلي في الصراع السوري، في 30 سبتمبر/أيلول 2015، فهو لا يقصف مواقع "داعش"، ويركز قصفه على المعارضة المسلحة، بل تهاجم "داعش" مواقع المعارضة في حلب، في الوقت الذي تهاجمها فيه قوات النظام، بينما يقصفها بوتين من الجو، وهو يستغل إسقاط الأتراك الطائرة الروسية لتنفيذ هذه الاستراتيجية بقوة أكبر. أما القوى الغربية فهي ترى وتسمع، لكنها لا تريد أن تفعل شيئاً، حتى الآن، فهي تنتظر أن تغرق روسيا في الوحل السوري أكثر، ولا يهمها كم من الأرواح السورية ستزهق، وكم من البيوت ستهدم، وحتى القوى الداعمة للمعارضة فهي تنتظر نتائج مؤتمرات الرياض وفيينا ونيويورك، والمفاوضات مع النظام وغيرها، بينما بوتين يفعل، فهو لا يعول ولا ينتظر.
أما كيف ستسير الأمور في الشهور المقبلة، فهناك أكثر من سيناريو، وهي مفتوحة على جميع الاتجاهات. لكن، هل سيناقش مؤتمر المعارضة في الرياض كل هذه الموضوعات وسيناريوهات تطور الأوضاع ويطور استراتيجية لمواجهتها؟

اقرأ المزيد
٩ ديسمبر ٢٠١٥
مشروع إلغاء تركيا من المعادلة

الذي يظن أن الهبة الحكومية العراقية، الأولى من نوعها منذ إسقاط نظام صدام حسين، كلها ضد وجود القوات التركية على التراب العراقي فهو مخطئ. كل القوة التركية مائة وخمسون عسكريا فقط، يوجدون في محيط مدينة الموصل التي يحتلها تنظيم داعش منذ عام ونصف. وكذلك التهديدات الروسية المتصاعدة للأتراك ضد قواتهم على الحدود مع شمال سوريا، رغم أنها تعتبر منطقة تتزاحم فيها جيوش وميليشيات من أنحاء العالم.
التأزيم المتصاعد، من قبل المثلث الإيراني العراقي الروسي ضد تركيا، تتضح معالمه كمشروع لتحجيم تركيا، وإلغاء دورها الإقليمي، وبالتالي تحرير المشروع الإيراني من أي مواجهات في المنطقة، لتصبح طهران صاحبة القرار في العراق وسوريا. وهذا يتم في ظل التراجع الأميركي المتكرر خلال سنوات الأزمة الخمس، والذي لم يفعل شيئا باستثناء بيانات التضامن الكلامية.
السرية التركية الموجودة خارج مدينة الموصل جاءت بدعوة من محافظ الموصل سابقا من أجل تدريب أبناء المدينة المتطوعين للدفاع عن مدينتهم، بعد أن هربت قوات الحكومة العراقية، وتوغل الإرهابيون في أرياف تلك المحافظة. وقد تركت الموصل فريسة لـ«داعش» ولم يقرر الحشد الشعبي تحريرها، لأن جله من ميليشيات طائفية شيعية تم تكوينه من قبل إيران كبديل للجيش العراقي، وتتولى تدريبه وتجهيزه وتوجيهه.
والحقيقة لا تلام إيران وروسيا على تقدمهما الواضح في مشروع إبعاد وتقزيم تركيا إقليميا، لأننا في مواجهة إقليمية كبرى، ولأن الحكومة في أنقرة نفسها لم تفعل شيئا مهما للدفاع عن مصالحها خلال السنوات المضطربة. وهي ما لم تع الخطر، وإن كانت، بكل تأكيد، تراه بأم عينيها، حيث تتم محاصرتها تدريجيا من قبل هاتين الدولتين، فإن معالم المنطقة تتغير ضدها، وستكون تركيا الهدف التالي، لأنه لا يمكن لإيران وروسيا الاطمئنان لقدرتهما على الهيمنة وإدارة العراق وسوريا دون شغل تركيا داخليا.
سياسة تركيا تائهة في قضايا لا قيمة لها في ميزان الصراع الإقليمي. أشغلت نفسها بخلافات هامشية وإعلامية مثل معركتها مع مصر، أو دعم قوى معارضة مثل «الإخوان المسلمين»، ولا تعني شيئا مهما للأمن القومي التركي. قيمة الإخوان صفر في معادلة المنطقة، وخطر مصر على تركيا أيضا صفر، ولا يوجد ما يبرر إصرار أنقرة على الاستمرار فيه!
مشروع إيران في الهيمنة على المنطقة أصبحت معالمه واضحة. فقد قررت تحييد الولايات المتحدة والناتو من خلال منحهم مطلبهم الرئيسي، التخلي عن مشروعها النووي لأغراض عسكرية. وبالفعل نجحت في ذلك. ثم شرعت في الهيمنة على العراق، ورغم إسقاط رجلها الأول نوري المالكي، فإنها أطبقت على القوى السياسية، واليوم تملك القرار هناك في ظل عجز رئيس الوزراء حيدر العبادي. وفي نفس الوقت شكلت أول قوة عسكرية من ميليشيات إيرانية وعراقية ولبنانية وأفغانية يصل عدد أفرادها إلى مائة ألف في سوريا. وزادت من نفوذها بتفعيل حلفها مع روسيا التي أرسلت إلى هناك قوة عسكرية جوية وبحرية تفوق ما أرسله الاتحاد السوفياتي إلى المنطقة إبان الحرب الباردة.
ولأن تركيا هي القوة الإقليمية الموازية لإيران فإنها أصبحت مستهدفة، بشل يدها في سوريا، وإلغاء وجودها في العراق. ولا يمكن تحميل الأتراك وحدهم مسؤولية مواجهة الحلف الروسي الإيراني المندفع في الشرق العربي، لكنهم هم الرقم الأهم. ودون أن تعيد تركيا قراءة خريطة الصراع وإعادة التموضع فإنها ستجد نفسها في مأزق أكبر غدًا. تركيا أكثر من يحتاج إلى إحياء محور إقليمي يواجه الاكتساح الإيراني، ولا يمكنها فعل ذلك وهي تضع من أولوياتها قضية مثل «الإخوان»، الذين أمضوا ثلاثين سنة حلفاء أصليين لنظام إيران، الذي سبق أن جرب وفشل في دعمهم للوصول لحكم القاهرة في زمني الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك.

اقرأ المزيد
٩ ديسمبر ٢٠١٥
هل تستثمر الإدارة الأميركية في الأزمة السورية

من المفروض ألا تكون المعارضة السورية قد فوجئت بالمواقف الصادرة عن الإدارة الأميركية، مؤخرا، بخصوص التعاون مع جيش النظام في قتال “داعش”، أو إيجاد صيغة للتعايش مع بقاء بشار الأسد في موقع الرئاسة إبان المرحلة الانتقالية.

ومع أن هذا الكلام الأميركي لا يحمل جديدا، تماما، إلا أنه يكشف، مرة أخرى، حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية لا يعنيها من يحكم في سوريا، سواء كان شخصا أو حزبا، وسواء كان يساريا أو قوميا أو إسلاميا، كما لا يعنيها ما يحصل في هذا البلد، إذا استثنينا ما يخص قضية الصراع مع إسرائيل.

أما تفسير ذلك فيعود إلى ثلاثة أسباب أساسية:

* أولها، أن هذا البلد لم يكن محسوبا طوال العقود السابقة، ضمن دائرة حلفائها التقليديين، لذا فهي لا تشعر بخسارة ما في هذا المكان.

* ثانيها، أن مصالحها مضمونة بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم، سواء كانت مصالح سياسية أو اقتصادية أو أمنية، وهو ما يمكن تبيّنه من مراجعة السياسات التي انتهجها النظام السوري طوال المرحلة الماضية، بغض النظر عن كل الشعارات أو الادعاءات. وثالثها، أن هذا البلد صغير وفقير الموارد، وتنبع أهميته من موقعه الجغرافي، ومن جواره مع إسرائيل.

بيْدَ أن هذه الأسباب لوحدها لا تكفي لتفسير المواقف التي انتهجتها الإدارة الأميركية، لأن أركان هذه الإدارة، من رئيسها باراك أوباما، إلى سفيرها السابق في سوريا روبرت فود، مرورا بوزير خارجيتها جون كيري، لطالما أدلوا بتصريحات تقول إن الأسد فاقد للشرعية، وأن عليه أن يرحل. لا بل إن هذه التصريحات، التي رافقت بدايات الثورة السورية، قبل قرابة خمسة أعوام، قد يمكن اعتبارها أحد أهم العوامل التي شجّعت السوريين على الاستمرار بثورتهم، وربما كانت من أهم عوامل تحول بعض الجماعات نحو العمل المسلح ضد النظام، مع عوامل أخرى.

وفي الواقع فإن تعامل إدارة أوباما مع المسألة السورية ظل ملتبسا، ويحمل إشارات متعددة، فهي من جهة تساند الثورة السورية، ومن جهة أخرى لا تفعل شيئا، من الناحية العملية، لا في ما يتعلق بوقف القتال في سوريا، أقله بواسطة القصف بالبراميل المتفجّرة، ولا لتمكين “الجيش الحر” من الدفاع عن نفسه بواسطة مضادات للطيران، مثلا. وهي مع بيان جنيف 2012، بخصوص التأسيس لمرحلة انتقالية، تتشكل فيها هيئة تنفيذية كاملة الصلاحيات، ولكن ليس لديها مشكلة مع بقاء بشار الأسد، إبان تلك المرحلة. هي ضد الوجود الإيراني والروسي في سوريا، ولكن لا مانع لديها من مشاركتهم في إيجاد حل للمسألة السورية.

على ذلك فإن السياسة التي تنتهجها الإدارة الأميركية إزاء سوريا، في هذه المرحلة، تتأسس على الاستثمار في المسألة السورية، وهذا يختلف عن إدارة الأزمة، لأنها في حقيقة الأمر، ومن الناحية العملية، تشجع كل الأطراف على المجيء إلى سوريا، وعلى تحويل سوريا إلى ساحة للمواجهة أو للصراع، في حين تجلس هي في مقاعد المتفرجين، أو في مكانة الحكم بين الأطراف.

ولعل الإدارة الأميركية تشتغل هنا بناء على فكرتين مفادهما، أولا، ترك الآخرين يتقاتلون في ما بينهم ويستنزفون بعضهم، بما يشبه مقولة “دع العرب يتقاتلون”، والمقصود هنا إيران وتركيا وروسيا والسعودية، وغيرها من الدول العربية، ومثالها وصول إلى حافة الحرب بين روسيا وتركيا، بعد حادثة إسقاط الطائرة.

وثانيا، أن كل الأطراف، بعد أن تكون أُنهكت واستنزفت، ستلجأ في الأخير إلى الولايات المتحدة، باعتبارها صاحبة القوة الأكبر، وباعتبارها الحكم. طبعا، وفي ذات السياق، لا يمكن أن ننسى القطبة المخفية (أي الإسرائيلية)، في هذا الأمر، إذ أن أغلب المؤشرات تفيد بأن إسرائيل هي أكثر دولة مستفيدة من بقاء الأمور على ما هي عليها في المنطقة، ولا سيما في سوريا. هكذا يبدو أن معظم الأطراف تستثمر في “داعش”، وفي الصراع الدائر في سوريا، كلّ بطريقته وبحسب أجنداته.

على ذلك فإن الصراع السوري سيستمر، مع الأسف، على ذات الوتيرة طالما أن الإدارة الأميركية لم تغادر موقفها هذا، وطالما أنها تعتبر نفسها رابحة في مختلف الظروف والتطورات.

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٥
جناية " الذين لا يعلمون " في محنة الغلاة

بدأت ثورةُ أهل الشام - حين بدأت - بيضاءَ نقيةً لا إفراط فيها ولا تفريط ، ترفع شعاراتٍ يتفق القاصي والداني على شرعيتها والانتصار لأهلها ..


ثم ما فتأت أن لوثها الغلاةُ بشعاراتٍ لا قِبل لأهل الشام بها ، فسرى التنازع بين المجاهدين سريان النار في الهشيم ، وأكلت الثورةُ بعض أبنائها ، وارتدت الحراب في الصدور ..


فكان أن وقف بعض الناصحين من هذه المحنة موقف العدل والإنصاف فنصحوا للأمة وردوا زيغ الغلاة وبينوا باطلهم وردوا شبهاتهم وقاموا بواجب البيان والبلاغ ..


وكان ممن أسهم في استفحال أمر الغلاة وتطاير شررهم فئامٌ من الذين لا يعلمون ، لبسوا لبوس أهل العلم - وما هم منهم - ، فكان منهم المتعالم ، ومنهم الجاهل بالحكم الشرعي أو بتطبيقه على الواقع ، وكان منهم من كتم علمه خوفًا على نفسه أو خوفًا من انفضاض الأتباع والطلاب من حوله ، أو لهوىً في نفسه .


* فأما المتعالمون : فإن قضية الغلاة قضيةٌ علميةٌ عقديةٌ منهجية ، والمشاهد أن كثيرًا ممن يخوض فيها لم تعرف لهم سابقةُ علمٍ ولا رسوخٌ في العقيدة ولا فقهٌ في دين الله .


* { ومنهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ } ، ومع كل ذلك فقد لبسوا لباس الشرع يفتون لقادتهم بحل دم فلان وردة الفصيل الفلاني واستحلال ماله وسلاحه دون أثارةٍ من علم أو حجةٍ أو دليل .


* ومنهم المتقلبون المتذبذبون في شأن الغلاة ، كمن عمل بادي الرأي على التمكين للغلاة في القرى والمدن ، فلما رأى جرائمهم بدأ ينكر عليهم ويحذر منهم ، ولو أنهم بحثوا في جذور هذه الجماعات وسبروا تاريخها أو سألوا أهل العلم عن حقيقتها قبل تطاير شررها لما استفحل أمرها ولا غدا تطهير بؤرها عسيرًا على الصادقين .


* وطائفة من أهل العلم { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } فلا يمنعهم من مواجهة الغلاة وتحذير الناس منهم إلا خوفهم على حياتهم وخشيتُهم من غدر الغلاة بهم .


وقد استفحل داء الخوف على كثيرٍ من أهل العلم حتى غدا المنكِرُ على الغلاة غريبًا كصالحٍ في ثمود ، ونسوا أن الله - المحيي المميت - قد أخذ عليهم العهد والميثاق {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران: 187].


قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } [البقرة: 159].


* إخفاء الحق لكسب الأصوات :
وعلى الأعراف رجالٌ يقفون في المنطقة الرمادية بين أهل السنة والغلاة ، فيحاولون إمساك العصا من المنتصف ، فتراهم يعلمون الحق ويكتمونه مجاراةً للناس وسعيًا في إرضائهم ، أو لهوىً في نفوسهم وسعيًا في جمع أصوات الناس على بعض المشاريع الخاصة ، فيحاولون الظهور بمظهر الحياد ، ويختبئون خلف عموميات الإصلاح وحقن الدماء وتوحيد الصفوف ، ويقولون : لسنا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء !! ويحاولون إنهاء الأزمة على قاعدة : " أحبوا بعضكم " و " كل واحد يصلح سيارته " !! .


وهو حيادٌ سلبيٌ قاتلٌ لو كان يعلمون، حيادٌ بين الضحية والجلّاد ، بين الظالم والمظلوم ، بين من يسعى لينقذ ما تبقى من هذه الثورة ومن يواصل الليل بالنهار ليهدمها ويظهرها بأبشع صورة .


وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من علم لا ينفع , وقال تعالى : [ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ][البقرة 42] .


فهو ثمنٌ قليلٌ زهيدٌ رخيصٌ مَهما زَينَّ الشيطان منافعه ومصالحه ومكاسبه .


وقد صنف أبو بكر الآجري مصنفاً في أخلاق العلماء وآدابهم ، فوصف فيه عالم السوء بأوصاف كثيرة منها قوله :" وقد فتنه حبُّ الدُّنيا : الثناء والشرف والمنزلة عند أهل الدُّنيا ، يتجمل بالعلم كما تتجمل بالحلية الحسناءُ للدنيا ... ".


* وممن أسهم في انتشار سموم الغلاة : شرعيو بعض الفصائل الذين ليس لهم من الأمر شيئ ، ممن يسيرون خلف ركاب قادتهم ، فتراهم - إن كان قرار قائد الفصيل عدم قتال الغلاة - يبحثون في النصوص التي تتحدث عن حرمة دماء المسلمين وأن قتالهم فتنة ، وكأن النصوص التي وصفت الخوارج وحذرت منهم وأمرت بقتالهم إنما جاءت في أهل الكتاب !!
* وأخيرًا فإن من كبار الذين لا يعلمون قومٌ ما فتئوا يكيلون المدح للغلاة ، ويصفونهم بصفات التعظيم والتبجيل ، فيُلبِّسون على الناس باطلهم ويسوقون للذين لا يعلمون أمثالهم.


فأعرضْ عن كل هؤلاء وتمثل قوله تعالى : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الجاثية:18].


وقوله تعالى : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9].

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٥
كم سيصمد العالم أمام "داعش" .. ويرضخ لـ"الجزية" ... ؟؟

مع تصاعد الحشود و زحمة الجيوش ، التي تطلق نيرانها على داعش ، بغية التخلص من هذا التنظيم ، ووأد أحلامه و قطع أوصاله كي لا يتمدد أكثر على الأقل .. يكون السؤال الغالب دوماً : كم سيصمد هذا التنظيم في وجه كل هذه الجيوش و القوات ؟

و لكن لماذا لا نتسائل بشكل عكسي : كم سيصمد العالم أمام داعش !؟

قد يبدو السؤال عبثي ويدل على الغباء ، فكيف بهذا العدد و العتاد ، ان تواجه داعش أعتى و أكبر و أشرس الجيوش في العالم ، فلا منابع للإمداد ولا منافذ للمناورة ، فأنت "داعش" تواجه العالم داخل رقعة جغرافية لا بحر فيها ، ولا منفذ بري ، الطريق الوحيد المتاح هو باتجاه السماء .

ورغم كل هذا .. أُصر على سؤالي : كم سيصمد العالم أمام داعش !؟

جميع الجيوش وضعت تركيزها على الجانب العسكري ، و على مواجهة الداعش الند بالند ، كما يوصف بـ"صراع العضلات" ، في حين لم تكن داعش بأي وقت من الأوقات عبارة عن عضلات أو جحافل من الجيوش ، فمن سيطر على الأنبار ببضع مئات لايتجاوزون أصابع اليد الواحدة ، مقابل 3 فرق عسكرية مدججة بكافة أنواع الأسلحة ، ليسوا بإناس لديهم عضلات تحتاج إلى هذا الكم من الأسلحة المحشودة و التي يتم حشدها .

فداعش التي تعتمد على "الأفكار" و "المعتقدات" المرسخة بطريقة ما ، يساهم في تعزيزها وتعاظمها ، حشود العالم ضدها عسكرياً ، بمواجهتها بتطرف أشد ، ترسيخ الظلم و توسيعه ، فتولد و يوّلد في كل لحظة ، أفكاراً تزداد تشدداً ، وعصياناً لن تستطيع كل جيوش العالم على محاربته ، فهنا الحرب لاتنهي الطرف الأخر ، وإنما تزيده قوة .

كان يكفي لهجمات باريس ، 6 أشخاص و 30 الف يورو ، لأن ترعب دولة بحجم فرنسا ، و ان تزرع الرعب في قارة بأكملها و يجتاح جميع القارات ، وتتحول الحياة لجحيم لمجرد ببلاغ واحد عن مجرد "الشك" أن هناك قنبلة ، و لو كانت رسمة على دفتر طفل .

العرقلة التي خلقتها داعش في العالم ، والخسائر التي تلحق بإقتصاديات الدول ، والحرب التي يتيقن الجميع انها لن تكون كافية فحسب ، بل ستنعكس على مطلقيها ، ستدفع العالم للجوء إلى مبدأ يرضي داعش و يهدأ من روعها ألا وهو "الجزية".

يبدو ان الأمور ستشتد لمدة لاتتجاوز شهوراً ثلاث ، لنجد أن العالم سيتقدم إلى داعش ، ويمنحها "الجزية" ، كي تكف عنه ، مالم تحارب مسببات داعش التي تمدها بمزيد من مصادر "البقاء و التمدد" .

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٥
المعارضة السوريّة بين مؤتمر الرياض وقوائم عمّان

حتى اللحظة، يصعب الكلام عن معارضة سورية واحدة أو موحّدة تتحدث أمام النظام والمجتمع الدولي ضمن برنامج مشترك أو توافقات الحدّ الأدنى الملزمة لغالبية المعارضين، وبما يمنحها الطابع الوطني وصدقية الالتزام وجدية الشراكة السياسية في المرحلة الانتقالية التي من المفترض أن تبدأ مع بداية العام المقبل برعاية أممية، وهي رعاية تدرك أن أهداف المجتمع الدولي في القضاء على «داعش» وخططه الرامية إلى معالجة مسألة اللاجئين وإدارتها ووقف المأساة السورية، لن تأخذ مفاعليها إلا تحت سقف عملية انتقال سياسي في سورية تكون المعارضة طرفاً أساسياً فيها.

ومن المفترض أن يشتغل مؤتمر الرياض على هذه المهمة الشاقة بالنظر إلى كثرة الانقسامات في صفوف المعارضة، وضيق الوقت لإنجاز هذه المهمة، التي هي على صلة وثيقة بتصنيف عمّان المعارضة ثلاثة أصناف: معتدلة ومتشدّدة (غير إرهابية) وإرهابية. والواضح أن «جيش الفتح» و «أحرار الشام» و «جيش الإسلام» إلى جانب «الجيش الحر» و «الائتلاف الوطني» و «هيئة التنسيق المحلية» والأكراد وشخصيات دينية ومستقلّة، ستمثّل في مؤتمر الرياض، وثمة تنسيق سعودي - أردني لئلا تتضارب القائمة الأردنية مع قائمة الحاضرين «مؤتمر الرياض»، وهذا التنسيق ربما يتعارض مع التنسيق الأردني - الروسي، حيث لا تقتصر الجماعات الإرهابية في التعريف الروسي على «داعش»، الذي يحظى تصنيفه كتنظيم إرهابي بإجماع الجميع، بل يطاول التعريف الروسي «جيش الفتح» و «جيش الإسلام» و «أحرار الشام»، والمرجح أنّ الرياض وأنقرة والدوحة، وهي أهم الداعمين الإقليميين للمعارضة المسلّحة، سترفض التصنيف الروسي، ما يجعلنا أمام مرحلة تفاوض بين الأطراف الإقليمية والدولية حول القوائم والتصنيفات.

وربما حفّزت الوساطة القطرية في صفقة «جبهة النصرة» الأخيرة مع لبنان، على دعوة بعضهم الى إخراج «النصرة» من قائمة المنظمات الإرهابية التي يصنّفها كلّ من الأردن والسعودية والإمارات وأميركا وروسيا وفرنسا وغيرها منظّمة إرهابية. والمرجح أنّ الصفقة ستزيد «النصرة» امتلاء بأيديولوجيا «القاعدة» وليس الانفكاك منها كما دعاها الى ذلك خالد خوجة، وهذا في إطار معركة التنافس مع «داعش»على كسب «الشرعية الجهادية»، وسيكون «داعش» مهجوساً بهذه المسألة حال التفاوض المحتمل المقبل مع السلطات اللبنانية للإفراج عن الجنود اللبنانيين التسعة المحتجزين منذ آب (أغسطس) 2014.

وقد وردت تقارير صحافية عن انتقاد مؤيدي «جيش الإسلام» تناقض «النصرة» التي تحارب الهدنة في الغوطة الشرقية، في حين تسارع إلى الانخراط في صفقات مثيرة للتساؤلات. ويقال إن الأمر تعدى «جيش الإسلام» إلى «الجيش الحر» الذي استهجن مسارعة «النصرة» إلى إطلاق سراح الجنود اللبنانيين، فيما ترفض الإفراج عن قادة من «الحر» تعتقلهم، وأبرزهم القيادي في «حركة حزم» أبو عبدالله الخولي. في هذا الإطار، ربما يمكن القول إنه إضافة إلى الصعوبات التنسيقية والتحضيرية الآنفة الذكر الملقاة على عاتق الرياض وعمّان، فإن صفقة «النصرة» ربما ألقت مزيداً من العبء عليهما. كما أنّ العاصمتين وحلفاءهما في الخليج حريصون على شمول «حزب الله» والميليشيات الشيعية المقاتلة إلى جانب النظام السوري بقائمة المنظمات الإرهابية، وقد فرضت الرياض الشهر الماضي عقوبات على 12 شخصية ومؤسسة مرتبطة بـ «حزب الله»، ووفق التصنيف النهائي سيُعرف من سيُقصَف أم لا، ومن سيدخل ضمن إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية في سورية الجديدة أم لا، وهذا من أسباب معارضة طهران عقد لقاء لمجموعات معارضة سورية في السعودية، وهو موقف متمايز عن الموقف الروسي، وإنْ كان التوتر الحالي بين موسكو وأنقرة سيكون حاضراً بقوة في ما ستؤول إليه مشاورات الرياض لتشكيل وفد المعارضة، والجهود الأردنية في إعداد قوائم لن تتمكن من القفز على تناقض استراتيجيات أطراف الصراع، وهو ما يفسّر الضغط الأميركي على أنقرة لإعادة موسكو وطهران إلى أجواء «فيينا 2».

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى