مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣١ أكتوبر ٢٠١٥
ثلاث رسائل من فيينا للشعب السوري

محادثات فيينا ومن قبل أن تبدأ أرسلت عدة رسائل للشعب السوري، سواء كانوا معارضين أم موالين لنظام الأسد، وفي هذا المقال سنتوقف عند ثلاث رسائل أرسلها المؤتمرون في فيينا قبل اجتماعهم، وسنقف كذلك على الأسباب التي كانت وراءها.

الرسالة الأولى: لا يحق للشعب السوري تقرير مصيره

ربما هي أوضح رسالة أرسلها المجتمعون إلى الشعب السوري عبر رفضهم وجود أي طرف من الأطراف الأساسية المتنازعة على الأراضي السورية، ففي الوقت الذي حرص فيه المجتمعون على أن يكون اجتماع فيينا اجتماعا موسعا يشمل كافة الدول المعنية بالصراع داخل الأراضي السورية بما فيها العراق ومصر ولبنان، لم تتم دعوة وزير خارجية الأسد وليد المعلم، كذلك فإنها لم تتم دعوة أي طرف من أطراف المعارضة المعترف بها رسميا من قبل معظم الدول الحاضرة في فيينا كالائتلاف السوري المعارض أو حكومة طعمة.

الرسالة الثانية: رسالة دولية كتبت بيد روسية: لا يحق لأي طرف الاعتراض.. نفذ أو تقصف!
 
من أهم النقاط في الملاحق المسربة، وغير المعلنة التي اتفق عليها المؤتمرون سواء في فيينا أم باريس أم موسكو أم غيرها، أن الحفاظ على المؤسسات العسكرية والاستخباراتية والأمنية في سوريا له الأولوية الأولى في حساباتهم، ذلك أن انهيار هذه المؤسسات وعلى رأسها العسكرية، سيدفع الأوضاع في سوريا إلى مزيد من التعقيدات، والانفلات الأمني المطلق الذي يمكن أن يقود البلاد إلى مرحلة اللادولة. فبالإضافة إلى التواجد الإيراني والروسي، توجد في المنطقة اليوم قوات تنظيم الدولة والجماعات الكردية التي تقاتل في سبيل الانفصال، مما ينذر بأن الأوضاع يمكن أن تذهب إلى الأسوأ في حال عدم التحكم بالمفاصل الصدئة  الثلاثة للدولة السورية، العسكري و الاستخباراتي و الأمني.

وعلى هذا ترى روسيا ومن قبلها الولايات المتحدة الأمريكية أن الحفاظ على الجيش السوري مسألة غير قابلة للتفاوض، ولهذا السبب تحديدا سيتم تحييد القيادات العسكرية التي تحظى بشعبية كبيرة سواء عند المقاومة الشعبية أو من جانب قوات نظام الأسد.

وسيتم تخييرها إما الانضمام تحت راية المؤسسة العسكرية الجديدة والتي  يتم تشكيلها حاليا برعاية وإشراف روسي – دولي، أو إنه سيتم استهدافها ووضعها ضمن بنك أهداف التحالف وأصدقائه.  

قد ترفض المقاومة الشعبية بشكل عام والمسلحة بشكل خاص التخلي عن قياداتها التي خاضت معها معارك النصر والتحرير وهذا ما هو متوقع من مناضلين أحرار أعلوا مصلحة الوطن على أنفسهم وأرواحهم، وكذلك هو الحال بالنسبة لقوات النظام التي ترى في قياداتها النفس الأخير لبقائها واستمرارها، ولكن ما يطمح إليه المجتمع الدولي اليوم هو تهدئة الصراع على السلطة في سوريا بين الثوار والأسد، والتركيز على جهود محاربة تنظيم الدولة، وجعل سوريا قاعدة عسكرية دولية لعملياتهم ضد التنظيم.  

 وهنا نتساءل: هل هذا يعني بالضرورة أن عنوان المرحلة القادمة في سوريا هو حكم العسكر؟ وهل يمكن أن تسيطر شخصية مدنية بشكل فعلي على الأوضاع في سوريا بعد انتهاء الأسد مع وجود قوات تنظيم الدولة والأكراد والجهات الجهادية المكروهة غربيا؟

وكيف يمكن لقيادات المقاومة الشعبية المسلحة في سوريا وعلى رأسها الجيش الحر أن تتعامل مع مثل هذه الضغوطات، وخصوصا أنها مازالت تدين بولاء كبير للدول التي تعمل على تمويلها، والتي تدعمها سياسيا وعسكريا ولوجستيا؟  

وهل ستشهد قوات الأسد عمليات اغتيال على مستوى القيادات الرفيعة تماما كما شهدنا في الأسابيع الماضية من عمليات تصفية واغتيال لشخصيات تابعة لإيران وحزب الله؟

المتغيرات الداخلية ضمن صفوف المقاومة الشعبية المسلحة، تنم على تفهم ووعي كامل بالمتغيرات الدولية وأهدافها التي حددت وجهتها  بناء على عاملين أساسيين هما: المصالح الجيواستراتيجية والجيوبولتيكية في المنطقة، وعلى هذا الأساس اتخذت قيادات الحر موقفا صريحا تجاه رغبة المجتمع الدولي ورفضت ما اسمته،"تدوير النفايات" أي إعادة تلميع وفرض شخصيات قيادية سواء أكانت عسكرية أم سياسية كان لها دورها في بناء ودعم مؤسسة الأسد المافياوية - الاستبدادية.

في هذا تحديدا لا بد من أن نذكر أن رؤية المجتمع الدولي التي تختلف مع الحر في هذا وذلك بناء على مجموعة من الاعتبارات أهمها:  

أن معظم الشخصيات القيادية سواء العسكرية أو السياسة التابعة للمعارضة السورية اليوم، كانت جزءا من نظام البعث الذي يقوده الأسد، حتى إن تم انشقاقهم في أثناء الثورة فهذا عمليا لا ينفي واقع خدمتهم مؤسسات الأسد العسكرية والمدنية. وعليه لا يأخذ المجتمع الدولي هذا الرفض بعين الاعتبار كون هذه الشخصيات تملك خبرات قادرة على خدمة العملية السياسية و قيادة البلاد.

كذلك ينظر الغرب إلى أن قيادة الجيش السوري الموحد الذي يطمح إلى تشكيله والذي يضم في صفوفه كل من المقاومة الشعبية المسلحة وما تبقى من جيش الأسد، يجب أن تتولى قيادته، شخصية  عسكرية –سورية- محايدة- لا إسلامية  يمكن التفاهم والتعاون معها دوليا من قبل الأطراف كافة وتمتلك دراية كافية بمداخل وأسرار الهيكلية التنظيمية لمؤسسة الأسد العسكرية، بالمقابل لها اتصالاتها ومؤيدوها داخل المقاومة الشعبية المسلحة.

ذلك بغض النظر عن رؤية الشعب السوري أو قيادات المقاومة الشعبية المسلحة المغيبين بشكل كامل عن غرف صناعة القرار.

الرسالة الثالثة: مصالحنا أولا ودعمكم على قدر طاعتكم لنا

في فيينا تم تحديد الأولويات والتفاهم على مناطق النفوذ وتنسيق الأدوار وتعيين المسؤولين عن تنفيذ كل القرارات المتعلقة بالشأن السوري تماما، كما تمت معالجة نقاط الخلاف أو على الأقل تجميدها.  

وأما الحديث عن تزويد ودعم المقاومة الشعبية المسلحة بمضادات الصواريخ والأسلحة النوعية، فسيحدده عاملان اثنان: أولهما مدى استجابة الفصائل التي سيتم تسليحها مع مقررات فيينا والضمانات التي ستقدمها القيادات قربانا لولائها. (كالتخلي مثلا عن فصائل -مكروهة غربيا - كان لها اليد الطولى في معظم انتصاراتهم؟!).

ثانيهما: الدور الذي يمكن أن تقدمه لاحقا في إنجاح العملية السياسية وفق الشروط الدولية، ومدى فاعليتها في السيطرة على الخطوط الساخنة التي تشهد صراعا مع باقي الأطراف.

ما شهدناه من صراع داخلي بين أطياف المعارضة السورية بمختلف تشكيلاتها العسكرية والسياسية خلال سنوات الصراع، وتعدد الرايات وانعدام التنسيق بين أطيافها، والخلافات القاصمة التي منعت المقاومة الشعبية الحرة من الالتفاف تحت قيادة موحدة، وفشل الجهود المتعددة الداعية للابتعاد عن الفصائلية وتشكيل جيش مقاومة موحد، كانت وما زالت السبب الأول لتغييبها عن غرف صناعة القرار الدولي في ما يتعلق بالشأن السوري الداخلي، وعلى الرغم من أنها ما زالت بالنسبة لأغلبية الشعب السوري صاحبة القرار الفصل في تحديد مصير ومستقبل الصراع في المنطقة، إلا أن المستجدات الأخيرة بما فيها التصعيد الروسي العسكري، وما تنذر به الأوضاع من احتمال تصعيد مشابه من الجانب الأمريكي وتضامن حازم من الطرف السعودي؛ يدفعنا إلى القلق حول مستقبل القيادات النزيهة والحرة في المقاومة الشعبية المسلحة، وخصوصا إذا ما قررت الاستمرار في المواجهة الفصائلية.

اجتماع المقاومة الشعبية المسلحة ضمن جيش واحد، يتبع قيادة موحدة، وله أذرعه السياسية والإعلامية الرسمية اليوم لم يعد حاجة وإنما ضرورة وواجب وطني تحتمه سلامة وأمن المقاومة الشعبية المسلحة بمختلف فصائلها ومكونتها.

ويجب أن نذكر أن استنجاد روسيا بحلفائها إيران والعراق لتدعم نفسها في فيينا مؤشر ضعف وهزيمة وضربها العشوائي للمعارضة الشعبية السورية حيثما وجدت لن يجدي نفعا وهو مؤشر آخر على غموض الرؤيا وضعف البصيرة، حيث افتقر الدب الروسي إلى الحكمة في رسائله، وأفلت من عقاله ليعيث في البلد تخريبا وتدميرا، ولا غرابة في أن نجد قردا فوق أكتافه يلعق العسل الذي يدمر الدب كل شيء ليصل إليه.

لقد بات العالم يتسلى بالدب والقرد في موسكو ونيويورك وجنيف وفيينا، لكن الشعب السوري لا يتسلى وسوف يكون رده مفحما على رسائل استضعفته وغيبته فهو من يقرر و هو من يحسم لأنه مالك الأرض وصاحب الحق الوحيد، ومن لا يصدق فلينتظر: إن غدا لناظره قريب.

اقرأ المزيد
٣١ أكتوبر ٢٠١٥
لا حل مع بوتين

يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن «يتشطر» على السعوديين والأتراك، بتقديم أفكار لحل مستحيل، ظاهره سلمي وباطنه استنساخ النظام نفسه الذي ثار عليه الشعب السوري، ولكن من دون بشار الأسد، وكأن المشكلة هي الأسد!

لا أعتقد بأن بوتين جاهل بالمنطقة وواقع الحال في سورية، إنه يعرف قواعدها جيداً ولكنه يعتمد في مناوراته على حقيقة أنه «قوة عظمى» لا يريد أحد مواجهتها في شكل مباشر، ومستفيد أيضاً من قوى إقليمية كارهة أو خائفة من «قوة التغيير المستمرة» التي أحدثها زلزال الربيع العربي، ومستعدة للقبول بنظام قبيح، بل حتى إيراني الهوى يهدّد الأمن القومي العربي، ولا تقبل بقوة ديموقراطية إسلامية يبدو مجيئها إلى الحكم في دمشق حتمياً حال سقوط النظام.

إنه يستخدم تكتيكاً ميكافيلياً قديماً، تضييع الوقت، باتصالات ومبادرات خاوية، نقاط تسع، بعد جولة مفاوضات تختصر إلى سبع، ثم تزداد واحدة بعد جولة ثالثة وهكذا، بينما تستمر آلة قتله في حربها على الثورة السورية بالتعاون مع شركائه الطائفيين، النظام وإيران والعراق و»حزب الله» في ما اتفق على تسميته «غرفة 4+1» الموجودة في بغداد.

فهو يعلم أن السعوديين والأتراك لن يقبلوا باستمرار بشار، فبقاؤه يعني استمرار الحرب، وانتصاره يعني انتصار إيران، وهم ومعهم قطر لا يريدون الحرب التي تعطّل مصالحهم، تجارة ونفطاً وغازاً، ولا يريدون أيضاً إيران في سورية، وليس هذا بالموقف السياسي التفاوضي، إنه موقف إستراتيجي ثابت لن يتغير.

هو لديه موقف إستراتيجي ثابت، فهو وإيران يعلمان أن لا مستقبل لهما في شرق المتوسط لو انتصرت الثورة السورية، فالشعب السوري وقتها سينظر إليهما مثلما نظرت إيران الخميني إلى الولايات المتحدة، التي حمّلتها كل كوارث إيران منذ ثورة مصدق، والتي لا تقارن بكارثة الشعب السوري نتيجة نصرتهما نظام بشار، وجعلت منها (حتى توقيع اتفاق برنامجها النووي في حزيران - يونيو الماضي) عقيدة سياسية عاشت بها 35 عاماً. الشعب السوري لن يسامح الروس وسيكره الإيرانيين. ربما يحتاجون إلى جيل أو جيلين لتجاوز ذلك.

لذلك هم في حاجة إلى إعادة إنتاج نظام «آل الأسد» ليحكم سورية مستقبلاً، نظام طائفي غير ديموقراطي وقمعي، ولكن من دون «آل الأسد»، إلا أن إعادة ترتيب النظام من جديد غير ممكنة في ستة أشهر مثلاً أو حتى عام، مثلما يصرّ السعوديون عندما يقولون للروس إن أقصى تعريف ممكن لمفهوم «مرحلة انتقالية» هو ستة أشهر، فترة «استلام وتسليم». الروس يريدون لبشار أن يكمل مدته الرئاسية المفترضة، أي إلى عام 2021، ثم تظاهروا بإبداء بعض اللين وتحدثوا عن سنوات أقل يتفق عليها الشعب السوري بعد المصالحة التي يقترحونها بين النظام والمعارضة!

يعلم بوتين أن من المستحيل الجمع بين مقاتلي المعارضة، الذين يفضّلون تسمية «المجاهدين» على الثوار، مع جيش النظام، كما اقترح وزير خارجيته لافروف في مشروعه للمرحلة الانتقالية، ولكي يزيد من رونق اقتراحه الغريب يقول: إن ذلك نواة لجيش وطني يحارب الإرهاب! لقد توقف الروس عن استخدام مسمى «داعش» إذ إن استهدافهم كل فصائل الثورة كذّب مقولتهم الأولى إنهم أتوا للقضاء على «داعش»، الذي توسّع في مناطق المعارضة بفضل قصفهم.

فكيف يمكن أن يجلس زعيم حركة «أحرار الشام» المهندس الشاب مهند المصري بخلفيته الإسلامية السلفية وتطلعه إلى بناء سورية تشاركية، ولكن تحكم بالشريعة، مع بعثي عتيق كرئيس الاستخبارات وسجّانه السابق اللواء علي مملوك، مسافة زمنية هائلة بين الإثنين لن يردمها غير الدم، لذلك استحدث الروس فكرة جديدة وحاولوا تسويقها على السعوديين والأتراك في فيينا، تقول بـ «محاربة من يرفض اتفاق السلام بعد التوصل إليه». الغريب أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري وقع في فخ هذا العرض وكرّره في مؤتمر صحافي، إنه الوزير نفسه الذي وقع في فخّ الروس بتجريد بشار من الأسلحة الكيماوية في أيلول (سبتمبر) 2013 في مقابل عدم شنّ هجوم صاروخي أميركي وافق عليه الرئيس أوباما بتردد شديد، فما أن سمع من كيري بالعرض الروسي حتى تراجع عن التزامه وخطّه الأحمر ليُمد في عمر بشار إلى يومنا هذا.

لذلك أستبعد أن تسفر كل هذه الاتصالات والاجتماعات عن حل. يجب أن يشعر الروس بمرارة وألم دخولهم سورية أولاً، لكي يتعاملوا مع الوضع بجدية أكثر، فلن يخرج أي مسؤول سعودي ويصرّح في مؤتمر صحافي عن أعداد الصواريخ المضادة للدبابات التي وصلت إلى الثوار بتمويل سعودي أو قطري، أو يتحدث عن نياتها في تسليح المعارضة بصواريخ أرض جو، ولكنها في الغالب تفعل كل ذلك مع حليفتيها قطر وتركيا.

الموقف السعودي يختصر في الجملة التالية: لا مكان لإيران في سورية، أعطوني حلاً يخرج إيران وميليشياتها ثم نتحدث، ولن تصدق الروس ومن يروّج لهم أنهم جاؤوا لكي يخرجوا إيران من سورية، فالحشد الإيراني يزداد، وما ارتفاع عدد قتلاهم هناك إلا نتيجة ارتفاع تعداد قواتهم ومشاركتهم المباشرة في الحرب، إذ لا يعقل أن يترك الإيرانيون سورية «جوهرة تاجهم» ودليل انتصارهم على التاريخ، بعدما ينتصرون للسيد بوتين وقواعده شرق المتوسط.

إنهم جميعاً شركاء ضد الشعب السوري، ونحن شركاء مع الشعب السوري.

اقرأ المزيد
٣١ أكتوبر ٢٠١٥
فقط في سورية

يدفع الشعب السوري في حالة الحرب المعقدة في بلاده، منفرداً، الفاتورة كاملة من دمائه وتاريخه ومستقبله أيضاً. يعيش السوريون أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث، بينما يمارس المجتمع الدولي، ببلادة لا توصف، حالة استعصاء سياسية على مستوى الحل، لا يمكن إيجاد وصف مناسب لأبعادها، لأنها بلغت حالة من الاستهتار بحياة البشر وبمصير وطن كامل، من حيث الديموغرافيا والجغرافيا وحقوق الإنسان، فيما ينعكس تبعا لذلك على الحضارة الإنسانية وتاريخ الشعوب بكاملها، وليس فقط على سورية، ويصب في ترسيخ ثقافة جديدة في عدم احترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، بل ومنظومة الأمم المتحدة باتفاقياتها وعهودها التأسيسية بشكل فاضح.

يعيش نصف شعب بكامله حالة التشرد والنزوح، ويقضي عشرات السوريين يومياً بنيران من بنادق متعددة وبجنسيات متنوعة. حرب عالمية ثالثة أقل ما يمكن أن يقال عما يجري في سورية اليوم. ولكن، وبعكس كل التجارب السابقة، تقاد هذه الحرب على أساس أن الدول المشاركة لن تتكلف أي نفقة بشرية، وسيكون وقودها كاملاً الشعب السوري بكل مكوناته وميوله السياسية وانتماءاته القومية والمذهبية، بحيث لن تكون سورية كما كانت إذا لم يتوقف كل هذا الجنون المستعر على أرضنا، وان لم تتنبه كل القوى السورية الفاعلة في سورية إلى خطورة المرحلة وتجلياتها المستقبلية على الشعب السوري.
تجتمع في سورية، اليوم، كل حثالات الكرة الأرضية من القوى المتطرفة من جهة ودكتاتوريات العالم من جهة أخرى، ويدير الصراع من بعيد بقية المجتمع الدولي، بسلبية الموقف تارة والتدخل المباشر تارة أخرى. وأمام الحالة السورية، يعجز كل المحللين والمفكرين عن استنباط العبر والتنبؤ بالمستقبل، لكنهم يجمعون على سوء الحال التي وصلنا إليها وتعقيدها.
تتجلى الخيانة بأبشع صورها في مشهد من الكوميديا السوداء، حيث يتحالف الروس والإيرانيون والإسرائيليون، وينسقون الحركة الجوية لعبور القصف اليومي في سورية، بينما تقصف قوى التحالف، من طرف آخر، مواقع لداعش، بينما يتمدد التنظيم الإرهابي، ويقوى بدل أن يضعف.
باتت المعارضة السياسية السورية منابر إعلامية لإصدار البيانات الإعلامية، وبات النظام، بمجموعاته الإرهابية على الأرض، مليشيا مقاتلة لا أكثر على الأرض السورية.
تتصارع القوى المتحالفة لإدارة الصراع بما يتبعها من قوى مسلحة على الأرض، ويتابع
"أعطت التجربة في سورية كرتا أخضر، لكل دكتاتوريات العالم، قالت لهم، بكل وضوح، افعلوا ما شئتم"
الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قلقه العميق، بينما تخرج كل منظمات حقوق الإنسان في العالم بتقاريرها الموصفة والمدينة، من دون أي جدوى ملموسة على صعيد الإدانة أو المحاكمة، بسبب منظومةٍ أثبتت فشلها تسمى الأمم المتحدة، وتتمثل بحق الفيتو الذي تتناوب الدول الكبرى استعماله، فيما يتناسب مع أجنداتها ومواقفها السياسية، في تكريس فعلي لدكتاتورية مشرعة ومعاكسة لفكرة حفظ الأمن والسلم العالميين، واحترم حقوق الإنسان في العالم. وتعرّى العالم أمام المشهد السوري، وتعرّت السياسة، وماتت كل المواثيق الدولية.
وعلى أقدام الأطفال السوريين الغارقين في البحر، يلفظ الضمير العالمي أنفاسه الأخيرة، ونتشارك الدموع بشراً لا حول لنا ولا قوة، من دون أي جدوى من ذلك البكاء كله.
وحدها براميل الموت وسكاكين الذباحين هي الحقيقة المنتصرة ضمن كل هذا الجنون، وحدها لغة العنف تلك التي تنمو وتزدهر فوق دماء الأبرياء وفي الإعلام، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.
استنهضت الحرب في سورية كل مسوخ التاريخ، وأعادت إلى المشهد، وعبر الأقمار الصناعية، مشاهد كنا نظنها انتهت في غياهب التاريخ الأسود للشعوب، ليحضر أمام أعيننا سوق النخاسة من جديد، ونشاهد بعيوننا كيف يذبح الناس، ويقطعون ويصلبون.
نعم، فضحت سورية العالم، فضحتنا كبشر، ووضعتنا أمام مرآة أنفسنا، ونحن السوريون المذبوحون نمعن، في أحرج لحظات تاريخنا، في تبادل التهم والتشتت والغرق في الخوف المبرر بكذبة الولاء أو المصلحة والولاء للدكتاتور، وتكريس خطاب الكراهية كل للآخر. ويحتاج العالم أن يستفيق، ليس من أجل سورية فقط، بل من أجل جيله المقبل الذي بدأ يتلقى الدروس والعبر التي تكرس ثقافة العنف والعنصرية، ثقافة الموت والغضب، ثقافة الإنكار والأنانية.
أعطت التجربة في سورية كرتا أخضر، لكل دكتاتوريات العالم، قالت لهم، بكل وضوح، افعلوا ما شئتم، وبتحالفكم مع قوى الشر، واستعمال دقيق للقمع والتهديد بالإرهاب، وبإمساككم بملفات حساسة في مناطقكم، ستهزمون شعوبكم والعالم والمنظومة الدولية بكاملها.
آن الأوان ليقظة الضمير العالمي. آن الأوان لاستبدال ثقافة الكراهية بثقافة الإنسانية والمحبة. آن الأوان لمراجعة كل شيء، العقائد والتربية والنظريات في علم الاجتماع والسياسة والعلاقات الدولية.
على مذبح سورية سقط العالم. وعلى أقدام أطفالها المقتولين بكل طرق الموت، يبكي السوريون وحدهم، وتمشي في جنازتهم كل حكومات العالم، بدم بارد.

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٥
تفاهمات فيينا قد تفضي إلى جديد في المسيرة السورية


ملفت تزامن التحرك قدماً نحو حلول سياسية في سورية واليمن معاً والمتمثل في جزء منه بالموافقة السعودية على المشاركة الإيرانية للمرة الأولى في مؤتمر دولي حول سورية وبإعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن الحرب في اليمن قد تنتهي «قريباً» بعدما قبل الحوثيون وعلي عبدالله صالح القرار 2216 والدخول في محادثات للأمم المتحدة على أساس ذلك القرار وبعد «المكاسب» الميدانية في الحرب التي يخوضها التحالف العربي بقيادة سعودية. لا بد من أن واشنطن وموسكو لعبتا أدواراً وراء الكواليس لاحتواء التصعيد العلني الأخير بين السعودية وإيران والبحث عن أرضية مشتركة وإجراءات ثقة بين البلدين المهمين. العنوان السوري بمفرده ليس كافياً للرياض لاختبار نيات طهران، بل إن الاختبار الأول وربما الأسهل يكمن في اليمن حيث الأصابع الإيرانية ممتدة عبر الحوثيين على الحدود السعودية - اليمنية. فجأة، وفي خضم التصعيد السعودي - الإيراني، يحدث الاختراق في الملفين السوري واليمني وخلال الأيام القليلة الماضية والمتمثل في تصريحات الجبير عن اليمن في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند من جهة، وفي انعقاد اجتماع فيينا المخصص لمناقشة سبل تسوية الأزمة السورية والذي يجمع، للمرة الأولى، السعودية وإيران وجهاً لوجه لبحث المسألة السورية اليوم الجمعة. اجتماع فيينا سيضم، إضافة الى الرباعي الأميركي، الروسي، السعودي، التركي، كلاً من إيران ومصر والأردن ولبنان ومسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ودولاً أوروبية معنية بالملف السوري مثل فرنسا. فإذا كان أحد أهداف اجتماع فيينا دفع الأطراف الى إثبات حسن النيات نحو المنطقة العربية، تبدو اليمن حلقة أسهل لاختبار النيات الإيرانية. لكن لبنان قد يكون أفضل الساحات وأكثرها جاهزية لإثبات حسن النيات الإيرانية والسعودية والروسية والأميركية والتركية والمصرية والأوروبية، وذلك عبر المصارحة بأن قرار عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية إقليمي وأن الوقت حان للتوافق الدولي على إنقاذ لبنان من الفراغ وإثبات حسن النيات. فسورية هي عنوان اجتماع فيينا، لكن الطريق إلى التسوية السياسية ما زال طويلاً وهناك حاجة إلى بناء الثقة بين جميع الأطراف المعنية بمستقبل سورية ومستقبل الأدوار الدولية في الشرق الأوسط الذي تُرسَم معالمه الجديدة. اليوم، إن ما يجري هو تكثيف الحرب الأميركية على «داعش» في العراق والحرب الروسية على «داعش» في سورية بتوافق وتنسيق بين موسكو وواشنطن وبتحالفات متنوعة تتداخل فيها اعتبارات تركية مختلفة عن سابقاتها، وغايات إيرانية ما زالت قيد الفرز والتجاذبات الداخلية، وموازين للقوى لها وطأة، ربما، على العلاقات الإسرائيلية - العربية وعلى موقع مصر في موازين القوى الإقليمية. فالشرق الأوسط القديم، كما أبلغنا مديرا الاستخبارات الأميركية والفرنسية قد «انتهى». والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذرنا من أن «الشرق الأوسط أصبح مركزاً لتصدير الإرهابيين».

المفيد في ما قاله بوتين هو أن «أي دولة في العالم لا تستطيع مواجهة الإرهاب وحدها، لذا لا يمكن لدولنا أن تتطور بلا تنسيق فاعل لعمل أجهزة الاستخبارات». أي، إن بوتين اتخذ قرار التكاتف الاستخباري والعسكري في الحرب على الإرهاب في عقر الدار العربية في الشرق الأوسط التي يعتبرها «مركزاً لتصدير الإرهاب»، ولن يتفرد بقيادة تلك الحرب لأن ذلك سيكون مكلفاً له في عقر داره الروسية وجيرته المسلمة في الجمهوريات الخمس التي تطوّقه.

ما لم يقله فلاديمير بوتين هو أنه الوجه الآخر للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش الذي وصف حربه في العراق بأنها الحرب على الإرهاب بعيداً من المدن الأميركية. بوتين يخوض حربه على الإرهاب بعيداً من المدن الروسية في بلد عربي آخر هو سورية. ما تجاهله بوش ويتجاهله بوتين هو أنهما ساهما جذرياً في تغذية الإرهاب وفي استيراده وتصديره معاً إلى العراق وسورية عبر حروبهما المباشرة وبالنيابة. كلاهما قلّص واختزل العراق وسورية إلى إرهاب وكلاهما لم يرفّ له جفن وهو يعدّ مئات ألوف الضحايا من العراق وسورية طالما أن حربه على الإرهاب بعيدة من مدنه لا تكلّفه سوى أرواح الآخرين. والرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما يشبههما كثيراً في هذا الصدد.

بالأمس القريب حمى الأميركيون والسعوديون والباكستانيون الجهاديين في أفغانستان لإسقاط الاتحاد السوفياتي، وأفلحوا. لكن السّكين ارتد عليهم وأتى إرهاب 9/11 ليطعن فيهم جميعاً في شكل أو آخر. أما روسيا فإن بغضها لأولئك الجهاديين الذين كانوا أداة إسقاط الاتحاد السوفياتي بغض عميق وهي تجد اليوم اللحظة المواتية للانتقام. فموسكو تكنّ أعمق الكراهية للإسلام الجهادي والإسلام السياسي، ولن تتراجع عنها مهما كان. ولذلك أعلن بوتين مركزية التنسيق الفاعل لعمل أجهزة الاستخبارات عالمياً أثناء مخاطبته اجتماع رؤساء استخبارات الدول المستقلة في موسكو.

أثناء مؤتمر متزامن حول الاستخبارات عُقِدَ في واشنطن أول أمس، أعلن مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه أن «الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة» مؤكداً أن دولاً مثل العراق وسورية لن تستعيد حدودها السابقة أبداً. قال: «نحن نرى أن سورية مقسّمة على الأرض، النظام لا يسيطر إلا على جزء صغير من البلد: ثلث البلد الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. الشمال يسيطر عليه الأكراد، ولدينا في الوسط هذه المنطقة التي يسيطر عليها داعش». أكد أن «الأمر ذاته ينطبق على العراق». وأضاف: «لا أعتقد بأن هناك إمكانية للعودة الى الوضع السابق». وعلى رغم إعرابه عن «ثقته» بأن المنطقة «ستستقر مجدداً» في المستقبل، إنما لم يعرف وفق أي خطوط مؤكداً أنها ستكون حتماً مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية.

نظيره مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، جون برينان قال إنه عندما ينظر إلى الدمار في سورية وليبيا والعراق واليمن «يصعب عليّ أن أتخيل وجود حكومة مركزية على هذه الحدود التي رُسِمَت بعد الحرب العالمية الثانية».

هذا ما يتحدث به رؤساء ومديرو الاستخبارات علناً هذه الأيام. ما يرسمونه خلف الأبواب المغلقة أمر آخر قد لا نطّلع عليه إلا بعد استكمال الحروب الميدانية والمزيد من سفك الدماء. فحتى مع اجتماعات السياسيين المبشّرة باحتمال التوصل إلى تفاهمات سياسية وانفراجات، يتفاقم التصعيد العسكري ميدانياً ليسبق الصفقات ولتكون نتائجه أوراق مفاوضات.

ما يتردد هو أن البرنامج الزمني الذي تتحدث به روسيا والآخرون في ما يتعلق بسورية يقع بين 18 و24 شهراً وذلك بناء على تقديرات ما يتطلبه الميدان العسكري لسحق «داعش» و «جبهة النصرة» وغيرهما من المنظمات التي تعتبرها روسيا إرهابية. ووفق المصادر، هذا ما طلبه الروس لإتمام المهمة العسكرية، وعليه، إن الحل السياسي الذي سيرافق الميدان العسكري يقع في الإطار الزمني نفسه إلى حد كبير.

وضمن ما يتم البحث فيه في اجتماعات مثل فيينا الأولى - وربما الثانية - وما سبقهما من اجتماعات تحضيرية تصاعدت في نيويورك على هامش الجمعية العامة، هو شكل وتشكيل النظام في دمشق كأولوية على موعد رحيل بشار الأسد أو كيفية مغادرته، سلماً بتسوية، أو سواها. فشكل النظام السياسي الجديد يقتضي الأخذ في الاعتبار أن الأكثرية السورية سنّية إنما الحلول المعقولة لا يمكن أن تسمح بهيمنة سنّية وإقصاء للأقليات، بما فيها العلويون.

وبالتالي، يتحدثون عن أسماء أشخاص مؤهلين لتولي منصب رئيس حكومة قوي سنّي، بصلاحيات موسّعة فيما تبقى الرئاسة لعلوي، وهذا جزء مما يُسمى «طائف» لبنان. يتحدثون عن تأهيل قوة سنّية في سورية، وليس فقط عن «تأهيل قوة سنّية» في العراق. وبعضهم يتحدث عن «الجيش الحر» كاحتمال وارد في هذا الإطار، ولذلك يتم تدريبه وتسليحه ودعمه أميركياً.

ووفق المصادر، إن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز تحدث مع الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تقوية «الجيش الحر» بسلاح متطوّر كي يكون القوة السنّية المؤهلة، لا سيما أن الجيش السوري الجديد لن يكون تحت هيمنة علوية كما كان وإنما المرجو أن يكون جيشاً لا يعتمد الإقصاء.

هذه التفاصيل الدقيقة قد لا تُبحَث في الاجتماع الوزاري في جنيف الذي انطلق باجتماع ثانٍ للرباعي الأميركي/ الروسي/ السعودي/ التركي قبل أن يتوسع الاجتماع ليضم وزراء الخارجية الإيراني والمصري واللبناني والأردني والعراقي ووزراء أوروبيين. ما أُطلق عليه اجتماع اختبار النيات الإيرانية والروسية في شأن سورية، كما قال عادل الجبير، لن ينتهي بإعلانات تشكّل اختراقات نوعية في المواقف الروسية أو الإيرانية. إنها «عملية»، والعملية تتطلب الاجتماعات المتتالية.

وزير الخارجية الألماني تعمَّد لجم التوقعات من اختراق في محادثات فيينا فيما أعلن نظيره الفرنسي التوجّه مع «حلفائنا» العرب إلى فيينا بطلب تحديد «موعد محدد» لرحيل الأسد مع تعريف وسيلة رحيله. المشكلة تنطلق من هوّة واسعة بين الموقف الروسي القائل إن حكومة بشار الأسد هي الحكومة الشرعية وتدعمه إيران في ذلك، وبين الموقف السعودي والفرنسي الذي يعتبر أن الأسد فقد الشرعية وتدعمهما واشنطن في ذلك لفظياً وليس فعلياً بسبب الاتفاق الكيماوي.

الهوّة الأخرى المهمة هي مسألة المرجعية في المحادثات في شأن سورية. فإذا وافقت الدول الأربع على توسيع حلقة المحادثات لتشمل إيران، على أساس أية مرجعية يأتي الوزير محمد جواد ظريف إلى الطاولة؟ فإذا تمّ تغييب إعلان جنيف - 1 كمرجعية، ما هي المرجعية الجديدة البديلة عن «هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة»، كما نصّ جنيف؟ وإذا تنازلت الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وأوروبا عن الإصرار لدى روسيا على إيضاح قبول طهران بمرجعية جنيف - 1 قبل حضورها اجتماع فيينا، ماذا حصلت عليه هذه الدول في المقابل؟

الأرجح أنه تم تعويم مرجعية جنيف كأمر واقع كي لا تكون العرقلة أمام جلوس إيران على طاولة المفاوضات حول مستقبل سورية. هذا يشكل تنازلاً آخر أمام الثنائي الروسي - الإيراني في الشأن السوري، لا بد من أن تكون وراءه تفاهمات غير مُعلَنة، أو، أقله لا بد من أن يكون استحق الاستثمار لأن فوائده آتية.

فالعلاقات الروسية - الخليجية ماضية إلى الأمام بصورة إيجابية والحديث مستمر بين العاهل السعودي والرئيس الروسي مع احتمال زيارة للملك سلمان إلى موسكو في الأشهر المقبلة. والعلاقات الروسية - المصرية تتقدم ليس في مجال شراء السلاح فحسب، وإنما في العمل معاً على كيفية الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية علماً أن مصر منفتحة على النظام في دمشق وكذلك على المعارضة. يضاف إلى ذلك القاسم المشترك المهم بين روسيا ومصر وهو الكراهية المشتركة لـ «الإخوان المسلمين» أينما كانوا. إنما مجرد التحاق مصر بعد جلوس تركيا على الطاولة السورية معاً مع السعودية وروسيا والولايات المتحدة، له دلالات مهمة لأن مصر تأتي إلى الطاولة معاً مع إيران والعراق والأردن ولبنان. فاكتملت الطاولة، أقله في هذه الجولة.

تفاهمات فيينا قد تفضي إلى جديد نوعيّ في المسيرة السورية، وقد تنتهي بخيبة أمل إذا أساء أحد المشاركين فيها فهم الآخر بجدية. والمطروح في فيينا، عملياً، ليس سورية وحدها وإنما أيضاً العراق في إطار الحرب على الإرهاب والترتيبات الإقليمية والدولية في البلدين. لكن اليمن يبقى إبرة بوصلة مهمة لرصد التفاهمات أو المواجهات. أما لبنان فإنه فرصة جيدة لإثبات حسن النيات وبناء جسور ثقة تحتاجها جداً العلاقات السعودية - الإيرانية والعلاقات الخليجية - الروسية والأميركية - الخليجية.

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٥
الأسد.. بروفة الخروج الأخير

 بعد أقل من شهر على بدء تدخلها العسكري في سوريا، بدأت موسكو بطرح أوراقها على الطاولة لاستقدام عروض التفاوض التي افتتحتها باستدعاء رأس النظام، وبشكل مفاجئ، إلى مقر الكرملين للتباحث معه في الخيارات المتاحة.

كان المشهد أقرب ما يكون إلى توجيه تعليمات منه إلى لقاء بين رئيسين، ويبدو أن موسكو كانت حريصة على إظهاره بهذه الصورة كي توجه رسالة إلى الأطراف المنشغلة بالشأن السوري إلى أنها تمتلك خيوط اللعبة، خاصة وأن طائراتها باتت تتسيد المجال الجوي السوري دون منافس من الأطراف المؤثرة التي أبدت تخوفها من أن يؤدي التدخل الروسي إلى تفاقم الأوضاع.

وبعد يومين من لقاء فلاديمير بوتين ببشار الأسد التحق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باجتماع رباعي في العاصمة النمساوية فيينا ضمه إلى جانب كل من وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وتركيا. وقد حمل لافروف إلى الاجتماع ما قيل إنه مبادرة روسية للحل بدت أكثر مرونة من المواقف الروسية المتشددة السابقة التي كانت تصدر عن المسؤولين الروس، والتي كانت تضاف عليها الكثير من الزيادات حين يرددها أحد مسؤولي النظام، من تشديد على أن الموقف الروسي الداعم لنظام دمشق لم ولن يتبدل وهو ثابت ولا يمكن أن يخضع لشروط التفاوض أبدا، وأما تفاصيل المبادرة التي تم تسريبها فيما بعد فهي تعتبر الأسد واحدا من أوراق كثيرة يتم التباحث بشأنها، ولا تبدو الإدارة الروسية مصرة على بقائه أو متمسكة به، بل إنها قد تقبل بألا يكون مترشحا للسلطة في حال تم الاتفاق على البنود الباقية.

وبهذا فهي تسقطه من معادلتها، وتنتقل إلى تفاصيل أخرى تبدو مهتمة بها أكثر ومن بينها الحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا بعد رحيل الأسد، وهي تشترط ضمانة أممية لبقاء تلك القواعد، وتعتبر موسكو أن إشراك الجيش الحر الذي أنكرت وجوده أول الأمر، هو جزء أساسي من أجل إرساء عملية سياسية قادرة على الصمود والانتقال بعد ذلك لمحاربة التنظيمات الإرهابية، التي تنظر إليها موسكو، شأنها شأن واشنطن، على أنها خطر مستقبلي قد يطيح بأي جهود لإعادة الهدوء لا في سوريا بل في عموم المنطقة.

عند هذه النقطة، أي نقطة الجيش الحر، تبدو موسكو وكأنها ضربت عرض الحائط بكل ما روج له النظام على مدى قرابة أربع سنوات حول الجيش الحر الذي اعتبره تنظيما إرهابيا وتنبغي محاربته، فيما كانت ترى الكثير من الدول المعنية بالملف السوري، الرياض على وجه الخصوص، أنه لابد من دعم الجيش الحر لأنه الوحيد القادر على محاربة التنظيمات المتطرفة، بالإضافة إلى لجم غطرسة الميليشيات الطائفية الإيرانية التي أغفلها المفاوض الروسي من أجندته، فيما هي تشكل رأس أفعى تسعى لتنفيذ أجندة إيرانية، لم تنكرها طهران.

وإن كانت موسكو مضطرة للتفاوض لإدراكها أن الورطة السورية ليست نزهة، فإنها لابد أن تقدم تنازلات تلبي اشتراطات الآخرين الذين يوافقونها الرأي على أنه لابد من محاربة الإرهاب والقضاء عليه، لكن أولاً يجب التخلص من السبب الرئيس الذي كان وراء جعل الساحة السورية مرتعاً لكافة الجماعات الإرهابية، والمقصود هنا نظام دمشق بطبيعة الحال. وهو الأمر الذي لم تكن موسكو راغبة في رؤيته، لكنها مضطرة للتعامل مع هذا الواقع، وإبعاد الأسد شيئا فشيئا عن المشهد كي تخرج بنتيجة من هذه المفاوضات.

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٥
الشعب السوري بين الدب الروسي والفخ

خلال الأسبوع المنصرم، صرح ديمتري مدفيديف، رئيس الوزراء الروسي، أن التدخل العسكري الروسي في سوريا ليس لحماية نظام بشار الأسد من السقوط بل لحماية المصالح الروسية في المنطقة. وهذا صحيح إذ لم تدعم السلطات الروسية، هذا النظام دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا، لولا أنه يمثل الجهة الوحيدة التي لا يمكنها التنصل من التزاماتها تجاه الإمبريالية الروسية.

غير أن ما عجّل من هذا التدخل وبشكل واسع هو انعدام قدرة هذا النظام على الاستمرار نتيجة تفكك قواته وتراجع إمكانياتها على المواجهة، وكذلك فشل حزب الله والحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له في حماية هذا النظام من السقوط. من هنا يعتبر القادة الروس أن الحضور العسكري الكثيف يمكن أن يكون الضمانة الأكيدة لتلك المصالح. فكان توسيع قاعدة طرطوس البحرية واتخاذ مطار حميحيم الذي تم تطويره وتجهيزه ليكون قاعدة برية وجوية روسية على مقربة من اللاذقية.

يحاول الرئيس الروسي الإمساك بقوة بكافة خيوط اللعبة في مغامرته السورية. ويبدو أنه مستعجل للإمساك بالخيوط الدبلوماسية لفرض وقائع سياسية على باقي اللاعبين الإقليميين والدوليين يصعب تجاوزها لاحقا، لأنه يتحسس، ربما، أن المغامرة العسكرية التي تورط فيها لن تخدم طويلا مشاريعه السياسية. فها هو يستدعي بشار الأسد في رحلة مهينة إلى موسكو ليقول لباقي قوى الهيمنة إن الأسد بات ورقة في يده، وإن أي مساومات تستهدف رأس النظام في سوريا يجب أن تمر في موسكو. ويتبع هذا الاستدعاء بحملة اتصالات واسعة مع حكومات المنطقة ورؤساء دولها.

وفي الوقت الذي يفرض على السوريين ركوب مخاطر البحار التي ابتلعت منهم أعدادا متزايدة، بعد أن شعروا أن صبرهم على المعاناة بات مستحيلا وأن رهانات المعارضة السورية على أدوار الخارج الإقليمي والدولي، ومنه ما سمي أصدقاء الشعب السوري، قد سقطت بالكامل، ينأى هؤلاء “الأصدقاء” ليفسحوا للدب الروسي استباحة الساحة السورية وتهشيم كل المعادلات السابقة ليرسم بالسوخوي والصواريخ الفراغية معادلات جديدة تخدم مصالحه الإمبريالية في المنطقة والعالم. هؤلاء الأصدقاء الذين يعودون اليوم ليتبنوا التفسير الروسي لورقة جنيف1 (بقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية) ومطالب نظام الأسد نفسه خلال جنيف2 (محاربة الإرهاب أولا).

دخل الروس إلى سوريا من بوابة الحرب على الإرهاب التي فتحتها الولايات المتحدة، فجيشت تحالفا دوليا من عشرات الدول التي أرسلت قواتها الجوية لتضرب تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. هذه الضربات لم تمنع هذا التنظيم من التوسع ولم تحد من قدرته على الحشد والتسلح وارتكاب المجازر بحق الشعبين السوري والعراقي. ولكن الروس بدأوا بشن هجماتهم على مناطق سيطرة المعارضة السورية التي تقاتل داعش وتتعرض لهجمات متكررة منه، معتبرة أن كل جهة تعارض النظام هي جهة إرهابية.

وإذا كان الرئيس الروسي قد استغل انشغال الأوروبيين بأزمة اللاجئين، واعتبر ذلك فرصة للتدخل العسكري، فإن سير المعارك تحت الغطاء الجوي الروسي لا ينبئ بكسر التوازن القائم لصالح قوات النظام وحلفائها من حزب الله والحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له. وكان أول الغيث مجزرة الدبابات في إدلب والتي أتت على عشرات الدبابات والآليات التابعة لقوات النظام، وليس آخره نعي حزب الله يوم الأحد 25 أكتوبر ثمانية من مقاتليه سقطوا في معارك سهل الغاب، في مواجهة الجيش السوري الحر، الذي أنكر وزير الخارجية الروسي وجوده في بادئ الأمر، ليعود بعد لقاء فيينا الرباعي الجمعة الماضي فيطرح استعداد بلاده تأمين غطاء جوي له في مواجهة داعش.

لكن رد الجيش السوري الحر على مناورات لافروف كان واضحا: من يقترح تأمين الدعم للجيش الحر عليه أن يوقف غاراته الجوية عليه، حيث تؤكد كل الدلائل أن أكثر من 80 بالمئة من هجمات الطيران الحربي الروسي تضرب مناطق سيطرة الجيش الحر لتصيب مواقعه ومنازل المدنيين من أبناء تلك المناطق.

يحاول بوتين استعجال الاستثمار في تدخله العسكري من خلال تكثيف الاتصالات الدبلوماسية وطرح المبادرات التي تحقق أهداف التدخل العسكري في أقرب فرصة، مستغلا ما يعتبره مفاجأة الجميع بهذا التدخل قبل أن يبهت ويظهر ضآلة قدرته على تحقيق خروقات حقيقية على الأرض.

إذا كانت القاعدة تقول ألا حياء في السياسة، فإن القضية ترد على السقوط الأخلاقي المدوي: كل مبادرة لا تشمل تهيئة الشروط الضرورية لعودة النازحين واللاجئين، بما فيها إسقاط الأسد وحل أجهزته هي مبادرة معادية وجب إسقاطها.

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٥
الدب السوري والسمسار الروسي

ينشغل الإعلام العالمي والأوساط السياسية حتى اليوم بزيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى موسكو، وهذا أمر عادي أمام حدث من هذا العيار. ولكن، أن ينتشي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويتعاطى مع الحدث بوصفه إنجازاً تاريخياً، فهذا يستحق أكثر من الاستنكار. ولكي يكون المرء قادراً على اعتبار ما حصل أمراً عادياً خارج عالم الصفقات القذرة، يجب أن يمتلك القدرة على المرور قرب المأساة السورية بلا اكتراث، ولا يقيم أي وزن للأخلاق، ففي الليلة التي كان الروس فيها ينقلون الأسد إلى موسكو، من مطار عسكري قرب مدينة اللاذقية، كانت غارات طيرانهم الحربي التي تنطلق من المطار نفسه قد قتلت من الشعب السوري أكثر من ألف مدني في غضون أسبوعين، أغلبهم من الأطفال والنساء، من المفترض أنهم جزء من شعب الأسد في سورية الأسد، إلا أن الأسد كان على قدر من الكلبية ليبدو أنه غير معني بهؤلاء، فهو نتاج تربية عائلية، لا تسمح له بأن يرى من سورية غير نفسه في الحكم، مهما كان الثمن. ولذلك، ذهب إلى بوتين في موسكو، ظناً منه أنه سيظفر بآخر طوق نجاة، بعد أن رقص على الحبال كافة، ولم يتمكن من الانتصار على الثورة السورية.
لم يوفر الأسد طوال أربع سنوات وسيلة للبقاء في الحكم، وقد ظن، في بداية الثورة، أن إيران وحزب الله سيمكّنانه من القضاء على الثورة بسرعة، وتأمين حكمه في صورة نهائية. ولذا، سلم أمره لهما، فكانت النتيجة خسارة له ولحلفائه. وفي لحظةٍ حرجة، وقبل انهيار نظامه، لجأ إلى الروس، ووضع أوراقه كاملة فوق طاولة بوتين الذي قبل الدخول إلى اللعبة بشرط أن تتولى موسكو إدارة الملف السوري حصرياً، وتصبح الوصية على مصير الأسد.
ومن دون شك، تبقى الكذبة الكبرى أن الروس أخرجوا الأسد من دمشق، ليوجهوا رسالة للعالم بأنهم يتمسكون به، وهم يقاتلون في سورية من أجل بناء دولة تعددية علمانية. ينبغي أن يكون المرء مغفلاً، لكي يصدق هذه البدعة. ولنفترض أن الأمر على هذا النحو. إذن، لماذا عاملت موسكو الأسد بامتهان شديد؟ ومن يتأمل الصور التي سرّبها الروس عن بعض جوانب اللقاء بين بوتين والأسد، ويتفحص لغة الجسد في الحركات والأحاديث وتعابير الوجوه، يقع على مشاهد امتهان وقسوة من طرف بوتين ووضاعة ووغدنة من جانب الأسد.
بقي من مفاعيل الزيارة سؤال واحد، يتردد في اللقاءات الدولية التي تلتها، يتعلق بمدى تمسك موسكو بالأسد. ومنذ ذلك الحين، تسربت عدة روايات، جزم بعضها بأن موسكو أبلغت واشنطن بأنها حصلت على تعهد من الأسد بمغادرة الحكم. وبعض آخر تحدث عن رفض موسكو تقديم تعهدات بالضغط على الأسد، من أجل الخروج من المشهد. وعلى الرغم من الغموض غير البناء، فإن الثابت هنا أن موسكو تفاوض على جلد الأسد، فهو، في حساباتها، وقع في الفخ من تلقاء نفسه، لكنها لن تبيع هذه الورقة بأي ثمن، وهي تعمل على المستويين، الميداني والسياسي، لاستثمارها، لأن دخول روسيا إلى سورية غيّر من المعادلة، وبات الروس يتعاطون مع بقية الأطراف على أساس أنهم من يمسكون بمفاتيح الحل. ولكن، في حقيقة الأمر، لا تملك موسكو سوى جلد الدب السوري، لأنها، ببساطة، ليست هي الطرف المقرّر على الأرض السورية. ولهذا، تحاول، بعد شهر من تدخلها، مهادنة المعارضة السورية المسلحة الوازنة ميدانياً بعد أن فشلت في ضربها.
في معادلة بوتين والأسد، يصح الإسقاط على السمسار الروسي، الذي ينتظر الثمن المناسب لجلد الدب السوري.

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٥
بوتين يريد حصة الأسد

بعد أربع سنوات، وصلت روسيا أخيراً إلى الربيع العربي الذي حرك المنطقة العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الفاتر. طوال الأحداث والتموجات والمخاضات التي حصلت إبّان تلك المرحلة الحرجة، لم تكن روسيا شيئاً مذكوراً، أو هكذا يظهر؛ فقد دخلت الولايات المتحدة الأميركية على الخط مبكراً للدفاع في اتجاه هندسة معينة للأمور، بحيث تضمن عدم الانزلاق في الاتجاه غير المرغوب فيه، ولعب الاتحاد الأوروبي الأدوار التي يفرضها عليه موقعه وطموحاته، خصوصا في منطقة شمال أفريقيا، فيما ظل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يحتسي قهوته، ويتأمل من بعيد ما يجري ويدور، متحسباً ما ستسفر عنه عاقبة الأمور.
منذ نهاية الحرب الباردة والاعتقاد الشائع أن روسيا أدارت ظهرها تماما لمنطقة الشرق الأوسط، وأبقت على نفوذ محدود مع حلفائها التقليديين هناك، خصوصاً النظام السوري الذي لم يقطع حبل السرة مع موسكو، حتى بعدما أصبحت مجرد عاصمة لدولة كبرى، لا رمزاً لامبراطورية. وقد توهمت الولايات المتحدة أن هناك علاقة قوية بين الإيديولوجيا والقوة، وأن زوال الشيوعية يعني تراجع التطلع الروسي إلى التمدد، واطمأنت إلى هذه الفكرة، بشكل خاص عندما غرقت روسيا في مستنقع الأزمات الإقليمية، منذ حرب الشيشان الأولى، وصولا إلى أوكرانيا.
بيد أن استمرار الأزمة السورية ودخولها العام الرابع، خلط الحسابات لدى الإدارة الأميركية، لكي تجد روسيا كوة تنفذ منها إلى المنطقة، وتحرك قواتها العسكرية التي لم تغادر البلاد منذ نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينيات. أدرك بوتين، الخبير في تفكيك المعلومات وإعادة تركيبها بالنظر إلى خلفيته المهنية، أن واشنطن تريد أن تعمل الشيء نفسه. لكن، ليس بالمعلومات هذه المرة، وإنما بالترتيبات العملية على الأرض، فتطلع إلى أن يكون له موقع يتفاوض عليه من بوابة الأزمة السورية، عبر الحضور المباشر لدعم حلفائه عسكريا، ومزاحمة النفوذ الأميركي.
تريد روسيا أن تلعب لعبة الحسم، فبعد سنة على تشكيل التحالف الدولي لضرب تنظيم داعش الذي دعت إليه إدارة باراك أوباما، بدا أن هذا التحالف بقي قيد المراوحة، على الرغم من أن هناك عشرات الدول التي تشارك فيه، وهذا بسبب الانقسامات بين مكوناته، بخصوص موقع
"بشار الأسد ليس ابن عمة بوتين، وهو لم يأت إلى المنطقة للدفاع عن نظامه، كما فعل نابليون عندما زحف على إسبانيا لحماية نظام صهره في القرن التاسع عشر"
الرئيس السوري، بشار الأسد، من معادلة الحل واختلاف الرهانات على الفصائل الموجودة على الأرض في مواجهة دمشق؛ وهو ما عزّز أطروحة العجز عن الحسم. ويظهر أن موسكو التقطت الرسالة في لحظة مفصلية؛ وإذا كانت تركز على الضربات الانتقائية، بعيداً عن الأهداف المعلنة، إلا أنها توفقت إعلاميا في تركيز الضوء على أهدافها العسكرية، بحيث يبدو وكأن الذين وضعوا أمام الأمر الواقع والتعاطي مع التدخل الروسي بدأوا يجهرون بالشكوى حول السياسة الانتقائية لموسكو، وليس بشأن حضورها من أصله.
خصصت أسبوعية "الإيكونوميست" البريطانية غلاف عدد جديد لها للتدخل الروسي في الشرق الأوسط و"اللعبة الجديدة" التي أخذت تتشكل، بعد أن أصبح بوتين يجلس وجها لوجه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ليسمع منه ويرد عليه. وتقول المجلة إن واشنطن ـ التي كان لديها سوء تقدير للأوضاع، في الفترة الماضية، باتت منزعجة من احتمال أن تقطف روسيا ثمار التدخل الأميركي، طوال السنوات السابقة في المنطقة، فقد أنفقت الخزينة الأميركية حتى اليوم (بحسب المجلة) مئات البلايين من الدولارات وآلاف الضحايا من الجيش الأميركي، لتنهض من النوم في أحد الصباحات، فترى شرقاً أوسط جديداً أمام عينيها، لكنها بدلا من ذلك، بدأت ترى الصواريخ الروسية التي تذكّرها بالحرب الكوبية.
كلنا يعرف أن بشار الأسد ليس ابن عمة بوتين، وهو لم يأت إلى المنطقة للدفاع عن نظامه، كما فعل نابليون عندما زحف على إسبانيا لحماية نظام صهره في القرن التاسع عشر، بيد أنه يعي جيداً أن النظام السوري بمثابة الورقة الوحيدة التي بقيت في جيبه، لكي يلعبها مع أوباما. وهذا من التفسيرات الممكنة للضربات الانتقائية لموسكو ضد داعش والتنظيمات الأخرى، والتصويب على "الجيش الحر"، لأنه يفهم جيداً أن عليه البدء بإبعاد خصوم الأسد المباشرين الذين يمكن أن يشكلوا بديلا له، أما الدولة الإسلامية، داعش، فلا أحد يريدها بديلا، ومن ثم لا بد أن ينتقل التحالف الدولي إلى السرعة القصوى غداً، لكي يتفرق دمها بين القبائل، ويبقى النظام السوري الذي، من خلاله وحده، يمكن ضمان حل سياسي، تكون لبوتين حصة الأسد فيه.

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٥
"دوما ".. نموذج "القذارة" الروسية على البشرية

نقلب الصور وأيدينا على قلوبنا و نحبس في أعيننا دموع القهر على ما أوصلونا إليه .. نتابع تواتر الأرقام 40 – 45 – 47 ، الرقم يعلوا أكثر فأكثر ، نرتجف ، وفي دواخلنا ونكرر " يارب نسألك أن لا تكون كتلك ، خففها عنا يالله ، و ثبت الأرقام عند هذا الحد".

دوما ليست مدينة سورية بعينها مكانياً أو جغرافياً ، دوما جزء مصغر عن كل سوريا ، ما حدث اليوم ليس بجديد أو غير اعتيادي ، لكنه في قمة القذارة من عدو تملّك الأمر و التنفيذ ، وفُتحت أمامه الأبواب مشرعة على أجساد أبناء سوريا ، بأطفالها و نسائها و كهولها و رجالها .

تدمير كامل لآخر مشفى ميداني ، قصف "هستيري" في اليوم التالي على سوق شعبي ، قتل و إنهاء لجميع من يستطيع المساعدة من كوادر طبية و دفاع مدني ، إنها الحرب "القذرة" الروسية ، التي أتت لتدمر الحياة بعد أن دمر الأسد وإيران المدن و البلدات .

نتهامس في التحرير ، هل هناك مجزرة في دوما ، نردد سمعنا قصف صباحي ، وتحليق في الطيران ، يصرخ مراسلنا فجأة ، هناك 40 شهيد و مئة جريح ، نتوقف جميعنا نبحث عن تكذيب لمن رأى ، و في الحقيقة يخرج مخطئ ، فالرقم 45 شهيد ، لنخطئ من جديد ، بأن الرقم بات 47 ، و يستمر الخطئ .

نتسائل في دقائق ماذا حدث ، مالذي ارتكبه أهلي دوما ، هل من الخطئ أن يتسوقون ، هل من الخطئ أو يمارسوا طقوس يوم الجمعة ، هل من الخطئ أو يكونوا بعيدين عن فينا ، هل من الخطئ أن يكونا من طائفة أخرى ، هل من الخطئ أن ينتهجوا طريق مخالف لسفاح موجه .

نعم إنهم مخطئون ، ويستحقون ما يُفعل بهم ، و لكن خطأهم هذا سيجعل من المتخاذلين و المتأمرين أمواتٌ على سجلات الحياة .

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
لماذا يُحجِّم بوتين إيران؟

أن يحقّق «داعش» تقدُّماً في محيط معقلٍ للنظام السوري أمر لا يثير غرابة. ما يستدعي التعجُّب أن يتقدّم التنظيم على حساب النظام، رغم كثافة النار الروسية في فضاء سورية الذي يبدو أنه سينبلج تدريجاً... بعد خمس سنوات تقريباً من القتل والظلام.

بحسابات بسيطة، ورغم خروج المشهد السوري عن كل المألوف في المعادلات العسكرية والسياسية، ليس مبالغة القول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دشّن حملة ديبلوماسية مكثّفة لاستعجال نهاية لغارات «سوخوي».

مبدئياً، ورغم كل التحفُّظات الأولى على التدخُّل العسكري الروسي المفاجئ في سورية، قد يتفق معظم الدول العربية المؤثّرة وتركيا على أن المقاربة الروسية لمسارَي الحرب على الإرهاب والتسوية التي ستطلق المرحلة الانتقالية، ليست بعيدة من التطلُّع إلى بدء هذه المرحلة. وإن بدا ساطعاً الخلاف على الأولويات بين الكرملين ونظام الرئيس بشار الأسد، فنفي موسكو كذلك أنها ستقدّم ضمانات بعدم ترشُّح الأسد لولاية جديدة، لا يلغي جدّية ذاك الخلاف الذي ظهرت ملامحه بعد «استدعاء» بوتين للرئيس السوري. الأخير يريد «حرباً على الإرهاب» تستمر إلى ما لا نهاية، ليضمن بقاء المظلة الجوية الروسية و «الخبرات» الإيرانية وأذرع طهران إلى جانبه، وفي قلب سورية وسمائها. لكنه بالتأكيد لا يتساءل عن الثمن الذي على الروس التضحية به لصون نظام يتداعى ما بقي منه.

بعد كل ما شهدته المنطقة من صراعات وحروب، وتجاذب إقليمي ودولي، وتأجيج براكين المذهبية، وتدمير أركان الدولة العربية في سورية والعراق وليبيا واليمن، توجّه موسكو رسائل في كل الاتجاهات، لتُعلن أن وقت التسويات حان، وعلى الجميع الاستعداد لركوب قطارها. فشلت إيران في إنقاذ النظام السوري، وفي محو فضائح عهد حليفها نوري المالكي ومحو كارثة سقوط الموصل وتمدُّد «داعش»، كما فشل مشروعها في اليمن لتمكين الحوثيين من تغيير هوية البلد ومؤسساته. باغتها تدخُّل التحالف العربي بقيادة السعودية لإعادة الشرعية. صُدمت طهران بارتباك حكم حيدر العبادي في بغداد، و «ممالأته» الأميركيين. جيَّشت مشروع «الحشد الشعبي»، فأجّجت المذهبية، من دون أن تُقلِق «دولة» أبي بكر البغدادي.

عملياً، قد تكون أوضح رسائل الروس في محاولتهم استعادة النفوذ الإقليمي، موجّهة إلى المرشد علي خامنئي والرئيس الأميركي باراك أوباما في آن: انتهى الوقت الضائع، لا تفرُّج واشنطن على دمار الشرق الأوسط يمكن احتماله أكثر، ولا رهان طهران على عض الأصابع مع مَنْ كان «الشيطان الأكبر»، يمكن الاطمئنان إلى نهاياته. في الحالين يتمدد «داعش» وفي صفوفه من المسلحين من آسيا الوسطى والقوقاز، ما يكفي لمشروع موصل ثانية على كتف روسيا.

مع كل ذلك، لا تغيب دوافع الروس للثأر من العقوبات الغربية، لكنهم يراهنون بالتأكيد على الثأر لماضي الاتحاد السوفياتي. لا يبالغون في تبرير الحاجة إلى نظام عالمي جديد، وهم باتوا أقرب من الأميركيين إلى توازنات المصالح، بعيداً من «حكمة» أوباما التي لم تُنقذ حليفاً ولا صديقاً.

وبحساب النقاط التي سجّلها بوتين منذ تدخُّله العسكري في سورية، يَرِد تحجيم الدور الإيراني الذي توهّمت طهران بأنه سيقرر مصير المنطقة والعرب. ويَرِد كذلك تسجيل هدف آخر في المرمى الأميركي، باستعجال الضغوط لإشراك كل الإقليم في البحث عن مخرج لكابوس «داعش»، لا بد أن يتلازم مع مرحلة انتقالية في سورية. وأما طرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مسألة الانتخابات النيابية والرئاسية، فيزيل حتماً لدى نظام الأسد غشاوة «سحر» الحلف الإيراني الذي ظنّه أبدياً.

كان النظام ولا يزال في ورطة انفصام، كانت إيران ولا تزال في مأزق الطموحات الامبراطورية، واستخدام المذهبية وقوداً لكسر روح المصالح المشتركة بين الدول العربية في المنطقة. وأما روسيا فليست بريئة من السعي الى فرض دور لها، يوازن بين القوة العسكرية وورقة «الفيتو» في مجلس الأمن، وحصص التجارة والأسواق. الفارق بين أوباما وبوتين أن الأول توهّم حصاداً مجّانياً للأهداف بلا قطرة دم أميركية، فيما الثاني اقتنص لحظة للتمرُّد على الحصار والذل، وفرض خريطة جديدة للمصالح الدولية.

في اجتماع فيينا غداً، بعد تفكيك عقدة حضور طهران، لن يعلن الروس تدشين قطار الحل السوري، ولن يعلن الإيرانيون تطوُّعهم في تأمين مخرج آمن للرئيس الأسد. طريق الحل ما زال طويلاً، لكن معظم اللاعبين أُرغِم على المشاركة في حسابات الربح والخسارة.

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
روسيا تدخل عنق الزجاجة

لم يحدث القصف الجوي الروسي، المكثف وشديد التدمير، أثرا كبيرا على أرض المعركة حيث لم تنجح قوات النظام وحلفائه الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين في تحقيق تقدم كبير في هجومها البري يقلب التوازن العسكري، وهذا وضع روسيا أمام خيارين قاتلين: مزيد من الانخراط في الصراع في سوريا وعليها أو الانسحاب منه. خياران أحلاهما مر، الأول له تبعات مباشرة على وضع الدولة الروسية في ضوء الخسائر البشرية المحتملة والتكلفة الاقتصادية الباهظة على اقتصاد ينوء تحت ضغط العقوبات الغربية وتراجع أسعار النفط والغاز، المصدر الرئيس لمواردها المالية، والثاني ينطوي على نتائج سياسية شديدة السلبية على النظام، ضرب هيبة النظام الذي وعد بفرض روسيا قطبا ثانيا في النظام الدولي، والدولة الروسية التي ستواجه العزلة والتراجع في مكانتها الإقليمية والدولية.  

بدأت مشكلة روسيا عند رفض الدول الفاعلة في الصراع السوري إعطاء شرعية لتدخلها سواء عن طريق رفض التعاون معها او عبر المواقف والبيانات التي صدرت(بيان الدول السبع)، والبدء بارسال اسلحة متطورة الى كتائب المعارضة المسلحة، وادخلها صمود الكتائب المعارضة في عنق زجاجة حاد، فقد استطاعت احتواء الهجوم البري الذي اطلقه جيش النظام وحلفاؤه، والحقوا به خسائر فادحة، خاصة في سلاح الدبابات التي اصطادوها بصواريخ "تاو" التي وصلت مؤخرا.

لقد أصطدم التكتيك الروسي "تقديم اسناد جوي لهجوم بري ينفذه جيش النظام وحلفاؤه" بعقبات كثيرة أولها عدم فعالية القصف الجوي ضد قوات غير نظامية تنتشر بصورة كيفية، وثانيها ضعف قوات النظام التي انهكها التعب في حرب استمرت لأربع سنوات ونيف، وزاد في مأزقها نجاح كتائب المعارضة السورية في امتصاص القصف الجوي والرد بضربات موجعة لجيش النظام وحلفائه قطعت فيه الطريق على "القيصر" في تحقيق نتائج سريعة والنجاح في تعزيز موقع النظام والضغط على الغرب لقبول المقايضة، وحققت نصرا تكتيكيا في ضوء طبيعة الصراعات غير المتوازية(جيش ضد قوات مقاومة) والقاعدة الحاكمة له:"ينهزم الجيش عندما لا ينتصر، وتنتصر المقاومة عندما لا تنهزم". وهذا مع الأخذ بعين الاعتبار موقف بوتين النفسي الرافض للتراجع او القبول بالهزيمة سيقودنا الى توقع انخراط روسي اكبر في الصراع في سوريا وعليها يفتح الباب لاحتمالات التورط في حرب طويلة الامد في ضوء اعلان دول داعمة للمعارضة انها لن تسمح بهزيمتها وانها ستقدم لها اسلحة متطورة مع عدم استبعاد تزويدها بصواريخ أرض جو، اعلان واشنطن والرياض بعد زيارة كيري الى الاخيرة، وتصريح وزير خارجية قطر عن الاستعداد لتدخل عسكري تركي سعودي قطري في سوريا.  

لم تجد روسيا في مواجهة عدم تحقيق نتائج حاسمة في الهجوم البري الموازي لقصفها إلا زيادة عدد الطائرات المشاركة في القصف، ارتفع العدد إلى 100 طائرة، بالإضافة إلى المروحيات الهجومية، ورفع وتيرته بالقصف ليلا ونهارا، على أمل تغيير الصورة بما يسمح بتحقيق مطالبها بخصوص الحل السياسي على خلفية القاعدة الذهبية للتفاوض: "يحقق المفاوض على طاولة المفاوضات ما يعادل وضعه على ارض المعركة". وقد أعترف الرئيس الروسي بوتين في كلمته يوم 22 الجاري أمام مؤتمر"فالداي"الذي عقد في مدينة"سوتشي" الروسية، وشارك فيه محللون وخبراء دوليون بضالة المكاسب التي تحققت بقوله:"لم يتمكن شركاؤنا من إنجاز أي عمل فعّال هناك، بخلاف قواتنا التي حققت بالفعل بعض النتائج الملموسة".

لذا ذهب لافروف الى فيينا حاملاً اقتراحات لحل سياسي للصراع في سوريا وعليها، وبدأ بمغازلة الجيش السوري الحر عبر ابداء الاستعداد لتقديم دعم عسكري في مواجهة "داعش"، في محاولة واضحة لاستثمار الزخم العسكري الروسي في المساومة، والعمل على اعادة صياغة الاصطفافات العسكرية قبل ان تحصل انتكاسة عسكرية للنظام وحلفائه بدت مؤشراتها في الظهور، وزاد في وتيرة تحركاته الدبلوماسية لاستكشاف السقوف السياسية للدول للمعارضة وحلفائها (اتصل بوتين بالملك سلمان مرتين خلال خمسة ايام) عله يخفف من حدة رفضها للاقتراحات الروسية، وخاصة حول الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية التي يبقى فيها رأس النظام في السلطة، وينجح في انهاء تدخله في مدة قصيرة.

وقد زادت عودة رأس النظام  الى الحديث عن القضاء على الارهاب قبل الحديث عن حل سياسي في تعقيد المأزق الروسي، ووضعه أمام تحديات مركبة من موقف المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، الى موقف الدول الاقليمية المعارضة لبقاء رأس النظام في السلطة وترشحه في انتخابات رئاسية مقترحه، واعلان مصر، على لسان وزير خارجيتها سامح شكري، ان المملكة السعودية تمثل الاجماع العربي خلال اجتماع فيينا لحل الازمة السورية، الذي اجهض محاولة لافروف للالتفاف على الموقف العربي عبر الدعوة لاشراك مصر والاردن وايران في الاجتماع القادم، وموقف ايران التي ماتزال تفكر بمنطق سحق المعارضة كما فعلت هي عام 2009، والنظام الذي مازال يعيش على حلم "الابد" الذي روج له طوال عقود، حتى دول حليفة لها من دول الاتحاد السوفياتي السابق، والصين كذلك، نأت بنفسها عن تأييدها، فروسيا التي تعاني من تناقض في بنيتها بين قدراتها العسكرية والاقتصادية، حيث مازال الوصف الذي أطلق على الاتحاد السوفياتي:عملاق بساقين واحدة جبارة(العسكرية) وأخرى هزيلة(الاقتصادية) ينطبق عليها، ما يجعل تفكيرها بالعودة الى لعب دور قوة ثانية في النظام الدولي، بالتساوي مع الولايات المتحدة أو الى جوارها، نوعا من حلم يقظة للترابط العضوي بين القوتين العسكرية والاقتصادية في قيام القوة العظمى، كان المؤرخ الأمريكي بول كنيدي قد استنتج من دراسة تجارب القوى العظمى التي قامت خلال خمسمائة سنة قانونا حاكما لقيام وسقوط القوى العظمى مفاده: اقتصاد قوي يمول جيشا ينتشر في الخارج، وتراجع القدرة المالية للصرف على الانتشار العسكرية في الخارج يضع القوة العظمى على طريق السقوط، فاستمرار الصراع الروسي الغربي لبعض الوقت، ومشاركة القوات الروسية في القتال في أوكرانيا وسوريا، مع احتمال انخراطها في القتال في العراق، سيقود إلى تآكل الكتلة النقدية الروسية المتبقية ويدفعها إلى حافة الإفلاس. وهذا أثار هواجس ومخاوف المواطنين وعمّق الهوة بينهم وبين السلطة، وهي حالة لا تنسجم مع أدبيات النظام الشعبوي، وبطله الأوحد فلاديمير بوتين، الذي يعتمد على إثارة حماسة المواطنين وتعصبهم القومي لحشدهم خلفه، سعى إلى تحصين نفسه من غضبة الشعب بـ "تسويق" توصيفه للوضع الذي آل إليه الروس باعتباره جزءا من مؤامرة غربية تُحاك ضدهم.

ليس أمام موسكو الا خيار عن النزول عن الشجرة والقبول بمطالب المعارضة السورية والدول الحليفة لها بتطبيق بيان جنيف واحد والبحث عن حلول مقبولة للبنود المختلف عليها، كخيار وحيد بديل عن الغوص في مستنقع غير معروف النتائج.

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
روسيا والعلاج بالصدمة

منذ صرّحت روسيا عن نيتها التوجه إلى سورية، والقيام بحرب من أجل حماية حكم الأسد، أحدث هذا التّوجه ضجّة إعلامية كبيرة في العالم. كان المطلوب إحداث حالة إرباك كبيرة بغرض دب الرّعب في صفوف الكتائب المعارضة السورية لتشتيتها، وتعزيز الثقة في صفوف ما بقي من ميليشيات تقاتل إلى جانب النظام، بعد تلقي الهزائم المتكررة، لإرسال رسالة واضحة لكل الدول المهتمّة بالشأن السوري، مفادها أنّها لا تزال قوة لا يستهان بها، وجاهزة لاستخدام قدراتها العسكرية في أي وقت لحماية نفوذها والحفاظ على مكانتها في الدّول التي أسّست فيها مصالح كبيرة، ومنها سورية.
في أول معركة خاضتها روسيا إلى جانب نظام الأسد، تم الهجوم على مناطق تابعة لسيطرة الجيش السوري الحر في منطقة "سهل الغاب" لاسترجاع نقاط مهمّة حرّرها "الجيش الحر"، لكن نتائج المعركة جاءت عكس المتوقع، إذ صدت كتائب الجيش الحر الهجوم، وأعطبت الكثير من دبابات النظام وآلياته الثقيلة، عدا عن الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف النظام، ما دفع القيادة الروسية للتصعيد من هجماتها الجوية الإجرامية التي طالت المدنيين للإنتقام من البيئة الحاضنة للثوار، من دون أن يثني الأمر الجيش الحر عن القتال.
كانت هذه العملية والضعف الملحوظ في قدرة ما بقي من جيش النظام على القتال سبباً في تغيير نظرة القيادة الروسية للأحداث السورية، وأجبرتها على السعي والبحث عن حل سياسي ومخرج سريع لها، بعيداً عن الدخول في حرب استنزاف بريّة طويلة الأمد مع جيش أصبحت قدرته كبيرة على صد الهجمات البرية، كالجيش الحر.
وتظهر تصريحات قيادات عسكرية روسية أن روسيا فقدت الثقة بجيش النظام الذي انهار تماماً على مدى خمسة أعوام، متحولا إلى ميليشيات غير منضبطة، كما أن تصريحات مسؤولين روس عن نية روسيا الحوار مع "الجيش السوري الحر" والاعتراف به قوة فاعلة على الأرض السورية، وأنه جزء من الحل، كان بسبب صمود الثوار على الأرض.
كثر الحديث في الأيام الماضية عن لقاءات تعقد بين مسؤولين روس رفيعي المستوى وشخصيات من المعارضة السورية السياسية والعسكرية، ما يعني أن موسكو بدأت السير على الطريق الصحيح للخروج من المستنقع، محاولةً العمل على إرضاء المعارضة وتحسين صورتها العدائية التي رسمتها لنفسها طوال سنوات الثورة.
كانت للقاء الرباعي الذي عقد في فيينا دلالات كبيرة، من حيث أنه فتح باب البحث جدياً عن حل للأزمة السورية، ما يعني أن الحل السياسي يولد من رحم التطورات السياسية والميدانية على الأرض السورية، على الرغم من عدم الاتفاق في لقاء فيينا على نقاط كثيرة وأهمها مصير الأسد.
ولكن، يبدو أيضا أن نيّة الروس إبقاء الأسد لإدارته المرحلة الإنتقالية ما هو إلا كلام فارغ لكسب أكبر قدر من التنازلات من الطرف الآخر، كما كشفت زيارة الأسد لموسكو، إذ ظهر بصورة الخادم الذي تم طلبه لتوبيخه على التقصير، وهو أمر تعمدته موسكو لتقول للعالم إن الدور الإيراني انتهى في سورية، وأصبحت متفردة بالقرار وجاهزة للمقايضة على مستقبل الأسد.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى