مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
مستقبل بشّار يفسّر توتّر نصرالله

ما يفسّر الطابع الهجومي الذي تميّز به الخطاب الأخير للأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، خصوصا لجهة رفضه انتخاب رئيس للجمهورية، الا بشروطه، هو الحدث السوري.

باتت هناك قناعة لدى كلّ من يتعاطى في الشأن السوري بأن لا مستقبل لبشّار الأسد في اي لعبة سياسية. جاء الروس الى اللاذقية والساحل السوري مع طائراتهم وقواتهم البريّة التي تبدو مهمّتها مقتصرة على حماية الطيارين والخبراء والطائرات، من اجل انقاذ بشّار الأسد. اكتشفوا بعد سلسلة الهجمات البرّية التي شنّها بشّار بقواته وبدعم من حلفائه في «حزب الله» وايران ان لا امل له في التقدّم في اتجاه ادلب وحلب بغطاء جوّي روسي.

كانت تغريدات صواريخ «تاو» وما حقّقته من اصابات مباشرة كافية كي يستوعب فلاديمير بوتين الدرس. اذا كانت الصواريخ المضادة للدبابات كفيلة وحدها بمنع تقدّم القوات الموالية لبشّار على الأرض، فكيف الأمر في حال حصول الثوّار على صواريخ ارض ـ جوّ؟

كان لا بدّ لبوتين من اعادة النظر في حساباته السورية. لذلك استدعى بشّار الى موسكو ولقّنه الدرس المطلوب منه حفظه غيبا والذي في نتيجته ان موسكو ستطرح على الجانب الأميركي وعلى العرب مبادرة تتضمّن خريطة طريق لحلّ سياسي في سوريا.

تتضمن احدى نقاط المبادرة الروسية التي لا تزال في حاجة الى مزيد من التنقيح «ضمان» بوتين عدم ترشّح بشّار في اي انتخابات رئاسية مقبلة في سوريا ونقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى حكومة جديدة يتمثّل فيها الجميع. جائزة الترضية الوحيدة لبشّار عدم ملاحقته قانونيا في ضوء الجرائم التي ارتكبها والسماح لآخرين في العائلة بالترشّح للرئاسة.

هذا التطوّر الذي يبدو مرتبطا بالزيارة التي قام بها، في وقت لاحق، لدمشق يوسف بن علوي الوزير العماني المكلّف الشؤون الخارجية والذي ترتبط بلاده بعلاقة ثقة مع ايران يفسّر الى حدّ كبير ذهاب نصرالله بعيدا في تأكيد ان لبنان بات تحت الوصاية الإيرانية. جاء هذا التأكيد عندما اعلن انّه المؤهل لإختيار رئيس الجمهورية «المناسب» و»الحقيقي» و»الأكثر تمثيلا»... معطيا نفسه صلاحيات مجلس النواّب ايضا.

كان الخطاب الذي ألقاه الرجل في ذكرى عاشوراء كلام حقّ يراد به باطل، خصوصا عندما يهاجم جمهور «حزب الله» المملكة العربية السعودية التي لم تقدّم يوما سوى الخير للبنانيين، بطريقة أقلّ ما يمكن ان توصف به انّها مبتذلة.

بعد خطاب الأمين العام لـ»حزب الله، لم يعد السؤال هل مسموح لمجلس النوّاب اللبناني انتخاب رئيس للجمهورية؟ السؤال هل يمكن لميليشيا مذهبية، عناصرها لبنانية، تابعة لإيران فرض رئيس على اللبنانيين على غرار ما كان يفعله نظام الوصاية السوري، الذي قتل رينيه معوّض في 1989 ليحل مكانه الياس الهراوي، والذي اراد بعد 1998 الذهاب الى أبعد في ممارسة وصايته ففرض على اللبنانيين اميل لحّود؟

من يتمعّن في الخطاب الأخير لنصرالله، يكتشف الى أي حدّ تبدو ايران شبه مفلسة. من الباكر الكلام عن إفلاس كامل لإيران، خصوصا انّها باتت الطفل المدلل لدى ادارة باراك اوباما التي تختزل كلّ ازمات الشرق الأوسط بالملفّ النووي الإيراني.

أفلست ايران نسبيا، لأنّه بات لها شريك روسي في سوريا. يشاركها هذا الشريك في الوجود على الأرض السورية وعلى كيفية اقتسام ثروات البلد مستقبلا. لم توافق موسكو في المفاوضات التي تجريها مع طهران في شأن مستقبل سوريا على مرور خط الغاز الإيراني الآتي من العراق في الأراضي السورية. بدأت ايران تبحث عن خط بديل يوُفّر لها تسويق غازها في الهند والصين!

صارت ايران شبه مفلسة لأنّها باتت عاجزة عن نهب ثروات العراق الذي لم تعد لديه اي احتياطات مالية. فوق ذلك، تلقت ايران صدمة «عاصفة الحزم» في اليمن. لم تكن تتوقع ردّ الفعل العربي والسعودي تحديدا على سعيها الى تطويق شبه الجزيرة العربية من كلّ الجهات. لم يعد لإيران سوى لبنان. لذلك صعّد حسن نصرالله في كلّ الاتجاهات مؤكّدا انّه يلعب دور «المرشد» في الوطن الصغير. اخيرا صار للبنان «مرشد»، تماما كما هي الحال في ايران. يريد نصرالله انتخاب الرئيس الذي يشاء ويريد فرض القانون الإنتخابي الذي يشاء.

وهذا يفسّر الى حدّ كبير تلك الحملة المستمرّة منذ ما يزيد على اربع سنوات، خصوصا منذ تشكيل الحزب حكومة برئاسة السنّي نجيب ميقاتي في 2011، من اجل عزل لبنان عن محيطه العربي. كان عزل لبنان عن محيطه العربي خطوة اخرى في مسيرة انقلابية طويلة بدأت مطلع ثمانينات القرن الماضي. تستهدف هذه المسيرة الإنقلابية تغيير طبيعة لبنان، مجتمعا ونظاما سياسيا، على غرار تغيير طبيعة المجتمع الشيعي فيه.

من اطرف ما تضمّنه خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» الحملة على السياسة الأميركية في المنطقة متجاهلا الحلف غير المقدّس القائم بين واشنطن وطهران، خصوصا في مرحلة الإعداد للغزو الأميركي للعراق. كانت ايران الشريك الوحيد في الحرب الأميركية التي استهدفت التخلص من النظام العائلي ـ البعثي لصدّام حسين. كلّ حلفاء «حزب الله» في العراق، على رأسهم نوري المالكي، جاؤوا الى السلطة على دبّابة اميركية!

يبدو توتّر حسن نصرالله مفهوما. اُغلقت في وجهه ابواب اي انتصار في سوريا بعدما تبيّن ان بشّار صار ورقة خاسرة. مرّة اخرى رفع شعار الإنتصار على لبنان. كان هذا الشعار بديلا من الإنتصار على إسرائيل. اصبح الآن بديلا من تحقيق اي انتصار في سوريا.

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
عن أي شعب يتحدث "الأسد"؟!

أليس مضحكاً حتى الاستلقاء على الظهر أن يبقى بشار الأسد يلوذ بـ"الشعب السوري" للتهرب من استحقاق تنحيه العاجل والآجل، الذي غدا مخرجاً من الأزمة السورية وشرطاً أساسياً من شروط الاحتكام إلى "جنيف"، الذي يُفترَض أن يبدأ- كما هو معروف- بمرحلة انتقالية تتولى الأمور خلالها هيئة تتمتع بصلاحيات كاملة يتم الاتفاق على أسماء أعضائها من الجهات المعنية إقليمياً ودولياً من بينها بالطبع بعض الدول العربية؟!

آخر ما قاله الأسد، انه على استعداد لإجراء انتخابات نيابية ورئاسية يشارك فيها بشرط أن يوافق الشعب السوري على هذا. ولكثرة ما ردد الرئيس السوري هذا الشرط، على الطالع والنازل، فإنه بات ضرورياً أن يُسأل عن أي شعب يتحدث هذا "الإنسان"؟ وهل يعرف أن هناك أكثر من أربعة ملايين لاجئ سوري في الخارج وأكثر من ضعف هذا العدد في الداخل؟ وأنه لا سيطرة له، ومعه الإيرانيون والروس و"حزب الله" وأكثر من أربعين تشكيلاً طائفياً، إلا على أقل من خمسة وعشرين في المئة من الأراضي السورية؟

ولعل السؤال الأكثر أهمية هو، متى كان للشعب السوري أي رأي بالنسبة إلى قضايا بلده، سورية، الداخلية والخارجية وعلى كل الصعد؟... هل عندما اختاره والده حافظ الأسد خليفة له عندما شعر بدنو أجله استشار هذا الشعب في هذا الاختيار؟ وهل عندما سحب قواته في 2005 من لبنان عاد إلى هذا الشعب؟ وهل عندما سلم الإيرانيين كل مقاليد الأمور، العسكرية والسياسية والاقتصادية والأمنية وكل شيء، سأل السوريين عن رأيهم؟... وهل عندما استحضر الروس واستعان بهم لذبح الشعب السوري أخذ رأيهم؟!

ربما يقصد بشار الأسد بالشعب السوري، الذي يريد موافقته المسبقة قبل إجراء انتخابات نيابية ورئاسية "سيشارك" فيها، الولي الفقيه علي خامئني وجنراله "الطرزاني" قاسم سليماني، ويقصد حراس الثورة الإيرانية والشراذم الطائفية التي تم استيرادها حتى من باكستان وأفغانستان... وبالطبع "حزب الله" اللبناني، الذي قال رئيسه حسن نصرالله ذات يوم، إنه لولا قوات هذا الحزب لسقط نظام الرئيس خلال ثلاث ساعات فقط.

كيف... ومتى يمكن أن يسأل الأسد الشعب السوري عن رأيه في إجراء انتخابات نيابية ورئاسية، وعن رأيه في الاستقالة ومغادرة مواقع المسؤولية، إن قبل وإن بعد المرحلة الانتقالية وفقاً لـ"جنيف 1"، ووداع هذا الشعب الوداع الأخير الذي لا لقاء بعده؟ كيف يستطيع الوصول هو ومخابراته واستخباراته إلى أكثر من ثمانية ملايين في الداخل وإلى الموجودين في 75 في المئة من الأراضي السورية التي هي خارج سيطرته وسيطرة "حزب الله" والحرس الثوري والقوات الروسية... والشراذم الطائفية التي يصل عددها إلى أربعين تنظيماً ومنظمة؟!

وهذا هو واقع الحال... ولذلك أليس مضحكاً يا ترى أن يتحدث الأسد عن المشاركة في أي "انتخابات" رئاسية مقبلة؟... هل هو جاد بالفعل عندما يقول مثل هذا الكلام؟... وهل يعتقد أن الشعب السوري بعد تجربة الـ45 عاماً الماضية سيقبل به وبابنه حافظ بعده، خصوصاً أن مذابح ومجازر وويلات الأعوام الخمسة الأخيرة لا تزال مستمرة ومتواصلة... وباتت تشارك فيها الجيوش الروسية الغازية؟!

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
تطورات واعدة

فاتت غزاة سورية ملاحظة تطورات مهمة، حدثت في بلادنا خلال العامين الماضيين، تستند إلى واقعتين يصعب على أي مراقب أن لا يتوقف عندهما، مهما كان منحازاً للنظام وشبيحاً. أولاهما اتساع مقاومة النظام وحلفائه، وانتشارها إلى كل بيت وقرية وبلدة وحي وزقاق. يكفي أن يتابع المرء أسماء الأماكن التي يقصفها الطيران الروسي وجغرافيتها، حتى يضع يده على حقيقة ساطعة، هي أن أغلبية السوريين تحولوا في كل مكان من وطنهم إلى مقاومين، وأن تثبيت النظام يحتم كسر شوكة رجالهم ونسائهم وأطفالهم، وأن من لا يقاومون بالسلاح أو من وقفوا على الحياد، أو أيدوا النظام وقاتلوا في صفوف شبيحته، شرعوا يفرّون من سورية، ويندسون بين طالبي اللجوء في أوروبا. ومع أن هناك من يرى النظام وراء هجرتهم، فإنني أعتقد أن حاجته إليهم لا تسمح له بالتخلي عن الأعداد الكبيرة منهم التي تهاجر من مناطقه إلى الخارج، في عمليات أقرب إلى النجاة بالنفس منها إلى التخطيط السياسي.
وتتجلى الواقعة الثانية في إصرار السوريين على القتال حتى الانتصار، مهما كلفهم موقفهم من تضحيات. هذا الإصرار يلمسه كل من يحتك بمواطنات ومواطني الداخل والخارج الذين يؤمنون أنهم قطعوا المسافة الأكبر من طريقهم إلى النصر، وأن أحداً لن يتمكن من إنقاذ الأسد ونظامه، روسياً كان أو إيرانياً، بدليل تعاظم المقاومة في كل مرة دخل فيها غزاة جدد لإنقاذ النظام، وتعرّض هؤلاء بدورهم لهزائم متصاعدة.
أما أولى التطورات التي تلفت أي مراقب، فهي انتقال المقاومة المسلحة المتعاظم من وضع تنظيمي يغلب عليه طابع المحلية والعشوائية إلى حال نقيض، قرّبته أكثر فأكثر من وضع جيش تحرير وطني، يخضع أكثر فأكثر لتنسيق قيادي متزايد، وتعاون ميداني ملزم، حتى أنه من الصعب أن نجد اليوم منطقة ليس فيها تشكيل مقاتل يحمل اسم جيش أو يطمح لأن يكون جيشاً، بينما حدث تطور معاكس على صعيد النظام، حيث تفكك الجيش، وتحول إلى مليشيات وأمراء حرب (نموذجهم سهيل الحسن) أو استقوى بمليشيات محلية وأمراء حرب. واليوم، يشكو قائد الطيران الروسي في بلادنا من هذه الظاهرة، ويعلن أن القصف يفضي إلى انسحاب مقاتلي الجيش الحر وتقدم القوات الأسدية. ولكن، ما أن يتوقف عمل الطيران، حتى يعود المقاتلون إلى حيث كانوا ويفر الأسديون، وينسب الجنرال الروسي الأمر إلى عدم وجود جيش حقيقي، بل أخلاط مسلحين متعددي الجنسيات (المرتزقة) أو إلى ضعف المعنويات، وعدم وجود رغبة في القتال لدى هؤلاء، ويقول إن طيرانه لن يحقق شيئاً في وضع كهذا.
يرتبط بهذا التطور نمو الطابع الوطني لوحدات الثورة المقاتلة، وتحولها المتزايد من تنظيمات
"الروس سيجرّبون حظهم، قبل أن يكتشفوا أنهم يدقون عنقهم بسبب أكذوبةٍ أقنعوا أنفسهم بها، هي أنهم يقاتلون الإرهاب، ويدافعون عن نظام شرعي"
ذات ملامح مذهبية وبرامج طائفية إلى جهات، تقترب في مواقفها وخياراتها، من مواقف ومفاهيم وطنية جامعة. لهذا، تتراجع اللغة الطائفية والحسابات الجزئية والمذهبية تدريجياً، وتتقدم، بدرجات متفاوتة من السرعة، قواسم مشتركة تخفت فيها النزعات الانتقامية والإقصائية، بينما يمعن خطاب النظام في التراجع عن الروح الوطنية الجامعة الذي كان يستخدمه لأغراض قمعية ودعائية، وليس لأنه خياره الحقيقي، ويغرق أكثر فأكثر في الطائفية والتحريض المذهبي، ويستعين بقوى مذهبية وطائفية عربية وإقليمية، ويفقد قدرته على التضليل، خصوصاً بعد ترحيبه باحتلال روسيا بلاده، وتشجيع الروس على إقامة قواعد دائمة فيها، وسكوته عن تنسيق علاقات موسكو العسكرية مع تل أبيب، وإقامة قيادة مشتركة بين جيش الغزو الروسي وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وسقوط أكذوبة الممانعة، بعد إعلانات إسرائيلية متكررة كرّست لدعم الأسد ونظامه "الممانع"، وبعد انخراط الكيان الصهيوني في شراكة ممانعة مع حزب الله ضد شعب سورية.
هذه الوقائع والتطورات علامات جديدة على تحولات ميدانية وسياسية من طبيعة حاسمة، سيكون من الصعب على قوة غازية تجاوزها، حتى إن كانت في قوة روسيا التي بدأت تصريحات قادتها تبدي القلق مما تكتشفه على الأرض من أوضاع لا تبشر بنصر، قد تحمل الروس أعباء لا يقوون على حملها، كإرسال قوات كافية لخوض القتال، نيابة عن شبيحة فاشلين، وضعوا يدهم في أيديهم، فوضعوهم أمام خيارين أحلاهما مر: القتال نيابة عنهم مع ما يرتبط بذلك من احتمالات كارثية بالنسبة لهم، أو الخروج من المستنقع السوري الذي يمثل كارثة استراتيجية بكل الأبعاد والمعاني.
لا أحد يستطيع القفز من فوق خياله، يبدو أن الروس سيجرّبون حظهم، قبل أن يكتشفوا أنهم يدقون عنقهم بسبب أكذوبةٍ أقنعوا أنفسهم بها، هي أنهم يقاتلون الإرهاب، ويدافعون عن نظام شرعي

اقرأ المزيد
٢٨ أكتوبر ٢٠١٥
مصيرا الأسد وسورية

على الرغم من الأبهة الإعلامية التي ظهر فيها خبر زيارة بشار الأسد إلى روسيا، فإن الزيارة لم تعكس حفاوة روسية برئيس؛ بل كان المشهد أقرب إلى مأتم، وبقي التجهم بادياً على الوجوه الروسية والسورية طوال الزيارة.
ظهر بشار الأسد "عارياً" من مرافقيه ومستشاريه، وغاب عن المشهد، بشكل مقصود، بروتوكول السجادة الحمراء، وحرس الشرف، والأناشيد الوطنية. تعامل بوتين مع بشار الأسد تعامله مع "وكيل"، وليس مع رئيس، أما الحديث الذي تم تبادله فيمكن تخمينه من التصريحات الروسية التي أعقبت اللقاء، لكن التركيز السوري كان على الشكل فقط. وأبرز الإعلام الرسمي صور بشار الأسد مع فلاديمير بوتين، بما يوحي أن "الرئيس" قد أسرى على ظهر براق من دمشق إلى موسكو، وعاد في اليوم نفسه، ليس لمطالعة معالم سانت بطرسبورغ وبحر البلطيق. ولكن، ليحظى بصورة تذكارية تجمعه مع بوتين.
الزيارة لم تقررها الدبلوماسية السورية، وربما لم يكن في حسبانها حدث من هذا النوع، فقد تقزّم وجودها، أخيراً، وانكمش حتى أصبح، في ظل الوجود الإيراني الكثيف ثم الروسي المجلجل، مجردَ إجراء بيروقراطي. جاءت الزيارة في السياق الذي رسمته موسكو لتبرير وجودها العسكري في سورية، وترسيخه، والتُقِطَت الصور التذكارية هناك للاستهلاك الإعلامي، وإرسال رسالة من موسكو أن "الرئيس" الذي يسكن في قصر الشعب يبارك التدخل العسكري الروسي في بلاده. لا يتعلق الأمر بالوفاء، أو بعشق شخصي للأسد، لكنه موقف رسمي يفضي إلى الموافقة على كل ما تفعله روسيا في سماء سورية حالياً، وربما لاحقاً، على الأرض، وكل ما قد ينتج عن هذا الوجود من مضاعفات، فليس شخص الرئيس مهماً بقدر موقعه الذي يتيح رسمياً للروس القيام بالخطوة التالية.
جو الأمان الذي وفرته أميركا ومعها أوروبا الغارقة في أزمة اللاجئين أمنت لبوتين هامشاً واسعاً للتحرك، حتى أرسل آخر ما أنتجته شركة سوخوي إلى السماء السورية. وبناء على الهامش نفسه، عُقد مؤتمر فيينا الذي تحول إلى عملية شد وجذب حول مصير "الرئيس"، وانتهى إلى النقطة التي بدأ منها متمسكاً بالمواقف المعروفة، السعودية لا تقبل بالأسد، وروسيا لا تقبل من دونه، وأميركا التي لفظته سابقاً، على استعداد لتبتلعه من جديد مع جرعة "مياه غازية" مناسبة. لكن، في نهاية المؤتمر، حققت روسيا نقطة دبلوماسية، باعتبارها تؤيد الحل السلمي عبر المؤتمرات والمحادثات. وذهبت إلى أبعد من ذلك أن دعتْ أطرافاً جديدة للانضمام إلى المحادثات التالية، طبعاً من دون أن تتناقص طلعات السوخوي الروسي الكثيفة، ومن دون أن يتوقف مفوضها العسكري عن تعداد الأهداف اليومية التي قُصِفَت.
فيما تبدو روسيا مصرّة على ضرورة تسوية الحرب السورية بوسيلة سلمية تفاوضية، تبدو أكثر تشبثاً بأمرٍ لن تتوقف الحرب بدونه، وهو "مصير الرئيس" الذي أصبح عنواناً للتفاوض، لم يستثنِهِ أي مندوب من مندوبي الدول التي حضرت مؤتمر فيينا، فأصبح فاتحة لازمة عند الحديث عن سورية في ربط ظالم لمصير البلد بمصير هذا الرجل الذي صار بنداً رئيسياً من بنود أي خطة للحل، وكأن على سورية أن تعاني، حتى اللحظات الأخيرة، من الاسم الذي ألصقته بها عائلة الأسد.
من المؤكد أن الحلقات القادمة من جنيف ستركز على البند نفسه، وخصوصاً إذا نجحت روسيا في إضافة إيران ومصر إلى المحادثات، فدول كثيرة ترغب، أو لا تشعر بغضاضة، لو استبدلت اسم سورية باسم الأسد أو العكس، في دمج حرص الإعلام السوري منذ زمن الأسد الأب على التركيز عليه.
يتكئ المساندون للأسد على المفهوم نفسه، مسوقين فكرة تقول، إنه في اللحظة التي يختفي فيها الأسد تختفي سورية، وما زال هذا المفهوم طافياً، مثل جثة على السطح، حتى بعد أن أصبحت مدن سورية كلها أكواماً من الحطام في عهد الأسد، وبسببه.

اقرأ المزيد
٢٧ أكتوبر ٢٠١٥
إنقاذ الأسد في فيينا

تشير التقارير من العاصمة النمسوية، فيينا، إلى مشاورات حثيثة يجريها الروس والأميركيون، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية في سورية. ولا يبدو لقاء فيينا مختلفاً كثيراً عن اللقاءات السابقة التي أجريت في الأعوام الثلاثة الماضية فيما عُرف بمسارات "جنيف 1" و"جنيف 2"، فيما يمكن أن يؤدي إليه من نتائج، سواء على صعيد مصير الرئيس السوري، بشار الأسد، أو حول شكل المرحلة الانتقالية وترتيباتها.
وجاء اجتماع فيينا الذي عقد قبل أيام، وضم وزراء خارجية أميركا وروسيا والسعودية وتركيا، من دون حضور لممثلي المعارضة السورية، بمثابة اعتراف صريح بأن الصراع في سورية لم يعد بحال صراعاً محلياً أو إقليمياً، وإنما بات صراعاً دولياً بامتياز. وهو انعكاس للتحولات السريعة التي شهدتها الساحة السورية، خصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي، والذي قلب الحسابات السياسية والجيوبوليتيكية. بل الأكثر، أنه اعتراف واضح وصريح بأن موسكو، وليست دمشق، هي من يفاوض، ومن يتحدث باسم الأسد.
نحن إذاً، إزاء تحول بنيوي وجذري في طبيعة الصراع الدائر الآن فى سورية، ما يستدعي، بالضرورة، تحولاً فى بنية المفاوضات وأطرافها ومساراتها. وهو ما دفع دولاً إقليمية إلى إعادة ترتيب أوراقها، ومحاولة تشكيل قوة ضغط، حتى لا تنفرد القوى الدولية بالتفاوض وتقرير مصير سورية، من دون اعتبار لمصالح هذه البلدان وآرائها. لذا، شهدنا تحركات سعودية وتركية مكثفة، طوال الأيام الماضية، بهدف التوصل إلى صيغة "ما"، من أجل إنهاء الصراع في سورية.
ما خرج عن اجتماع فيينا، حتى الآن، لا يعدو كونه مجرد أفكار عامة، أهمها ما طرحه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سواء فيما يتعلق بمدة المرحلة الانتقالية المقترحة، والتي قد تتراوح بين 6 و18 شهراً، أو بإمكانية ترشح الأسد في نهاية هذه المرحلة. وهو ما رآه بعضهم تنازلاً روسياً، خصوصاً بعد أن كانت روسيا تصرّ على أن يظل الأسد في السلطة، حتى نهاية فترته الرئاسية الحالية عام 2021. يتناغم ذلك مع ما صدر عن أحد النواب البرلمانيين الروس الذين زاروا دمشق، أخيراً، وصرّح أن "الأسد مستعد لتنظيم انتخابات رئاسية، والمشاركة فيها، ولكن، بعد التخلص من تنظيم الدولة "داعش".
لا يحمل الطرح الروسي فقط استخفافاً بالمعارضة السورية، وبأرواح مئات آلاف السوريين الذين سقطوا منذ بدء الثورة، فضلا عن ملايين المشردين واللاجئين، وإنما أيضاً بالمجتمع الدولي كله، وعدم اكتراثه بما حدث طوال السنوات الأربع الماضية، فقد نجحت موسكو، ومن خلفها طهران وحلفاؤها، فى الوصول بسقف التنازلات الممكنة إلى حد الإبقاء على الأسد، على الرغم من كل جرائمه وكوارثه، في السلطة ضمن أي ترتيبات ممكنة للمرحلة الانتقالية.
"تبدو روسيا كما لو كانت الطرف الوحيد الذي سوف يستفيد من مآلات أي مخرج للأزمة السورية، بغض النظر عن طبيعة هذا المخرج وشكله"
وقطعاً، سيُصاحب أي حديث أو ترتيبات بشأن مصيره، بعد هذه المرحلة، إعطاءه ضمانات سياسية وقانونية، تضمن عدم محاسبته على تلك الجرائم التي ارتكبها، أو محاكمته عليها أمام المحكمة الجنائية الدولية. بكلمات أخرى، إننا إزاء عملية "إنقاذ" روسية للأسد، لا تضمن فقط تحصينه مستقبلاً، وإنما أيضا تجعله لاعباً شرعياً وأصيلاً فى ترتيبات المرحلة الانتقالية التي تجري مناقشتها حالياً.
بل الأنكى، أن تستخدم روسيا كل حيلها وألاعيبها من أجل خفض سقف التوقعات الخاصة بمآلات المحادثات الحالية، حيث تطرح عدم دعوة إيران إلى محادثات فيينا كما لو كانت تنازلاً، في مقابل تراجع واشنطن عن رفض وجود الأسد في المرحلة الانتقالية، حسبما أشارت التقارير الإخبارية الواردة من فيينا، وهو ما يبدو أن واشنطن على استعداد لقبوله.
يشير الموقف الروسي من بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية وبعدها إلى أمرين، أولهما أن موسكو باتت اللاعب الرئيسي والأهم في الصراع في سورية، والذي في وسعه أن يحدد وجهة الصراع ومآلاته، وربما الحل النهائي للأزمة. وثانيهما، أن في مقدور موسكو إعادة رسم التوازنات والتحالفات فى المنطقة، من خلال تقوية موقف حلفائها وتوفير الحماية الإقليمية لهم، خصوصاً بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
بكلمات أخرى، تبدو روسيا كما لو كانت الطرف الوحيد الذي سوف يستفيد من مآلات أي مخرج للأزمة السورية، بغض النظر عن طبيعة هذا المخرج وشكله. وقد عززت من موقعها على طاولة المفاوضات، بعد تدخلها العسكري المباشر في سورية، وتحولها من مجرد وسيط، ولو غير نزيه، إلى لاعب أساسي في الصراع.
وإذا كان متوقعاً أن تجتمع الأطراف الإقليمية والدولية للأزمة السورية، بعد أيام قليلة في فيينا، من أجل ترجمة الطرح الروسي إلي اتفاق أو وثيقة، يمكن على أساسها التوصل إلى حل سياسي للأزمة، فإن مصير الأسد بات معروفاً، وهو أنه سيظل في السلطة طوال المرحلة الانتقالية، ما يعني العودة إلى "نقطة الصفر" مجدداً، مثلما حدث بعد اتفاق جنيف 1، الذي ظل مجرد حبرٍ على الورق.

اقرأ المزيد
٢٧ أكتوبر ٢٠١٥
"الجيش الحر" المطلوب للخارج مختلف عن جيشنا

طرح تصريح وزارة الخارجية الروسية ، حول قيام وفد من "الجيش الحر" بزيارة موسكو ، آلاف التساؤلات حول (ممن مؤلف هذا الوفد ..؟ ، ومن يمثل ...؟ ، وماذا يمكنه أن يقدم لروسيا في هذه الفترة من عدوانها على سوريا..؟) .

لعل قبل الإجابة على هذه التساؤلات نحن بحاجة لمراجعة بسيطة لأيام قليلة خلت ، وتحديداً مع إنطلاق العدوان الروسي في 30 أيلول الماضي ، حيث كثر الحديث عن مصطلح "الجيش الحر" ، بين نفي وجوده ، وتعزيزه و تكثيف ظهوره ، و لكن رافق هذا ، حملة تكاد تكون الأعنف والأشد تركيز على إغتيال أبرز قياداته و العاملين في مجاله ، و الذين حافظوا على البقاء تحت جناحيه رغم كل المحن ، لإستبدالهم بالأشخاص المطلوبين و القادرين على تحقيق ماهم مرسوم ومخطط من كل جهة .

ومن الواضح أن "الجيش الحر" الموجود على الأرض ليس هو المعني بالدعوات و الأحاديث الخارجية ، و هو مختلف تماماً عن ذلك الموجود على الأرض ، و الذي يقاتل بكل مالديه من رجال وعتاد والأهم بعزيمة "أبناء البلد" ، وصدق أحد المراسلين عندما قال لي "لا يصمد في المعارك التي تُخاض حالياً إلا الملائكة " .

لكن هذه الصفات هي غير مطلوبة ، فالمطلوب هو عناصر مؤدلجة و مدجنة ، و يمكن توجيهها في أي إتجاه يريد هذا الطرف أو ذلك ، فروسيا تريدهم داخل قوات الأسد في استنساخ لتجربة "الدفاع الوطني" ، بينما أميركيا تريدهم مرتزقة ليقاتلوا العدو الوهمي "داعش" ، وفي كلتا الحالتين الأسد و قواته و إيران و مليشياتها خارج الحسابات ، الأمر الغير مقبول بتاتاً في الداخل وممن يحمل السلاح و يملك الأرض ، فصحيح أن داعش تعتبر عنصر خطر كبير على كل سوريا خصوصاً و الإسلام عموماً ، لكنها تبقى نتيجة طبيعية لوجود سفاح فتك بـ23 مليون سوري حالياً ، وأكثر من 50 مليون على مر السنون الـ45 الماضية .

و لعل الترويج المكثف و الإساءات التي سعى الجميع (خبثاً أو تبعية ببغائية) ، بأن "الجيش الحر" هو شلة من اللصوص ، المتفلتين ، المستفيدين ، لا وجود لها إلا في الأذهان رغم وجود بعض الشواذ على القاعدة الأصل ، ففي هذا الجيش أخي و إبني و صديقي وكنا ولازلنا فيه ، فهم يعرفون الله ، و يتقنون عبادته ، ولايقلون عن هذا أو ذاك في أي أمر ، ويتوحدون مع الجميع في الأهداف العريضة في الدفاع عن "الدين و العرض و الأرض" ضد كل من يحاول الإساءة أو الإعتداء .

إذاً من زار أو سيزور روسيا ، ومن تدرب أو سيتدرب على أيدي أميركا ، ليس بـ"جيش حر" بالمعنى الحقيقي و الواقعي ، و إنما مرتزقة و بيادق بيد هذا أو ذلك ، ولكن يبقى البيدق بيدقاً ، و يبقى الحر حراً ، والسنوات الخمس الماضية كانت كافية لتحويل الثقة من مكان الشك إلى منتهى اليقين ، فـ"الجيش الحر" هو حر و منّا و لنّا.

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٥
حوار المعارضة السورية والروس

حمل التدخل العسكري الروسي في سوريا متغيرات جديدة في القضية السورية وحولها، كان الأهم في هذه التغيرات انتقال روسيا من صف الوقوف السياسي إلى جانب نظام الأسد، ودعمه بأشكال مختلفة بما فيها السلاح والذخيرة، إلى التدخل العسكري المباشر بالقوات من جهة وإلى تكثيف دعمها السياسي له باعتبارها صارت معه في خندق قتال واحد كما كان في عداد هذه التغيرات، أن روسيا وبحكم موقعها في القوة العالمية كدولة كبرى، وبإمكانياتها المتميزة، صارت القوة الأهم في تأثيرها في القضية السورية، ولا سيما في موقعها بين الأطراف المقاتلة ضد الشعب السوري، مما يجعلها في موقع القيادة لحلف النظام مع إيران والميليشيات التابعة لها وغيرها، ممن يقاتلون ضد الشعب السوري والمعارضة المسلحة وبطبيعة الحال، فإن علاقات المعارضة مع الروس، كانت أبعد ما تكون عن العداء على مدار سنوات الصراع السوري، بل كانت في أغلبها علاقات حوار علني أو مستور بين الجانبين، بدأت مع بداية الأحداث في دمشق، ثم تولد فيها خط آخر في الخارج، بعد أن أسست المعارضة السورية لها كيانات وتشكيلات في الخارج، أبرزها الائتلاف الوطني السوري الذي انخرط في لقاءات وحوارات مع الروس في إسطنبول وفي موسكو وأماكن أخرى، كان آخرها لقاءات عقدت في موسكو بين الائتلاف والقيادة الروسية قبيل التدخل العسكري الروسي بقليل، وهي لقاءات تقاربت زمنًيا مع لقاءات روسية مع ممثلين عن أطراف معارضة أخرى بينها لجنة القاهرة لمؤتمر المعارضة السورية ورغم أن التشكيلات المسلحة للمعارضة السورية لم تدخل بوابة حوار مباشر مع الروس، فإنها لم تكن بعيدة عنه بحكم علاقاتها وصلاتها مع تكوينات المعارضة، وبخاصة الائتلاف الوطني، الأمر الذي جعلها قريبة من الحوار، وإن كانت لا توافق على كثير من مضامينه، خاصة في ظل موقف روسي، يدعم نظام الأسد في المستوى الدولي، ويقدم له مساعدات توفر له سبل البقاء والاستمرار، ويؤكد شرعية وجود الأسد، ويؤيد استمراره في سدة السلطة وبدا من الطبيعي أن يترك التدخل العسكري الروسي أثره المباشر على موقف المعارضة وعلاقاتها مع موسكو والحوار معها وباستثناء عدد قليل من تكوينات المعارضة منها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، رحبت بالتدخل باعتباره يندرج في إطار الحرب على الإرهاب والتطرف وجماعاته، ولا سيما تنظيم داعش، فإن أغلب قوى المعارضة وقفت موقف الحذر من التدخل ورفضته أما المعارضة المسلحة، فكانت أكثر تشدًدا في الموقف من التدخل الذي استهدفها مباشرة سواء لجهة ضرب معسكراتها وقواتها، أو لجهة استهداف حواضنها الشعبية في التجمعات السكانية في حمص وحماه وإدلب وحلب ومناطق من ريف دمشق في ظل حقيقة عدم أي وجود لـ <<داعش>> في تلك المناطق، وقد تعزز هذا الموقف في ضوء مشاركة الطائرات الروسية بالاستطلاع والقصف الجوي بالتنسيق مع هجمات قوات النظام مدعومة بالقوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها على مناطق المعارضة، خصوًصا في ريف حماه وإدلب وحلب وعلى الرغم من تداعيات الموقف الروسي التي عمقت دوره في المعسكر المعادي للشعب السوري وثورته، وما أصاب حوار المعارضة السورية السياسية والمسلحة من تغييرات، تجعله صعًبا وتصادمًيا، فإن وقف الحوار مع الروس الذي يشكل أولى مراحل التفاوض، لا ينبغي أن يتوقف من جانب المعارضة، بل ينبغي أن يستمر في مستويين، أولهما عدم إلقاء السلاح والتصدي لهجمات النظام المدعومة روسًيا على المعارضة المسلحة المعتدلة، وحوار من مستوى آخر تخوضه قوى المعارضة السياسية حول الوضع في سوريا وتطوراته، بهدف السعي لتغيير الموقف الروسي، ليس فقط من خلال المصالح والمنطلقات السياسية، بل عبر استخدام القوة المسلحة التي تمثلها التشكيلات المسلحة للمعارضة وعملياتها على الأرض إن ضرورات الحوار مع الروس، لا تتعلق بوضعهم وعلاقاتهم بالقضية السورية، من حيث الروس قوة عظمى ذات إمكانيات وقدرات كبيرة، وقد صاروا في قلب القضية السورية، وأحد أهم المؤثرين في تطوراتها اللاحقة فقط، إنما أيًضا بوضع المعارضة ذاتها، التي هدفها خلاص الشعب، وهذا لا يتحقق بوجودها بعيدة عن الفاعلين في القضية، وهي ستخوض عاجلاً أو آجلاً مفاوضات حول الحل في سوريا، وشروط الانتقال من نظام الاستبداد والقتل إلى نظام جديد، يوفر مطالب السوريين في الحرية والعدالة والمساواة إن المشكلة الأساسية في حوار المعارضة مع الروس بما هو مرحلة أولى في التفاوض المقبل، يكمن في جوهر الحوار ومحتوياته فمن المهم إيصال رؤيتها للقضية السورية، وإيضاح مواقفها من التطورات الحالية، وفهم السياسات والمواقف المعلنة والخفية للأطراف المختلفة، خصوًصا الروسية من أجل التعامل معها بمعرفة ووعي كبيرين، تفرضهما الرغبة في الوصول إلى حل، يخلص السوريين مما صاروا إليه، وينقذ ما تبقى من سوريا التي دمرها نظام الأسد وحلفاؤه

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٥
تداعيات المشهد السوري

ظل المشهد السوري طوال السنوات الخمس الماضية، في حالة تنازع بين مشروعيْن سياسيين. أولهما تقسيم البلد، أو إعادة بنائه وفق معايير اللامركزية، بدعوى الأخذ في الاعتبار التنويعات الإثنية والطائفية. وثانيهما، انتهاج نوع من الحلول التي تتضمن تعويم نظام بشار الأسد، ولو لمرحلة انتقالية محددة، بدعوى الحفاظ على مؤسسات الدولة، والخوف من الفراغ، أو لتوفير البديل المناسب؛ الأمر الذي تم تأكيده في محصلة اجتماعات فيينا (24 أكتوبر).
بديهي أن هذين الخياريْن يتأسسان على حال استمرار الصراع بين النظام والمعارضة دون استطاعة طرف التغلب على طرف آخر، كما يتأسسان على حفاظ الأطراف الدولية على هذه المعادلة، ناهيك عن ظهور خطر ثالث يتمثل في الجماعات الإسلامية المتطرفة.

والحقيقة أن السوريين في كل ذلك، يواجهون معضلة تتمثل في غياب أي عملية سياسية لإخراج بلدهم من حال الخراب العميم الذي يفتك به من كل حدب وصوب، وعلى كل الأصعدة، أي البشر والعمران والدولة والجغرافيا والموارد. والقصد من ذلك لفت الانتباه إلى أن مشكلة السوريين لا تتمثل في وجود هذا المشروع أو ذاك، بغض النظر عن الموقف منه، وإنما هي تتمثل، على نحو أدق، في الافتقاد المريب لأي عملية سياسية جدية، أو لأي جهد، يمكن أن يؤسس لتوافق دولي وإقليمي وعربي، يؤدي إلى وقف تعميم القتل والخراب والتشريد الجاري منذ أكثر من أربعة أعوام. وعلى أي حال فقد فاقم من هذا الوضع دخول روسيا الفجّ على الخط، عن طريق استخدام قوتها العسكرية، ولا سيما سلاح الطيران، إن في القصف الوحشي للمناطق التي لا تخضع للنظام، أو في تشكيل غطاء حماية لقوات النظام في هجماتها على المناطق التي يسيطر فيها الجيش الحر.

ويبدو من مجمل التطورات الحاصلة، وضمنها اجتماع فيينا الرباعي (الجمعة الماضي)، أن أوان الحلول لم يحن بعد من وجهة نظر اللاعبين الكبار، ولا سيما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وأن الصراع على سوريا لم يحسم بعد، من وجهة نظر الأطراف الدولية والإقليمية، وأن كل الجهود متركزة على استهداف داعش، دون المس بالنظام، رغم أنه المسؤول عن كل ما يجري في سوريا، وضمنه نشوء وصعود داعش ذاته.

أما الفكرة الأخرى المتعلقة بالتقسيم، فهي تذكر بالأفكار السياسية المتسرعة والنمطية، التي سادت إبّان الاحتلال الأميركي للعراق، والتي كانت تروج لفكرتين مفادهما، أن الولايات المتحدة تريد استعمار العراق والبقاء به ونهب ثروته النفطية، وأنها فوق كل ذلك تنوي تقسيم العراق. ومع كل الانتقادات والإدانات للسياسة الأميركية في العراق، وضمنها غزوه، وفرض ترتيباتها السياسية فيه، إلا أنها جاءت عكس تلك الادعاءات، إذ أن الولايات المتحدة تركت العراق، وسلمته لـ”أصحابه” موحدا، بعد أن أخرجت جيشها وفق جدول زمني معين. أما ما حدث بعد ذلك، فتقع مسؤوليته على كاهل العراقيين أنفسهم، وبالضبط، على الطبقة السياسية المسيطرة، التي تبينت عن طبقة سياسية غارقة في الفساد وضيق الأفق والطائفية.

القصد من ذلك هو أن عهد الاستعمار التقليدي انتهى منذ زمن إلى غير رجعة، وأن أشكال التبعية اليوم، سيما في عصر العولمة، باتت أكثر تشعبا وتعقيدا، وهي أعمق من العلاقات الاستعمارية المعروفة. هذا ينطبق أيضا، على فكرة التقسيم إذ لم يعد ثمة ما يفيد بأن فكرة “فرق تسد” ما تزال تعمل، لأن الدول الكبرى وشركاتها، بات يهمها التعامل مع أجسام واسعة ومع مصالح ممتدة، أي أن القانون العام اليوم يدفع في اتجاه التوحيد أو التكتل، وليس في اتجاه التفرق.

السوريون معنيون بأن يخشوا أشياء كثيرة أخرى، بدلا من خشيتهم في احتمالات تسوية سياسية أو في احتمالات التقسيم، وكلاهما أمران غير يقينيين، لا سيما بعد أن انتهى النظام عمليا. ومعنى ذلك أن السوريين مطالبون بالتحسب من استمرار مسار تشردهم، واستمرار الحرب المدمرة، وتغول الجماعات المتطرفة، والافتقاد لأي مسار يمكنهم من ترميم أحوالهم كشعب، وعدم قدرتهم على توليد كيان سياسي يمثلهم.

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٥
.. بالعودة إلى «الأقليات» في سورية والمشرق

كلما ذُكر تعبير «أقليات» في أجوائنا المحتقنة والمشحونة بالحقد والغضب، علا صوتان متباعدان:

واحد مُتخم بالذات، صاحبه لا يشاهد في العنف الذي يحيطنا إلا مشكلة تعاني منها الأقليات، وأحياناً «مؤامرة» عليها. ومَن لا يرى معاناة الأكثرية في سورية إنما يتاخم، بذريعة العلمانية والحداثية، الوعي العنصري، إن لم يتموضع في صلبه.

وآخر يستسهل الإنكار، فلا يرى مشكلة أقليات أصلاً، لا رآها قبل المأساة السورية ولا رآها بعدها. وصاحب الصوت هذا استبدادي ومتعصب يتمسك بـ «ديموقراطية» هي مجرد تغليب للعدد الديني أو الطائفي، أي مجرد استراتيجية إخضاع للأقليات.

لنقل، بادئ بدء، إن مشكلة الأقليات جزء تكويني من عالمنا ما بعد العثماني، ومن تشوهٍ في ثقافتنا عززه اصطدامها بالحداثة. أكثر من هذا، فالمشكلة من الضخامة بحيث جرت إلى أرضها استراتيجيات وتدخلات دولية، أو شكلت الحجة والغطاء الكافيين لمثل تلك التدخلات. ولنقل أيضاً إن الديموقراطية لا تعني حكم الأكثرية إلا بقدر ما تعني ضمانات للأقليات وتمثيلاً لحساسياتها. أما النزف الهائل الذي عرفته الأقليات في المشرق العربي، منذ بدايات القرن العشرين، فشهادةٌ لا تُدحض على عمق المشكلة إياها، وعلى صدورها عن تصدع أصاب دواخلنا الحميمة ويصيبها.

إلا أن هذا يبقى، في التجربة التاريخية لمنطقتنا، نصف الحقيقة.

فالنصف الثاني أن مفهوم «الأقلية» عندنا أوسع منه في التجربة الأوروبية التي عرفتنا أصلاً على مشكلة الأقليات. ففي أوروبا، كانت الأقلية الدينية والإثنية أقلية سياسية أيضاً، بمعنى بقائها خارج الحياة والتمثيل السياسيين أو على هامشهما. ولا تعلن معاناةٌ كمعاناة اليهود الأوروبيين إلا هذه الحقيقة بأبشع صورها وأشدها وحشية. أما في بلداننا، فلا يقتصر مفهوم «الأقلية» على دلالة دينية أو طائفية أو إثنية، فهناك أيضاً أقليات سياسية ينشأ تعريفها عن موقعها من السلطة والتمكن حتى لو كانت أكثريات عددية.

في هذا المعنى، كان شيعة العراق، ولا يزالون، أكثرية في العدد، إلا أنهم، منذ نشأة العراق الحديث، وخصوصاً في عهد صدام حسين، حتى 2003، عاشوا بوصفهم أقلية سياسية. والشيء نفسه يقال في سُنة سورية، وهم أيضاً أكثرية عددية، غير أن إزاحتهم إلى الهامش السياسي ابتدأت في 1963 لتتعاظم مع تفرد حافظ الأسد بالسلطة في 1970 وتنتهي بهم أقليةً سياسية.

ومفهوم الأقلية السياسية هذا إنما يصدر عن تاريخ محدد لم تعرفه أوروبا، يبدأ بالاستنكاف الأكثري عن السياسة مع انهيار السلطنة العثمانية ووفادة الانتدابين الفرنسي والبريطاني، ثم صعود الجيوش التي كانت قاطرة الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية إلى السلطة، وأخيراً قيام أنظمة للعسف والطغيان حيال «الشعب»، وهو تعريفاً ما يصيب بالأساس أكثريات الشعب العددية.

والحال أن هذا المفهوم عن الأقلية السياسية إنما يعكس على نحو أدق ذاك التمزق الهائل في نسيجنا المجتمعي والوطني، حيث أننا جميعاً «شعوب» مكونة من أقليات تتساكن على قلق وريبة، فيما تتعدد مصادر أقليتها وأسباب خوفها. وهذا ما لا يفضي إلى استبعاد مفهوم «الأقلية» واعتباره لزوم ما لا يلزم، بل يقود، في المقابل، إلى توسيعه وإلى وعي دوره القاهر في الإلحاح على الديموقراطية والعلمنة، معاً وفي آن واحد.

أما حلف الأقليات في وجه أقلية بعينها، فأقل ما يقال فيه إنه خيانة لفكرة الأقلية ذاتها ولضعفها في مواجهة أعداء قاتلين يُطلَب التماهي مع جبروتهم ومع قدرتهم على ممارسة القتل.

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٥
من يراهن على حل سياسي بوتيني بالشام يتجاهل إرثا روسيا لقرون

ما فشل به القياصرة والبلاشفة وأخيرا أحفادهم في عصر البيروستريكا لقرون يخال بوتن أن ينجزه وحده في الشام، فقد كان حلم رومانوف وكاترينا لقرون الوصول إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط الذي تغنى به الشعراء، والذي قامت على ضفافه الحضارات، ولم تحفر الإمبراطورية الرومانية اسمها تاريخيا وجغرافيا إلا بعد أن سطت على شطآنه، ولكن روسيا بوتن تتجاهل التاريخ الصادع والصارخ بوجهها أن لا موطئ قدم لها على المتوسط طيلة تلك القرون، وإن حصلت عليه خلسة أو سرقة لبعض الوقت اليوم بسبب عملاء وخونة لها، فهي تدرك تماما أن العملاء لا يمدون حياة السيد إلى أمد بعيد، ولو كان هذا ممكنا لكان لها في عملاء الأفغان أنزيم ومغذ كاف للبقاء على مرمى حجر من أراضيها، فكيف لها أن تبقى بعيدة آلاف الأميال عن أراضيها، ووسط بحر شعبي متلاطم معاد لها ولاحتلالها الشام التي لها رنين شرعي وتاريخي كبير وسط العالم الإسلامي كله؟

هذه ليست مقدمة رغائبية أو أضغاث أحلام نمني بها أنفسنا، ولكنها حقائق تاريخية تعززها وتساندها مقاومة شعبية وثورة تاريخية عالمية بكل المقاييس إن كان من حجم التآمر العالمي الكوني عليها، أو من حيث حجم الخذلان الذي تتعرض له، أو من حيث التضحيات التي قدمتها، ولا يزال مخزونها التضحياتي يقذف بحممه بها على مذبح الحرية والانعتاق من نظام عالمي رهيب كبلنا به لقرن ونيف.
أزعم أنني طالب في مدرسة التاريخ، ولا أعرف على مدى هذه القرون الروسية أن حل الروس قضية بشكل سياسي، فالدب الروسي الذي يلعب ببيوت خزف جميلة دمشقية وأوكرانية وجورجية وأفغانية وهنجارية وفي آسيا الوسطى من قبل، لا يعرف إلا التدمير والقتل والسحل، وقد قامت دولته على أنقاض وجماجم ضحايا تتخطى الملايين من الشهداء والقتلى، ولا يزال الدب الروسي نهما للمزيد من الدماء.

ليس في قاموس الروس تفاوض، وإن كان فتفاوض من أجل التفاوض، وحوار من أجل الحوار، ما دامت طاحونة القتل والدمار على حساب دماء الآخرين متواصلة، وما دام الحوار يوفر لهم غطاء دوليا لاحتلالهم وإجرامهم، بل ويزيدهم انفتاحا على العالم بذريعة التفاوض، فضلا عن أنه يوفر لهم تعهدا من الطرف الآخر بعدم تزويد وتوريد الأسلحة النوعية لثوار سوريا، وهو ما يضمن لهم قتلا رخيصا للشعب السوري.
سياسة الأرض المحروقة المعتمدة روسياً لم تنتعش وتزدهر في عصر بوتن فقط، وإنما متأصلة في الجينات الروسية منذ عصر القياصرة والبلاشفة، فهي السياسة الممنهجة والملقنة بالمدارس والجامعات، ولذا فالتعويل على غير ذلك كمن يسعى إلى قبض الريح ويبحث عن السراب، وكل التعلق بالشكليات من زيارة طاغية الشام إلى روسيا من استدعاء واستقبال و..و.. إنما هو لحرف الأنظار عن جرائمهم والتغطية عليها، ولعل وزير الخارجية القطري خالد العطية استدعى ذلك التاريخ وتلك الممارسات كلها أمامه حين تحدث عن حل عسكري بمشاركة تركية-سعودية، بالإضافة إلى التنسيق الثلاثي بين تلك الدول وهو ما يظهر قراءة تاريخية صحيحة، ويظل الناظم هو بالقدرة على دعم الثوار بأسلحة نوعية متطورة، ففشل اتفاق فيينا أكد أن الممارسات والإرث الروسي يصبان في محيط الإجرام الروسي ما دامت سياسته متصحرة، فما يهم الروس والأميركيون الآن هو الحوار من أجل الحوار، مع ضمان طاحونة القتل والدمار والخراب للشام.

هنا نصل إلى مربط الفرس كما يقال، إذن ما الحل؟ الحل باختصار هو بترجمة شعار رفعه الشعب السوري منذ البداية مدركا بحسه الفطري الذكي أن لا ناصر له إلا الله فاختصره بشعار «ما لنا غيرك يا الله»، وترجمته تكون على أيدي النخب السورية من فصائل عسكرية مسؤولة بالدرجة الأولى أمام الله ثم الشعب والتاريخ، وكذلك النخب العُلَمَائية المشيخية، والنخب الثقافية والسياسية والإعلامية، وكل أنواع النخب القادرة على أن تشكل رافعة وحاملا للثورة، فهذه الثورة بحاجة إلى حوامل ورافعات عدة، ولا يمكن الاكتفاء بواحدة دون غيرها.

وبقدرة علماء الشام أن يلعبوا دورا كبيرا في التعجيل بالنصر، وتقليص مسافته، وأس دورهم بتجييش الأمة وتعبئة الشارع العربي والإسلامي، وتوضيح الصورة الحقيقية المغيبة للأسف حتى الآن، والتي لم يجرؤ على الحديث عنها إسلاميون ملتزمون فضلا عن العوام، وهذا كله بسبب فشل القيادة السياسية والمشيخية السورية في توضيح الصورة، وإلا فإن الاحتلالين الإيراني والروسي للشام قادران على تعبئة الشارع العربي والإسلامي والضغط على الحكومات من أجل الانتصار للشعب الشامي، على الأقل كما حصل إبان أفغانستان أواخر القرن الماضي.

الحل العملي والسريع يكمن بلجوء العلماء إلى الشارع العربي والإسلامي بطوافهم حول الدول العربية والإسلامية واستثمار منابر الجمعة في التعريف بما يجري في الشام، يرافقه إقامة المؤتمرات والمعارض التي توضح همجية الاحتلالين، مع الدعوة إلى مقاطعة هذه الدول سياسيا وعسكريا واقتصاديا و..و.. كله يشكل ضغطا ليس على الحكومات المتعاملة مع قوى الاحتلال فقط، وإنما يساعد الحكومات الصديقة في تخفيف الضغوط الدولية عليها لموقفها المشرف من الثورة، فلا يعقل أن يتحرك كهنة وأحبار النظام ويتفرج شيوخ وأعلام ورموز الثورة من العلماء، وهذا لا بد له من أن تتبرع الدياسبورا السورية المنتشرة في أرجاء العالم بوقتها وبجهدها وبعلاقاتها في التحضير لهذا التحرك، ويا حبذا عقد مؤتمر موسع لهذا الدياسبورا السورية ليضع النقاط على حروف التحرك الشامي نصرة للشام وإنقاذا لها، على غرار المؤتمر الصهيوني الذي عقد في بال.

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٥
"سورية فيديرالية" برعاية روسيا و"الحرس القديم"

 التدخل الروسي في سورية محكوم بسقف زمني. سقف تحكمه اعتبارات سياسية وعسكرية واقتصادية. هذا ما كرره الرئيس فلاديمير بوتين. أكد أن التدخل "محدود زمنيا". حتى نهاية السنة. لا يرغب في انخراط ميداني مفتوح. لذلك استعجل إطلاق المسار السياسي بحثا عن تسوية. وكان لقاء فيينا قبل ثلاثة أيام إقرارا بالتخلي عن أولوية الحرب على الإرهاب. وهو ما تمسك به الكرملين في لقاء جنيف الثاني. وما كان النظام في دمشق يكرره حتى الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد لموسكو، مطلع الأسبوع الفائت. إنها خطوة تلتقي مع إصرار خصوم النظام في الداخل والخارج على وجوب إطلاق المسارين معا. بات الجميع مقتنعين بأن لا إمكان لمواجهة الحركات الجهادية من دون حشد كل الجهود في هذه المواجهة. ويستلزم ذلك، كما صرح المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، إنجاز تغيير سياسي.

هذا التغيير في سلم الأولويات ليس وحيدا. أطلقت الديبلوماسية الروسية تصورها للتسوية. ولعل أهم ما في النقاش الدائر اليوم هو مصير الرئيس الأسد ودوره في مستقبل سورية. لم يعد ممكنا إطلاق القطار من دون التفاهم على هذه النقطة. هي البداية. وهذا تطور كبير. لن تعلن موسكو أو تكشف علنا على الأقل موقفها من هذه النقطة، البند الرئيس في الحوار المقبل. ليس مألوفا في أي مفاوضات أن تكشف الأطراف المعنية كل أوراقها. تظل هذه رهن مسيرة الحوار. ولو لم تكن هناك أفكار نضجت وتشكل قاعدة انطلاق لما دعا الرئيس بوتين نظيره السوري إلى لقاء عاجل ومفاجئ. أراد أن يسمع منه، وأن يُسمعه أيضا تصوره لعناوين الحل. لم يكشف ما دار بينهما. اكتفى بالقول غداة اجتماعهما أن الرئيس الأسد استحسن فكرة دعم قواته فصائل مسلحة على الأرض تحارب الحركات الإرهابية. تماما كما تساعد القوات الروسية الجيش السوري. لكن عودة إلى الوراء ربما كشفت بعض ما دار في اللقاء.

لم تخف الدبلوماسية الروسية استياءها من تصرف وفد النظام السوري إلى لقاء موسكو الثاني الربيع الماضي. إذ لم يبد أي اهتمام بسعيها إلى تحقيق اختراق وإن صغير في جدار الأزمة. وترجم الكرملين هذا الاستياء بإرسال موفد رفيع إلى دمشق حاملا أسئلة محددة إلى الرئيس الأسد مباشرة: كيف يرى إلى مستقبل الحملة العسكرية في ظل استحالة الحسم الميداني؟ وما هي رؤيته لعناصر أي تسوية سياسية. لكن الرئيس بوتين لم يحصل على أي جواب. وهو ما دفعه إلى تأخير بعض شحنات الأسلحة إلى سورية اعتبرت بمثابة إنذار أو تعبير عن امتعاض كبير. وكانت رسالة لها تداعياتها على الصعيد الميداني. وقد أظهر التدخل العسكري الروسي المباشر أهميته وفاعليته في وقف تقهقر النظام وقواته وحمايته من التداعي. لذلك من الطبيعي أن يكون الرئيس بوتين قدم تصوره للتسوية وعناصرها. لا يحتاج إلى فرضها على ضيفه، ما دام الأخير يدرك لغة التخاطب الديبلوماسي وأعرافه. وبدا واضحا من لقاء فيينا أن البحث تركز على المرحلة الانتقالية وجدولها الزمني ودور الأسد فيها ومدة بقائه حتى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

لم يكشف الرئيس بوتين كل أوراقه أمام ضيفه. وكذلك فعل وزير خارجيته سيرغي لافروف في فيينا. لن يكشف الروس تصورهم لخروج الرئيس الأسد. هم مقتنعون بأن بقاءه يبدو مستحيلا، بل عقبة رئيسية في وجه التسوية. يبقى ترتيب خروجه. وهذا أمر منوط بتقدم المفاوضات التي لن تتوقف. ثمة إجماع على قيام مرحلة انتقالية. ولا شك في أن الرئيس السوري سمع ما عليه أن يقدم من صلاحيات وتنازلات إلى الهيئة الانتقالية. ويمكن القول هنا إن الصلاحيات العسكرية والأمنية لم تعد عقدة صعبة.

بات أمر هيئة الأركان وإدارة الحرب بأيدي الجنرالات الروس المنخرطين في القتال وفي إعادة تأهيل المؤسسة العسكرية وهيكلتها. بل هم يسعون إلى استعادة زملاء لهم باتوا خارج الخدمة الميدانية والاستخبارية ليشكلوا أداة استشارية تكون لها كلمة مسموعة في أداء المؤسسة ومهماتها ودورها المقبل في أي تسوية. والأرجح أن في ذهن الروس بعث "الحرس القديم" مع انتهاء حكم "البعث". وأن تؤول وزارة الدفاع إلى ما يمثل هذا الحرس، إلى الأقلية العلوية لمزيد من طمأنتها وباقي الأقليات. وليس قليلا أن يطرح الوزير لافروف فكرة دمج فصائل "الجيش الحر" في الجيش النظامي. ومعروف أن هذه الفصائل التي يصنفها الجميع بأنها معتدلة يقدر عديدها بنحو عشرين ألفا في المناطق الشمالية للبلاد. ونحو أربعين ألفا في "الجبهة الجنوبية" التي تلقى دعما من الأميركيين وبعض الدول العربية المعنية. أي أن عناصرها قد تضاهي عددا القوات النظامية المنخرطة في القتال. لكن السؤال هنا ما الذي سيقدمه لافروف لإقناع هذا "الجيش" بعرضه السخي بعد كل التضحيات التي قدمها، أم أن ثمة خطة لشقه وتبديد فصائله؟

وقبل لقاء فيينا، نشطت موسكو منذ بداية تدخلها العسكري، بحثا عن شخصيات لتولي رئاسة الحكومة في المرحلة الانتقالية. وطرحت نحو ثلاثة أسماء بينها فاروق الشرع من الداخل وشخصية مقبولة في الخارج وآخر مسؤول سابق من حلب. وتردد أن بعض أطياف "الائتلاف الوطني" أبدى استعدادا للقبول بنائب الرئيس "الغائب" أو "المغيب" عن المشهد السياسي منذ توليه إدارة أول حوار مع بداية الأزمة. ولم تبد أطياف معارضة اعتراضا كبيرا. بل إن روسيا ألحت على النظام لكسر الطوق المضروب على الشرع. وواضح من تحركاتها أنها تسعى إلى بناء منظومة تشكل عماد النظام المقبل، على غرار بعض الأنظمة القائمة في الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى: ديموقراطية على الطريقة الروسية برموز عاصرت وتحملت مسؤوليات زمن حلف وارسو.

إذا كان الرئيس الأسد هو العقبة، فإن موسكو لن تغامر بدفن التسوية السياسية لأنها لن تغامر في تخطي السقف الزمني الذي يسمح به تدخلها العسكري. فلا طاقة لاقتصادها على خوض حرب مفتوحة، خصوصا أن حلفاء الفصائل المعارضة لم يقصروا ولن يقصروا في مدها بما تحتاج من عتاد وأسلحة نوعية. ولو كانت روسيا واثقة من تحقيق هزيمة كاسحة لخصوم النظام لما عجلت في طرح رؤيتها للتسوية. الثابت أنها ستسعى إلى تدعيم مواقع النظام بما يحقق الأمان لمناطق وجوده من العاصمة إلى حلب مرورا بحمص وحماة وتدمر. فإذا لم تثمر مساعيها في المسار السياسي لن تغامر في مواصلة الحرب على "داعش". ويعني ذلك أنها ستقف في العقبة التي توقف عندها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. لا بد إذا من التنازل الكبير عن الرئيس الأسد. وثمة مخارج كثيرة لرحيله. لا يتعلق الأمر بتوقيت محدد تلتزمه أمام خصومه. قد يسلك المسار وجهة تفضي إلى رحيل طبيعي. كأن تقنعه بالضغط المباشر، أو عبر الاعتماد على ضغط تمارسه حاضنته لعدم الترشح في الانتخابات المبكرة.

الخريطة الروسية لمسار التسوية تواجه بالتأكيد عقبات وحواجز وتعرجات وعراقيل جمة. ليس لأن المطلوب أولا تفاهم مع الولايات المتحدة فقط. فالراجح أن الخلاف بين القوتين يتعلق بالوضع في العراق أكثر منه في سورية. وليس سرا أن واشنطن أتاحت لموسكو منذ البداية أن تؤدي دورا واسعا في بلاد الشام. وأن ما يجري في بلاد الرافدين يستأثر بسلم أولوياتها. ألم تعلن صراحة منذ قيام التحالف الدولي أن التركيز سينصب على قتال "داعش" في العراق؟ وهي تخوض صراعا مريرا هناك في مواجهة القوى الحليفة لإيران. وتسعى إلى مساندة رئيس الوزراء حيدر العبادي والحؤول دون تمدد التدخل الروسي شرقا. وإذا كانت رضخت أخيرا لضغوط "الحشد الشعبي" الذي أصر على المشاركة في تحرير الرمادي، فإن قرار العبادي تبني مقاتلي العشائر قوة رسمية محاولة لإقامة نوع من التوازن مع ميليشيات الحشد التي باتت تنافس الجيش النظامي وتتخطاه.

كذلك إن الاستراتيجية الروسية تتجاوز الحدود السورية. والتسوية في سورية لا يمكن فصلها عما يجري في الإقليم كله. من هنا إصرار موسكو على إشراك إيران وآخرين في لقاءات فيينا. لكن المملكة العربية السعودية وشريكاتها ستظل ترفض مشاركة طهران في أي مفاوضات ما لم تتقدم هذه خطوات تؤسس لنوع من التوازن بينها وبين خصومها العرب. أي أن تدفع نحو تسهيل الحل في اليمن. وأن تكف عن تمدد حلفائها تحت الرايات المتعددة للحرب على الإرهاب، سواء في العراق أو سورية. أي أن تعترف بأن سياستها لم تتح لها إطلاق يدها في المنطقة، بقدر ما تسبب لها استنزافا قاتلا من جهة، وتشكل تهديدا لمزيد من التفتيت والصراعات المذهبية والعرقية. صحيح أن تدخل موسكو العسكري قدم نفوذها على نفوذ الآخرين وعلى رأسهم الجمهورية الإسلامية. لكن يبقى عليها أن تترجم ذلك في بناء التوازن الغائب في بلاد الشام، وأن تترجم فعلا انفتاحها على الفصائل المعارضة في سورية. فهل تكرر موقفها هنا كما فعلت في اليمن قبل أشهر؟ أيا كانت نتائج المفاوضات قد يجد السوريون، الغائب الأكبر عن "جنيف 1" و"فيينا 1"، أن سورية فيديرالية قد تكون الحل الوحيد المتاح!

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٥
دمج المعارضة السورية.. أو قصفها

خلاصة لقاء فيينا الرباعي بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا والسعودية أن التسوية السلمية في سورية، المطروحة روسياً، ومقبولة أميركياً، تضمن بقاء الأسد، وتؤمن عدم سيطرة المعارضة على الدولة السورية، إن بقيت سورية دولة، غير أن مجريات لقاء فيينا ومحصلته ترتبط عضوياً بالزيارة التي قام بها بشار الأسد إلى موسكو، والتي حملت رسائل شديدة الأهمية والدلالة. فالإعلان عن الزيارة (ربما لم تكن الأولى منذ الثورة) يعني، مباشرة ومن دون أي تأويل، أن موسكو تمنح بشار دعماً مفتوحاً ومطلقاً، بل وتستطيع حمايته وتأمين خروجه من دمشق وحتى عودته سالماً غانماً. أما إتباع الزيارة بلقاء فيينا فمؤشر بالغ الدلالة، لجهة تقدم مكانة روسيا وموقعها إلى الأمام في معسكر دعم بشار، ما يعني ضمناً تراجعاً إيرانياً بالمسافة نفسها. وهو ما يؤكده غياب طهران عن لقاء فيينا، بعد أن كانت مرشحة، مع دول أخرى غُيبت أيضاً، للمشاركة في أي مشاورات سياسية جماعية.
ربما كان استبعاد إيران لتخفيف حدة اللقاء وتليين مواقف الأطراف الأخرى، خصوصاً السعودية وتركيا. أو لتأكيد أن روسيا عراب التسوية المطروحة بصيغة محددة، لا تقبل التفاوض، إلا في الهوامش، مثل المسائل الإجرائية ومواعيد التنفيذ. وهو ما يتسق مع الانطباع الذي تركته حزمة الاتصالات الهاتفية لبوتين مع عواصم الدول المعنية، من أن موسكو صارت المتحدث الرسمي باسم دمشق، بموجب الاستغاثة العسكرية، أو بالأحرى التفويض الذي تلقفته موسكو من دمشق مُرحبة.
وعلى الرغم من أن بوتين سعى، عبر تلك الاتصالات ثم لقاء فيينا، إلى تجميل التحرك السياسي الروسي برتوش منها استعداد النظام لتسوية سياسية، تتضمن إشراكاً للمعارضة "المعتدلة المسلحة"، إلا أن جوهر الخطوة الروسية الضاغط على المعارضة والدول الداعمة لها كان أكثر حضوراً وبروزاً من ذلك العرض الشكلي. وهو أمر مفهوم في ظل تواطؤ غربي، وتحديداً أميركي. ليس فقط بالنسبة لبقاء بشار، في مرحلة انتقالية غير محددة بدقة. لكن، أيضاً بالنسبة لطبيعة سلطة الحكم ومكوناتها، وتحديداً موقع المعارضة ودورها في تلك المرحلة. ولا غرابة بعد ذلك أن تمضي موسكو إلى ما هو أبعد، فتطلب من المعارضة، تحديدا الجيش الحر، المشاركة في الحرب على "الإرهاب" وإلا! وما قامت به الطائرات الروسية من قصف لمواقع الجيش الحر، وغيره من فصائل مسلحة لا ترتبط بتنظيم الدولة، ليس سوى بروفة لما يمكن القيام به ضد كل القوى التي تقاتل نظام بشار. وقد اختبرت موسكو بالفعل ردود الفعل على ما قد تباشره من عمليات ضد المعارضة، من أبرزها اختراق المجال الجوي التركي، والتحرش بالحضور العسكري الغربي. وكانت نتائج تلك الاختبارات مؤشراً إلى أن أياً من الدول، أو الأطراف التي أعلنت رفضها التدخل الروسي، ليست على استعداد لرفع سقف الرفض، إلى حد الدخول في مواجهة عسكرية ضد موسكو، ولو كان السبب في ذلك تعرّض قوات المعارضة لقصف مباشر، أو تنطع موسكو باستعراض عضلاتها الجوية على الحدود بين سورية وتركيا.
لا تكتفي الطبخة الروسية التي تقدمها للمعارضة بمرحلة انتقالية تحت رعاية بشار وإشرافه، وإنما تقرنها بالاصطفاف معه في مواجهة داعش وغيره من الجماعات الموسومة بـ "الإرهابية". أما إن رفضت المعارضة والدول الداعمة لها ذلك العرض، فسيعني ذلك، من وجهة النظر الروسية، الاصطفاف مع الجماعات "الإرهابية". وعندها، سيتم التعامل مع المعارضة، سواء الجيش الحر أو غيره، بنمط التعامل المسلح نفسه مع داعش، بأيدي دمشق وطهران وموسكو، تحت سمع واشنطن ولندن وباريس وبصره

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى