مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٥ نوفمبر ٢٠١٥
أوباما المخادع والـ 50 جندياً !

قبل خمسين عاماً قال الكاتب الأميركي جون شتاينبك: "عندما أنظر الى مداخن البيت الأبيض أحسب أنه فبركة كبيرة للأوهام". في نظر الكثيرين لم يكن البيت الأبيض هكذا في أي يوم، لكن الأسئلة تتسع الآن حول ما اذا كان باراك اوباما قد جعله فعلاً على هذا النحو!

يحار المراقب كيف ينظر الى قرار أوباما ارسال خمسين جندياً من القوات الخاصة الى شمال سوريا، فيما يقول آشتون كارتر إن القرار يأتي ضمن استراتيجية الولايات المتحدة دعم المعارضة في مواجهة "داعش"، وأنه يعرّض حياة العسكريين الأميركيين للخطر، بينما يسارع جون كيري الى التوضيح ان هذا ليس قراراً بدخول الحرب السورية وليس عملاً يستهدف بشار الأسد وأنما يركّز على "داعش"!
ثمة فعلاً ما يدعو الى السخرية، على الأقل حيال حديث آشتون عن استراتيجية أميركية تتمثل بإرسال خمسين جندياً معرضين للخطر، وخصوصاً أيضاً حيال حرص كيري على التوضيح ان القرار ليس ضد الأسد، ويأتي كل هذا بعدما كانت الإدارة الأميركية تردد دائماً مزاعمها التي تقول، إن لا معنى لقتال يركز على "داعش" ويقبل ببقاء الأسد في السلطة لأنه هو الذي صنع "داعش"!
طبعاً هذا القرار ليس سباقاً قرر اوباما ان يخوضه ضد فلاديمير بوتين بعد شهر من انزلاق روسيا المتزايد الى المستنقع السوري، وهو قرار مضحك أقلّ من ان يشكّل مادة للتعمية في مواجهة الانتقادات المتصاعدة لأوباما في واشنطن ولدى حلفائها الإقليميين، بمعنى ان يكون إرسال الجنود الخمسين وتصعيد عمليات القصف الجوي الأميركي للارهابيين في العراق وشمال سوريا، محاولة للإيهام بأن ادارة أوباما لم تنسحب تاركة ساحة الشرق الاوسط لبوتين والإيرانيين!
ليس خافياً ان هناك حملة متصاعدة على أوباما، ليس في أوساط الجمهوريين وحدهم بل في داخل الحزب الديموقراطي، وتتزايد الاتهامات الموجهة إليه والتي تلتقي مع وصف بيتر فينسنت المختص بالأمن القومي الأميركي "السنوات الست الماضية بأنها شكّلت نهاية القرن الأميركي"، وان اوباما دمّر بمفرده خلال هذه المدة صدقية أميركا كضامن للعالم الحر، وهو الدور الرائد الذي تم ترسيخه والمحافظة عليه بعناية ومسؤولية شديدتين خلال ستة عقود وعلى أيدي ١١ رئيساً أميركياً!
ولكن هل فعلاً جعل اوباما البيت الأبيض فبركة للأوهام، وانه ينسحب من الشرق الأوسط أمام بوتين وخامنئي، أم أنه يتصرّف وفق خطة عميقة وخبيثة، تدفع المنطقة كلها الى حروب طائفية ومذهبية تستمر عشرات السنين، وخصوصاً بين السنّة والشيعة، وان غرق بوتين في المستنقع السوري سيدمر روسيا اقتصادياً وينقل الارهاب الى داخلها، كما سيُغرق ايران في صراعات منهكة ستؤدي انطلاقاً من العراق تحديداً الى انطلاق دومينو التقسيم الذي سيشمل دولاً كثيرة؟

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٥
إيران لـ"حل وسط"... في سوريا

لم يكن هناك ما يستحق العناء، فقد كان من العبث أن يتوقع أحد أن يمثّل وزير الخارجية لبنان في لقاء فيينا. فهو في معظم الأحوال يلجأ الى التذاكي ليمرر موقف فريقه، وفي بعضها يدسّ موقف حزبه، وفي أسوئها يعبّر الصهر عن العمّ، كما لو أن الأخير هو الرئيس الافتراضي لدولة باتت بدورها افتراضية. وعذره تحت إبطه: الوزير سيّد وزارته في ظل الشغور الرئاسي. كانت فيينا فرصة لعرض قضية لبنان ومعاناته ليس فقط من مخاطر الارهاب وعبء النازحين بل خصوصاً من الصراع السوري الذي أقحم نفسه في البلد وذهب فريق لبناني متهوّر الى حدّ استشفاف مصلحة وفرصة له في هذا الصراع. أما حديثه عن "لبنان القوي" و"قيادة لبنانية قوية" فلا شك في أنه أدار رؤوس الحاضرين حيرةً وتساؤلاً عما يتكلم هذا الوزير. كان ينقصه فقط أن يعرض أسباب "التيار العوني" لتعطيل عمل الحكومة.

لا بد أن جبران باسيل استحقّ مجدّداً اعجاب جناح "الحرس الثوري" في "حزب الله" (اللبناني)، فيما أثار نظيره الايراني ("الاصلاحي") محمد جواد ظريف استياء هذا الجناح وغضبه عندما أشار في فيينا الى "الحلول الوسط" في سوريا. انهم يعلمون طبعاً أنه مكلّف بأن يناور ويلعب على الكلام ولا يقول ما يضمره، لكنهم لم يذهبوا الى القتال في سوريا بحثاً عن "حلول وسط". واذا صحّ ذلك فما الذي يحول دون حلول مماثلة في لبنان، خصوصاً بالنسبة الى الرئاسة، ما دام "الحزب" يعلم أن "مرشّحه الوحيد" لن يمرّ، ليس لأن هذه العاصمة أو تلك وضعت "فيتو" عليه بل لأن ترشيحه مبرمج ليتناسب مع استمرار بشار الاسد في السلطة في دمشق. لكن كلا الاحتمالين فقدا واقعيتهما منذ زمن. فلا الأسد عرف كيف يعمل ليكون بقاؤه مقبولاً، ولا ميشال عون عرف كيف يقدّم نفسه رئيساً "طبيعياً" لجميع اللبنانيين.
أكثر من مرّة دعا الأمين لـ "حزب الله" خصومه اللبنانيين الى الكفّ عن المراهنة على تطورات الأزمة السورية. والحقيقة أنهم لم يحتاجوا الى دعوته كي يتوقفوا عن تلك المراهنة، كونهم لم يستثمروا أصلاً في خراب سوريا. كان على الناصح أن يأخذ بما ينصح الآخرين به، أو على الأقل أن يحتفظ بنصائحه لنفسه، خصوصاً منذ اضطر الايرانيون إلى طلب التدخل الروسي. ففي كل ما ينقل عن السيد حسن نصرالله واجتماعاته بكوادر "الحزب" شواهد على أنه راهن أولاً على قوة النظام، وثانياً على قوة حزبه، وثالثاً على قوة الميليشيات العراقية والافغانية المستوردة، ورابعاً على قوة ايران، وخامساً على قوة روسيا، ويراهن الآن على تسوية سياسية - تقسيمية في فيينا. فمَن الذي يربط انتخاب رئيس لبناني بمسار الأزمة السورية، نصرالله وعون أم الآخرون؟

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٥
مريضان لا يستطيعان إنقاذ مريض

هل يستطيع مأزومان، أو مريضان… إنقاذ مأزوم أو مريض؟ الجواب لا وألف لا. روسيا وإيران مأزومتان ومريضتان. أزمة البلديْن عميقة. لذلك لن يكون في استطاعتهما إنقاذ نظام بشّار الأسد، لا لشيء لأنّ هذا النظام غير قابل للإنقاذ مهما بلغ حجم التواطؤ الأميركي مع إيران، وهو تواطؤ جعل كلّ رهان باراك أوباما على توقيع الملفّ النووي الإيراني، لعلّ هذا الإنجاز يمكّنه من ترك بصمة في التاريخ، باستثناء أنه الرئيس الأسود الأوّل وربّما الأخير للولايات المتّحدة.

في الواقع، كان لقاء فيينا المخصّص لسوريا الذي جمع سبعة عشر وزيرا للخارجية، بمن في ذلك الوزير الإيراني محمد جواد ظريف مليئا بالدلالات. كان الدليل الأوّل على أهمّية اللقاء غياب النظام السوري عنه. حضرت إيران وغاب النظام السوري. هذا يؤكد أن مستقبل سوريا يُبحث في معزل عن النظام الذي جلس رئيسه، قبل فترة قصيرة، أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كالتلميذ أمام المعلّم. لم يكن ينقص بوتين سوى حمل قضيب رفيع كي يقول لكلّ من يعنيه الأمر أنّه صار، من الآن فصاعدا، صاحب القرار السوري.
       

من الدلائل الأخرى المهمّة التي ظهرت من خلال لقاء فيينا الحضور الإيراني. تسعى إيران إلى أن تكون جزءا لا يتجزّأ من الدول التي تبحث جدّيا في كيفية إنهاء الأزمة السورية، ولكن بما يتفّق مع مصالحها طبعا. لم تستطع إيران تحقيق طموحها المتمثّل في المجيء إلى فيينا، إلا بعدما صارت الكلمة الأولى والأخيرة في سوريا، أقلّه في الجانب المتعلّق بالنظام في يد موسكو وليس في يد طهران.

لم يعد سرّا أن روسيا تدخّلت عسكريا في سوريا من أجل إنقاذ إيران التي اكتشفت أنّها عاجزة عن إيقاف بشّار الأسد على رجليه. تدخّلت إيران في سوريا منذ اندلاع الثورة الشعبية في آذار – مارس 2011. كان تدخلها بشكل غير مباشر في البداية قبل أن يصبح هذا التدخل مفضوحا، خصوصا مع مقتل جنرالات من “الحرس الثوري” دفاعا عن النظام العلوي الذي ورثه بشّار الأسد عن والده. هذا النظام الذي تحوّل، مع الوقت، إلى نظام عائلي مرتبط مباشرة بإيران أكثر من أي شيء آخر.

على الأرض، دخلت روسيا طرفا مباشرا في الحرب على الشعب السوري بعدما اكتشفت إيران أنّها عاجزة عن إنقاذ نظام سلّمها كلّ شيء. سلّمها سوريا وسلّمها لبنان. حلّت الوصاية الإيرانية مكان الوصاية الإيرانية – السورية على لبنان نتيجة مغامرة مشتركة استهدفت التخلّص من رفيق الحريري في شباط ـ فبراير من العام 2005.

هل في استطاعة روسيا التي تعاني من أزمات داخلية مستفحلة ناتجة عن هبوط أسعار النفط والغاز أوّلا حماية بشّار الأسد ونظامه؟ هل يكون حظ روسيا في سوريا أفضل من حظ إيران؟ الأرجح أن روسيا ستكون قادرة على إنقاذ إيران في سوريا، لكنّها لن تستطيع إنقاذ النظام الذي يعاني من غياب أيّ دعم شعبي له.

كان ملفتا ترافق الاجتماع المنعقد في فيينا مع تصعيد عسكري روسي على الأرض في كلّ الاتجاهات، خصوصا في محيط دمشق حيث تعرّضت دُومَا لمجزرة ذهب ضحيتها العشرات. شمل التصعيد درعا والجولان. كان الهدف تأكيد عمق التنسيق الروسي- الإسرائيلي في سوريا ومدى حرص إسرائيل على نظام بشّار.

من يتمعّن في العمق في الوضع الروسي يكتشف أن كلّ ما تفعله موسكو حاليا هو استغلال للغياب الأميركي لا أكثر. ليس في واشنطن إدارة تستطيع القول إن الحرب الباردة انتهت وأن لا طائل من التدخل الروسي في سوريا، لا لشيء سوى لأن مثل هذا التدخّل يحتاج إلى إمكانات ليست في حوزة ذلك الطرف الذي أرسل طائرات وقوات وأسلحة إلى منطقة الساحل السوري.

هل جاءت روسيا لإنقاذ النظام السوري أم جاءت لإنقاذ إيران في سوريا؟ حضرت إيران مؤتمر جنيف أم لم تحضره، لم تعد تلك هي المسألة. لا يمكن إنقاذ نظام مرفوض من شعبه أوّلا. ولا يمكن لقوتيْن مفلستيْن ومأزومتيْن جعل مثل هذا النظام يقف على رجليه يوما.

تحتاج روسيا إلى من ينقذها من أزماتها، بدءا بالاقتصاد المنهار وصولا إلى المجتمع المهترئ. روسيا من الدول القليلة التي يتناقص فيها عدد السكّان. روسيا، فوق ذلك كلّه، دولة لا حديث فيها سوى عن الفساد، خصوصا في الأوساط المحيطة ببوتين.

أمّا إيران فلا يشبه الوضع فيها سوى الوضع الذي كان سائدا في سوريا عشّية اندلاع الثورة الشعبية. هناك كره ليس بعده كره من الإيرانيين لنظام يصرف الأموال في لبنان وفلسطين واليمن، على سبيل المثال وليس الحصر، فيما نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر!

جاءت روسيا لإنقاذ إيران. جاءت إيران قبل ذلك لإنقاذ النظام. روسيا وإيران في حاجة الآن إلى من ينقذهما، خصوصا أنّ هناك نظاما لا يستطيع أحد إنقاذه. يستحيل إنقاذ النظام لأنّ السوريين يرفضون بأكثريتهم الساحقة، حياة الذلّ التي عاشوها طوال نصف قرن. الأهمّ من ذلك والأخطر، أن النظام لا يمتلك أي شرعية من أي نوع كان، فضلا عن وجود شرخ طائفي عميق يزداد اتساعا يوما بعد يوم، خصوصا بعدما أصرّ بوتين على إشراك الكنيسة الروسية في الحرب التي تستهدف الشعب السوري.

لا شيء ينقذ النظام السوري. حضرت إيران إلى فيينا أم لم تحضر. حضرت ربّما لسبب واحد. يتمثّل هذا السبب في أنها مصرّة على أن تكون من بين الذين سيشاركون في صلاة الغائب على روح النظام. إنّه النظام الغائب الذي أكّد لقاء فيينا أنّه صار في ذمّة التاريخ.

بين النظام السوري الراحل وإيران وروسيا والسياسة الأميركية التي تعكس حالا من الضياع الذي قد يكون مقصودا، هناك دوَران في حلقة مغلقة. مثل هذا الدوران في هذه الحلقة التي اسمها الحرب على الشعب السوري لا يمكن أن تقود سوى إلى نتيجة واحدة. هذه النتيجة هي الانتهاء من سوريا التي عرفناها.

من هذا المنطلق يبدو مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه على حق عندما يقول إن الشرق الأوسط الذي عرفناه لم يعد موجودا. بدأ الزلزال في العراق في العام 2003. منذ ذلك التاريخ، بدأت عملية إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط. من سيرسم خرائط الدول في النهاية هو الوقائع على الأرض، وليس أنهار الدم الذي سال وسيسيل. ليست إيران من سيتكفل برسم الخارطة الجديدة للمنطقة، حتى لو كان لديها شريك روسي وحتّى إن كان هناك تواطؤ أميركي معها. إيران، التي نصف شعبها جائع، ليست قوّة عظمى، وروسيا ليست سوى خليفة الاتحاد السوفياتي الذي كان قوّة عظمى لا أكثر ولا أقلّ. كان فعل ماض… إلى إشعار آخر.

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٥
بين «حفرة» اللاذقية والمهدي

كاد قائد «الحرس الثوري» الإيراني محمد علي جعفري يتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأنه يتواطأ لمنع ظهور الإمام المهدي، بتدخُّله عسكرياً في سورية، وسحب مفتاح القرار والوصاية هناك من جيب مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي. فتدخُّل الروس، حشر الجانب الإيراني والرئيس بشار الأسد في زاوية الريبة والشكوك التي تطاول حقيقة ما يسعى إليه الكرملين، وهو حتماً لن يخوض صراعاً لخمس سنوات أخرى كما فعلت إيران بلا جدوى... إلا إذا استُثنِيَ حجم الخراب في سورية وعدد الضحايا، واهتراء ما بقي من سلطة النظام، على جزء محدود من الأرض.

ما أراد جعفري قوله، إن التدخل الروسي في ليلة مظلمة ظن نظام الأسد في البداية أنها المفاجأة السعيدة لإنقاذه وهو في الرمق الأخير، يحول دون «توحيد قلوب شعوب العراق وسورية وإيران الذي يعني تشكيل الأمة الواحدة... وهذه تمهّد لظهور الإمام المهدي».

والأهم في المفاجآت غير السارّة للنظام، أن يدشّن جعفري السجال العلني الذي ينضح مرارة إيرانية إزاء وضع بوتين يده على مفتاح الحرب في سورية، ليعلن قائد «الحرس الثوري» ان روسيا «لا تبدو سعيدة بالمقاومة الإسلامية».

لا إيران سعيدة إذاً بطائرات الكرملين تحلّق في فضاء سورية، من دون أن تكون لأحد القدرة على التحقُّق من حجم الأهداف التي تدمّرها، ولا نظام الأسد يمكنه أن يبقى في دائرة الوهم، وتخيُّل إخلاص القيصر لصداقته، وهبّته المفاجئة، فقط لإنقاذه. لا طهران تملك ما يكفي من الأدوات لعرقلة سعي موسكو إلى فرض تسوية ما في سورية قد تقتضي «التضحية» بالأسد رئيساً، ولو على مراحل، ولا الكرملين يمكنه أن يراهن على حسم عسكري، يعفيه من مهمة «إقصاء» رأس النظام المترنّح.

لا تعني مهمة نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في طهران، سوى شكوى من العرّاب الروسي الذي خلط أوراق الصراع في سورية، ولجم رهانات نظام الأسد وحلفائه في إيران على انتصار مقولة «كل المعارضة تكفير وإرهاب»... أما الدليل فهو التلميحات الروسية بل «اصطناع» موسكو وفوداً من «الجيش الحر» تزورها لتبادل الأفكار، والتمهيد لمرحلة انتقالية في سورية. صحيح أن الروس ما زالوا يصرّون على أن مصير الرئيس الأسد هو شأنُ السوريين، ويحذّرون من «الحفرة السوداء الكبيرة» التي ستنجُم عن تغيير نظام آخر في الشرق الأوسط، لكن الصحيح كذلك هو أن بوتين لن يبادر الآن إلى حرق ورقة الأسد، فيما المفاوضات الجدية مع المعارضة السورية لم تبدأ بعد. وهي لن تبدأ قريباً، بدليل الرسالة التي أعلنها فيصل المقداد من العاصمة الإيرانية، ليحجّم بيان جنيف، باعتباره المرحلة الانتقالية مجرد «وهم».

وإذا كان الأسد يظنها كذلك، فعلى ماذا سيفاوض، والأهم أنه في الوضع الحالي لنظامه لن يملك القدرة على انتزاع مبضع الجرّاح الروسي الذي يبدو مستعجلاً لوضع سورية في غرفة العناية الفائقة. ويرى بعض العارفين بنهج روسيا «الجديدة» التي يريدها بوتين، أن «الثعلب» الذي نجح في انتزاع شبه جزيرة القرم في «غفلة» من الحلف الأطلسي، لن يستسلم بسهولة ليعود من اللاذقية الى شواطئ قزوين، مهزوماً أمام «النصرة» و «داعش».

ما يطمح إليه الكرملين هو صيغة تجمع النظام السوري والمعارضين «غير الإرهابيين»، وتحميها الدول الكبرى بغطاء جوي لاستكمال المعركة مع «داعش». وواضح ان مصير الأسد سيبقى لدى الروس في دائرة «الغموض البنّاء» فلا نعم لبقائه ولا العكس، حتى تنضج تجربة فرز المعارضة بين «أخيار» و «أشرار» في المرحلة الأولى، من دون اشتراط موافقة الأسد عليها.

إذاً، سيكون على الكرملين اختبار صبره على إعادة تشكيل النظام السوري، الذي سيدير مؤسسات الدولة، وإن كان لا يمانع في دعوة «الإخوان المسلمين» الى المشاركة في منتدى حوار موسكو، باعتبارهم جزءاً من المعارضة، فقد يبرز «فخ» آخر للنظام، بعد اعتماد مبدأ تصويت السوريين في الخارج، في أي انتخابات مقبلة.

لا يقلق القيصر أن يدجّن حلفاء «الحرس الثوري» في سورية الذين باغتهم تبديل قواعد الصراع. فبعدما تأخر كثيراً «توحيد القلوب» وسقط مئات الآلاف من السوريين والعراقيين، قد لا يبدو إغراقاً في الخيال تصوُّر تقاطع مصالح، يفوّض فيه الأميركي موسكو تفكيك الشبكة الإيرانية للنظام السوري.

ألم ينجح في اقتياد الأسد الى تسليم الترسانة الكيماوية السورية؟

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٥
موسكو وطهران تسوّقان الأسد وهو يرتكب المجازر

لا حضور لسورية في لقاء فيينا المخصص لسورية. وفيما كان المشاركون يدلون باقتراحاتهم لما يجب أن يكون في سورية، كان نظام بشار الأسد يسجّل مجزرة أخرى في سجله الأسود، حاصداً بضع عشرات من الضحايا والمصابين بتكرار القصف على سوق دوما، كما فعل مراراً خلال الشهور الأخيرة. لم يشر أحد في فيينا إلى هذه الجريمة، لا جون كيري في مؤتمره الصحافي المشترك مع سيرغي لافروف، ولا الأخير بطبيعة الحال، ولا حتى المبعوث الأممي البائس ستيفان دي ميستورا الذي جلس بين الوزيرين وحرص خصوصاً على إبداء سروره لمشاركة إيران أخيراً في مؤتمر دولي للبحث في إنهاء الأزمة السورية.

في أي لقاء مماثل مقبل، لا بدّ من مساءلة روسيا وإيران طالما أنهما تمثّلان النظام، وهما وصيّتان عليه، وتدخلتا أساساً لدعمه ومنع سقوطه، لكن استمراره منذ منتصف 2011 حتى الآن لم يعد ليعني شيئاً آخر غير المجازر. وإذا كانت دولة متهوّرة مثل إيران شجعته على هذا النهج السقيم، فماذا عن دولة مثل روسيا تدخلت في سورية لتستعيد صفتها كـ «دولة عظمى».

عندما تحدّث فلاديمير بوتين عن شعار دعم «الحكومة الشرعية»، هل كان يعني ما يحصل منذ أسابيع من قتل جماعي في قصف كثيف على غوطتَي دمشق. وعندما سعى لافروف إلى إقناع نظيره الفرنسي لوران فابيوس بعدم التقدم إلى مجلس الأمن بمشروع قرار يحظر القصف بالبراميل المتفجّرة، هل تعهّد ضمان عدم استخدام هذا السلاح أم أنه كان يدافع عن «حقّ» النظام في أن يقتل بالطريقة التي يريدها. وعندما تبرع فيتالي تشوركين، المندوب الروسي في الأمم المتحدة، بنفي قاطع لاستخدام النظام البراميل، هل كان يتعمّد الكذب أم أن أحداً لم يخبره بأن أكثر من عشرين برميلاً انهالت في يوم واحد على داريا وحدها؟

يبدو أن ثمة دافعاً رئيسياً للتدخل الروسي لم يُشَر إليه حتى الآن، وهو أن الكرملين وجد أن نظام الأسد لم يقتل ما يكفي من السوريين، ولم يدمّر ما يكفي من العمران، ولم يهجّر ما يكفي من أبناء الشعب. بل يبدو المشهد حالياً كما لو أن النظام استأجر دولة «عظمى» لتشاركه جرائمه وتساهم معه في القتل والتدمير والتهجير. فكل جريمة جديدة، كل مجزرة، هي تلطيخ إضافي لسمعة جيش تقول موسكو إنها معنية بتوحيد صفوفه وإعادة الاعتبار إليه، وتتصرّف على أنه ورقتها القوية الرابحة على حساب الميليشيات - «ورقة إيران»، لكن نهجها الأهوج قد يبدّد مسعاها... فهل اعتزم الأسد تعطيل هذه الورقة الروسية، سواء لأنه لمس أن موسكو تحاول استقطاب «الجيش الحرّ» والضباط الذين انشقّوا ولم يحاربوه، وربما لأنه يشعر بأن تعويم الجيش خطوة لا بدّ منها نحو إيجاد «البديل» أو الترتيب لإيجاده.

وسواء صحّ هذا التقدير أم لا، فإن روسيا أقحمت نفسها في سياق حرب ذهب فيها نظام الأسد إلى أقصى إجرامه وكانت طوال الوقت شريكه غير المباشر. وإذا صحّ ما يُتَداول عن أن موسكو لا ترحب بلجوء الأسد إليها، تجنّباً لإشكالات قانونية وأخرى سياسية تسيء إلى دورها في «المرحلة الانتقالية»، فما المصلحة التي تسعى إليها، حين تصبح شريكه المباشر في القتل أو حين تعده مثلاً (كما نُقل عنها) بدمار في إدلب يساوي عشرة أضعاف خراب غروزني (عاصمة الشيشان). هل هذه هي الطريقة التي تثبت بها روسيا اختلافها «الإيجابي» عن الولايات المتحدة ومساهمتها الفارقة في تصويب نظام دولي ترفضه بسبب الهيمنة الاميركية عليه؟

حاججت روسيا على الدوام بأنها تريد الحفاظ على «الدولة» و «الحكومة» و «المؤسسات»، وأصبح واضحاً اليوم أنها كانت دائماً ترى «الدولة» في «النظام»، و «المؤسسات» في الجيش، مع علمها اليقين بأن النظام لم يعتدّ يوماً إلا بزمرة السلطة التي تنفّذ نزواته الاستبدادية، ولا قيمة عنده ولا احترام لدولة أو حكومة أو مؤسسات. ليس لدى الدولتين المتمسكتين بهذا النظام، روسيا أو إيران، أيُّ نموذج تجذبانه إليه ليكون مقبولاً من شعبه وجيرانه ومحيطه. وقد باشرتا للتوّ مناورات مشتركة لاستدراج قبول دولي ببقائه، أو بـ «سورية المختزلة» التي تريدان تحصين سيطرته عليها، سواء سمّيت «دولة الساحل» أو «إقليماً» أو اعتُبرت إحدى «مناطق النفوذ» المطروحة لتوزّعها بين أطراف جالسة إلى طاولة فيينا. وتلعب هواجس عدّة في المساومات، من خطر الإرهاب إلى أزمة النازحين إلى احتمالات الانزلاق في «حرب بالوكالة» ومواجهات إقليمية.

لذلك تبدو «عملية فيينا» بداية الطريق إلى حل نهائي بسيناريوات متنافسة يستغرق كلٌ منها وقتاً غير قصير. وكان اللافت أن الإيرانيين دخلوا بخطابين غير متطابقين، إذ سرّبوا خارج القاعة تأييدهم لفترة انتقالية من ستة شهور وقال نائب الوزير حسين أمير عبداللهيان إن إيران لا تصرّ على إبقاء الأسد في السلطة إلى الأبد، أما الوزير محمد جواد ظريف، فاقترح انتخابات في أجل قريب وكرر الدعوة إلى «حل وسط»، وما لبث المرشد علي خامنئي أن حدّد «مستقبل سورية» بمسارين هما «انتهاء الحرب وإجراء انتخابات». لا أحد يتخيّل مثل هذا السيناريو في ستة شهور، لكنّ الإيرانيين أرادوا أن يسجّلوا دخولهم المعترك الدولي - السوري بأطروحة هي أقرب إلى المناورة، وإذا التقت مع اقتراحات الجانب الروسي وتركيزه على الانتخابات، إلا أنها تزايد عليها بطرح مهلة زمنية ولو غير واقعية. لماذا؟ أولاً لأن الحديث عن ستة شهور فقاعة دعائية تخاطب الاستعجال الغربي بمقدار ما تشير إلى «قدرة» طهران على الإنجاز، وثانياً لأن إيران نفسها مستعجلة أيضاً للانخراط في مساومة على ثمن مساهمتها في الحل، وثالثاً وهو الأهم لأنها وروسيا تتطلعان إلى «مرحلة أسدية ولو من دون الأسد» أكثر «شرعيةً» من المرحلة الحالية، بل تبدوان موقنتين بأن أي انتخابات ستكون لمصلحتهما.

دُعيت إيران إلى «فيينا 2» من دون أن يُطلب منها الاعتراف ببيان «جنيف 1»، فهي لا تزال ترفضه. ولهذا الرفض مغزى يُستدَلّ عليه من الحرص الروسي – الإيراني على عدم تجديد الجدل حول «رحيل الأسد»، والترويج لدخول فوري في «مرحلة انتقالية» بتشكيل حكومة من الأطراف الراغبة في العمل تحت رئاسة الأسد كي تمهّد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشرافه، أي بتجاوزٍ متَوافقٍ عليه لـ «تسوية جنيف» ومفهومها اللذين يفرضان البحث المسبق في مصير الأسد. في أي حال، هذه ليست سوى تمنيات موسكو وطهران، إذ تتظاهران بتسهيلات وتنازلات وهمية، وتصوّران التسوية كما لو أنها جاهزة لا لشيء إلا لأنهما تتعهدانها. وهذه «التمنيات» هي التي بنى عليها دي ميستورا خطته لبناء حل سياسي يرضي النظام وموسكو وطهران.

غير أن الحسابات السياسية في كواليس فيينا قد تفاجئ الروس، كما فاجأتهم الحسابات العسكرية الخطأ للمعارك البرّية، حين شنّوا عشرات الضربات الجوّية لدعم تقدّم قوات النظام وإيران، وعندما فحصوا أحوالها وأعدادها ولمسوا إخفاقاتها، فضّلوا التريث لئلا تُحسَب هزائمها عليهم. وجدوا أنفسهم في الحال التي واجهها الاميركيون، أي عملياً من دون قوات على الأرض لاستثمار المساعدة الجوّية. لذلك يحاول النظام الآن تعويض هذا النقص بجلب موظفي الدولة ممن هم تحت الـ 42 عاماً إلى التجنيد والاحتياط، فهؤلاء لا يزالون يعوّلون على الرواتب التي يدفعها لهم، وقد تتوقف إنْ هم تهربوا من الخدمة. لا شك في أن هذا الواقع ينعكس على المشروع الأساسي الذي كان يطمح إلى استخدام قوات النظام وإيران لمحاربة «داعش» وإخراجه من شمال شرقي سورية. وهذا وحده كافٍ لتفسير عودة الكرملين سريعاً إلى تنشيط ورشة الحل السياسي.

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٥
محادثات حول مصير سورية في غياب السوريين

كُتب الكثير حول التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، وقُدم العديد من التحليلات والاستنتاجات التي استندت إلى جملة من النظريات المتباينة. منها ما انطلق من فكرة التوافق بين الروس والأميركيين على «حلٍّ» ما، ومنها ما اعتمد فكرة التعارض بينهم، فيما تحدث آخرون عن بداية التفارق الروسي - الإيراني، وحاول بعض من مؤيدي النظام وأتباعه الترويج لفكرة وجود استراتيجية روسية - إيرانية متكاملة ستتجسّد مآلاتها في القضاء النهائي على القوة العسكرية للمعارضة السورية تحت شعار مكافحة الإرهاب، هذا الشعار الممجوج الذي بات وسيلة لتسويغ وتمرير المشاريع التي لا يستطيع أصحابها التحدث عنها علناً، لأنها في الأحوال العادية عصيّة على أي تسويغ.

لكن حتى الآن، وبعد مرور أسابيع عدة على بداية الغارات الروسية المطعّمة بالصواريخ الباليستية، وهي مدة لا يستهان بها وفق المقاييس والحسابات العسكرية، لا يبدو أن تغييراً نوعياً في الموازين قد حدث على الأرض. على النقيض من ذلك، تمكنت فصائل المعارضة الميدانية من امتصاص الصدمة، والتكيّف معها، كما حققت الفصائل المعنية الكثير من الإنجازات، بخاصة في ميدان تدمير دبابات النظام وآلياته وإلحاق خسائر جسيمة بالقوات المهاجمة على الأرض، سواء تلك الإيرانية، أم تلك التي تخصّ حزب الله والمجموعات الأخرى التي استقدمتها إيران من مختلف الأنحاء والأصقاع، في إطار ما تسوّقه كحرب «مقدّسة» لحماية الأماكن المقدّسة. وهكذا تقاطع «المقدّس» الإيراني مع «المقدّس» الأرثوذكسي الروسي في مواجهة افتراضية مع «المقدّس» الداعشي.

أما على الصعيد الواقعي، فما يجري لا يخرج عن نطاق جهود حثيثة يبذلها كل طرف لتحقيق مصالحه على حساب الشعب السوري، ومن دون أي اعتبار للتدمير الذي تتعرض لها سورية على صعيد الشعب والنسيج الوطني المجتمعي والبنية التحتية والكوادر والمؤسسات.

لكن الأمر اللافت أن التدخل الروسي كان في مثابة الخطوة التي حركت المواقف الإقليمية والدولية في خصوص سورية، وذلك بعد فترة ركود نسبية استمر خلالها التطاحن بين مختلف القوى في الداخل السوري، وتفاقمت أزمة اللاجئين وباتت تشكّل هاجساً كبيراً بالنسبة إلى دول أوروبا الغربية، وذلك من جهة تكاليف الاستيعاب، وردود الأفعال المجتمعية الآنية، وتبعاتها المستقبلية. وقد أوحى الترقّب الأميركي الواضح، كما أوحت ردود الأفعال المدروسة من جانب السعودية وتركيا على وجه التحديد، بوجود نَفَسٍ جاد للبت في إمكان الوصول إلى حل سياسي لمعالجة الجرح السوري المفتوح، وهو الذي بات يؤثر فعلاً في الجوار الإقليمي، وستمتد نتائجه إلى المحيط الدولي - الأوروبي الأقرب، إن لم نقل إنها امتدت فعلياً.

وقد جاء اجتماع فيينا في 23 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ليجسّد النَفَس المشار إليه، ويعلن انطلاقة المحادثات الدولية - الإقليمية للتوصل إلى حلٍّ يكون في مثابة تقاطع مصلحي بين الجميع. ويبدو أن التوافق الأولي على الخطوط العامة قد حصل، ومنها الحفاظ على وحدة سورية، وهوية الدولة، وتغيير الحكم. وهي خطوط تلتقي في إطارها العام مع توجهات الشعب السوري بمختلف مكوّناته. لكن العقدة ستكون في التفصيلات، وعملية إخراج المتفق عليه، وترجمته واقعاً على الأرض.

السوريون بكل مكوّناتهم، يريدون الحفاظ على وحدة بلدهم، لأنها الضمانة الأفضل لهم ضمن الظروف والمعطيات الحالية، وذلك بعد عقود من العيش المشترك والتفاعل. لكن التجربة أثبتت أن هذه الوحدة لا يمكنها أن تتعايش مع الاستبداد والإفساد، ومع النزعات المذهبية - الطائفية اللاعقلانية، أو القوموية العنصرية الانعزالية. ولذلك لا بد من دولة محايدة أيديولوجياً ودينياً وقومياً يحترم دستورها جميع الخصوصيات، ويعترف بحقوق سائر الجماعات التي يتشكل منها الشعب السوري، والتي من أجل شبابها وأجيالها المقبلة كانت الثورة.

فظاهرة «داعش»، الأقرب إلى الشركة المخابراتية المساهمة، لا تنسجم مع طبيعة المجتمع السوري، وتتناقض مع التوجه التقليدي للاعتدال السني السوري. كما أن ظاهرة ولاية الفقيه، و «حزب» الله و»جنوده» تدفع بالسوريين، بخاصة العلويين منهم، نحو حالة اغتراب لم ولن ينسجموا معها أبداً.

كما أن التوجهات العقائدية القوموية بمختلف أسمائها وتفرعاتها، العربية منها والكردية وغيرها، شكّلت على الدوام، وما زالت، عائقاً أمام تفاعل السوريين ووحدتهم الوطنية، ومهدت الطريق باستمرار أمام الشكوك والهواجس المتبادلة.

ما ينقذ سورية، ويطمئن كل مكوناتها، جماعات وأفراداً، هو المشروع الوطني لكل السوريين ومن أجلهم كلهم على قاعدة احترام الخصوصيات والحقوق. ومشروع كهذا سيكون في المنظور البعيد لمصلحة دول الإقليم ومجتمعاته، لأنه سيساهم في ترسيخ معالم الأمن والاستقرار في المنطقة، وسيفتح الآفاق واسعةً أمام المشاريع التنموية القادرة على استيعاب الطاقات الشبابية، وتوظيفها في خدمة التطوير المجتمعي المتوازن، ما يشكّل ضمانة أكيدة للمصادرة على النزعات المتطرفة، وتجسّداتها وتحوّلاتها الإرهابية.

ويبقى موضوع تغيير الحكم المفتاح لبلوغ المذكورين. فالحكم الحالي هو الذي أوصل البلاد والعباد إلى الوضع الكارثي الشمولي الراهن، ومن دون تغيير جذري نوعي فيه ستظل دوّامة العنف، وستستمر المأساة، وسيتواصل تدفق السوريين نحو المهاجر، كما سيتوالى توافد جنود مقاتلي المشاريع «المقدسة» إلى سورية ليعيثوا فيها فساداً وتدنيساً.

ويبدو أن المجتمعين في فيينا لم يتوافقوا بعد حول التفصيلات الخاصة بالتوجهات الأساسية الثلاثة: وحدة سورية، هوية الدولة، وتغيير الحكم. ولهذا كان الاتفاق على استمرار اللقاءات، وتوسيع دائرتها، لتشمل المزيد من القوى الإقليمية والدولية. وهذا أمر يستشف منه ظهور صيغة ما من التوافق الأميركي – الروسي، وهو توافق أثبتت التجربة المريرة لأكثر من أربعة أعوام، أنه يبقى الأساس والمدخل لأي حل ممكن يراعي مختلف التوازنات.

لكن الطريف والأليم في الوقت ذاته، أن الكل يزعم حرصه على مصلحة السوريين، ويعلن احترامه قرارهم، لكن مع ذلك يبقى السوري في المعارضة والموالاة آخر من يعلم بخبايا الطبخة وماهيتها.

أما الأمر الأهم الذي ينبغي أن يعلمه الجميع، فهو أن أي حل مقترح أو مفروض لا يرتقي إلى مستوى تضحيات السوريين وتطلعاتهم، سيبقى مجرّد إجراء طارئ وقتي، ولن يساهم في معالجة الجرح السوري النازف، بل سيزيده نزفاً وتأثيراً، ويجعل علاجه أكثر صعوبة وتعقيداً.

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٥
روسيا والأسد وأرض الواقع

نحن أمام موقفين على طرفي نقيض في محادثات الأزمة السورية٬ وتحديدا الحديث عن المرحلة الانتقالية٬ ورحيل بشار الأسد. اللافت أن الموقفين المتناقضين جاءا في يوم واحد؛ الأول صادر عن المتحدثة باسم الخارجية الروسية٬ والآخر صادر عن نائب وزير خارجية النظام الأسدي.

في موسكو قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية٬ ماريا زاخاروفا٬ ردا على سؤال عما إذا كان الإبقاء على الأسد مسألة مبدأ بالنسبة لروسيا٬ إنه «بالقطع لا. لم نقل هذا قط»٬ مضيفة: «نحن لا نقول إن الأسد يجب أن يرحل٬ أو يبقى»! بينما رفض فيصل المقداد٬ نائب وزير خارجية النظام الأسدي٬ من إيران التي يزورها٬ فكرة فترة انتقالية٬ معلنا أن هذه الفكرة موجودة فقط «في أذهان من لا يعيشون على أرض الواقع»! والتناقض لا يقف عند هذا الحد٬ فبينما نقلت وكالة «إنترفاكس» للأنباء أمس عن ميخائيل بوغدانوف٬ نائب وزير الخارجية الروسي قوله: «الأسبوع المقبل سندعو ممثلي المعارضة إلى مشاورات في موسكو»٬ قال المقداد من طهران أيضا: «لم نتلق أي شيء رسمي فيما يخص لقاء الحكومة السورية مع المعارضة»! وعليه٬ فمن الذي لا يعيش على أرض الواقع الآن؟ هل هم الروس؟ إذا كان ذلك٬ فلماذا استعان بهم الأسد؟

قد يقول قائل إن الروس يناورون بالحديث عن أن إبقاء الأسد ليس مسألة مبدأ بالنسبة لهم٬ وهذا صحيح٬ لكنه تصريح مهم٬ ويجب أنُيلتقط٬ ومن باب خذ وفاوض.

ما يجب أن نتذكره هنا٬ أن الروس كانوا يرددون رفضهم الشروط المسبقة٬ وتحديدا الحديث عن مصير الأسد٬ والآن يعلن الروس أن بقاءه ليس مسألة مبدأ. كما أن الروس كانوا يقولون إنه لا يوجد هناك شيء اسمه «الجيش الحر»٬ والآن يبدون الاستعداد للتفاوض معه! ولذا٬ فإن الموقف الروسي هذا لا يعد مهّما فحسب٬ بل إنه يحشر إيران في الزاوية٬ خصوصا بعد تصريحاتها الأخيرة التي هاجمت فيها السعودية٬ واتهمتها بلعب «دور سلبي»٬ كون الرياض تطالب برحيل الأسد٬ وتعتبر ذلك أساس الحل في سوريا. والآن نحن أمام موقف روسي يقول: إن بقاء الأسد ليس مسألة مبدأ٬ وربما الآن نستطيع فهم التلويح الإيراني بالانسحاب من المفاوضات السورية٬ فقد يكون احتجاجا على الروس٬ أكثر من كونه احتجاجا على السعوديين٬ كما تردد إيران!

المؤكد الآن أن الأسد هو الذي لا يعيش على أرض الواقع٬ ولذا فمن المفترض الترحيب بالتصريح الروسي الذي لا يرى الحفاظ على الأسد كمسألة مبدأ٬ ويجب أن يطالب العقلاء روسيا بضرورة البناء على هذا الموقف للمضي قدما في تحقيق العملية الانتقالية السياسية. وبالطبع٬ فإن هذا الترحيب يجب ألا يقود إلى التراخي في دعم المعارضة٬ وتحديدا الجيش الحر٬ بل لا بد من استمرار العمليتين؛ السياسية والدعم العسكري٬ وبشكل متواٍز٬ حتى يتم تحقيق نجاح حقيقي في محادثات السلام٬ وهذا هو الهدف الأهم.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٥
متى وكيف يرحل بشار الأسد؟

ليس من المصلحة إطالة أمد الأزمة السورية، وتعميق معاناة السوريين، والمخاطرة بأمن المنطقة، لذا من الصعب الاعتراض على النقاط التسع التي تمخض عنها مؤتمر فيينا بمشاركة الحلفاء والأعداء، باستثناء نظام بشار الأسد والمعارضة، لكن هذه ليست كل القصة، فالنقاط التسع ناقصة، وينقصها أمران مهمان: متى يرحل الأسد؟ وكيف؟

على الورق تبدو النقاط التسع التي نشرتها صحيفتنا جيدة، وملخصها هو ضرورة وحدة سوريا واستقلالها وضمان هويتها العلمانية. الإبقاء والحفاظ على المؤسسات. حماية حقوق الأقليات بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية. تكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب. ضمان وصول المساعدات الإنسانية. الإجماع على ضرورة إلحاق الهزيمة بـ«داعش»، والجماعات الإرهابية المصنفة بقرار أممي. إلى أن نصل للبند اللافت بأنه «وفقا لبيان جنيف عام 2012 وقرار مجلس الأمن رقم 2118 تدعو الدول المشاركة منظمة الأمم المتحدة إلى جمع ممثلي الحكومة السورية وممثلي المعارضة معا لتدشين عملية سياسية تؤدي إلى تشكيل حكومة قادرة وفعالة وشاملة وغير طائفية، يتبعها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يحقق أعلى المعايير العالمية وأعلى معايير الشفافية والتحقق، ويقود إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها كل السوريين بمن فيهم المهجرون الذين لهم حق المشاركة». مع تعهد بأن تكون عملية سياسية يقودها السوريون، ويقررون بأنفسهم مستقبل سوريا، والسعي لإيجاد طرق لتنفيذ وقف إطلاق النار.

حسنا، ماذا عن الأسد؟ متى، وكيف يرحل؟ ومن يتعهد بذلك؟ البعض ينظر إلى حصر الأزمة برحيل الأسد فقط على أنه خفض للمطالب، وخسارة سياسية، وهذا غير صحيح، فسوريا بعد الأسد، أيا كانت، لن تكون كأيام حكم الأب والابن. وبالطبع فإن عاقلا لا يريد رؤية سوريا كعراق ما بعد صدام حسين، وإن كانت سوريا مختلفة صحيح، لكن ليس من مصلحة أحد هدم الدولة ككل، ولذا فإن السؤال العقدة هو متى، وكيف يرحل الأسد؟

القول بانتخابات حرة ونزيهة، وما خلافه، ما هو إلا ضحك على الذقون، حيث سيكتشف الجميع أن الأسد أكذب حتى من علي عبد الله صالح، طوال ثلاثين عاما خدع فيها صالح اليمنيين، والخليجيين، والمجتمع الدولي. ولذا فلا يمكن الوثوق بأي اتفاق طالما لم يكن هناك ضمانات كافية بعدم ترشح الأسد للانتخابات الرئاسية القادمة، وضمان أن تكون المرحلة الانتقالية، أي رحيله، لا يتجاوز ستة أشهر، أو ثمانية، وضرورة الشروع في دمج الجيش الحر بجيش سوريا الجديدة، تزامنا مع مسار العملية السياسية، وضرورة ضمان خروج الميليشيات الشيعية، وقوات الحرس الثوري الإيراني من سوريا، وبالتالي لا يسمح ببقاء أي قوة أجنبية هناك إلا المنضوين تحت غطاء التحالف الدولي.

عدا عن ذلك، فإن كل ما يقال، وإن كان براقا، فلا معنى له، ولا بد من مواصلة دعم الجيش الحر على الأرض، حتى تتحقق الأهداف، وأهمها ضمان رحيل الأسد، وموعد ذلك، بشكل لا لبس فيه.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٥
ميراث حافظ الأسد

 لا تكفي الحجج التي تخفّف من آثار الغياب السوري عن فيينا لإقناع من يريد أن يقتنع. فأن تلتقي عشرات الوفود، من دول الإقليم ودول العالم، كي تبحث في وضع شعب وبلد غائبين عن اللقاء، فهذا إنّما يمسح الجرح بالإهانة. وهذه الوجهة، مسحوبة إلى مداها الأبعد، ترقى إلى معاكسة صريحة لكلّ ما ترمز إليه مصطلحات «حقوق الشعوب» أو «حقّ تقرير المصير» أو غير ذلك.

وكم تتبدّى هذه الوجهة فاقعةً إذا ما قورنت بأجواء مؤتمر باريس للسلام في 1919 الذي صيغ فيه العالم، بما فيه الشرق الأوسط المعاصر الذي يتصدّع الآن.

ذاك أنّ الزمن الفاصل بين تاريخ النشأة الأولى ويومنا هذا هو تاريخ تحلّل سورية، التي لا يمثّلها في فيينا نظامها الأسديّ، وتحلّل الشعب السوريّ تحت وطأة البراميل والكيماوي والسكاكين وأشكال الموت والتهجير الكثيرة، وهو الشعب الذي لا تمثّله في فيينا أيّ من معارضاته الكثيرة.

وإذا جاز تعيين المسؤول الأوّل، وإن لم يكن الأوحد، عن هذه الأيلولة الكارثيّة، فهو لن يكون أحداً سوى حافظ الأسد. ذاك أنّ ما يحصل اليوم هو النتيجة الطبيعيّة لسياسة حوّلت الوطن السوريّ، وقد كان مشروعاً محتملاً، إلى مجرّد وظيفة استراتيجيّة، ففرّغته من كلّ داخل. ومع بشّار الأسد، تُوّجت هذه السياسة برهن سورية للروس والإيرانيّين والتنظيمات الطائفيّة اللبنانيّة والعراقيّة التابعة لهم، مقابل تنظيمات معارضة ومسلّحة محسوبة بدورها على الخارج، أقواها أمميّات إسلاميّة لا تعني سورية سوريّيها أكثر من تاريخ ولادة ولهجة معيّنة.

فالميراث الأسديّ، وأهمّه جعل البلد «لاعباً كبيراً»، وفقاً لجوقة من الممالئين وجوقة أخرى من السذّج والقصيري النظر، تقابله اليوم استعدادات جدّية لدى الدول المجاورة للتعامل مع ما بعد سورية، وليس فقط مع ما بعد الأسد. وغالب الظنّ أنّ الكلام الديبلوماسيّ الذي يقول عكس هذا لا يعدو كونه كلاماً ديبلوماسيّاً.

يصحّ هذا الاستعداد لما بعد الأسد في إسرائيل التي لا يكاد يُذكر اسمها في اللغة العربيّة إلاّ مصحوباً بتعبير «أزمة»، كما يصحّ في إيران التي توصّلت إلى اتّفاقها النوويّ مع أعضاء مجلس الأمن وألمانيا، وفي تركيا التي، على رغم كلّ شيء، أجرت انتخاباتها البرلمانيّة وقد تتوصّل إلى ترميم سلطة حزبها الحاكم التي لاحت، قبل أشهر، متصدّعة ومهلهلة. هذا فضلاً عن الدول الكبرى وهي ترسم استراتيجيّاتها للمنطقة المتغيّرة.

أمّا الميراث الأسديّ المُرّ واللئيم، فيبقى منه درس آخر يتعدّى السياسات والاستراتيجيّات، مفاده أنّ القصور التي تشيّد على رمال من الكذب لا بدّ أن تنهار. وللأسف، فهي لا تنهار على رؤوس الذين شيّدوها وحدهم.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٥
ما يقرّره “الشعب السوري”؟

قبل عشر ساعات من بداية مؤتمر فيينا تحدثت تقارير ميدانية عن سيطرة مفاجئة لتنظيم “داعش” على الطريق الممتد من بلدة خناصر الواقعة في ريف حلب الجنوبي الى بلدة إثريا في ريف حماه الشرقي، وهو ما قطع طريق الإمداد الوحيد الى مواقع النظام في حلب ومحيطها.

المثير هنا بالنسبة الى قياديين في المعارضة، كان غياب الدعم الجوي الروسي وتراجع قوات النظام بما مكن الإرهابيين من تحقيق هذا التقدم، ولكن سرعان ما برزت شكوك في ان الروس تعمّدوا تسهيل الأمر هناك على “داعش”، بدليل ان سيرغي لافروف سارع فور بداية الاجتماع الى مخاطبة زميليه التركي والسعودي بالقول “هذا هو بديل الأسد الوحيد، وهو يشكّل خطراً كبيراً، يجب ان نضع أيدينا في يد نظام الأسد لقتال داعش”!
لكن الرد غير المنتظر جاء على لسان جون كيري ليقطع الطريق على محاولة لافروف تحقيق كسب سياسي، فقال له “هل كثير اذا لاحظنا ان التدخل العسكري الروسي لم ينتج منه حتى الآن إلا المزيد من التقدم على الأرض لتنظيم “داعش”؟”.
ليس في كلام كيري أي مبالغة فبعد شهر من بداية التدخل العسكري الروسي، يبدو واضحاً ان العمليات تركّز على إعادة ترميم مواقع الأسد في منطقة الساحل التي بدت مهددة في الأشهر الماضية، لكن هذا لا يمنع الروس والإيرانيين من الإصرار الدائم على تعطيل الحل وعرقلة عملية الانتقال السياسي عبر التمسك بعقدة الأسد.
ففي حين خرج لافروف من فيينا مكرراً نظرية أن الشعب السوري هو الذي يقرر مستقبل الأسد، من غير ان يتذكّر أن معظم أبناء هذا الشعب باتوا مشردين في العالم، قال المرشد علي خامنئي [رغم مشاركة ايران في اجتماع فيينا] إن من الحماقة ان تجتمع دول عدة وتقرر مصير نظام ورئيسه، وان الحل في سوريا يأتي بعد انتهاء الحرب وإجراء انتخابات!
الحديث عن الشعب السوري يدعو الى البكاء قياساً بالأهوال التي جعلت نصفه في القبور أو في اللجوء، ويدعو الى الضحك قياساً بالموقفين الروسي والايراني اللذين يتمسكان ببقاء الأسد حتى آخر سوري على طريقة “الأسد أو نحرق البلد”، والمثير ان بيان البنود التسعة الذي صدر عن اجتماع فيينا لا يقل تعمية ووهماً عندما يتحدث عن حقوق الشعب السوري ودوره في تقرير مستقبله!
من البند الأول الى التاسع كلام إنشائي جميل عن وحدة سوريا وسلامة اراضيها وهويتها العلمانية وعن بقاء مؤسسات الدولة، وحقوق السوريين، ووقف الحرب، وإيصال المساعدات الى النازحين في الداخل والخارج، لكن السؤال كيف سيتمكن هؤلاء النازحون وهم بالملايين من تقرير مستقبل سوريا والأسد، وفي المناسبة القصف الروسي أضاف عشرات الآلاف منهم الى النزوح نحو تركيا؟

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٥
بيان فيينا وتفاهمات جديدة

على الرغم من إقرار الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بفشل اجتماع فيينا لعدم الاتفاق على مصير الأسد، فإن الاجتماع، بحد ذاته، شكّل تطوراً مهماً على صعيد حل الأزمة السورية، فلأول مرة تُشارك قوى إقليمية متعارضة حول سورية على طاولة واحدة. ولأول مرة، يجري التوافق على شكل سياسي موحد للحل في سورية. ولأول مرة، يتم استبعاد السوريين أنفسهم من اجتماع دولي موسع كهذا، ولأول مرة تبدأ الأطراف بتحديد هوية الفصائل والقوى التي تقع خارج دائرة الإرهاب.
وقد بدا واضحاً أن الاجتماع سيكون مختلفاً عن أية اجتماعات سابقة مخصصة لبحث الأزمة السورية، حيث ظهرت مؤشرات إيجابية عدة قبيل عقده، منها أولاً، تلميح إيران إلى تفضيلها مرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر، تعقبها انتخابات لتحديد مصير الرئيس بشار الأسد، على الرغم من نفي أمير عبد اللهيان، نائب وزير الخارجية الإيراني وعضو الوفد الإيراني في المحادثات، هذا الكلام الذي نسب إليه. ومنها ثانيا، إعلان مندوب روسيا في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، من أن النظام السوري أوقف القصف بالبراميل المتفجرة، إثر دعوات متكررة من موسكو بشكل خاص لوقف استخدامها لتجنب سقوط ضحايا مدنيين. ومنها ثالثا، تصريح ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، بأن موسكو والرياض تبادلتا قوائم بشأن الشخصيات المعارضة التي يمكن أن تشارك في مفاوضات مع الحكومة السورية، بما فيها "الجيش الحر" والأكراد.
انتهى الاجتماع باتفاق 17 دولة، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، على نقاط تسع شكلت مبادئ عامة للحل السياسي في سورية: وحدة سورية واستقلالها وهويتها العلمانية، بقاء مؤسسات الدولة، تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة، وضع دستور جديد، إجراء انتخابات جديدة، تنفيذ وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد.
تشكل هذه النقاط تطوراً إيجابياً من حيث المبدأ، وإن لم تصل إلى المستوى الذي تنشده المعارضة السورية وداعموها الإقليميون. لكن، ثمة جديد هنا، فقد انتقل التفاهم من المبادئ العامة الفضفاضة إلى المضامين السياسية والآليات التي يجب اتباعها، والتي ستكون مثار نقاش الاجتماعات المقبلة.
اعتمد البيان الختامي لاجتماع فيينا على بيان مجموعة العمل الدولية (بيان جنيف)، وتجاوزه
"تجاوز بيان فيينا وثيقة جنيف لجهة شكل هيئة الحكم، فجنيف تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، فيما دعا البيان إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية"
في آن معا، فالفقرة السابعة من بيان فيينا تؤكد أن آلية الحل السياسي متضمنة في بيان جنيف، بعدما أصبح قاعدة سياسية وقانونية وفق المادتين 16 و17 من قرار مجلس الأمن الدولي 2118، خصوصا فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية. وفي الوقت نفسه، تم تجاوز وثيقة جنيف لجهة شكل هيئة الحكم، فبعدما أكدت الوثيقة على ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، يشارك فيها النظام والمعارضة مناصفة، دعا بيان فيينا إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية. وهناك فرق كبير بين الحالتين. في الأولى، تنتزع صلاحيات الرئاسة، وتعطى إلى الحكومة التي ستكون مشرفة على المؤسستين، العسكرية والأمنية. وفي الحالة الثانية، لن تكون الحكومة المقرر تشكيلها ذات صلاحيات كاملة، وإنما ذات صلاحيات معقولة، يجعل منها حكومة جديرة بالثقة.
لكن، حتى الآن لا تبدو الصورة واضحة حول عمل المؤسستين العسكرية والأمنية، هل سيتم تقسيمهما؟ بحيث تكون المؤسسة العسكرية ضمن صلاحيات الرئاسة، في حين تكون المؤسسة الأمنية ضمن صلاحيات الحكومة التي تتشكل من النظام والمعارضة، بحسب ما سرّب، ما يعني أن المؤسسة الأمنية فعليا لن تكون بالكامل تحت سلطة المعارضة. وتنجم عن هذه المسألة تفرعات كثيرة، منها ما هو مصير فصائل المعارضة المسلحة التي ستدخل في العملية السياسية والعسكرية؟ ولمن ستؤول صلاحية السيطرة عليها، وكيف يمكن فرز بعض هذه الفصائل عن الأخرى التي تندرج في قائمة الإرهاب، مثل "جبهة النصرة"، في ظل التحالفات الميدانية القائمة الآن.
وهناك مشكلة أخرى مرتبطة بتحديد هوية المعارضة السياسية، بعدما تشكلت في سورية معارضات، يتماهى بعضها مع نظام الحكم في دمشق (حزب الشعب، حزب التضامن، حزب التنمية، حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية، التجمع الأهلي الديمقراطي للأكراد السوريين، تيار سلام ومجد سورية)، وبعضها الآخر يقف مقابل النظام (الائتلاف)، في حين بقيت أطراف أخرى بين المنزلتين (هيئة التنسيق، تيار بناء الدولة). على أن الإشكالية الكبرى التي تواجه المعارضة وداعميها، هي هل يمكن المشاركة في هذه الحكومة، قبيل معرفة مصير الأسد؟ بعبارة أخرى، هل سيؤدي هذا المسار السياسي، في النهاية، إلى رحيل الأسد، وعدم ترشحه للانتخابات؟
تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة للغاية، في ظل الخلاف القائم بين الأطراف الإقليمية والدولية للأزمة السورية: السعودية وقطر وتركيا يطالبون برحيل الأسد عبر حل سياسي أو عسكري، فيما تتمسك روسيا وإيران ببقائه ضمن أي حل يتم التوصل إليه. في حين يبقى الموقف الأميركي غامضا كعادته. يقول وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إن "السوريين يستحقون خيارا آخر بين الأسد والمنظمات الإرهابية"، لكنه يقول في المقابل، "لا يمكن أن نسمح بأن يقف هذا الخلاف في الطريق أمام إمكانية أن تعمل الدبلوماسية لإنهاء القتل".

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٥
الحرب المقدسة ـ لعبة مجانية على Google ـ

هل كان يعلم القديس /أمبروزيوس/ الذي أعلن أول حربٍ مقدسةٍ /مسيحية/ وكانت على البربر لتمردهم على (الامبراطور جراسيان) ـ المسيحي ـ ووصفهم حينها بأنهم: أعداء الله في الأرض، هل كان يعلم بأن /فسيفولود تشابلن/ رئيس الشؤون العامة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبعد مئات السنين سيعلن مثلها ـ علينا ـ، لتمردنا على الوريث (بشار الأسد) ـ العلماني ـ؟!

وبعد أول طلعة طيرانٍ روسية ـمقدسةـ يتساقط الإرهابيون (من الأطفال والنساءِ ومن رجال الدفاع المدني ومن المدافعين عن حرية وكرامة الناس) في عدة مناطق سورية ـ ريف حمص وريف إدلب وريف اللاذقية ـ ، أولئك الإرهابيون ـ الذين قتلتهم الطائرات المقدسة ـ وأفقدتهم أبصارهم أو أطرافهم، هم تمامًا الذين بارك رجل دين نظام الأسد ومدير الأوقاف الإسلامية في دمشق سامر القباني ـ براميل الأسد المقدسة ـ فقال لـ حاكمه ـ بأمر الله ـ : (سالِم من شئت وحارب من شئت وأحبب من شئت وأبغض من شئت .. و نقول لك إذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون) ـ قياسًا على أصحاب بدر مع رسول الله ـ، وذلك لرفض هؤلاء الإرهابيين البقاء في حكم آل الأسد ـ الجبري ـ وتسلّط المتنفذين وأبناء طائفته عليهم وعلى من يرفضون هذا الحكم حتى من أبناء الطائفة ذاتها، أولئك الإرهابيون ـ الذين قتلتهم الطائرات المقدسة ـ هم تمامًا الذين تدعو الميليشيات الشيعية ـ المقاتلة مع نظام الأسد ـ لقتلهم (كي لا تُسبى زينب مرتين) وكي تحمي هذه الميليشات مقدساتها في بلادنا وهم الذين أتو من شرق آسيا وأواسطها إلينا، وحتى يزيدَ الطينُ بِلّةً فإن من دافع عن أولئك المظلومين جميعًا وقاتل من أجلهم قد اعتبرته الدولة الإسلامية ـ داعش ـ مرتدّاً فقاتلته بهذه التهمة (المقدسة) أيضًا، فترى أن كل القتلة أصبحوا مقدسين .. وكلَّ مظلومٍ أو مدافعٍ عنه أصبح ما بين إرهابيٍ وخائنٍ ومُرتد.

وفي وسط ذلك القتل المقدس (دينيًا) تطلب وحدات الحماية الشعبية ـ الكوردية ـ إشراكها في هذه العمليات المقدسة أرثوذكسيًا/روسيًا علّها تدعم حقها المقدس عرقياً (بفدرالية سياسية أو ما شابه)، بعدما رأوا ما يقارب 20% من سورية ـ التي بقيت تحت سيطرة الأسد ـ دُعمت بهذه الحرب المقدسة وغدا الساحل السوري برعاية القاعدة الروسية ـ كاملة الرفاهية لمقاتليها ـ، فهل يخرجون من هذا (المولد بدون حُمّص)؟

ما بين ثنائية خامنئي ـ بوتين (حماية المقدسات بمقاتلين شيعة وإخراج الناس من أرضهم ـ تحت التغطية الجوية المقدسة) وثنائية كيري ـ لافروف (التناغم في : لم تقصفوا مراكز لداعش ـ بل نحن نُنسق مع البنتاغون)، واللتان تُحيلان إلى ثنائية سايكس ـ بيكو، لم ينفع الناسَ التحالفُ بقيادة الولايات المتحدة بل قتلهم في بعض قصفه، ولم تُعِنهم مجموعة (أصدقائهم) ـ على الأقل حتى الآن ـ ، فقد وُكِلوا إلى أنفسهم وصدق فيهم: (ما حكَّ جلدَك مثلُ ظِفْرِكْ ** فاهتمّ أنت بكلِّ أمْرِكْ) ومع بدءِ التقارب بين السياسيين وفصائل الثورة المسلحة لا بد من أن تأخذ (الثورة المقدّسة) خطًا جديدًا في وجه: احتلالٍ إيراني وغزوٍ روسي وفي وجه مجموعة من الطغاة (نظام الأسد والميليشيات المقاتلة معه ومَنْ يُقاتل الثوّار والناس) وفي وجه مجموعة من المتخاذلين عنها، أقل ما في هذا الخط الجديد أن نعلم أنه: (لا عدوّ لنا بيننا ـ أقصد من نقف ضد الأسد ـ وأنه لا حليف لنا عند غيرنا ـ أقصد من يرون وجود الأسد في وجهٍ من الوجوه ـ فتكونُ الحربُ واحدة وتكون الهدنة واحدة ويكون العمل مدنيًا وسياسيًا وعسكريًا واحدًا تتعدد أصابعه ومنشأُ يده واحد، أنْ يقول هذا الخط: دمُ الناس ليس أوراقًا لتفاوض الآخرين)، فكلًّ القاتلين يستثنون قوات الأسد (بين متحالفٍ معه وغاضِّ الطرف عنه) ولا يزعجهم طغيان قوات البغدادي على الثوّار ـ كما يدّعون ـ ، حتى يبقى الناس بين طغاةٍ وغُلاةٍ وغزاة، فإذا ما خُيّرنا بين البغدادي والأسد والمُحتلّين كان خيارنا (ثورتنا المقدسة).

ومما لا يُغفل أن أفرادًا ومجموعاتٍ سوريةٍ/مسيحية قد رفضوا الغزو الروسي وردّوا على تقديسه وتقديس القتل فيه فلا قداسة لمحتلٍ ولا لقاتل، وخاصةً بعد احتلال القوات الروسية لـ قلعة الحصن في وادي النصارى وبث مقاطع مصورةٍ منها ـ فصارت قِلاعُ بلادِنا روسيّة ـ .

في نهاية سبتمبر عام 1996 تم إعدام الزعيم الأفغاني محمد نجيب الله ـ المدعوم سوفيتيًا ـ بعد سقوط حكمه عام 1992 على يد الثوار والمجاهدين في أفغانستان، وكان قد أسس أيضًا لجنة مصالحة وطنية عام 1988، وقد دعم الاتحاد السوفيتي هذا الزعيم بمساعدات عسكرية واقتصادية ضخمة ، لمواجهة شعبه، ولكن لم يجدِه ذلك نفعًا ولم يُثبّت له حُكمًا، حتى أنه بعد سقوط بلدة سروبي بيد حركة طالبان طلب نجيب الله من الأمم المتحدة توفير ملاذٍ آمنٍ له ولشقيقه ولحرّاسه، ولم تستجب له الأمم المتحدة أيضاً، ثم أُعدم شنقًا على إحدى أعمدة الساحات في كابول، وكأن صاحب البراميل (المقدسة) لم يلتفت إلى ذلك.

ما أريدُ قولَه: لأننا نقاتل دفاعًاً عن كل مظلومٍ ـ أتى أو سيأتي ـ يقاتِلُنا كلُّ ظالم ويخذلنا كلُّ خائفٍ وتطولُ ثورتُنا، وعندما نعرف حجم (ثورتنا المقدسة) نعرفُ كيف تنتصر.

أما عن العنوان، فمن المفارقات الغريبة أن تجد : عند البحث في محرك Google عن تركيب (الحرب المقدسة) وفي أوائل النتائج تظهر لعبة ـ كما يصفها محرك البحث ـ تَعاقُبية ومجانية بإسم Holy war، فهذا أدقُّ وصفٍ لما أتى به طغيانُ وإرهاب نظام الأسد على الناس، فتعاقب القتلة على حربٍ دينية جعلت دماء الناس مجانيّة.

محمود الطويل

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى