مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٣ نوفمبر ٢٠١٥
فيينا السوري بلا أفق

لا أفق واضحاً أمام مسار فيينا السوري الذي ينعقد غدا السبت في دورته الثالثة، بحضور نحو 20 دولة، تمثل الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة، من دون دعوة أصحاب القضية. وغياب الأطراف السورية المعنية ليس دليل حكمة، ولا تحكمه رجاحة عقل وحسابات مدروسة، بقدر ما يعبر عن عدم نضج اللحظة السورية الراهنة التي لا تزال متشظيةً في اتجاهات مختلفة، ومسارات متباعدة.
لا أحد، من الأطراف الدولية المقرّرة، على استعداد ليخبر السوريين أن لقاءات فيينا ليست مكرسة لإيجاد حل لقضيتهم، وإنما هي لا تعدو أن تكون محاولة ملتبسة لتلفيق فرصة حل. ومن هنا، ليس من الغرابة أن تطغى على الاجتماعات أجواء الشد والجذب، وتبدو المسافة بين الأطراف حول الطاولة شاسعة جداً، وهي أقرب إلى الحرب أكثر بكثير منها إلى السلم. وأعطت الجولة الثانية من المباحثات، التي انعقدت في نهاية الشهر الماضي، فكرة واضحة عن المسارات التي ستسلكها المسألة السورية في المدى المنظور. وهي مساراتٌ لا تبشر بنهاية قريبة للتصعيد والمواجهة والحروب، بل إن أجواء الجولة الثانية حملت قدراً كبيراً من الانقسام بين الأطراف، وتكرّس هناك معسكران على طرفي نقيض، معسكر الأطراف الداعمة للثورة السورية (السعودية، تركيا، قطر)، ومعسكر الطرفين الداعمين للنظام السوري (إيران، روسيا)، وسط تنصل الولايات من المسؤولية الأخلاقية والسياسية، وانسحابها من لعب دورها الطبيعي قوة عظمى، والاكتفاء بالوساطة بين المعسكرين، ويلاحظ أنها كانت ميّالة إلى قبول اقتراح جدول أعمال للقاء جنيف الثالث، أقرب للطرفين الروسي والايراني، يعطي أولوية لمحاربة الفصائل العسكرية السورية التي تقاتل النظام، وليس داعش، وفق ما تقتضيه الحرب على الإرهاب، الأمر الذي استفز وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، ودفعه إلى توجيه كلام نابٍ إلى نظيره الروسي، سيرغي لافروف، واتهامه بالكذب، كون روسيا توجه ضرباتها الجوية، منذ أول الشهر الماضي، ضد المعارضة المعتدلة، ولم تتعرض لداعش.
ويفيد ما تسرب عن خلافات بين المعسكرين، حول تحضيرات لقاء فيينا الثالث، أن واشنطن ليست في وارد الضغط على طهران وموسكو، من أجل قبول جدول أعمالٍ يشكل حلا وسطاً وأساساً يمكن البناء عليه مرحلة أولى، بهدف الوصول، في مرحلة لاحقة، إلى تفاهمات بين الأطراف. وكما في كل مرة، منذ بداية الأزمة السورية، يشكل وضع رئيس النظام، بشار الأسد، عقدة الموضوع، فبين طرف يعتبر الاتفاق على رحيله مدخلاً وأساساً للحل، وطرف آخر يعمل على تعويمه، ويضع نزع سلاح خصومه من الفصائل نقطة بداية. وعلى بعد يوم من انعقاد الجولة الثالثة، لا تبدو الصورة مختلفة عنها في ختام الاجتماع الثاني، حيث تفيد خطة المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، بأن الأولوية اليوم هي لمحاربة الإرهاب، حسب التعريف الروسي الإيراني. وبالإضافة إلى ذلك، هناك خلاف على تحديد ماهية المعارضة السورية، في حين أن النظام واضح للأطراف كافة. ومن هنا، يجري الضغط من جانب إيران وروسيا لجر الآخرين في هذا الاتجاه، من أجل حرف مسار القضية بالكامل، وكسب الوقت بهدف إعادة إنتاج الأسد، وهناك بعض العرب المشاركين في مسار فيينا من يتبنى هذا المنطق، إلى حد أنه يعتبر كل الفصائل المسلحة التي تقاتل الأسد إرهابية، ويطالب بتوجيه الضربات العسكرية لها.
يحمل هذا المنطق مخاطر كثيرة، ولا يقترب من الحل، عدا عن أنه لا يقدم جديداً، ولا يتسم بالجدية، ذلك أن الفصائل السورية التي تحارب النظام متفقة على أن إرهاب الأسد وداعش وجهان لعملة واحدة. وما لم تتفق الأطراف على هذه القضية، لن يكون هناك حل، لأن فصائل المعارضة السورية أبلغت جميع الأطراف أنها لن تقبل بأقل من جنيف 1.

اقرأ المزيد
١٢ نوفمبر ٢٠١٥
الحضور الإيراني في فيينا للتعطيل لا للتسهيل

أشاعت لقاءات فيينا انطباعاً بأن قطار تسويةٍ سياسيةٍ ما في سورية وُضع على السكّة. لا شيء مؤكد. ربما يحمل اللقاء التالي، غداً، بعض الوضوح للنيات كما للسياسات. في المحاولة السابقة في جنيف (2014) كان الظنّ السائد أن «التفاهمات» الاميركية - الروسية كفيلة بصنع اختراقات، إلى أن انكشفت وتدهورت، ثم أعيد تأهيلها، لكن حسابات كلٍّ من الطرفين تغيّرت. وما أوحى بـ «الجدية» هذه المرّة أن اميركا وروسيا تريدان استمالة السعودية وتركيا إلى «التفاهمات» استناداً إلى «فرصة» تتمثّل بأن موسكو أصبحت متورّطة على الأرض السورية وأنها فتحت ملف «الحل السياسي» وباتت مستعدّة لاستدراج تنازلات من بشار الأسد، لكن مقابل استمراره لفترة محدودة، بذريعة أن بقاءه يساعد في تنفيذ أي اتفاق يمكن التوصّل إليه. كانت واشنطن موافقة دائماً على هذه الصيغة مشترطةً الاتفاق على «هيئة حكم انتقالي»، وفقاً لبيان «جنيف 1»، غير أن الرياض واظبت على الدعوة إلى «رحيل الأسد» ثم تعاملت ببراغماتية مع فكرة «الفترة المحدودة» إذا توافرت ضمانات لها ولصلاحيات الحكومة الانتقالية.

عشية اللقاء الموسّع السابق في فيينا، عُقد اجتماع رباعي تمهيدي (29/10/2015) وكان صعباً، بل ساخناً إلى حدٍّ ما، إذ بدا جون كيري وسيرغي لافروف متفاهمَين على ضرورة الإقلاع بالحل السياسي في أي شكل. لكن الوزير الروسي لم يكن مقنعاً لنظيريه السعودي والتركي اللذين وجدا أنه لم يحمل أي جديد بخصوص «مصير الأسد» وأن الاقتراحات الأخرى تنطوي على تراجع مبطّن عن صيغة جنيف والحكم الانتقالي. وذُكر أن لافروف غادر الاجتماع من دون انتظار توافقات محددة، لذلك طرح كيري منهجية تضمن استمرار «عملية فيينا»، إذ تشير إلى وجود خلافات مع تحديد للمبادئ العامة المتوافق عليها، وقد ظهرت تلك المبادئ في البيان المشترك (وحدة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها وطابعها «العلماني»، المحافظة على مؤسسات الدولة، حماية حقوق السوريين أياً تكن أديانهم وإتنياتهم، تسريع الجهود الديبلوماسية لإنهاء الحرب، زيادة الدعم الإنساني للمهجّرين في الداخل وللدول التي تؤوي النازحين، ضرورة هزم «داعش» والتنظيمات الأخرى التي يعتبرها مجلس الأمن الدولي إرهابية)...

لم يكن متوقعاً أن يعترض أحد على هذه المبادئ. وهي رغم أهميتها لم تعد تعني شيئاً منذ زمن، فالنظام احتقرها طوال عقود تسلّطه ثم جهر باحتقاره للشعب بفئاته كافة عندما قاده إلى صراع أهلي لضمان بقائه في السلطة. لكن هذه المبادئ شكّلت مخرجاً لتفادي فشل معلن للقاء فيينا الموسّع، كما تضمن البيان نوعاً من خريطة طريق إلى حل يبدأ بوقف لإطلاق النار ويستند إلى «جنيف 1» (يرفضه النظامان السوري والإيراني) وتتولّى فيه الأمم المتحدة جلب ممثلين عن «الحكومة السورية» والمعارضة إلى عملية سياسية تفضي إلى «حكم ذي مصداقية، غير فئوي، ويشمل الجميع» وتلحظ إعداد دستور جديد وانتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة وتُجرى «بأعلى معايير النزاهة والشفافية» وبمشاركة الجميع بمن فيهم سوريّو الشتات...

هذه «الخريطة» لا تختلف في جوهرها عما كان مطروحاً في مفاوضات جنيف (شباط/ فبراير 2014) التي أفشلها النظام مصرّاً على اتفاق على محاربة الإرهاب (بقيادته) قبل التطرّق إلى الترتيبات السياسية. واقعياً كان يريد مجالسة معارضين آخرين لا ليفاوضهم بل ليملي عليهم شروطه وإرادته. أما محاربة الإرهاب، فالسيناريو الاميركي لا يلحظ لها دوراً فيها، فيما يبدو السيناريو الروسي معنياً بإعادة تأهيل الجيش وليس النظام لكنه يتعثّر لأنه لم يعثر على الجيش الذي يعرفه. وأما بالنسبة إلى الجانب السياسي، فاعتقدت روسيا أن الخطة التي اقترحها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، ولم تلقَ اعتراضاً، مهّدت الطريق لتشكيل وفود المعارضة بالطريقة التي اتّبعت للقاءات موسكو والقاهرة واستانة (عاصمة كازاخستان) وكانت غالبية المشاركين فيها من المعارضين الموفدين من جانب النظام، فضلاً عن أفراد من «معارضة الداخل».

ليس معروفاً من أين جاءت موسكو وطهران ودمشق بفكرة التحكّم المسبق بأي مفاوضات من خلال التلاعب بتمثيل المعارضة، بل كيف اقتنعت نفسها بأن هذه الطريقة يمكن أن تنهي الصراع وتقيم السلام وتأتي بـ «الحل السياسي» المنشود، أي الحل الذي يبقي النظام من دون أي تغيير جوهري، وبموافقة «من حضر». وقد استدرجت الأطراف الثلاثة دي ميستورا راضياً إلى هذا المنطق، وافترضت غباءً مستحكماً بالأطراف الأخرى يستحيل معه أن تكتشف حتى الخداع المكشوف. ولعل الجدل الذي افتعلته يرمي عملياً إلى إقصاء المعارضة الحقيقية، ذاك أن موسكو تطالب بتحديد ما هي المعارضة «المعتدلة» لتعرف كيف يمكن تمثيلها، وفي عُرفها أن كل من حمل السلاح ضد النظام ليس «معتدلاً» أي ليس مؤهلاً لأن يكون جزءاً من الحل. لكن عليها، قبل ذلك، أن تحدّد طبيعة النظام الذي تسانده وتعتبره ركيزةً للحل، أهو معتدل أو متطرّف، أهو وسطي أم إجرامي متوحّش؟ لا شك في أن العالم، عدا استثناءات محدودة، أوضح موقفه من هذا النظام. ولا يمكن نظاماً منبوذاً مثله ولا حلفاءه أن يحدّدوا من هو مقبول أو غير مقبول في التفاوض على مستقبل سورية.

الأكيد أن المعارضة لم تستطع أن تبلور كياناً واحداً لتمثيلها، لكن لوحظ في الأسابيع الأخيرة أن الولايات المتحدة وروسيا أعادتا، كلٌّ لأسبابها، اكتشاف «الجيش الحرّ»، فهو الأكثر تعبيراً عن المعارضة والأقرب إلى مواصفات «الاعتدال». في الأعوام الأربعة الماضية، تعامت واشنطن عن ضرورة تسليحه ليبقى الفصيل الأكبر والأقوى، وأدّى إهماله وعدم دعمه إلى استضعافه وبالتالي إلى تشظّيه وتوزّع ضباطه وجنوده على سائر الفصائل. لكنّ الاميركيين يريدون الآن الاعتماد عليه لمحاربة «داعش»، ويسعى الروس إلى استعادته إلى صفوف الجيش لكن الطريقة التي يتّبعونها تنفّره بدل أن تقرّبه، فحتى الضباط الذين انشقّوا ولم يشاركوا في قتال النظام ولا يمانعون في العودة إلى الجيش لم يعودوا راغبين في العودة إلى جيش بإمرة الأسد وزمرته. في المقابل، يبدو أن الولايات المتحدة تذكّرت أيضاً أن «الائتلاف» المعارض لا يزال موجوداً، ورغم أن «أصدقاءه» قطعوا عنه كل تمويل أو مساعدة منذ ما يقارب العامين. ومع اقتراب استحقاق التفاوض، يتبيّن أن «الائتلاف» عاد يمثّل رقماً صعباً لا يمكن تجاهله، فأي مفاوضات من دونه لن تحقق أهدافها، إذ إنه ارتبط بالفصائل المقاتلة وهي ارتبطت به، حتى لو لم يكن بينه وبينها تحالف معلن ومحسوم.

في أي حال، وقبل البحث في المعارضة، فليحسم الحلفاء الثلاثة (روسيا وإيران ونظام الأسد) خلافاتهم، لأن لكلٍّ منهم مقاربته للحلّ السياسي ولما يجب أن يسبقه ميدانياً. إذ إن التنسيق العسكري بين روسيا وإيران لا ينطبق على الجانب السياسي. وقد انتقد قائد «الحرس الثوري» محمد علي الجعفري روسيا في شكل مباشر، وقال أن «بقاء الأسد» لا يهمّها كما يهمّ إيران. وبعد شهور من الترويج الاميركي - الروسي لإيران كطرف فاعل ومساعد في حل أزمات المنطقة، يتّضح للمعنيين الآن أنها بوجهين ولسانين وأن هناك توزيع أدوار بين أجنحتها. فإيران روحاني تحضر لقاءات فيينا بصفتها «معتدلة» وإيران الجعفري تحرّض الأسد على التشدّد في شروط، وإذ أبدت الأولى قبولاً ولو بالمناورة لبيان فيينا الذي يتبنّى صيغة حكم انتقالي مستوحاة من بيان «جنيف 1» فإن موقف الثاني، أي «الحرس»، يظهر من خلال تصريحات فيصل المقداد، نائب وزير خارجية النظام، الذي يرفض فكرة المرحلة الانتقالية ويجدّد طرح «توسيع حكومة» النظام وتعديل الدستور. إذاً، فوجود إيران إلى طاولة المساومات لم يخرج عن إطار المتوقع منه، فهو يهدف إلى توجيه أي تسوية أو إلى تعطيلها حتى لو اقتضى ذلك تصعيداً ميدانياً. وإذ باتت الخلافات تدبّ بين الحلفاء الثلاثة فلأنهم تيقّنوا بأن ثمن أي تسوية دولية سيكون باهظاً سواء ساوموا على بقاء الأسد أو على رحيله.

اقرأ المزيد
١٢ نوفمبر ٢٠١٥
تدخل روسيا يكمل مهمة النظام السوري

أشعل الرئيس فلاديمير بوتين النار على الأرض السورية، ووضع قِدْرَه على الموقد، واستنفر طباخيه العسكريين والسياسيين والإعلاميين والدينيين أيضاً في حركة دؤوبة، معلناً بداية الزمن الروسي في القضية السورية. دوافعه إلى ذلك كثيرة ومتنوعة. منها ما هو داخلي روسي مرتبط بالأزمات التي تعاني منها روسيا. ومنها ما هو إقليمي، يتعلق بشبكة المصالح والعلاقات المعقدة والمتحولة في المنطقة. ومنها ما هو دولي شديد الصلة بالمطامح الروسية وصراعها المكتوم مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص.

انطلقت الطائرات الروسية إلى مسرح العمليات تحت غطاء كثيف من البروباغندا الدولية الرائجة تحت اسم «محاربة داعش». وأعلنت قيادتها العسكرية عن إنشاء غرفة عمليات إقليمية في بغداد، وإجراء تنسيق شامل مع إسرائيل. وتولت الاستخبارات السورية تزويدها ببنك الأهداف المطلوبة والمرغوبة. وبعد شهر واحد من التحشيد حول الحملة الروسية، «ذاب الثلج وبان المرج»، وسقطت كل الأوراق والأوهام ورسائل التضليل عن الأهداف العسكرية والسياسية الحقيقية لهذه الحملة. فالمناطق التي استهدفت بالقصف، كانت في معظمها مناطق لـ «الجيش السوري الحر» بنسبة 96 في المئة، ولم تقصف الطائرات الروسية أهدافاً «داعشية» إلا بنسبة 4 في المئة فقط. وكان عدد الضحايا من المدنيين أضعافاً مضاعفة من الثوار والمسلحين وحملة البنادق على الأرض. ومع ذلك فشلت الحملة في جهدها الرئيس المطلوب، وهو تغيير ميزان القوى على الأرض، ومساعدة النظام على استعادة ما فقده عبر هزائمه المتوالية منذ بداية 2015، في محافظات ريف حلب وإدلب وحماة ودرعا. وظهر للعيان حجم المخادعة في السياسة الروسية. إذ تعلن الإلتزام بوحدة وسيادة واستقلال سورية، والحرص على الدولة ومؤسساتها، في الوقت الذي تنتهكها وتعتدي على شعبها. وتحول دون صدور مشروع فرنسي لمنع استخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين، عندما ادعى مندوبها لدى الأمم المتحدة بأن إسقاط البراميل قد توقف. ثم شهد العالم إسقاط 94 برميلاً على مدينة داريا بعد ذلك.

غير أن أخطر ما قام به الطيران الروسي بضرباته الموجهة والمدروسة جيداً، هو رسم معالم الكانتون الطائفي الذي يريد بشار الأسد الدفاع عنه وتحصينه وأخذه رهينة، توضع عند الحاجة في المقايضات والتسويات المحتملة. فالقذائف التي أُلقيت على شمالي محافظة اللاذقية وعلى طول سهل الغاب وغربي حمص، أرادت أن تقول في رسالة واضحة: هذه محمية روسية، ممنوع الاقتراب منها.

بعد فشل الجهد العسكري الروسي في إجراء التغيير المطلوب على الأرض، سارعت السياسة الروسية – في عملية لكسب الوقت وحفظ ماء الوجه – نحو بذل جهود مضنية لعقد مؤتمر فيينا الرباعي ومن بعده الموسع، والذي جاء على شكل مهرجان دولي دعي إليه الجميع. وكان منبراً لسماع الأصوات المتناقضة والمتباينة حيناً، وتلك التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة حيناً آخر. تم ذلك في غياب السوريين، وجاءت النتائج في البيان الختامي باهتة ومتواضعة، تعكس محصلة تسووية روتينية لرياح تهب من جميع الجهات.

هدية مجانية ومن دون استحقاق تم تقديمها لإيران بدعوتها للمشاركة في مؤتمر فيينا. لأنها لم تعترف حتى اليوم بالعملية السياسية التي بدأت في جنيف 1. وبدت مشاركتها شاذة وعامل استفزاز، كدولة ما زالت تعتمد خيار الحل العسكري وتدعمه على الأرض بجميع الأشكال. كذلك كانت مشاركة دول كلبنان والعراق ومصر، التي تعاني شعوبها ما تعاني، ولو كانت قادرة على المساهمة في حل مشكلات الآخرين، فلم لا تعمل على حل مشكلاتها الخاصة، وهي من النوع نفسه؟!

غير أن التوجهات الروسية، التي التقطها المبعوث الأممي دي ميستورا ورددها باعتبار بيان فيينا رديفاً لبيان جنيف 1 كمرجعية للعملية السياسية، تبدو في العمق أشد خطراً مما تبدو على السطح. فهو مسعى دأبت عليه السياسة الروسية، بعد أن أظهرت ندمها على الموافقة على مشروع المبعوث الدولي كوفي أنان عام 2012، الذي أنتج بيان جنيف 1، وتحاول منذ ذلك الوقت حرف العملية السياسية عن مسارها بضرب منطلقها الأساس، وإيجاد مرجعية جديدة تلبي مصالح موسكو.

نتيجة فشل الهجمات الجوية في إحداث فرق وإجراء تغيير مطلوب، ورغبة من روسيا في مزيد من الاستعراض العسكري، اندفعت لتطوير احتلالها لسورية، وتعزيز قواعدها البحرية والجوية بأنظمة دفاع جوي، قد تستدعي أو تستدرج قوات برية متنوعة لتوفير الحماية الأرضية لها. كذلك اتجهت الى الفضاء السياسي الإقليمي والدولي في مبادرة لتحقيق الوجود الروسي على هذا الصعيد، مستهدفة الوصول إلى مرجعية بديلة وخريطة طريق للتسوية وفق رؤيتها. مثلما توجهت روسيا نحو الساحة السورية السياسية والعسكرية بجهود مشتتة ومنافقة لإجراء حوارات مع «الجيش السوري الحر» «إذا بقي منه أحد» (على حد تعبير الوزير لافروف) والمعارضة السياسية التي تريدها وتسميها «معتدلة» على حد تعبير الوزير لافروف، وكأنها تكتشف للمرة الأولى وجود المعارضة السورية، مع أنها على صلة بمختلف أطرافها منذ سنوات.

إن مسعى الروس لنقل مرجعية المفاوضات من جنيف إلى فيينا، ووضع الأمر الإقليمي في أيد تفتقر إلى الأهلية والقدرة، وادعاء البحث عن معارضة ضائعة من أجل إحياء دور سياسي بعد فشل الجهود العسكرية في إظهار العزم الروسي والفاعلية في إدارة شؤون المنطقة وفي القضية السورية بشكل خاص، كل ذلك سيذهب أدراج الرياح. لأن أفعال الغزو الروسي أعظم تأثيراً وأكثر فصاحة وإقناعاً من أقوال السياسة الروسية وادعاءاتها المنخورة. وقد تلقى السوريون رسائل الروس بشكل حقيقي وبوضوح كامل، واكتشفوا أن ليس لسورية ولطموحات السوريين مكان معتبر في الاستراتيجية الروسية للمنطقة، إن وجدت.

إن كل يوم يمضي من عمر الغزو الروسي لسورية، يحمل في طياته تأجيجاً وترسيخاً من جانب قوى الثورة لمقاومة العدوان. ويحمل تعميقاً للتباينات بل التناقضات القائمة بين المشروعين الروسي والإيراني على الأرض السورية وفي أرجاء المنطقة. كما يزيد منسوب الفشل في سوية الأداء الروسي وإنجازاته دولياً، والذي تأمل منه روسيا في أن يظهرها كقوة عظمى، تشكل قطباً موازياً للغرب، تقرر عندما تريد، وتواجه قرارات الآخرين إذا شاءت.

وبعد أربعين يوماً من وقائع الهجوم الروسي المعاكس على المنطقة، عبثاً ينتظر الساسة الروس حملة الصحون، ليصطفوا أمام المطبخ الروسي بانتظار ما سيخرج من قدر، ليس فيه إلا طبخة حصى. ويبقى الصوت الأعلى في إدانة هذا الغزو وإعلان فشله هو أرقام الضحايا من المدنيين، وحجم التدمير والتهجير من القرى الآمنة الذي أنتجه، وعدد المشافي الميدانية التي استهدفتها طائرات السوخوي. كل ذلك يحكي بالصوت والصورة حكاية عدوان على شعب مصمم على نيل حريته، ويعاني ما يعاني من جرائم نظام، عمل الروس طويلاً على دعمه والتستر على جرائمه وتبريرها، وهم اليوم يكملون مهمته ويرتكبون مثيلات لها.

اقرأ المزيد
١٢ نوفمبر ٢٠١٥
الإجرام الروسي

جاء الطيران الروسي، وقوى برية أخرى، لكي يحارب داعش، كما كرَّر الإعلام الروسي، وإعلام النظام، لكن هذا لم يمنع صدور تصريحات عن رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، بأن التدخل يتعلق بالمصالح القومية الروسية، وأن يتسرّب عبر تصريحات متعددة أن التدخل جاء لمنع انهيار النظام في لحظةٍ، كان فيها على وشك السقوط. طبعاً، لم يظهر أن الهدف هو الحرب ضد داعش، حيث شملته غارات محدودة (طاولت المدنيين في مناطقه)، وظهرت المصالح الروسية في بناء قاعدة جوية وتوسيع القاعدة البحرية، والإتيان بقوات برية، وذلك كله لكي يتعزّز الدور الروسي في البحر المتوسط، والمنطقة العربية.
لكن، لم يفلح الطيران الروسي في تحويل "جيش" النظام وإيران وحزب الله وغيرها إلى قوة قادرة على استرداد الأرض التي خسرتها خلال هذه السنة، خصوصاً في الوسط (ريف حماة الغربي) والريف الجنوبي والشمالي لحلب وريف اللاذقية، فقد فشلت كل الهجمات، وجرى تدمير عشرات الدبابات، وقتل قادة عسكريون إيرانيون ومن حزب الله ومن النظام عديدون. بالتالي، لم تفلح الصواريخ المتطورة التي تطلقها الطائرات الروسية، أو حتى الصواريخ البالستية التي تطلق من بحر قزوين، أو من البحر المتوسط، في تغيير ميزان القوى العسكري. على العكس، تحقق تقدم للكتائب المسلحة.
ما يفلح به هذا الطيران بكل تقدمه التكنولوجي، وقوة صواريخه، هو الإبادة الجماعية. فروسيا بوتين تمارس ما مارسته في الشيشان، حيث قاد بوتين حملة شاملة من أجل سحق التمرد، ومارس كل أشكال الوحشية من أجل إخماده، إذ دمّر غروزني العاصمة لكي يحقق ذلك. وإذا كان النظام قد استفاد منه أصلاً، خصوصاً في "اكتشاف" البراميل المتفجرة، فإن الطيران الروسي يكمل الوحشية بصواريخ أكثر تطوراً، وهو يريد من ذلك تحقيق هزيمة الثورة، وفرض انتصار النظام. ولا يبدو أنه قادر على ذلك، لأن في سورية ثورة هزمت النظام، ولا يفيد كل التدخل الخارجي من أجل إنقاذه.
قصف بعض مواقع الجيش الحر. لكن، يبدو أن التركيز الأساسي للقصف يطاول المستشفيات، والمستشفيات الميدانية، والمدارس والأسواق والأحياء الشعبية. الجزء الأساسي من القصف يطاول هذه المناطق في دوما وريف دمشق وحلب وريف حمص وريف حماة وإدلب وريفها، وحتى حين يقصف مناطق داعش يقصف الأحياء والأسواق والمستشفيات، كما فعل في البوكمال. لهذا تزايدت المجازر بعد التدخل الروسي، وازداد عدد الشهداء، خصوصاً من الأطفال والنساء وكبار السن. ومن أجل ذلك، يجري استخدام الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية، ويكمل النظام باستخدام البراميل المتفجرة وأسلحة محظورة.
لا شك في أن هذه جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية. وربما كان هذا هو أسلوب بوتين الذي يعتقد بأن استخدام الوحشية سوف يفرض "انهيار العدو"، ومن ثم يعلن انتصاره هو. إنه يستخدم "الصدمة والرعب"، هذا المصطلح الأميركي الذي يمارسه الروس الآن في سورية. لكن، لا يبدو أن هذه السياسة قد أدت إلى نتيجة، حيث لم تؤدِ إلى تغيير ميزان القوى على الأرض. على العكس، لا زال ميزان القوى مختلاً لمصلحة الجيش الحر.
تريد روسيا الحفاظ على بشار الأسد عبر سياسة وحشية، هي استمرار لسياسة النظام، لكي يبقى مسيطراً من دون أن ينال ذلك. ولقد استجلب قوات حزب الله والحرس الثوري والمليشيا الطائفية العراقية، ومن أفغانستان وباكستان، من دون أن يغيّر ذلك في الواقع شيئاً، الأمر الذي فرض تدخل روسيا التي تريد "أن يختار الشعب السوري" من يحكمه، وهي تحاول سند نظام يتداعى، لأن الشعب قرَّر إسقاطه.
تحاول روسيا الآن، ولسوف تصل إلى النتيجة نفسها: الفشل، على الرغم من كل الجرائم التي ترتكبها، والتي هي جرائم ضد الإنسانية، وستحاسب من الشعب التي لم ترَ إلى الآن أنه يريد إسقاط النظام. عادةً، حين تكون الإمبريالية مأزومة تمارس أقصى العنف، وترتكب الجرائم، وتقترف الإبادة الجماعية، هذا بالضبط ما تفعله روسيا في سورية.

اقرأ المزيد
١١ نوفمبر ٢٠١٥
هل حاولت إيران استبدال نصرالله بالأسد؟

قيل ان من بين أسباب التدخل الروسي في سورية موازنة التدخل الإيراني أو تقاسم موسكو مع طهران الإمساك بالورقة السورية. لكن لماذا التنافس و»الغيرة» بينهما إذا كان هدفهما، بحسب ما تعلنان، واحداً، وهو الدفاع عن الأسد ونظامه؟ فهل تصرح كل من الدولتين بما لا تضمر؟

الواقع ان كلاً منهما مقتنع بأنه لم يعد هناك اي احتمال، في ظل موازين القوى الحالية، لاستعادة سورية الموحدة تحت حكم النظام القديم، وانه لا بد مرحلياً من المحافظة على المناطق التي لا يزال بشار الاسد يسيطر عليها، بعدما تقلص كثيراً دوره في تحديد المسارين السياسي والعسكري لبلاده، بانتظار التوصل الى تسوية دولية تعيد توحيد سورية.

لكن لموسكو وطهران رؤيتين مختلفتين الى شروط هذه التسوية ومراحلها تعكسان مصالح كل منهما، ولا تتفقان بالضرورة: من يفاوض ومن يشرف على التطبيق ومن يتمثل في المرحلة الانتقالية وما يليها، وأي مستقبل لمختلف الأطراف السوريين.

ففي حين ترى روسيا ضرورة المحافظة على النواة الصلبة للجيش السوري والمؤسسات الدستورية وترى لها دوراً في إعادة البناء، عملت إيران تدريجاً على إضعاف الأسد وتعزيز دور صنيعتها اللبناني «حزب الله» في المقابل، لأنها لا تثق بالخلفية «البعثية» لمعظم ضباط الجيش ورجال الرئيس، حتى لو كان الحزب مجرد غطاء لحكم الطائفة العلوية.

وتعتقد طهران بأن الوسيلة المثلى لبقاء نفوذها في سورية الراهنة والمستقبلية، تكمن في اعتماد النموذج الذي طبقته في العراق عندما فرضت عبر حلفائها من الاحزاب والتنظيمات الشيعية قانون «اجتثاث البعث»، لكن بلا ضجة او إعلان هذه المرة. ولهذا ارسلت خبراء وضباط «الحرس الثوري» وميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية، ليحلوا تدريجاً مكان الجيش النظامي الذي أوشك على الانهيار، وليس ان يقاتلوا تحت لوائه وقيادته.

وأدى ذلك مراراً الى إشكالات بين الطرفين عندما تجرأ الإعلام الموالي لإيران على نسب «الانتصارات» العسكرية الى الاطراف الايرانيين وليس الى الجيش النظامي. حتى ان الايرانيين تفاوضوا مباشرة مع اطراف في المعارضة السورية على وقف للقتال محدود مكانياً وزمنياً، وبات الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله يحدد في خطبه مسار المعركة في سورية ومحطاتها.

وبعد الاتفاق النووي بين إيران والاميركيين، اظهرت طهران استعداداً أكبر للتفاوض على مصير الاسد ونظامه في مقابل مكاسب أخرى بينها خصوصا مستقبل «حزب الله»، فيما أبدت واشنطن استعداداً لمنح الايرانيين دوراً اكبر في تحديد مصير سورية، وهذا ما دفع الروس الذين كانوا ينتظرون نتائج المفاوضات بين طهران وواشنطن، الى التدخل لاستعادة دور الجيش النظامي الذي رعوه طوال عقود وسلّحوه ونسجوا علاقات متينة مع كبار ضباطه.

عملياً اذن، كانت إيران مستعدة للتفاوض على الاسد لكنها ليست مستعدة للتفاوض على الحزب اللبناني الذي سعت لجعله الوريث الشرعي للنظام السوري ودوره، وخصوصاً في الكباش الفولكلوري مع اسرائيل. فبعد الخروج السوري من لبنان كان لا بد من تقديم ضمانات بديلة الى الاسرائيليين كي يبقوا على «الحياد» في الصراع السوري، ولا أحد أفضل من الحزب يقدر على ذلك منذ حرب تموز (يوليو) 2006 التي اسفرت عن تفاهم غير معلن طبقه «حزب الله» بأمانة، مانعاً اي طرف من الاخلال بالهدوء في جبهة الجنوب التي شهدت سلسلة اختبارات من الجانبين. وعندما ارادت ايران تمرير بعض الرسائل الى الاسرائيليين استخدمت جبهة الجولان وليس الجنوب اللبناني.

وهذا يفسر استمرار حال الاهتراء وتفاقمها في لبنان، حيث ينتظر الحزب التوقيت المناسب لفرض سيطرته التامة. إذ يفترض بحسب الخطة الايرانية التي لا تزال قائمة على رغم التدخل الروسي، ان يتم شيئاً فشيئاً دمج لبنان بالدويلة العلوية، وان يقود «حزب الله» جناحيها السوري واللبناني، وليس الاسد الذي اثبت فشله في نظر الايرانيين. وتتداخل هنا الرؤية السياسية الايرانية مع الدينية التي ترى في العلويين «انشقاقاً» بسيطاً عن الطائفة الشيعية الاثني عشرية الأوسع، ربما حان وقت تصحيحه.

وقبل أيام، اعترف الجنرال في «الحرس الثوري» محمد علي جعفري بهذه الخلافات، وقال ان الروس ليسوا مرتاحين الى دور «حزب الله» في سورية. فهناك عملياً تقاطع روسي - إيراني على ضرورة منع انهيار «سورية الصغيرة» الحالية، وخلاف على من يقود الكيان الجديد الذي قد ينتج عن أي تسوية، ولمن سيكون ولاؤه. لكن كلا من موسكو وطهران تخفيان نواياهما بالمبالغة في تصريحاتهما عن التمسك بالأسد.

اقرأ المزيد
١١ نوفمبر ٢٠١٥
حرب أخرى؟ لماذا التشاؤم؟

لماذا التشاؤم وكل ذاك السواد في التطلُّع إلى يوم تخرج فيه المنطقة المنكوبة بالحروب والتشرُّد والموت والجوع، إلى السلام مع ذاتها وشعوبها؟

لماذا كل ذلك التشاؤم، أليس قلب أميركا وروسيا على العرب، خشية من اندثار حضارتهم؟... وعلى مهد الحضارات والأديان، وتجارب التعايش العامرة بمختبرات للإنسانية، من بغداد إلى اللاذقية ودمشق، ومن تونس إلى مصراتة وبنغازي، ومن الضاحية الجنوبية لبيروت إلى طرابلس؟

لماذا نيأس من مراكب الموت تشق البحر المتوسط فيبتلع شبابها لمجرد التحدّي؟... ولا نرى الغد الآتي بعد براميل القتل الجماعي؟ أليست التضحية حتمية لتقتل جثثنا أطماع «داعش»، حين تنجو من حِرابه وسكاكينه؟

لماذا لا نأمل بـ «حكمة» الرئيس فلاديمير بوتين؟ صحيح أنه يحرّك طائرات تقتل أطفالاً سوريين، لكنه يظن أنه يبيّض صفحة الكرملين حين يتلقى ضربة من «داعش».

لماذا لا ننظر بعين الأمل إلى شواطئ العرب، ونتوهّم بأن جيلاً كاملاً يهاجر إلى ضفة «الأغنياء» الأوروبية، سيعود سريعاً، لئلا يموت حنيناً إلى الانتماء؟ أليس الانتماء الذي تكرّس بالحريات وفرص العمل والتقدُّم والمساواة، ومحاربة أنظمتنا الفساد، وتواضعها وزهدها بالسلطة؟!

رغم كل شيء، وبلبلة الكبار في البحث عن معتدلين وإرهابيين على الأرض السورية، رغم صفعة «داعش» وكبرياء بوتين الذي اعتبره السيناتور الأميركي ماركو روبيو «رجل عصابات»... رغم العين «البصيرة» لرجل البيت الأبيض ويده القصيرة، إلا حيال ما يزعج إسرائيل، ألا يمكن التفاؤل بأن سورية وشعبها سيصلان إلى بر الأمان قريباً؟

ربما- افتراضياً- إلا إذا كان بوتين واثقاً من أنه سيفرض استسلام «أبو بكر البغدادي» خلال أسبوع أو شهر، وقتَلْنا هواجس القلق من تمدُّد النار في سورية إلى دول مجاورة، استنفدت قدرتها على التعايش مع صراع إقليمي- دولي، وتوهّمت بأن رجل الإطفاء في الغرب جاهز، ينتظر شارة استغاثة من «أقليات».

أليست حال لبنان اليوم حيث نسمع الصراخ تحذيراً من حرب أهلية، مثلاً واضحاً بمقدار ما يثير صدمة من فضيحة عجز السياسيين، يوجّه رسالة بأن كل صمامات الأمان تعطّلت؟... ومعها انهار السلم الأهلي الكاذب، بعد خمس سنوات من التكاذب واللعب بمصائر اللبنانيين، والرهان على أوراق إقليمية وأخرى دولية.

ولكن، لماذا التشاؤم بمصير لبنان وانزلاقه على طريق سورية؟... أليس إغلاق كل المؤسسات الدستورية حصانة ضد الانفجار الكبير؟ المخجل أن مفتاحها ما زال في الخارج، وأن جميع اللبنانيين رهائن في عملية الانتحار البطيء. بعض الخبثاء يشير إلى ضياع البوصلة السورية التي كانت «ترسم الطريق» لكل قرار وكتلة وتكتل، في البرلمان اللبناني وبين القوى السياسية، حتى إذا حسمت يصبح الدستور طيّعاً للتعديل، والميثاق رهن اجتهادات.

رغم ذلك، فلنتفاءل الآن بعودة حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوياً إلى الحكم، وهو يبشّر بخطوات في المنطقة، ستغضب إيران حتماً، فتصبح وتيرة القتل في سورية أسرع، وناره تلفح لبنان كل يوم. فلنأمل بألا يتلقى بوتين صفعة أخرى من «داعش»، كي لا يسقط مزيد من الضحايا السوريين... ونتوهّم بأن إيران الساعية إلى قلوب شعوب المنطقة وعقولها ستدرك أن انتقامها من «الاستكبار» لن يكون بأخذ اليمن ولبنان رهينة، لحسابات نفوذها الإقليمي، ولا بسحق قدرة العراقيين على استعادة تعايشهم ودولتهم ومؤسساتها وثرواتها.

ولماذا التشاؤم حين تنعى إسرائيل العمليات العسكرية الروسية في سورية؟

ألم يقل أردوغان أن كل مَنْ يؤجّج النار في سورية، سيحترق بها؟ مصيبة السوريين- وقلب الرئيس التركي معهم- أن لا أنقرة قادرة على تخليصهم من النفق المظلم، ولا طهران ترى في سورية سوى موطئ قدم، ولا موسكو تستطيع فرض التسوية بمفردها... إذا استثني فرض مصالحها ونفوذها.

ولأن النفق طويل، بات حصر لهيب الحرب وشظاياها معجزة.

لماذا التشاؤم؟

اقرأ المزيد
١١ نوفمبر ٢٠١٥
تدمير الوجود الفلسطيني في سورية

يشكل اللجوء حالة ضعف إنساني مأساوية، فاللاجئ يجد نفسه، بسبب أخطارٍ تهدده، يغادر بلده إلى بلد آخر، مجرداً من كل شيء، فاقداً أي حماية، يعيش في أرض غريبة، وبحاجة إلى المساعدة. ولأن اللجوء حالة مثلى للضعف والهشاشة الإنسانيين، فهي تلزمها الحماية من الحاجة والعسف، بموجب القوانين الدولية. هذه الحماية التي يُفترض أن يتمتع بها اللاجئ بوصف حالة اللجوء البائسة التي يعيشها مؤقتة، وهي عادة ما يجب أن تنتهي بأن يعود اللاجئ إلى وطنه، أو تزول حالة اللجوء من خلال التحول إلى مواطن في الدولة التي لجأ إليها، أو في دولة أخرى، حيث يتمتع بكل حقوق المواطنة في بلده الجديد، هذا ما حدث في حالات لجوء كثيرة، على الرغم من أن حالة اللجوء لعشرات ملايين البشر أصبحت مستمرة ومتزايدة في عالم اليوم.
شكلت الحياة في سورية نموذجاً إيجابيا لحياة المنفى الفلسطيني، حالة احتضان عالية التضامن، وصلت، في حالاتٍ كثيرة، إلى حالة الاندماج في الحياة السياسية الفلسطينية، فهناك سوريون كثيرون اختاروا الانضمام إلى الفصائل الفلسطينية، وقدموا حياتهم من أجل فلسطين. واختار فلسطينيون الانخراط في الحياة السياسية السورية، وانضموا إلى حزب البعث، وحصلوا على امتيازات في هذا الإطار، وهناك من انتمى لأحزاب المعارضة، ودفع ثمن ذلك سنوات طويلة في السجون. وفي الحالتين، لم يكن الانتماء الفلسطيني إلى قوى سورية ظاهرة تهدد العمل السياسي الفلسطيني وفاعليته في الأوساط الفلسطينية، ولا كان الانتماء السوري إلى الفصائل الفلسطينية يدفع هذه القوى للتدخل في الشأن السوري، على الرغم من التدخل السوري المستمر في الشأن الفلسطيني.
عانى الفلسطينيون في سورية ما عانى منه المواطن السوري، سواء على مستوى الحياة والمتاعب الاقتصادية، أو على مستوى القبضة الأمنية التي حكمت المجتمع السوري، وشملت المخيمات بشكل طبيعي، وهذه لم تكن معازل أمنية، كما هي المخيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني التي لا تخضع للأمن اللبناني. في سورية الموضوع مختلف، كل شيء تحت القبضة الأمنية، وما يخضع السوريون له من تدقيقات أمنية، يخضع الفلسطينيون له بالقدر نفسه. كان عيش الفلسطيني بشروط السوري يريح الفلسطيني، فلم يكن هناك تمييز ضد الفلسطينيين لأنهم فلسطينيون، كان القمع يشمل الجميع.
كان الشعور بعدم التهديد السمة البارزة لحياة الفلسطينيين في سورية، على الرغم من الخلافات المتكررة بين النظام السوري وقيادة منظمة التحرير، وكانوا يعتقدون أن مساراً واحداً يمكن أن يجعلهم يغادرون سورية، وهو مسار العودة إلى فلسطين.
فجأة، تبين أن الثابت يمكن أن يهتز، فلا يمكن لوضع اللاجئ أن يبقى ثابتاً، في الوقت الذي يهتز كل البلد الذي يقيم فيه، لم يكن من الممكن أن يبقى الوجود الفلسطيني على حاله، في وقت تشهد سورية فيه صداماً دامياً في كل المناطق السورية، بفعل الاحتجاجات التي اجتاحت سورية، وواجهها النظام بوحشية. امتد هذا الصدام من محيط المخيمات والتجمعات الفلسطينية إلى قلبها، في تلك اللحظة توحدت التجمعات الفلسطينية مع المحيط السوري، بالتعرض إلى القمع والقصف العنيف من المدافع والطائرات.
في حالة التهديد المباشر والداهم، يكتشف اللاجئ أنه لا ينتمي إلى المكان، أو هناك من يُفهمه
"عانى الفلسطينيون في سورية ما عانى منه المواطن السوري، سواء على مستوى الحياة والمتاعب الاقتصادية، أو على مستوى القبضة الأمنية التي حكمت المجتمع السوري"
ذلك. عند ذلك، يكتشف مرة أخرى هشاشة وجوده في المنفى. وهذا ما وصل إليه المسار الفلسطيني في محطته الأخيرة في سورية. بعد تعرض المخيمات للقصف العنيف، تغير كل شيء، المكان العامر بالناس والحركة يتحول إلى مكان مهجور، شيء ما ينكسر بعد ثبات عقود. لاجئون فلسطينيون جاءوا إلى أماكن متعددة في سورية، سكن أغلبهم دمشق وضواحيها، ليبنوا ما تيسر من الأبنية لتؤويهم في مكان ناءٍ، بعيداً عن المدينة.
في مكان بين أشجار الغوطة بأبنيته المتفرقة والبائسة، شيّد اللاجئون الفلسطينيون مخيماً كان اسمه اليرموك، بعد أن منحتهم مؤسسة اللاجئين أذون السكن على هذه القطعة من الأرض. بنوا حياتهم فيه بجهد وتعبٍ كثيرين، وحالفهم الحظ وتمددت مدينة دمشق، ليجدوا أنفسهم يقيمون في وسطها بعد عقود من العيش على هامشها، ما زاد في ازدهار المخيم، وجعله واحداً من أحياء دمشق المعروفة. لذلك، لم يكن مصادفة أن يطلق بعضهم على مخيم اليرموك صفة عاصمة الشتات الفلسطيني.
لم يكن المخيم ليلقى هذا الازدهار لولا التعامل السوري مع الفلسطيني بإعطائه حقوق العمل، ومن المفارقة أن هذه الحقوق التي منحتها سورية للاجئين الفلسطينيين، وقد تم إقرارها في ظل البرلمان الديمقراطي السوري الذي نجم عن انتخابات العام 1954 الأكثر تمثيلاً في تاريخ سورية الحديث. على الرغم من ذلك، ليست القصة قانوناً، كلنا نعرف إمكانية التلاعب بالقوانين في العالم العربي. الأهم تجربة احتضان الشارع السوري الفلسطينيين الذين لجأوا إلى سورية، وقد خفف هذا الاحتضان كثيراً من مرارة اللجوء وقسوته. كل العقود التي عاشها الفلسطيني في سورية لم تشفع له، فجأة يُقصف المخيم بالطائرات، كما تقصف مئات المواقع السورية، وبعد أن تعرّض مرات ومرات للقصف المدفعي. بهذا المتغير، شعر اللاجئ الفلسطيني أن حياته في مهب الريح من جديد، في بلد وجد فيه احتضاناً كثيراً. لا يعرف أين يذهب، وترتبك هويته كما ترتبك حياته، يستعيد كل المآسي التي مرّ بها إخوته من اللاجئين الفلسطينيين، ويحفظها عن ظهر قلب. يعود شريط الذكريات لينكأ الجراح التي عاشتها التجمعات الفلسطينية في الشتات، التجربة القاسية في الأردن، والأقسى منها التي وصلت إلى حد المذابح في لبنان وما زال الإذلال مستمرا، التهجير القسري من الكويت بعد الاحتلال العراقي، الذبح الانتقامي في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي.. كل مخزون الذاكرة من الظلم الذي وقع على الفلسطينيين استحضره لاجئو سورية في لجوئهم الثاني الصعب والقاسي. لجوء هز بقوة هويتهم التي كانوا يعتقدون أنها أقوى من أن تهتز.
كان مخيم اليرموك النموذج، فقد شكل هذا المخيم جزءاً من تاريخ فلسطين، لأن الوطنية الفلسطينية الحديثة ولدت في مخيمات اللجوء داخل فلسطين وخارجها، وكان لهذا المخيم دوره. كان اليرموك، بهويته الوطنية الفلسطينية المنفتحة على الجميع والحاضن لمن احتضنه، نوعاً من المزيج الوطني الفلسطيني العروبي. وعلى الرغم من أنه أكبر تجمع فلسطيني في سورية، ويبلغ عدد سكانه الفلسطينيين حسب تقديرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" حوالي 150 ألف نسمة (قبل تهجير سكانه الذين بقي منهم اليوم أقل من 15 ألفا من الفلسطينيين والسوريين)، فإنه يعيش في وسط أغلبه سوري، حيث يقدر عدد سكان مخيم اليرموك بحوالي 700 ألف نسمة. لم يشهد هذا التعايش الفلسطيني ـ السوري أي صدام على الإطلاق، وكان من الصعب التمييز بين أبناء المخيم من الفلسطينيين أو السوريين. كان المخيم يفخر بحفاظه على الصلة القوية مع فلسطين، ويفخر بمئات الشهداء الذين زفهم على طريق النضال في معركة الوجود الفلسطيني. وبعد أن وجد الشعب الفلسطيني عنوانه السياسي، أخذت التجمعات الفلسطينية تدفع أثماناً غالية، كان نموذجها الأكثر قسوة تجربة اللجوء في لبنان، حيث مورس، وما زال يمارس، عليه التمييز، ويقر ضدهم قوانين عنصرية، نجحت في خفض أعدادهم في لبنان بشكل كبير، واختفوا من العراق، واليوم على طريق الاختفاء من سورية.
وقع الانهيار في مخيم اليرموك، كما المخيمات الأخرى، وكشف هشاشتهم وضع اللاجئين، وكشف أيضاً هشاشة الوطنية الفلسطينية. انهار مخيم اليرموك، بانهياره ينهار مكان آخر كان عنواناً لفلسطين، وينهار مكوّن من مكوّنات الوطنية الفلسطينية. اللاجئون الفلسطينيون الذين حملوا قليل متاعهم، وغادروا المخيم تحت القصف إلى كل بقاع الأرض، تغيّروا إلى الأبد، ثمة شيء ما انكسر داخلهم، وفي هويتهم في رحلة اللجوء الأخيرة.

اقرأ المزيد
١٠ نوفمبر ٢٠١٥
روسيا والفخ السوري

خمسة أسابيع على العدوان الروسي على سوريا، والأرض لا تتغير بل إن ريف حماة يشهد تقدما لفصائل المعارضة على حساب قوات بشار الأسد التي لم تستطع التقاط فرصة دخول روسيا على خط الصراع الميداني مباشرة لتحقيق تقدم ملموس على الأرض. حتى إن الإيرانيين يعانون في مختلف الجبهات ولا سيما في مناطق حلب مع "جبهة النصرة". أما ميليشيا "حزب الله" فقد توقفت عند "إنجازات" محدودة جدا، لا بل إنها بخسائرها الفادحة التي تجاوزت ألفاً وخمسمئة قتيل، وخمسة آلاف جريح بالكاد قادرة على الاحتفاظ بالمواقع التي احتلتها في القلمون وفي محيط العاصمة دمشق.

والواضح أن روسيا التي تقصف بكثافة مختلف المناطق المحررة من سوريا منذ أكثر من شهر غير قادرة على أحداث تغيير دراماتيكي على الأرض، ومن هنا فإنها تقف اليوم عند مفترق طرق مهم: أما أن تكتفي بالعدوان بشكله الحالي، وإما أن تتورط أكثر عبر إرسال قوات على الأرض للاشتراك في القتال مباشرة تعويضاً عن ضعف قوات بشار الفاضح، وعجز ميليشيات إيران المتنوعة. فهل تقدم موسكو على الخطوة الكبيرة، أي توسيع العدوان ليشمل إنزال آلاف الجنود الروس على الأرض، وتعريض الجيش الروسي لتجربة تستعيد مأساة احتلال أفغانستان قبل ربع قرن؟.

المشكلة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الساعي إلى استعادة مجد غابر من خلال إعادة إنتاج سياسة توسعية في الخارج تقوم على استخدام القوة على الأرض، مثلما فعل في جورجيا، وأوكرانيا والآن في سوريا، غير قادر على التعويل على قدرة بشار على الاستمرار طويلاً. فالنظام مهترئ، وما تبقى من الجيش والميليشيات التي أسسها على هامش الجيش وصل إلى أدنى مستوياته القتالية منذ انطلاق الثورة في آذار 2011. هذا الواقع قد يدفع الروس إلى التورط أكثر من أجل حجز مقعد متقدم لبشار على طاولة المفاوضات المنتظرة! فلا يكفي أن يحارب الروس والإيرانيون مكان النظام لكي يثبتوا انه قابل للحياة وجزء من مستقبل سوريا. الحقيقة أن سوريا تغيرت وكل جيوش العالم لا يمكنها أن تعيدها إلى ما قبل آذار 2011. أكثر من ذلك نحن نزعم أن بشار انتهى منذ وقت طويل. وأنه يستحيل على إيران وروسيا أن تبقياه جزءا من مستقبل سوريا، وعلى الرغم من تراجع الأوروبيين والأميركيين عن موقفهم الحاسم من بشار وبطانته منذ بدء العدوان الروسي.

بناء على ما تقدم، لا يرجح أن يعقد مؤتمر دولي في فيينا قريباً، فموسكو غير متحمسة له الآن بعد أن لمست حدود قدراتها في الصراع على الأرض في سوريا. وهي مضطرة لأن تعمل جاهدة لتغيير المعادلة على الأرض قبل الانتقال إلى طاولة المفاوضات، ما "يبشر" بشتاء دموي.

قصارى القول، إن روسيا وصلت اليوم في سوريا إلى حافة الوقوع نهائياً في الفخ السوري. والمعيار هو تورطها في الحرب البرية من عدمه.

اقرأ المزيد
١٠ نوفمبر ٢٠١٥
هل تنتصر "داعش"؟

هل يمكن أن نتصور سيناريو تنتصر فيه "داعش" وتصبح حقيقة أول دولة إرهابية تنشر الرعب والخراب في المنطقة والعالم؟ هذه الخاطرة تمر بعد أحداث سقوط طائرة السياح الروسية في سيناء وما رافقها من تطورات دبلوماسية، والاشتباك الذي حدث بين الأطراف المعنية.

من دون الدخول في تفاصيل ما إذا كانت هناك قنبلة وضعت على متن الطائرة وأدت إلى مقتل هذا العدد من السياح العائدين إلى بلدهم بعد تمضية إجازتهم، فإن محصلة ما حدث منذ سقوط الطائرة والإعلان في بريطانيا والولايات المتحدة عن معلومات استخباراتية بأن قنبلة وضعت مع الأمتعة، المحصلة تصب لمصلحة هذه الجماعة الإرهابية.

كيف؟ أولا وجهت الجماعة، التي مقرها الرقة في سوريا، رسالة إلى روسيا التي يشن طيرانها غارات في سوريا، بينما ضربت السياحة في مصر التي توفر عملة صعبة للبلاد في فترة صعبة، وكذلك صعدت حالة القلق العالمية على أمن الرحلات الجوية، وحتى لو كانت "داعش" تكذب في ادعاءاتها، فإن الأهداف تحققت على أي حال.

المعالجة كانت سيئة من جميع الأطراف بعد الحادث، فالأطراف المعنية تبادلت الاتهامات بالتقصير لتبدأ بريطانيا في سحب سياحها في شرم الشيخ، وهو يبدو قرارا غير محسوب بدقة لأن استعادة 20 ألف سائح في 24 ساعة غير ممكنة، وتبعهم الروس الذين لديهم أضعاف هذا الرقم، لكنهم كانوا أكثر تحفظًا في تحديد وقت معين لعودة السياح.

أوقفت دول أوروبية أخرى رحلات أو أصدرت تحذيرات لرعاياها. وبحسبة بسيطة فإن الازدهار النسبي الذي كانت شرم الشيخ بدأت تشهده، قضي عليه لفترة قد تتجاوز الموسم الحالي، وبدت القرارات المتخذة بوقف الطيران والرحلات أشبه بحصار يتعين التفكير فيه مليًا في إطار الموقف السياسي، خصوصا أن هناك تصريحات بأن هذه الإجراءات ستستمر طويلاً.

إذا كان إسقاط الطائرة الروسية له هدف، هو وقف التدخل العسكري الروسي في سوريا، فإن هذا يبدو هدفًا بعيد المنال؛ لأن التدخل الروسي له أهدافه الجيوسياسية، وكما أن روسيا لم تغير سياستها في الشيشان رغم الهجمات الانتحارية قبل سنوات فلا يعتقد أنها ستفعل ذلك الآن قبل تأمين مصالحها.

بالطبع فإن أكبر خسارة هي لعائلات الضحايا الروس الذين فقدوا ذويهم بلا أي ذنب، لكن سياسيًا واقتصاديًا الخسارة الأكبر هي لمصر التي تلقت ضربة موجعة للنشاط السياحي المهم للاقتصاد، لكنها لم تعالج الأزمة بروية بعيدًا عن السياسة الدفاعية كلما نشبت أزمة.

الآن ينبغي معالجة التداعيات وتنسيق النشاط الدولي ضد "داعش"، فأحد الأشياء غير المفهومة هو عشرات الغارات التي تعلنها روسيا والتحالف الغربي يوميًا، ومع ذلك لا نرى تقدمًا على الأرض. ويتمدد تنظيم داعش الذي نجح في توحيد الإرهاب في جبهة واحدة تنشط في عدة بلدان عربية.

لا يمكن أن تنتصر "داعش" لأنها ضد المنطق والإنسانية، ومن الصعب أن يقبلها أي مجتمع سوي. لكن المجتمع الدولي يحتاج أن يكون أكثر جدية وتنسيقًا مع دول المنطقة لدحر هذه الظاهرة الكئيبة، فذلك أفضل من التناحر والسعي لتحقيق مكاسب سياسية آنية.

اقرأ المزيد
١٠ نوفمبر ٢٠١٥
الليرة السورية وفوبيا الدولار

في سورية، وفي حمّى استعار الأسعار، تمشياً مع الحرائق المستعرة على أرضها، لا يمكن للمواطن أن يلحق الارتفاع الصاروخي لثمن السلع الحياتية، حتى لو كان حائزاً على ميداليات في سباق النهب والفساد، وصار الدولار نجم الأحاديث، وهو المارد المحبوس في زجاجة، كما مارد الحكايات. غالبية أفراد الشعب السوري لم يتداولوا بالدولار فيما مضى، ولم يكن لديهم فائض دخل يشترون بواسطته "الأخضر" في انتظار أن يثمر، فكيف اليوم وقد باتت الغالبية العظمى ممن بقي من الشعب السوري في البلاد، وعلى قيد الحياة، تعيش تحت خط الفقر؟
لكن، على الرغم من الوضع المأساوي هذا، وعلى الرغم من الأمية المستشرية بين أفراد المجتمع وانخفاض مستوى التفكير، إلاّ في الانشغال بالأزمات الحياتية وملاحقة المياه والكهرباء ورغيف الخبز، إلاّ أن كل الباعة عندما يستغرب المواطن ارتفاع السعر يكون ردّهم جاهزاً وممزوجاً بمرارة ما: الدولار ارتفع ثمنه. حتى باعة البسطات العامرة بمواد يستحيل معرفة مصدرها ومكوناتها وتاريخ صنعها يقيّمون بضاعتهم قياساً بالدولار. سألت واحدة من الفلاحات اللواتي ينزلن الأسواق الشعبية، يفترشن الأرصفة، ويعرضن البضاعة التي تجود بها الطبيعة، أو منتجات زراعية منزلية، سألتها عن الأعشاب التي تعرضها أمامها، والتي تجود بها الأرض بعد موسم الإمطار، من الهندباء والخبيزة وحشائش أخرى، قالت لي: غلي الدولار.
صارت هذه اللازمة مثل ترنيمة ندبٍ يرددها الشعب السوري. لا يعرف المواطن السوري المهدد بأمنه ورمقه المعادلات المالية، ولا يفهم في قوانين النقد، ولا تعنيه الخطط والاستراتيجيات والتكتيكات التي تقوم بها الحكومة. لا يعرف من العملات غير ليرته السورية التي تعامل معها على مدى التاريخ، على أساس أنها جزء من هويته الوطنية وكرامته. في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، كانت هناك الليرة الفضية التي جرى سحبها من الأسواق، واستبدالها بليرة أخرى أقل كلفة في التصنيع، أخذ المواطنون يخزنون منها، بعضهم كوثيقة على تاريخ معين، وتحت ضغط نوستالجيا مرتبطة بالماضي، وبعضهم كمعدن ثمين، وكانت الصبايا تأخذها إلى الصائغ ليلحم بها حلقة يمر منها سلسال فضي، تزدان الصدور به. لم تصبح الليرة السورية، بحد ذاتها، إشكالية وموضوعاً يختلف عليه السوريون، إلاّ في السنوات الأربع الأخيرة. سورية اليوم مقطّعة الأوصال مقسّمة، مجزّأة، وأحد عناصر واقعها المجزّأ هو الليرة التي تحمل حمولات سياسية متنوعة، ففي المناطق الشمالية، صدرت قرارات باستبدالها بالليرة التركية، وهذه مثل باقي العملات، تدخل في ميزان الصرف، قياساً بالدولار الذي هو ربما العملة الوحيدة عالمياً التي يمكن اعتبارها سلعة بحد ذاتها، تنتجها الولايات المتحدة، وتحدد سعرها عالمياً وتبيعها.
"عندما يصل المواطن إلى مستوى الرعب من فقدانه رغيف الخبز بسبب الدولار، سوف تنسيه الحياة وبقاؤه وأولاده على قيدها أن الليرة مرتبطة بالكرامة الوطنية"

وفي المناطق التي هي تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، هناك الدينار الذهبي الذي سوف يفرض حضوره القوي مع الوقت في تداول أسواقها. وفي المناطق التي تديرها حكومة النظام، وما زالت هي الوحيدة المعترف بها عالمياً، فإن المشكلة الكبرى هناك، حيث يلعب الدولار مع الليرة مثل توم وجيري، لكنها ألعاب قاتلة، يدفع الشعب ثمنها من قوته وحقوقه الحياتية. لا يفهم المواطن لماذا كان البنك المركزي يطرح كل حين كمية كبيرة من الدولارات، لحماية الليرة ولجم الارتفاع الجنوني بسعر الصرف، أو الانحدار الخطير بقيمة الليرة، ثم يتراجع فجأة الآن بعدما قارب سعر الدولار الأربعمئة ليرة، تاركاً السوق الحرة تحدد القيمة الفعلية للصرف في الأيام المقبلة، حتى إن هذا المواطن لا يعرف شيئاً عن الاحتياطي النقدي في بلاده، وماذا بقي في خزينته منه، مثلما هو يجهل أبسط قواعد الإدارة الحكومية وسياساتها. لا يعرف المواطن ماذا يعني تعويم العملة، حتى لو كان موجّهاً أو مُداراً، يعني تحت رقابة الحكومة وإمساكها بدفّة التعويم. لا يدرك المواطن ما معنى أن يكون في السياسة النقدية سلّة عملات تديرها الحكومة، ولا يفهم ما جدوى الانتقادات التي توجّه إلى الدول الحليفة للنظام التي في وسعها، لو أرادت، أن تدعم الليرة بتوريدها سلعاً إلى الشعب السوري، بعملتها وليس بالدولار، مثلما تدعم العمليات الحربية.
المواطن السوري البسيط المغيّب عن القرار، أو عن فهم الأداء الحكومي، يصدّق "فيسبوك" أكثر من أي نشرة رسمية أخرى، "فيسبوك" والمنابر الإعلامية المشابهة تقدّم له نشرات مبسّطة ملخّصة عن الواقع، مثلما يمكن أن يلعب في الواقع ويقلب السوق في لحظة.
الليرة السورية المنزلقة في سقوط حرّ، بقيت أوراقها النقدية في التداول، بل غرقت الأسواق بقطع مطبوعة حديثاً، وفق معايير جودة أعلى من الموجودة دليلاً صارخاً على الفساد في أبشع صوره. الأوراق النقدية المطبوعة في العقدين الأخيرين بآلية الغش التي بواسطتها يُسرق الجزء الأكبر من كلفة الصكّ النقدي، مهترئة لا تحتمل التداول وملامسة الأيدي، بينما ورقة الألف التي طبعت حديثاً طرحت للتداول، في وقت وصل فيه انقسام الشارع إلى ذروته، فأُمطرت صفحات التواصل الاجتماعي بالآراء والمواقف العدائية، قسم يهلل، لأنها خالية من صورة الرئيس، وقسم غاضب لأنها محرومة منها. والتهى الطرفان بالصورة، بينما الليرة تستغيث، مثلما تتعرقل كل محاولات التفاهم حول نقطة خلافية في الواقع، من جنيف إلى فيينا بعداد الأرقام التابع لهما، بينما البلد أو ما بقي منه يتهاوى.
ما زال هذا الشعب المغرّر به يجهل أبسط قواعد الاقتصاد، ولا يعرف معنى الناتج القومي، ولا احتياطي المركزي، ولا الإنتاج، ولا الصادرات أو الواردات، ولا التعويم، ولا تأثير الاضطرابات وظروف عدم الاستقرار على قيمة العملة. يعرف فقط أن جرزة الهندباء والسلق والخبيزة والبقدونس كلها صارت تحت رحمة الدولار، وأن الدولار هو المارد الذي يخرج، كل حين، ليبتلع الأخضر واليابس، ثم يعود إلى زجاجته يضحك، وهو يتأمل المشهد. لكنه بدأ يتساءل أيضاًّ: إلى متى؟ ولماذا ندفع الفواتير الباهظة؟ لماذا ندفع للمجهود الحربي ولإعادة الإعمار وطوابع الشهيد؟ لماذا حلفاؤنا الذين جاءوا ليدحروا "الإرهاب"، ويبرمون صفقات السلاح معهم بالدولار، لا يدعمون ليرتنا ويحموننا من إرهاب الدولار، على الرغم من كل خطابات الأخوة، وعلى الرغم من اكتشاف هذا الشعب أشقاء له كان غافلاً عنهم، فإيران شقيقة، وروسيا شقيقة، وأظن الصين أيضاً ستنادى بالشقيقة في البيانات الرسمية، وبحسب مزاج السياسة والسياسيين.
عندما يصل المواطن إلى مستوى الرعب من فقدانه رغيف الخبز بسبب الدولار، سوف تنسيه الحياة وبقاؤه وأولاده على قيدها أن الليرة مرتبطة بالكرامة الوطنية، وسوف ينسى كثيرين من رموز هذه الكرامة، لأن البطون الخاوية لها ترتيبات أخرى، وأولويات غير أولويات الارتقاء الإنساني.

اقرأ المزيد
٩ نوفمبر ٢٠١٥
درعا التحرير.. أم درعا الاغتيالات!!!

تعيش محافظة درعا منذ ما بقارب الـ6 شهور حالة جمود في أغلب الجبهات وعدم إحراز أي تقدم يذكر لمصلحة الثوار على الأرض، وإذا ما أخذنا بالحسبان معركة عاصفة الجنوب التي فشلت فشلا ذريعا في تحرير أي نقطة في معركة تحرير مدينة درعا، بينما تقدمت قوات الأسد على عدة جبهات في حي المنشية بمدينة درعا ومحاولة الثوار المستميتة لإستعادة السيطرة على ما خسروه في الحي دون إحراز تقدم سوا تحرير 5 أبنية، وفي مدينة الشيخ مسكين سيطرة النظام على مؤخرة اللواء 82 بعد اشتباكات بينه وبين الثوار.


 حالة من عدم الاستقرار في المناطق التي يسطر عليها الثوار ومفهوم "الرباط على الجبهات" مفقود عند بعض الكتائب فالمهم التحرير وعد الغنائم والعودة الى المقرات فقط، وعلى ما يبدو أن النظام مرتاح لهذا الأمر فهو يقصف المدنيين جوا وبرا وجبهاته هادئة!!.. وليس هذا فقط بل نقتل بعضنا البعض!!!.


شهدت محافظة درعا منذ بدء الثورة حالات اغتيال كثيرة لقادة الجيش الحر والفصائل الإسلامية ولكنها زادت خلال هذه السنة وازدادت بشكل كبير جدا خلال الـ5 شهور الماضية، محاولات الاغتيال التي فشلت والتي نجحت كثيرة جدا لا مكان لعدها جميعا وإحصائها، بالأمس (9-11-2015) تم إغتيال أحد القادة الميدانيين للواء توحيد الجنوب ابراهيم المسالمة ابو العنتر قائد كتيبة شهداء العمري وفشلت محاولة إغتيال قائد لواء التوحيد خالد ابازيد، أما حادثة اغتيال الشيخ كساب المسالمة وأبو حفص مسالمة قبل سنة فكانت فاتحة بدء الاغتيالات بشكل كبير فما يمر أسبوع الا وتسجل حالة او محاولة اغتيال بحق أحد القادة والأفراد والإعلاميين.


دور دار العدل فيما يحدث من حالة الفلتان الأمني في جميع المدن والبلدات المحررة لا يسمن ولا يغني من جوع، فقد تم اغتيال نائب دار العدل الشيخ بشار الكامل، ولم تستطع حل أي لغز من ألغاز الاغتيالات الواضح وضوح الشمس من يقف ورائها ولم تستطع تقديم أي طرف للمحاكمة أو المسائلة في أي عملية إغتيال، طبعا الدار ليست الملامة في ذلك، فليس معها قوة عسكرية تنفيذية ولا يوجد أحد من الكتائب والفصائل الثورية والإسلامية مستعدة لتنفيذ قرارتها وإحضار المطلوبين للمسائلة، وفي حال نطق الحكم لا يوجد أحد يستطيع تنفيذ القرار إذا ما كان من يقف في وجهه أحد الكتائب خوفا من إسالة الدماء، حالة الفلتان الأمني لن تستطيع دار العدل وحدها الوقوف في وجهه ما دام هناك من يسعى لإفشالها.. وما دام هناك من لا يعمل شيء لإيقاف هذا الأمر.. وهو في إنتظار أن تأتي المفخخة الى باب مقره.


من يقف وراء هذه الإغتيالات؟؟ هو سؤال المليون دولار!!، هل هو النظام؟ أم أذرع المخابرات الخارجية، أم الجيش الحر؟؟ أم الكتائب الإسلامية؟؟، صراحة لا أحد يعرف من وراء هذه الإغتيالات وإن كانت تشعر البعض بالراحة أن تقول ان النظام والأذرع الخارجية وراءها، ولكن الحقيقة مفجعة أكثر من ذلك.. في الحقيقة أن أغلب الإغتيالات كانت بتخطيط من بعض الكتائب والفصائل الثورية والإسلامية، فالشيخ كساب وأبو حفص والإعلامي احمد المسالمة المتهم الرئيسي بقتلهم هي أحد الفصائل الإسلامية المعروفة، وكذلك بعض حالات الإغتيال كشف أنها من فعل بعض الكتائب الثورية، لم يعد الشرع والدين مكان لحل الخلاف بل أصبحت العبوات والمفخخات تحل محلها، ولم يعد للعقل مكان.. بل السلاح!!.


وضع الحلول لحالة الفلتان الأمني ليست محصورة في جهة واحد فقط، لا بد من تكاتف جميع الكتائب والفصائل وتشكيل شرطة عسكرية مهمتها حفظ الأمن تعود قيادتها لدار العدل، تكون أحد مهامها الكشف عن الغرف السوداء التي تقف وراء هذه الإغتيالات، وإحضار المطلوبين إليها للمحاكمة والمسائلة، ولا أحد فوق القانون كان من كان وفضح جميع المتآمرين، ومن يرفض هذا الأمر يكون هو أحد أصحاب هذه الغرف السوداء ويجب محاربته، فمن يقف وراء هذه الإغتيالات هي خلايا نائمة عن الجبهات فاعلة في الاغتيالات يجب استئصالها.


هل تحقيق هذا الأمر ممكن؟؟.. نعم ممكن ولكنه يحتاج الى نبي من الأنبياء أو وحي من السماء.. أو نية صادقة صافية همها الشعب الذي يباد!!

اقرأ المزيد
٩ نوفمبر ٢٠١٥
اذا أردت متابعة أخبار "داعش" فيجب عليك أن ....

تعتبر متابعة الأخبار العائدة لـ"داعش" من أصعب الأمور و أكثرها إثارة ، و بحاجة إلى نوع من العناد الصحفي و التفرغ العقلي و الجسدي ، حتى تتمكن من الإرتباط بهذه المنظومة الإعلامية التي لاتعرف من يقودها ، و إنما تجرك خلفها من مكانٍ ، لآخر في متوالية معقدة للغاية .

وتستهوي منظومة "داعش " الإعلامية أي عامل في مجال الإعلام ، للدخول في تفاصيلها و قراءة ما بينا سطورها ومعرفة نقاط الإرتكاز و آلية العمل ، سيما أنها (للحقيقة) لديها قوتها وقوة ترابطها و نجاحها في التغلب على المعوقات و الإختراقات ، و بقيت تنبض ، وترسل الرسائل التي ترغب بها و في التوقيت المناسب و المطلوب من قبل راسمي الخط الإعلامي ، و تحقق النتائج الأكثر من ناجحة ، بحيث استطاع تنظيم مثل هذا ، حديث العهد زمانياً و لنقل فكرياً لتفرده عن كل سابقيه ، و تمرده على القواعد التي ألفناها أو درسناها ، إستطاع البقاء و الإستمرار في عمله على الساحة الإعلامية ، وبات مركزاً و مصدراً للخبر في مناطق السيطرة "الداعشية" مع وأد أي وجود مهما صغر لأي طرف إعلامي محايد أو معارض .

ويعتبر موقع التواصل الإجتماعي "توتير" هو المضمار الأصيل و الأساسي للتحركات "الداعشية" الإعلامية ، فالتنقل بين التغريدات "التويتات" يجعلك تدور في فلك الرتم الموسيقي الذي تعزفه جوقة ، يديرها قائد أو اثنين ، بشكل غير ظاهر ، قد يستحيل الوصل إليه ، فكأن أوامره بالنشر و التركيز تصبح شيء من المقدسات التي لا ترفض أو تجد إعتراض .

وما إن يعطي "الآمر" البذرة ، فما هي إلا دقائق لتجد هناك غابة غير معروفة الحدود الإتجاهات تبدأ بالنمو هنا و هناك ، و تجد الفكرة مطروحة في كل نقطة أمامك على الشاشة .

ومتابعة حسابات المتوالية الإعلامية ، هو بحد ذاته تحدٍ كبير يقف أمامك ، إذا ما كنت من المتابعين لهذا التنظيم ، فعمليات إلغاء الحسابات حالة تشبه "النار بالهشيم" ففي لحظ وحدة يختفي الجميع من بين "المتابعين" عندك ، وكمعلومة إعتراضية يصل عدد الحسابات المحذوفة على توتير و المناصرة لـ"داعش" أو المروجة للعنف إلى قرابة 50 ألف حساب يومياً ، وبعد الحذف الجماعي المفاجئ تتحول إلى أعمى ، لتعاود من جديد البحث عن رأس الخيط ، وما إن تجده من خلال هاشتاغ "#الدولة_الإسلامية" أو "#الخلافة" ، ليأتيك الحسابات على شكل أمواج تتراطم أمامك و لست بحاجة إلا للإسراع في كبس زر "متابعة" ، لتدخل الجو من جديد ، الجو الذي لايطول بقائك بداخله وقتاً مديداً ، فقد يكون بضع ساعات في أحس الأحوال ، أو ساعة أوأقل في أسوء الحالات ، وتحديد مدة هذا الوقت ، يعود لمدى أهمية الحدث الذي تسببت به داعش أو صنعته ، فإن كان جلل فيعني أن الوقت يكون قصير و تكون عملية الإلغاء كعملية انتحارية داخل مجمع سكني ، أما إن كان الحدث المتوافر على الساحة ليس لـ"داعش" يد فيه ، فيعني أنك ستنعم بوقت قد يكون ليومين أو ثلاثة من حالة البحث الهستيري المتواصل .

يتمتع مناصروا "داعش" الإلكترونيين بشيء غريب من حيث الإصرار على العودة بعد كل حذف يطال حسابه ، و قد يصل عدد مرات الحذف في يوم واحد إلى أكثر من عشر حسابات، ورغم ذلك يعود للتغريد بعد فترة قصيرة ، وكأن هناك فريق متخصص بخلق الحسابات و توزيعها و إعمارها بالأخبار و التغريدات التي تناصر "داعش" ، مظالمة كانت أم ظالمة .

و لعل هذا النشاط يحيطه الشكوك من جهات ، من حيث من يمهد لهؤلاء الطريق و يفتح الفضاء أمامهم ، و يجعلهم يغزون العقول بشكل منظم ، وحتماً لن تصل لشيء ، لا "Ip" يساعد ولا أي اي شيء يمكن الإستناد عليه .

وفي متابعة منظومة "داعش" ليس عليك سوء المتابعة ، دون أن يكون لك الحق في الدخول في عوالمهم السرية ، أو خرق منظومتهم التي تحرس بشكل متين .

داعش ليست وحش يقبع في الداخل ، و إنما يمتد ليشمل كل من يحاول الإقتراب منها ،و هاجس فهمها ، معرفة آلية العمل شيء من الضروب المستحيلة ، التي يسعى كل العالم لفك طلاسمها ...

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى