مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٨ نوفمبر ٢٠١٥
التدخل الروسي في سوريا، عراقيا

إن أهم ما ينبغي الحديث عنه من تطورات القفزة (الطيرانية) البوتينية في سوريا هو موقف المعسكر العراقي الإيراني الذي أثبت في هذا الموضوع، كما في مواضيع عديدة أخرى، مدى تورطه في التبعية لنظام الولي الفقيه وغوغائيته وسطحيته في تقدير الظروف واختيار المواقف.

فزعماء هذا المعسكر ما زالوا إلى الآن يكابرون ويتجاهلون حقيقة أن التدخل الروسي هو إعلان رسمي مجلجل عن الفشل العسكري الإيراني في سوريا، ومحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل فوات الأوان، بعد أن عجز قاسم سليماني، بكل ما حشده من حرسه الثوري ومن قوات رديفة لبنانية وعراقية وأفغانية ويمنية عن وقف انتصارات المقاومة السورية وتقدمها المتلاحق، وتساقط المدن والقرى، واقتراب النار من حيطان القصر الجمهوري.

من أول دخول الطيران الروسي إلى ميدان المعركة ومباشرته بقصف المعارضة السورية في حلب وحماة ودرعا والغوطة، بذريعة محاربة داعش، خرج فرسان المعسكر العراقي الإيراني إلى الشوارع مهللين على شاشات فضائياتهم للمارد الروسي العظيم الذي جزموا بأنه سيقلب الدنيا في أيام. حتى أن هادي العامري وأبو مهدي المهندس وواثق البطاط تشفوْا علنا بهزيمة أوباما والسعودية وتركيا، وطالبوا حيدر العبادي بترك الحليف القديم والاستدارة نحو الحليف الجديد على أساس أن حبيب حبيبي حبيب. وقد لخص النائب عن منظمة بدر حسن الساعدي، في تصريح لقناة الغدير التابعة للمنظمة، موقف الميليشيات الشيعية العراقية مجتمعة من التدخل الروسي، فوصف بوتين بأنه “الحليف القوي الثابت الذي لم يخن حلفاءه، ولم يغير التزامه بالدفاع عنهم، رافضا مقايضة مواقفه الشريفة بأيّ ثمن”.

واعتبر تدخله في سوريا ردا على تفرد أميركا في محاربة داعش، والتي ثبت فشلها، وفقا لرأيه، على الرغم من مرور نحو عام كامل على الإعلان الأميركي عن الحرب ضد داعش في العراق.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي رحب كثيرون منهم بهذا “الفارس البطل” المعادي لأميركا. وذكرت وكالة (فرانس برس) أن البقالين في الأسواق الشعبية العراقية أعلنوا عن أنواع من الأطعمة قالوا إن بوتين يستخدمها في غذائه، وهي التي مكنته من الوصول إلى هذه الحنكة العسكرية.

وحين كتبتُ هنا، في الأسبوع الماضي، مقالا عن قفزة بوتين (الطيَرانية) السورية التي فاجأ بها العالم، وشبّهتها بدخول صدام الكويت، وقلت إنها مقامرة غير محسوبة النتائج، لأنها ترى الربح فقط ولا ترى الخسارة المحتملة، انتقدني كثير منهم.

ويومها توقعتُ أن يعيد بوتين، بسرعة، حساباته وأن يدرك أن الخروج العاجل من سوريا بأقل خسارة ممكنة وبأيّ ربح ممكن، أسلم له وأنفع وأضمن للكرامة. وقلت إنه سيبدأ الافتراق عن الإصرار الإيراني على الحل العسكري، على مضض، وينفرد بالمداولة حول الملف السوري مع الولايات المتحدة وحلفائها، ويقبل، أخيرا، بالحل الذي يبغضه الوليّ الفقيه وحسن نصر الله وبشار الأسد والمعسكر العراقي الإيراني. ولم يطل الزمن، حتى تخلى وزير خارجية روسيا، سيرجي لافروف، عن عناده ومكابرته وإنكاره لوجود معارضة سورية معتدلة، وراح يُكثر من مكالماته ومداولاته مع وزير الخارجية الأميركي من أجل التوافق على حل وسط يسمح ببقاء الأسد فترة (معينة)، حفظا لماء الوجه وترضية لإيران.

ليس هذا وحسب، بل إن الكرملين سارع إلى دعوة عناصر من المعارضة السورية والنظام السوري إلى اللقاء في موسكو للبحث عن صيغة الحل المنشود، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأميركية تسخر من تخبط الروس وتستهجن تسرعهم غير المبرر في الدعوة لهذا اللقاء، وتعتبره بداية فشل تدخلهم في سوريا.

وبحسب تصريحات لخبراء أمنيين في واشنطن وتقرير صادر عن فريق من جهاز الاستخبارات الأميركية يعمل في المنطقة فإن روسيا فشلت في تحقيق مكاسب ميدانية ذات قيمة لمصلحة بشار الأسد، على الرغم من حملتها العسكرية المكثفة على مدى أكثر من شهر. وقال التقرير إنه “كلما طال زمن التدخل العسكري الروسي في سوريا زاد الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيجاد خيارات بديلة”.

إلى هنا والمسألة تبقى مجرد توقعات وتكهنات قد تكون مصيبة في تقدير الورطة الروسية في سوريا، وقد لا تكون.

ولكن الذي فضح إدراك النظام الإيراني لورطة (الرفيق الشمالي) في سوريا وخيانته لحلفائه هو القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري الذي هاجم الموقف الروسي بشأن مستقبل بشار الأسد، متهما روسيا التي وصفها بـ(الرفيق الشمالي)، بالبحث عن مصالحها في سوريا، حسب وكالة فارس القريبة من الحرس الثوري الإيراني.

وقال جعفري إن أغلبية الشعب السوري موالية لبشار الأسد، إلا أن “الرفيق الشمالي الذي جاء مؤخرا إلى سوريا للدعم العسكري يبحث عن مصالحه، وقد لا يهمه بقاء الأسد، كما نفعل نحن”.

وقال إن إيران لا ترى أيّ بديل للأسد، مؤكدا أن هذا الموقف هو موقف المرشد الأعلى والحرس الثوري، مؤكدا أن “(البعض) لا يفهم هذا، لذلك يتحدث عن بديل للأسد”.

وسؤالي المهم في ختام هذا المقال هو هل سيستمر فرسان المعسكر العراقي الإيراني برؤية الحليف فلاديمير بوتين بطلا وحليفا لا يخون حلفاءه ولا يقايضهم بمصالحه؟ وهل سيواصلون الترويج لأصناف الطعام الذي يتناوله والذي جعل منه بطلا لا يشق له غبار؟

اقرأ المزيد
٨ نوفمبر ٢٠١٥
ماذا يمنع روسيا من دور إيجابي في سورية؟

بعد أن لعبت موسكو دوراً رئيسيا في السنوات الأربع الماضية من عمر الثورة السورية، ثم الأزمة في منع التوصل إلى تسوية سياسية، دفعها وصول وضع نظام الأسد في سبتمبر/أيلول الماضي إلى شفا الانهيار إلى تدخل عسكري مفاجئ. وعلى الرغم من أن هذا التدخل لا يزال بعيداً عن أن يعطي لموسكو زمام المبادرة العسكرية من قوى المعارضة السورية، إلا أنه مكّنها، من دون شك، من أن تنتزع زمام المبادرة السياسية، وأن تفتح تحت قيادتها وإشرافها باب المفاوضات الدولية التي لم تعد تقتصر على التداول في مصير الأزمة السورية، وإنهاء الحرب، وإنما أصبحت تشمل، كما هو واضح، مصير سورية نفسها، ومستقبل شعبها.

أوراق القوة الروسية
وعلى الرغم من الاختلاف العميق الذي ظهر في وجهات النظر تجاه الثورة السورية والأحداث التي أعقبتها بين الغربيين عموماً، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وروسيا في السنوات الماضية، بل وروح العداء التي لم تكفّ موسكو عن التعبير عنها تجاه أي خطوة يخطوها الغرب في اتجاه دعم المعارضة السورية، استمر الغرب في موقفه المعتدل، ورفض الانجرار إلى أي مواجهة مع موسكو، وقبل، في النهاية، بألا يتجاوز خطوطها الحمراء. وهو يكاد يقبل، اليوم، من دون أي نقاش، بتفويضها في الإشراف على الملف السوري، ولعب الدور الأول في التوصل إلى تسوية سياسية. وكما راهن الغرب في هدفه احتواء الثورة السورية، وتعطيل حركتها في السنوات الأربع الماضية، على روسيا، فهو يراهن عليها في الخروج من الأزمة التي نجمت عن هذه السياسة، ومعالجة نتائجها الكارثية على المستويات السياسية والجيوسياسية والإنسانية، التي جعلت من إعادة لم شمل سورية وتوحيدها من التحديات الكبرى. وفي اعتقادي، لن يتردّد الغرب، والمجتمع الدولي عموماً، في دعم أي مبادرة روسية، تحظى ببعض النصيب من النجاح، بعد إخفاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتفاقم الأزمة الإنسانية وتحول النزاع إلى عملية تدمير متبادل بين الأطراف. وهذا ما تدل عليه إشارات التراجع التي تبديها عواصم غربية عديدة، بل وعربية، عن مواقف سابقة متشددة تجاه الأسد.
وفي المقابل، تكاد موسكو تجمع بين يديها بالفعل مفاتيح الحل، وتبدو في موقع القوة الدولية الوحيدة المؤهلة للعب دور أساسي في إنهاء الأزمة السورية، فهي الوحيدة التي تملك قوة عسكرية تمكّنها، بالتنسيق مع حلفائها الإيرانيين والعراقيين والسوريين، من التحكم والعمل على أرض الميدان، بحسب خطة متسقة ومتابعة قريبة. وهي الوحيدة التي تملك القدرة على التواصل مع جميع الأطراف السورية والإقليمية والدولية، ولديها علاقات متميزة مع الخصوم الإقليميين الرئيسيين، إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا، وكذلك مع أطراف المعارضة السورية المعتدلة وغير المعتدلة، وتطمح إلى إقامة علاقة مع الجيش الحر.
وهي الوحيدة التي تملك إمكانية التأثير على الموقف الإيراني من منطلق التحالف والصداقة،
"روسيا تستطيع أن تطمئن أكثر من طهران، العلويين الذين وضعتهم سياسة الأسد العدوانية في موقف انتحاري"
ومن دون أن تستفز عنجهية السلطة الخامنئية، وبالتالي، أن تطمئن إيران التي ترفض أي حل في سورية، لا يضمن وجود الأسد الذي يشكل الضامن الوحيد لمشروع توسعها على مصالحها في سورية ما بعد الأسد، وخصوصاً عدم حلول نظام معادٍ لها في سورية، بعد زوال النظام القائم.
وهي الوحيدة التي تستطيع أن تساهم في تخفيف التوترات الطائفية التي جعلت منها طهران استراتيجيتها الرئيسية، لتعبئة القوى المضادة للثورة السورية، وذلك بإعادة الصراع إلى مستواه السياسي والجيوسياسي، وعزله، ولو إلى حد، عن الصراعات المذهبية والطائفية السنية الشيعية. وهذا العزل أو التحييد مفتاح أساسي من مفاتيح الحل، بمقدار ما يخفف من الرهانات الوجودية والنزاعات حول الهوية المذهبية التي تهدد بتوسيع نطاق الحرب، لتشمل الإقليم كله، والتي لا حل سياسيا لها.
وهي، أخيراً، الدولة التي تستطيع أن تطمئن أكثر بكثير من حكومة طهران، ومليشياتها الشيعية المتعصبة، العلويين الذين وضعتهم سياسة الأسد العدوانية في موقف انتحاري، وتضمن مصالحهم في التسوية وتجرّهم إليها، سواء على مستوى النخب العسكرية والأمنية أو الجمهور الواسع الخائف على وجوده من انقلاب التوازنات السياسية.

روسيا الخصم والحكم
ما يحول دون روسيا واستخدام هذه الأوراق التي تملكها للدفع في اتجاه حل سياسي حتى الآن عوامل عديدة:
أولاً، تصور الروس طبيعة الوضع في سورية، ومعارضتهم العميقة فكرة الثورة نفسها، ونزوعهم إلى الربط بين الديمقراطية والهيمنة الغربية، وتمسكهم بالنظام القائم، مهما كانت جرائمه، بوصفه ممثلا للشرعية القانونية، وعداؤهم الشديد الحركات الجهادية الإسلامية التي يخشون تجدد عملها في روسيا نفسها، وربطهم بين ذلك ونشوء سلطة أكثرية سنية في سورية. وذلك كله يجعلهم يميلون إلى حل يثبت دعائم نظام الأسد، بدل تغييره، حتى لو قبلوا تغيير الأسد نفسه في وقت من الأوقات.
ثانياً، تحالفهم مع طهران الخامنئية والانتقامية معاً، فكما أن من الصعب على روسيا أن تواجه، من دون التهديد بكسر هذا التحالف، مشروع إيران الهادف إلى فرض ما يشبه الوصاية على سورية، في سبيل متابعة مشروعها لتغيير بنيتها السكانية والمذهبية، وترى في بقاء الأسد إلى الأبد الضمانة الوحيدة لتحقيق رهاناتها، فإنها، أعني موسكو، غير قادرة، مهما فعلت، على تسويق دور رئيسي لإيران في تقرير مصير سورية. ومعركة روسيا للتقدم على طريق تسوية مقبولة من الأطراف الأخرى، السورية أو الحليفة للمعارضة السورية، ينبغي أن تمر حتماً بمعركة روسية ضد خيارات طهران، وإلا ستجد روسيا نفسها ومساعيها في طريق مسدود.
ثالثاً، استمرار موسكو في النظر إلى المأساة السورية من زاوية صراع روسيا مع الغرب واستخدام حربها وسيلة لكسب هذا الصراع فحسب، من دون أي اعتبار يُذكر لمصير الشعب السوري ومعاناته. وإذا استمرت موسكو في تجاهل تطلعات السوريين، ولم تفكر إلا في استغلال المأساة السورية، من أجل تسجيل نقاط انتصار على الغرب، أو تكريس فوز محور موسكو طهران الأسد على محور العرب والغرب، لن ترى في المعارضة السورية وتطلعات الشعب السوري إلا عدواً لها. ولن يكون هناك أي أمل في التقدم نحو رؤية متوازنة للحل، وسوف تخسر الأوراق الكثيرة التي تملكها بالفعل، للعب دور كبير في التسوية السورية والشرق أوسطية.
رابعاً، استقالة الغرب الذي لم يعد يشعر أن له أي مصلحة في الاستمرار في دعم تطلعات
"تعمل روسيا للتوصل إلى حل يثبت دعائم نظام الأسد، بدل تغييره، حتى لو قبلوا تغيير الأسد نفسه في وقت من الأوقات"
الشعب السوري، أو أن ثمن هذا الدعم، مع تطور التطرف والإرهاب، أصبح أغلى مما يستطيع تقديمه، واستعداده للتراجع أمام اقتراحات موسكو والتفاوض معها. والواقع أن هذه الاستقالة التاريخية هي التي أدت إلى وصول الوضع إلى ما وصل إليه، لأن الغرب أظهر أنه مستعد لتقديم شيء من الدعم لشعب قرّر التحرر والتخلص من الاستعمار الداخلي والانتحار البطيء، لكنه لم يكن في وارد الدخول في نزاع مع إسرائيل أو إيران أو نظام الأسد من أجل حرية السوريين، وهم لم يكونوا يوماً من أتباعه أو مناصريه.

الرد على التحدّي الروسي
من هنا، التحدي الأكبر الذي يواجه المعارضة السورية، والسوريين عموماً، سواء في ما يتعلق بالرد على التقاعس الغربي والعدوان الروسي. ولا أعني بالتحدي منع حصول تسوية على حساب السوريين، وفي اتجاه إعادة ترميم سلطة نظام الأسد بوجوده، أو من دونه، وإنما الاستفادة من فرصة وضع الحرب السورية على طاولة المفاوضات الدولية، من أجل الدفع في اتجاه تحقيق تسوية متوازنة، ترضي على الأقل جزءا من تطلعات السوريين، وتبقي على إمكانية التقدم نحو آفاق جديدة. وهذا ما يستحق اليوم التفكير، بعد الانتهاء من بيانات الشجب والإدانة والرد. وفي نظري، يستدعي الدفاع عن حل وطني وديمقراطي، يجنب سورية الحرب الطويلة، وفي الوقت نفسه، يدفع الروس إلى تغيير مواقفهم المناهضة لأهداف المعارضة، وتشجيعهم على استخدام المفاتيح القوية التي في أيديهم لفتح باب الحلول السياسية، بدل استخدامها لدعم النظام وإرضاء حلفائهم السياسيين والأيديولوجيين، واستمالة من يسمونهم الأقليات الذين يريدون استتباعهم بتمييزهم وفصلهم عن بقية شعبهم، وعلى حسابه، على حساب الحفاظ على وحدته والمساواة بين أبنائه. وبالتالي، على أساس العدالة وحكم القانون واحترام الكرامة الإنسانية، أقول يستدعي ذلك كله من المعارضة السورية الخروج من صراعاتها وأزمتها، وتحقيق أهداف ضرورية وعاجلة، من أهمها:
أولاً، المساعدة على إبراز قيادة وطنية سورية، تضم تحت جناحها جميع الفصائل المسلحة وغير المسلحة، وتمثلها وتتكلم باسمها، ومن ورائها باسم الشعب السوري، لا جماعاته المذهبية، أو القومية أو الدينية.
ثانياً، إشراك هذه القيادة طرفاً رئيساً في كل المشاورات والنقاشات والمحادثات المتعلقة بإطلاق مفاوضات التسوية، واعتبارها طرفاً أساسياً في أي مفاوضات جدية، على الأقل كما يحصل مع ممثلي النظام الذي هو الطرف المسبب للحرب، والذي خرج مهزوماً فيها.
ثالثاً، العمل على ضمان وقوف الدول العربية بقوة وراء المعارضة، وعدم التسليم لنيات موسكو، أو الثقة بها، والاستمرار في الضغط على القيادة الروسية، وتعبئة الحلفاء والأصدقاء، وبالتعاون مع المجتمع الدولي، للدفع في اتجاه تسوية عادلة، تنهي، فعلاً، أسباب النزاع، ولا تكون منطلقاً لإعادة إطلاق حروب جديدة، عامة أو محلية. وهذا يتطلب تحذير الروس من أي تصور للحل، يستهين بحقوق الأطراف، خصوصاً الشعب الذي ثار على النظام، ويستسهل تقسيم البلاد، أو توزيع المصالح بما يتفق والتحالفات الروسية التقليدية الإقليمية والدولية.
رابعاً، إدخال جمهور العرب والسوريين في المواجهة، والعمل على تنظيم التظاهرات الشعبية
"أي حل لا يخرج بانتقال سياسي حقيقي، ينهي عهد الديكتاتورية الدموية، ويقطع مع منطق التمييز الطائفي والأقوامي،  سيكون مصيره الفشل"
من جميع الأنواع، من احتجاجات ومسيرات ومهرجانات، لتأييد حقوق الشعب السوري وإعلان التضامن مع القضية السورية، وشجب مواقف الدول التي تسعى إلى إعادة شرعنة نظام القتل والعنف والاحتلال، وتجنيب المسؤولين عن الجرائم ضد الشعب السوري العقاب.
وفي الأخير، ينبغي أن نعرف جميعا، مؤيدين وموالين، متحمسين لمساعي روسيا أو معادين لها، أن أي حل لا يخرج بانتقال سياسي حقيقي، ينهي عهد الديكتاتورية الدموية، ويقطع مع منطق التمييز الطائفي والأقوامي، ويضع حداً نهائيا للعسف، ويعزّز حكم القانون، ويسمح للشعب السوري أن يعبر بحرية عن إرادته، ويشعر بكرامته، سيكون مصيره الفشل، لتعود الحرب أشد عنفا ووحشية مما كانت عليه من قبل.
وعلى روسيا التي تلعب، اليوم، دور الخصم والحكم في الوقت نفسه، وتريد أن تنهي الحرب السورية لصالحها وصالح حلفائها بأي ثمن، أن تدرك أيضا أنها أمام فرصة تاريخية، لتعريف دورها وقيادتها على الساحة الدولية، وفي مستقبل النظام الدولي: هل تكون قوة سياسية كبرى صانعة للسلام، وفاعلاً جيواستراتيجياً قادراً على لعب دور إيجابي، وإعادة التوازن إلى النظام الدولي، أو تكون قوة عسكرية همجية، قادرة على شن الحرب والانتقام لنفسها والاعتراض، لكنها عاجزة عن مواكبة مسيرة الشعوب وقيم العصر. وروسيا وحدها التي تستطيع أن تختار بين أن يكون تدخلها في سورية الصاعق الذي يفجر آخر ما تبقى من النظام الإقليمي الهش، ومن ورائه النظام العالمي الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفاتحة لحقبة من الحروب الغروزنية ومن البربرية العدمية، أو أن ترتقي، بدورها، إلى مستوى الحكم والوسيط العاقل، إنْ لم يكن العادل، وأن تعمل من أجل تسويةٍ متوازنة، لا تقصي أحداً، لكنها تحترم الحقوق الأساسية للشعوب، وفي مقدمها المساواة بين الجميع، بصرف النظر عن الانتماء الديني والإثني. وفي هذه الحالة، ستخرج روسيا منتصرة سياسياً، وستفرض نفسها قوة دولية إيجابية، لا تستمد شرعية دورها الدولي من معارضتها سياسات الغرب، وإنما من مساهمتها في حل النزاعات الدولية وعملها الفعال على حفظ السلام الإقليمي والعالمي.

اقرأ المزيد
٨ نوفمبر ٢٠١٥
ماذا وراء فيينا؟

ثمة سر وراء ذهاب الدول إلى فيينا، يرتبط باستحالة بدء عملية السلام في سورية، انطلاقا من تشكيل "الهيئة الحاكمة الانتقالية"، كاملة الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بتراضي الطرفين، كما تقول وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2118 الذي حدد آلية تنفيذها.
المشكلة أن الروس تخلوا عن جنيف، والنظام يرفض رفضا مطلقاً هدفه، نقل سورية إلى الديمقراطية الذي سينجز بتعاون أطراف منه مع المعارضة لتشكيل "الهيئة الحاكمة الانتقالية"، التي ستنجز الحل، وأنه تمسك ببشار الأسد، أو أجبر على التمسك به بمعونة روسية / إيرانية، حتى بعد الهزائم التي نزلت بجيشه، وزلزلت نظامه، وأوشكت أن تسقطه، علما أن رحيله يعتبر شرطاً لا بد منه للتراضي بين أهل الثورة وأهل النظام أولاً، ولقيام "الهيئة الحاكمة" ثانياً، وللانتقال الديمقراطي الموعود في نهاية الأمر. لم يحدُث التراضي المطلوب، وبقي بشار مؤيداً من أجهزته، فلم تؤسس "الهيئة" التي يعتبر تشكيلها بداية الحل الذي بدا، وما زال يبدو، مستحيلاً.
لا مبالغة في القول إن كل ما يفعله الأميركان يندرج في إطار الالتفاف على هذه الاستحالة، وكل ما يفعله الروس والإيرانيون يقتصر على تثبيتها وترسيخها. لم تتخلَّ عصابات الجيش والأمن الأسدية عن بشار، فلعب الأميركيون، وبعض الأوروبيين، بفكرة إبقائه رئيساً خلال مرحلة انتقالية، تتراوح بين ستة أشهر وعام ونصف العام، تشكل خلالها "الهيئة" في صورة "حكومة وحدة وطنية" (مقترح روسي) تكون بقيادته وليس ضده، كما يقول قرار تفسيري صدر عن مجلس الأمن، يقول إن صلاحيات الهيئة التنفيذية تعني صلاحيات رئيسي الجمهورية والوزراء اللذين ستنتفي الحاجة لهما حتى خلال مرحلة الانتقال. وبدورها، تمثل لجان دي ميستورا محاولة أخرى للالتفاف على معضلة "الهيئة الحاكمة" التي أدرجها في بند خاص من البنود التي ستتحاور اللجنة القانونية والسياسية حولها، وتخلى بذلك عن تشكيلها باعتبارها بداية الحل. وقد رفض "الائتلاف" مقترحه لهذا السبب، وطالبه بفصل "الهيئة" عن سواها من بنود "الحوار"، وتكريس لجنة خاصة لها، ما دامت مهام بقية اللجان ستحل بقرارات ستصدر عنها، لا تحتاج إلى تفاوض أو حوار.
هذا الالتفاف محكوم بالبحث عن أداة غير "الهيئة"، تكون مدخلا إلى جنيف معدل هنا وهناك، انتهى، أخيراً، إلى مقترح لا ينتمي نهائياً إلى وثيقته، يتحدث عن "جسم حكم وحوكمة"، خالطاً بين الاثنين، ومتجاهلا الفارق بين الحوكمة أسلوباً في الإدارة و"الهيئة الحاكمة"، أو الجسم الحاكم، كياناً سياسياً/ مؤسسياً، وظيفته نقل سورية إلى الديمقراطية، وليس الحوكمة التي أرجح أن أحداً لن يمارسها قبل الانتقال، لافتقار سورية الحالية إلى جميع متطلبات ممارستها من بيروقراطية رشيدة إلى قضاء مستقل وصحافة حرة إلى رقابة برلمانية لمؤسسات الدولة. في المقابل، يتمسك الروس بتصورهم للحل، الخارج بنسبة ألف بالمائة عن جنيف، والذي يقتصر على تشكيل بشار الأسد، بصفته رئيس سورية المنتخب، وبالتالي الشرعي، حكومة وحدة وطنية، وبضم "جيش الدفاع الوطني" إلى جيش السلطة، قبل ضم الجيش الحر إليهما، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية برقابة دولية. يحق طبعاً لبشار ترشيح نفسه فيها، بعد انتهاء ولايته الحالية، أي بعد خمسة أعوام، كما يقال مرة، أو بعد تشكيله الحكومة وهيكلته الجيش، كما يقال مرة أخرى. ينبني المشروع الروسي بكامله على التمسك باستمرار النظام وبشار، بينما مشروع جنيف الذي وافقت روسيا عليه نهاية يونيو/حزيران 2012، قائم من ألفه إلى يائه، على فكرة الانتقال الديمقراطي، وبالتالي، على رحيل بشار وتغيير النظام.
في هذه الأثناء، يقوم الروس بجهد عسكري كبير جداً، هدفه شطب الجيش الحر و"الائتلاف" من معادلات الحل، تحقيقاً لهدف بشار القديم: الوصول إلى وضع يكون بديله فيه "داعش" و"النصرة" ولا أحد سواهما، يخير العالم بينه وبينهما، فيختاره هو. هذا ما يعمل عليه الروس، فإن سمح "أصدقاء الشعب السوري" لهم بإنجاحه عسكرياً، تعاظمت فرص حلهم السياسي، الذي سيتم عندئذ بين النظام و"معارضتهم" التي يعملون، منذ ستة أشهر، لفبركتها.

اقرأ المزيد
٨ نوفمبر ٢٠١٥
وجهان لعملة واحدة... التطرف والاستبداد

تتوالى التصريحات الروسية بخصوص القوى المسلحة المعتدلة، والمعتدلة نسبياً، على الساحة السورية. ويظهر التخبط المنظّم الذي بدأ قبل التدخل الروسي العسكري المباشر في سبتمبر/أيلول الماضي. فمن جهة، كرّر الدبلوماسيون الروس، على أسماع القوى الغربية التي حاوروها، إنه لا توجد فصائل معارضة معتدلة في سورية. ووصل بهم حد الاستهزاء بهذه النظرية إلى أن يطلب وزير الخارجية، سيرغي لافروف، رقم هاتفٍ يوصله بهذه الفصائل، إن كان صحيحاً الادعاء بوجودها وبإمكانية الاعتماد عليها في المحافظة على مؤسسات الدولة، في حالة الانتقال السياسي التدريجي الذي يستند إلى مبادئ جنيف، والذي يستلزم نقل السلطات من قيادة سياسية وأمنية وعسكرية، بدأت الحرب ضد المدنيين، واستمرت في تسعير التطرف والقتال المسلح، من خلال إدارة أمنية لحركة احتجاجات سياسية.
من جهة أخرى، يُحاول الروس، اليوم، وبعد أكثر من شهر على بدء عملياتهم التدميرية وغاراتهم العنقودية، وغيرها من أشكال التخريب الشامل، على أهدافٍ يدّعون أنها تتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية، وتؤكد الجهات المحايدة والوقائع أنها تستهدف، أولاً وأساساً، الفصائل المعتدلة والمعتدلة نسبياً، يحاولون التواصل مع من يعتبرونهم غير موجودين. وتتوالى التصريحات الدقيقة وغير الدقيقة، عن نيات روسية بالاجتماع مع ممثلين عن هذه الفصائل في أبوظبي، أو في القاهرة، حتى إن الميلودراما الروسية، التي ساعدتها خيالات سورية متقدمة في اختراع الأساطير، فتحدثت عن دعوة عبر "سكايب" للحوار مع ممثلي فصائل المعارضة.
إن صحّت هذه النيّة أم لم تتأكد، يبدو أنه من المهم التوقف عند دلالاتها، فمجرد الحديث عنها يُعتبر مؤشّراً واضحاً على وصول الروس، مبكراً نسبياً، إلى قناعة عسكرية وسياسية بضرورة الخروج من منطق "غروزني هي الحل"، كما سبق أن أكد عليه أكثر من مستشار ومسؤول عالي المستوى من محيط الكرملين. فالسيناريو الشيشاني الذي يتطلب تدميراً شاملاً، وفرض الحل بالقوة، يبدو أنه غير قابل للتحقّق في سورية، على الرغم من قناعة أولية بإمكانية تحققه.
في المقابل، في السيناريو الشيشاني تفاصيل غابت، بعض الشيء، عن الملاحظين، وهي تتعلّق
"الادعاء الروسي المتكرر بالسعي إلى تعزيز العلمانية التي لم توجد أصلاً في سورية، يصبح نوعاً من العبث"
أيضاً، بالإضافة إلى الحل العسكري الشامل، بحل سياسي جزئي، فقد جرت مفاوضات مكوكية بين المخابرات الروسية وفصائل متشددة في غروزني ومحيطها، للوقوف مع المحتل الروسي في مقابل تقديمات عينية ومالية مناسبة، وقد نجحت تلك الخطة بتشتيت القوى المسلحة التي كانت تواجه القوات الروسية. وبالتالي، حصلت هذه الفصائل، وخصوصاً المتشدد منها، على حصة في الغنيمة الجديدة، وشاركت في أجهزة الحكم المحلية التي نصّبتها موسكو، إضافة إلى مساهمتها الفاعلة وذات الخبرة المديدة في أجهزة النهب والسلب الاقتصادية المعزّزة بشبكة مافيا ترعاها العيون الساهرة للحكم المركزي في موسكو، فالتوجه الدائم لقوى الاحتلال، مهما تنوعت، ومها اختلفت مسمياتها، هو القضاء على القوى المعتدلة، والتي يمكن أن تشكّل خطراً سياسياً واقعياً في نظرتها للأمور وتحليلاتها الواعية للمصلحة الوطنية. في المقابل، يسعى الغازي، تحت أي مسمى، إلى التواصل، بل والتحالف مع من هم الأكثر تشدداً وتطرّفاً، لأنه يعرف الأرضية التي قامت عليها أسسهم. وهو يعرف، بالتالي، أنه من خلالها سيتمكن من إحكام السيطرة على المجتمع، تحت مسميات عدة. حليف المحتل المحلي أو الخارجي هو المتطرف دينياً، مهما ادعى الطرفان عكس ذلك. مصالحهما تتقاطع، بعد فراق لا يطول.
يبدأ تعزيز التطرف من الصغر كالنقش في الحجر، فمن مؤسسات تربوية وتعليمية فاشلة إلى حركة فكرية محبطة في أحسن الحالات، أو هي مقموعة في مجمل الحالات، إلى الرغبة الواضحة والشديدة بتعزيز دور رجال الدين الرسميين المُراقبين والموجّهين لغسل أدمغة الشباب، ودفعهم إلى الاهتمام المحدود في مجال العبادات والممارسات الدينية اليومية والرمزية، بعيداً عن تطوير الفكر النقدي الذي يكاد يُهدد كل مستبد. ولا يبدو أن مواجهة هذا التطرف تزعج كثيراً الروس في الشيشان اليوم.
وتتحدث الأخبار عن مدرسة دينية شيشانية، برعاية دمية الروس، رمضان قاديروف، والي موسكو المعين على هذه الجمهورية الصغيرة وذات البأس الكبير، وتتفاخر موسكو بوجود مثل هذه المدرسة، وتعتبرها وسيلتها الدينية للانتشار وللتوسع في البلاد المسلمة. هذه المدرسة، إنْ صحّ اعتبارها كذلك، أداة جديدة ترعاها الإمبريالية الروسية الصاعدة في إطار سعيها إلى استخدام كل الطرائق لتعزيز هيمنتها المحلية، وفي الإطارات الحيوية لسياساتها، وسورية منها.
الادعاء الروسي المتكرر بالسعي إلى تعزيز العلمانية التي لم توجد أصلاً في سورية، يصبح نوعاً من العبث. ومسرح العبث الروسي الذي يُقدّم بإخراج ضعيف، وبتمثيل رديء، يحلو لبعضهم، ويمكن له أن يجذب بعض المشاهدين، وحتى الممثلين الغربيين.
يبقى، إذن، المعتدلون وحيدين على الساحة، وأمامهم أعداء متعددو المشارب والتوجهات. ينفي الروس وجودهم، والغربيون لم يبرحوا يتساءلون، منذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية، عن عنوانهم الذي ساهم تشتت المعارضة السورية في إضاعته. وهم في النهاية إن استطاعوا تجاوز كل هذه المحن السياسية والعسكرية، يقعون فريسة المتطرفين، استقطاباً أو محاربة.

اقرأ المزيد
٧ نوفمبر ٢٠١٥
سياسة أوباما.. حالة أميركية دائمة؟

من يزور واشنطن دي. سي هذه الأيّام يجد نفسه مجبرا على طرح سؤال يفرض نفسه بقوّة. هل سياسة أميركا الجديدة في الشرق الأوسط مرتبطة بباراك أوباما وعهده، أم أن هذه السياسة القائمة على التفرج من بعد على ما يدور في المنطقة صارت سياسة دائمة، بل حالة أميركية دائمة؟

لا يقتصر التغيير الجذري في السياسة الأميركية على كيفية التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط. هناك عمليا تغيير شمل أيضا طريقة اتخاذ القرار في الدوائر العليا. لذلك يبدو إرسال عدد من الجنود الأميركيين من القوات الخاصة إلى سوريا، أقرب إلى نكتة من أي شيء آخر، وذلك في وقت هناك وجود إيراني كبير مباشر وغير مباشر على الأرض السورية، وهناك قوات روسية تقاتل بكلّ الوسائل من أجل إنقاذ نظام بشّار الأسد الذي لا مجال لإنقاذه.

انعكس الانقلاب الذي شهدته واشنطن دي. سي على الأمم المتحدة التي باتت عاجزة أكثر من أي وقت عن اتخاذ أي قرار ملزم في شأن أي أزمة من الأزمات العالمية، خصوصا في الشرق الأوسط. لم يعد من قرار آخر خارج الدوائر العليا في العاصمة الأميركية.

ربّما بات من الخطأ استخدام عبارة الدوائر العليا في واشنطن. لم تعد هناك في الواقع سوى دائرة عليا واحدة هي الدائرة الصغيرة المحيطة مباشرة بباراك أوباما. وزير الخارجية جون كيري لم يعد سوى رجل مهمّش يتظاهر بالقدرة على التعاطي مع أزمات العالم، فيما هو في الواقع يتفرّج عليها بصفة مراقب لا أكثر.

هذه الدائرة الصغيرة في البيت الأبيض، التي لا تعرف الكثير عن الشرق الأوسط، جعلت الأولويات الأميركية مختلفة تماما، خصوصا بعدما استطاعت الولايات المتحدة التقليل من اعتمادها على نفط الخليج. هناك اتجاه أميركي إلى التركيز على منطقة المحيط الهادئ وعلى علاقات من نوع جديد مع أوروبا التي أصبحت واشنطن تتعاطى معها من منطلق أنها القارة العجوز التي عليها أن تتدبّر أمورها بنفسها، بما في ذلك المشكلة الناجمة عن تدفّق اللاجئين السوريين بالآلاف على دولها.

على سبيل المثال وليس الحصر، يعتبر بلد مثل اليمن في غاية الأهمّية بالنسبة إلى الأمن الخليجي. اليمن ليس على لائحة الأولويات الأميركية في أي شكل. هناك سعي عربي لمنع سقوط اليمن وتحوّله إلى مستعمرة إيرانية. في المقابل، ليس ما يشير إلى أنّ الإدارة الأميركية تعي هذا الواقع. هناك بالكاد، في واشنطن، حديث خافت عن اليمن وعن ضرورة عدم تحوّله إلى بؤرة للإرهاب مستقبلا. ليس هناك وعي أميركي من أي نوع، أقلّه في دائرة القرار، لمعنى انهيار السلطة المركزية في صنعاء ولإفلات الجنوب من أي ضوابط ومن قدرة “القاعدة” و”داعش” على ملء الفراغ الناجم عن ذلك. الأخطر من ذلك كلّه، أن لا وجود في واشنطن لأيّ تقدير لخطورة الظاهرة الحوثية ومدى ارتباطها العميق بإيران وميليشياتها المذهبية في المنطقة. فوق ذلك، لا اهتمام يذكر في الدوائر الأميركية بظاهرة الميليشيات المذهبية التي ترعاها إيران، من لبنان إلى سوريا، إلى العراق، إلى اليمن، والتي تعتبر مكملة لداعش والقاعدة، خصوصا أنّ كل ما تفعله هذه الميليشيات هو إيجاد حاضنة شعبية ينمو فيها الإرهاب والتطرّف السنّيين، خصوصا في سوريا والعراق واليمن.

لعلّ أكثر ما يلفت النظر في واشنطن وجود مراكز أبحاث تضمّ عددا كبيرا من المختصين والخبراء الذين يعرفون الكثير عن المنطقة. هناك شبه إجماع لدى هؤلاء على أنّ لا تأثير يذكر لمراكز الأبحاث وحتّى لوزارة الخارجية على الدائرة الضيقة التي يتّخذ فيها القرار. السفير الأميركي المهمّ هو ذلك الذي لديه علاقة مباشرة بالبيت الأبيض. في ما عدا ذلك، لا قيمة لسفراء الدولة العظمى الذين باتوا مجرّد موظّفين في إدارة كبيرة تتحكّم بها الإجراءات البيروقراطية.

نعم، هناك أميركا جديدة. أميركا باراك أوباما التي لا يمكن الرهان عليها في سوريا أو العراق أو اليمن… أو لبنان. أميركا هذه معجبة بإيران، وبحيوية المجتمع الإيراني الذي تحرّك في العام 2009، لكنّه لم يجد دعما أميركيا له.

لا تطرح هذه الإدارة سؤالا في غاية البساطة. هذا السؤال مرتبط بما ستفعله إيران في حال رفع العقوبات الدولية عنها والإفراج عن مليارات من الدولارات العائدة لها في ضوء توقيعها الاتفاق في شأن ملفّها النووي؟ أين ستوظف هذه المليارات؟ هل توظفها في دعم الميليشيات المذهبية التي تعمل على تدمير المجتمعات والبنى التحتية في لبنان وسوريا والعراق واليمن بعدما سعت قبل فترة قصيرة، لكنّها فشلت، في تحويل البحرين إلى محافظة إيرانية؟

مثل هذا النوع من الأسئلة لم يعد مطروحا في واشنطن. لذلك، لم يعد أمام معظم العرب سوى تحمّل مسؤولياتهم. فعلوا ذلك في مصر حيث ساعدوا الشعب المصري في التخلّص من نظام الإخوان المسلمين. وفعلوا ذلك في اليمن حيث لم يكن من مجال سوى للتصدّي لـ”أنصار الله” الذين ذهبوا إلى طهران لتوقيع اتفاقات عسكرية واقتصادية من منطلق أن الحوثيين قاموا بثورة وسيطروا على البلد كلّه وباتوا يمثّلون “الشرعية الثورية”. من يتذكّر الخطاب المشهور لعبدالملك الحوثي الذي تحدّث فيه “ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر” وذلك في اليوم الذي سيطر فيه الحوثيون على صنعاء بالكامل؟ كان ذلك في العام 2014، أي في تاريخ لم يمرّ بعد عليه الزمن!

تغيّرت أميركا. انعكس ذلك على الأمم المتحدة التي تبدو، حاليا، عاجزة عن الإقدام على أي خطوة في أي اتجاه كان. لعلّ الدليل الأوضح على ذلك تحوّل المنظمة الدولية إلى شاهد زور على المأساة السورية. لم يشهد العالم مأساة من هذا المستوى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. قامت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بغية تفادي تكرار المآسي التي رافقت تلك الحرب. للمرّة الأولى هناك تهجير لما يزيد على عشرة ملايين شخص، فيما الأمم المتحدة لا تحرّك ساكنا. هل من مأساة أكبر من هذه المأساة؟ هل من عجز أكبر من هذا العجز؟

إلى أيّ حدّ سيذهب باراك أوباما في تغيير أميركا؟ الثابت أنّه غيرّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة على نحو جذري. نفّذ انقلابا بكلّ معنى الكلمة. السؤال الآن هل يستمر الانقلاب وتصمد مفاعيله وتترسّخ، أم تنتهي هذه المفاعيل مع نهاية ولاية أوّل رئيس أسود للدولة العظمى الوحيدة في العالم؟

الجواب صعب ومعقّد. كلّ ما يستطيع قوله المتابعون للشأن الأميركي إن أي رئيس مقبل لا يمكن أن يكون على صورة أوباما الذي يتبيّن كلّ يوم أن لديه أيديولوجية قريبة جدا من الأيديولوجية اليسارية، عرف كيف يخفيها خلال ولايته الأولى، لكنّها ظهرت جليّة في ولايته الثانية.

اقرأ المزيد
٧ نوفمبر ٢٠١٥
الهرولة إلى الثقب السوري

انتهى زمن البروتوكولات السياسية والتصاريح المنمّقة في العالم، بما يتعلق بالملف السوري. الزمن الآن هو زمن السياسة المقترنة بالحراك العسكري. لم يعد كافياً الاكتفاء بالوجود الإقليمي في سورية، من إيراني وعراقي ولبناني وغيره. لم يعد وجود مقاتلين من جنسيات مختلفة في العالم، مرتزقةً كانوا أم مدفوعين بروحية أيديولوجية، قادراً على صياغة واقع جيوبوليتيكي جديد، في الداخل السوري. تحوّلت الأمور إلى "هرولة" أممية سريعة. سباقٍ حتى. قَدَمَ الروس، ليُسيطروا على السماء السورية والبحر السوري وأجزاءٍ من البرّ السوري. لم ينسوا التفاهم مع الإسرائيلي في هذا الصدد، ولم يفوّتوا التدريب المشترك مع الأميركيين حتى.
الأميركيون يقرعون أبواب سورية، بـ50 مستشاراً، في استعادة لمشهد جنود المارينز، العائدين إلى العراق، في يوليو/تموز 2014، بعد توسّع مناطق نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). عديد "المستشارين" سيزداد مستقبلاً "لأسبابٍ متعلقة بالحاجات الأمنية الأميركية"، هكذا ستُعلن بيانات الإدارة الأميركية والبنتاغون لاحقاً، أو شيء من هذا القبيل.
لم يشأ الفرنسيون البقاء بعيداً. يُعيدون رمز الاستقلال عن ألمانيا النازية في 1944، شارل ديغول إلى بلاد الشام، بحاملة طائرات هذه المرّة، لا بشخصه. كولونيالية تذكرت جذورها، بفعل تمدّد كولونيالية أخرى. الأتراك مستنفرون. أساساً عادوا إلى "العمل" مطلع الصيف الماضي، بفعل عودة "العمال" الكردستاني إلى ساحة القتال.
بدأ الجميع ينساق إلى الثقب السوري، والثقب سيبتلع الجميع. قوانين الطبيعة واضحة في هذا المجال. كل من يستولد ثقباً سيغرق هو، وغيره فيه. دول الجوار قريبون بما فيه الكفاية للغرق، واحداً تلو الآخر. ليست أوروبا بعيدة بعد وصول جحافل اللاجئين إليها، وتحوّل منطقة البلقان، بفعل تداعيات الهجرة، إلى بركان خامد، ينتظر أن يرمي حممه في الجوار الأوروبي. للبلقان حكايات دموية تاريخياً.
مسببات كثيرة جعلت من "الثقب" أمراً واقعاً، تراوحت بين تراخي المجتمع الدولي في التعامل والتفاعل مع سورية من جهة، وتغييب محاولات فرض حالة تغييرية تلائم إرادة الشعب السوري، مع تجنّب السيناريوهات العراقية والليبية، في الوقت عينه، من جهة أخرى. بدا وكأن ترك الأمور على غاربها كفيل بمعالجة الأمور "بهدوء"، بعيداً عن السواحل الأوروبية والشواطئ الأميركية. ربما يُترجم هذا الفكر مدى النقص في فهم الجغرافيا السياسية، لدى مهرولين أمميين كثيرين في الوقت الحالي. نقص فهم الجغرافيا السياسية، جعل أكثرية هؤلاء يتجاهلون الإرادة الشعبية، التي حرّكت كل شيء قبل أكثر من أربعة أعوام، قبل بدء محاولات سلبها كل شيء.
وبعد هذا، يتجاهل العالم حقائق متعلقة بحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، فقط لأن مصلحته تطغى على أي محاولة للمحاسبة، لو كان فعلاً ينوي المحاسبة. حسناً، رمى بعض هؤلاء قنابل نووية، في أوقات سابقة من التاريخ، وتفاخر آخرون ببناء "قيصريته" خلف ستارٍ حديدي، على شلال من الدماء. بالتالي، لن يكون صعباً فهم كيف يفكرون.
حالياً، لا تعبر سورية والشرق الأوسط من حال عسكرية إلى أخرى سياسية. الأفق العسكري لا يزال يتّسع، ولا مؤشرات على نهايته، ولو وصلنا إلى "فيينا مليون". لا أحد يرغب في أداء دور "شرطي السلام". الجميع يفكر بالحصص المُمكن كسبها في سورية، وفي الحيّز الاقتصادي لاحقاً. ووفقاً لهذا، يعمد المهرولون إلى سورية إلى محاولة التصرّف بشكل سريع ميدانياً قبل إتمام المحاصصة. لا اتفاقية وستفاليا جديدة قريباً، بل "سايكس بيكو" متجدد بصورة أكثر دموية، وبعدد لاعبين أكثر، وبغياب أي وعدٍ "بلفوري" جديد.
هنا، وحده الشعب السوري في هذا الثقب يدفع الثمن. يموت في صراع القوى، من دون أن يدري أنه يموت، لأن كثيرين من "كبار" هذا العالم لم يروا فيه سوى أرقام فحسب، لا مجموعة بشر يستحقون الحياة.

اقرأ المزيد
٧ نوفمبر ٢٠١٥
حكومة جلالة الملكة والفاجعة السورية

نشرت صحيفة الأوبزيرفر البريطانية، قبل أيام، تقريراً حسّاساً أثار لغطاً سياسياً كثيراً في المملكة المتحدة، بعنوان "أساقفة الكنيسة الإنجليزية في توبيخ لاذع لرئيس الوزراء البريطاني حول أزمة اللاجئين السوريين"، شرحت فيه الصحيفة ازدراء ديفيد كاميرون الرسالة التي أرسلها 84 من أساقفة الكنيسة الإنجليزية، في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، يعرضون فيها مواجهة أزمة اللاجئين السوريين بتحريك إمكانات الكنيسة الإنجليزية على مستوى "الكنائس، والأديرة، وكل الكوادر البشرية فيها"، لأجل تحريك "الأمة البريطانية" لتأمين "المسكن، والمأكل، والعناية، والدعم" لما لا يقل عن 50,000 لاجئ سوري، خصوصاً الأطفال منهم الذين تشكل معاناتهم "أزمة أخلاقية" خانقة لضمير المجتمع المدني في بريطانيا، كما عبر عن ذلك أسقف مدينة درهام البريطانية، بول بتلر، أحد الموقعين على الرسالة، والتي أفصح كاميرون عن ازدرائه مطالبات أساقفة الكنيسة البريطانية فيها بتجاهل الرسالة أصلاً، وعدم تقديم أي رد فعلي يتناسب مع الوزن النوعي الرفيع للموقعين عليها في المجتمع المدني البريطاني.
وتقوم خطة رئيس الوزراء البريطاني، الفعلية والمعلنة، للتعامل مع الفاجعة السورية على مثلث من النقاط، أولها بتصوير أن حلّ الأزمة السورية يبدأ حتماً بقصف مسلحي تنظيم داعش في سورية جواً، وتجاهل أن السبب الجوهري للمأساة السورية المتمثل بنظام الدولة الأمنية السورية، وممارسات الإبادة الجماعية، والأرض المحروقة التي مثلّت الحالة اليومية لسلوكه، منذ نهاية العام 2011. وثانيها بالعمل تدريجياً على تجريع الشعب البريطاني، والحكومات الأوروبية الشريكة للمملكة المتحدة في الاتحاد الأوربي، بضرورة القبول بحل سياسي مجتزأ للأزمة السورية، يتضمن إقامة حكومة مؤقتة، يرأسها بشار الأسد ستة أشهر، أو لأمد غير محدود، كما أدلى بذلك وزير الخارجية البريطاني، في لفلفة للأزمة السورية، وكأنّ شيئاً لم يكن، ولم يفعل الحدّاد ما فعله بالشعب السوري، ولسنوات أربع من الموت المقيم. وثالث تلك النقاط يتمثل في تسكين أزمة ضمير الشعب والمجتمع البريطاني بالرياء الذي لا ينقطع لرئيس الوزراء البريطاني بالمساعدات المالية التي قدّمها لمساعدة اللاجئين السوريين، ولا تتماشى، في مجملها، مع هول الفاجعة السورية، والوزن السياسي والاقتصادي الكوني للمملكة المتحدة، إذ أنها عاجزة عن أي حلّ جزئي لمأساة أي من السوريين، لكونها لا تقترب من جوهر المأساة، المتمثل في النظام الفاشي الذي انتفض الشعب لتغييره في مارس/ آذار 2011، وتم تحويل انتفاضته إلى حرب بالوكالة لكلّ اللاعبين الدوليين والإقليميين، وقودها وضحاياها من أولياء الدم السوري، في الغالبية الساحقة من تفاصيل جلجلة الشعب السوري.
أما خطة رئيس الوزراء البريطاني بقبول عشرين ألف لاجئ سوري في خمس سنوات، فيبدو
"يريد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، تهشيم تنظيم داعش عسكرياً الآن، بدل المساهمة في استئصال الأسباب الطبيعية التي أفرزته، بالمساعدة الحقيقية في تحقيق طموح كل عربي مقهور بالحرية، والعدالة"
أنها كانت دعائية موجهة لامتصاص غضب الشعب والمجتمع المدني البريطاني، عقب انتشار صورة الطفل السوري الغريق على الشواطئ التركية، والتي لخّص تقدمها بنفسه رئيس الوزراء البريطاني بأنه ليس لديه أي أسماء أو أرقام لمن تم قبولهم فعلياً، بناءً على ما تعهد به، لكنه سوف يعمل على قبول ألف لاجئ سوري في المملكة المتحدة، قبل عطلة عيد الميلاد المقبلة، وكأنّ اللاجئين السوريين يحتاجون للانتظار شهوراً أخرى، حتى يكتمل نصاب معاناتهم ويصبحوا مؤهلين للنظر إلى معاناتهم بشراً يحتضرون إنسانياً، وروحياً، واجتماعياً بين مهاوي الهجرة من الوطن وأهوال اللجوء الكارثية.
في الأشهر الأولى من عُمْرِ الثورة السورية، حذّر رهط من العقلاء السوريين المقيمين في بريطانيا، وفي اجتماعات متعددة مع وزارة الخارجية البريطانية، من أنّ تجاهل الأزمة السورية سوف يقود، بشكل طبيعي، إلى أن تصبح مشكلة ضاغطة على المجتمعات الأوربية، نظراً إلى القُرب الجغرافي بين الحياضين السوري والأوروبي، واتعاظاً من التجربة المهولة التي قادت مئات آلاف اللاجئين الأفغان والصوماليين إلى أعتاب دول الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا تحديداً. وتم اقتراح عشرات الأفكار، لمساعدة الشعب السوري في الانعتاق من نظامه الحاكم إلى أفق نظام ديموقراطي تعددي، كان أبسطها مطالبة السوريين المقيمين في بريطانيا بأن تبادر حكومة المملكة المتحدة بإحالة الأسد وأركان نظامه إلى محكمة الجنايات الدولية، خطوة أولى على طريق تقويض بنيان النظام الفاشي في سورية على المستوى الدولي، وإرغام القوى الدولية والإقليمية للبحث عن بديل أكثر ملاءمة من الذي انتهت صلاحيته بقوة القانون الدولي. وكان الرد السلبي على الاقتراح، المبسط والمتاح تنفيذه، كما نفذته بلجيكا بجلاد تشاد حسين حبري، بالشكل السلبي الذي تم الرد به على كل الاقتراحات الأخرى لدعم الشعب السوري المظلوم بشكل فعلي يتجاوز الحالة الدعائية، والالتزام بشرط المحافظة على توازن اللاغالب واللامغلوب في سورية. وتم تبرير ذلك بأن إحالة نظام بشار الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية سوف تحشره في الزاوية، وتقوده إلى تدمير سورية على طريقة "عليّ وعلى أعدائي". وبعد أن دمّر نظام بشار الأسد سورية أرضاً، وشعباً، ومجتمعاً، ظلَّ الموقف البريطاني الرسمي كما هو عليه، رافضاً اتخاذ وقفة قيادية على المستوى الدولي، لإحالة نظام الأسد وأركانه إلى المحكمة الجنائية الدولية، في تناقض مزمن وعميق مع الواجب الأخلاقي الضاغط الذي يشعر به المجتمع المدني ومؤسساته في بريطانيا، وعبّر عنه أساقفة الكنيسة الإنجليزية بجلاء منقطع النظير.
وعلى المقلب الآخر، قد يحق لبعض السوريين والعرب تذكير الحكومة البريطانية بواجبها الأخلاقي الذي لا يسقط بالتقادم بالتكفير عن ذنبها التاريخي في المنطقة العربية، ابتداءً من النكوث باتفاقاتها مع من والاها من العرب، في حربها ضد السلطة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، والتنصل الأفعوي من اتفاقاتها مع الشريف حسين وأبنائه، مروراً بكارثة الانتداب وتقسيم الأرض العربية إلى دول لم تتمكن، حتى اللحظة، من التعرف على هويتها الوطنية الطبيعية، لكونها اجترحت قسراً بما يتناقض بنيوياً مع قوانين تاريخ نشوء الأمم، ومأساة وعد بلفور وإقامة الكيان الصهيوني، وترك الجرح الفلسطيني متقيحاً مقيماً، وصولاً إلى كارثة احتلال الدولة والمجتمع العراقيين وتهشيمهما في العام 2003، بحجة حماية المملكة المتحدة من خطر أسلحة التدمير الشامل لدى صدام حسين، والتي زعمت حكومة جلالة الملكة أنه يحتاج لما لا يزيد عن 45 دقيقة فقط لإطلاقها، للنيل من أهداف استراتيجية تتبع للمملكة المتحدة، والتي فند الباحث البريطاني المجتهد، مارك كورتيس، في كتابه المهم (اللابشر، الانتهاكات السرية البريطانية لحقوق الإنسان) استناداً إلى الوثائق السرية البريطانية المفرج عنها، كل تلك الأكاذيب، والتي كانت تهدف فقط إلى تهيئة الرأي العام البريطاني، ليقبل جريمة احتلال العراق وتدميره. وقد كتب كورتيس أنها كانت استعادة لنموذج الاستعمار الكولونيالي المباشر، بغرض السيطرة على موارد الطاقة في العراق، وخصوصاً في منطقة البصرة حسب الاتفاق الضمني لتقاسم ثروات العراق مع الساسة الأميركان، ولتعويض خطر نضوب نفط بحر الشمال البريطاني في العام 2005. وهو احتلال العراق وتدميره، ما ولّد بواكير الغول الداعشي، واشتقاقاته، وتلاوينه، والتي يريد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، تهشيمه عسكرياً الآن، بدل المساهمة في استئصال الأسباب الطبيعية التي أفرزته، بالمساعدة الحقيقية في تحقيق طموح كل عربي مقهور بالحرية، والعدالة، والكرامة، ورغيف الخبز، لا البندقية التي تبيعها له مصانع السلاح البريطاني.
ولأن التاريخ السياسي يؤكد الدور الدعائي المحض لشعارات الالتزام بحقوق الإنسان، حينما تدلي بها أي من الحكومات البريطانية، وعدم اكتراث الأخيرة بالتكفير عن ذنوبها التاريخية الكثيرة في كل أصقاع المعمورة، وفي المنطقة العربية خصوصاً، فمن الحري برئيس الوزراء البريطاني الإنصات لصوت أساقفة الكنيسة الإنجليزية، ومؤسسات المجتمع المدني البريطاني، والتي لا بد لكل العرب المقيمين في المملكة المتحدة من العمل، كُلّ حسب استطاعته، في دعم جهودها في كشف خزي حكومة جلالة المملكة المتحدة، بدل القعود وانتظار أن يصحو ضميرها الأخلاقي الذي تفيد كل كتب التاريخ السياسي بأنه لم يبارح أبداً سباته العميق.

اقرأ المزيد
٦ نوفمبر ٢٠١٥
روسيا وإيران وسورية بينهما

اعتقد كثيرون أن التدخّل الروسي العسكري المباشر في سورية جاء لحساب التحالف المعلن بين إيران وروسيا والنظام السوري، ونشرت صحيفة السفير اللبنانية، المقربة من حلفاء الأخير، أنّ قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، التقى، الصيف الماضي في موسكو، القيادة الروسية، ووضعها في صورة الميدان السوري، نقلاً عن خبراء ومستشارين إيرانيين هناك، وذاع أنه طلب تدخّل الروس جوّاً، وتعهّد بزيادة حجم الضغط الإيراني البرّي على قوات المعارضة، لأن وضع الميدان لم يعد يسمح بمزيد من نزف قوات النظام، فهذا أمر يهدد بانهياره المفاجئ.
طبّل وزمّر النظام السوري وحلفاؤه في لبنان والمنطقة، وحتى في إيران، لهذا التدخّل تحت عنوان "عاصفة السوخوي"، حتى أن قيادات محسوبة على هذا المحور تحدثت عن فترة شهر لظهور بدايات التغيير، وعن ستة أشهر لانتهاء المعركة وحسمها لصالح هذا المحور، إلاّ أنّ نتائج الميدان، بعد شهر من التدخّل، جاءت مخالفة تماماً. فلم يتغيّر شيء لمصلحة النظام على الأرض، على الرغم من الغارات الجوّية الروسية، بل تمكّنت قوات المعارضة من إلحاق هزيمة كبيرة ومدوّية بقوات النظام في أرياف حماه وحلب وإدلب، فيما عُرف بمجزرة الدبابات، فضلاً عن أنّها أحرزت تقدّماً في بعض الأماكن. والأهم أنّ العدد الكبير لخسائر الحرس الثوري الإيراني في سورية سقط بعد التدخّل الروسي المباشر، وبالتالي، فإنّ ما خطّط له الجنرال سليماني، يمكن القول، إنه ذهب أدراج الرياح، وكل الحديث عن زيادة حجم القوات الإيرانية في سورية لم يحمل جديداً ميدانياً.
تمثلت الإشكالية الأهم بين روسيا وإيران في سورية بالموقف السياسي من الأحداث والتطورات، ففي وقت جاهرت روسيا مراتٍ بعدم تمسّكها ببشار الأسد على رأس النظام، بل أيضاً الذهاب إلى حدّ الحديث عن دعم الجيش السوري الحر، وفتح علاقات معه، وصولاً إلى حديث عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي، يجمع ضباطاً من النظام والمعارضة، بقيادة العميد المنشق، مناف طلاس، تحت عنوان محاربة تنظيم الدولة. فضلاً عن تجاهل حضور إيران في المحادثات الرباعية التي جمعت وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، إلى وزراء خارجية تركيا والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، ومن ثمّ دعوة إيران لاحقاً إلى الاجتماع الموسّع في فيينا. ناهيك عن الحديث الروسي المتكرر عن تنسيق روسي إسرائيلي في الأجواء السورية، وصولاً إلى تدريبات مشتركة، وكذلك مع الولايات المتحدة، وذلك كله جعل إيران تبدي تبرّمها من الموقف الروسي، وتكشف عن حجم الخلاف في الموقف بينهما.
فالمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، صرّح أن أحداً لا يستطيع أن يقرر مصير سورية بمفرده، في إشارة إلى المبادرة الروسية لأنها الوحيدة المطروحة، وتبعه نائب وزير الخارجية، حسين أمير عبد الله اللهيان، في التهديد بانسحاب طهران من محادثات فيينا "باعتبارها غير بنّاءة"، وصولاً إلى التصريح الواضح لقائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، إن همّ روسيا في سورية مصالحها، وليس الحفاظ على بشار الأسد.
هي شكوك إيرانية، إذن، بدأت تحيط بالموقف الروسي، سرعان ما يمكن أن تتحوّل إلى موقف
"باتت سورية عبئاً على الذين أقحموا أنفسهم فيها، ومحرقة للجميع، وشعبها وحده يدفع الثمن"
عدائي، في ظل تصاعد حجم الخسائر الإيرانية النوعية في سورية، إلاّ أنّ السؤال: ماذا تملك إيران لإرباك المخططات والمشاريع التي تسير فيها روسيا في سورية، بموافقة وربما بتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة؟ أول بوادر الإمكانيات والرسائل الإيرانية تمثّلت باستقبال مساعد وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، الذي رفض من طهران الحديث عن مرحلة انتقالية في سورية، وأصرّ على شرعية الرئيس بشار الأسد، ولافت أن الزيارة والموقف تزامنا مع زيارة المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، إلى موسكو لبحث سبل الحل السياسي.
وفي السياق، أفرد أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، لمناسبة يوم عاشوراء، معظم خطابه في "عاشوراء" لمواجهة مشروع أميركا في المنطقة، وكان، قبل فترة، قد تحدث عن هزيمة المشروع الأميركي فيها، وهو ما فسّره بعضهم رسالة إلى روسيا عبر الشيفرة الأميركية، وانعكس ذلك مزيداً من التعقيد في المشهد اللبناني، بعدما كان اللبنانيون ينتظرون حلولاً لمشكلات يعانونها.
هل يتحوّل هذا الخلاف أو التباين الروسي الإيراني في سورية إلى صدام، ولو بحدود بسيطة ومحدودة؟ أم يمكن أن يدخل الأمر تسوية ثنائية بين الطرفين ضمن التسوية الشاملة؟ ستحرص إيران على تسوية تحفظ لها دورها ومصالحها في سورية، بعدما باتت مهددة في ضوء التدخّل الروسي، ومن ضمن التسوية الشاملة التي يتمّ الحديث عنها، لكنها حتى تحقق هذا المطلب قد تلجأ إلى توجيه رسائل ميدانية إلى روسيا في سورية، وهي قادرة على ذلك. ولكن، من دون أن يعني ذلك إطاحة مصالح الدولتين معاً إلا في حال شعرت أن الطرف الآخر يحاول التضحية بكل مصالحها.
هي سورية، إذاً، باتت عبئاً على الذين أقحموا أنفسهم فيها، ومحرقة للجميع، وشعبها وحده يدفع الثمن، تُستنزف يومياً بمقدار ما تَستنزف الجميع أيضاً حتى الوصول إلى حالة الإنهاك التي يأتي بعدها الحلّ.

اقرأ المزيد
٦ نوفمبر ٢٠١٥
هل تغيّر الموقف الروسي؟

هل وصلت روسيا إلى قناعة بضرورة تغيير موقفها من مسألة مصير بشار الأسد، وفتحت تالياً الباب أمام مقاربات جديدة للأزمة، أكثر ديناميكية وقابلية للتفاهم. وهل تتجه علاقاتها مع إيران في سورية إلى التناقض والاختلاف، كما بيّنته بعض التصريحات، وتسعى إلى اصطفافات عملية أكثر جدوى؟ أم أنّ الأمر لا يعدو كونه أكثر من تكتيك مرحلي، تطرحه موسكو لمواجهة الضغوط الدولية عليها، والتأثير على الجبهة المقابلة لها في سورية؟.
نظرياً، ثمّة معطيات كثيرة تعزز إمكانية حصول تحوّل في الموقف الروسي، وتدفع إلى تصديق احتمالية حصول تغيّرات في هذا الشأن، مع الإشارة إلى أنّ هذا الموقف يأتي بعد شهر تماماً من بدء الضربات الروسية، ونتيجة تقييم عقلاني لحملتها العسكرية التي لم يعد خافياً استنفادها القدرة على تغيير المعادلات على الأرض لصالح نظام الأسد وحلفائه، بعد انكشاف حجم اهتراء هذه البنية، بحيث لا يمكن الاعتماد عليها في إنجاز تغييرات مهمة، وخصوصاً بعد استطاعة المعارضة استيعاب الصدمة، والتكيّف مع الوقائع الجديدة، والعودة إلى المبادرة على الأرض.
إضافة إلى هذا العامل، إدراك موسكو أنّ فترة الشهر كانت مرحلة سماح من الأطراف الإقليمية والدولية لروسيا، فلم يقابلها أي تدخل عنيف من هذه الأطراف التي لديها خيارات وأوراق كثيرة من شأنها تحويل التدخل الروسي إلى كارثة، معطوف عليه حقيقة أن روسيا لا تملك في سورية ما يكفي من الأصول العسكرية القادرة على احتواء ومواجهة تحركات طارئة، قد تضطر الأطراف المواجهة إلى القيام بها، بالإضافة الى ضعف قدرتها التقنية في الإمداد اللوجستي.
وفوق ذلك كله، لا زالت الأطراف المواجهة لها في سورية، السعودية وتركيا وقطر، تصر على سياسة النوافذ المفتوحة مع روسيا، وهي سياسة على الرغم من مرونة أطرافها، إلا أن احتمالية استمرارها في ظل تعنت روسيا وإصرار قيادتها على تجاوز مصالح الآخرين، والعبث بأمنهم الإقليمي، لا وجود لضمانات باستمرارها طويلاً، وبالتالي، تتسرب مع إغلاقها مصالح وفرص كثيرة، وتضيع كل إمكانيات المساومة.
ونظرياً أيضاً لا بد أن روسيا صارت على إحاطة تامة بطبيعة المشروع الإيراني وأهدافه،
"لايرغب الروس في التورط في صراع مذهبي، يؤلب عليهم ليس فقط المسلمين في العالم، بل أكثر من عشرين مليون مسلم من أصل روسي"
وهي، وإن كانت تتقاطع معه في الحفاظ على النفوذ داخل سورية، إلا أن نقاط الاختلاف والتفارق حاضرة بكثافة أيضاً، ولعلّ أولها عدم رغبة الروس في التورط في صراع مذهبي، يؤلب عليهم ليس فقط المسلمين في العالم، بل أكثر من عشرين مليون مسلم من أصل روسي، بالإضافة إلى تناقض هذا التحالف مع مشروعها في سورية، القائم على دمج المكونات العسكرية السورية حصراً، ضمن جسد عسكري واحد، واستبعاد المنظومة المليشياوية التابعة لإيران.
كما أن استمرار تلك العلاقة مع منظومة إيران يعد استفزازاً وتحدياً للطرف العربي، الذي طالب بإخراج إيران وأذرعها من المعادلة السورية، وهذا النمط من التحدي سيجعل من أي سلوك معاد للوجود الروسي عملاً مشروعاً، ليس فقط بالنظر للارتباطات القومية والدينية مع الشعب السوري. ولكن، أيضاً لأن ذلك سيعني بصراحة دعماً واضحاً للطرف الإيراني في الصراع الإقليمي، وتشكّل إسرائيل عاملاً مهماً في هذا الاتجاه، إذ إن إعلان قادة الحرس الثوري الإيراني أن روسيا غير سعيدة بالتعامل مع حزب الله لا يعني نقداً لأدائه الميداني في سورية، بقدر ما يشير إلى محاولة حزب الله استغلال الغطاء الروسي لنقل أسلحة من سورية إلى لبنان، وهو ما تكشفه بوضوح الغارات الإسرائيلية المتوالية في الأسبوع الماضي على مواقع للجيش السوري في القلمون، من دون اعتراض روسي، علما بأن هذه المنطقة تقع في عمق قلب عمليات وخطوط حركة الطيران الروسي، لتوسطها المنطقة بين حمص ودمشق، ولا تبدو روسيا مستعدة لخسارة إسرائيل في هذه المرحلة، على الأقلّ من أجل الضغط على الرأي العام الأميركي وإسكاته.
إذاً، من الناحية النظرية، تبدو موسكو، وبعد شهر من التدخل الروسي، أمام خيارات ضيقة، إما تصريف تدخلها العسكري على شكل مكاسب دبلوماسية، تتمثل باعتراف العالم بها قوة محورية في المستقبلين السوري والإقليمي، وهذا يتطلب إنجاز تسويات سياسية، تلتقي فيها مع القوى الأخرى في منتصف الطريق، أو الذهاب إلى التشدّد الذي لن يعني سوى الغرق والاستنزاف في المستنقع السوري، والخسارة حتى لو تأجلت إلى حين.
أي الطريقين تختار روسيا؟ وهل هي صادقة في ادعاءاتها؟ في الواقع، إن فحص الفرضيات التي بنى الروس على أساسها تدخّلهم في سورية، والقائمة على قناعتهم بأن التدخل قد ينجح بالفعل، وأن بشار الأسد قد يبقى في السلطة، لا يبشر بإمكانية حصول تغيير في موقفهم، ولا يمكن المراهنة على فترة الشهر، وتقييمهم له، وقد يكون ما يصدر عن موسكو، ويفيد عكس ذلك مجرد اختبارات يجري إطلاقها لفحص استعدادات الآخرين، أو حتى لإلهائهم مرحلياً. وقد يعبر عن توجهات لتيارات معينة داخل الكرملين، وليس لدى الجميع، أو حتى تكتيكات آنية، تهدف إلى الحصول على عروض من الطرف العربي، وتنازلات من إيران.
في كل الأحوال، يمكن تحويل هذه التوجهات الأولية إلى سياسات روسية فعلية، إذا عملت الأطراف على انتهاج استراتيجية واضحة في مواجهة التدخّل الروسي وتقليص الخيارات أمامه، بدلاً من انتظار أن تقرر موسكو نوع التكتيكات التي يجب استعمالها، لا بد من التفكير بطريقة تجعل روسيا في موقع من ينتظر المبادرات وبالونات الاختبار من الآخرين.

اقرأ المزيد
٦ نوفمبر ٢٠١٥
الساروت مصيب ولو كان مخطئاً

لعلَّ أكثر موروثاتنا الجدليّة نشأت إشكالياتها من (مكانة الأشخاص وسحْبِها على قداسة المبدأ)، أو من الخلط بين هذين (الأشخاص والمبادئ)، حيث أول ما يبدأ الجدل في تصرفٍ ما للشخص تطغى مكانته، ويصبح الجدل اتهامًا لمخالفيه قبل قياس تصرفه على معايير الحق والباطل، ولستُ هنا في مورد عرض تفاصيل الحادثة الأخيرة التي جرت مع البطل "عبد الباسط ساروت" لا دفاعًا ولا اتهامًا، ولكني هنا في مورد عرض الطروحات التي ناقشت القضية، وخاصةً تلك التي استثنت كل ما يجري وقالت: "وقت كان الساروت يغنّي للثورة وين كانو هدول اللي محاصرينو" ـ أو ما شابهها ـ وإني أظن أن "الساروت" نفسه لا يقبلُ كلامًا كهذا بعيدًا عن الحق وعن صيغه وعن أساليب تحقيقه.

إن طغيان مكانة الأشخاص في القضايا ـ وخاصةً في الأوقات الحرجة كهذه ـ طغيانها على القضيّة ذاتها إنما تُسيء للأشخاص أنفسهم ولكل أطراف القضية ولمتابعيها، فمن قال لأولئك أن الطرف الآخر في قضية "الساروت" الأخيرة لم يقدموا ولم يكونوا في بداية الثوار؟، ليست القضية إبرازٌ لعضلات التاريخ، ولكن القضية هي ماذا يجري الآن؟ ولابد من الحفاظ على الشخص وعلى مكانته ولكن دون جعلها "غافرةً" لأخطائه وعثراته، لأنه إنْ لم يكن مخطئًا فصوابه في القضية الإشكالية أولى من تاريخه المُشرِّف، وإنما سيُضاف عمله هذا إلى تاريخه فيكون ذخيرةً في قضية شعبه كلها، وإنْ كان مخطئًا فالحق أولى أن يقف عنده، ونزوله عند الحق تشريفٌ له ورفعٌ لمكانته.

من المفارقات الغريبة، أن الذين طعنوا في "الساروت" عند انتشار خبر مبايعته لـ "داعش" ولاموا على الناس جعل الأحياء رموزًا للثورة ـ لأنهم لا يدرون ماذا يُحْدِثون بعد ذلك ـ واتّهموا اللِّحى بسرقة الثورة، كثيرٌ من أولئك اتّهم من حاصر "الساروت" بالاعتداء على "الثورة" وعلى أحد "رموزها" ولاموا أيضًا من يؤيّد الحركات الإسلامية واستدلّوا بهذه القضية على تسلطهم وسرقتهم للثورة، وردد بعضهم (وين كانوا لما الساروت عمل ..) ـ أو ما شابه ذلك ـ، غير واقفين على القضية وإشكالياتها، ومن الممكن أن يكون فيها "الساروت" مُحقًّا غير محتاجٍ إلى تاريخه لإثبات أحقيّته، أو من الممكن أن يكون مُخطئًا، ولا يجوز أن يبرر له ذلك تاريخه الثوري الذين نفتخر فيه.

إن خروج "الساروت" من منطقته وانتقاله إلى أخرى، ولعل مطلب خروجه كان أحد جوانب القضية، قد ردّ بهذا كثيرًا من الخيارات السيئة الأخيرة التي لم تكن لتُحمَدَ عواقبها في حالٍ من الأحوال، وقد أضاف إلى تاريخه المليء بالبطولة، بطولةً أخرى.

 

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٥
أميركا وروسيا.. تصعيد أم حل في سوريا؟

هناك مخاوف جدية في الدوائر الغربية من احتمال حدوث «خطأ» يؤدي إلى مواجهة غير محسوبة العواقب بين أميركا وروسيا في الأجواء السورية التي باتت مكتظة بالطائرات المقاتلة والحسابات السياسية والاستراتيجية المتضاربة. على السطح تبدو الأمور هادئة نسبيًا، بينما تجري الاتصالات بين واشنطن وموسكو في اتجاهين؛ الأول محاولة التوصل إلى تفاهم يساعد في إيجاد حل «سلمي» للأزمة السورية، والثاني العمل على التنسيق لتفادي أي اصطدام عسكري في الأجواء السورية. لكن بعيدًا عن الأضواء، يعزز الطرفان إمكاناتهما العسكرية تحسبًا لإمكانية حدوث مثل هذا الاصطدام نتيجة خطأ عسكري أو سياسي، في وقت عادت فيه أجواء الحرب الباردة بينهما.
في أواخر الشهر الماضي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها ستضيف إلى طائراتها التي تقوم بمهام عسكرية في سوريا والعراق، مجموعة من المقاتلات من طراز «إف 15 سي إيغل» المخصصة لعمليات الاعتراض والقتال الجوي. هذه الطائرات ستتمركز في قاعدة «أنجيرليك» التركية، وسترافق مقاتلات قوات التحالف لحمايتها خلال الغارات التي تشنها على مواقع «داعش» في سوريا أو العراق، والهدف كما يراه العسكريون ليس الحماية من «داعش» التي لا تملك طائرات، وإنما من الطائرات الروسية التي تحلق في الأجواء السورية واخترقت في أكثر من مناسبة الأجواء التركية. فطائرات «إف 15 إيغل» مصنعة خصيصًا لعمليات الاعتراض والقتال الجوي، ومزودة فقط بصواريخ «جو - جو»، وإرسالها إلى قاعدة «أنجيرليك» يعني شيئًا واحدًا، وهو أن المخططين العسكريين الأميركيين ينظرون بجدية إلى احتمال حدوث مواجهة متعمدة أو بالخطأ بين الطائرات الأميركية والروسية في أجواء سوريا.
روسيا من جهتها كانت قد بادرت بنشر عدد من طائرات «سوخوي 30» التي ينظر إليها على أنها المنافس لطائرات «إف 15 إيغل» في القتال الجوي، وصممت خصيصًا بمزايا تجعلها منافسًا خطيرًا في أي قتال جوي. نشر روسيا هذه الطائرات ضمن مقاتلاتها التي بدأت تشن غارات على مواقع «داعش» وفصائل سورية أخرى، أثار قلقًا في الغرب من احتمال أن تكون موسكو وضعت في حساباتها منذ البداية إمكانية حدوث اصطدام بين طائراتها وطائرات التحالف العاملة في الأجواء السورية والعراقية، وأن الغرض ليس فقط استعراض العضلات. وزارة الدفاع الأميركية على ما يبدو قررت التحسب والاستعداد لكل الاحتمالات من خلال نشر طائرات «إف 15 إيغل» لمرافقة طائراتها القاذفة خلال طلعاتها في أجواء العراق أو سوريا.
قد يقول قائل إن الغرب لم يدخل في مواجهة عسكرية مع روسيا في أوكرانيا، فلماذا يفعلها في سوريا؟
الإجابة المنطقية هي أن الغرب لن يدخل في أي مواجهة حقيقية مع روسيا بسبب سوريا. أوكرانيا كانت وما زالت أهم للمصالح الغربية من سوريا، والحسابات الاستراتيجية بالنسبة لأميركا وأوروبا أدق في المسألة الأوكرانية التي تمس الأمن الأوروبي والغربي كما الروسي بشكل مباشر. وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجأ إلى القوة العسكرية في أوكرانيا بشكل مباشر ومستتر وحقق أهدافه، فإن الغرب تفادى الدخول في مواجهة مفتوحة معه، لأن أي اشتباك عسكري مباشر سيكون وخيم العواقب في منطقة على الحدود الروسية مباشرة وأعلنها بوتين خطًا أحمر.
الأزمة السورية في الجانب المقابل لا تشكل تهديدًا استراتيجيًا حيويًا للمصالح الغربية يقارن بالأزمة الأوكرانية، بل تنظر إليها أوروبا بعين القلق من أفواج المهاجرين واللاجئين، ومن «الأوروبيين» الذين انضموا إلى صفوف «داعش» وباتوا يصنفون خطرًا أمنيًا وإرهابيًا محتملاً. أميركا من جهتها تعاملت مع الأزمة السورية بسياسة كانت مزيجًا كارثيًا من التخبط والتردد، خصوصًا في الوقت الذي كانت فيه إدارة أوباما تعطي جل تركيزها للتوصل إلى حل أو صفقة في الملف النووي الإيراني. من هذا المنطلق يمكن للمرء أن يجادل بأنه ليس واردًا وقوع صدام عسكري في سوريا أو بسببها، وأن خطوة إرسال المقاتلات الاعتراضية من الطرفين لا تعدو أن تكون إجراء احترازيًا من العسكريين، ورسالة تحذير مبطنة من كل طرف للآخر لكي لا يتعرض لطائراته.
المشكلة أنه مع عودة أجواء الحرب الباردة، تزداد احتمالات ومخاطر مواجهة بالخطأ ولو كانت محدودة. فطوال عقود الحرب الباردة في الماضي بين الغرب والاتحاد السوفياتي السابق كانت الحروب بالوكالة أداة أساسية من أدوات الصراع بين الطرفين، وكان الخوف دائمًا أن تفلت الأمور من الأيادي في إحدى المواجهات فتتطور إلى نزاع أكبر. سوريا اليوم أصبحت ساحة للحروب بالوكالة، وفيها تتواجه وتتقاطع مصالح أطراف إقليمية ودولية كثيرة، كما تدور فيها حرب شرسة ضد الإرهاب تتباين فيها الأهداف أيضًا. في ظل هذا الوضع هناك احتمالان؛ إما أن تتوسع المواجهات بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر، أو أن تؤدي الرغبة في تفادي المواجهة بين الغرب وروسيا إلى دفع الأمور نحو حل للأزمة.

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٥
الأميركيون والروس يعملون على قيام دولة علوية!

عام 2013، ألغى الرئيس الأميركي باراك أوباما قمة مقررة كانت ستجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك اعتراضًا على منح موسكو حق اللجوء إلى جون سنودن الموظف في مجلس الأمن القومي، وكذلك على استردادها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، حيث قاعدة أسطول البحر الأسود.
ومنذ ذاك الوقت، وحتى لقائهما في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي في الأمم المتحدة، أثناء انعقاد الدورة العادية للجمعية العامة، لم يجر بينهما إلا تبادل كلمات، ومخابرة هاتفية واحدة.
وطوال تلك الفترة ظل جون كيري وزير الخارجية على تواصل دائم مع نده الروسي سيرغي لافروف، وكان ومساعدوه يقدرون علنًا الدور الروسي البناء في مفاوضات النووي مع إيران.
ومنذ ما قبل عام 2013 والحديث في الأوساط الغربية والعربية يدور حول تغيير الحدود التي نصت عليها «اتفاقية سايكس - بيكو». وفي مقال نشره هنري كيسنجر يوم 16 من الشهر الماضي قال: «هناك أربع دول في الشرق الأوسط عمتها الفوضى وأفقدتها سيادتها وهي ليبيا والعراق وسوريا واليمن».
ويوم الثلاثاء، 27 من الشهر ذاته، قال برنار باجوليه مدير الاستخبارات الفرنسية «إن النزاع في سوريا والعراق ينذر بتغيير في خريطة المنطقة، وبالتالي فإن الشرق الأوسط الحالي انتهى إلى غير رجعة» فالعراق وسوريا لن يستعيدا أبدًا حدودهما. وقال إن المنطقة سوف تستقر مجددًا في المستقبل، لكن ستكون مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية.
ومع التحرك الأميركي - الروسي الأخير لجمع الأضداد والأعداء بدأ رسم الخريطة الجديدة. ويرى مراقبون أن أميركا بموافقتها على الدور الروسي في سوريا، أيدت قيام دولة علوية.
لم يرشح الكثير عن لقاء بوتين - أوباما في نيويورك، إنما انصبت الأنظار على كيري ولافروف عندما وقفا معًا ليعلنا عن رؤيتهما المشتركة لحسم الحرب في سوريا عبر «العملية السياسية»، وفُسر هذا على أنه إعطاء أميركا الشرعية للدور الروسي.
الذي سرّع من هذا التطور كان التدفق المفاجئ للأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين السنة إلى القلب الأوروبي، وقد بدأ مع أوائل شهر سبتمبر الماضي. ورغم الترحيب الألماني في البداية، الذي بدا وكأنه تشجيع لتفريغ سوريا بالذات، بدأت أصوات المسؤولين الأوروبيين تهدد بالخطر المحدق بترابط المجموعة الأوروبية، هذه الأصوات وصلت مع ضغوط أوروبية إلى واشنطن بأن أوروبا لا تستطيع أن تستوعب مليوني لاجئ غير مسيحي يصعب اندماجهم بثقافتها وتقاليدها. فكانت تصريحات كيري المتعلقة بتخفيف العبء الإنساني وقبول الرئيس أوباما الضغط الأوروبي (البريطاني - الألماني) بإسقاط شرطه إبعاد الرئيس السوري ومؤيديه عن الحكم بالقوة، ولم يؤيد إقامة مناطق آمنة.
في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال أوباما إن الأسد يجب أن يرحل، بعدها عقد لقاء وجهًا لوجه مع بوتين، تبعه الاجتماع التنسيقي بين كيري ولافروف.
ثم بدأت الضربات العسكرية الروسية، وظهر وكأن موسكو تسعى للاستيلاء، نيابة عن الأسد، على أكبر قدر ممكن من الأراضي، خلال ما يسمى بالتحضير للفترة الانتقالية، من أجل فرض واقع إقامة الدولة العلوية التي كثر الحديث عنها منذ أن انسحبت القوات النظامية السورية من المناطق الكردية، ومن الرقة، ومن المناطق التي يحتاج الدفاع عنها لخطوط إمدادات طويلة، ولقوات غير متوفرة. وكان المهم الحفاظ على دمشق.
«التفسير العقلاني» لتدخل روسيا حسب ما قال بوتين في مقابلة تلفزيونية مع شارلي روز: «بعد غزو العراق، دُمرت السلطة هناك، أعدم صدام حسين، ثم جاء داعش (...) وما الذي حصل في ليبيا، تفكك كامل، لا وجود لدولة على الإطلاق، نحن لا نحب أن يتكرر هذا في سوريا».
لم يحسم بوتين أن التدخل السوري هو لبقاء بشار الأسد. بالطبع مالت كفة الميزان العسكري لصالح قوات الأسد في «سوريا المفيدة». وهذا ما دفعه إلى التصريح بأن أي حل سياسي في سوريا لن يكون إلا بعد إلحاق الهزيمة بالإرهاب. لا يعرف الأسد أن الإرهاب مثل تجارة المخدرات. لا دولة قادرة على إلحاق هزيمة حاسمة به. هو ربما يريد أن يرفع سقفه أمام أبناء طائفته. ذلك أن المنطق وراء قبول الرئيس أوباما المتردد بالتدخل الروسي المباشر، بسيط جدًا، ويتعلق بالانقسام السني - العلوي. العلويون طائفة دينية أقلية في وقت يشكل فيه السنة ما يقرب من 70 في المائة من السكان. في هذه الحالة ترى واشنطن بالعلويين ما حل بالإيزيديين في العراق. ولا تريد تكرار التجربة. وبما أن أكثر من 4 سنوات من الصراع أثبتت أن أي طرف غير قادر على كسر الآخر، كان من الضروري البحث عن حل قبل أن تتفاقم مشاكل اللاجئين السنة في أوروبا. لذلك يسرع كيري بدعوة كل الأطراف إلى المشاركة في طاولة حوار تسمح للسوريين من علويين وسنة بأن يستقر كل منهما في أراضيه. في مقاله يقول كيسنجر: «بمفهوم عميق، فإن الأهداف الروسية لا تتطلب بقاء الأسد إلى أجل غير مسمى، إن تدخلها تحد جيو - سياسي وليس آيديولوجيًا. وينبغي التعامل معه على هذا الأساس».
أما عن إيران فيقول: «إنها تدعم نظام الأسد باعتباره الركيزة الأساسية للهيمنة الإيرانية التاريخية التي تمتد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط، لذلك تصر دول الخليج على الإطاحة بالأسد لإحباط المخططات الإيرانية الشيعية».
منذ بدء تسليح المعارضة أميركيًا كان التوجه لمقاتلة «داعش». وفي 9 من الشهر الماضي كشف مسؤولون في واشنطن عن خطة لتجميع القبائل السنية في التحالف العربي السوري ليقاتلوا إلى جانب القوات الكردية ضد «داعش». لم يشيروا إلى مقاتلة الأسد. فكان التفسير بأن الخطة وضعت بعد تسوية مع موسكو من أجل إنشاء حزب سياسي سني يحكم الدولة الجديدة على أمل أن تكون حلب عاصمتها.
من جهتهم، رغم المعاناة الحياتية التي يعيشها الأكراد، فإنهم يتنفسون الصعداء، إذ لم يعودوا محكومين من دمشق أو بغداد، وأيضًا لأن الولايات المتحدة لم تعد تثق بأحد في المنطقة إلا بالأكراد. رغم انقساماتهم فإن الهدف الذي يجمعهم هو دولة كردستان التي نصت عليها «اتفاقية سيفر» عام 1920، وينوون تحقيقها في هذا القرن. لأنه مع الثقة والدعم الأميركيين، فقد تكون مجرد مسألة وقت أن تصبح دولة كردستان مستقلة وذات سيادة.
إذا وصلنا إلى العراق فمن غير المقنع أن تكون العلاقات الوثيقة بين الحكومة الشيعية الطابع، ما بعد صدام، وإيران تصب في مصلحة الولايات المتحدة. لذلك، رغم صعقة المفاجأة، لم تهرع أميركا إلى وضع خطة لاسترداد الموصل من «داعش» ولا أيضا الرقة.
ملايين السنة العراقيين يعيشون الآن في مناطقهم بعيدين عن سلطة الحكومة الشيعية في بغداد. ودولة يحكمون في ظلها أنفسهم، تشدهم بعيدًا عن «داعش»، دولة سنية جديدة في العراق تقلص النفوذ الإيراني السياسي والاقتصادي المعشش في أوصال الحكومة. يقول لي مسؤول غربي، إن إدارة أوباما تقود الآن مع الكرملين عملية «تشريح» سوريا والعراق إلى عدة دول قد تصل إلى ست دول لـ«تجزئة الصراع» وتقليص الانضمام إلى «داعش». وإذا شعر أبناء هذه «الدول» بأنهم أصحابها فلماذا يتمسكون بآيديولوجية إرهاب «داعش». فلينكبوا على الاستفادة من المشاريع التي ستثريهم.
كيف؟ ومن سيقيم المشاريع؟ يقول: إن الصين متعجلة لعودة الاستقرار إلى المنطقة لتسهيل مشاريع طريق الحرير التي بدأتها، وقد تكون ساهمت في الصفقة الأميركية - الروسية الأخيرة. ويشير إلى دعوة وزير الخارجية الصيني في 30 سبتمبر إلى حل سياسي للحرب السورية. ويضيف: إن الصينيين لا يتحدثون صدفة!
ويقول محدثي: الخطة وضعت. ومثل هذه الخطة التي حصلت على تأييد أميركي - روسي - صيني من المستبعد أن يعترض عليها أحد، إذا ما طرحت على مجلس الأمن. إنه مشروع تكوين دول جديدة.تجربة يوغوسلافيا تدخل فيها الغرب. الأطراف هناك أرادوا الانفصال عن بعضهم البعض منذ الأيام الأولى. صربيا تعنتت. قصفها الأطلسي ولم تستطع روسيا عندما قامت بإنزال جوي إنقاذ تلك الوحدة. تشيكوسلوفاكيا قررت واختارت «طلاقًا حضاريًا».
تلك دول من إثنيات مختلفة. في سوريا والعراق هناك الإثنيات والمذاهب المختلفة. لتعش كل فئة حياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي تناسبها. وربما لهذا قال رئيس الاستخبارات الفرنسية إن المنطقة سوف تستقر مجددًا في المستقبل.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى