مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٢ سبتمبر ٢٠١٥
روسيا والتحالف الكوني ضد الدولة الإسلامية

لم يعد أحد في العالم يرغب بإسقاط الأسد، كما أن المسألة السورية باتت ثانوية، فتنظيم الدولة الإسلامية هو السؤال والمسألة، وإذا كان العالم قد احتفظ حتى وقت قريب ببعض الخلافات والاجتهادات في تدبير شؤون العالم العربي عقب ربيع ثوري قصير أجهض عبر المحطة السورية، فقد أصبح موحدا ضد الدولة الإسلامية التي تبسط سيطرتها على مساحات واسعة في العراق وسوريا بعد أن تمكنت من خلق فضاء جيوسياسي جديد على مخلفات الدولة المابعد كولينيالية مع اقتراب تداعي منظومة الدولة الوطنية في المنطقة التي لم تعد قادرة على الصمود بسبب مشاكلها البنيوية العميقة في عصر العولمة.

بخصوص العالم العربي المرتعب من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، أصبحت الثورة السورية كارثة محققة تتطلب التخلي عن كافة المطالب العادلة للثورات العربية عموما والثورة السورية خصوصا، وأصبحت برانويا الدولة الإسلامية متلازمة تتطلب البحث عن علاجات غير تقليدية، الأمر الذي ينطبق على كافة أطراف الكون المرعوب، فعلى صعيد الإقليم عانقت إيران الشيطان الأكبر، وتخلت تركيا عن يوتوبيا العدالة والحرية، أما اليابان فقد عدّلت دستورها ليسمح بمشاركة قواتها خارجيا، ونسقت إسرائيل مع كافة الفرقاء لاستثمار خبراتها، وأخبرا دخلت روسيا على خط حرب الدولة الإسلامية، والجميع يعمل على الحفاظ على نظام الأسد باعتباره مدخلا سياسيا وقانونيا لا غنى عنه للتدخل.

لا جدال بأن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة وحلفائها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا متعثرة وخائبة، الأمر الذي دفع واشنطن إلى إبداء استعدادها للتعاون مع روسيا في سوريا ضد الدولة الإسلامية، وفي هذا السياق، أعلن البيت الأبيض أن واشنطن ستسعى في مباحثات مرتقبة إلى أن تطلب من روسيا تركيز جهودها على مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"، لافتا إلى أن "الإجراءات العسكرية الروسية داخل سوريا، اذا ما استخدمت لدعم نظام الأسد، من شأنها أن تزعزع الاستقرار وتأتي بنتائج عكسية"، إلا أن الولايات المتحدة تدرك تماما فشل حملتها مع حلفائها ضد الدولة الإسلامية، فهي على الرغم من بدء ضرباتها في سوريا  في 19 أيلول/ سبتمبر  2014، لم تتمكن من وقف تمدد التنظيم، الأمر الذي يتكرر في العراق منذ تنفيذ الضربات في 8 آب/ أغسطس 2014.

لقد حسمت كافة الأطراف موقفها بالوقوف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الدولة الإسلامية، حيث توالت البيعات للبيت الأبيض وفق إدراك مختلف الأطراف لطبيعة خطر الدولة الإسلامية، تأخر بعضها وسارع بعضها الآخر، ولا تختلف روسيا عن غيرها في هذا السياق، فالتدخل الروسي لا يأتي حرصا على نظام الأسد ولا خوفا على مصالحه في سوريا بصورة أساسية، ولكنه نابع من مخاوف الروس من صعود الدولة الإسلامية أساسا، فقد تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من الحصول على بيعات في منطقة القوقاز، حيث تم تأسيس ولايات القوقاز والتي تضم كل من: داغستان والشيشان وأنغوشيا وكابيكا، وجاء في شريط صوتي في 21 حزيران/ يونيو 2015، باللغتين العربية والروسية بعنوان "بيان من مجاهدي ولاية القوقاز ببيعة خليفة المسلمين أبي بكر البغدادي وانضمامهم إلى الدولة الإسلامية"، أنه "طاعة لأمر الله .. نعلن مبايعة الخليفة إبراهيم بن عواد بن إبراهيم القريشي الحسيني على السمع والطاعة"، وتابع البيان "نحن مجاهدو القوقاز في ولايات الشيشان وداغستان وإنغوشيا وكابيكا، نشهد بأننا كلنا متفقون على هذا الرأي، ولا يوجد أي اختلاف بيننا في هذا الموضوع".

وقد أعلن أبو محمد العدناني الناطق باسم تنظيم الدولة الإسلامية عن قبول البغدادي للبيعة وتأسيس ولاية القوقاز وتعيين أبو محمد القدري واليا، في كلمة صوتية بعنوان "يا قومنا أجيبوا داعي الله" في  23 حزيران/ يونيو 2015، جاء فيها  أن "الخليفة قبل بيعة أسود الدولة في القوقاز"، وعيّن "الشيخ الفاضل أبا محمد القَدَري والياً" هناك.

 لقد بدأت روسيا تتعامل مع خطر تنامي نفوذ الدولة الإسلامية على محمل الجد، بعد أن كانت تنظر إليه كتهديد محدود يمكن السيطرة عليه تستثمره الولايات المتحدة في فرض هيمنها وسيطرتها، فقد تبدلت الرؤية الروسية، فهيئة الأمن الروسية أعلنت أن نحو 2400 من مواطني روسيا يحاربون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما أكده الجنرال سيرغي سميرنوف النائب الأول لمدير هيئة الأمن الفيدرالية الروسية عقب اجتماع عقدته الهيئة الإقليمية لمكافحة الإرهاب التابعة لمنظمة شنغهاي للتعاون في طشقند الجمعة 18 أيلول/ سبتمبر، وقد عزز تنظيم الدولة الإسلامية ترويجه الإعلامي في دول الاتحاد السوفيتي سابقًا بإطلاق جناح إعلامي ناطق بالروسية في 18 حزيران/ يونيو 2015،  حيث أسس منصة إعلامية باسم "فرات ميديا"، تشتمل على مجموعة حسابات على مواقع  التواصل الاجتماعي.

في هذا السياق تخلت موسكو عن نظرتها المتعلقة بسوريا، والتي كانت أكدت مرارا رفضها المشاركة في أي جهود خارج القانون الدولي، ومن دون تفويض من مجلس الأمن، وقد وصف وزير خارجيتها سيرغي لافروف في وقت سابق التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بأنه لم يقم على قواعد سليمة، مشددا على عدم جواز محاربة الشر بأساليب غير شرعية، وعبر انتهاك سيادة بلد مستقل وتجاهل حكومته، لكن روسيا تدرك اليوم أنه لم تعد هناك بلد اسمه سورية فضلا عن جود حكومة، فالمنطقة الجغرافية التي كانت تدعى سورية يسبطر على أكثر من نصفها تنظيم الدولة الإسلامية، ولا يسيطر النظام الإيراني وحلفائه على أكثر من خمس مساحة سورية، ويسيطر على ما تبقى خليط من الجماعات والحركات الوطنية والمعولمة كجبهة النصرة.

التدخل الروسي جاء على وقع برانويا الدولة الإسلامية، التي بدأت تتماهى مع رهاب الولايات المتحدة، التي فشلت في البحث عن معتدلين في إطار "القوة السورية الجديدة"، إذ لم يجدوا على الأرض ممن قاموا بتدريبهم وتسليحهم من المعارضة السورية "المعتدلة" إلا 4 أشخاص، ولذلك اقترح الجنرال ديفيد بترايوس مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق ومهندس استرتيجية مكافحة التمرد  على بلاده ضم مقاتلين من "جبهة النصرة" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" إلى التحالف الذي تقوده لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا.

لا يبدو أن روسيا تتوافر على أوهام كبيرة بخصوص تدخلها في سورية، وتدرك تماما أن دعمها لنظام الأسد لن يفضي لتحولات جذرية على أرض الواقع، فسورية التي كانت حليفة لروسيا لم تعد موجودة، وهي تستند إلى استراتيجية صد واحتواء بعد أن فشلت استراتيجية لا تتدخل، لا تلحق أضرار،   فالسؤال الأبرز في روسيا اليوم: هل  بالإمكان منع وصول الدولة الإسلامية إلى دمشق؟، وخصوصا بعد أن شن التنظيم هجوما تكتيكيا اختباريا على العاصمة قبل فترة قريبة، الأمر الذي دفع إلى إجراء اتصالات ديبلوماسية مكثّفة في الصيف الماضي حيث تقاطر إلى موسكو عدد من حكام ومسؤولي المنطقة، وغاية الجميع في إطار التحالف الكوني هو الحفاظ على الوضع الراهن والحيلولة دون حدوث انهيار دراماتيكي لا أكثر ولا أقل، فالدولة الإسلامية باتت حقيقة موضوعية مدركة.

اقرأ المزيد
٢٢ سبتمبر ٢٠١٥
أمريكا وروسيا.. وهم اللعبة الثنائية "النظيفة"

في العادة يتجنّب "بان كي مون" أي قول يمكن أن يُؤخذ على وسطيته، خصوصا بين الدول الكبرى، لكن تعليقه على الشحنات اليومية من السلاح الروسي إلى سوريا كان لافتا، إذ قال إن "هذا يمكن أن يفاقم الوضع.. ولا حلّ عسكريا".

فالأمين العام للأمم المتحدة اعتبر أن المزيد من الأسلحة لمصلحة النظام السوري يعني أن النشاط الروسي موجّه أولا ضد معارضي النظام، وهذا يتناقض مع الوساطة الروسية من أجل "حل سياسي" للصراع، فيما دأب المسؤولون الروس على تأكيد أن وجهتهم الرئيسية هي محاربة تنظيم "داعش"، لكن من خارج "التحالف الدولي" الذي كان استبعدهم أساسا لسببين:

أولا: وقوفهم إلى جانب النظام المتهم باجتذاب "داعش". وثانيا: وقوفهم إلى جانب المتمرّدين في شرق أوكرانيا وإدارتهم حربا أهلية هدفها تقسيم هذا البلد.

الولايات المتحدة أُربكت بالتحرك الروسي، وإذا كانت فوجئت به فعلا فهذا يقترح أن ثمة تقصيرا استخباريا لديها، وإذا كانت علمت به ولم تثره فهي قد تأخرت الآن.

المفارقة أن الدور الروسي الجديد لم يبدأ الأسبوع الماضي، مع ذيوع الأنباء الأولى عنه، بل إنه بلغ مرحلة متقدمة جدا. ما يعني أنه عندما اجتمع وزيرا الخارجية مرارا في الفترة الأخيرة للتفاهم مجددا على إطار لـ"الحل السياسي"، كان الروس ينجزون نقلتهم المريبة على شطرنج الأزمة السورية في غفلة من الأمريكيين.

والواقع أن المراقبين مضطرون للأخذ بفرضية "المباغتة" التي أوحت بها واشنطن، وذلك لسببين على الأقل:

أولا: بدء تسريب المعلومات عن النشاط الروسي مع الإعلان عن اتصال جون كيري بنظيره سيرجي لافروف للاستفهام عما يجري وعن الأهداف.

وثانيا: أن العناصر الأولية التي نقلها الجانب الأمريكي عن الروسي كانت بدائية ومضللة من قبيل أن الأمر يتعلق فقط بشحنات عسكرية اعتادت موسكو تقديمها لنظام دمشق بناء على اتفاقات "بين الحكومتين".

لكن سيل التسريبات لم يتوقف، وإذا به خلال أيام يرسم صورة مناقضة تماما للإيحاءات الأولى، وأصبح العالم يعرف أن روسيا طوّرت "قاعدة جوية" في اللاذقية، وتعمل على تطوير قاعدتها البحرية في طرطوس، وتبني مواطئ قدم في أكثر من منطقة، وتنقل طائرات ومروحيات وأسلحة نوعية، وقدّمت مئات الطلبات للتحليق في الدول الواقعة على خط طائراتها نحو سوريا، قبل أن تكتفي باستخدام أجواء إيران والعراق..

أي أن المعادلة على الأرض تغيّرت كليا، والأرجح أنها ستقود إلى تغييرات في المعادلات الخارجية، مع تموضع روسي مفتوح على الهدفين معا: ضرب المعارضة لتحصين النظام، وضرب "داعش" لإعادة تأهيل النظام.

هذا يؤثر استطرادا في "الحل السياسي"، إذا كان لا يزال مزمعا حقا. وفي نهاية المطاف، هذا يغيّر قواعد اللعبة كما أدارتها الولايات المتحدة طوال الأعوام الخمسة الماضية.

كررت واشنطن أن التحرك الروسي قد يؤدي إلى تصعيد النزاع، وترجمة ذلك عادة أنها ستضطر بدورها إلى تغيير سياستها. فالوضع هنا يشبه إلى حد كبير معظم المواجهات التي حصلت خلال الحرب الباردة، وهذه ليست المرّة الأولى التي يحرجها فيها فلاديمير بوتين بنهجه المستوحى من تلك الحقبة، لكن المستفيد جدا من تردد الإدارة الأمريكية ومن الثغرات والغوامض الكثيرة في سياستها، مكررا ما فعله في أوكرانيا مع فارق أن الصراع السوري يبدو مريحا أكثر لروسيا، كونها تعمل بطلب من "حكومة شرعية" لمساعدتها على التصدّي للإرهاب الذي تشكّل "تحالف دولي" بقيادة أمريكا لمحاربته مع استبعاد روسيا ونظام دمشق وإيران.

هناك تحليلات كثيرة لا يصدّق أصحابها، أن باراك أوباما يمكن أن يذهب إلى مواجهة مع روسيا خلال سنته الأخيرة في البيت الأبيض. لا شك أنه في صدد الرضوخ للأمر الواقع الروسي في سوريا، ما سيعرّضه لانتقادات قاسية داخل أمريكا، وسينعكس سلبا على مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسيات المقبلة.

والأهم أن مجمل التصوّر الاستراتيجي لأوباما يبدو معطوبا حاليا، لأن الدور الروسي في سوريا لا يطرح تحديا لأمريكا في الحرب على الإرهاب، بل يدعوها إلى التنسيق العسكري، وإلا فإنه مقبل على تغيير مسار هذه الحرب بتشكيل تحالف آخر (روسيا وإيران وسوريا النظام).

كانت إدارة أوباما فرضت قيودا على خيارات مجموعة "أصدقاء سوريا" يوم لم يكن هناك تدخل روسي مباشر، وأملت في لعبة ثنائية "نظيفة" مع روسيا، لكن هذه الأخيرة خذلتها المرّة تلو الأخرى.

اقرأ المزيد
٢٢ سبتمبر ٢٠١٥
الدكتاتور الضاحك

من معرفتي ببعض الذين يعرفون الدكتاتور بشار الأسد، أستطيع أن أتخيّل ضحكته البلهاء، وهو يرى كلّ "الأطراف" الدولية حائرة بشأنه. ويمكن تخيّله وهو يضحك الضحكة البلهاء نفسها، وهو ينظر إلى جموع الشعب السوري تهبُّ على الغرب بحثاً عن ملجأ آمن. في الحالتين، سيفكر أن العالم أخطأ بحقه، وشرائح كبيرة من الشعب السوري في مقدمة هؤلاء. انظروا، سيقول، ألم يكن أفضل لكم لو صدّقتم، من البداية، أن مصيري من مصير هذه البلاد؟ إنْ بقيتُ تبقى، وإن ذهبتُ تصبح قاعاً صفصفاً. صدق الدكتاتور. هو الوحيد الذي طلع يعرف كل الحكاية، وهو الوحيد الذي لم يقدّم تنازلاً لأحد، منذ شعارات أطفال درعا إلى نزول عسكر القيصر الروسي على شاطئ دويلته الاحتياط.

لم يصدّق الناس أنَّ شعار الشبيحة القائل: الأسد أو نحرق البلد، كان حقيقةً لا مجاز فيها. لم يكن، مثل أقوال "أصدقاء سورية"، كلاماً في كلام. طلعت كل كلمة في هذا الشعار صحيحة. كلّ كلمة فيه أبيدت مقابلها ثلاث محافظات، وشُرِّد مليون، وقتل وجرح واختفى مئات الآلاف. حتى وهو في حضيضه العسكري، عندما كان على وشك الفرار من مخبئه الدمشقي إلى الساحل، لم يقدّم الدكتاتور تنازلاً إلى دُعاة جنيف ورُعاتها. لا جنيف الأولى ولا الثانية، فهو ينتظر جنيف الثالثة أو الرابعة، ليكون على رأس طاولتها غير المستديرة، ويضحك أمام الكاميرات ضحكته منبَتّة الجذور مع شعبه، وآلامه، ويقول أنا السوري المنتخب بشار الأسد، أقصى ما أقدمه لكم (لمعارضيه) أن تعملوا معي. ضمن سقفي وشروطي.

الآن، أكثر من أي وقت مضى، تأكّد للدكتاتور الضاحك ببلاهة أنه رقم صعب في المعادلة الدولية. شيء يذكّرنا بالمرحوم أبو عمار الذي كان دائم الحديث عن الرقم الفلسطيني الصعب الذي حوَّله ورثته إلى أسهل رقم في العالم.

الآن، بعد كل جولات الاسترضاء العربية للقيصر الروسي، ومحاولة سحب البساط، قليلاً، من تحت قدمي بشار الأسد، يؤكد الروس لنا وللعالم أحد أمرين: إما أنهم كانوا يضحكون على زوّارهم العرب، رفيعي المستوى، أو أن هناك، حسب الفيلم الأميركي الشهير، شيئاً ضائعاً في الترجمة. فكيف ننتقل من كلام الزوار العرب، رفيعي المستوى، وكلام قادة "الائتلاف الوطني" الذي يشير إلى عدم تمسّك الروس ببشار الأسد، إلى إنزال قوات ومعدات ثقيلة في معقل الأسد العائلي؟

هذه نقلة لا تعقب فهماً وقناعات كالتي خرج بها زوار موسكو العرب، قبل أقل من شهر. أقصد أن هناك خطأً في الأمر، خطأ في الفهم، خطأ في التقدير؟ لا أدري. وبصرف النظر عن هذا كلّه، نحن اليوم في واقع مختلف تماماً من عمر المأساة السورية.

لا نعرف، نحن الذين نقرأ الصحف ونشاهد التلفزات، ما يجري وراء الأكمة، إن كان هناك شيءٌ وراء الأكمة غير الأكمة نفسها. فثمة من يقول إن ردَّ الفعل الأميركي الضعيف على التورّط الروسي المباشر في سورية ليس بريئاً. لا أقصد متواطئاً مع الروس، ولكنه قد يكون مشجِّعاً، من دون أن يبدو كذلك، على مزيد من تورّطهم. استدراج لوضع يشبه أفغانستان ثانية، تنهي هذا الطور المتنفِّج للقيصرية الروسية الجديدة. هناك من يقول إن الروس رؤوسهم حامية، وسرعان ما يقعون في الفخّ. ولكن، حتى لو صحَّ هذا، فهو خبر سيئ لنا. إنه يعني المزيد من الحرب. المزيد من الدمار. المزيد من التشريد السوري الذي بزَّ أي تشريد بشري معاصر.

أما إن كان الروس أصحى، اليوم، من تكرار ورطة أفغانستان، فليس أقل سوءاً من الأول، لأن على من يريد حلاً سياسياً لسورية أن يجلس مع بشار الأسد، على تلال من الجماجم تسمّى حواراً.

والحال، ماذا سيقول "حلفاء" الشعب السوري وأشقاؤه، الذين دفعوا ثورته إلى السلاح، لمَن ماتوا وهُجِّروا ودُمِّرت بيوتهم؟ من الذي يستطيع أن يقول لهم: عفى الله عمّا مضى؟

اقرأ المزيد
٢٢ سبتمبر ٢٠١٥
عن هجرة العراقيين والسوريين


يتدفق آلاف المهاجرين اللاجئين، من السوريين والعراقيين إلى دول عديدة في أوروبا، طلباً للأمان والسلام، وضمانا مرحليا لحياة كريمة لهم ولأبنائهم، وقد تعاطف العالم، كل العالم، مع موجات البشر المنكوب والمحبط القادمة عبر رحلة معقدة، صعبة، محفوفة بالمخاطر ورائحة الموت، مع الكثير من القهر والإهانة التي مارستها بعض الدول بحقهم، وخصوصاً جمهورية المجر.
كل العالم انشغل بقضية السوريين والعراقيين الراحلين إلى أوروبا لاجئين، متشبثين بفرص جديدة، قد تمنحها لهم هذه القارة، ومراهنين على مبادئ حقوق الإنسان التي تزخر بها مجتمعات عريقة، كالمجتمع الألماني والنمساوي والسويدي والفنلندي وغيرها، ولأنها باتت قضية رأي عام، فإن موضوعها أيضا بات قضية سياسية، تدان بها الحكومات، أو يثنى عليها. ولعل نموذج الضغط والانتقاد العلني الذي تعرضت له الحكومة المجرية، بسبب تعاملها المنافي لقواعد حقوق الإنسان وقوانين الهجرة واللجوء في أوروبا خير دليل على ذلك.
ومن الغريب أن تلتزم حكومتا دمشق وبغداد اللتان تسببتا في تهجير شعبيهما هجرة جماعية، بسبب سوء إدارتهما، وبسبب عمليات القتل التي مارستهما وضياع الأمن وتعميم الإرهاب، هاتان الحكومتان لم تطلقا تعليقاً واحداً حول موضوع اللاجئين، ولم يستفيدا حتى من هذه الصورة المهينة التي تعرض لها أبناء شعبيهما في بعض دول رحلة اللجوء! كان بالإمكان رمي كل أسباب الهجرة، مثلاً، في ذمة الإرهاب وداعش والتكفيريين، وغير ذلك من المسميات التي صنعت بدقة، لتفضي بالمنطقة إلى ما أفضت إليه من حالة أمنية واجتماعية وسياسية مزرية.
الغريب أيضا أن يكون هناك 11 ألف كردي عراقي ضمن أرتال المهاجرين صوب أوروبا، معظمهم من الشباب، وأسباب هجرتهم كما ذكروا لدوائر الهجرة الأوروبية هي فقدان الاستقرار، وعدم وجود فرص للعمل، وعدم وجود عدالة اجتماعية وسياسية في إقليم كردستان العراق، وفقدان الأمل بالمستقبل .. إلخ، هذه الأسباب تساق، فيما إقليم كردستان العراق كان، إلى فترة قريبة جداً، ينعم بالرخاء والازدهار الاقتصادي والاستقرار الأمني.
ويقدّر عدد طالبي اللجوء في أوروبا من السوريين، بحسب تقارير أممية منذ اندلاع الثورة السورية بحدود 300 ألف لاجئ، أما العراقيون فقد بلغ عدد طالبي اللجوء منهم في أوروبا تحديداً أكثر من 180 ألفاً، وهما، أي السوريون والعراقيون، في حالة إقبال متزايد على الهجرة شمالاً نحو أوروبا، فما هي تداعيات هذه الهجرة الجمعية على مستقبل العراق وسورية، على المديين، القريب والمتوسط؟
من خلال طريقة استقبال الدول المهمة في أوروبا اللاجئين السوريين والعراقيين، وجلهم من فئة الشباب والأطفال، فإن التوقعات تشير إلى استمرار الأوضاع المتردية في البلدين، (سورية والعراق)، لسنوات مقبلة قدرت بين 5 – 10 سنوات، ما يعني هجرة المزيد، وبالتالي، إحداث انهيار كامل في البنى الاجتماعية والتركيبة السكانية والديمغرافية في كل من البلدين، وخصوصاً في فئة الشباب الحالية، والتي ستكون بعمر الشباب في هذه السنين.
كما ستؤثر أعداد المهاجرين التي ستتحول إلى أرقام مليونية على التركيبين، الطبقي والمهني، للشعبين، السوري والعراقي، وسيخسر البلدان طبقات من العمالة والفنيين والفلاحين من أبناء الطبقة الوسطى، بالغة الأهمية في عمليات البناء وتطوير اقتصاديات أي بلد. يضاف إلى ذلك، ستفضي حالة الانسياح نحو أوروبا إلى خلل في عمليات الترابط الأسري، وتشتت الولاءات.
العنصر الأهم أن هذه العملية، وإن كانت بالنسبة للمهاجرين شراً لابد منه، ستكون سيفاً ذا حد واحد تجاه الوطن الأم؛ ذاك عندما تنشأ أجيال في أوروبا لها جذور سورية أو عراقية، فيما قلوبهم وعقولهم مع من نشأوا في ظل تعليمه ومساعداته وأمنه وتأمينه الصحي وآلته الإعلامية، هؤلاء سيكونون أدوات الغرب المقبلة التي ستجعل من قيادات العراق وسورية بعد عقدين أو ثلاثة كلهم من مدارس أوروبا الفكرية والسياسية.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٥
سورية بين العم سام والدب الروسي

تلاشى الضباب الدبلوماسي الكثيف عن انعدام رؤية لأيّ أفق سياسي جديد في سورية، بعد أن ارتفع سقف التوقعات في الأشهر السابقة، بوجود تفاهمات أولية دولية وإقليمية حول الخطوط العامة للحل السياسي، ما ترافق مع كسر حواجز ملحوظة في هذا السياق، تمثّلت بتنشيط قناة الحوار السعودية- الروسية، وزيارة رئيس المخابرات السوري السابق، علي مملوك، السرية إلى السعودية.
لا يهدف الدعم الروسي العسكري الجديد المكثّف لبشار الأسد إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية، بل يعكس فشلها، وفي الوقت نفسه، عملية جراحية سريعة لإنقاذ نظامه الذي بدأ يتهاوى عسكرياً بصورة متسارعة، وغير مسبوقة، وخسر في الأشهر القليلة الماضية وجوده في مساحات شاسعة، وتّوج ذلك بالهزائم المتتالية في محافظة إدلب، ووضع قواته المتبقية المحاصرة المهزوزة في كل من دير الزور ودرعا، فضلاً عن القلق الكبير اليوم على وضع دمشق.
إذاً الروس يسعون إلى الإبقاء على حليفهم، حتى لا يفقدوا أوراقهم كاملة في اللعبة السورية، وهم لذلك يخططون لإبقائه لاعباً في الساحة السورية، حتى لو على مساحة محدودة، وممثلاً لطوائف محدودة من الشعب، أو ما بات يطلق عليه في أوصاف النظام "سورية المفيدة" التي تربط بين دمشق وحمص ومساحة من غرب سورية، وصولاً إلى اللاذقية وطرطوس.
اليوم أكثر المتفائلين والمؤيدين للنظام السوري لم يعودوا يتوقعون، أو يأملون، الحسم العسكري لصالحه. لكن، في الوقت نفسه، تتمثل الرسالة الروسية السافرة الجديدة في أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يسمح بحسم عسكري للطرف الآخر، حتى لو أدى إلى ذلك إلى تورط عسكري روسي مباشر وكبير لدعم الأسد.
في المقابل، ماذا عن الموقف الأميركي؟ من الطريف أنّ تصريحات الجنرال الأميركي، لويد أوستن، أكبر المسؤولين العسكريين في الشرق الأوسط، أمام الكونغرس، جاءت متزامنة مع
"الجنرال الأمريكي لويد أوستن اعترف بأن من تبقى ممن دربتهم بلاده كمعارضة معتدلة، خمسة أو ستة فقط"
التطور النوعي في الموقف الروسي، إذ اعترف أمام لجنة في الكونغرس بأنّ عدد من تبقى مما تسمى قوات المعارضة المعتدلة الذين دربهم الأميركيون، هم فقط خمسة أو ستة، بعدما قضت جبهة النصرة على الوجبة الأولى، 54 شخصاً، ولم يتبق إلاّ هذا العدد المحدود. وقد بدت تصريحات أوستن أشبه بالنكتة التي تعكس حجم التناقض في الموقف الأميركي، وغياب الاستراتيجية الفاعلة التي كان من الممكن أن تكون حاسمة في إنهاء نظام الأسد مبكّراً، لكنّها اليوم حاسمة في بقاء الأسد وحالة الفوضى الراهنة.
أبعد من ذلك، فإنّ أوباما، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هو شريك حقيقي للروس وحلفاء الأسد، ويجمعهم هاجسان رئيسان كفيلان بإيجاد الأرضية المشتركة للتعاون التي يتحدث عنها الروس حالياً. الأول يتمثّل بسؤال اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، الذي أصبح فزاعة يرفعها المسؤولون الغربيون والأميركيون دوماً في وجه المعارضة والدول العربية المعادية له. ويتمثل الهاجس الثاني في صعود الحركات الإسلامية السنية، وفي مقدمتها تنظيم داعش الذي تعتبر واشنطن قتاله أولوية لها اليوم، وضمنياً يمثّل العدو رقم 1 قبل الأسد.
على الرغم من ذلك، ما زال الرئيس أوباما وإدارته يتمسكان بالموقف المسبق المعلن بعدم قبول الأسد شريكاً في الحرب على الإرهاب، بوصفه السبب الأول والمباشر لصعود تنظيم داعش. لكن، عند هذا التقاطع تحديداً يبدو حجم التناقض في الاستراتيجية الأميركية تجاه سورية بدرجة أولى، والعراق بدرجة ثانية، إذ إنّ الإدارة الأميركية قبلت بالشراكة مع النظام السوري في الحرب على الإرهاب، عبر غياب الدعم الأميركي عن المعارضة المسلحة، وفشل الأميركيين في المشروعات المعلنة لتأطير معارضة معتدلة على مقاس الأجندة الأميركية، ومن ثم الاشتراك مع حلفاء الأسد في توجيه الضربات لتنظيم داعش، ومعه جبهة النصرة التي تنتمي إلى القاعدة، ورفض التعاون مع فصائل أخرى كبيرة، مثل أحرار الشام.
دفعت هذه الأجندة الأميركية المعقّدة في سورية محللين أميركيين إلى الاعتراف (بعد اعتراف الجنرال الأميركي أوستن، وزيادة الدور الروسي) بأنّ المسؤولين في واشنطن أنفسهم لا يدركون ما هي الاستراتيجية الأميركية في سورية، الأمر الذي سيزداد تعقيداً ومفارقاتٍ مع دفع الروس الإدارة الأميركية إلى ضرورة التنسيق معهم في سورية، على الأقل فنياً، لتفادي أي صدام بين القوتين الدوليتين هناك، خصوصاً في الغارات الجوية، في حال قرر الروس المشاركة فيها.
هل ثمّة فشل أميركي، إذاً، في سورية مقابل نجاح روسي؟.. من الصعب الحسم بهذه النتيجة، ذلك أنّ النتيجة الراهنة من تلاشي الحل الدبلوماسي ومزيد من الانخراط في الصراع المسلّح، قد ينظر إليه الأميركيون بأنّه مأزق نجوا منه، ولم يقعوا فيه، بينما يتورط الروس عسكرياً من غير أن يكونوا قادرين على الحسم العسكري، وهو التورط الذي يبدو حالياً محدوداً ومؤطراً، إلاّ أنّه قد يتطور، لاحقاً، ليجد الدب الروسي نفسه في وحلٍ شبيه بالوحل الأفغاني. لكن، في النهاية من الواضح أن السوريين من سيدفعون ثمن هذه المضاربات الدولية.

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٥
تصعيد خطير

كلما لاحت في الأفق بوادر توحي باقتراب المعضلة السورية من نهايةٍ ما، يحدث ما يدفع بها من جديد إلى عالم المجاهيل والغوامض التي أحاطت بها منذ بداياتها إلى اليوم، ونقلتها من تعقيد إلى آخر، وتكفلت بإدامتها، مع ما ترتب عليها دوماً من قتل وتشريد وتهجير وتعذيب، ومعاناة إنسانية يصعب وصفها.
تكرر هذا الأمر قبل الغزو الروسي لبلادنا، فقد سبقته مؤتمرات صنعت كيانات سياسية جديدة، أريد لها أن تقبل حلاً وسطاً مع النظام، يتم بإشراف روسي أو مصري، قيل أكثر من مرة، أن الوصول إليه صار ممكناً، بسبب ما يتم من تفاهمات دولية بين الأميركيين والروس الذين اقتنعوا أخيراً بحتمية وقف الحرب المجنونة التي يشنها النظام ضد الشعب، لإسهامها الرئيس في بروز الظاهرة الإرهابية، وما تمثله من أخطار داهمة على أمن العالم وسلامه، وتحتمه من تدخل دولي لإطفاء جذوتها المستعرة، ومنع انتشار شررها إلى بقية بلدان العالم، خصوصا أنها تتوطد بسرعة، وتستقطب مقاتلين "دوليين" من جميع الجنسيات، الأمر الذي يفرض تدويل الحرب ضدها، وإقامة تعاون استراتيجي أميركي/ روسي يتجاوز عدم كفاية التدخل الأميركي، والتحالف الذي أسسته واشنطن، لمواجهتها.
لا يعرف أحد بعد إن كانت هذه الاحتمالات ستتحول إلى وقائع ميدانية. وهناك ما يشير إلى توجهين متناقضين في الموقف الأميركي من التدخل العسكري الروسي في سورية، ومن التغير الذي أصاب موقف موسكو، وجعلها تقرر إرسال جيشها إلى بلادنا، حيث كانت تزعم، طوال أعوام، أنها لن تتدخل فيها، وترى أن لا يتدخل غيرها أيضاً، وها هي تعلن، اليوم، عزمها على توسيع حضورها العسكري فيها، وخوض الحرب لكسر شوكة "الدولة الإسلامية"، ورد أذاها عن روسيا.
... ونعرف جميعاً أن التدخل الروسي سيعقد مشكلاتنا، وسيخلق بيئه سياسية، وربما استراتيجية ذات أبعاد دولية، يرجح أن تطيل أمد الصراع عندنا، وتشحنه بمضامين مضادة لاهتماماتنا ومصالحنا الوطنية، من شأنها قتل مزيد من مواطنينا، ليس فقط لأنها لن تعزز فرص الحل السياسي، بل لأنها ستنقلنا كذلك إلى مرحلة من الحرب جديدة، لا نريدها، فنحن لسنا طرفاً في الصراع بين واشنطن وموسكو، لكننا صرنا طرفاً تحول بخططهما ودوريهما إلى أداة يستخدمها كل جانب منهما ضد الآخر، مع ما يترتب على ذلك من تكلفة بشرية وإنسانية رهيبة بالنسبة لنا، لا طاقة لنا على تحملها.
بالتزام روسيا الثابت بالنظام، يستبعد أن تتجنب مقاتلة الجيش الحر والفصائل المعادية لـ"داعش"، لأنها هي التي أحرزت أكبر الانتصارات عليه، وأخرجته من المواقع الاستراتيجية في بلادنا، وتهدد وجوده. كما أن تقوية الموقف الروسي في مواجهة إيران، وتقوية النظام ضد الثورة، يحتمان القتال ضد فصائل هذا الجيش الحر ودحرها. وتؤكد تصريحات وليد المعلم حول العلاقة بين الروس وجيش الأسد أنهم لم يغزوا سورية إلا للشروع في مقاتلة الفصائل الحرة، وسيحجمون عن مقاتلة "داعش"، قبل تغيير ميزان القوى بين النظام وبينها. هذا الاحتمال ترجحه حقيقة أن "داعش" ضعيفة في مناطق قوة النظام، وقوية في مناطق الجيش الحر، القوي بدوره في مناطق السيطرة الأسدية، حيث يتركز وجود الغزاة الروس.
قبل غزو بوتين بلادنا، كان يبدو وكأن هناك بحث عن عناصر ترجح الحل السياسي على العسكري. بعد الغزو، تغيرت الصورة، ولم يبق لنا، نحن السوريين، غير التصدي للغزاة، وإخراجهم من وطننا.

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٥
شعوب تحت الطلب

لماذا لا نسمع عن احترام إرادة الشعوب في أوروبا والبلاد المتقدمة؟ ولماذا لا يطنطن بها الزعماء في الغرب، كما يحدث في العالم العربي، ليمنوا على شعوبهم بأنهم طوع أمرهم، وإن إرادتهم ستنفذ عندما يشيرون؟ تقفز هذه الأسئلة إلى الذهن، عندما تستمع إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وهو يقول إنه مستعد للتخلي عن السلطة في بلاده، عندما لا يحظى بتأييد الشعب، وعندما لا يمثل المصالح والقيم السورية، كما أردف قائلاً إن الرئيس يأتي إلى السلطة بموافقة الشعب عبر الانتخابات، ويتركها إذا طالب الشعب بذلك، وليس بسبب قرار من الولايات المتحدة أو مجلس الأمن الدولي أو مؤتمر جنيف.
كما تستدعي الدبلوماسية الروسية الشعب أيضاً عند الحاجة، للحفاظ على أحد الأوراق التي كادت تحرق، أو على وشك ذلك، فقد صرّح دميتري بيسكوف الناطق الصحافي باسم الرئيس الروسي، يوم 16 سبتمبر/أيلول الجاري، "منذ بداية الأزمة السورية، كررت روسيا على مختلف المستويات أن الشعب السوري وحده يمكن أن يقرر مستقبله عبر إجراءات ديمقراطية". فالشعب السوري وحده من يقرر، هكذا يزعمون. ولكن، أين هذا الشعب؟ هل تستطلعون إرادته في وسط الأمواج التي تغرقه في وسط البحر، أم ترون نظرات الرضى في عينيه، وهو واقف على أبواب أوروبا يستجدي الولوج إلى منجى من الموت.
ومن الواضح أن فكرة التغني بإرادة الشعوب سلاح كل طاغية أو دكتاتور. وفي مصر، مثلاً، وقبيل مسرحية الانتخابات الرئاسية عام 2014 لترسيم زعيم الانقلاب رئيساً، وإضفاء شرعية مزيفة على الانقلاب العسكري، وفي رده على سؤال عمّا إذا كان يتوقع أن يخلعه الجيش إذا طالب المصريون بذلك، كما حدث مع حسني مبارك، قال عبد الفتاح السيسي: "سأجيب إجابة حاسمة: لن أنتظر حتى نزول الجيش. إذا رفضني الناس، سأقول: أنا تحت أمركم". وهكذا، فالطاغية تحت أمر الشعب. ولكن، من أصدق تعبيراً عن الشعب سوى الطاغية نفسه، فهو يرى ما لا يرون، وهو الذي يحدد متى يعبرون، وكيف يعبرون عمّا يجول بخاطرهم. لذا، يحتاج التظاهر لموافقة الدكتاتور.
أكد السيسي ذلك في مارس/آذار 2015 في حواره مع صحيفة وول ستريت جورنال

" من الرائع أن لدى كل دكتاتور القرار والمرجعية، فهو الذي يحدد متى يتنحى، وهو يحدد شروط تفهمه إرادة الشعب، فالقول النهائي والفصل لديه"


الأميركية، حيث قال إنه بمجرد الحفاظ على أمن مصر، سيترك الشعب يتظاهر ليلاً نهاراً، فهو الذي يتركهم يتظاهرون، عندما يرى في ذلك مصلحة مصر، والتي تختزل في مصلحة فرد.
ومن الرائع أن لدى كل دكتاتور القرار والمرجعية، فهو الذي يحدد متى يتنحى، وما شروط ذلك، فهو يحدد شروط تفهمه إرادة الشعب، فالقول النهائي والفصل لديه، كما أن الحديث عن إرادة الشعوب لا تظهر إلا عندما تنعدم وسائل التعبير عنها، فإذا وجدت الوسيلة لا تجد من يتحدث عن الاستجابة لرغبة الشعب، لأن الاستجابة تصبح حتمية وليست برغبة الحاكم. لذا، لن تسمع عبارات الرضوخ لرأي الشعب في الدول الديمقراطية، لأنها تتم بصورة بدهية، مسلمة منطقية غير قابلة للجدل.
وعندما ضاعت إرادة الشعوب في انتخاباتٍ لا تعدو أكثر من ديكور، أو أدوات تجميل، صدع الشعب بقوله الشعب يريد، لأن إرادته ضاعت في الصناديق معلومة النتائج، وهذا ما رأيناه في ثورات دول الربيع العربي.
الشعوب التي تسرق إرادتها قد تصرخ في صمت، بالعزوف عن المشاركة في ديكورات الديكتاتوريات المسماة الانتخابات. لذا، رأينا في مصر لجان الانتخابات الرئاسية في عهد الانقلاب خالية بلا مشاركين، في حين وقف الشعب نفسه، عام 2012، في طوابير طويلة، من الصباح إلى الليل، ليدلي بصوته، وهو لا يعلم النتيجة مسبقاً قبل فتح باب الترشيح، فقد استرد الشعب المصري إرادته ثلاثين شهراً، ثم سلبت منه مرة أخرى.
لا يرى الدكتاتور إرادة الشعب، إلا من خلال رغباته وطموحاته، فبشار سورية لا يرى ضياع أكثر من ثلثي بلده، ولا يرى ملايين اللاجئين والمشردين، وما زال ينتظر رؤية إرادة الشعب التي تنادي بخلعه، وسيظل السيسي في مصر لا يرى آلاف الشهداء والمعتقلين والشباب الذين يخرجون في مظاهرات تنادي بخلعه ومحاكمته، وبصورة يومية، مدة فاقت العامين بلا كلل، فمتى تسترد الشعوب إرادتها؟

اقرأ المزيد
١٩ سبتمبر ٢٠١٥
سوريا جسر للمتصالحين .. و ساحة للمتعاركين

تحولت سوريا للساحة الأفضل ، لكل العالم لتصفية الحسابات ، تقديم التنازلات ، و كذلك المكان الجيد للقاء و الربط و إعادة العلاقات ، حتى باتت مكاناً يحدد القرب و البعد سياسياً ، براغماتياً ، إيدلوجياً ، إقتصادياً ، ثقافياً ، وحتى تحدد مقدار الإنسانية ، الوحشية ، السلام .

ومن تفرقهم ساحات المعارك المختلفة في العالم ، تجمعهم سوريا ، و كذلك العكس صحيح ، باتت الجسر و ساحة الفصال ، بين الجميع .

مع إعلان وزارتا الدفاع في أمريكا و روسيا ، عودة الوئام للعلاقة بينهما و التأكيد على استمرارية التواصل معاً لأجل التنسيق بين البلدين عسكرياً ، بعد طلاق اوكرانياً ، بغية تحقيق نوع من الضمان لعدم حدوث أي صدام بين القوتين على الأرض السورية ، و طبعاً ليس الصدام المدروس ، و إنما التسمية كانت واضحة "صدام غير المقصود" ، فكلا الطرفين سيعمل على أجندته الخاصة ، و لكن يجتمعان في وحدة الهدف هو عدم ارساء السلام في هذه الرقعة الجغرافية .

تتسارع التصريحات الروسية و التناغم الأمريكي ، و بعض الأصداء الأوربية ، حول أن الحل ، الذي بات بحكم المتفق عليه ، والأمور تسير بإتجاه شاء من شاء أو النهاية لمن أبى ، و المتمثل أن الأسد يبقى بهكلية نظامه و قوام قواته المتعددة الجنسيات ، على رأس الحكم ، و يتم دمج من يرغب من المعارضة سياسية كانت أم عسكرية في هذا القالب القديم المحدث ، وتتوحد الجهود ضد "داعش" التي باتت العدو الأول للجميع .
فاليوم بعد أن تحولت سوريا لساحة للتذخير العالمي و رمي العتاد و المقاتلين ، بات من اللازم على المتحاربين أو ينظموا صفوفهم حتى لا يدخلوا بصدام "غير مقصود" ، تتأخر جهودهم في اقتسام ماتبقى من فتات الكعكة السورية .

و يبدو أن الروس و من خلفهم الإيرانيين ، و كذلك الأمريكان قد أوجدوا القناعة التامة أن الأسد بات مقلم الأظافر و لم يعد قادر على الإيذاء أكثر ، وأن تهديداته تنحصر على المدنيين السوريين ، الذين يقعون في ذيل قائمة إهتماماتهم ، و يجب أن يتم التركيز على "داعش" التي وجدوا فيها الشماعة التي تنقذهم دوماً ، و بالطبع فـ"داعش" العدو ، بعد أن وأدت المظاهرات السلمية و اعتقلت مئات الآلاف و تحولت إلى وحش يقصف كل الرقع في سوريا ، و تستخدم كل الأسلحة و حتى الكيماوي كما حدث في الغوطة ، و كررته في مارع .

 

اقرأ المزيد
١٨ سبتمبر ٢٠١٥
الغزو الروسي "المقدس"

مع تدفق السلاح والضباط والمعدات العسكرية المتطورة من روسيا لبشار الأسد، يقر جنرال أميركي بإخفاق أميركا في سوريا.

في جلسة بمجلس الشيوخ الأميركي أقر الجنرال لويد أوستن، أعلى قائد عسكري أميركي في الشرق الأوسط، بإخفاق خطة الإدارة الأميركية بتدريب مجموعة سورية متخصصة فقط، حصرًا وحكرًا، بمحاربة «داعش»، ولا غير «داعش»، في سوريا.

الجنرال أوستن ذكر حقائق تثير السخرية والعجب، حيث قال في حديثه أمام لجنة بمجلس الشيوخ الأميركي إن أول 54 ممن أنهوا برنامج التدريب هاجمهم مسلحو تنظيم القاعدة فور دخولهم سوريا في يوليو (تموز)، ولم يبق إلا نحو أربعة أو خمسة رجال! حتى حينه. وهناك من غاب الخبر عنه في الفوضى السورية.

هذا عنوان صارخ لضياع الرؤية الأميركية في أخطر أزمة أمنية في العالم، وهي الأزمة السورية، وسبب ضياع الرؤية هو «تحديدًا» عناد الرئيس الأميركي، أو لنقل إدارته، على صحة المقاربة التي يتناولون بها الأزمة السورية ومنطقة الشرق الأوسط كلها.

لدى أوباما ثقة غير مبررة ولا منطقية بصحة سياساته بالمنطقة، رغم كل النتائج الكارثية التي تمخضت عنها هذه السياسات منذ فترة ولايته الثانية، ليس آخرها أزمة اللاجئين السوريين التي هزت الغرب كله، وهددت دعائمه القانونية وحركة التنقل بين دوله، وتأشيرة «الشينغن نفسها» إحدى مفاخر اتحاد أوروبا. هناك حالة ضياع وتخبط تمر بها أميركا في عهد أوباما، ساقت الضرر لأميركا نفسها وحلفائها بكل مكان.

على الجانب الآخر، نجد أن روسيا بوتين، تتقدم بقوة بل بتهور، مستغلة هذا الضياع الأميركي - الغربي و«تحتل» سوريا، وهي تقول بوضوح: نحن هنا لمحاربة «داعش»، فقط، وإنقاذ الدولة السورية - انتبه ليس نظام بشار الأسد، بل الدولة السورية - كما يشرح لك بعبوس الوزير لافروف!

أليس هذا هو نفس هدف أوباما وبعض قادة الغرب؟! حصر العمل العسكري في سوريا بمحاربة «داعش»؟!

دعك من الكلام الرذاذي عن أنه لا مكان للأسد بمستقبل سوريا، فعلى الأرض لا تفعل واشنطن أوباما شيئًا لترجمة هذا الكلام.

خطورة هذا الاقتحام الروسي السافر لسوريا هو الإسهام في تأجيج الصراع الديني في سوريا، وتحويل الأمر لمواجهة شاملة بين الغزاة «الصليبيين» الذين يدعمون المسيحيين و«الباطنية» ببلاد الشام، في استعادة مدمرة لعصر الحروب الصليبية في بلاد الشام، الذي يفترض أننا عبرناه. ساعتها يصبح الأمر أكبر من قصة «داعش» التي يريد أوباما ومثله بوتين، مع اختلاف الدوافع، حصر الكتاب السوري في صفحتها.

هل يمكن أن يستيقظ العقل الأميركي من سباته القاتل؟

اقرأ المزيد
١٨ سبتمبر ٢٠١٥
إدلب تنتفض للغوطة .. الفوعة و دمشق تحت النار

رد جيش الفتح ، ومن ضمنه حركة أحرار الشام ، على جميع المحاولات التي هدفت إلى إيقاع الضغينة و الشقاق بينها و بين جيش الإسلام ، و إنتفضوا مساندين انتفاضة الغوطة في فك الحصار عن نفسها .

بالأمس ظهر تسجيل ، نسب إلى قائد جيش الإسلام زهران علوش ، اُريد منه أن يتم زرع الشقاق بين الأحرار و الجيش ، و لكن الرد جاء أقوى ، وأعطى نتائج عكسية للباحثين عن التفرقة ، فأسرع علوش بإلغاء مضامينه و تأكيد متانة العلاقات بين الفصيلين ، وبدأ اليوم جيش الفتح بإرسال رسائل الدعم و المساندة الفعلية و الحقيقة الحقة ، لجيش الإسلام ، مؤكدين أن مهما فعل اللاعبون بدماء الثوار ، فلا مكان لهم .

والمساندة القادمة من الجيش الفتح تعتبر على درجة عالية من الأهمية ، فالضربات التي توجه لقلب المحتل الإيراني و طائفته في ريف إدلب ، تشكل صفعة ثانية للقتلة الذين يتعرضوا للإلم المبرح في قلب النظام في دمشق .

و يحمل هجوم اليوم من قبل جيش الفتح على الفوعة و كفريا ، وقبل أيام هجوم جيش الإسلام على النقاط المسببت بخنق الغوطة ، يحمل عدة رسائل قوية في الوقت الذي تتنازع فيه القوى العالمية و على رأسها أمريكا و روسيا على وأد الثورة و إعادة إنتاج الاسد ، كنظام و جيش ، على حساب الملايين الذين قتلهم و أخفاهم و شردهم .

التعامل الراقي ، والعميق فكرياً بين أكبر فصيلين ثورين ، سوريين ، خالصين ، يثمر اليوم تماذج لم نشهده في المساندة بين الشمال و الجنوب ، ولأول مرة لا تنجح مساعي لزرع الشقاق ، وتعطي نتيجة عكسية ، وهذا الأمر يبشر بالخير ، رغم كل ظلامية الجهود الدولية لإحباط أي وجود لتوحد حتى فكري أو عملياتي بين الفصائل الثورية السورية ، بل على العكس يسعى الجميع لتشتيتهم ، وزرع الشقاق بينهم ليبقى حال الثورة مراوحة في المكان في أحسن الأحوال ، ليكون قابلاً للتراجع في حال خالف الرغبات .

اقرأ المزيد
١٨ سبتمبر ٢٠١٥
إلا السيادة الوطنية

تشكل عبارة السيادة الوطنية واحدة من المكونات الأساسية في القاموس السياسي لآخر قلاع محور المقاومة والممانعة وفق ما تصفه به أدبيات ذلك المحور الذي تتزعمه طهران، والمقصود به بطبيعة الحال نظام دمشق، والذي بات في الآونة الأخيرة يكثر من استخدام هذه العبارة بشكل مبالغ فيه، ويرفعها جدارا حصينا أمام أي مسعى مهما كان جادا للوصول إلى حل مقبول بالنسبة لكافة الأطراف، بعد أن وصلت الحالة السورية حسب آراء المراقبين والخبراء إلى طريق مسدود، وينبغي وضع حد لهذا التدهور بعد أن تعذرت الحلول العسكرية التي كانت بعض الدول الغربية والعربية تراهن عليها لإسقاط نظام قمعي لم يتورع عن استخدام كافة الوسائل للحفاظ على كرسي الحكم، وقد أسقط في طريقه تلك أكثر من نصف مليون قتيل يضاف إليهم ملايين المشردين والعالقين على الحدود.

فقد رفض بشار الأسد أن يتقاسم السلطة في وقت مبكر وعندما كان ذلك الأمر متاحا مع المعارضة على اعتبار أنه يرفض التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، وأنه لا يقبل أن تفرض عليه أي أجندات خارجية، وقد كرر ذلك مرارا وتكرارا وفي كل ظهور إعلامي، وخلال فترات الرفض كانت المعارضة تتحول بالنسبة له إلى عملاء ومأجورين، وهو ليس مستعدا لا لتقاسم السلطة معهم بل حتى أنه يرفض فكرة التفاوض كليا، وإن كان وافق على الذهاب إلى مؤتمر جنيف 2 مصحوبا بدعم روسي كبير، فإنه كان عازما قبل ذلك على إفشال المؤتمر، وقلب الطاولة على الجميع، إذ لا يهم من يموت من السوريين، ومقدار الدمار الذي حل بالبلد، لكن المهم هو السيادة الوطنية مرة أخرى وأخرى.

وتأسيسا عليه فإن توغل عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى سوريا، سواء معه أم ضده، وفقدان النظام السيطرة على كافة المعابر التي تربط سوريا مع الدول المجاورة، لا ينظر إليه على أنه انتهاك للسيادة الوطنية، بل على أنه جزء من المؤامرة الكونية. هذا إن أغفلنا، أصلا، الأجواء السورية المستباحة منذ ما يزيد على عام من قبل طائرات التحالف الدولي التي تطارد تنظيم داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة من سوريا، وهذا الأمر كذلك لا يصنف على أنه انتهاك للسيادة الوطنية.

    نظام دمشق تحول إلى بيدق في يد الدب الروسي يلاعب به خصمه الأميركي على أوراق كثيرة في المنطقة وخارجها

بالإضافة إلى الخروقات الإسرائيلية المتكررة التي تستطيع الوصول إلى أي منطقة تشاؤها داخل العمق السوري. وهذا الأمر، وللأمانة، ليس جديدا فقد حدث مرات كثيرة من قبل، بدءا من استهداف معسكر لتدريب إحدى الفصائل الفلسطينية في منطقة عين الصاحب قرب العاصمة دمشق، وصولا إلى مشروع ما يعتقد أنه مفاعل نووي كانت كوريا الشمالية تساعد على بنائه في منطقة الكبر قرب دير الزور في أقصى الشرق السوري، وقد ندد النظام السوري، وقتها، بتلك الغارات الإسرائيلية التي أصابت مقتلا في كل مرة، واعتبرها خروقات عدوانية، واستطرادا، ووفقا لأحد منظري النظام، قرصنة وسفالة إسرائيلية.

وعند هذا الحد كان يكتفي النظام ويتوعد بالرد في وقت وزمان مناسبين، ولكنه وأمام مطالب السوريين بالتغيير تحوّل إلى مقاتل شرس لا يقبل العبث بالسيادة الوطنية، واستعان بمن استعان بهم من حلفائه المقربين في محوره لتدعيم سيادته المزعومة فآل القرار العسكري لهم بادئ الأمر، ثم انتقلت الملفات السياسية والاقتصادية تباعا لتوضع في أيديهم، وليكون بشار الأسد محافظا لواحدة من المحافظات الإيرانية، كما قال مهدي طانب رجل الدين الإيراني المقرب من الخامنئي، والذي اعتبر سوريا محافظة إيرانية وينبغي الدفاع عنها، ولم يعد مستغربا، والحالة هذه، أن يتحدث زعيم ميليشيا حزب الله اللبناني، الذي يعتبر رأس حربة في المشروع الإيراني، عما يحدث في سوريا وكأنه شأن من شؤون الضاحية الجنوبية لبيروت التي يحتلها حزبه.

مؤخرا تحول نظام دمشق إلى بيدق في يد الدب الروسي يلاعب به خصمه الأميركي على أوراق كثيرة في المنطقة وخارجها، وحرصا منه على ألا تخرج الأمور عن سيطرته في أجواء الفوضى التي تعيشها سوريا، فإن فلاديمير بوتين لم يتأخر عن إرسال قواته العسكرية لتكون موجودة وبكثافة داخل الأراضي السورية بعد أن كان وجودها مقتصرا على بعض القواعد العسكرية الروسية، وبعد أن كانت روسيا تكتفي بتزويد النظام بالسلاح، قررت أن تقاتل على الأرض، وأن تفرض منطقها، على اعتبار أنها تخطط للخروج منتصرة، لكن تجربتها الأفغانية تقول عكس ذلك، وما علينا سوى أن نراقب.

وعلى الرغم من هذا الانجراف الكبير والانحدار الكارثي الذي وصلت إليه الأوضاع في سوريا، وعلى كافة الأصعد، وعلى الرغم من فقدان النظام القدرة على توجيه الأوامر العسكرية لقواته التي لم يبق منها شيء فعليا، إلا أنه لا يجد مانعا، بين الحين والآخر، أن يعود ليذكر الجميع بأنه لن يفرط بـ”السيادة الوطنية”، التي تحولت إلى لازمة ضرورية ترافق مفردات المقاومة والممانعة.

اقرأ المزيد
١٨ سبتمبر ٢٠١٥
المعارضة السورية وسمة الحاضر الغائب

أثرت عقود التهميش والقمع الممارس من قبل النظام السوري على أي فعل سياسي، وبالتالي على تبلور معارضة جماهيرية فاعلة قادرة على إدارة الأزمات الحالية.

قدم الواقع السوري الجديد بالإضافة إلى “النظام وداعش” الطرفين الفاعلين اللذين يمتلكان استراتيجية واضحة ولكل منهما قيادة موحدة، وغرف عمليات عسكرية تقوم بمهام التدمير، طيفا صاخبا من المعارضات على سبيل التعداد؛ الائتلاف الوطني، تجمعات حزبية وشبه حزبية، معارضة داخلية معتدلة توافقية وغير توافقية، مجالس للعلماء، بقايا اتحادات التنسيقيات، كتاب وإعلاميون ووسائل إعلام، وتعدد ثوري “افتراضي”، بالإضافة إلى الناطقين الرسميين المرتبطين بفصائل ميدانية، ورغم الفارق الكبير فيما بينهم، إلا أنهم جميعا يواكبون الحدث في خطوات استباقية يقدمون البيانات والتحليلات، ويراكمون كما هائلا من المواقف والتصريحات بالصوت والصورة، فقد باتت الغزارة الكلامية جزءا لا ينفصل عن المسار السوري، في محاولة لتسييس الشارع وتعبئة الجماهير، لكن حجم الاستفادة السورية وخلق ردفاء خارج إطار إسقاط النظام بقي محدوداً وضعيفا نتيجة عجزهم عن الرؤية الشاملة للمعركة كما يراها النظام أو داعش.

سجلت الهيئات المعارضة السورية حضورها القوي في التأكيد على الاختلاف والتباين في القناعات والمنطلقات التي تحملها، فاختلفت الرؤى في تعليل ما جرى ويجري على الأرض السورية، إذ اصطف البعض إلى جانب السلاح مساهما في تأزيم الواقع المأزوم أصلا، وسلّم البعض تسليما مطلقا للقوى الخارجية، كما اختلفت في تحديد ما يجب صنعه في المستقبل، وتعددت رهاناتها بين من يراهن على دولة خلافة معتدلة “غير داعشية”، ومن يراهن على دولة مدنيّة بمرجعية إسلامية أو علمانية، ومن يراهن على دولة دستورية حديثة تاركا تفاصيل بنائها لحين قيامها. هذا التخبط الكبير في الرؤى والقيادات، وانعدام الرؤية الموضوعية للإمكانيات الذاتية السورية أنتج ضحالة سياسية وفكرية واضحة في امتلاك المعارضة، تحت أي مسمّى، لإرادة شعبية فاعلة تساهم في صناعة القرار ورسم المسارات الصحيحة لما يجري، ومحاولة وضع الخطط الأولية للسيناريوهات الممكنة للخلاص من متاهات الدمار، وبالتالي عدم امتلاك إمكانية السير باتجاه المستقبل.

الفوضى المعممة ستبقى معدومة النهاية في ظل توفر مشاريع متعددة تعمل على استئصال أحلام الشعب بالحرية والديمقراطية، وفي ظل غياب “المعارضة” القادرة على توحيد مطالبها على قاعدة بناء وطن للجميع، واتخاذ خطوات عملية لتقديم مشروع وطني سوري يقوّض أسس الدولة التسلطية، وينحّي المعارضات الأيديولوجية المغلقة. خطوات تكون بداية الطريق لاستعادة الكتلة المجتمعية الفاعلة من شرائح وفئات اجتماعية واسعة منفتحة على فكرة المجال الوطني العام، يتم من خلالها إعادة تشكيل معارضة مجتمعية وازنة قادرة على تغيير المسارات الدموية، فهذه الكتلة التاريخية المعارضة رغم هول النكبة ما تزال هي الأكثر قدرة على الفعل نتيجة اتصالها بالعمل الفكري والسياسة وتنوعها واختلافها وتمثيلها لمختلف الأطياف السورية، ما يجعل طابعها شاملاً يتطابق مع حدود الوطنية السورية، وتستطيع مواجهة فوضى الفصائل والميليشيات والأيديولوجيات العقيمة التي مزّقت النسيج الوطني، وتستطيع انتشال سوريا من موقعها كساحة للصراعات الإقليمية والدولية إلى موقع وطن وشعب يسير باتجاه دولة وطنية منشودة.

لم يعد الواقع السوري كما كان سابقاً، لكن حتى اللحظة، مع السعي الدولي لفتح ثغرة في جدار الحرب الوحشية السورية للتقدم نحو التهدئة، لم تمتلك المعارضة أي خطة إنقاذ سواء في مستوى التفاوض أو في مستوى تغيير موازين القوى على الأرض، ومازالت تسجل غيابها المجتمعي، وتغوص بمطالبها وتغرق في ارتباكاتها متجاهلة واقع المتغيرات التي يعيشها شعب سدّت في وجهه إمكانية إنهاء الصراع العبثي، حتى باتت الهجرة أمله الوحيد بالخلاص.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى