مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢ أكتوبر ٢٠١٥
هل يدفع بوتين ثمن تدخله في سورية؟

تدخل الحرب السورية مرحلة جديدة قد تكون حاسمة مع التدخل العسكري الروسي. فهذه الحرب التي طالت وقتلت 300 ألف شخص ودمرت مدن سورية وقراها وبناها التحتية، أصبحت الآن حرباً كونية بكل ما لهذه الكلمة من معنى. كل جنود العالم ومقاتليه وإرهابييه موجودون على أرض سورية، والآن صارت مقاتلات الدول الكبرى تتجول في أجوائها، وتقصف ما تختاره وما يناسبها من مواقع. ومهزلة المهازل ان الرئيس السوري لا يتعب من تكرار أن مصيره يجب أن يتقرر من قبل السوريين، فيما بلاده واقعة تحت هذه الحال من الاحتلال العالمي!

تحولت سورية الى «ساحة» للصراعات الدولية ولتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، نتيجة انهيار الدولة السورية ومؤسساتها، واستخفاف العالم بها. هكذا وجد فلاديمير بوتين أن «الساحة السورية» هي المكان الأفضل لتلقين اوباما درساً في الطريقة التي يجب ان تقاد بها دولة كبرى. ففي مقابل عجز أوباما وتلكوئه عن اتخاذ اي قرار في سورية او في سواها، حزم بوتين امره وقرر ارسال مقاتلاته لدعم الدفاعات المنهارة للنظام السوري، في خطوة اعتبر مصدر عسكري سوري انها ستحدث «تغييراً كبيراً» في مجريات الحرب، بينما ذكرت تقارير صحافية ان ايران ارسلت المئات من قواتها اضافة الى عناصر «حزب الله» لدعم قوات النظام في معاركه مع المعارضة.

لم يكلّف بوتين نفسه عناء ابلاغ أوباما بقرار التدخل في سورية رغم لقائهما في نيويورك. بل كلف احد جنرالاته (في بغداد) بإبلاغ زميله في السفارة الأميركية في العاصمة العراقية بالقرار قبل ساعة فقط من بدء العمليات الروسية في اجواء سورية. استخفاف واحتقار للقيادة الأميركية لا مثيل له منذ ازمة الصواريخ الروسية في كوبا، في زمن نيكيتا خروتشوف، التي كادت ان تؤدي بالعالم الى حرب كونية، بعد تهديد جون كينيدي، وإسراع الاتحاد السوفياتي الى سحبها في اللحظة الأخيرة.

حاول فلاديمير بوتين ان يضع تدخله في سورية في اطار الحرب على الإرهاب، ودعا العالم الى المشاركة في هذه الحرب، معتبراً ان روسيا تواجه خطر عودة الإرهابيين الى اراضيها، إذا لم تقم بعملية استباقية للقضاء عليهم في سورية. غير ان بوتين فضح اهدافه من التدخل في سورية عندما دعا الجميع، في خطابه امام الأمم المتحدة، الى دعم الرئيس السوري في قيادة الحرب على الإرهاب، فيما تعتبر معظم دول العالم، باستثناء موسكو وطهران وحلفائهما، أن بشار الأسد هو المسؤول الأول عن إطالة أمد الحرب في سورية وعن فتح ابوابها للإرهابيين من كل مكان، اضافة الى ان الجرائم التي ارتكبتها قواته والميليشيات الداعمة له لا تقل وحشية عن جرائم التنظيمات الإرهابية.

إضافة إلى ذلك، يعتمد بوتين في تصنيفه للإرهاب والإرهابيين، القاموس نفسه الذي يلجأ اليه بشار الأسد. فكل المعارضين في سورية هم في نظره إرهابيون، باستثناء أولئك المعارضين الذين يعيّنهم النظام السوري لهذه المهمة وتستقبلهم موسكو من وقت الى آخر في مهمات «الوساطة» التي تقوم بها. لهذا لم يكن مستغرباً ان لا تميّز المقاتلات الروسية في غاراتها بين مقاتلي «الجيش الحر» ومقاتلي «داعش»، لأن الجميع في نظرها سواء.

ما يقوم به بوتين في سورية اليوم قام بمثله زعيم آخر من عصر الاتحاد السوفياتي اسمه ليونيد بريجنيف. دفع بريجنيف قواته ودباباته إلى أفغانستان لإنقاذ نظام بابراك كارمال ومحاربة الإرهابيين قبل أن يصلوا إلى بلاده. وما أنجبه ذلك التدخل أصبح جزءاً من تاريخ الاتحاد السوفياتي إذ إنه ساهم في انهياره.

تدخّل بوتين في سورية محفوف أيضاً بالأخطار على بلد يواجه أزمة اقتصادية صعبة ومعارضة للتدخلات الخارجية وتحاصره عقوبات غربية قاسية. لو كان هناك رونالد ريغان في البيت الأبيض لأمكن القول إن موسكو ستدفع ثمن تدخلها في سورية كما حصل معها في أفغانستان. لكن تجربة التدخّل الروسي في أوكرانيا التي انتهت بصمت غربي يشبه الهزيمة يمكن أن تتكرّر في سورية ... في عصر العجز الأميركي.

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٥
معارضة موسكو ... صمتت دهراً ونطقت كفراً

لم يعد التواجد الروسي على الأرض السورية خافياً على أحد وإن لم تظهر نتائجه بشكل كبير حتى الآن، وهذا ما أشارت إليه عدة تقارير صادرة عن جهات مرموقة من بينها الكونغرس الأميركي الذي يبدو أنه إما مطمئن للتحركات أو غير آبه بها أو قد نال نصيبه من الكعكة.

كان أحد شعارات الثورة السورية أن روسيا شريكة الأسد في قتل السوريين وندد الثوار بالدعم الروسي للنظام كون روسيا من أكبر داعميه بالسلاح والذخيرة، لكن المثير للجدل، وبرأي آخرين أنه ليس مستغرباً، هو صمت معارضة الداخل التي كانت ترى في الكرملين حلاً للمأزق السوري، فقد لبى أعضاؤها عدة دعوات لزيارته متوهمين أن من استخدم الفيتو في مجلس الأمن (فيما يخص فتح ممرات إنسانية للمحاصرين في حمص وغيرها) يسعى حقيقة لإنهاء أزمة السوريين، نعم إنها معارضة داخلية وبامتياز كيف لا وهي تعارض من حضن النظام.

لقد ظلت صامتة على مدى أربع سنوات والروس يرسلون شحنات الأسلحة الواحدة تلو الأخرى لمساندة النظام الذي قتل من السوريين مئات الآلاف ودمر مدناً بأكملها وهجّر أهلها حتى تطور الحال بهم إلى إرسال خبراء عسكريين، وهذا باعتراف النظام والروس على حد سواء لمساعدة القوات السورية في استخدام الأسلحة الروسية الجديدة والمتطورة.

وفي الآونة الأخيرة عمد الروس إلى إرسال مدرعات وجنود إلى الساحل السوري خاصة بعد الخسائر التي مني النظام بها في إدلب وسهل الغاب بريف حماه.

وفي شهادات لمواطنين يقيمون في الساحل السوري يشيرون إلى وجود تحركات غريبة في الموانئ البحرية ليلاً، وأن النظام قد منع المدنيين من الاقتراب من بعض النقاط عدة مرات.

ثم اعترفت وسائل الإعلام الروسية بمقتل أول جندي لها على الأراضي السورية وهو باران البالغ من العمر 22 عاماً في الدفاع عن الأمن القومي الروسي على حد تعبيرها.

إلى أن رصدت الأقمار الاصطناعية الأميركية أماكن تمركز لمدرعات في الساحل السوري بالإضافة إلى تحركات مشابهة في أحد المطارات الساحلية السورية.

كما أعلن الناطق الرسمي باسم جيش الإسلام إسلام علوش عن استهداف مطار حميميم بعدة صواريخ غراد بعد ورود أنباء عن تواجد قوات روسية في المطار، ومن الممكن أن تكون إحدى الدول الحليفة لجيش الإسلام قد زودته بتلك المعلومات خاصة وأن له علاقات قوية مع عدة دول عربية.

وفي تصريحات لمسؤول عسكري من النظام لوكالة رويترز أقرَّ بوصول أسلحة روسية متطورة وأن النظام قد بدأ باستخدامها نافياً أي وجود للقوات الروسية في سورية.

ويعتبر مراقبون أن كل ما يتناقله الإعلام عن مشاركة جنود روس هو لرفع معنويات قوات النظام المنهارة خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي تلقتها مؤخراً، فيما يقول آخرون إنها حرب باردة يشرف عليها الروس لفرض وجودهم كقوة مهيمنة مقابل الولايات المتحدة في ظل قرب اجتماعات يحضر لها وستعقد قريباً بين الروس والدول الخمسة الكبرى.

كل هذا وذاك ولازالت المعارضة الداخلية غير مستاءة لما يجري فقد اعتبرت الوجود الروسي هو لمحاربة الإرهاب كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية السورية وليد المعلم بقوله إن روسيا تطمح إلى محاربة الإرهاب في سورية ولكنها إلى الآن ليست موجودة على الأرض وقد نطلب منها ذلك إن اقتضى الأمر وهو ما أشار إليه مسؤولون روس بقولهم إن روسيا مستعدة للتدخل إذا ما طلبت الحكومة السورية منها ذلك.

ثم يخرج إلينا رئيس هيئة التنسيق الوطنية حسن عبد العظيم مرحباً بالوجود الروسي على الأرض السورية واعتبر أن ما يقوم به الروس هو للتنسيق مع التحالف الدولي للقضاء على الإرهاب في سورية مشيراً إلى أن الولايات المتحدة التي تقود التحالف قد نجحت في حل الملف النووي الإيراني وبالتالي فإنها قادرة على حل الأزمة السورية، متعامياً عن كل ما تم ذكره من مساهمة الروس في قتل الشعب السوري بدءاً بمرحلة الدعم اللوجستي إلى التدخل المباشر.

لم يتفاجأ السوريون بهذه الصفاقة السياسية فلطالما اعتادوا عليها من هذه الشخصيات التي اختلقها النظام لإفساد ثورة الشعب حينما فشل في قهرها بقوة السلاح.

لأن هذه المعارضة ومن أبرزها هيئة التنسيق الوطنية لا تطالب صراحة بإسقاط نظام بشار الأسد بل تدعو للحوار معه للتوصل إلى مستقبل أفضل لسورية، ولا تقبل الهيئة بحمل السلاح في وجه آلة القتل الأسدية بل من أهم مبادئها كما تدعي: السلمية (أي سلمية وقد قتل من يعارضون من حضنه العباد ودمر البلاد)، كما أنها لم تقبل الانخراط في جسم المعارضة الأول الذي تمثل بالمجلس الوطني متذرعةً بأن أحداً لم يدعها للانضمام وهذا ما نفاه رئيس المجلس الوطني السابق برهان غليون.

ومروراً برندة قسيس رئيسة حركة المجتمع التعددي السورية التي لم تكن ترى في الروس عدواً أساساً بل وصفتهم بأنهم يريدون المحافظة على كيان الدولة والجيش بغض النظر عن بقاء الأشخاص وهذا ما تكذبه وقائع متعددة أظهرت تمسك الروس بالأسد وكما تدعو قسيس إلى الفدرالية في سورية لنظرتها القاصرة للمكون السني وأنه لا يمكن التعايش معه.

وبعد الضربات التي نفذها الطيران الروسي في ريفي حمص وحماة وما تسبب به من قتل عشرات المدنيين لا يبقى شك أن كل من رحب بهذا التدخل وكل من حاور الروس وهادنهم أو أبدى لهم الود والرضى هو شريك بالقتل ومن حق الشعب أن يستبعده ولا يقيم له وزناً.

فيا ليت معارضة الداخل أو معارضة الفودكا كما يحب بعضهم أن يطلق عليها بقيت صامتة حيال التدخل الروسي ولم ينطبق عليها المثل القائل: صمت دهراً ونطق كفراً.

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٥
بين الحرب "المقدسة" و الجهاد "الإرهابي" .. تولد ألف داعش ويتجه الآلاف بإتجاهها

يضفي الكاهن على الطائرات الروسية مسحة "القداسة" ، ويحول الإسم من العدوان على الشعب السوري إلى حرب مقدسة بمشاركة أكبر القدادسة القتلة "بوتين" ، حربٌ موجهة ضد مجموعة من "الإرهابيي"ن الذين يخوضون جهاداً بآوامر ربانية ، و لكنهم "إرهابيين" في نظر الأرباب الأرضية .

يبدو أن لا مناص أمام الثوار في سوريا سوى الانصياع والإقرار بأنهم جميعا عبارة عن "متطرفين"، لا مجال أمامهم إلا أن يكونوا هدفاً مشروعاً لكل من هب و دب ، و "الممسحة" التي تستخدم لتنظيف قذارة أؤلائك الفاتكين بالأجساد و الحياة.

و تثبيت الفرق بين الحرب "المقدسة" و "الجهاد الإرهابي" ، يحول الأمور إلى منحى في غالية في الخطورة ، ولن يعد هناك داعش واحدة سيحاربها العالم ، بل سيكون هناك عشرات المنظمات التي تشابهها و التي ستكون داعش أمامها حمل وديع ، وشيء جداً مقبول و محبب .

وهاهو الخيار يعود من جديد بعد أن مررنا به منذ فترة وهو أن نكون مخيرين بين"الخلافة" أو "الأسد" ، خيار بين الحقد و القتل الأعمى و الظلامية بينهما ، و في الغالب نجد أنفسنا بشكل لا شعوري نلجأ إلى الخيار الأبعد و الأقل قتلاً ألا وهو "داعش"

و نفس الأمر يتكرر حينما نوضع في ظروف لنختار بين "الخلافة" و المليشيات الشيعية المتنوعة ، فتجدنا كذلك نختار خير الشريرن أو اهونهما أو على الاقل أبعدهما شراً في الوقت الراهن .

ومن جديد الزخم الروسي الجديد يجعل من عملية الإختيار تتحول إلى يقين ان الجميع يدفعك صوب "داعش" ، و القبول بأن تكون أحد رعيتها ، حفاظاً على حياتك بشكل مؤقت .

فالتطرف لا يواجه إلا بالتطرف ، و التعصب يحتاج لتعصب أشد ، و التشدد لابد من تشدد يواجه ، فالأسد هو وجه للتطرف و إيران للتشدد و روسيا عنوان القتل ، أما "داعش" فهي الوجه الكامل للأطراف الثلاثة ، و لا يمكن أن نواجههم جميعاً إلا باللجوء إليها .

ليس دعوة لـ"الخلافة" و إنما استهزاء من العالم الذي يخطط و ينفذ مخططاته بدقة على حساب وجودنا و حياتنا و يدفعنا لمزيد من التشرد و الضياع ، و كل ما مطلوب منا ، إما أن نتحول لبيدق بيده أو نكون أعداء له .

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٥
قرار الشعب السوري وروسيا


تذكّرنا روسيا بأن القرار يعود للشعب السوري، فهو وحده من يحدد بقاء بشار الأسد أو يرفضه. تقول ذلك، وهي تنزل قواتها لكي تمنع سقوط النظام، في مشهد هزلي، يشير إلى الجهل في معنى الشعب، وفي ما جرى في سورية، ولماذا بات النظام على حافة السقوط.
ترسل روسيا قواتها لمنع سقوط بشار الأسد، وتقول إن الشعب هو الذي يحدد مصيره. طبعاً، من يهدد النظام ويهدد بسقوطه ليس "داعش" التي لم تتقدم نحو دمشق، أو نحو الساحل السوري، بل ظلت تقاتل الكتائب التي تخوض صراعاً ضد النظام نفسه، وتفرض ارتباكاً في كلية الصراع ضده، بالتأكيد لمصلحة النظام الذي يتواصل معها، ولا يقاتلها، بعكس ما يصرّح به فلاديمير بوتين. وبالتالي، مَن يهدد النظام بالسقوط قوى "سورية"، بعضها مدعوم من دول إقليمية (تركيا وقطر والسعودية)، وكثير منها من قوى الثورة التي تحوّلت إلى العمل المسلح.
هل نثبت أن الشعب قرَّر، منذ السنة الأولى، أنه يريد "إسقاط النظام". ولهذا، قدَّم آلاف الشهداء قبل الانتقال إلى العمل المسلح الذي كان ردَّ فعل على عنف النظام ووحشيته، وعلى إصراره على تحويل الثورة إلى صراع مسلح. هل نعيد الذاكرة إلى مسار الثورة، منذ أول مظاهرة صغيرة وسريعة في سوق الحميدية تطالب بالحرية، لكي نوضّح هذه الحقيقة؟ ربما قادت تلك التظاهرة إلى اعتقال بعض الشباب، لكن اعتصام الجامع العمري في درعا قاد إلى تظاهرات واسعة، لم تشمل درعا المدينة فقط بل كل حوران، وكانت الحالة الأولى التي يظهر فيها أن في سورية ثورة. جلب عنف رد السلطة هناك خروج تظاهرات "صغيرة" في دوما واللاذقية وبانياس، سرعان ما تحوّلت إلى تظاهرات كبيرة، حيث خرج آلاف الشباب يدعم درعا، بعد أن ووجهت بالرصاص كذلك.
سرعان ما توسّع الأمر إلى تظاهرات كبيرة في حمص، سحقت بعنف دموي، من دون أن توقف التظاهر. وامتد الأمر إلى حماة التي خرجت منها ربما أضخم تظاهرة، ترافقت معها تظاهرة ضخمة في دير الزور. ووصل الأمر إلى محيط دمشق الذي شهد تظاهرات كبيرة، وصولاً إلى حلب التي تحركت بعد عام من الحراك في تظاهرة كبيرة. وشمل الحراك مناطق كثيرة، من قرى وأحياء في مختلف أرجاء سورية.
كانت هذه الصورة توضّح أن الأمر لا يتعلق بحراكٍ صغير، بل بثورة شعب يريد إسقاط النظام، على الرغم من كل العنف الذي مورس ضده، والوحشية التي قوبل بها الحراك، الذي شمل معظم مناطق سورية، ولم ينحصر في منطقة منعزلة، ليتضّح أن مطلب إسقاط النظام كان عامّاً. هذا هو أساس الثورة، وأساس مطالب الشعب الذي يشير إلى أن الشعب يريد إسقاط النظام، وليس قبول استمراره.
وحين جرى الانتقال إلى السلاح، وصلنا إلى وضع لم تعد السلطة فيه تسيطر سوى على أقل من ثلث سورية، فقد ضعفت، ليس بفعل "خارجي"، كما يريد الروس أن يقولوا، بل بفعل الشعب نفسه، وكان الفعل الخارجي معاكساً لمطالب الشعب، أو يعمل على تخريب ثورته. فالنصرة وداعش وجيش الإسلام قوى أصولية دعم النظام وجودها، ولم تكن من الثورة، بالضبط، لكي تخرّب على الثورة. ودعمت دول إقليمية هذا الأمر بتفاهم مع النظام.
بالتالي، حين يشير الروس إلى الشعب، نقول إن الشعب قرَّر، منذ السنة الأولى للثورة، أنه يريد إسقاط النظام، ومن يُرِد الإشارة إلى الشعب، عليه أن يعرف أن عليه أن يفهم أن الشعب يريد إسقاط النظام. ولقد وصل الأمر إلى أن يصبح النظام على شفير الانهيار، نتيجة ذلك كله، من ثم على من يخاف من سيطرة داعش أو النصرة أن ينطلق من حتمية إزاحة بشار الأسد ومجموعته، لكي يضمن المقدرة إلى إنهاء هذه القوى الأصولية، فما يعزز من قوتها إما دعم النظام وتسهيله لها أو استغلال رفض الشعب بقاء النظام. وفي الحالين، لا إمكانية لمواجهتهما حقيقة إلا بإبعاد رأس النظام.

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٥
عندما يصير الأسد ابناً للدب

تحارب روسيا في سورية، من أجل داعش أولاً، ثم الأسد ثانياً، أو من أجل الاثنين معاً، إذ لا داعش من دون الأسد، ولا أسد من دون داعش.

ميدانياً، وحسب المتاح عن الضربات الروسية في سورية، أمس، فإن المستهدف لم يكن تنظيم الدولة، بل ثورة الشعب، فالطيران الروسي حدد أهدافه جيداً: مواقع المعارضة السورية المسلحة، وخزان البشر في المناطق المستهدفة، بحيث تكون المحصلة دفع أعداد أكبر من المواطنين السوريين للنزوح والهجرة، وفي الوقت نفسه، إيقاف التقدم الذي تحققه المعارضة على حساب النظام الآيل للسقوط، فيما يبقى بشار الأسد، وتنظيم الدولة، بمنأى عن المواجهة.

لم يأت الروس إلى الأراضي السورية للحرب على الإرهاب، بل للإجهاز على الثورة السورية، وانتشال الأسد. جاءوا ممتلئين بالرغبة في الانتقام والثأر من الذين أخرجوهم من معادلة الحرب في ليبيا.

معلوم، منذ عام 2011، أن موسكو وبكين هما الأكثر عداء للربيع العربي، ومن ثم هما الأحرص من غيرهما على تثبيت أقدام الأنظمة الاستبدادية التي تواجه خطر السقوط أمام رياح الثورات الشعبية. لذا، ليس غريباً أن تفتتح روسيا عملياتها العسكرية في سورية بقصف مواقع الجيش الحر، واستهداف المدنيين. وفي هذا، يجدر التذكير بدراسةٍ وضعها مدير معهد كارينغي للشرق الأوسط، بول سالم، في عام 2011، عن التغيير في العالم العربي، ذهبت إلى نتيجة مفادها بأنه "ما تزال روسيا والصين عموماً مناوئتين للربيع العربي وأنصاره، بالأخص أنّهما تخوفتا من انتشار الاحتجاجات المؤيّدة للديمقراطية إلى بلدانهما. في الواقع، وصلت إرهاصات الربيع العربي إلى روسيا، في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2011، عندما تعرّض حزب رئيس الوزراء بوتين إلى تراجع قوي في نتائج الانتخابات، واندلعت تظاهرات واسعة النطاق في موسكو ومدن أخرى، احتجاجاً على تزوير الانتخابات. من جانبها، قامت الصين بحملة قمع صارمة منذ الأيام الأولى للربيع العربي، وحظرت عبارة "ثورة الياسمين" و"الربيع العربي"، و"مصر" و"ميدان التحرير"، من محرّكات البحث على الإنترنت.

 لا يمكن التغاضي، أيضاً، عن أن موسكو تشعر بالمرارة، لأنها خرجت خالية الوفاض من المعضلة الليبية التي انفرد بالتحكم في صيرورتها كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد دخولهما، وحدهما، تحت مظلة جامعة الدول العربية، لحسم الأمر ومساعدة قوات المعارضة في اقتلاع معمر القذافي، رجل موسكو، من الحكم، وكان أقصى ما استطاعت روسيا والصين عمله أنهما امتنعتا عن التصويت على قرار فرض منطقة حظر طيران على ليبيا.

تحاول روسيا، الآن، في سورية تعويض ما خسرته في ليبيا، غير أن دمشق 2015 ليست طرابلس 2011، فالوضع على الأرض في سورية بات أكثر تعقيداً، وامتداداً، على نحو ينذر بالانزلاق إلى مستنقع حرب شاملة، تغذيها عوامل طائفية وعرقية وإقليمية ودولية، يمثل فيها نظام بشار الحلقة الأضعف، كونه يفقد السيطرة يومياً على مساحات، لصالح تنظيم الدولة من جانب، والمعارضة السورية المسلحة من جانب آخر.

غير أن الأخطر من هذا كله أن التدخل الروسي الفج في القتال من شأنه أن ينضج محصول الغلو والتطرف قبل الأوان في المنطقة العربية، ويمنح دعماً هائلاً لمفرخات داعش الموجودة في كل مدينة عربية، ويستدعي مخزوناً من الغضب العنيف لدى قطاعات واسعة من الجمهور العربي، تعايش ظلماً فادحاً وازدواجية معايير صارخة، يمارسها النظام الدولي كل يوم، الأمر الذي يوفر البيئة المواتية لاستقطاب موجات من الانتحاريين والجهاديين.

يدفع العالم الآن الثمن الباهظ لإطلاق قوى الاستبداد القديمة والثورات المضادة، لالتهام الربيع العربي، بما أسفر عنه من نتائج، كان أهمها وأبرزها إدماج القوى الإسلامية الراديكالية في ممارسة لعبة الديمقراطية، ثم فجأة تواطأ الجميع على هذا المنجز الهائل، وأشعلوا النار في الربيع، فاحترق مبدأ الانتخاب، وسيلة للمنافسة السياسية، وقيل للكافة بأوضح العبارات: البقاء للأكثر تسليحاً.. فعادوا مسلحين.

إن التكفيريين الأخطر والأسوأ هم الذين دفعوا الناس إلى الكفر بفكرة التغيير السياسي، بالوسائل والأدوات الديمقراطية المحترمة. وبهذا المعيار، سيبقى الروس والأميركيون والأوروبيون الآباء الروحيين لكل تنظيمات العنف التي ولدت ونمت في حضاناتهم.

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٥
حتى لو جاءت روسيا كلها الى اللاذقية

لم يخجل الرئيس الروسي، وهو في حضرة قادة العالم وممثليهم في نيويورك، من مجافاة الحقيقة جهاراً عندما قال أن بشار الأسد هو الوحيد الذي يقاتل «داعش» في سورية ويجب دعمه. ولم يخرج الرئيس الأميركي الذي واصل «معارضته» اضطلاع الأسد بدور في مستقبل البلد الممزق عن نطاق الكلام المكرور من دون اي تغيير عملي محتمل على الأرض. فكلاهما يراوغ، وكلاهما يعرف ان مأساة السوريين لا تشغله، بل همه تسجيل مكاسب على حساب الآخر أو في داخل بلده، أياً كانت الأعداد الهائلة للقتلى والجرحى والمهجرين او الحجم غير المتخيل للدمار.

قال بوتين: «علينا ان نعترف بأن لا أحد سوى القوات المسلحة للرئيس (السوري) يقاتل فعلياً الدولة الإسلامية»، وان «عدم التعاون مع الجهة السورية التي تكافح الإرهاب وجهاً لوجه سيكون خطأ فادحاً». لكن باستثناء بضع غارات ليوم واحد ربما لم تصب أي هدف، أعلن الطيران السوري شنها على مدينة الرقة، معقل «داعش»، بالتزامن مع بدء وصول التعزيزات الروسية الى سورية، لم يحدث أن وقعت معارك فعلية بين الجيش النظامي والمتطرفين، وانتهت معظم «المواجهات» بينهما الى انسحاب جنود الأسد وإخلاء مواقعهم للتنظيم، وخصوصاً آبار النفط التي تساعد في تمويله.
وادعى الرئيس الروسي انه يرسل قواته الى سورية لأنه يريد «محاربة الإرهاب»، لكن الغارات الأولى التي شنها طيرانه استهدفت ريف حمص الشمالي، حيث تنتشر اساساً وحدات من «الجيش السوري الحر» وليس قوات «داعش».

 نظرياً، اختلف اوباما وبوتين حول دور الرئيس السوري في مستقبل سورية، لكنهما توافقا قبل ذلك على ضرورة مشاركته في المرحلة الانتقالية. وعملياً، ارسلت موسكو طائرات وسفناً وذخائر وجنوداً الى سورية، فيما مني البرنامج الاميركي لتدريب مقاتلين سوريين يعدّون بالعشرات بفشل فادح، ولم ولن تقدم واشنطن الى أي طرف سوري معارض ما يمكن ان يشكل توازناً مع الدعم الروسي المتعاظم.
ولا يعني التراشق الخطابي سوى ان موسكو وواشنطن لم تتفقا بعد على تفاصيل تسوية متفق عليها تحدد الخطوات الإجرائية ومداها الزمني، وان الخلافات بين الدولتين الكبريين في هذا الإطار مرتبطة برسم حدود نفوذ كل منهما في العالم، على رغم التفاوت الكبير في قدراتهما.

 وعندما يعلن أوباما بعد ذلك ان المعركة ضد «داعش» ستطول وتشهد انتكاسات ونجاحات، وان الانتصار على التنظيم يتطلب «زعيماً جديداً» في سورية، إنما يقر بأن الحرب السورية ستستمر حتى اشعار آخر وان الأسد سيبقى في السلطة طالما ان مسار المعركة مع البغدادي لم يحسم بعد.
بوتين يعتبر ان من حقه وراثة الأميركي المنسحب من الشرق الاوسط، وأوباما يرى انه طالما قرر الانسحاب فلماذا يشغل نفسه بمن سيحل مكانه في المستنقع الدائم. لكن كليهما جرد القضية السورية من بعدها الانساني وحولها الى مجرد ورقة على طاولة المقايضات.

 غير ان «القيصر» نجح عبر ارسال تعزيزات الى سورية في تحويل الانظار عن الوضع في أوكرانيا. إذ كان العالم كله ينتظر ماذا سيقول عن سورية وما سيعلنه من خطوات بخصوصها، وما اذا كان سيتفق مع واشنطن على حل، وركزت وسائل الاعلام الاميركية والدولية كل اهتمامها على الانشاءات التي يبنيها على الساحل السوري، فأعفت بوتين من العبء الأوكراني.

 لكن اياً تكن «الانتصارات» التي يحققها بوتين في «الكباش» مع الاميركيين، فإن دروس «التجربة الأفغانية»، عندما خرج اسلافه السوفيات مهزومين، لا تزال ماثلة. والجيوش البديلة التي لجأ اليها نظام بشار بعد تفكك جيشه، لم تنفعه. استقدم «الحرس الثوري» الايراني و«فيالق» الشيعة العراقيين والافغان و«حزب الله» اللبناني، ولم يستطع تعديل المعركة لمصلحته ولا ثني المعارضة عن تصميمها. ولن يكون مصير الاستعانة بالجيش الروسي مختلفاً، فالشعب السوري الذي انتفض على أربعين عاماً من الإذلال اليومي سيظل يقاتل عائلة الأسد ونظامها الى ان يقصيهما، حتى لو جاءت روسيا كلها الى اللاذقية.

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٥
فليبدأ بوتين بمنع الأسد من استخدام البراميل المتفجّرة


عندما يلتقي الرئيسان الأميركي والروسي فليس هناك ما يمكن أن يطمئن شعب الدولة الثالثة التي يتحادثان بشأنها. للدولتين الكبريين تاريخ من السمعة الدموية تشهد عليه فييتنام وأفغانستان، واللائحة تطول بين حروب مباشرة وأخرى بالوكالة. وكان الهدف في لقاء نيويورك أن يتفق الاثنان على قواعد جديدة للعبتهما في سورية، منطلقَين من أنهما كانا دائماً متفاهمين، غير أن فلاديمير بوتين برهن امتلاك استراتيجية واضحة عرف كيف يحافظ عليها ويقوّيها طوال أعوام، وهي مضادة تماماً لـ «اللا - استراتيجية» التي اتّبعها باراك أوباما ويواجه اليوم نتائجها. ففي المجمل كان الروسي «شفافاً» في وقوفه إلى جانب نظام وحشي حتى لو تطلّب الأمر إرسال قوات إلى الأرض، وكان الأميركي مخاتلاً في ادعاء دعم الشعب السوري وقد بلغت الكذبة أوجها في مسألة تدريب معارضين معتدلين.

لا مشكلة لبوتين مع إجرام بشار الأسد، وليس لـ «سفّاح الشيشان» أن يلوم أي سفّاح آخر على أعماله، حتى أن «القيصر» الروسي وجد سبيلاً غير متوقّع لإثبات «عظمتـ» ه بدفع عواصم الغرب جميعاً إلى الانقلاب على مواقفها التي كانت تطالب بـ «رحيل الأسد» أو تنحّيه. فالجميع يقول الآن أن المشكلة هي إرهاب «داعش»، كأنه أصل الصراع السوري وبدايته، لذلك أمكن الروس أن يغيّروا معادلات كثيرة في سورية بينها تلك التي اعتمدها «التحالف الدولي ضد الإرهاب» بمحاربة «داعش» من دون محاربة النظام لتصبح «محاربة داعش بالتعاون مع الأسد». وفي ذلك تطبيق حرفي واستجابة «عالمية» لم يتوقعها الأسد نفسه لاستراتيجته التي حوّلت قتله شعبه إلى «قضية إرهاب». وإذ ساهم ظهور «دواعش» وتدفق المهاجرين في زعزعة السياسات الأوروبية الداخلية لمكافحة الإرهاب والهجرة فقد صار «الحل الروسي» أكثر نجاعةً بالنسبة إلى الأوروبيين من انتظار تردّد أميركي لا يبادر ولا يتيح لغيره أن يبادر.

بعدما جرّب الأميركيون إدارة الصراع السوري بميوعة صار واضحاً أنها كانت متقصَّدة، فهم لم يشاؤوا التدخل ولم يشاؤوا أن يتدخل آخرون، متغاضين عن التدخل الإيراني، ها هم يحاولون الإيحاء بأن انتقال تلك الإدارة إلى الروس إنما تتمّ بإرادتهم وشروطهم، ولا يتطلّب سوى شيء من التنسيق. غير أن بوتين بذل الكثير لتأكيد أنه لم ولن يعمل وكيلاً للولايات المتحدة، فكلما زادت ضغطها - الإعلامي - لخلع الأسد ازداد بوتين تمسّكاً به، وحتى عندما صارح بعض زواره بإمكان التخلص من رأس النظام السوري فقد عنى أن ذلك يحصل عندما تنتفي حاجة موسكو إليه وتجد بديلاً منه وعندما يُعرض عليها الثمن المناسب. هذا الثمن هو ما انتظره بوتين من واشنطن منذ أعوام، وما يُفترض أن يكون سمع شيئاً عنه من أوباما. بالطبع، لدى الأخير ما يعرضه لكن «القيصر» لن يقنع بأي صفقة طالما أن الغرب أكّد حاجته إليه.

عشية لقاء أوباما - بوتين كان وزراء الدفاع الأساسيّون في دول حلف الأطلسي لا تختلف عن تلك التي يطرحها السوري العادي: كيف نفسّر تدخل روسيا في سورية، هل هو لحماية مصالحها على الساحل، أم لدعم النظام في الصراع الداخلي، أم لمحاربة «داعش»، أم لتعزيز موقعها في أي مفاوضات مقبلة؟ فلا الـ «ناتو» ولا أحد يعرف بالضبط ما هي نيات روسيا فيما كانت هذه تعلن إنشاء «تنسيق استخباري مع إيران والعراق والنظام السوري». أي أن موسكو باشرت بإقامة حلفها الخاص للراغبين في مشاركتها «الحرب على داعش» التي باتت عنواناً لـ «تشريع» كل تدخّل. وأنهى بوتين حملته الديبلوماسية بمقابلة مع قناة «سي بي إس» الأميركية وضع فيها الرأي العام الدولي أمام معادلة «إما الأسد أو داعش»، متيقناً بأن الخيار سيكون لمصلحته.

كيف يمكن العمل مع الأسد؟ سؤال تواجهه الإدارة الأميركية وكل الحكومات الغربية، لا لأنها تهجس بطموحات الشعب السوري بل لاقتناعها بأنها إزاء أمر واقع لم تشأ أن تتوقعه، لكنه طرق أبوابها واقتحم حدودها عبر المهاجرين، وإزاء تطوّر لم تتحسّب له بخيارات يمكن أن تساوم عليها، فلا هي ساعدت المعارضة السورية على بناء كيان تمثيلي متماسك، ولا قبلت بإسقاط النظام عسكرياً خشية البديل الإسلامي، ولا مكّنت المعارضين المقاتلين من الحؤول دون تسرّب الإرهاب أو تسريبه إلى سورية، ولا خاضت حرباً مجدية على الإرهاب، وإذ عنت مجموعة السلبيات عجزها عن القرار لم يتبقَّ لها سوى أن تحصد نتائج تهاونها وتقول نعم للدور الروسي.

غير أن «القبول» بالأسد لن يكون خياراً مطلقاً من دون شروط وضوابط. هذا ما يبدو أن واشنطن تريد حسمه مع موسكو. فبالنسبة إلى محاربة الإرهاب اعتمد «التحالف الدولي» قاعدتين أساسيتين: أولاً، التركيز على ضرب «داعش» من دون التعرّض لقوات الأسد. ثانياً، استبعاد التعاون مع النظام لأسباب عدة منها علاقة بعض أجهزته بـ «داعش» والصفة الفئوية – المذهبية لقواته واستغلاله المؤكّد للحرب على الإرهاب كي يضرب معارضيه... ويتمثّل الإشكال الحالي في أن بوتين يعتبر تعزيز نظام الأسد ممراً ضرورياً للقضاء على «داعش» متجاهلاً التداعيات على الصراع الداخلي، علماً أنه لم يسبق أن قال كلمة واحدة منصفة في حق الشعب السوري.

ولعل مجرّد حديث الرئيسين الروسي والإيراني عن القبول الغربي بـ «بقاء الأسد» باعتباره انتصاراً لهما «مقابل التفرّغ لمحاربة الإرهاب» (حسن روحاني) يعني أن نظام القتلة بات هو الآخر موعوداً بالانتصار على الشعب السوري، بتزكية مريبة من رئيس إيراني «إصلاحي» (!) ومن رئيس روسي يعلن أن بلاده «لا تقدم المساعدة إلا للكيانات الحكومية المشروعة» والدليل، مثلاً، ما يفعله مع الانفصاليين في أوكرانيا.

وبالنسبة إلى «العملية الانتقالية» فإن واشنطن وحلفاءها يريدونها أن تكون: أولاً مستندة إلى حل سياسي حقيقي مبني على تنازلات جوهرية من جانب النظام بمعنى أن يتضح فيه مصير الأسد والصلاحيات الفعلية لهيئة الحكم الانتقالي، وأن تكون ثانياً متزامنة مع بدء العمليات العسكرية المباشرة لتحرير مناطق الشمال الشرقي من سيطرة «داعش»... وثمة فارق كبير هنا بين التصورين الغربي والروسي، فالأول يريد الحصول على بداية تغيير إيجابي وجوهري في مسار الأزمة، وعلى تعاون فاعل من جانب السكان، لذا يسعى إلى إبقاء المطالبة بـ «رحيل الأسد» على الطاولة. أما الثاني فلا يرى سوى النظام ولا يعرف غيره، ويفضّل منهج النظام وإيران (الإرهاب أولاً ثم البحث في حل سياسي) أي الحسم العسكري ضد المعارضة ثم الحسم - وليس الحل - السياسي. وفيما حدد الروسي لنفسه هدفين هما: 1) «إنقاذ الدولة السورية» ردّاً على من يقول أنه جاء لـ «إنقاذ الاسد» و2) الاعتماد على «الجيش الشرعي النظامي» ردّاً على من يسأله كيف سيحارب «داعش»، وهو يبدو بهذين الشعارين كمن لا يعرف الواقع، فالجيش و «الدولة» يعانيان من كونهما أصبحا جهازين «أسديين» وليسا «وطنيَين».

لا مجال للأوهام، فالقمّة بين أوباما وبوتين هي بين متشابهَين، وليست مواجهة بين الخير والشرّ. والفارق الضئيل بين أميركا وروسيا في سورية ليس مبدئياً، ولا يُترجم بأن أميركا أقرب إلى الشعب أو بأن روسيا صانعة سلام، أي أنه لا يتيح الوثوق بأي منهما، فهما تبحثان عن «صفقة» توفّق بين مصالحهما لمصلحتها، على رغم الصراع المفتوح بينهما. ثمة أسئلة ثلاثة يمكن أن توضح طبيعة تفكير الروسي وبواطن دوره، ولا يُتوقّع أن يكون أوباما طرحه على بوتين: 1) اتفقنا معاً على تصفية مخزون السلاح الكيماوي لدى الأسد، لكنه أخفى بعضه ويواصل استخدامه فهل تمنعه طالما أنك تفعل كل شيء وفقاً للقانون الدولي كما تقول، 2) البراميل المتفجرة هي الاختراع الروسي الأكثر فتكاً بالمدنيين فهل تريد وإذا أردت هل تستطيع إلزام الأسد بوقف استخدامها، 3) نحن متفقون على ضرورة الحل السياسي، فهل أنت مقتنع فعلاً بإمكان إنجازه بوجود الأسد، وهل تضمن أنه لن يخرّبه؟

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٥
حتى لا تنتصر روسيا!!

بحثت عن أعداء روسيا فوجدتهم كثر ..من جورجيا الى اوكرانيا الى الشيشان وأفغانستان وغيرها ..

بحثت عن اعداء ايران فوجدتهم اكثر ..من دول الخليج .. الى دول العالم الاسلامي .. ومسلمي العراق ولبنان واليمن ، والاحواز وغيرهم ..

بحثت عن اعداء امريكا فوجدتهم اكثر وأكثر ..ناهيك عن اعداء النظام السوري ..

كل هؤلاء توحدوا بهدف واحد ومنظومة متكاملة للقضاء على الثورة السورية ( السنية) ...

وكل أعدائهم تشرذموا ، وهم -إن اتحدوا- اكثر منهم عددا وعدة وقوة ...

يتقن أعداؤنا فن تقليل الخصوم .. ونتقن فن استعداء الجميع ..

يتقن أعداؤنا فن تحييد الأعداء .. ونتقن فن تجميع الاعداء ..

يتقن أعداؤنا فن تأجيل المعارك الثانوية .. ونتقن فن إشعال المعارك كلها بوقت واحد .. ولا نقدر عليها ..

يتفنن أعداؤنا في الأوقات الحرجة بسياسة التركيز على الهم المشترك والعمل عليه ، وتأجيل الخلافات إلى مراحل لاحقة لعدم التشتيت .. ونتقن نحن فن فتح كل الملفات مع بعضنا وبحث الفروع والشكليات في عز المعارك..!!

يتقن أعداؤنا في المعارك فن التكامل .. وتوحيد الصورة والخطاب .. ونتقن نحن فن المزايدات على بعضنا : انت تهادن وانا اقاتل ..! بذلنا عشرين شهيد وانت لم تدفع ولا جريح....!!!!

يتجاوز اعداؤنا الخلافات الطارئة الى مرحلة مابعد المعركة .. بينما نحن نقف لبعضنا ، ننتظر الهفوة لنخون بعضنا ونحط من قدر بعض ..

كل إعلامي في المعركة هو إعلامي للجميع .. وكل جهد في المعركة هو جهد الجميع .. بينما نحن يشحذ الاعلامي قلمه ليبرز فصيله ويحط من جهد الاخرين ، ويقدس قائده ويقلل من القادة الاخرين .. وتبذل الكوادر جهودها (إغاثة وتعليم وخدمات) ضمن نطاق الفصيل وفي حدود الولاء له ولاسمه دون غيره...!

يتقن أعداؤنا فن الضربة الواحدة القاصمة المركزة المشتركة .. ونحن نتقن فن أخذ الاستراحات في أحلك الأوقات التي إخواننا بحاجة لجبهاتنا أن تشتعل لأجلهم ..

لا يعمل أعداؤنا إلا بعد تخطيط استراتيجي .. يصبرون ويتحملون ويخسرون وينزفون وهم يخططون .. ثم تكون مرحلة التنفيذ شافية .. بيننا نحن نتقن فن العجلة والتواكل والسذاجة لنتجنب الخسائر ، فلا نعمل جيداً ، ولا نمنع الهزيمة .. ولم يحدث بتاريخ الثورة السورية أن تم عمل واحد بتخطيط استراتيجي مدروس ..

ندرك جميعاً أن الأسد سقط وتهالك .. وأن روسيا وإيران وامريكا يبذلون جهدهم لأجله كي يبقى .. ويبذلون المال والرجال والسلاح ليبقى حليفهم ..

وبالمقابل نؤمن نحن أننا سننتصر ، ولكن يشغل بالنا كيف سأسمح للآخر أن يقطف ثمرة انتصار انا بذلت فيه جهداً يوازي جهده ..؟؟؟

...

إن لم يكن دخول روسيا في المعركة أكبر درس لنا لمراجعة أنفسنا وأخطاءنا ونعترف بها ونعالجها بكل جرأة ..

فأمام روسيا نزهة في سوريا .. نزهة مسلية جداً ...!!

 

اقرأ المزيد
٣٠ سبتمبر ٢٠١٥
أسمع جعجعة ولا أرى طحين.. التدخل الروسي مثال

يصفق طويلاً و متواصلاً و بحرارة إعلام نظام الأسد فرحاً بالدخول الروسي الرسمي إلى ساحة المعارك في سوريا ، و يجلس مرتقباً و يعد الدقائق التي يعلن فيها النصر المؤزر لقواتهم المتعددة الجنسيات و التي أضيف لها جنسية جديدة ، فيما الواقع و الشواهد لا تدل على أن هذه اللحظات ستكون قليلة أو أن النتيجة ستكون حتمية .

في عودة سريعة لعدة نقاط يمكن الحديث عنها كشواهد على أن التدخل الروسي الوقح ، لن يكون ذي فعالية إطلاقاً اللهم من حيث الهالة الإعلامية و كما يعرف "بروبغندا" لا تتجاوز حدود العالم الإفتراضي ، مكتوب كان أم مرئي أو مسموع .

فطوال السنوات الأربع الماضية لم يفراق الطيران الحربي الأجواء السورية ، و لم يستكين أو يتوانى عن القصف الدائم لكل ماهو موجود على الأرض ، و لم يستطع رغم كل ذلك من حسم معركة واحدة و لاحتى تأمين الحماية الكافية لمنصات إنطلاقه "المطارات" ، التي شهدنا على سقوط العديد منها و محاصرات عدد آخر.

طوال السنوات الأربع التي لم تهدأ فيها المعارك في جميع النقاط ، لم يكن سلاح الطيران عاملاً مفصلياً في إنهاء أي معركة أو حسمها ، ان كان عاملاً مساعداً و لكنه ليس حاسم حتماً .

و في ذات الإطار تحتاج الحملات الجوية إلى حملات برية مرافقة ، تتناسب مع أهمية و قوة النقطة التي يتم مهاجمتها ، الأمر الغير متوافر ، فقوات الأسد قد تم إستهلاكها بشكل كامل و تحولت إلى جماعات تعيش على السرقات و النهب ، وحزب الله بات عبارة عن مليشيا فقدت غالبية قيادتها وعناصرها ، و حاضنتها الشعبية بات في الحضيض ، أما المليشيات الشيعية من عراقية و أفغانية و باكستانية ، باتت عبارة عن عصابات متنقلة تبحث عن الآمان ، فيما كسرت إيران على أسوار كافة المعارك التي أعلنت عن وجودها فيها بكل قوة بغية تحقيق نصر ولو صوري ، لكنها فشلت ابتدأً من مثلث الموت في درعا و إنتهاءً في إدلب و سهل الغاب ، ليأتي الدور حالياً على الدب الروسي و الذي يتم استخدام تاريخه و صورته القديمة بدلاً من وضعه الراهن الذي تحول إلى هيكل بلا أي قوة ، بعد أن أنهكه الفساد و تحول إلى مجموعة من شركات السلاح الغير فعالة غير بالتجارة .

وسيقول البعض ان الطيران الروسي طيران متطور وسيحقق تقدم كبير في المعارك وستكون الغلبة للنظام.. لنعد قليلا ونرى السجلات هل انتصرت معركة يوما قوامها الطائرات فقط دون وجود قوة على الارض، لا يوجد على الاطلاق.. واكبر دليل على ذلك اجتماع 63 دولة لقتال داعش الارهابية بطيرانها الأحدث من الروسي ولم تستطع الى الان تغيير خارطة سيطرته بشكل حتى ولو ضعيف بل ما زال التنظيم يتقدم في عدة جبهات ، وهذا ما يزيد التأكيد على أن الكلام عن مفصلية التدخل الروسي "جعجعة بلا طحين."

روسيا تعلن عن تواجدها و دخولها الحرب ، في سعي لإستعادة أمجاد إمبراطورية تحولت أساساتها إلى ما يشبه عجوز في التسعين تركض وراء شاب بالعشرين .

التدخل الروسي لن يكون أكثر من "زوبعة" في الإعلام لتحسين شروط التفاوض على نظام إنتهى و بات في الرمق الأخير ، و لن يكون التدخل الروسي سوى التسريع من إطلاق رصاصة الرحمة لإنهائه .

اقرأ المزيد
٢٩ سبتمبر ٢٠١٥
هل نجحت موسكو يوماً... حتّى تنجح في سورية؟

 

هل من يستطيع القول أين نجح الاتحاد السوفياتي أو روسيا في الشرق الأوسط؟، قد يكون النجاح الوحيد في تاريخ العلاقات العربية مع موسكو أن سورية صارت الآن، بفضل السلاح الروسي والدعم الإيراني تحت وصايات عدّة. هل تقسيم سورية نجاح بحدّ ذاته؟

لم يعد في الإمكان إنقاذ النظام العلوي الذي لجأ أخيراً إلى تسليم قسم من الساحل السوري إلى الجيش الروسي. إنّها الورقة الأخيرة للنظام الذي يقف على رأسه بشّار الأسد. هذه الورقة تثبت أن روسيا ستفشل مرّة أخرى، على غرار ما حصل في الماضي... أي منذ قيام دولة إسرائيل في العام 1948؟

يذكّر الوجود العسكري لروسيا في اللاذقية وطرطوس ومحيطهما بالوجود السوفياتي في مصر الذي زاد بعد هزيمة حرب الأيام الستة في العام 1967. لم ينته ذلك الوجود وقتذاك، إلّا بالقرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس الراحل أنور السادات في العام 1972، وذلك في أثناء الإعداد لحرب أكتوبر 1973. مهّدت تلك الحرب، من وجهة نظر مصر، لتحريك الوضع السياسي في المنطقة وصولاً إلى اتفاقي «كامب ديفيد» في خريف 1978 ثم معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية في مارس 1979. تلك المعاهدة التي لم يفهم معناها ويستوعب أبعادها النظامان البعثيان في العراق وسورية.

الملفت أنّ النظام في العراق كان مرتبطاً بمعاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفياتي منذ العام 1972، في حين أن النظام السوري لم يجد حاجة إلى مثل هذه المعاهدة إلّا بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل وبداية ظهور إشارات إلى توتّر داخلي، ذي طابع مذهبي وطائفي، في سورية نفسها، بما يهدّد النظام الأقلّوي لحافظ الأسد.

أدرك أنور السادات مبكراً معنى الوجود العسكري السوفياتي في مصر وخطورته. أدرك خصوصاً أنّه لن يستطيع شنّ حرب من أي نوع كان على إسرائيل في ظل هذا الوجود، فكان قراره بطرد الخبراء العسكريين السوفيات الذين لم يكن لديهم من هدف سوى تكريس حال اللاحرب واللاسلم التي صبّت دائماً في مصلحة إسرائيل التي تسلّحت دائماً بمرور الوقت لفرض أمر واقع على الأرض، أكان ذلك في الضفّة الغربية المحتلة أو في الجولان.

كانت هذه الحال، حال اللاحرب واللاسلم، في أساس وجود النظام السوري. كانت فلسفة الحكم لدى حافظ الأسد منذ حرب العام 1967 التي لعب دوراً أساسياً في جرّ مصر إليها، عندما كان وزيرا للدفاع. كانت تلك الفلسفة القاسم المشترك الدائم بينه وبين إسرائيل.

متى استعرضنا السياسة التي اعتمدتها موسكو في المنطقة العربية، وحتّى في مناطق الجوار العربي، نجد أن الكرملين لم يستطع يوماً لعب دور إيجابي على أي صعد كان. كان السلاح السوفياتي والروسي الذي رافقه إرسال خبراء عسكريين في كلّ وقت في خدمة أمرين. الأوّل تشجيع الأنظمة على قمع شعوبها، والآخر ضمان عدم حصول أيّ تفوق على إسرائيل التي كانت إلى ما قبل فترة قصيرة رأس الحربة للسياسة الأميركية في المنطقة.

ثمّة من سيقول أنّ الاتحاد السوفياتي دعم القضية الفلسطينية. هذا الكلام غير صحيح بأيّ شكل. الصحيح، إلى حدّ كبير أنّ الاتحاد السوفياتي قدّم كلّ ما يستطيع من أجل بقاء الفلسطينيين في اسر الشعارات التي رفعوها وكي يغرقوا في أسر بيروت وأزقتها ووحول الحروب الداخلية التي عادت على لبنان بالويلات. لم يقف الكرملين في أيّ يوم موقفاً يستشفّ منه أنّه يعمل من أجل كسر الحلقة المغلقة التي بقيت القضية الفلسطينية تدور فيها في ظلّ الحرب الباردة التي انتهت في نوفمبر من العام 1989، عندما سقط حائط برلين.

ما الذي يمكن توقّعه الآن من التدخل الروسي في سورية، وهو تدخّل بدأ يأخذ في الأسابيع القليلة الماضية منحى جديداً؟ الجواب أنّ لا هدف آخر لموسكو سوى تمديد الحروب المختلفة الدائرة على الأرض السورية. ولكن، إذا كان من جديد، فهذا الجديد هو التنسيق مع إيران وإسرائيل في هذا الشأن. الهدف ألا تقوم لسورية قيامة في يوم من الأيّام. في كلّ مكان تدخّلت فيه موسكو عسكرياً وسياسياً في المنطقة، نجد الخراب. ماذا كانت نتيجة الوجود العسكري السوفياتي في الصومال أيّام محمّد سياد بري؟، ماذا كانت نتيجة الدعم السوفياتي لمنغيستو هايلي مريم في اثيوبيا في مرحلة لاحقة؟

هل هناك من يريد أن يتذكّر الدور السلبي للاتحاد السوفياتي في مجال دعم التحولات الكارثية التي شهدها اليمن الجنوبي منذ استقلاله في العام 1967، وحتّى انهيار النظام في مطلع العام 1986 إثر الأحداث المأسوية المعروفة بـ«أحداث الثالث عشر من يناير» التي انتهت بإبعاد علي ناصر محمّد عن السلطة؟

تكفّل الاتحاد السوفياتي بتخريب التركيبة الاجتماعية والاقتصادية في كلّ المحافظات التي كان يتألّف منها اليمن الجنوبي. قضى على كلّ ما هو حضاري في عدن التي كانت منارة من منارات شبه الجزيرة العربية. هجّر كلّ الثروة البشرية التي كانت في محافظات الجنوب والوسط. تتحمّل موسكو، بكلّ راحة ضمير، جزءاً من المسؤولية عمّا يشهده اليمن كلّه اليوم.

في تاريخ التعاطي مع سورية، لم يأت الاتحاد السوفياتي، الذي ورثته روسيا الاتّحادية، بجديد في العام 2015. في العام 1958، إبان الوحدة المصرية ـ السورية، نكّل جمال عبد الناصر، عن طريق الضابط السوري عبد الحميد السرّاج بالشيوعيين السوريين. دفع الشيوعيون اللبنانيون أيضاً ثمن هذا التنكيل. جثة الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، التي أذابها السرّاج بالأسيد، خير دليل على المدى الذي بلغه هذا التنكيل الذي انحازت موسكو إلى جانبه.

التاريخ يكرّر نفسه في كلّ مكان من المنطقة. الجديد في عهد فلاديمير بوتين هو أن الكرملين يلعب الدور المعهود منه أن يلعبه مع آخرين في دعم نظام مرفوض من شعبه. كلّ ما يستطيع عمله من خلال هذا التدخل الذي لا أفق سياسيا له والذي يبرّره بالحرب على «داعش»، هو إطالة عمر نظام ميّت لم يرد يوماً استعادة أرضه المحتلة منذ ثمانية وأربعين عاماً، بل اعتبر دائماً أن الانتصار على لبنان وشعبه بديل من الانتصار على إسرائيل. لن يوفّق بوتين حيث فشل أسلافه. حنينه إلى استعادة عظمة روسيا سيظلّ حنينا، على الرغم من ان لروسيا مصالح في الساحل السوري مرتبطة بالغاز أوّلاً وأخيراً.

لا يمكن للسياسة الروسية في سورية أن تنجح، على الرغم من الدعم الإيراني والإسرائيلي، والتواطؤ التركي. لا يمكن لهذه السياسة النجاح في ظلّ الضعف الذي يعاني منه الاقتصاد الروسي، خصوصاً أنّ أسعار النفط والغاز مستمرة في الهبوط. تكمن نقطة الضعف الكبرى لدى بوتين في أنّه بنى آلة عسكرية كبيرة على قاعدة اقتصادية بالغة الهشاشة. لم يستطع تطوير اقتصاد بلاده وإخراجه، ولو جزئياً، من أسر عائدات النفط والغاز. الأهمّ من ذلك كلّه، أن حصانه في سورية ليس حصاناً، حتّى لو كان هذا الحصان دمية إيرانية... في حين أنّ كلّ ما يهمّ إسرائيل، إضافة إلى تحييد صواريخ «حزب الله» الإيرانية طبعاً، هو التأكّد من أنّه لن يكون في سورية من يرفع صوته ويطالب بالجولان يوماً.

اقرأ المزيد
٢٩ سبتمبر ٢٠١٥
المعضلة السورية

ما يشاع أن هناك «أزمة» سورية لم يعد مناسبا لمقتضى الحال. فالأزمة حالة استثنائية مفاجئة تغير من النظام القائم إلى الدرجة التي تدفع صناع القرار إلى اتخاذ قرارات مقيدة بقصر زمن التحضير لها، تتضمن ضمن ما تتضمن احتمالات استخدام القوة العسكرية. والحقيقة المرة هي أن ما يجري في سوريا لم يعد أزمة، فساعة استخدام القوة العسكرية تنتهي «الأزمة»، ويبدأ «الصراع» الذي تحكمه قواعد مختلفة في الإدارة واتخاذ القرار. الكارثة في الصراع السوري أنه لم يعد مثل كل الصراعات له طرفان اختلفت وتناقضت أهدافهما فاحتكما إلى السلاح، لكي يخضع طرف منهما الطرف الآخر. والحقيقة أنه لم يعد أحد يتذكر كيف بدأ الصراع على سوريا منذ بدأت المظاهرات والثورة في درعا، وبعدها بدأت المواجهة مع نظام بشار الأسد. هذا الفصل من الصراع السوري لم يعد له وجود، وربما مات الربيع السوري حتى قبل أن يأخذ فرصته في الإطاحة بنظام فاسد وعفن وفيه قدر هائل من القسوة. لم يكن هناك زين العابدين بن علي في تونس، الذي ما إن أعلن أنه في النهاية فهم أو تلقى الرسالة، فإنه ذهب إلى المنفى، ودار الزمان دورته في الدولة التونسية. ولم يكن هناك حسني مبارك الذي أعلن طوال حياته السياسية أنه ساعة إعلان الشعب المصري رفضه له، فإنه سوف يترك السلطة، ولكنه لم يذهب إلى المنفى، وإنما قرر أن أرض مصر التي عاش عليها، هي الأرض التي فيها سوف يموت.
لم يحدث في سوريا حتى ما جرى في ليبيا، أو حتى في اليمن، ولم تكن هناك الحكمة التي ظهرت في المغرب والأردن ودول الخليج العربية، باختصار كان السيناريو مختلفا كلية. فبشار الأسد لم يكن لديه لا قدر من الوطنية التي تجعله يحافظ على شعبه، ولا قدر من الحكمة التي تجعله قادرا على معالجة الأزمة، بل على العكس كان لديه استعداد للتضحية بما بلغ 240 ألفًا من السوريين، وأن يتحول نصف الشعب السوري إلى لاجئين. المهم لديه كان أن يبقى، حتى ولو كان ما تبقى له لا يزيد على ربع الأراضي السورية، التي لم يعد يسيطر عليها بعد أن هبط الإيرانيون عليه للحماية، وحزب الله للدفاع، وأخيرا الروس للاحتلال. لم يعد هناك طرفان في أزمة ولا في صراع، وإنما باتت هناك عدة أطراف تتداخل في صراعات مركبة. فقد انقسم الجيش السوري بين جيش الدولة والجيش الحر، وانقسمت جبهة النصرة بين من بقي مواليا لـ«القاعدة»، وذلك الذي شارك في تكوين «داعش» وإقامة دولة «الخلافة». أصبحت هناك خمسة أطراف خارجية متداخلة بين العداء والتحالف فيها، الحلف الدولي والإقليمي بقيادة الولايات المتحدة المضاد لدولة «داعش» في سوريا والعراق، وإيران ومعها حزب الله، وتركيا التي لا تعرف هل تحارب «داعش» أم بشار الأسد أم حزب العمال الكردي؟ ومؤخرا روسيا التي تمددت قاعدتها البحرية على البحر المتوسط لكي تكون قاعدة برية وجوية أيضا. من الحلفاء ومن الأعداء في هذه التركيبات لم يعد معروفا على وجه الدقة؟ ولكن الشعب السوري عرف أنه لم تعد هناك سوريا لكي يعيش فيها.
عشنا الزمن الذي كانت فيه كلمة «لاجئين» تعني «الفلسطينيين» الذين نتجوا عن «النكبة» الفلسطينية في عام 1948، ورغم الوجوه المتعددة للقضية الفلسطينية، فإن وجه «عودة اللاجئين» طبقا للقرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة كان وجها أساسيا للقضية كلها. الآن فإن الكلمة ذاتها أصبحت تعني 12 مليون سوري بداية من يوليو (تموز) الماضي، ثمانية منهم تركوا مناطق إقامتهم إلى أماكن أخرى في سوريا، وأربعة هاجروا لاجئين إلى بلاد الله الأخرى خاصة في تركيا والأردن ولبنان ومصر. هذه الأخيرة كما أعلن مؤخرا باتت تحتوي على خمسة ملايين لاجئ ليس من سوريا وحدها، وإنما من العراق وليبيا والسودان في الشمال والجنوب مضافا لهم إريتريا. وفي الحقيقة فإنه لم يعد أحد يعرف على وجه الدقة من أين أتى اللاجئون، لأن بعضهم عرف اللجوء المركب، فالعراقيون لجأوا إلى سوريا (هناك 3.5 مليون لاجئ) ومع الصراع المحتدم ترك هؤلاء أو بعضهم سوريا، وجرى للفلسطينيين ما جرى للعراقيين بعد لجوء طويل وممتد في سوريا.
النتيجة لم تكن مفاجئة أن أكثر من 600 ألف تركوا الأراضي السورية، وعبروا البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. لم يعد هناك مكان في سوريا يمكن اللجوء إليه، ولا مكان في دول الجوار، أصبحت سوريا معضلة للعرب والإقليم والعالم. تفاصيل ما جرى لهذا الحشد الأخير جذبت انتباه الإعلام العالمي، وفي بعض الأحيان باتت كما لو كانت كارثة أوروبية مفاجئة، ولكن الحقيقة هي أن أوروبا معتادة على قضية اللجوء هذه خاصة من السواحل الأفريقية المختلفة. ولكن إذا تركنا ذلك جانبا، فإن سوريا كارثة عربية بامتياز يتحمل مسؤوليتها السياسية بشار الأسد وجماعته وحزبه. ومع ذلك فإنه، إنسانيا وأخلاقيا، المسؤولية عربية، ليس فقط لأن سوريا عضو في الجامعة العربية، وإنما لأن الشعب السوري، لحما ودما، جزء لا يتجزأ من الشعب العربي.
ومن الطبيعي أن نفهم أن كل الدول العربية لديها ما يكفيها من قضايا حيوية تستلزم كل الانتباه والتركيز، ولكن المعضلة السورية جرح آخذ في التقيح، جاذب لكل أنواع الميكروبات والجراثيم والأعداء من كل نوع، وكل ذلك قابل للانتشار والعدوى التي تتعدى الحدود بسرعة مخيفة. لا يوجد بديل عن قمة عربية صغيرة لأصحاب القدرة على الفعل، ولديهم من المصلحة ما يكفي للبحث عن حل، وطرح مبادرة سياسية لإنقاذ سوريا من الفناء. هناك أفكار كثيرة يمكن التداول فيها بحثا عن حل، أو بداية حل لوقف التدهور وموجات النزوح والغرق، ولكن هذه الأفكار لن تكون لها قيمة ما لم يكن لها عنوان ممثل في ائتلاف عربي على استعداد لتحمل المسؤولية، أو على الأقل على استعداد لمشاركة المجتمع الدولي المسؤولية التي نتحمل بعضا منها الآن من خلال التحالف الدولي، أو من خلال استقبال اللاجئين الذين لا يعرف العالم أن جزءا غير قليل منهم ذهب إلى بلدان عربية. الوقت هنا بالغ الأهمية بعد أن وقفت أهداف التحالف الدولي عند منع «داعش» من التوسع، ولكن تركيا وروسيا ليس لديهما هذه الحدود، وما بدأ في شكل أزمة وانتقل مع الوقت إلى صراع، يبدو أنه في النهاية سوف يصل إلى نقطة الانفجار التي يعلم الله وحده نتائجها.

اقرأ المزيد
٢٩ سبتمبر ٢٠١٥
الفشل الأميركي في سورية

قبل أيام، سلّم أحد القادة العسكريين الذين دربتهم الولايات المتحدة، في الشهور الماضية، أسلحته وذخائره لجبهة النصرة في مقابل المرور في منطقة تسيطر عليها، كما نشرت جريدة نيويورك تايمز الأميركية. كان الخبر بمثابة صدمة للمسؤولين والمراقبين الأميركيين، الذين أنفقوا ملايين الدولارات على تدريب المعارضة السورية وتجهيزها، من أجل محاربة تنظيم الدولة. في الوقت نفسه، وجه مسؤولون سابقون في الإدارة الأميركية انتقادات عنيفة لسياسة الرئيس، باراك أوباما، في سورية، آخرهم الجنرال ديفيد بترايوس، الرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذي أدلى بشهادته أمام مجلس الشيوخ قبل أيام، وأشار فيها إلى تخبط الإدارة الأميركية في التعاطي مع الأزمة السورية.
وقبل أسابيع، تحدثت تقارير عن تزوير مسؤولين أميركيين في وزارة الدفاع تقارير عن نتائج الحرب على "داعش"، فأعطت تقديرات مخالفة للواقع، ما حدا بالبنتاغون إلى تشكيل لجنة تحقيق، لمعرفة مدى صحة هذه التقارير، وهو أمر سيكون كارثة على إدارة أوباما، إذا ثبتت صحته. والواضح أن الحرب على "داعش" لم تحقق النتائج المرجوة، في العراق وسورية، خصوصاً مع تراجع زخم الحملة العسكرية، التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها فى المنطقة وخارجها. وهو ما يتناغم مع فشل برنامج تدريب المعارضة السورية الذي لم يحقق أية نتائج فعلية على الأرض. ويبدو أن الولايات المتحدة سوف تعيد النظر في هذا البرنامج، بعد انتقادات كثيرة وُجهت له، ولعل الضربة القاضية له جاءت بعد شهادة قائد القوات المركزية الأميركية أمام لجنة التسليح في الكونغرس، قبل أيام، وقال فيها إن عدد من يقاتلون تنظيم الدولة ممن تم تدريبهم أربعة أشخاص فقط. وكان الكونغرس قد خصص حوالى نصف مليار دولار لتدريب نحو خمسة آلاف سوري لمحاربة "داعش".
التعاطي الأميركي مع الأزمة السورية فاشل منذ البداية. ليس فقط بسبب عدم التدخل السريع لمساندة الثورة السورية في بداياتها، ووضع حد للمجزرة التي تقوم بها قوات الأسد ضد المدنيين، وإنما أيضاً لعدم التجاوب البناء مع مقترحات عديدة تم طرحها، كان أهمها فرض منطقة حظر طيران على الحدود مع تركيا، من أجل ضمان عدم اتساع نطاق المواجهات، وحماية آلاف السوريين من القتل والتهجير. وازداد الأمر سوءاً، بعد دخول أطراف دولية وإقليمية إلى حلبة الصراع، معظمها على خلاف مع الولايات المتحدة، مثل روسيا وإيران. الآن، بعدما ثبت أن لروسيا قاعدة عسكرية وأسلحة وجنوداً على الأرض السورية، باتت المسألة أكثر تعقيداً. وسوف تتحول سورية إلى حلبة صراع جديد بين موسكو وواشنطن. يأتي ذلك في وقتٍ يتكاثر فيه الحديث عن ضرورة البحث عن حل سياسي للأزمة السورية، يكون الأسد جزءاً منه. ويبدو أنه لم تعد توجد ممانعة غربية فى إشراك الأسد ضمن أية أطروحات مستقبلية لحل الأزمة.
كان الفشل الأميركي الذريع في معالجة الأزمة السورية سبباً رئيسياً في تمدد "داعش" وجبهة

“ الفشل الأميركي  في معالجة الأزمة السورية سبباً رئيسياً في تمدد "داعش" وجبهة النصرة وسيطرتهما على أغلب الأراضي “

النصرة وسيطرتهما على أغلب الأراضي، التي تم تحريرها من قوات النظام. وعلى الرغم من الحملة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة، بالاشتراك مع دول أخرى، ضده، والتي كلفت مليارات الدولارات، لا يزال التنظيم في حالة ثبات وتمدد. وعلى الرغم من دخول تركيا على خط المواجهة ضد التنظيم، إلا أنها لا تزال رهينة حساباتها المعقدة مع الأكراد، والتي تجعلها تتحسب لأي توغل عسكري حقيقي في سورية.
وفي ظل الحديث عن بقاء الأسد في السلطة، ضمن ترتيبات الحل السياسي، بفرض صدقية التقارير المتواترة عنه، يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين سوف يرضخون، بشكل أو بآخر، لمطالب محور (الأسد- بوتين- طهران)، على حساب بقية الأطراف المتداخلة في الصراع، مما يعني ضياع دماء آلاف السوريين وأرواحهم هباء.
الآن، لا تمتلك الولايات المتحدة ترف البحث عن حلول منفردة للأزمة في سورية. وسوف تكون مجبرة على البحث عن تفاهمات وصفقات وترتيبات مع الدب الروسي، الذي لم يعد مجرد حليف للأسد، وإنما صاحب مصلحة أساسية في الصراع. وهنا، قد تواجه واشنطن معضلة تحقيق التوازن بين مصالح روسيا ومصالح حلفائها الإقليميين، الذين لا يرغبون في رؤية الأسد في أية حلول، يتم التوصل إليها لإنهاء الأزمة.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى