مرت بضعة أيام على انطلاق العدوان الروسي على سوريا، والعملية العسكرية المخطط لها بالتنسيق مع الإيرانيين وبمشاركة ما تبقى من قوات بشار الأسد لا تزال في بداياتها. وبحسب ما يتواتر في الأروقة الديبلوماسية الغربية في بيروت فإنها في طور التوسع المتدرج على مدى الشهرين المقبلين في مسعى عاجل لتغيير موازين القوى على الأرض ولا سيما في المناطق الشمالية حيث أفلح الثوار في الوصول الى تخوم منطقة الساحل عقر دار بشار والعلويين. ومن المعلوم أن الهدف الأبعد لروسيا هو تحقيق محاولة تدمير المعارضة المسلحة في أسرع وقت بالاستناد الى قوة نار تدميرية هائلة لا بد انها ستظهر في الأيام والاسابيع المقبلة.
الآن ليس وقت المبادرات الديبلوماسية. الحوارات مؤجلة بانتظار جلاء غبار العدوان الروسي، فإما أن يحدث التغيير الحاسم الذي يعيد إحياء "بشار الجثة"، ويفرض على الاقليم الداعم للثورة والغرب "تسوية" وفق القراءة الروسية للحل في سوريا تقوم على النقاط الثلاث الآتية:
١- بشار جزء من التسوية ويبقى في الحكم مع ماكينته الأمنية والعسكرية والسياسية.
٢- تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تضم الى جماعة النظام شخصيات من المعارضة المسماة "بناءة" وفقا لمعايير موسكو وطهران. مرفقة بخطة إعادة إعمار.
٣- محاربة ما يسمى "إرهاب" وفق التعريف الروسي - الإيراني، أي تشريع القضاء على كل معارضة مسلحة لنظام بشار وللاحتلال الإيراني والعدوان الروسي ومعهم بشار.
إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقرأ السياسة الدولية وفق موازين القوة على الأرض: هكذا كان في أزمة جورجيا، وهكذا كان أيضاً في أزمة أوكرانيا. وازاء سياسة الانكفاء التي اختارها الرئيس الأميركي باراك أوباما تستمر هذه السياسة في إثبات نجاعتها أمام غرب مشتت، متردد على صورة رئيس أقوى دولة الولايات المتحدة. كل المواقف اللفظية التي تصدر عن واشنطن وبقية العواصم الغربية الكبرى غير مجدية، ولاترقى الى مستوى الفعل الروسي الذي يرتسم في سماء الشرق الأوسط. ولن يتغير شيء ما لم يتغير شيء حقيقي في واشنطن بما يعيد أولا تجميع الصف الغربي تحت قيادة توحي بالقوة والثقة، ثم تجميع الصف العربي بدعم جدي من واشنطن منخرطة من جديد في مواجهة روسيا فلاديمير بوتين.
قد تبدو الصورة قاتمة، ولكن رغم كل شيء لا بد للثوار السوريين، وداعميهم الاقليميين أن يتعاملوا بهدوء وروية مع المعطى الروسي الجديد، والعمل معا وبجدية لبناء استراتيجية مواجهة طويلة الأمد لمنع روسيا من اقتحام المنطقة وتثبيت احتلال مزدوج روسي - إيراني في سوريا من شأنه إن نجح أن يفجر المنطقة بأسرها وصولا الى الخليج العربي. يقيننا أن العدوان الروسي ليس مضمون النجاح ما دامت ارادة المواجهة والمقاومة راسخة في سوريا والاقليم. وروسيا ليست اليوم أقوى مما كان عليه الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود. المهم أن يعي الثوار السوريون أنهم إن لم يوحدوا صفوفهم بتشجيع رؤيوي من الاقليم الداعم فإنهم لن يتمكنوا من مواجهة روسيا وإيران وبشار معا. لا بد من تغيير في الرؤية والذهنية لأن الثورة صارت الآن مقاومة.
قبل عدة أيام صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بمؤتمر صحافي في الأمم المتحدة، بأن بلاده "لا تعتبر الجيش السوري الحر جماعة إرهابية"، ومضيفًا: "نعتقد أن الجيش السوري الحر يجب أن يكون جزءا من العملية السياسية مثل بعض الجماعات المسلحة الأخرى على الأرض المكونة من المعارضين الوطنيين السوريين".
وعلى أثر ذلك التصريح كتبنا هنا أن موقف لافروف هذا يعتبر بمثابة غلطة الشاطر، ويجب أن يستثمر المجتمع الدولي، وقبله العرب المعنيون بوقف جرائم الأسد، هذا التصريح، وذلك للتحرك الفوري بدعم الجيش الحر، وضمان ألا يستعيد بشار الأسد ما افتقده من أراض سورية نتيجة التدخل الروسي العسكري، إلا أن الواضح جيدا هو أن الوزير الروسي تنبه لهذه الغلطة، أي غلطة الشاطر، وخرج قبل أمس بتصريحات تناقض تصريحاته الأولى عن الجيش الحر، حيث حاول لافروف استدراك تصريحه الذي اعتبر فيه الجيش الحر ليس بجماعة إرهابية، من خلال تشكيكه بوجود الجيش الحر أصلا. وقال لافروف: "إن أحدًا لم يرد علينا، ولم يمدنا بأي تفاصيل عن هذا الجيش، أو أي وحدات أخرى لما يسمونها المعارضة المعتدلة"!
هذه الورطة الروسية، أو الغلطة، تؤكد ما ذكرناه سابقا بأن ليس لدى الروس خطة في سوريا، كما تظهر أن موسكو استشعرت خطورة تصريح لافروف الأول بعدم اعتبار الجيش الحر تنظيما إرهابيا، وأنه يجب أن يكون ضمن العملية السياسية، خصوصا أن تصريح لافروف الأول لم يكن نتيجة خطأ بالترجمة، ولم يخرج عن سياقه، بل كان في مؤتمر صحافي، ونقلته أيضا وكالة أنباء "سبوتنيك" الروسية. ومن هنا فمن الواضح أن الروس في ورطة جراء التصريحات المتناقضة حول الجيش الحر، والمفروض أن يستغل العرب، والمجتمع الدولي، هذه الثغرة جيدا.
من المفروض أن يكون هناك دعم حقيقي للجيش الحر، تدريبا، وتسليحا، وتمويلا، وكذلك لا بد من الضغط على الروس بأنه أخيرا وجدنا ما نتفق معكم عليه بسوريا، وهو الجيش الحر، كما اتفقنا معكم من قبل على بيان "جنيف1". صحيح ألا أحد يقبل بدعم الجماعات الإرهابية بسوريا، إلا أن لا أحد يقبل أيضا بدعم الأسد، وبعد كل جرائمه بحق السوريين، ولذا فمن المصلحة إيجاد أرضية مشتركة بين الحلفاء ضد الأسد و"داعش"، وبين الروس، فليس المطلوب تأجيج الصراع، لكن يجب عدم القبول أيضا بإنقاذ المجرم الأسد.
ولذا فلا بد من السعي لدعم الجيش الحر المعتدل، والسعي لفرض مناطق آمنة يحظر الطيران فيها وذلك لمعالجة أزمة اللاجئين، وحماية للمدنيين، وعزل "داعش" على الأرض، وضمان ألا يستعيد الأسد ما فقده من الأراضي التي لن تصان إلا برحيله، وبناء على اتفاق "جنيف1"، وكل ذلك ممكن حدوثه في حال تم دعم الجيش السوري الحر دعما جديا، والآن، لأن ذلك هو مفتاح الحل، وضمان أن تصغي موسكو للمجتمع الدولي بسوريا.
لم يكن التدخل الروسي العسكري في سورية مفاجئاً لمراقبين كثيرين، فطوال سنوات الحرب الأربع الماضية في سورية، لم تخف موسكو اصطفافها خلف دكتاتور دمشق، بشار الأسد، ودعم نظامه الدموي بالسلاح والعتاد والخبرات. وكان متوقعاً أن يأتي اليوم الذي تتورط فيه روسيا بالتدخل العسكري، الذي سينتهي حتماً إلى احتلال. وقد بدأت، فعلاً، بعض فصائل المعارضة السورية السياسية تصنف هذا التدخل بأنه احتلال، على الرغم من أن موسكو تقول، إنه جاء بطلب من نظام الأسد "الشرعي". لكن، ماذا تبقى من شرعية نظام قتل أكثر مئتي ألف من أبناء شعبه، وهجر ونفى 12 مليوناً، وفقد السيطرة على ثلتي بلاده التي حوّل مدنها إلى ركام من الخراب؟
التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، أملته المصلحة الروسية، وتحاول موسكو أن تبرّره بمسوّغاتٍ لن تصمد كثيراً قبل أن تنكشف الحقيقة وتسقط الأقنعة، وتسقط معها رؤوس، وربما قوة كبيرة، مثل القوة الروسية المتنامية.
تبرّر موسكو تدخلها اليوم بأنه جاء لحماية نظام الأسد من خطر التنظيم الإرهابي "داعش" الذي يتمدد مثل سرطانٍ يهدد المنطقة برمتها، لكن المسكوت عنه، في هذا التدخل، سعي موسكو إلى إيجاد موقع قدم لها على خريطة الشرق الأوسط المتحولة، منذ ضربه زلزال ثورات الربيع العربي. وهدفها من هذا الاستعمال المفرط في القوة إيجاد ورقة ضغط، وفي أقرب وقت، لمساومة الغرب، ودفعه إلى غض الطرف عن ابتلاع الدب الروسي جزيرة القرم، ورفع حصاره القاسي على الاقتصاد الروسي. وعندما تحاصر دبّاً وتجوعه، انتظر ردة فعله الهجومية. لكن، مثل كل حيوان هائج، لا يمكن توقع حدود بطشه، قبل أن يخرّ منهكاً بجراحه، وغارقاً في دماء ضحاياه وبين أكوام جثثها.
لا شك أن قادة الكرملين يعون دروس التاريخ القريب، لكن عنجهية القيصر بوتين وغطرسته هي التي دفعته إلى الغوص في المستنقع السوري. فروسيا بوتين تريد أن تستعيد مجد القوة السوفييتية المنهارة. ولذلك، نراه لا يتردد في اللجوء إلى استعمال القوة، وبإفراط، لإثبات وجوده وتأكيد تفوقه العسكري. إنه يعتقد أنه استطاع أن يفرض الأمر الواقع في أوكرانيا بقوة الحديد والنار، واليوم، يريد أن يجرّب اختبار استعراض القوة في سورية. لكن، لا شيء سيضمن أن تنجح التجربة هذه المرة. السيناريو القريب إلى الحالة السورية ليست أوكرانيا، وإنما هي أفغانستان تسعينات القرن الماضي. في ثمانينات القرن الماضي، تدخل الاتحاد السوفييتي في أفغانستان عسكرياً، لحماية نظام كابول القريب منه ضد ضربات المقاومات المسلحة من داخل بلاده. فقدم الروس، آنذاك، مساعدات عسکرية واقتصادية ضخمة لنظام حليفهم، محمد نجيب الله، ما عزّز من معنويات نظامه، وكبّد المقاومة الأفغانية التي كانت متصارعة فيما بينها خسائر فادحة.
لكن الاحتلال السوفييتي، آنذاك، لأفغانستان، نجح في شيء واحد مهم، هو توحيد صفوف
"الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، نجح في توحيد صفوف المقاومة التي وحّدتها الحرب ضد الاحتلال الذي جَر قِوى دولية أخرى إلى الانخراط في تلك الحرب"
المقاومة التي وحّدتها الحرب ضد الاحتلال الذي جَر قِوى دولية أخرى إلى الانخراط في تلك الحرب، ولو بطريقة غير مباشرة. انتهت الحرب الأفغانية بالانسحاب المذلّ للاتحاد السوفييتي، ووصول المقاومة إلى أبواب العاصمة كابول، بعد أن فشلت كل محاولات التصدي والتفاوض معها، وتقديم تنازلاتٍ كثيرة لها، قوبلت بالرفض، فسقط نظام نجيب الله، وسقط هو نفسه أسيراً في أيدي مقاتلي "طالبان" عام 1992، لينتهي أمره مشنوقاً ومعلقاً في شوارع كابول.
جاء التدخل السوفييتي في أفغانستان عام 1979 لدعم حليفهم، نجيب الله، ضد هجمات الثوار المعارضين للنظام في كابول، لكن التدخل سرعان ما تحول إلى احتلال دام عشر سنوات من الحروب الطاحنة، تمكّنت فيها المقاومة التي كانت مدعومة من أميركا والسعودية وباكستان والصين من دحر الاحتلال السوفييتي، وأجبرته على الانسحاب عام 1989. وكان من نتائج ذلك الاحتلال تكبيده موسكو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد والسمعة الدولية، وانتهى بالفشل الذريع والبحث عن مخرج من المأزق الأفغاني، فكان ذلك الخروج إيذاناً بنهاية الحرب الباردة التي استمرت أربعة عقود، وإعلاناً مبكراً عن انهيار الإمبراطورية السوفييتية وتفككها.
ما يريد أن يفعله، اليوم، بوتين هو إعادة إحياء مجد الإمبراطورية السوفييتية البائدة، لكنه، مع ذلك، يعيد تكرار الخطأ نفسه، غير آبه بالتعلم من درس التاريخ القريب. فما أشبه الليلة بالبارحة.
من شأن التدخل الروسي، اليوم، في سورية أن يوحّد صفوف المعارضات المسلحة على أرض الواقع التي ستجد نفسها أمام احتلال أجنبي مباشر. كما أن القوى الخارجية الكثيرة المتدخلة في الصراع في سورية ستكون مجبرة على دعم جبهة موحدة للتصدّي للأطماع الروسية في المنطقة، تماماً كما فعلت، أمس، مع الفصائل الأفغانية التي كانت متناحرة فيما بينها، فوحدها القتال ضد الاحتلال السوفييتي والدعم الخارجي لها الذي كان هدفه الإيقاع بالدب الروسي في المستنقع الأفغاني.
لكن، مثلما حصل في أفغانستان، قد يكون المنتصر من الحرب في سورية قوة هجينة، لا أحد يمكنه التنبؤ بها اليوم. تفرزها معطيات الواقع السوري الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد آخر. تماماً كما حصل في أفغانستان، عندما خرجت حركة هجينة اسمها "طالبان" من رماد الحرب منتصراً وحيداً فيها، هذا إذا أمكن أن نسمي من سيغنم الرماد والخراب منتصراً.
يبدو أن قدرنا فى العالمين، العربي والإسلامي، أن نعيش، من جديد، التجربة الروسية بكل ما خلفته سابقاً من آثار سلبية ما زالت ماثلة أمامنا؟ ويبدو، أيضاً، أن آفة حارتنا هي النسيان، كما يقول نجيب محفوظ، أو كما قال موشيه دايان يوماً: "إننا لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نتعلم". ودعونا نستعرض محطات محددة وواضحة في التجربة الروسية مع عالمنا العربي والإسلامي، من دون أن نوغل فى التاريخ، أو ندخل في تفاصيل كثيرة.
نبدأ من الحرب العظمى المعروفة بالحرب العالمية الأولى، وكانت روسيا القيصرية، في بداية الحرب، في معسكر الحلفاء. وكانت تطمع في نصيب من تركة الرجل المريض، أو دولة الخلافة العثمانية المنهارة في ذلك الوقت، وشاركت روسيا في ترتيبات تقسيم وإعادة هيكلة المنطقة العربية التى عرفت بخطة سايكس – بيكو، وهما دبلوماسيان بريطاني وفرنسي أعداها، وشارك معهما، في البداية، مندوب روسيا القيصرية في عام 1916، وما أن نجحت الثورة البلشفية في روسيا 1917 وسقطت القيصرية، وكانت بشائر نصر الحلفاء قد ظهرت، وأصبحت الخطة قيد التنفيذ العملي، ولم يعد بيد العرب ما يمكنهم فعله، أفشى الروس خطة سايكس - بيكو للعرب بعد فوات الأوان. ولكن المهم أن الروس تَركوا لشركائهم الإنجليز، والفرنسيين، العالم العربي الإسلامي، في مقابل دول آسيا الإسلامية التي دخلت في إطار الاتحاد السوڤييتى الجديد.
ودار الزمن، وجاءت الحرب العالمية الثانية، وما أعقبها من تطورات وصعود الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوڤييتى (السابق). والأهم، بالنسبة لنا، قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، ثم إعلان قيام دولة العدو الإسرائيلى في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين 15 مايو/أيار 1948، وليكون الروس مع الأميركان أول من يعترف بتلك الدولة التي قامت على الأرض العربية المغتصبة.
ومع بداية خمسينات القرن الماضي، هبت على المنطقة العربية موجة الانقلابات العسكرية الثورية التي رفعت شعارات التحرر الوطني والقومية والتقدمية، ووجد فيها الروس ضالتهم للنفاذ إلى المنطقة عبر صفقات السلاح، وبرامج التصنيع الكثيف، وإيجاد طبقات عاملة تشكل بروليتاريا عربية. وبالطبع، انتهت تلك البرامج بالفشل، وخلفت آثاراً مدمرة على مجتمعات عديدة، لتعارضها مع المنظومات القيمية والعقائدية للشعوب. ثم كانت التجربة المريرة، تجربة يونيو/حزيران 1967، والدور الروسي في ترويج فكرة وجود حشود عسكرية إسرائيلية في مواجهة سورية، وتعرض سورية لخطر الغزو الإسرائيلي، ودفع مصر إلى التعبئة العامة، ثم
"التجربة الروسية، التي فشلت عندما كان الاتحاد السوفياتي في قوته، في حماية نظام حفظ الله أمين في كابول، لن تنجح في حماية نظام بشار الأسد، ولو أيدها كل أصدقاء الأسد"
تطور الأحداث التي انتهت بهزيمة 5 يونيو. بالطبع، لا مجال لإلقاء المسؤولية كاملة على الروس، ولكن لا يمكن إغفال دورهم، وما كاد غبار المعارك ينقشع عن أخطر هزيمة تعرض لها العرب، وما زالت آثارها ماثلة، حتى بادر الروس بالهرولة إلى مصر وسورية بدعوى الإنقاذ، وكانت دعواهم أنهم قدموا السلاح والعتاد، لكن العرب لم يحسنوا استخدامه، وبالتالي عليهم أن يخضعوا للوصاية العسكرية الروسية عبر الخبراء والمستشارين، من بقايا العسكريين السوڤييت المتقاعدين. وبالطبع، عوّض الروس الأسلحة والمعدات، ولكن، بضوابط صارمة، تجعل من استخدامها في عمليات هجومية أمراً شديد الصعوبة، واتضحت نياتهم في معارضة حرب تحرير الأرض، باتفاقهم مع الأميركان على تسكين الأوضاع في المنطقة. وباقي القصة بين الرئيس أنور السادات والروس وقراره إبعادهم عن الجيش المصري، وعن مصر كلها، معروف. وبدون ذلك، ما كان يمكن لحرب أكتوبر أن تنجح على الجبهة المصرية، أما على الجبهة السورية، فقد اختلف الأمر كثيراً، لوجود خبرائهم.
وتستمر التجربة الروسية، وتمتد إلى أفغانستان، وهي التجربة الأقرب إلينا اليوم. كان الروس يدعمون الانقلاب والحكم الشيوعي في أفغانستان، والذى جاء بعد سقوط نظام الملك محمد ظاهر شاه، وابن عمه محمد داود خان، واستيلاء نور محمد تراقي على السلطة، وعقده اتفاقية صداقة وتعاون مع السوڤييت تتيح للحكومة الأفغانية طلب التدخل العسكري. وفي العامين 1978 و1979، كانت المقاومة الأفغانية ضد الحكم الشيوعي قد بلغت مداها، ولم تعد الحكومة التي كان يرأسها حفظ الله أمين، بعد أن انقلب على تراقي وقتله، تسيطر سوى على العاصمة كابول، وما لا يزيد عن 20% من أراضي أفغانستان. وهنا طلب حفظ الله أمين تدخل الروس لحماية نظامه، وكان ما كان من تدفق القوات الروسية إلى كابول، بحجة أنها تلقت دعوة رسمية من الحاكم الشرعي، والباقي، أيضاً، معروف. تدفق المجاهدون الإسلاميون على أفغانستان، ودارت حروب استنزاف طويلة، استمرت عشر سنوات، حتى أعلن الروس انسحابهم من أفغانستان عام 1989. وما أشبه الليلة بالبارحة، لا يسيطر بشار الأسد إلا على العاصمة دمشق، وما لا يزيد عن 20% من الأراضي السورية، والروس يتدفقون بقواتهم على دمشق، بدعوى تلبية دعوة من الحاكم الشرعي، وتطبيقاً لمعاهدة صداقة وتعاون سبق توقيعها فى زمن فات. كم ستبقى قوات الروس في سورية؟ وكم ستتكبد من ثمن؟ وهل ستلعب الصواريخ الأميركية ستينجر التي أمد بها الأميركان المجاهدين في أفغانستان الدور نفسه في سورية، أم ستكون مثل تلك الصواريخ بعيدة المنال عن المقاومة السورية؟
هل هناك تجارب روسية أخرى، علينا أن ندرسها ونتعلم منها؟ نعم، لكنها في مناطق أخرى، قد تكون بعيدة عنّا، لكن السلوك هو نفسه، الاقتراب المحسوب، عدم تكرار التورط بعد التجربة الأفغانية، عدم تجاوز الخطوط التي تحدّدها أميركا وأوروبا، بشكل مباشر وغير مباشر. والأمثلة كثيرة في أوكرانيا، توقفت روسيا عند شبه جزيرة القرم، وخضعت للعقوبات، والتزمت بالتفاوض في غير ذلك. في إيران، التزمت بما توصلت إليه مجموعة 5+1 بالنسبة للمشروع النووي، في أوروبا الشرقية، لم تسع إلى أي إعاقة لتوجهاتها نحو الاتحاد الأوروبي، وقبل ذلك استسلامها لهدم حائط برلين، وتوحيد شطري ألمانيا، وقبض الثمن.
التجربة الروسية، والتي فشلت عندما كان الاتحاد السوڤييتى في قوته، في حماية نظام حفظ الله أمين في كابول، على الرغم من أنف الشعب الأفغاني، لن تنجح، بالقطع، في حماية نظام بشار الأسد في دمشق، ولو أيدها كل أصدقاء الأسد.
تبقى هناك أسئلة معلقة: من الذي سمح للروس بالدخول إلى قلب المعترك السوري - العراقي بهذا الشكل؟ وما هو المقابل بالضبط؟ ما هي حدود الحركة والتنسيق بين الروس والأميركان والأتراك وإيران، وأيضاً العدو الإسرائيلى، على أرض العرب، في الشام والعراق؟ ولعله من نافل القول، للأسف، أن نتساءل عن موقف، أي موقف، لأي طرف عربي. والسبب بسيط، هو أن العرب، وفقهم الله وعافاهم، مشغولون بحربهم المقدسة ضد الإرهاب.. المحتمل.
يشكل التدخل العسكري الروسي لإنقاذ نظام بشار الأسد مدخلاً إلى تغيرات مهمة في خريطة الحرب السورية وفي مستقبل الحل فيها. لم يكن فلاديمير بوتين بحاجة إلى هذه المغامرة لو أن اعتماد الأسد، على مدى السنوات الأربع الماضية، على الدعم الإيراني، حقق الغاية التي كانت مؤملة منه. سقوط نظام الأسد كان سيعني، بالنسبة إلى موسكو، خسارة كبرى لنظام حليف في المنطقة العربية، ألقت بثقلها إلى جانبه سياسياً، وأنقذته من ضغوط القرارات الدولية باستخدام الفيتو في مجلس الأمن أكثر من مرة لحمايته، وكانت تتوقع، كما توقع كثيرون، أن تكون أموال إيران وميليشياتها وأسلحتها، فضلاً عن دخول «حزب الله» مباشرة في الحرب، كافية لحمايته عسكرياً.
لم تنجح المهمة الإيرانية في حماية النظام في وجه معارضيه. وكان اعتراف بشار الأسد بذلك استثنائياً عندما أعلن أن جيشه بات عاجزاً عن حماية كل الأراضي السورية، وهو ما يعني من الناحية العملية، العجز عن استعادة المناطق التي خسرها بعد سيطرة التنظيمات المعارضة، على اختلاف اتجاهاتها، عليها، والتي أصبحت تمتد على مساحة ثلثي الأراضي السورية. دفع هذا الاعتراف بالأسد إلى الحديث عن «سورية المفيدة» التي سيضطر جيشه إلى جمع ما بقي من قواته للدفاع عنها ومحاولة الاحتفاظ بها، والتي تشمل العاصمة والمناطق المحيطة بها ومناطق الساحل السوري التي تشكل القاعدة المذهبية لحماية النظام.
كثيرون يتوقفون اليوم عند البحث في أسباب فشل إيران في حماية نظام الأسد وما سيرتبه ذلك على المستقبل السياسي للنظام السوري وللبلد. وتشمل هذه الأسباب العقبات المذهبية التي ظلت قائمة في وجه التدخل الإيراني، الذي بقي غريباً عن انتماء ومشاعر الأكثرية السورية، في الجيش كما في البلد، والحملة الإقليمية الواسعة على مسعى طهران لـ «احتلال» بلد هو في قلب المنطقة العربية ويشكل جزءاً أساسياً من تاريخها. وفي داخل سورية، كما في خارجها، ينظر كثيرون بإيجابية إلى الفشل الإيراني، الذي دفع النظام إلى الاستعانة بالدعم الروسي. وتسود قناعة في أجهزة الحكم السورية، بأن الاعتماد على الدعم الروسي أمر «طبيعي» في سياق الموقع الاستراتيجي للنظام وتحالفاته التقليدية وهوية سلاح الجيش السوري والخبرات والتدريبات التي يخضع لها ضباطه وجنوده. فبالمقارنة مع السطوة الإيرانية على عاصمة الأمويين، يبدو التدخل الروسي أهون الشرين والأقل ضرراً، خصوصاً أنه يأتي في السياق التقليدي للعلاقات التي أقامها نظام البعث مع موسكو، بدءاً من الأسد الأب إلى اليوم.
وليس من قبيل المصادفة أن يرتبط الحديث عن الدور الذي تلعبه موسكو في الأزمة السورية بحديث عن نظام «علماني» يمكن أن يقوم في سورية كمخرج للصراع الطائفي المتفشي فيها ووسيلة لإفراغ هذا الصراع من طبيعته المذهبية. فكلام كهذا، بصرف النظر عن واقعيته وقابليته للتحقيق، لا يمكن تصوره في ظل الحماية الإيرانية للنظام السوري، أو في حال بقيت طهران تمسك وحيدة بمفاتيح الحل، وهي التي يلتزم الحكم فيها بانتماء مذهبي واضح.
غير أن التدخل الروسي، بعيداً عمّا يمكن أن يقال فيه من «إيجابيات»، وخصوصاً من جانب المدافعين عنه من أهل النظام، يبقى هيمنة خارجية على القرار السوري، تذكّر بتجارب مريرة للاتحاد السوفياتي لدعم عملائه من الحكام الغابرين في دول أوروبا الشرقية. وغزو بودابست وما ارتكبته الدبابات السوفياتية ضد «ربيع براغ» كما في دول أخرى ضمن منظومتها آنذاك لا تزال في الذاكرة... كما لا تزال في الذاكرة النتائج التي انتهت إليها تلك الغزوات.
التدخل الروسي يبقى تدخلاً إلى جانب طرف في النزاع ضد أطراف أخرى تمثل أكثرية الشعب السوري. غير أنه يمكن أن يفتح الباب أمام مخارج ممكنة إذا استخدم أوراق الضغط التي يملكها على النظام للقبول بتسويات واقعية تنهي الصراع وتضع حداً للكارثة السورية.
لن ينزل بوتين الى الأرض ولن يقاتل في الميدان السوري إنه يقصف من الجو ومن ارتفاعات عالية، لكن وحول المستنقع الدموي السوري تستطيع ان تحلّق عالياً ايضاً، لتلوّث صورته وتصنّف تدخله اذا استمر على وتيرته الحالية في استهداف مواقع المعارضة، كأنه يخدم "داعش"، وبما قد يفضي أو يفرض قيام الدولة العلوية التي باتت الآن قاعدة عسكرية روسية، يستشيط الإيرانيون غضباً حيالها!
هل من المعقول ان يكون العالم من أقصاه الى أقصاه كاذباً وبشار الأسد الصادق الوحيد، إضافة طبعاً الى بيانات موسكو عن عمليات القصف، الذي يقال إنه يستهدف "داعش" بينما تؤكد واشنطن ولندن وباريس وأنقرة وبون والتقارير الميدانية التي ترصد العمليات، انه يستهدف مواقع المعارضة، التي أعلنت أمس تنديدها باستهداف مناطق مدنية جنوب دمشق وشرق أدلب بهدف تهجير أهلها بما يتلاءم مع التطهير المذهبي المطلوب لقيام "دولة سوريا المفيدة" على ما قيل ان موسكو لمّحت إليه بمعنى قيام الدولة العلوية!
كان من الفاضح ان تعلن موسكو بعدما تعرضت للانتقادات في اليوم الثالث لبدء عملياتها الجوية، بسبب تركيز الضربات على مواقع المعارضة، انها تعتمد على الإحداثيات التي حددها النظام السوري، الذي ليس هناك في بنك اهدافه سوى مواقع المعارضة، أما "داعش" فقد كانت منذ البداية سلاحه السري الذي أطلق نواته من السجون ثم استعمله لتحويل مسار الحرب من صراع شعب ضد النظام الى قتال مزعوم للنظام ضد الإرهاب!
مسخرة المساخر ان لا تعرف القيادة الروسية مثلاً ان الجيش السوري نفّذ ٩٨٢ عملية عسكرية عام ٢٠١٤، ويتبيّن ان ستة في المئة منها فقط كانت ضد "داعش" ربما على سبيل التعمية، أما العمليات الأخرى فكانت ضد المعارضة، ومسخرة المساخر مثلاً ان تتحدث البيانات العسكرية الروسية عن تنفيذ ستين غارة في ثلاثة أيام وتتجاهل وقوع أكثر من ٤٠ قتيلاً من المدنيين السوريين!
ومهما بلغ الانزعاج الغربي المزعوم من الانزلاق الروسي الى القتال في سوريا ليس من المعقول ان ينخرط أوباما وديفيد كاميرون ومانويل فالس وأنغيلا ميركل، إضافة الى رجب طيب اردوغان، في بث الأكاذيب عن استهداف القصف الروسي المعارضة كما يقول الاسد، الذي يتهم دول "الائتلاف الدولي ضد الإرهاب بأنها هي التي صنعت الإرهاب وتدعمه!
في أي حال لن يؤدي القصف الجوي الى تغيير في المعادلات الميدانية، اللهم إلا المساعدة في تحسين وتدعيم عملية ترسيم حدود الدولة العلوية، واذا استمرت وتيرة القصف مستهدفة المعارضة وفق بنك الأهداف الذي حدده النظام، سيقدّم بوتين أكبر خدمة لتنظيم "داعش" لكنه سيكون قد انزلق الى وحول أفغانستان سورية بعينين مفتوحتين... وطبعاً بدفع خبيث من أوباما!
شهدت بلدات ريف حماة الشمالي اليوم احتفاليات كبيرة بمناسبة حلول الذكرى الثالثة والستين لميلاد الرئيس الروسي حليف نظام الأسد " فلاديمير بوتين " شارك بها الآلاف من مقاتلي فصائل الجيش الحر من فصائل "تجمع صقور الغاب - تجمع العزة - جيش السنة - الفرقة 13 - الفرقة 101 - جبهة الشام - جيش النصر - جيش الإسلام" بالإضافة للألاف من عناصر فصائل جيش الفتح " حركة أحرار الشام الإسلامية - جبهة النصرة - أجناد الشام - جيش السنة - فيلق الشام " .
وبدأت الاحتفاليات من ستة محاور في مناطق " عطشان - لطمين - مورك - كفرنبودة - معان - معركبة " بتقدم أرتال الدبابات وعربات البي أم بي المصفحة على الطرق الرئيسية في هذه المحاور ، حيث أعلنت فصائل الثوار علن انطلاقتها بشكل رسمي ، وخلال دقائق بدأت المراسم الاحتفالية بالمفرقعات و الانفجارات الشديدة في كل الاتجاهات ، وبدأت أرتال الدبابات ومن خلفها عربات البي أم بي المصفحة يليها الجنود الراجلين تتحرك بشكل متناسق على كل المحاور وتحاول الدخول بين جموع المحتفلين بالتزامن مع تحليق الطيران المروحي لقوات الأسد على علو منخفض وهو يقوم بتمشيط المناطق المحيطة بمناطق الاحتفال لضمان أمنها وسلامتها وعدم تعرضها لأي اعتداء سافر .
ولم تكن مدفعية وراجمات جبل زين العابدين ببعيدة عن هذه الاحتفاليات إذ أبت إلا أن تشارك فيها بإطلاقها أكثر من مئتي صاروخ عنقودي من قمة الجبل ، ارتفعت على شكل حبال في السماء في منظر بهيج وهي في طريقها باتجاه مناطق الاحتفال في بلدات ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي .
وبعد ساعات قليلة من بدء مراسم الاحتفال وعلى أنغام أصوات الانفجارات والأهازيج بدأت المرحلة الثانية من الاحتفالية بعروض عسكرية بهلوانية للطيران الحربي في أجواء المنطقة شاركت بها طائرات روسية حديثة والتي استهدفت عدة أهداف ثابتة في الأراضي الزراعية والمناطق المحيطة قدمت خلالها عرضاً للقنابل العنقودية والفراغية شديدة الانفجار والتي تملكها القوات الجوية الروسية .
تلاها التحدي الكبير بين الأسلحة العالمية حيث شاركت في العروض أسلحة روسية الصنع من دبابات ومجنزرات مصفحة يقابلها مضادات للدروع للولايات المتحدة الأمريكية في تحد واضح بين الأسلحة الروسية والأمريكية وتبيان الأجدر في المقاومة والمناورة ، حيث تقدمت الدبابات الروسية وعربات البي أم بي المصفحة في منظر مهيب ويقابها في الطرف الثاني صواريخ التاو الأمريكية وبدأ التحد بقوة وبدأت صواريخ التاو تغرد فرحاً وطرباً بهذا اليوم لتبدأ سلسلة جديدة من الانفجارات في الأليات الروسية حيث قدمت وزارة الدفاع الروسية اثني عشر دبابة وأكثر من ثمان عربات بي أم بي في خسارتها أمام المضادات الأمريكية ، فكانت ضربة قاصمة للسلاح الروسي وتغلب السلاح الأمريكي وهذا ما تسبب بإغماء أحد الضباط الروس الكبار المشاركين في الاحتفاليات لهول ما رآه من قدرات المضادات الأمريكية نقل على إثرها بواسطة عربة بي أم بي إلى مشافي ريف حماة لتلقي العلاج .
وتكريماً لما حققته صواريخ التاو من جدارة في المعركة قدم ضابط رفيع المستوى من ضباط النظام المشرفين على سير الاحتفاليات ثلاث دبابات بأسلحتها الكاملة هدية لفصائل الثوار لتعم الفرحة وتعلو التكبيرات في سماء المنطقة فرحاً بهذا النصر الكبير .
وماتزال الأفراح ومراسم الاحتفاليات في المنطقة على أشدها في هذا اليوم العظيم الذي سيخلد التاريخ ذكراه ولن ينساه يوماً رئيس روسي قدم ما قدم من دعم لنظام الأسد لقتل الشعب السوري وكيف رد الشعب الثائر له عربونه بهذه الاحتفالية الكبيرة في ذكرى ميلاده الذي طالما انتظره الشعب السوري البطل .
يلحظ المتابع للبيانات الروسية المتعلقة بشأن العدوان الروسي على سوريا ، مناحٍ عديدة ، من حيث الكم و النوعية و الآلية التي تقود الماكينة الإعلامية المرافقة للعدوان التي تتشابه مع الآلة العسكرية الروسية الجلفة و الضخمة بفعالية ضعيفة .
مع عشرات البيانات و التصريحات التي تنثر على مدار الساعة في وسائل الإعلام الروسية ، تؤكد لنا أن هذا الضخ يأتي من فراغ تام و من عدم ، و هو عبارة عن مساحات في إعلام مغيب منذ قرون و تحول فجأة لدائرة الضوء ، كراقصة هرمة.
و لكن درجة التغابي في التعامل مع الغارات ، تحول البيانات التي من المفروض أن تكون رصينة أو عسكرية متينة ، إلى عبارة عن "نكتة" و مزحات يداعب بها الأطفال بعضهم البعض ، و تتحول إلى كلمات أغنية جبلية غبية يرقص عليها الموالين للنظام و يعتبرونها دليل تفوق .
بالعودة إلى البيانات و التصريحات المتراشقة من كل مكان و بكل الإتجاهات ، يأتي حديث المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوفعن أنه " لا نستبعد قيام إرهابيي داعش بنسف المساجد في تدمر وغيرها من المدن السورية من أجل فبركة تصويرات مزورة بهدف إتهام روسيا بذلك" ، و هذا تكرار جيد لمجسمات دمشق و ساحة العاصي في حماه ، و كذلك كذبة حمزة الخطيب و القاشوش و الـ300 ألف شهيد ، فكلها فبركات ، ليبقى الأسد و صحبه و الآن روسيا و عبيدها ، هم زارعي الورود و الشعب هو العشب الضار .
و يمضي الإعلام الروسي "المتخلف" و الراكضين معه من النظام التبعي ، لينقل تصريح مدير عام الآثار في نظام الأسد الذي طالب بتنفيذ ضربات جوية روسية على مدينة تدمر للقضاء على تنظيم الدولة لإنقاذ ما تبقى من آثار ذات قيمة حضارية كبيرة ، و كيف يحمي الأثار بالقصف بالطيران ، و كيف لم يطلب هذا الأمر من نظامه ، و كيف سبق و أن هاجم التحالف الدولي عندما قصف تدمر ، و لماذا غاب هو والعالم بأسره عندما تعرض 40% من تدمر للتدمير .
الحرب الإعلامية التي تترافق مع العدوان العسكري على سوريا ، هي دليل إضافية على أن هذه الحرب ماهي إلا عبارة عن كلمات و بعثرة نشاط ، ومحاولة يائسة لإعادة أمجاد دب تحول إلى تمثال شمع .
رسالة موجّهة إلى حكام الخليج، أعني منهم من دَعم أهل السنة في اليمن، وحرّك أساطيل الجو في عاصفة حزمٍ أفرحتْ قلوب المؤمنين، وأغاظت الخونة والمجرمين.
...
نقول لكم يا من ائتمنكم الله على رقاب المسلمين ودمائهم وأعراضهم، إن الله سائلكم على دماء مسلمي سورية، الذين يبادون منذ خمس سنوات، أمام مرأى ومسمعٍ منكم ومن العالم أجمع، على يد العصابة الأسدية وميليشياتها من المرتزقة، وعلى يد قوات الاحتلال الإيرانية والروسية.
..
فماذا قدّمتم لنصرة هذا الشعب الذي له عليكم حق العروبة والإسلام؟
هل قدّمتم له بعضاً من سلل الإغاثة والطعام والدواء؟ شعبُنا لا يحتاج ذلك لو أنكم ساعدتموه على إنجاح ثورته، الشعب السوري لم يقم بثورته من أجل طعامٍ وشراب، إنما ثار ليتسرد حريته وكرامته السليبة على يد مجرمٍ سفاحٍ مغتصب للسلطة، فلو أنكم وقفتم معه بقوة لنيل حريته، وتحرير بلده، لكان الآن هو من يوزّع سلل الأغذية والمعونة على فقراء العالم من خيرات بلاد الشام.
..
هل قدّمتم له بعض الدعم لتسليح بعض الفصائل؟ ما قيمة هذا التسليح إذا لم يكن بالقدر الكافي لمواجهة ترسانة النظام المجرم الذي أمدّه حلفاؤه من إيران وروسيا وغيرها بأضعاف أضعاف ما قدمتم للفصائل؟ بل ما قيمة هذا الدعم إذا لم يتضمن مضادات للطائرات التي تقصف المدنيين وتدمر المباني فوق ساكنيها، وتزرع الرعب في قلوب أطفال سورية، وتهجّر الملايين من السكان خوفاً من الموت ببراميلها وصواريخها؟
..
هل استقبلتم بعض قادة الفصائل عندكم وزودتموهم ببعض احتياجاتٍ ورواتبَ لعناصرهم؟ فماذا يُغني ذلك إن كان ما قدّمتم لهم من دعم سبباً في ترسيخ فُرقتهم، وزيادة الشرخ بينهم؟ ألم يكن حريّاً بكم أن تقدّموا هذا الدعم مشروطاً بالوحدة؟ أو أن تتفقوا فيما بينكم على دعم جسمٍ موحدٍ لا تدعمون سواه عوضاً عن دعم فصائل متناحرة؟
..
هل قدّمتم لهذا الشعب وعوداً وخطابات وتصريحات متضامنة مع الثورة في المؤتمرات والمحافل الدولية؟ فماذا أغنت هذه التصريحات والوعود والمأساة تتفاقم يوماً بعد يوم، وآمال الكثيرين تتضاءل يوماً بعد آخر، حتى يأس كثير من الشباب من هذه الوعود وراح يضرب في الأرض مشرقاً ومغرّباً لا يهمه أستقبله غرب أم شرق أم بلاد كفر أم بلاد إسلام؟
....
لقد تابع العالم باسره كيف تدخلتم - مشكورين- في بلاد اليمن نصرة لأهل السنة ضد عصابة الحوثيين المدعومة من إيران المجوسية، وأفشلتم مخططاتها في احتلال اليمن وجعلها تحت سلطة الاحتلال الإيراني.
لكن الشعب السوري يسأل:
هل أهلنا في اليمن يختلفون عن أهل الشام؟ لماذا فرّقتم في النصرة بين من جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في البركة حين قال: " اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا"؟
هناك تدخلتم للحفاظ على الشرعية، وهنا لماذا لا تتدخلون لخلع من فقد الشرعية؟ هناك تدخلتم لوجود عدوٍّ خفيٍّ يقود الحرب ضد أهل السنة، وهو إيران المجوسية، فيما هي في الشام عدوٌ ظاهر يصول ويجول ويضرب ويفاوض؟
أليس جنودها وزبانيتها في الشام هم أضعاف أضعاف ما لديها في اليمن؟ ألم تحشد على أهل الشام حزب اللات والحرس الثوري الإيراني وميلشياتها من العراق وأفغانستان وغيرها؟
...
إيران التي هددت أمنكم، وجاهرتكم بالعداء، ها هي فضائحها في البحرين تتكشف بعد ثبوت تورّطها في الهجمات الأخيرة وضلوعها بتجهيز مصانع الذخيرة في البحرين لضرب استقرار هذا البلد.
ها هي تهدد المملكة العربية السعودية على لسان خامنئي الذي طالب بوضع مكة تحت الوصاية.
فإلى متى تنتظرون الرّد عليها في الشام، هل تنتظرون إذناً من دول الغرب التي صالحتها على مصالحكم؟ وأغلقت لها ملفاً يؤرّقكم دون حلٍّ يرضيكم؟
...
والآن ها هو العدوّ الروسيّ يصول بطائراته متحدياً كل الأعراف والمواثيق، ليمارس دوره في قتل أكبر عددٍ من مسلمي سورية، في احتلالٍ واضحٍ لسورية، فيما غضّت الدول الكبرى الطرف عنه، فماذا أنتم فاعلون؟
...
لو كان الروس والإيرانيون يشنون هجوماً على مسيحي سورية لناصرتْهم كل دول الغرب ولقامت الدنيا وما قعدت لأجلهم، أما وأن الهجوم على أهل السنة فمن تنتظرون أن ينصرنا؟ ألا يقع الواجب في ذلك عليكم بالدرجة الأولى؟
...
لقد كنّا وما زلنا وسنظل ننتظر النصر من الله وحده، لكننا نقول لكم يا حكام الخليج:
إنَّ تدخلكم الآن لنصرة أهل الشام ولضرب النظام القاتل وأعوانه في سورية، هو واجبٌ عليكم، إن قصّرتم في أدائه فلن يرحمكم التاريخ، ولن تغفر لكم شعوبُكم.
نعم قد يخسر أهل الشام مزيداً من الأرواح والدماء، لكن الخسارة الأكبر لن تكون بعيدة عنكم، بل ستكون من نصيبكم أنتم عندما يرى العدوّ الإيراني والروسي أنه قد كسر خط الدفاع الأول عن أهل السنة في المنطقة، وسيأتي وقتها ليفرض عليكم ما يريد دون أن تجدوا عندئذٍ من يناصركم.
...
لذا أقول لكم: لا تفرّطوا بأهل الشام، فإنهم يدافعون عن الأمة، وعن شرف الأمة، وعن كرامة الأمة، وعن بلاد الخليج، وعن بلاد الحرمين، فلا تخذلوهم، ولا تُسْلِموهم لعدوهم، فالمسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يُسلمه.
ألم تسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ".؟
...
يا أيها الحكام: اتقوا الله في دماء أهل سورية، وهبّوا لنصرتهم، واضربوا عدوهم وعدوكم ضربة حزمٍ دون هوادة، فما نفع أساطيلكم وسلاحكم وعواصفكم إن لم تنصر أهل سورية في هذا الوقت العصيب؟
لا تخشوا من أمريكا وغيرها فوالله إن الشعوب المسلمة في العالم تتحرق لتأييدكم إن فعلتم، وإن الله سيعينكم إن صدقتم، والشعب السوري سيشكر لكم صنيعكم، والتاريخ سيحفظ لكم وقفتكم، وأما إن تخاذلتم فانتظروا من الله الخذلان في الدنيا والآخرة، وانتظروا الهوان في أعين عدوّكم.
...
أسأل الله أن يوفق من كان منكم في خدمة الإسلام والمسلمين وأن يعينه على ذلك، وأن يستبدل منكم من خذل المسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الذهاب إلى الحرب أسهل بكثير من العودة منها. هكذا يقول التاريخ. ومن عادته ألا يكذب. تحتاج الطلقة الأولى إلى شجاعة أو تهور. تحتاج الطلقة الأخيرة إلى واقعية تساعد على تجرع الخيبات ومرارات التسويات. وفي الحروب التي يمكن أن ترتدي ولو زوراً نكهة دينية أو مذهبية تتقدم الخسائر على الأرباح حتى لدى المنتصر. ففي هذا النوع من الحروب لا مكان لضربة قاضية أو أخيرة.
على الذين يستعدون للاحتفال بتورط الجيش الروسي في أفغانستان جديدة أو فيتنام عربية أن يتمهلوا قليلاً. المسرح مختلف بتركيبته وموقعه فضلاً عن تغير المشهد الدولي. ثم أننا لا نزال في بدايات هذا التدخل. ومن المبكر الخروج باستنتاجات من هذا النوع. وإذا كان يمكن وصف فلاديمير بوتين بالمغامر لتدخله عسكرياً في نزاع بهذا التعقيد فإن من التسرع اعتباره حتى الآن مقامراً ألقى ببلاده في حرب بلا حدود. لا بد من الانتظار فهو أفضل مستشار.
على الذين يستعدون للاحتفال بقلب المعادلة في سورية وطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط الرهيب أن يتمهلوا قليلاً. لا يعلن النصر في مطلع الحرب وقبل اتضاح مجرياتها وخواتيمها. الوضع السوري شديد التعقيد ولا يسمح بانتصارات مدوية. ويصعب الاعتقاد أن بوتين يخطط لإعادة الوضع السوري إلى ما كان عليه قبل أربعة أعوام لأن ذلك متعذر. ويصعب تصور أنه يخطط لطحن المعارضة السورية بمجملها ولو كلفه ذلك انهيار علاقات بلاده بالعالم السني. ثم أن معركة بهذا الحجم تلقي على روسيا مسؤولية إعادة إعمار ما دمرته الحرب ولا شيء يوحي بأن اقتصادها قادر على النهوض بمثل هذه الأعباء. هنا أيضاً الانتظار أفضل مستشار.
على الذين يعتقدون أننا في الطريق إلى أزمة تشبه أزمة الصواريخ الكوبية أن يتمهلوا قليلاً. سورية ليست قبالة السواحل الأميركية. إنها بعيدة. ولم تكن أصلاً في المعسكر الأميركي. ثم أن هذه المقتلة الواسعة تدور على أرض بلد تبدو حكومته مرشحة حالياً للعيش تحت قبعتين روسية وإيرانية أو الوقوع تحت انتدابين. سورية ليست كوبا. وبوتين ليس خروتشوف. وأوباما ليس جون كينيدي. تحمل الأزمات ملامح مكانها وزمانها على رغم عبر الماضي أو مراراته.
لا بد من الانتظار لمعرفة أهداف التدخل العسكري الروسي وحدوده. هل جاء الجيش الروسي لمحاربة «داعش» أم لقصم ظهر المعارضة السورية؟ هل جاء لضمان حدود «سورية المفيدة» وإجراء تعديلات طفيفة عليها أم لدفع المنطقة غير المفيدة نحو المزيد من التشرذم والانهيار والأفغنة والصوملة؟ هل جاء للمرابطة في مناطق النظام لحجز مقعد في الحل حين تنضج ظروفه أم أنه دخل الحرب وفي جيبه حل سيقدمه؟ هل يراهن على إعادة إنتاج النظام نفسه مع عمليات تجميل محدودة أم أنه يخطط للحصول من النظام الذي أنقذه وطمأن قاعدته الصلبة على تنازلات جدية تسمح بعملية سياسية يمكن تسويقها عربياً ودولياً؟
أسئلة أخرى لا بد منها. هل سيدفع النظام ثمن المظلة الروسية تنازلات تفتح باب الحل أم سيستنتج عكس ذلك؟ وهل تقبل إيران حلاً تحت قبعة الجنرال الروسي بعدما كانت تراهن على انتصار النظام تحت قبعة الجنرال سليماني؟ ليس هناك حل في سورية يمكن أن يعطي إيران ما كانت تتمتع به قبل اندلاع الأحداث. وليس هناك حل يوفر لـ»حزب الله» ما كان متوافراً له عشية الأحداث.
بكلام أوضح. الحل القابل للعيش لا بد أن يتضمن شراكة فعلية بين المكونات. هذه المشاركة تدخل بالتأكيد تعديلاً في سياسات سورية الداخلية وفي علاقاتها العربية والإسلامية والدولية. تستطيع موسكو التعايش مع حل من هذا النوع لكن السؤال هو عن طهران. ثم إذا كان الحل في سورية يقوم بالضرورة على تعديلات في الشراكة فان حلفاء إيران في بغداد سيجدون أنفسهم مطالبين بجعل مشاركة السنة في السلطة فعلية وحقيقية على رغم اختلاف النسب السكانية بين البلدين. لا انتصار على «داعش» من دون معالجة قلق السنة في «الهلال».
وجه التدخل العسكري الروسي في سورية صفعة جديدة إلى صورة أميركا وصدقيتها. تردد أوباما متعب لحلفاء بلاده وأصدقائها. لكن بوتين لا يملك ترف إخفاء نواياه طويلاً. يقدم خلال أسابيع مشروعاً مقنعاً للحل أو ينزلق إلى حرب يصعب حسمها أو الخروج منها. طريقة دعم الكنيسة الروسية لحربه لم تكن حصيفة. أي دخول له في مواجهة طويلة مع مشاعر العالم السني ستجعل بلاده تفوز بلقب «الشيطان الأكبر». لتفادي اللقب يحتاج إلى تنازلات جدية من النظام الذي جاء لإنقاذه. لغرقه في حرب طويلة على أرض سورية أثمان على أرض روسيا نفسها وفي الحزام الإسلامي على حدودها.
التاريخ شيخ وقور علمته الأيام. على من يرتكب الطلقة الأولى أن يمتلك تصوراً فعلياً لتقريب موعد الطلقة الأخيرة. اندفع القيصر في مجازفة كبرى. يخرج بكأس صانع الحل أو يرجع بلقب «الشيطان الأكبر».
تشهد الأزمة السورية نقلة كبيرة مع وصول مئات الجنود الروس إلى سورية، برفقة أحدث ما لدى الجيش الروسي من طائرات ودبابات. تذكّر هذه النقلة بنقلة أخرى، مرت بها الأزمة عقب انخراط إيران، وحلفائها من المليشيات العراقية واللبنانية، إلى جانب النظام بعد معارك صيف 2012.
تعلم روسيا التي راقبت انتكاسات النظام في الأشهر القليلة الماضية أن الجيش النظامي فقد كل رغبة أو قدرة على تحقيق اختراق ذي معنى في الحرب الدائرة داخل سورية، وأن سياسة دعم الجيش بقوى غير نظامية من عناصر سورية في البداية، ومن ثمّة، رفده بعناصر عراقية ولبنانية في مرحلة ثانية، وأفغانية ثالثاً ثم إيرانية في النهاية، لم تعد تجدي نفعاً سوى في المحافظة على بعض المناطق، واستعادة بعضها، ما يعد "حيوياً ومهماً"، لكن، من وجهة نظر إيران.
ولكي يرد حلفاء النظام على الانتكاسات التي تعرّض الجيش النظامي لها، وخصوصاً في إدلب ودرعا، فإن الاختيار انحصر في واحد من أمرين: إيفاد قوات عسكرية من عشرات آلاف العناصر، إلى ساحة القتال، تواجه، كتفاً إلى كتف الجيش النظامي، الثوار، أو الرضوخ لمنطق التسوية الأميركي السعودي.
وقد عرضت إيران، بشكل علني، إرسال قواتها إلى سورية. وبالفعل، وصل مئات الجنود الجدد إلى سورية، بعد زيارة وزير دفاع النظام، فهد الفريج، إلى طهران في أبريل/نيسان الماضي، وانتشروا في الساحل وحماة وحمص ودمشق. وعلى أية حال، فقد ظلوا بعيدين عن الأنظار. ومنذ ذلك الحين، غدت التصرفات الإيرانية أكثر إحراجاً للنظام. ولكن، لم يكن هناك بدّ من السكوت. وطرأ تحول على استراتيجية النظام في شهر مايو/ أيار، عندما طلب بشار الأسد، في مقابلة مع وسائل إعلام روسية، من روسيا تعزيز وجودها في سورية. لم يكتف بهذا الطلب، بل أرسل موفدين أمنيين وعسكريين رفيعين إلى موسكو، لمناقشة الطلبات السورية.
ولأن موسكو لم تكن تريد أن تتنازل بسهولة أمام خسائر النظام، أو أن تغطي تدفق عشرات الآلاف من جنود الحرس الثوري الإيراني، والذي قد ينتهي بتفاهم إيراني أميركي بشأن سورية، فقد أخذت قرارها بالتدخل لصالح النظام. مع ذلك، اقتضى القرار الروسي حصول اتفاق بين روسيا وإيران على خطة التحرك وتقسيماً للعمل. لذلك، أوفدت طهران رجلها، قاسم سليماني، إلى موسكو لعقد التفاهمات الرئيسية.
ولفهم مجريات العمليات العسكرية المستقبلية، وتحليل عناصر تقسيم العمل بين موسكو وطهران، على الأرض السورية، لا بد من استقراء المصالح الروسية والإيرانية في سورية والمنطقة.
تقسيم العمل
تعد منطقة الساحل السورية نقطة انطلاق للاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط. ولموسكو قلق وهواجس من دور تركيا في شمال سورية، لانعكاساته المحتملة على استراتيجيتها البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط. وموسكو مهتمة بالتطبيقات الجيوسياسية للجغرافية السورية التي تشكل "مسرحاً استراتيجياً" يؤثر في قضايا حيوية عديدة للنظامين الدولي أو الإقليمي: (الصراع العربي الإسرائيلي، القضية الفلسطينية، القضية الكردية، الصراع العربي الفارسي، الصراع التركي الفارسي، الصراع السني الشيعي، أنابيب النفط والغاز، أمن الخليج).
"الخطورة في مشروع إيران السوري أنها تعمل على إحداث تغييرات ديمغرافية، من قبيل تهجير سكان منطقة ما، وإحلال سكان آخرين مكانهم"
هذه العوامل تجعل الاهتمام الروسي يطاول جميع أجزاء الجغرافية السورية، على أن يتم التعامل مع هذه الأجزاء وفق أولويات متدرجة، تشمل الساحل ومتعلقاته في إدلب في البداية، وفي الأهمية نفسها، زيادة طوق الأمان حول دمشق، ولاحقاً مدينة حلب، ثم تأتي بقية المناطق.
في المقابل، تعتبر طهران أن السيطرة على منطقة دمشق الكبرى، والتي تضم مدينة حمص بطبيعة الحال، أولوية لاتصالها بلبنان عبر القلمون وريف حمص، واتصالها بالعراق عبر البادية، وبفلسطين عبر سهل حوران والقنيطرة. وتقلق إيران من الاستراتيجية السعودية، عدوتها الإقليمية التي تحاول الانقضاض على دمشق، عبر رؤوس جسور تنطلق من غوطة دمشق وسهل حوارن. فالاستراتيجية الإيرانية في سورية لا تهتم بكامل الأراضي السورية، بل بتحقيق التواصل بين سورية والعراق عبر حمص، وبين لبنان وسورية عبر حمص وريف دمشق، وجنوب سورية مهم بالنسبة لطهران للضغط على إسرائيل. والخطورة في مشروع إيران السوري أنها تعمل على إحداث تغييرات ديمغرافية، من قبيل تهجير سكان منطقة ما، وإحلال سكان آخرين (شيعة على الأغلب) مكانهم.
وبناءً على ذلك، يمكن توقع أن تركز إيران عملياتها في أي تقسيم عمل على جنوب سورية وشرقها، في مقابل تركيز روسيا على الأقل في المرحلة الأولى، على شمال سورية وغربها. حيث ستعمل روسيا على زيادة تأمين منطقة الساحل، عبر استعادة السيطرة على مدينة جسر الشغور في ريف إدلب، ومن هناك، تدمير الاستراتيجية التركية المنادية بـ"حلب أولاً"، عبر إسقاط للقوة من الساحل إلى المدينة عبر طريق اللاذقية - حلب المار من سراقب وأريحا. لكن موسكو ستكون حريصة على زيادة تأمين النظام في دمشق، بمساعدته على حسم بؤر درعا وغوطة دمشق.
وعلى أية حال، يؤكد وصول قوات روسية إلى العاصمة دمشق وانتشارها في العباسيين وانتقال قيادة العمليات على جبهة جوبر من الإيرانيين إلى الروس، نيات روسية حيال غوطة دمشق الشرقية عموماً.
انعكاسات.. وخطوط حمر جديدة
أعاد الانتشار الروسي في سورية التأكيد على خطوط موسكو الحمراء في الأزمة السورية. وجاء الوجود العسكري ليوفر ضمانة صلبة لمصالح روسيا الحيوية في سورية، سواء في استمرار النظام، أو في ضمان أمن الساحل السوري.
انهارت الضمانات التي قدمتها واشنطن لموسكو، بخصوص عدم تعريض الساحل لتهديد
"ستضطر كلّ من واشنطن وأنقرة والرياض وعمّان وإسرائيل للتكيّف مع الوجود الروسي العسكري، وربما التنسيق مع موسكو"
عسكري، عقب سيطرة "جيش الفتح"، مدعوماً من تركيا والسعودية، على إدلب، وهجومه لاحقاً نحو سهل الغاب. وترافق ذلك مع المعادلة التي أعلنتها السعودية، القاضية برحيل بشار الأسد بحل سياسي، أو بعد هزيمة عسكرية للجيش الذي استثمرت فيه موسكو سياسياً وعسكرياً أكثر من 60 عاماً، ما يقضي على نفوذ روسيا في الشرق الأوسط تماماً.
في المقابل، ستشدد طهران على خطوطها الحمراء السابقة، والتي تشمل خطوط التواصل بين النظام وحزب الله وحمص والسيدة زينب في ريف دمشق، بينما ستضطر كلّ من واشنطن وأنقرة والرياض وعمّان وإسرائيل للتكيّف مع الوجود الروسي العسكري، وربما التنسيق مع موسكو.
فتحت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أبواب التنسيق العسكري مع روسيا. وبينما ما زال من المبكر القول إن واشنطن وموسكو وصلتا إلى تقسيمٍ يحصر الجهد الحربي الأميركي في العراق، والروسي في سورية، فقد دلت عدة مؤشرات على نية إسرائيل حصر عملياتها في محافظة القنيطرة، وربما في محيط قرية حضر فقط، حيث أسس حزب الله وإيران بنية مؤيدة لهما. في المقابل، انسحبت عمّان إلى موقع الحياد وقررت تفكيك غرفة "الموك"، وهو قرار يبدو أن واشنطن ليست بعيدة منه. وربما كانت السعودية وتركيا أكثر الأطراف المستهدفة من الانتشار العسكري الروسي. السعودية التي تعتقد أن دمشق لا بد أن تُنتزع من براثن النفوذ الإيراني، وتعود عربيةً كما كانت، سيكون عليها تأكيد خطها الأحمر حول غوطة دمشق الشرقية وحوران، بينما ستجد تركيا نفسها أمام تحد كبير فيما يتعلق بإدلب، وأكبر فيما يتعلق بحلب.
وسبق لسورية أن اجتازت مرحلة مماثلة، في مطالع العام 2013، إبّان بدايات الدخول الإيراني العسكري إلى البلاد، حيث تم تحديد دوائر وخطوط حمر لتقييد الحركة الإيرانية في الميدان السوري، وخصوصاً في شمال البلاد وجنوبها. وأدى خرق إيران، في مطلع العام الجاري، هذه الخطوط الحمراء، إلى تفعيل التحالف التركي السعودي، والذي تمكّن من كسر الهجمة الإيرانية نحو درعا وحلب في البداية، ومن ثمة قلب الطاولة على الإيرانيين والنظام، عبر هجومين في إدلب ودرعا، استدعيا الانتشار الروسي الحالي.
لكن، هناك هذا الفارق الأساسي بين التدخليْن، الإيراني والروسي، بالنسبة لكل من تركيا والسعودية. لقد عرّفت أنقرة والرياض التدخل الإيراني بوصفه "احتلالاً لسورية"، و"عدواناً" على مصالحهما، لكنهما ارتبكتا إزاء التدخل الروسي، على الرغم من محاولات الرياض المنفردة لوضع حدود معينة.
وفي النهاية، فإن التدخل الروسي، بشكله الحالي، حسّن مواقع إيران الإقليمية، إذ بينما وجدت طهران حليفاً دولياً (روسيا) تشد أزرها به في المواجهة على النفوذ في الهلال الخصيب، وسط تهافت أميركي وغربي على التعاون مع نظام الملالي في المنطقة، فإن أنقرة والرياض لا تثقان كثيراً بحليفهما الدولي (الولايات المتحدة)، وربما اضطرّتا، تحت تأثير ذلك، إلى إطلاق مشاورات سياسية مع موسكو بشأن عملياتهما الإقليمية.
بوتين.. بريجينف أم أندروبوف؟
يرسم بعضهم سيناريو مستقبلياً لسورية بعد التدخل الروسي، مشابهاً لما جرى في أفغانستان عقب الغزو السوفييتي، وهم بذلك يغفلون عن فوراق كبيرة بين الحالتين، ربما في مقدمتها الفارق بين فلاديمير بوتين "الواقعي القاسي"، والرئيس السوفييتي الأسبق، ليونيد بريجنيف "الأيديولوجي المتعصب". وربما كان من الصواب تشبيه بوتين بالزعيم السوفييتي، يوري أندروبوف، وتدخل الأول في سورية، بتدخل الأخير في الأزمة اللبنانية عام 1983، إلى جانب حافظ الأسد المهزوم.
فإثر تحطيم الجيش الإسرائيلي الجيش السوري العامل في لبنان، وتدمير منظومات السلاح السوفييتية المضادة للطائرات والطائرات السوفييتية التي كانت في حوزة حافظ الأسد فوق الأراضي والأجواء اللبنانية، تدخل أندروبوف، بكل قوة، لترميم القوة السورية، بينما لعبت طهران دوراً مهماً في بناء حزب الله الذي عمل على إخراج الإسرائيليين من المناطق الشيعية في لبنان.
يشابه وضع النظام العسكري في مواجهة خصومه وضعه في تلك المرحلة من حرب لبنان. ويعتقد بوتين أنه أندروبوف آخر، سيعيد إنقاذ أسد آخر من مصيره أمام القوى الغربية. وعلى أية حال، لا يبدو أن في وسع روسيا تكرار تجربة أندروبوف في لبنان، وعلى الأرجح، أن يقود التدخل الروسي سورية إلى تجارب مشابهة لما جرى في بلدان أخرى، دخلها الجنود الروس في هذا العقد، مثل جورجيا وأوكرانيا.
-
احتل التدخل الروسي الأخير في سوريا مساحات واسعة في الصحف ومواقع الإنترنت ما شكل قلقا لدى السوريين المعارضين للنظام من أن تستخدم هذه الضجة في حرب نفسية جديدة على السوريين، ولعب الإعلام اللبناني المحسوب على محور “الممانعة والمقاومة” دوراً كبيراً في تهويل الأمر منذ البداية متابعاً نهجه المناهض للثورة السورية منذ انطلاقتها، وشارك في ذلك بعض الجهات الإعلامية المعارضة للنظام، وكان إعلام النظام السوري أبرز المشاركين في هذه الحملة ووصل الأمر به إلى بث أغان وطنية روسية على قنواته الرسمية مقرونة باستعراضات عسكرية للجيش الروسي، وساعدت المعلومات التي بثتها المصادر الأميركية عبر تسريبات لوكالات الأنباء في توفير مادة غنية لتوجيه الأنظار نحو التدخل الروسي في سوريا، حيث تحدثت التسريبات الأمريكية عن رصد تحركات روسية في الساحل السوري شملت وصول طائرات روسية جديدة إلى سوريا ووصول عسكريين روس ومدرعات وأرفقت المصادر الأمريكية كل ذلك بصور التقطتها الأقمار الاصطناعية تثبت ذلك، آتت هذه الحملة أكلها عند بعض المعارضين السوريين فأصبح شغلهم الشاغل حجم الترسانة العسكرية الروسية ومدى فعالية طائراتها وصواريخها!.
لا أريد التقليل من أهمية الحدث ولكنه في الحقيقة لا يعدو أن يكون عائقاً جديداً يضاف للمعوقات التي حالت بين الشعب السوري وحريته، فالوجود الروسي في سوريا هو كوجود ميليشا حزب الله اللبناني والميليشيات الطائفية الأخرى و”داعش”، وكما تمكن السوريون من التكيف مع وجود هؤلاء سيتكيفون مع الوجود الروسي.
وبالعودة إلى ما يبثه إعلام النظام فإنه من البديهي أن الامكانات العسكرية يجب أن تبقى سراً فلا تريد أي دولة أن يعلم أعداؤها عن مدى قوتها وحجم ما تمتلكه من سلاح، لكننا نرى النظام السوري يذيع أخبار ما يصل إليه من سلاح ويكشف عن أنواع جديدة من الأسلحة الروسية لم يتم استخدامها من قبل، فلماذا يفعل النظام السوري ذلك؟
إن كل ما يقوم به اعلام النظام السوري والروس لا يعدو أن يكون حرب روسية باردة جديدة وروسيا لديها خبرة قديمة في هذا المجال، وتهدف هذه الحرب لكسر شوكة الثوار السوريين في ظل تنامي قوتهم بعد سيطرتهم على إدلب بشكل كامل وتوجههم إلى معقل النظام في الساحل السوري.
من جهة أخرى فإن أياً من الأطراف الدولية لن يقبل بتفرد روسيا في القضية السورية ونشر قواتها على أراضيها بسوريا، فإيران التي أنفقت أموالا طائلة في دعمها للنظام السوري مقابل حفاظها على نفوذها في المنطقة وتأمين خط إمداد لحزب الله لن تقبل بتنحيتها جانبا وتسليم الدفة للروس، والولايات المتحدة لن تقبل أيضا من منافسها القديم الدائم أن يسيطر على إحدى أهم دول الشرق الأوسط و لن تقبل كذلك بنشر قوات روسية بالقرب من حدود حليفها العراقي.
إن كل ما يطمح إليه الروس هو الظهور بمظهر القوي المنافس للولايات الأميركية المتحدة والحفاظ على أسطولهم مقابل سواحل مدينة طرطوس السورية وربما أصبح الروس يرون أن تقسيم الدولة السورية بات قريباً فأرادوا أن يكونوا أحد اللاعبين فيه بتثبيت مناطق نفوذ لهم في سوريا، خاصة أنهم باتوا مقتنعين بأنهم لن ينالوا ذلك بالسياسة بعد وقوفهم الطويل ضد الثورة السورية وبعد فشل كل محاولاتهم الرامية لإجهاضها، لقد ظهرت هذه النوايا الروسية مؤخرا خاصة في الاجتماعات التي جرت بين بوتن أوباما مؤخراً حيث أكد بوتن عن عدم نيته إرسال جنود إلى سوريا، وهذا ما يفسر عدم وجود قلق أميركي حيال الأمر منذ البداية، يبدو أن الأمريكيين قد كانوا مطلعين على نية روسيا بالتدخل منذ البداية ومتفهمين لرغبة روسيا في أن يكون لها حصة في “كعكة سوريا” لتقبل روسيا بتغيير النظام السوري.
الأكيد أن إرسال روسيا لطائراتها لن يؤدي إلى تغيير عسكري حقيقي لصالح النظام السوري على الأرض لكن هذا التدخل ربما يفسح المجال أمام استلام الروس للملف السوري من جانب النظام الأمر الذي سيقصر من عمر النظام على عكس ما يريد مؤيدو النظام السوري والنظام نفسه من هذا التدخل.