كنا قد تحدثنا في قسمنا الأول عن الثوابت التي أعلنها مجلس قيادة الثورة العشوائية وغير المنتظمة في التراتبية والأولوية وذلك لأن هذا الوليد الخَدج لم يخرج من الحاضنة بعد ولادته فما زال يعاني من اليرقان والاصفرار وما زال مضطرب النمو و هو بحاجة لدم وقلب جديد ينعشه ويخرجه من حالته الراهنة وهذا الدم متوافر بكثرة لكن أهله لا يبحثون عنه بل هم يفتشون عن القديم المهترئ ذو الصمامات المغلقة والتي هي بالأصل تحتاج لإنعاش .
ففي القاعدة العامة لأي مؤتمر يتم تنظيمه يكون هناك خطوط عريضة تُبحث وجدول أعمال جدي يُعمل به وورش عمل تنطلق قبل تنظيمه حتى يتم إقرارها والأخذ بها وإحصاءات ودراسات تَناقش لكن مجلس قيادة الثورة نسي كل شيء فهو يريد أن يحضر الناس على عجل فمؤتمر الرياض على الأبواب و لا بد من تسمية المدعوين لهناك أو لينبه القائمين عليه أننا هنا لا تنسونا بالله عليكم فنحن أهل الثورة وجاهزون للتوقيع على ما تريدون لكن يجب أن نحضر فقد نحصل على العطايا .
و في خلال عقد المؤتمر تم وضع استبيان من سبعة عشر بنداً وهي تكرار للثوابت التي وضعوها وتم أخذ رأي الحاضرين من خلال ورقة وزعت تحمل هذه البنود ولكن المفاجأة التي ستذهل السوريين الشرفاء الأحرار بين إجابات الحاضرين و التي أستغرب فعلاً أنهم مدعوون لمجلس قيادة الثورة وحتى من أنهم ثوريون بالمطلق .
جاء البند رقم ثلاثة عشر في الاستبيان كالتالي :
لا حل سياسي في سوريا ما لم تتوقف كل أشكال القتل والترويع والقصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة .
صّوت لهذا البند 198 صوت بنعم و 5 بلا و7 امتنع عن التصويت ، هؤلاء الأشخاص الذين صوتوا بلا أو امتنعوا عن التصويت أسألكم بالله أنتم مع الثورة أم مع الأسد وعصابته ، أسأل ضمائركم إن كنتم تحملونها تطلبون حل سياسياً وبراميل الأسد ما زالت تحصد الأرواح جيئة وذهابا ، توافقون على الحل السياسي وهو يزرع الدمار ويقطف الطفولة ، ما أنتم سوى
جاء البند رقم خمسة عشر في الاستبيان كالتالي :
التفاوض مع النظام المجرم يكون على تسليم السلطة .
صّوت لهذا البند 173 بنعم و 16 بلا و11 امتنعوا عن التصويت . أعود أقول للممتنعين و للرافضين ماذا تريدون بالضبط هل تؤيدون العمل العسكري البحت وسحق الأسد وعصابته بالقوة إذا كنتم تريدون ذلك فعليكم بالموافقة على وحدة العمل العسكري و توحيد الفصائل فلماذا صّوت البعض بالامتناع عن بند التوحيد رقم واحد وأن التوحد هو الضامن لأي حل سياسي . أعتقد أنكم حضرتم لتفشلوا مؤتمراً بالأصل هو هزيل البنية ضعيف الهوية .
جاء بالبند السادس عشر كالتالي :
محاكمة النظام المجرم بكافة أركانه على جرائمه بحق الشعب السوري أمام محكمة سورية خاصة واسترداد ما نهبوه من ثروات .
صّوت بالموافقة 200 وبلا 2 وامتنع 8 عن التصويت ، حقيقة مستغرب موقفكم ورأيكم هذا إن كنتم ثوريون حقاً فماذا تريدون ؟
هل ترغبون بالعفو عنهم أم ماذا ؟ أم تخافون أن تشملكم المحاكمة ، ما هو مطلب الشعب السوري الحر الثائر على الطغيان أليس سيادة العدل والحكم بالميزان وعودة الحق لأصحابه أم لكم رأي أخر ؟ .
حقيقة أثبت هذا المجلس أنه عبارة عن هلام غير قادر على الثبات إن لم يبادر أعضاؤه و منظموه على الإستعانة بالخبرات واستقطاب أهل الثقة و الوطنية الحقة وليست المكتسبة فلن تكون له قائمة ولن يكون جسداً يحمل روح الثورة .
فثورة كالثورة السورية عظيمة بكل ما تحمل الكلمة من معانِ حري أن يكون لها جسدُ له أركانه ويتمتع بالحيوية والاستقلالية والديناميكية يعبر عن مكنوناتها الجبارة وتضحيات أبنائها الكثيرة .
الدراسة التي نشرتها قبل أيام المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قرعت جرس إنذار في العالم باستثناء لبنان على رغم أنه البلد الاكثر استضافة للاجئين في العالم قياسا على عدد سكانه ومساحته. ففي هذه الدراسة يتبيّن أن عدد اللاجئين في العالم بلغ في نهاية عام 2014 نحو ستين مليون لاجئ. أما ما يعنينا مباشرة في هذه الدراسة فقولها أن"الصراع الدائر في سوريا منذ 4 أعوام، أدى الى لجوء 3 ملايين و880 ألف شخص في نهاية 2014 الى الدول المجاورة في الشرق الاوسط، كما أدى الى نزوح 7 ملايين و600 ألف داخل الاراضي السورية... إن واحداً من أصل 5 نازحين في العالم هو سوري الجنسية".
التحذير تلو التحذير الذي يطلقه وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس المعني مباشرة، وآخره الذي ورد في التقرير الذي رفعه الوزير الى الرئيس تمام سلام ضاع في زحمة الكلام على تلبية مطالب العماد ميشال عون المدعومة من "حزب الله" في شأن التعيينات الامنية كشرط لمعاودة مجلس الوزراء جلساته. والنقطة الاساسية في تقرير الوزير درباس تتناول تنسيق الجهود مع الاردن من أجل إيجاد مناطق آمنة يعود اليها اللاجئون السوريون الموجودون في لبنان (البالغ عددهم مليون ونصف مليون لاجئ) والموجودون في الاردن على السواء. فهل ما يقترحه الوزير درباس ضرباً من الخيال؟
تبعاً للأولويات التي يفرضها "حزب الله" على لبنان، يبدو اقتراح وزير الشؤون الاجتماعية خياليا فعلا، ومثله مقترحات وزير الداخلية نهاد المشنوق التي تردد أنه طرحها مجدداً على "حزب الله" لمعالجة وضع عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في بلدة عرسال وحدها وتقضي بإنشاء مخيمات لهؤلاء اللاجئين في مناطق جديدة في الداخل اللبناني. والسبب هو أن هذا الحزب لا يريد أن يسمع اليوم كلمة "لاجئ" تبعد الاهتمام عن كلمة "تكفيري" المقدسة عنده.
يروي أفراد تمكنوا من الوصول الى الاراضي السورية عبر الحدود مع الهرمل أنهم شاهدوا دماراً هائلا في الممتلكات في مناطق واسعة انطلاقا من مدينة القصيّر التي شنّ عليها الحزب حربا في مثل هذه الايام قبل عاميْن أدت الى تهجير سكانها بالكامل فاستقر بضعة آلاف منهم في جرود عرسال والقلمون حاملين السلاح وصاروا يحملون وفق توصيف الحزب لقب "تكفيريين". وبحسب روايات هؤلاء الشهود لم يبق من المنازل القائمة سوى تلك التي يقطنها مسيحيون سوريون والذين رفعوا فوقها رايات الحزب الصفراء للدلالة على هوية سكانها فرضتها القوة المسيطرة على المنطقة. إن تدمير هذا العدد الهائل من الابنية ينطوي على قرار عدم السماح لسكانها بالعودة اليها كي يتحقق، كما يشاع، مشروع الدويلة الايرانية التي يقطنها العلويون وسائر الاقليات الموالية.
لا يبدو أن هناك أفقاً لعودة اللاجئين السوريين الى ديارهم قريبا في ظل هذا المخطط من التطهير العرقي. ولن يكون بعيدا اليوم الذي سنسمع فيه كلمة "تكفيري" تطلق على كل لاجئ.
"روج أفا" Rojava هي ترجمة حرفية لكلمة غرب كردستان، حيث يطلق على الجزء الكردستاني الواقع في سوريا، "روج أفا" بقية هذا الكلمة حبيسة الكتمان و تم التعامل معها من خلال مصطلحات عدة و تشكيلات عدة كـ حماية الشعب الكردية "YPG" التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي "PYD" ، و تداول مصطلح "روج أفا" كان يعني التعجل المضر و الغير حميد و بالتالي تهديد المشروع ككل أو على الأقل محاصرته و تصعيب الأمر أكثر فأكثر.
و لكن كان المشروع يسير بهدوء و اغماض الأعين عنه و تغميضها ، من قبل المجتمع الدولي ، الذي ساهم عبر التحالف ضد داعش بمد يد العون للفصائل الكردية بغية تحقيق انتصارات و تقدم على الأرض بعد افتعال حرب عين عرب "كوباني" ، التي كانت شرارة البداية.
التقدم الذي تم مساندته بقوة من التحالف الدولي رافقه عملية مدروسة للوصول إلى "روج أفا" تدريجياً ، من خلال حملات التهجير لكل مكون غير كردي (عرب – تركمان – آشورين ....) ، اليد كانت داعش بدخولها في مناطق المراد الوصول إليها ، و الرعاية أمريكية ، و التنفيذ قوات كردية مطعمة ببعض العناصر "الجيش الحر" ، لتكتمل الفصول للوصول إلى "روج أفا".
و عملت القوات الكردية إلى جانب التهجير على تبديل أسماء المدن و القرى و منحها الصبغة الكردية ، و جعل الأسماء الجديدة هي الصحيحة و ما دونها عبارة عن حقبة "استعمارية عربية" قد تم إنهائها .
"روج أفا" مصطلح ظهر للعلن و بقوة و بات متواجد في كل التفاصيل ، و كشف النقاب عنه ، مع سقوط منطقة تل أبيض بيد القوات الكردية ، سقوطٌ كان مدروس بلا قصف تحالف و لا تدمير ، و إنما إنسحاب و إستلام و تهجير ، و تغير الإسم إلى "كري سبي" ، و بات التكلم أو الحديث غير الممجد عن "روج أفا" هو بمثابة طعن بالقضية الكردية و دليل على عدم النضوج الإنساني بأحقية هذه القومية بأن يكون لها دولة خاصة بها .
اليوم ظهور الخريطة المبدئية لـ"روج أفا" يعتبر إعلان رسمياً عن وصول الفكرة إلى مرحلة متقدمة في التنفيذ ، و أن لا يوجد شيء سيمنع ذلك .
و لكن في المقابل يوجد من يربك المشهد و يقد مضجعه ، خارجي و المتمثل بتركيا التي تقود حملة حالية من خلال اجتماعات داخليه أمنية و عسكرية ، و خارجية بمشاركة الناتو بمخاوفها ، و بالنسبة للمشاكل الداخلية التي ستواجهها "روج أفا" في سوريا هو الرفض العام من هذه الخطوة التي تهدف إلى أمور لطالما كانت خط أحمر ، و أعلنت غالبية الفصائل رفض هذا المشروع و محاربته ، و الذي سيهدد مناطق عديدة من الناحية الجغرافية و لا سيما في ريف حلب و قد تكون "جرابلس" النقطة القادمة ، ووصول إمدادات أمريكية للقوات الكردية لتحقيق هذا الخطوة ، و داعش تعمل حالياً في ريف حلب على التمهيد لدخول القوات الكردية و إنهاك أي معارض بضرب الفصائل الثورية و استزافها بحرب عبثية .
المدن الرئيسة التي تقع في "روج آفا" ، من الشرق إلى الغرب، هي: معبدة، رميلان، جوادية، قحطانية، قامشلي ، عامودا، الدرباسية، رأس العين، تل أبيض، عين العرب، وعفرين .
و يبقى هذا جزء من السلسلة التي تحتاج لحديث قادم ...
لطالما كان المهجر أو المنفى محطة مؤقتة، في معظم انشغالات المفكرين والأدباء العرب. ولذا، انطبعت معظم نتاجاتهم بطابع الحنين والتوق، بما في ذلك، من تشوق وذكرى وألم وفراق، ورفع الوطن المتروك أو الطارد إلى مصاف جنة الأحلام التي لا ينفكّون عن مناجاتها وتمني العودة إليها، ولو بعد الموت، كما عبر عنه الشاعر المهجري، نسيب عريضة، في قصيدة شهيرة له: هلْ عودةٌ تُرجى وقد فاتَ الظَّعنْ/ عُدْ بي إلى حمص ولو حشْو الكفنْ.
في تلك المرحلة، مثلت مدن الغرب مكاناً افتراضياً للهجرة والمغامرة والتجدد، على الرغم من أنها كانت تعاني أوضاعا متوترة، وثقافاتها مطعمة بالعنصرية والكراهية، بينما سياستها تصدّر الاستعمار، وتجلب اللاجئين يداً عاملة رخيصة من مختلف بلدان العالم الثالث. أما مدن الشرق فكانت خارج سياق تلك المقارنة. مثلاً، كان السياسيون والمثقفون السوريون الهاربون من الملاحقة في بلدهم يلجأون إلى بيروت، فيجدون فيها واحة من الأمان والحرية والانفتاح، وتنتشر منتدياتهم في مقاهي الحمراء والروشة والبسطة، إلى حين تغير الحال في دمشق، وينقلب الوضع، وما كان أسرعه بين فترة وأخرى. وذلك قبل عهد حافظ الأسد الذي سرعان ما استقر وتأبد، وامتد بطشه إلى لبنان، فافتقد السوريون واللبنانيون، معاً، ذلك الملجأ بما عرف عنه من أمان وحرية وانفتاح.
كذلك كانت القاهرة وتونس والجزائر وبغداد وغيرها، ففي هذه العواصم، ازدهرت منتديات اللاجئين العرب، وتطورت مساهماتهم الثقافية والسياسية، ومنها عاد بعضهم إلى قيادة المراحل الجديدة في بلده، وكان من أبرزهم قادة الثورة الجزائرية. لكن، منذ سيطرة الأنظمة الوطنية الجديدة، والعسكرية منها تحديداً، لم يعد مثل هذا الملجأ المؤقت متوفراً في العواصم والمدن العربية، فقد صارت كلها طاردة، لا ترحب باللاجئ العربي، وتحتاج إلى موافقة أمنية لزيارتها، بل لا تسمح أغلبها بدخول المثقفين والسياسيين، بل وتهددهم أيضاً. وذلك فضلا عن أن أوضاعها أصبحت لا تشجع ولا تغري، بالمقارنة مع ما صارت إليه أوضاع المدن الأوروبية التي استقرت اقتصادياً وسياسياً، وازدهرت في عصر العولمة، فشهدت انتشار ثقافة حقوق الإنسان وسيادتها، وخصوصاً منها الاعتراف باللاجئين وحقوقهم.
"يبقى مفهوم الملجأ مشدوداً بين قطبي تعويض الملاذ الآمن والمنفى، مع استمرار رحلات الموت التي تواجه اللاجئين المهربين في البحر وعلى الحدود اللاشرعية، وبين أجواء مخيمات اللجوء الجماعية، طالما بقي اللجوء مهرباً لا مطلبا"
وليس المقصود بهذه المقارنة، الإلحاح على مكانة العامل السياسي طرداً أو جذباً على أهميته، وهي مسلم بها، بل عرض جانب آخر، أصبح ملحاً ومتجددا مع تفاقم الأعداد المليونية للاجئين السوريين وغيرهم، في ظل استطالة لجوئهم، واستمرار اضطراب أوضاع بلادهم. وهو جانب ارتبط ببروز سياسة جديدة في بلدان اللجوء، لا تسعى فقط إلى إدماج اللاجئين في مجتمعاتها، وحل مشكلات التوتر البديهي بين الثقافات المختلفة، بل هي تتقصد الانفتاح على اللاجئين، وعلى ثقافاتهم ومساهماتهم، انطلاقا من نظرة إيجابية للمنفى، تعبر عن كوسموبوليتية العالم، وتقول بعائديته لجميع بني البشر. وإذ تلجأ لتجسير الفوارق الثقافية فهي تعترف بالتنوع الثقافي، وتغتني به، كما هو شائع مجدداً.
وهو ما يذكّر بما قاله المفكر والأديب اللبناني المهجري (ميخائيل نعيمة) قبل حوالي قرن: "أنا شطر الإنسانية الساكت... ولذلك، لا وطن لي، ولو كان لي وطن، لتبرأتُ منه، لأن العالم في نظري واحد لا يتجزأ. وإذا كان لا بد من وطن، فهذا العالم الذي لا يتجزأ هو وطني".
بذلك، تتغير الدلالة السابقة للملجأ أو المنفى، فيصبح مكان تلاقح وتعدد وتفاعل إبداعي، يعطي أفقا إنسانياً ومعنى جديداً. وهذا ما أبرزه انعقاد الملتقى الدولي باريس/مكسيكو مدن الملجأ، أوائل يونيو/حزيران الجاري، وشاركت فيه بوصفي ضيفاً على بلدية باريس وشبكة مدن الهجرة للكتاب (ICORN)، وهما اللتان نظمتا الملتقى، بالمشاركة مع بلدية مكسيكو. انصبت جلسات هذا الملتقى على مناقشة المفاهيم والمعاني العديدة المرتبطة بفكرة المدينة المفتوحة أمام الكتاب والفنانين اللاجئين أو المهاجرين، الأمر الذي مثلته هاتان العاصمتان منذ قرون، وصارت ثقافتهما وتاريخهما مرتبطين بنتاجاتهم وإسهاماتهم، ما كرّس قيم التعددية الثقافية، وانفتاح المجتمع فيهما، إلى درجة أنه لم يعد ممكنا التمييز بين الطابعين العالمي والوطني أو المحلي لكل منهما. فمن يستطيع فصل نتاجات بيكاسو ودالي الاسبانيين، وكذلك موديلياني ويوجين أونسكو وسترافنسكي وآنا بافولوفا عن باريس. أو تروتسكي أو وماريا لويزا ومارجو ومحسن العمادي عن مكسيكو.
وقد احتفى الملتقى بمفهوم مدينة الملجأ الذي طالما عبرت عنه المدينتان/ العاصمتان، وكانتا من أهم ساحات تجليه منذ القرن العشرين. وبين جدران قاعة الاحتفالات الرئيسية الفاخرة في مبنى بلدية باريس، والمغطاة بلوحات عصر النهضة المحتفلة بالطبيعة والجمال الفاتن، انتصبت لوحات جدارية لبعض المذكورين أعلاه، من أبرز الفنانين والكتاب والمفكرين والسياسيين اللاجئين، أو المهاجرين الذين عرفتهم المدينتان، منذ بداية القرن الماضي. وخلال ندوات الملتقى وجلساته، نوقشت مفاهيم اللجوء والهجرة والإبعاد والنفي والغربة والرحيل، وما مثلته مدينة الملجأ المعاصرة من انفتاح على الثقافات المتعددة، وعلى تمازجها، فاغتنت به، واغتنى اللاجئون بدورهم معه.
وكل ما سبق لا ينفي وجاهة نظرات أخرى، تتجاوز تداعيات الحنين المرضي إلى نقد الثقافة الإنسانية الجديدة للملجأ، سواء كان ذلك باعتبارها منفى مضاعفا، يتم بواسطته تبرير نفي اللاجئين عن محيطهم وأقرانهم، وعن تعبيراتهم بلغتهم، أو موادهم الأصلية، وبدون ذلك يتشوه كل إبداع. أو سواء، باعتبار أن ثقافة الملجأ الجديدة، تمثل حلاً أخلاقياً لمواجهة تمزق العالم واضطرابه المستمرين، تحت ادعاءات وحدته العولمية الجديدة.
وبذلك، يبقى مفهوم الملجأ مشدوداً بين قطبي تعويض الملاذ الآمن والمنفى، مع استمرار رحلات الموت التي تواجه اللاجئين المهربين في البحر وعلى الحدود اللاشرعية، وبين أجواء مخيمات اللجوء الجماعية، طالما بقي اللجوء مهرباً لا مطلبا، على الرغم من كل الإغراء الجديد المكرس في فكرة الملجأ مجالاً حراً ومفتوحاً، أمام تفاعلات التعدد والإبداع.
في بدايات القرن الماضي اتفق غربيا على تقسيم تركة الرجل المريض فكانت بريطانيا تعد العرب ببلاد الشام والخليج العربي في حال كانوا معها في محاربة الخلافة العثمانية آنذاك وبالفعل تم اقتطاع الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية من الخلافة العثمانية لكن ليس ليد العرب وإنما ليد الانتداب الفرنسي والبريطاني .
توالت حركات التحرر المسلحة منها والسياسية حتى جلاء الفرنسي والبريطاني عن العراق وسورية ليتسلمها ابناء البلدين , والذي كانت تعصف فيه تيارات عروبية فاقعة , في ظل سبات شبه تام من الاكراد الذين كانوا موجودين في المنطقة الا ان التوجه العام لهم كان منصرفا الى التدين وطلب العلم الشرعي جاعلين أمر الوطنية او القومية الكردية خلف ظهورهم وهذا ما يفسر سقوطهم من حسابات راسم الحدود آنذاك .
الا أنهم وحتى خمسينيات القرن الماضي بدأت تضرب فيه تيارات داعية إلى اقامة دولة عرقية كردية على غرار الدولة التركية والدول العربية , وبدؤوا ينظرون إلى العرب أنهم من سلبهم حقهم وجاءت حقبة البعث العربي الذي أراد من الكردي أن يكون عربيا بل وعليه أيضا أن يعتز بعروبته , فكتم من الأكراد الكثير , والمكتوم مصطلح يعني عدم امتلاك الشخص لأي أوراق ثبوتية فلا يستطيع الدراسة ولا العمل ولا حتى السفر وقد حدثني بعض أصدقائي الأكراد انه لجأ إلى عمليات تزوير معقدة حتى يستطيع الذهاب الى الحج ,
في ظل هذه الحياة قوي التيار القومي الكردي وبدأ ينمو في السر بعيدا عن أنظار الحكومات التي رفضت الاستماع لأي مظلومية من الجانب الكردي ,
حتى لو دققت في أسماء العائلة الكردية لوجدت ما ألمحت إليه من ميل التوجه الكردي من التدين إلى التوجه القومي الكردي فتجد الشاب صاحب العشرين ربيعا اسمه كانيوار وهي تعني ( اين الوطن ) واسم أبيه حسين وهو ابن الستين واسم جده محمد وهو ابن المية عام والواقع ان حسين هو من سمى ابنه كانيوار ومحمد الجد هو من سمى ابنه حسين فهذا التوجه بد أ ينمو في منتصف القرن الماضي ويرون في سايكس بيكو انه اكل حقهم ويرون في الدين هو من ساهم في ابتعادهم عن تحقيق دولة كردية فنظروا النظرة العدائية الى الدين والى الجيران باعتبار الجميع ظلمهم ,
وفي الحقيقة من ظلمهم هو من يتحالفون معه الآن نعم انه حزب البعث ونظام الأسد الذين يرون فيه حليفا ويحافظون في القامشلي والحسكة على رموز ذلك النظام وقد كنت حاضرا في نيسان 2004 أحداث الأكراد وكيف طوقت الدبابات السورية مدينة القامشلي ولولا تدخل العقلاء لكانت أبيدت القامشلي في صبيحة اليوم التالي ,
نعم لقد نظر العرب الى القضية الكردية بعين العطف والألم على المظلومين الأكراد في حكم آل الأسد ولكن هذا لا يعني أبدا السماح للأكراد بتهجير العرب بحجة أنها أرضنا قبل مئات السنين ,
ان تحالف الأكراد مع الولايات المتحدة الأمريكية لا يعطيها الحق في طرد العرب من بلادهم فما تحويه الجزيرة السورية من الأكراد لا يزيد عن ثلث تلك المنطقة ,
إن اتباع الأكراد هذه السياسة سيدفن مشروعهم في مهده ومن غير المقبول في عصر العولمة قيام دولة قومية خالصة .
تأتي زياره محمد بن سلمان لروسيا ولقائه المتوقع مع بوتين في إطار الاعداد المتعدد الاطراف لحقبة ما بعد الاسد في سورية، بعد أن انهارت قواته وأصبح هناك إجماع حول عدم قدرته على الاستمرار. وتنبع أهميتها أولا أنها جاءت بمبادرة روسية وثانيا لأنها تأتي بعد تسريبات متواصلة عن احتمال تغيير موسكو موقفها في الازمة السورية مقابل ضمان مصالحها الاستراتيجة وثالثا لأن نظام الأسد يواجه منذ أشهر مصاعب كبيرة وهو مهدد بالانهيار في أي وقت.
تسعى موسكو بعد إدراك الطريق المسدود الذي وصلت إليه سياسة الأسد التي دعمتها خلال السنين الخمس الماضية إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ورسم خط دفاع ثان للنظام بعد أن انهار خط الدفاع الأول القائم على التمسك بالأسد كتجسيد للشرعية الدولية بوصفه "رئيسا" منتخبا. وتأمل أن تجد لدى ولي ولي العهد السعودي أذنا صاغية لمخاوفها وتصوراتها ومصالحها مقابل دعم المملكة والضغط على طهران في اليمن وغيرها. باختصار ضمن العملية العامة لإعادة تقييم الوضع السوري تحاول موسكو بالتفاوض مع المملكة السعودية أن تعيد تعريف المصالح الاستراتيجية التي تستطيع أن تنتزعها بضمانة السعودية على حساب الشعب السوري.
تعلم السوريون في السنوات الماضية أن لا يضعوا ثقتهم في الروس وأن يشككوا في كل خططهم ومبادراتهم أو مناوراتهم. فقد كانت جميعها بهدف خنق الثورة، أي ثورة من دون استثناء، و الالتفاف على مطالب الشعب السوري وتجريده من تطلعاته الأكثر من مشروعة نحو الحرية ووضع حد للانتهاكات الصارخة لحقوق الأفراد والجماعات. رهاننا على قوة الموقف السعودي وتماسكه وثقتنا بإدراك السعوديين والخليجيين عموما بأن معركة السوريين ضد الطاعون الفاشي والسياسة الامبرطورية الطائفية لطهران هي أيضا معركة الخليج وأمنه واستقراره ومستقبله. ونحن لا نبيع هنا شعارات. سورية مستهدفة لتتحول إلى منصة ايرانية خامنئية للهجوم على الخليج واحتوائه ووضعه تحت السيطرة والنفوذ الايرانيين.
نحن نتطلع إلى أن يحمل الأمير محمد بن سلمان إلى بوتين والقادة الروس معاناة السوريين في هذا الشهر الفضيل، وتقدير العرب لأي جهد يقوم به الروس من أجل وضع حد للمجازر اليومية في بلدنا ولأزمة العلاقات الأقليمية التي فجرتها العدوانية الايرانية والتي تهدد المنطقة بأكملها ومن ورائها روسيا بالفوضى وزعزعة الاستقرار.
أعلم أن ما سأكتبه سيكون مجالاً للهجوم علي وانتقادي بكل الطرق لكن كلمة الحق أولى أن تُسمع وطريق الصواب الأفضل أن يُتَبع . فرغم مرور فترة على إنشائه ووضع بنائه غير المكتمل إلا أنه لم يعبر حقيقة عما أنشئ من أجله حمل اسم كبير فضفاض لكنه قليل المردود ضعيف الهيكل لم يستطع تشكيل بنيته التنظيمية ولم يتمكن من إيضاح رؤيته السياسية فظل متخبطاً تارة هنا وتارة هناك .
إنه مجلس قيادة الثورة المنبثق من مبادرة واعتصموا فهذا المجلس لم يقنع حتى نفسه ولم يستطع التحلي بالاسم الذي يحمله ففي كل الثورات يكون مجلس قيادة الثورة هو الهم والاهتمام وهو العباءة التي ينضوي الجميع تحتها و هو القادر على فرض رؤاه وأجندته الوطنية إلا عندنا ، هذا المجلس ولد بالأصل وهو يحمل التناقضات في بنيته العسكرية وصرحنا بهذا كثيراً فقد كانت هناك خلافات عميقة بين مكوناته وصلت لحد الاتهامات والاقتتال لكن البعض قال لنا انتظروا فالجميع سيلتزم ببنود المجلس فتأملنا خيراً وتم تعيين المستشار قيس الشيخ رئيساً له وهو رجل محبوب أمين توافقي وبدأ الرجل بالعمل لكن مشيئة الله أقعدته بالمستشفى وتوقف هذا المجلس عن العمل لكن فصائله الثورية كانت تعمل منفصلة . دون قيادة جماعية ودون غرف عمليات منتظمة . فلا قرارات تنظم عمله ولا هيئة عسكرية تضبط تحركاته ولا هيئة سياسية تطرح ثوابته وأفكاره فكان جسداً هلامياً غير مترابط الأعضاء .
ولكن هناك في الأجواء ما يتطلب أن يبدأ العمل فمؤتمر الرياض على الأبواب فكان لا بد من الدعوة لاجتماع ما فتم تحديد الموعد لكن هذا الموعد حوصر بمؤتمرين مؤتمر القاهرة ومؤتمر عمان الذي حاول الخوجة عقده مع العسكريين . وتم دعوة شخصيات أصبح المواطن السوري مشمئز منها لأسباب متعددة فكانت سقطة المجلس كبيرة في هذه .
المهم أن مجلس قيادة الثورة في مؤتمره وضع ثوابت للثورة السورية هي من البديهيات لكن ترتيبها وتسلسلها عشوائي غير منتظم وهو دليل على العشوائية في العمل وعدم إدراك لأهمية التنظيم في الأولويات واستخدام تعابير متناقضة وغير مناسبة في ثورة شعبية وقد جاء في أول هذه الثوابت :
– استقلالية القرار السوري ورفض الإملاءات الخارجية.
وكان من المفترض أن يكون أول هذه الثوابت هو التذكير والتأكيد على إسقاط العصابة المافيوية الأسدية لا أن يكون هذا الأمر في المرتبة الثالثة بسلم الثوابت.
- محاكمة أفراد النظام ممن ارتكبوا جرائم أمام محاكم خاصة سورية . وقد أتى هذا البند قبل العمل على تشكيل قضاء مستقل ومحاكم سورية خاصة بند 11
- محاربة قوات النظام والمحتل الإيراني وحزب الله والميليشيات الأخرى هي أولوية للثورة لكنها جاءت بالبند 13
واستخدام كلمة محاربة تأتي في غير مكانها فهي تعبير عن تساوي بالقوى والأسلحة وتوافر جيوش منظمة بين الطرفين , فكان لا بد من استخدام تعبير يعبر بشكل صحيح عن الواقع كأن يكون مثال ( الدفاع عن الشعب – رد عدوان العصابة – حماية الشعب).
- إرساء قيم مشتركة تحظى بإجماع وطني تنتهي بموجبها كافة مخلفات النظام الفاسد.
لا بأس لكن ما هي تلك القيم المشتركة وهل هناك تلاقي بين مكونات الشعب السوري حول هذه القيم أم أن هناك شعور لدى الغالبية أنها منتهكة وغير مجمع عليها في ظل الفرز الطائفي الكبير.
هذا غيض من فيض بحيث أن هذا المولود مازال في الحاضنة ينتظر الرعاية الدقيقة والعناية الفائقة وربما بعد نجاح الثورة يكون قد خرج من الحاضنة وأصبح قابلاً للحياة.
أصدر الائتلاف قرار بتشكيل لجنة تقصي الحقائق حول عمليات التهجير التي جرت في منطقة تل أبيض ، و طبعاً استبق الأمر وصول أول عضو في الائتلاف على جناح السرعة إلى تلك المنطقة ليؤكد و ينفي و يشجب الكذب و يخون الجميع ، و يشدد أم أمراً لم يحدث و لاتهجير و لانزوح و لا أي شيء ، كل ما في الأمر كما قال أحد الزملاء "أهالي تل أبيض رغبوا بأن يمضوا رمضان في تركيا استجماماً".
القرار الذي حمل في شكله ، أن الائتلاف يسعى لكشف الحقيقة الواضحة جداً ، في حين أن الغاية الفعلية هو طي صفحة هذه الجريمة و جعلها تهمة باطلة ، فاللجنة و المحققون و المرافقون و الحامون لتحركاتها ، هم من هجر و شاركك بالعملية .
ولابد ان المبرر موجود بأن القوات الكردية كانت تحارب الإرهابيين التكفيرين و تمكنت من الإنتصار و تحرير الأرض ، و حتى أن القوى الظلامية "تقهقرت" أمام قوة المطهرين وفق ماجاء في بيان الائتلاف بعد اندحار داعش ، في بيان شريع يحمل في طياته سعادة و سرور و نشوة ، أمرٌ افتقدناه تماماً و كلياً في انتصارات الثوار هعبر جيش الفتح التي كانت البيانات عبارة عن دعوة للمجتمع الدولي بوضع الإنتصار الذي حدث "إدلب – جسر الشغور-....." في خانة ضرورة الحل السياسي و إنتقال السلطة له .
في كل مرة يجتهد الائتلاف لتبرير أعمال كل الطوائف و يدافع عنها باستماته و يهاجم كل من يدعي ، ابتداء من الطائفة العلوية التي استقبل لؤي الحسين و جعل منه معارضاً بعد أنم كان في حضن النظام ، إلى الطائفة الدرزية التي هاجم كل الجبهة و ندد و شجب و أرعد و أزبد و تواصل و بأسرع ما يمكن و شكل لجنة حماية ، في حين صمت صمتٌ مطبق عن غدر اللجان الشعبية للثوار في درعا في معركة مطار الثعلة ، وكأن الأمر لا يعنيه ، و اليوم يقف أما حوادث التهجير التي مضى عليها شهور طويلة و لديه كل المعلومات و الأدلة و البراهين على حدوثها ، لكنها صمت و خرج ببيان خجول و اليوم سيبرر للمجرم جريمته ، و القصص كثيرة .
و ليت الأمور يتم التعامل بها بنفس نفس التعامل بشؤون الأقليات ، فالمهجرين باتوا أياماً على الحدود بين تركيا و سوريا ، لم يزرهم أحد و لم يجروء الائتلاف حتى الحديث عن الأمر ، و عندما فُتحت الحدود برغبة و جهد تركي ، قفز الائتلاف شاكراً ، في حين عند الحديث على التهجير قفز عضو الائتلاف "قاسم الخطيب " ، إلى تل أبيض و أرسل للائتلاف رسالة البراءة و طالب بصكها رسميا بلجنة ، و عجز الائتلاف عن تشكيل لجان تقصي حقائق و جمع أدلة عن استخدام الكيماوي أو حتى توثيقه ، فلا يملك أرقاماً أو بيانات ، و إذا ما حدثت ضجة موخراً فكانت بفضل أطباء سوريين إجتهدوا بعيداً عن الائتلاف الذي يحق له وصف "ائتلاف الأقليات" لا مكان فيه لبقية سوريا التي تفترش المخيمات ، و تتجرع النزوح و التهجير و القتل و التدمير و الجوع و العوز ، فهذا الشعب لم و لن يكون بحاجة للاتئتلاف ، و صحيح أن الحاجة منفية له و لكن استمراره يؤثر سلباً على مسيرة الثورة التي شهدت تشويهاً لم تشهده ثورة من قبل .
عندما عبر قائد جيش الإسلام زهران علوش عن قدرته على توجيه ألف صاروخ على دمشق دفعة واحدة ، دون أن يحدد التوقيت لتنفيذ هذا التهديد ، فتح المجال أمام الجميع للتكهن عن التوقيت و طرح نظريات المؤامرة و العمالة ، و طبعاً قائمة التسميات تطول لعدم تنفيذ التهديد .
و لكن وفقاً للإتفاق الذي حدث في القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة أن علوش لن يقدم على تنفيذ وعده إلا في حالة إرتكاب النظام مجزرة جديدة في الغوطة ، و اليوم شهدنا حدوث مجزرة رهيبة راح ضحيتها ما لايقل عن 20 شهيد غالبيتهم من الأطفال و عشرات الجرحى ، إضافة إلى بقاء عدد غير معروف تحت أنقاض المنازل التي تحولت إلى كتل الركام يدأب الدفاع المدني على التنقيب عن بصيص حياة في ثنايا القبر الكبير الذي بات الاسم الأفضل للغوطة.
فوفق الإتفاق و التعهد ، فإن شرط اللازم ، قد تحقق و بالتالي التوقع بالقصف قد يحدث مباشرة أو المفروض على أبعد تقدير في صباح الغد ، ولكن حتى هذا التوقيت لن يكون ثابتاً و محققاً كون التحذير الذي يسبق القصف لم ينشر أو يتم تداوله حتى لحظة إعداد هذه الكلمات.
و من الممكن أن لا يتم تنفيذ التعهد بتاتاً إذا ما حدث الخلاف حول وصف ماحدث اليوم في دوما ، هل يرتقي لمستوى المجزرة ، ام أنه مجرد جريمة عادية إعتاد النظام على تنفيذها في كل رقاع سوريا و ليس الغوطة فحسب.
الغوص بالتفاصيل يجعلنا نبحث عن تعريفات و تحديدات لأمور كثيرة لنتوه في الكلام كعادتنا و لانرى أي نتيجة على أرض الواقع ، و لكن هل سيرحم الجميع جيش الإسلام و تحديداً زهران علوش في حال عدم الرد أم سيشفع له تواجده إلى جانب المقاتلين في حلب لصد هجمة داعش هناك و بعضاً من جيشه يكمل الحرب على داعش في القلمون الشرقي .
بعد انطلاق الثورات العربيّة، لا سيّما السوريّة، انفجرت ديناميّة من التفتّت تردّ على الديناميّة التي أطلقتها الثورات. فقد كان واضحاً أنّ نظام بشّار الأسد يسعى، عبر بطشه، إلى منع الثورة من أن تبقى سلميّة، أي الحؤول دون اندراجها في وجهة الثورات التي شقّتها أوروبا الوسطى والشرقيّة أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، وإبقاءها أقرب إلى النمط العنفيّ القديم للثورات.
هكذا وبالتضامن بين حرب دينيّة – مذهبيّة وحروب أمراء حرب كثر، لم تبق طائفة أو جماعة إثنيّة أو منطقة إلاّ وأفصحت عن وجودها بطرق كثيرة أبرزها العنف. وكان مدهشاً أنّ الفترة الفاصلة بين إنكار طوباويّ لوجود الطائفيّة والجهويّة وانقشاع الواقع المقيم تحت سطح الظاهر، تُعدّ بالأسابيع. وفي هذا كلّه، بدا ما يكفي لمناهضة الاستواء الوطنيّ المعوّل عليه أن يكون رافعةً لسلطة بديلة، ممّا تفترضه الثورات وتقود أحياناً إليه.
بلغة أخرى، تمكّنت ديناميّة التفتّت من أن تغلب ديناميّة الثورة والوحدة، لأسباب كثر التطرّق إليها، بينها ما يتعلّق بالاستبداد، وبينها ما يتعلّق بالتراكيب السوسيولوجيّة أو بالمقدّمات الثقافيّة المتينة التي لم تتعرّض لأيّ تحدٍّ.
وفضلاً عن تركيبة القوى السياسيّة – العسكريّة الفاعلة، والمترجّحة بين إسلاميّة قصوى وأخرى توصف بإسلام الاعتدال، تجلّى انهزام الثورة في مسألة الحرّية التي رفعها الثوّار الأوائل، لتنتهي الحال مع القوى الصاعدة توسيعاً لرقعة الاستبداد بمدّه إلى مجالات الضمير والإيمان والحياة الشخصيّة في أشدّ جوانبها حميميّة. ولم يعد مجال للشكّ في الفارق الضخم بين تقاطع المشروع الثوريّ مع السنّة، بوصفهم الأشدّ ألماً والأكثر راديكاليّة في المشرق الراهن، وبين كون المشروع الثوريّ، إذا جاز اعتباره كذلك، مشروعاً سنّيّاً راديكاليّاً يسكنه البرم بكلّ آخر، حتّى لو كان سنّياً عربيّاً موصوفاً بالعلمانيّة.
وأهم مما عداه، أنّ الإطار الوطني للنزاع اضمحلّ تماماً: فبشّار الأسد لم تبدُ عليه الحماسة لأن يتكبّد الأكلاف التي يرتّبها ضمّ ما يتجاوز «سورية المفيدة»، فيما «داعش» معنيّ بالخلافة التي تجمع سورية والعراق تمهيداً لضمّ بلاد الإسلام الواسعة. وبدورهم، لا يسع الأكراد، فيما كلّ جماعة مستغرقة في ذاتها، إلاّ أن يفكّروا في إطار كرديّ يرون من داخله واقعهم ومستقبلهم. أمّا الوجه الآخر للعملة، فيجسّده انكفاء الصراعات على محاور لا حصر لها، يصعب الربط بين قوى أحدها وقوى المحور الآخر.
واليوم، نجدنا أمام وضع يمكن معه أن تسقط سلطة الأسد في أيّة لحظة، إلاّ أنّ أحداً لن يكون مؤهّلاً لالتقاط السلطة. وقد تنشأ هزيمة مؤكّدة في جانبٍ من دون أن يكون هناك منتصرون في الجانب الآخر، اللهمّ إلاّ بضع جماعات محلّية متناثرة وبضع قوى إقليميّة لن يكون من الوارد إفضاؤها إلى أيّ مشروع «وطنيّ» سوريّ.
وهذا معناه دم كثير، بطبيعة الحال، لكنّه دم سيبقى مجبولاً بكذب كثير مداره قضايا متوهّمة، وكلام معاد للمرّة المليون حول الأوطان والقضايا والثورات مع رشّة من ملح فلسطين فوق الأطباق الافتراضيّة.
تشير الخريطة التي يسير عليها داعش في خطى ثابتة ، واضحة ، مدروسة ، و المتمثلة بأن يكون لـ"الخلافة" السيطرة الكاملة على منابع الطاقة و الثروة ، وكما قال لي أي أحد مؤيدي "الخلافة" يجب أن نسيطر على "أراضي الرز لنستطيع التحكم بالرش" ، وعملية الرش هذه تخضع لفتاوي الشرعيين ، الذين لهم شؤونهم و أهوائهم ، و طبعاً لا يدخل في الحسبان أي جانب إنساني ، و إنما تلعب "المصالحة" الدور الأبرز.
مع دخول حرب داعش على المناطق المحررة في ريف حلب اسبوعها الثالث طفت إلى السطح أصعب أزمة إنسانية تشهدها تلك المناطق و إمتدادت إلى جبال اللاذقية ، نظراً لإتخاذ داعش سياسة إيقاف "رش الرز" ، و المعاقبة بكيفية الرش و لى من و متى سيتم التوقف أو معاودة الضخ ، عشرات المخابز توقفت ، والمشافي باتت قاب قوسين أو أدنى من التوقف ، فلا مصادر للطاقة باتت موجودة ، والموت بحصار من نوع لا يتقنه إلا كل "مصلحي" أو "عنصري" أو "طائفي" أو أي شخص لا يفهم لغة الخلاف و لو كان شكلياً.
"رش الرز" سياسة لا نعرف على أي مبدأ تعتمد ، أو اي مقياس يحكمها ، فأيقاف "رش الرز" لا يكون إلا ضد المناطق المحررة ، و إيقاف "رش الرز" لا يكون إلا مع الثوار ، و إيقاف "رش الرز" لم يكن إلا ضد المدنيين ، كما يحدث في دير الزور الذي تم اتخاذ قرار بإيقاف "رش الرز" في حين مطار ديرالزور العسكري يتمتع بالرز و يستخدمه في التحليق و القصف .
في جغرافية مصادر الطاقة في سوريا ، لم يبقى لدى نظام الأسد إلا الفتات القليل جديداً و اللهم إلا حقل "جزل" للغاز في ريف حمص ، بينما تم إخراج كل المصادر الأخرى من يده لصالح داعش وبات يتربع على عرش الطاقة في سوريا ، و لكن رغم هذا التربع لم يتأثر النظام و مناطقه كثيراً كما هو الحال في المناطق المحررة ، فمازال مركباته تسير و عنفاته تدور و مولدات الكهرباء تعمل ، و لو إنخفضت لكنها لم تتوقف و لا يتوقع أن تقف فهنا إيقاف "رش الرز" لا مكان له ، فالعراب الذي يبرم الصفقات بين الجانبين "النظام – داعش" يملك مفاتيح شرعي داعش الذين يروا أن المصلحة موجودة مع العدو الوهمي بينما هو منفية مع العدو الفعلي "الثوار و المناطق المحررة".
يزداد التوتر في شمال شرقي الجزيرة السورية بين العرب والكرد في سياق الحرب الضارية التي يتواجه فيها نظام الأسد والمعارضة السورية وقوات الحماية الكردية وداعش. وتتضارب الآراء حول نوايا بعض التنظيمات الكردية القومية في إبعاد العرب والتركمان وغيرهم عن قراهم وبلداتهم من أجل تحقيق التواصل بين البلدات ذات الكثافة الكردية وخلق منطقة كردية متجانسة.
ليس هناك بعد أي تقارير أو تحقيقات جدية تثبت وجود هذه السياسة. لكن حتى لو وجدت لدى بعض التنظيمات، فلا يعني ذلك اتهام الكرد الذين هم ضحية التهجير منذ عقود، ولا ينبغي لأحد أن يفعل ذلك. فالحرب الضارية في المناطق الشمالية مثلما هي في كل مناطق سورية كافية بذاتها لدفع الناس إلى ترك مناطقهم والرحيل إلى أي بر أمان. ونحن نتحدث عن ملايين اللاجئين السوريين.
وبدل صب الزيت على النار وتهييج المشاعر القومية لدى الأطراف مما لا يمكن إلا أن يخدم الأسد وداعش على حد سواء ويهدد مستقبل سورية ووحدة الشعب السوري، لا بد أن يقوم من لديه القدرة والوسيلة لوصل ما انقطع بين الاطراف، وتبديد الشكوك وإصلاح العلاقات، وهم كثر بين الكرد والعرب على حد سواء.
وأفضل سبيل لتحقيق ذلك هو تاكيد جميع القوى المقاتلة، عربية وكردية، إسلامية ووطنية، التزامها بالمحافظة على حقوق الناس، وعدم التفريط بها بأي ذرائع كانت، قومية أو دينية أو مذهبية، وضمان حقهم في الرجوع إليها واستعادتها.
لا أمل بإعادة الحياة لسورية المتعددة والمتنوعة وإنقاذ السوريين من المخاوف والشكوك التي تفاقم من بؤسهم ومحنتهم من دون الاعتراف بحقوق الأفراد وضمان احترامها، بما فيها حقوقهم الجماعية في الحفاظ على بيئتهم الوطنية والثقافية. هذا كان الحافز لتضامن جميع السوريين مع الشعب الكردي في سورية والعراق وتركيا وايران ضد أنظمتهم القمعية نفسها واعتراف جميع أطياف المعارضة السورية، بما فيها القومية، بالحقوق الجماعية والفردية للكرد السوريين. وهذا هو مضمون الخيار الديمقراطي السوري، وما يميزه عن خيار المتشددين الدينيين والقوميين الذين لا يرون في المختلف سوى عقبة تقف أمام سيطرتهم الشاملة واستبدادهم.