مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٥ يونيو ٢٠١٥
لماذا لا ينهون جحيم سورية!

 من جديد ينبغي تكرار هذه المعلومة الأولى القائلة أن لا نهاية لفظائع «الربيع» المنكوب في مختلف جبهاته المستمرة إلا بإطفاء البركان السوري. هذا لا يعني أن سوريا، دولتها، أو بعض منظماته هي الفاعلة في كوارث الجحيم العربي الراهن. بل لأن لهذا الجحيم ثمة مركزية ما مستوطنة في هذا البلد. فما دامت كل فظائع المهالك غير المسبوقة في تاريخ الشر المحض قد ارتكبت نماذجها ما بين جحامل الهمجيات الفالتة في هذا البلد، فأمثالها وأشباهها تنتشر وتتجاوز كل حدود في أقاليم المنطقة كلها.
يدرك هذه الحقيقة السيد أوباما الذي أحبط كل حل عسكري، ثم سياسي، كان ممكناً لإغلاق الاتون السوري. فهو لا يفتأ يكرر عدم امتلاكه لاستراتيجية تقضي على داعش. لا يريد لها أن تزول كما لا يريد لسوريا أن تستعيد سلامها.. ذلك أن أبواب الجحيم لم تفتح جميعها بعد. فلا تزال هناك مهمات كبرى أخرى بانتظار أن تصلها الشرارات المتفجرة.
في خزائن عشرات من مراكز الأبحاث الأمريكية مصنّفاتٌ مكدّسة من سيناريوهات التغيير لكليانات العالم العربي. إنها مكتبة الامبريالية العالمية، متخمةً بمشاريع الانقلابات البنيوية لمختلف أقطار العرب، وفي مقدمتها تبرز الدول النفطية. هنالك شبه إجماع (عقائدي) يتبناه أهم كتاب هذه السيناريوهات. وينطلق من اعتبار أن دول النفط ليست كيانات سياسية. وما يحكمها ليس سوى إدارات صدفوية وموقتة. فهي فاقدة ركائزها البنيوية. وقد قامت على عجل ما بعد نمط العيش الصحراوي من دون التمكن الواقعي من إنشاء مؤسسات دولة مدنية لمجتمع يريد أن يصبح متمدناً حقاً.
مئات من صنوف الدراسات المستقبلية المؤلَّفة والموضوعة من قبل «خبراء» الاستراتيجيات الدولية المكرَّسة لاستكمال هيمنة الامبريالية العظمى، بانتظار حكم العالم دفعة واحدة. والكثير من هذه الوثائق تنصب على نوعية مستقبل العرب والإسلام، من خلال الأديان والعقائد والمنظمات وأشكال الحكومات التي ستضبط شعوب وأمم هذا النمط الخاص من البشر.
مراكز الأبحاث المتناثرة ما بين الجامعات الأمريكية والدوائر الدبلوماسية والمعاهد الخاصة، أعمالها شبه علنية، ومحصولها «العلمي» متوفر لطلابه في مراكزه المعروفة. وإذا كان المحور العربي والإسلامي يشغل حيزاً رئيسياً في معظمها، فذلك أمر طبيعي نظراً لبالغ الأهمية التي توليها أمريكا الدولة لقضايا الشرق العربي ومؤسساته الدولتية والمجتمعية.. فالمتابعة المعرفية والمعلوماتية الدقيقة لمختلف أحداثه ووقائع حياته اليومية جماعياً وفئوياً وحتى فردياً، هي التي توفر المواد الأولية لبناء خطط التعامل. وإنجاز القرارات التي تعتمدها دوائر الدولة ذات العلاقات الخارجية بعالم ما وراء المحيطات. إذ أن ثقافة الهيمنة الأمبريالية اعتمدت دائماً على عناصرها الثلاثة: وهي العقل والمال والجغرافية السياسية والاقتصادية. وهي العناصر المؤسسة لمختلف عوامل التقدم أو التخلف في العصر الراهن. وإن فهمها يتطلب ملاحقة شمولية لتطوراتها واكتشاف علاقاتها المضطردة فيما بينها. فالسياسة المعرفية هي أهم ما تميزت به ثقافة الهيمنة العصرية. وقد يفسر ذلك نجاحاتها الكبرى، بالأخص منذ الحرب العالمية الثانية. لكن سجل الانتصارات محفوف كذلك بسجل آخر مكتوم في معظمه، ويخص خانة الانهزام وفواجعه المسكوت عنها. غير أن مراكز الأبحاث التي لا تُقرّ بأية هزيمة نهائية إلا أنها لا تعفّ عن درس وقائع الفشل. فما بين مناورات التعليل والتسويغ قد تبرز مكامن الأخطاء وتنكشف الأسباب والنتائج. وحــين تتعلم الهيمنةُ من بعض أخطائها فإنها تضاعف من عنفها. وتحسّن من خططها وأدواتها، تجنباً لمواجهة ما لا يمكن إصلاحه في المستقبل.
نقول هذا ونحن نعتقد أن قضايانا العربية كانت الفريسةَ المفضلة لمغامرات الهيمنة الأمبريالية. بل يمكن الجزم أن ما من قضية مصيرية إلا و تكون فيها الهيمنة هي الخصم الأقوى والأفعل، وبما يتجاوز القوى المحلية المضادة؛ أي أن العوامل الخارجية ، والمصطلح على تسميتها بالدولية من استعمار واستغلال وسواهما، قد تكون غالباً هي صاحبة مخططاته وهي راعية تنفيذها، وهي المستفيدة الأولى من وقائعها ونتائجها.
نقول هذا لا لنثبت ما هو شائع ومعروف عن تسلط الهيمنة الأمبريالية على معظم الحدث العربي والإقليمي. بل لكي نقول بالفم الملآن. ودون الخشية من تهمة الانصياع لأسطرة «المؤامرة» أن الربيع العربي الذي يفخر بعض ثوارنا أنه كان مفاجأة للأجنبي وليس الوطني وحده، فهو جاء مفاجأةً لأصحاب الهيمنة أنفسهم، إذ رأوا فيه فرصة سعيدة نادرة لفتح كل أبواب المنطقة أمام كل متدخل. فمن يمكنه اليوم أن يمارس أية تمييزات قاطعة ما بين عوامل الداخل وعوامل الخارج في سوريا والعراق أولاً، وفي الأقطار الأخرى.
علينا الاعتراف أن ربيعنا العربي متساقط بين أحابيل كل الشبهات التي يمكنها أن تقلب أغلب راياته البيضاء إلى الأعلام السوداء الداكنة. أعظم التحديات الحقيقية لرصيده الثوري هو الفوز بنظام سلمي حقيقي لثورة واحدة ناجحة نسبياً. مثل هذا التحدي (الخارق؟) تعمل على تأجيله كل يوم نكسةٌ تليها نكسة أخرى في هذا القطر أو ذاك.
يتفق مراقبون غربيون كثيرون أن نكبة المشرق لم تعد من قضايا الثورة والتحرر، باتت كرة نارية طائشة توزع جحافلها الحمراء وتقذفها إلى كل مكان، وتنتج كل شياطين العنف لما قبل التاريخي. هنالك نوع من الطيش الجحيمي تغذيه أدنى الغرائز الحيوانية المعجونة بأحقاد غيبية دهرية..
ثقافة الهيمنة لم تعد في حاجة إلى «المؤامرات». أمسى ضحايا المؤامرة هم أبطال مخططيها ومنفذيها. لقد انتهى عصر الأحزاب وشعاراتها وطقوسها. فالبراكين الصاخبة تفجرها صخورها النارية عينها. هي التي تتولى الإعلان عن ثوراتها، وهي التي تخمدها وتبدّد نيرانها. والجميع يترقب البراكين الأخرى القادمة. لا أحد يتصور سيناريو مسبقاً سلفاً لإنهاء جحيم واحد ما.
لماذا لا يريد أوباما إغلاق المجزرة السورية، لأن عصر الأرض العربية المحروقة (كلياً) لم تكتمل مراحله بعد.
فما زالت هناك براكين أخرى كثيرة يمكن وصفها أنها لم تزل عذراء لم تخترقها فوهات الجحيم من صميم صخرها شبه المستكين، حتى اللحظة. ذلك أن ســــوريا دأبت أن تقدم أمثلة الفظائع جميعها في أفجع رموزها المطلقة، كل انفجار (ثوروي) في قطر آخر يصـــير أشبه بحاصل تحصيل عادي. لا بد إذن من استمرارية المختبر القياسي الأعلى حتى تبدو لواحق الثوريات الآتية غداً أشبه بنتائج تطبيقات فرعية عن نماذجها الكبرى في بلادنا الشامية الجميلة..

اقرأ المزيد
١٥ يونيو ٢٠١٥
الجميع يدفعنا لتقبيل خاتم "الخلافة" ..!؟

في كل مرة نحزم أمتعتنا بعيداًعن الخلافة و نقرر الجلوس في الطرف المعادي لها و محاربتها بكل ما أوتينا من قوة بشكل يتناسب مع بقية الأعداء ، يظهر شيء جديد أو وباء جديد إن صح التعبير لكي نعود من جديد و نضع "الخلافة" بفكرنا و نقرر أن نختارها بين الرمضاء و النار التي دائماً نوضع فيها .

اليوم مع تمدد القوات الكردية و استحواذها على مناطق شاسعة كانت تحت سلطان الخلافة ، و عمليات التهجير المنظم و الممنهج للعرب و التركمان ، و ابعادهم خارج أراضيهم إلى تركيا كخطوة أولية ، نجد أننا اليوم أمام خيار جديد و تحدٍ من نوع آخر ، ألا وهو بين "الخلافة" التي تقتل كل من يخالفها بالممارسات الدينية ، و بين القوات الكردية التي ترفض كل من يخالفها بالإنتماء القومي ، و كل من يحمل جينات لا تناسبهم .

وهاهو الخيار يعود من جديد بعد أن مررنا في السنة الماضية التي كان فيها  الوضع أن نكون بين"الخلافة" أو الأسد ، خيار بين الحقد و القتل الأعمى بينهما ، و في الغالب نجد أنفسنا بشكل لا شعوري نلجأ إلى الخيار الأبعد و الأقل قتلاً ألا وهو "الخلافة" .

و تفس الأمر يتكرر حينما نوضع في ظروف لنختار بين "الخلافة" و المليشيات الشيعية المتنوعة ، فتجدنا كذلك نختار خير الشريرن أو اهونهما أو على الاقل أبعدهما شراً في الوقت الراهن .

هذه العملية تجمعنا نوقن ان الجميع يدفعك صوب "الخلافة" و لتقبل خاتمها ، و القبول بأن تكون أحد رعيتها ، حفاظاً على حياتك بشكل مؤقت .

فالتطرف لا يواجه إلا بالتطرف ، و التعصب يحتاج لتعصب ، و التشدد لابد من تشدد يواجه ، فالأسد هو وجه للتطرف و إيران للتشدد و القوات الكردي و حلم الدولة المستقل يكون في سياق التعصب ، أما "الخلافة" فهو الوجه الكامل للأطراف الثلاثة ، و لا يمكن أن نواجههم جميعاً إلا باللجوء إليها .

ليس دعوة لـ"الخلافة" و إنما استهزاء من العالم الذي يخطط و ينفذ مخططاته بدقة على حساب وجودنا و حياتنا و يدفعنا لمزيد من التشرد و الضياع ، و كل ما مطلوب منا ، إما أن نتحول لبيدق بيده أو نكون أعداء له .

اقرأ المزيد
١٥ يونيو ٢٠١٥
محطة حوران.. التحدّي الكبير لثورة سورية


ما كان ممكنًا أن يكون توقيت المجزرة التي ارتكبها عناصر من «جبهة النصرة» في قرية قلب لوزة بجبل السمّاق (الجبل الأعلى) في شمال محافظة إدلب أسوأ بالنسبة لمآلات الثورة السورية ومضامينها السياسية.
هنا، أنا لا أتكلم عن حجم المأساة، لأن سوريا شهدت منذ مارس (آذار) 2011 مجازر أكبر وأفظع. ولا يجوز الإفراط في التركيز على «الأقلية» التي تعرّضت للمجزرة، بينما ارتكب أضعاف أضعافها بحق «الأكثرية» طيلة السنوات الأربع الأخيرة.
ليس من الإنسانية في شيء تناسي حقيقة ساطعة، بقدر ما هي مؤلمة، هي أن ثمة قيادات في سوريا توهّمت أن بمقدورها الهروب إلى الأمام من أخطاء حساباتها وسوء فعالها، فاختارت تكرارًا أن تغطي كل جريمة ترتكبها بجريمة أكبر. وهكذا، بنتيجة الدعم الخارجي والتواطؤ الدولي، بلغنا المأساة الفظيعة التي نعيش.
إن الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق نحو 25 من أبناء قلب لوزة «جزء من كل»، ونموذج من نماذج انهيار الدولة – وفق المفهوم السياسي للدولة – من دون توافر البديل الناضج الثوري لها. لكن لماذا ما حدث في قلب لوزة كان مفجعًا، وكان التوقيت سيئًا، بل كارثيًا؟
الجواب هو أن المجزرة ارتكبت قبل ساعات معدودات من بدء ثوار الجنوب السوري معركة تحرير مطار الثعلة العسكري. وكما أن سكان قلب لوزة، ومعها 16 قرية أخرى مجاورة في الريف الشمالي لمحافظة إدلب، من الموحّدين الدروز، فإن بلدة الثعلة المتاخمة للمطار تشكل البوابة الغربية لمحافظة السويداء، التي يعيش فيها أكبر تجمّع للدروز في العالم.
لقد عاش الموحّدون في جبل السمّاق وسفوحه الجنوبية الشرقية منذ نحو ألف سنة حافظوا خلالها على أفضل العلاقات مع إخوانهم وجيرانهم. وعندما قامت «ثورة الشمال السوري» في مطلع العشرينيات ضد الفرنسيين كان البيت الذي لجأت إليه عائلة المناضل إبراهيم هنانو، بطل الثورة الكبير، بيت الوجيه الدرزي محمد علي القصّاب في قرية مرتحوان. ثم عندما اندلعت الثورة الحالية عام 2011 وقفت القرى الدرزية في الشمال السوري مع الثورة، فأمنت الملاجئ والأغذية واعتنت بالجرحى والمصابين.
أما في الجنوب، في محافظة السويداء، فإن سكانها كانوا وما زالوا منذ 400 سنة جزءا من نسيج حوران، ولا حاجة لتوثيق الحقب التاريخية فهي معروفة لكل من قرأ تاريخ سوريا المعاصر، سواء إبان الثورات الوطنية ضد الانتداب الفرنسي، أو المشاركة في الحركات الوطنية والأحزاب والقوى القومية في فترة ما قبل انحرافها وتشوّهها.
للأسف الشديد، يجب الإقرار بأن نظام الأسد نجح في عدد من الرهانات القاتلة في طريقه لتدمير سوريا، وكان أفظعها وأقساها الإفراط في القمع الدموي وإطالة أمده لتدمير أي اعتدال عند الأكثرية السنيّة. ومن ثم، بعد تغليب خطاب الغضب والشك والانتقام في الشارع السنّي الجريح، باشر ابتزاز الأقليات الدينية والمذهبية بهذا الغضب فحشرها أمام خيارين مريرين: إما القبول بحماية نظام هو في حقيقة الأمر يحتمي بها، أو مواجهة خطر التطرّف الانتقامي. وفي سبيل زيادة فرص طغيان التطرّف، أقدم النظام بالفعل على فتح أبواب السجون مفرجًا عن عدد كبير من الحَركيين الذين يعرف جيدًا تاريخهم السياسي والعنفي. وفي وقت لاحق، غضّ النظر عن تنامي الجماعات المتطرفة وتمدّدها، وعلى رأسها «داعش»، كما فعل في الرقّة وريف حلب وتدمر وريف دمشق الجنوبي.
وحقًا، قال أحد دمى النظام السوري في لبنان، أخيرًا، ما معناه أنه عندما ظهر «الجيش السوري الحر» قرّر النظام العمل على إضعافه عبر ترك التنظيمات الإرهابية المتطرفة تنمو في البلاد عمدًا، وهكذا تقضي على هذا «الجيش»، فيجد السوريون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: أما النظام أو التطرف الإرهابي.
دعم إيران وروسيا المباشر، ثم تواطؤ الولايات المتحدة، أهديا النظام هامش مناورة ممتازًا. بل لقد أدى إحجام واشنطن عن العمل جديًا على إسقاط النظام، برفضها تكرارًا تقديم أي دعم نوعي للمعارضة، إلى توقف الانشقاقات في صفوف الجيش والطبقة السياسية، وإحباط نسبة عالية من أبناء الأقليات ودفعها إلى السكوت والتزام الحياد.
وفي هذه الأثناء، كان توافد الجماعات المتطرّفة «المهاجرة» من غير السوريين – وأحيانًا من غير العرب – على الساحة السورية يغيّر شيئًا فشيئًا طبيعة الثورة، ويقضي تدريجيًا على هدفها الأساسي. كذلك أخذ الإحباط والضيق يتسلل إلى أفئدة مناضلي الثورة الذين خذلهم المجتمع الدولي، وعاقبهم على اعتدالهم وسعيهم إلى سوريا حرّة ومستقلة وديمقراطية، تعيش فيها كل مكوّناتها بحرية وكرامة وعدالة.
في أي ظرف طبيعي، لا بد من تحرير مطاري الثعلة وخلخلة العسكريين في محافظة السويداء، مع العلم أن النظام لم يفعّل المطارين إلا لقصف الثوار وتدمير قرى حوران وريف القنيطرة. غير أن ربط بعض السذّج والمشبوهين بين تحرير مطارين عسكريين و«دخول السويداء»، بما يستبطن التأديب والمساءلة بعد ساعات مما حدث في قلب لوزة، كان ربطًا خاطئًا.
وبسرعة البرق استغل النظام الفرصة. وبعد أيام من محاولته سحب الأسلحة الثقيلة لتسهيل اقتحام «داعش» للسويداء عقابًا على رفض 27 ألف من شبابها الخدمة العسكرية والقتال ضد إخوانهم، «تحمّس» النظام فجأة لتدعيم المطار.
ما سيحدث في حوران سيحدد مآل الثورة السورية. إن أبناء السويداء، والدروز في كل مكان لا يراهنون، على بشار الأسد ولا على داعميه، لكن مصلحة الدروز وكل مكوّنات سوريا، أكثرية وأقليات، تكمن في استعادة الثورة السورية هدفها السياسي، وإبعاد مَن يريد تصنيف السوريين والتسابق لمنحهم شهادات في الإيمان والوطنية.
إذا كان العالم قد أشاح بوجهه حتى اليوم عن معاناة سوريا قبل أن تسقط تحت قبضة التطرّف، فكيف لنا توقّع سكوته عنها وهي بؤرة للتطرف؟
وإذا كنا اليوم نناشد العالم كله التنبه لمأساة الروهينغيا المسلمين في ميانمار (بورما)، فكيف نقف صامتين إزاء القضاء على الثقة بوطن واحد في سوريا يسمو على الطوائف والمذاهب والعشائر؟

اقرأ المزيد
١٥ يونيو ٢٠١٥
ما العمل في سوريا!

و كيف سيُترجم العمل ومتى سينفّذ وعلى يد من؟، ينتظر الشعب السوري الذي يواجه أكبر كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين أجوبةً لأسئلةٍ، يخلقها واقعه المشلول الذي يستوجب حلّا جذريا لإنهاء صراعٍ يتفاقم شره في كل يوم، ويشتد هوله في جميع المناطق السورية كافة. في الوقت نفسه، نقرأ مقالات صحفية يومية معارضة عديدة منذ مطلع عام 2015 تحمل عناوين ومانشيتات، على سبيل المثال، الأسد يتساقط، البعث أيامه قليلة، إنه ينهار..إلخ. وتحمل هذه القراءات التحليلية غالبا علاقة طفولية في التعاطي مع الواقع، مع العلم أن الصحف الموالية أيضاً، وفي كل يوم، تروّج بطولات قوات النظام وميليشياته، ولم نشهد أي بادرة حقيقية من كلا الطرفين، للتراجع وتخفيف المأساة السورية.

يمكننا، وبنظرة متفحصة يقينية، أن نثبت أن الاشتباكات بين الفرق المتقاتلة تزداد دموية ووحشية، لم تعرف لها الأرض مثيلا، من الجنوب السوري، حيث يعمل نظام الأسد جاهداً على إحداث فتنة بين حوران والسويداء، نتيجة امتناع نسبة كبيرة من أهل الجبل أن يلتحق شبابهم بالجيش السوري، فإذا نجح في هذا فقد يؤول الأمر إلى مجزرة كبرى، يفقد الأبرياء فيها أرواحهم، وتجعل الجنوب السوري يعيش حالة من القلق الشديد والرعب الكثيف. أما الشمال السوري فيشهد أمطارا في وسط شهر يونيو/ حزيران، فالبراميل المتفجرة التي تمطر بغزارة على أحياء حلب السكنية التي تسببت، وفقا لمنظمة العفو الدولية، بحصد أرواح ثلاثة آلاف مدني في حلب، السنة الماضية، وأكثر من 11 ألف مدني في سورية، منذ 2012، هذه البراميل المتفجرة التي اعتاد أن يرميها الأسد على أطفال شعبه، وأدمن عليها، ترسم للجيل المقبل لوحة ميتة لمستقبل مريض.

أن تقتل أحداً بقصد، يعطيك ذلك شعوراً بأنك حي وموجود في هذا العالم. يبدو أن داعش وجبهة النصرة وميليشات حزب الله وقوات الاحتلال الإيراني باتوا ينظرون إلى الوضع السوري من هذا المنظار، بالإضافة إلى المنظور الأيديولوجي الذي يستولي على فكرهم المسلمات والمسبقات الأيدولوجية التي يسعون إلى إثبات صحتها في الواقع، والمنظور الطائفي أو المذهبي، وهو القتل الذي يستند على خلفية مذهبية، أو موقف طائفي، وداخل هذه الدوامة الكبيرة من القتل والذبح والدم تكون دائما الأهداف السورية النبيلة غائبة.

المعارضة السورية التي لم نعد نعرف من تعارض!، فأصبح لديها دكتوراه في المؤتمرات، وصارت تهرول وتشارك في جلها، الائتلافية والإقليمية والدولية والتحالفية والتنسيقية، لكنها لم تقدم أي مقترح جدي ومتوازن، لمرحلة انتقالية تنهي المعاناة في سورية.

يقول إلياس مرقص: "الدبلوماسية هي فن الكذب"، وأكثر كلمة اختلط فيها الكذب بالكذب، لا بالصدق، هي السياسة، وأكثر إنسان تجرّد من إنسانيته، في أسمى معانيها، وهو الإحساس بالصدق، هو السياسي، فمعظم التصريحات الدولية التي تطربنا بها أميركا وأوروبا تحتوي شيئا من الكذب والتلفيق، فهي ليست ذات مصداقية عالية كما يصفها بعضهم، إنما تحتاج إلى إثبات حقائق وصحة ما يقال في الإعلام الغربي، بخصوص الملف السوري.

القدرة على خلق حل صائب وحقيقي للفاجعة في سورية ليس أمراً سهلاً، لكن، في الوقت نفسه، ليس مستحيلا أن يُتفق على تسوية سياسية تنقذ سورية من الهلاك، تكون جملة من القرارات الصائبة والضرورية. ولتنفيذ هذا الحل، لابد من مسوغات وعوامل وآليات تساعد على التنفيذ، فكل المؤتمرات التي انعقدت من أجل الملف السوري، بما فيها جنيف، كانت تدور حول قضايا جزئية، ولم تغوص في جوهر المشكلة، لإعطاء حلول واضحة، فإن الحل السياسي يجب أن يعالج حالة تصادم المصالح الدولية في سورية، والوصول بها نحو التوازن الإقليمي والدولي، من أجل ولادة دولة سورية ديمقراطية لا يكون للاستبداد مكان فيها، وتعلو فيها مبادئ الحرية والمواطنة والقانون فوق أي شيء آخر

اقرأ المزيد
١٥ يونيو ٢٠١٥
الأسد و سوريا الصغرى !

اقتربت واشنطن وموسكو من "تفاهم" جديد على التعامل مع الأزمة السورية. اضطلعت باريس وعواصم أخرى – بعضها عربي وإقليمي – بدور في التأسيس لـ"مبدأ" جديد لأي تسوية. لا مستقبل للأيادي الملطخة بالدماء في النظام السوري. لا مكان للرئيس بشار الأسد، كما أن لا هوادة في الحرب الدولية على الجماعات الإرهابية.

حوّل البعثيون العروبة شعوبية. عبادة الشخص جوهر في الفكر القومي والديني. على غرار "الزعيم الخالد" جمال عبد الناصر، راقت الألقاب الرئيس السوري حافظ الأسد حتى جعل نفسه "قائدنا الى الأبد"، ليس فقط في بلده بل حتى أيضاً عند البعض في لبنان. فات ابنه بشار أنه ليس في مراتب الآلهة. لا يمكن "الرئيس الشاب" أن يشيب على كرسيه.

شرع المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى سوريا ستيفان دو ميستورا في البناء على التفاهم الأميركي – الروسي الجديد. يجري منذ أكثر من ستة أسابيع مشاورات مع أكبر عدد ممكن من أطراف النزاع ومنظمات المجتمع المدني، فضلاً عن ممثلي الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة في سوريا. صندوق عدته الوحيدة بيان جنيف في 30 حزيران 2012. التفسيرات المتباينة لبنوده أبقته حبراً على ورق. تركز الوساطة على ترجمة الإجماع على البيان بنقله الى مرحلة "التفعيل".

يستوجب هذا التفعيل مزيداً من الجهود على ثلاثة مستويات. لا بد أولاً من توفير غطاء دولي جامع لأي تسوية. ظهرت التباينات واضحة باستخدام روسيا حق النقض "الفيتو" أكثر من مرة ضد مشاريع قرارات قدمتها الولايات المتحدة في مجلس الأمن وغايتها إطاحة نظام الأسد. هل يمكن التخلص من الأسد والأيادي الملطخة بالدماء مع المحافظة على مؤسسات النظام؟ الإيجاب يمكن أن يكون معادلة مرضية لكل من البيت الأبيض والكرملين. ينبغي ثانياً تركيب معادلات أكثر تعقيداً على المستوى الإقليمي. كيف يمكن أن تقبل السعودية وتركيا وايران بمعادلة كهذه؟ يسود اعتقاد أن الإتفاق النووي المرتقب بين الدول الكبرى والجمهورية الإسلامية سيكون له مفعول غير منظور حالياً، علماً أن موعد 30 حزيران الجاري لاتفاق كهذا "ليس مقدساً".

أنهكت الحرب ثالثاً كل المشاركين فيها. مثل الوسطاء السابقين، أخفق دو ميستورا في محاولته الأولى تسويق عمليات "تجميد القتال" محلياً انطلاقاً من حلب. ها هو يبحث الآن عن الأيادي غير الملطخة بالدماء ضمن النظام. يأمل في معارضة موحدة تستبعد العناصر المتطرفة العنيفة.

الحرب في سوريا شقّت جروحاً غائرة. يمكن من يشاء من البعثيين والقوميين أن يتغنى بسوريا الكبرى وما "سلخ" منها. غير أن الواقع الجديد يرسم بالدماء حدوداً جديدة حتى ضمن سوريا الصغرى!

اقرأ المزيد
١٤ يونيو ٢٠١٥
من يقرر مصير سورية، دولة أمة أو فدرالية طوائف؟

هناك كلام كثير اليوم عن تقسيم سورية وانقسامها. بعضه من قبيل التهويل وبعضه من قبل رصد التحولات الجارية على الارض. وفي نظري لا تنقسم البلدان ولا تنهار الدول إلا بانهيار وحدة نخبها الاجتماعية وتشتتها. وما لم يحصل ذلك كل الانقسامات والانهيارات قابلة للتراجع.

لا توجد أسباب واحدة لتفكك النخب الوطنية. قد يحصل هذا التفكيك نتيجة انهيار الدولة وسقوطها كما كان عليه الحال في أوروبة الشرقية بعد انهيار الشيوعية ونهاية عهد الوصاية السوفياتية. وقد يحصل بسبب ضعف الدولة واختراقها من قبل القوى الخارجية المحيطة، دولا او جماعات دينية أو إتنية، كما هو الحال في لبنان، وقد يكون نتيجة احتكار نخبة من أصول مذهبية أو إتنية واحدة او شبه واحدة للسلطة والقرار وحرمانها النخب الأخرى من حقها في المشاركة أو الانتقاص الواضح من ممارسة هذا الحق، كما هو الحال في معظم الدول العربية التي تسيطر فيها نخبة قبلية أو عائلية أو مذهبية على القرار، بواجهة وطنية واحيانا من دون واجهة وطنية شكلية على الإطلاق.

هذا يعني أن آليات توحيد النخب الوطنية ودمجها في إطار واحد مرتبط هو ذاته بوجود مشروع بناء أمة ووطنية سياسية. وهذا المشروع لا يوجد من تلقاء نفسه ولا نعثر عليه في الطبيعة كما هو وإنما هو ثمرة جهد فكري وسياسي منظم لبناء علاقات الوحدة من قبل النخب أو اجزاء منها ومن قبل القادة الوطنيين الكبار. ولا يمكن ان يتقدم إلا بمقدار ما ينجح هؤلاء في تأسيس قواعد هذه الوحدة الوطنية من أسس دستورية ومساواة قانوية ومشاركة فعلية لجميع أبناء الطوائف والعشائر على قدم المساواة،. فالوطنية كرابطة فوق اتنية وفوق طائفية هي الثمرة المباشرة لتوسيع دائرة المواطنة وتطبيق نموذجها بوصفها شراكة في بناء الدولة الحرة لأفراد أحرار ومتساوين، وبالتالي كمشروع مشترك وجامع وصاهر أيضا لكل النخب ومن جميع الطوائف والمذاهب. وأصل توحيدها هو الاشتراك في هذا المشروع الوطني المواطني نفسه، فهي موحدة عليه ومن اجله وفيه.

ومستقبل سورية كدولة واحدة ومصيرها لن تقرره إرادة الدول ولا الاختلافات الطائفية والإتنية، كما يعتقد الكثيرون، وإنما النخبة الثورية نفسها، التي تسيطر عليها أكثرية "سنية" عددية من دون شك، في معالجتها لقضية الأقليات. وحتى الآن، باستثناء النخبة المنحدرة من أصول علوية والتي نجح الأسد في تعبئة قسم كبير منها في مشروع تدمير سورية أو استعبادها، جميع نخب الجماعات المذهبية السورية، بما فيها فئات واسعة من النخبة العلوية الاجتماعية، لا تزال تقاوم التفكك وتتمسك بوحدتها الوطنية بعد خمس سنوات من الحرب. وعلى وعي النخب المنتصرة في هذه الحرب ومقدرتها على الارتفاع إلى مستوى الرؤية الوطنية، وتحكيم منطق الدولة والسياسة بدل منطق العشيرة وحق الثأر والانتقام، يتوقف مستقبل سورية ومصيرها: كدولة أمة تقودها نخبة واحدة وموحدة، تضم جميع فئات النخب السورية المتمسكة بمشروع الخيار الوطني، أو فدرالية طوائف وقوميات وعشائر متنابذة ومتنازعة من دون مستقبل ولا هوية واحدة ولا أمل في أي تقدم أو تنمية أو استقرار.

اقرأ المزيد
١٤ يونيو ٢٠١٥
قرارات

قررت إدارة أوباما إرسال 500 مستشار عسكري إلى العراق. الرجل نفسه يُحارب إلى جانب إيران في العراق، وضدها في سوريا، ويفاوضها في جنيف، ويُطمئن أهل الخليج في كامب ديفيد، ولا يدري ماذا يفعل في مصر. ونحن، طبعًا، لا نُسهِّل عليه الأمور. إيران تُرسل وزير خارجيتها لمفاوضة جون كيري، وتترك للمرشد الأعلى والرئيس روحاني لعن الاتفاق الموعود. والتلفزيونات تعرض فيلمًا لحيدر العبادي يحاول الجلوس إلى جانب أوباما، وأوباما يدير ظهره بدل أذنه. وواضح أن العبادي يطلب القرب في السر، وسوف يتغطرس في العلن، لأن القرب من الشيطان الأكبر ضرورة في الحكم، وحريق شعبي يجب تداركه.
ولذلك، كانت العلاقة العربية – الأميركية قائمة دومًا على ازدواجية، متبادلة أحيانا، وعربية دائمًا. ونحن نريد من أمريكا توازنا في الموضوع الفلسطيني، ودعمًا عسكريًا في العراق وسوريا، ودعمًا سياسيًا في مصر، وتدخلاً في ليبيا. لكننا نريد أيضا أن نحرق أعلامها في شوارعنا، وأن نشتمها في صحفنا، وأن نبحث عن بطولة واحدة هي العداء لها. والمشكلة مع الأميركيين الذين كنا نعتقد أنهم لا يقرأون، هي أنهم يترجمون كل حرف عنهم، حبرًا وصوتًا وصورة.
لكن هناك مشكلة أخرى أيضًا: لا بديل! لم تقدم روسيا السوفياتية، ولا روسيا البوتينية للعرب أكثر من الكلام وصفقات السلاح. وأما الفيتو، فهذه نتائجه في سوريا. لا روسيا ولا أوروبا مجتمعة لها الوزن الدولي الذي تمارسه، أو تتردد أمريكا في ممارسته في ظل رئيس محتار ومحيَّر.
يجب على الفريقين اتخاذ قرار صعب عل كليهما. أولاً، تقرر الولايات المتحدة أننا لسنا نفطاَ فقط. نحن أمَّة، صحيح أنها مُتعثّرة اليوم، لكننا دائمًا هناك، سواء اكتفت أمريكا بالنفط الرملي أم لم تكتف. إنها لا تستورد النفط من أوروبا، ولا من أفريقيا، ولا من آسيا، لكن مصلحتها الكونية لا تتنقل ولا تتجزأ.
وأما نحن، فيجب أن نقرر أننا لم نعد مضحكين. مرة نأخذ على أمريكا أن فيها 30 مليون فقير ونحن 300 مليون فقير. ومرة تُقصف أبراجها لتدمير الاقتصاد. ومرة نشمت لاضطرابات في مدينة بين السود والبيض، بينما مدننا ركام وأحزان و16 ألف طفل قتلوا في أربع سنين.
على الأقل يجب أن نستحي. ويجب أن نتصرف كدول وشعوب جديّة تجيد أصول المخاصمة والمعارضة وشرح الحقوق والدفاع عنها. «طز في أمريكا» لم تفدنا في شيء ولم تضر أمريكا في شيء. هذه ليست لغة للتعامل مع خصم، أو للدفاع عن صديق. هذه لغة رعاع تنتهي دائمًا إلى وبال على ثقافة الاحتكام إلى الشارع وإلهائه بسقط الكلام. تأملوا صورتنا اليوم. حاولوا أن تراهنوا على لغة العقل وسياسة المنطق. وهذا لا يعني أن نحب أمريكا، بل أن نحترم أنفسنا.

اقرأ المزيد
١٤ يونيو ٢٠١٥
العراق وسوريا دولة وحرب واحدة

قبل عام، حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما تبرير سبب الاختلاف في التعاطي مع الأزمتين، ترسل درونًا ومستشارين وأسلحة إلى العراق، وتبعث بطانيات وأدوية إلى سوريا. قال إن إدارته ملتزمة بأمن العراق لأنه يمثل لبلاده قيمة استراتيجية، أما سوريا فإن التعاطي معها سيستمر على مستويين سياسي وإنساني، ولا ينوون التورط هناك بأكثر من ذلك.
معظم الحكومات تتحدث عن عراق وسوريا، لكن هذا التقسيم مجرد خرائط ورقية قديمة، لم يعد له أثر على أرض الواقع. لا يوجد هناك بين العراق وسوريا، كحدود وقوات حرس، وجوازات، وجيوش فاصلة. العديد من النقاط أصبحت مجرد محطات تمويل لمقاتلي «داعش» والعابرين من وإلى الأنبار. وحدت الحرب والإرهاب بين البلدين. «داعش» هي السباقة والأكثر دقة عندما سمت نفسها بـ«دولة العراق والشام الإسلامية».
وسبق أن كتبت حينها، بعد سقوط الحدود، كيف أن المرء يفقد قدرته على فهم عمق الأزمة عندما يسير وفق القواعد التقليدية، مثل علامات الحدود، والأعلام، والدول والأديان. الآن الصورة أكثر وضوحا. ما يحدث في العراق اليوم جزء لا يتجزأ من الحدث السوري، ولم تعد الحدود سوى مجرد خط قديم باهت على الورق في وزارات الخارجية. اليوم نحن أمام مستطيل أزمة يوحد البلدين من باب الهوى الحدودي السوري أقصى الشمال مع تركيا، إلى أقصى جنوب العراق عند منفذ الجديدة السعودي، وغرب العراق، حيث منفذ طربيل الأردني. وصار مقاتلو «داعش» في محيط العاصمة السورية دمشق، مثلما هم أيضا في محيط العاصمة العراقية بغداد.
إذا أرادت الدول المعنية مواجهة الكارثة المزدوجة، ووقف تمدد «داعش»، فعليها أن تتعامل مع العراق وسوريا كدولة واحدة، النجاح والفشل في واحدة يؤثر على الثانية. ولم يعد يصلح تعريف هذه الدول، وخصوصا الولايات المتحدة، أن العراق دولة نفطية استراتيجية وأن سوريا مجرد مزرعة فجل؛ لأننا أمام توأم سيامي، وصارت الحرب تقريبا واحدة. هذه المصيبة المزدوجة تعني أن فكرة الاعتماد على حكومة بغداد الضعيفة لن تحقق الكثير، وأن مساندة الميليشيات الشيعية في العراق من خلال «الحشد الشعبي» ستوسع من الجرح، وتعظم من التحول السني الجماعي ضد الحكومة العراقية، وبالطبع تزايد العداء ضد الولايات المتحدة، وفي الأخير تجعل «داعش» حقا دولة تمثل غالبية السنة في البلدين!
الخيار المعقول المتبقي، بعد فشل الحلول الأخرى، دعم القوى السنية المعارضة في سوريا ومثلها العشائر السنية في العراق لمقاتلة «داعش» السنية. والتوقف عن استخدام الحشد الشعبي وميليشياته الشيعية في العراق تحت إدارة الإيرانيين، لأنه يخدم أهداف تنظيم داعش السني. أيضا لا بد من تصحيح الوضع المأساوي المستمر. فلا يعقل أن تسكت غالبية السوريين السنة، وهم ثمانون في المائة من السكان، على نظام الأسد بعد أن قتل منهم أكثر من ربع مليون. ولن يبدأ الإيرانيون وحليفهم الأسد القبول بحل سياسي، ويؤدي إلى مداواة الغالبية السنية، إلا بمواجهة القتل اليومي من الجو ومنعه. فطيران الأسد يُسمح لَهُ بالتحليق وإلقاء براميله المتفجرة على الأحياء المدنية في عملية تطهير عرقية مستمرة، وفي نفس الوقت يحظر على المعارضة التسلّح بما يمنحهم الدفاع عن مناطقهم من طيران الأسد، وزيادة في الألم والمهانة يرفض المجتمع الدولي فرض حظر طيران يوقف المأساة.
دون فهم هذه الصورة المأساوية، ومعالجتها، فإن «داعش» سيتمدد ويتمدد، وسيجد المزيد من المقاتلين والموالين له، أكثر من المائة ألف حاليا يقاتلون له في سوريّا والعراق.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٥
أين الخير في الانتخابات التركية؟

إن القراءة الظاهرية لنتيجة الانتخابات التركية الأخيرة تبدو مقلقة، ولا سيما بالنسبة لأهل سوريا الذين كانت تركيا لهم في السنوات الماضية خيرَ صديق وخيرَ ظَهير، وكانت هي العمق الإستراتيجي للثورة والحاضنةَ الكبرى لمؤسساتها وناشطيها ولعدد هائل من اللاجئين.

ولكن الدنيا ليس فيها شَرٌّ محض وليس فيها خير محض، إنما يكون هذا في الآخرة، أما الدنيا فإن الخير فيها مَشوب بشيء من الشر والشرّ مَشوب بشيء من الخير لا محالة. وإن من علامة عقل العاقل أن يبحث في كل شر عن الخير ليَجْتَبِيَه، وفي كل خير عن الشرّ ليَجْتَنِبَه، وكثيراً ما يسوقنا الله إلى الخير أو يسوق الخيرَ لنا بما ظاهرُه شر، فإذا نفرنا منه وأعرضنا عنه لظاهره خسرنا الخيرَ الذي فيه: {فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلَ الله فيه خيراً كثيراً}.

-1-

يقول آرنولد تويْنبي في نظريته الشهيرة، "التحدي والاستجابة"، إن الجماعة البشرية التي تواجه تحديات كبيرةً تستجيب لها بإحدى طريقتين: استجابة سلبية ينشأ عنها ضعف وضمور، أو استجابة إيجابية تنتج عنها حضارة عظيمة. أي أنّ ما يدمّر الجماعات ليس التحدي نفسه، بل طريقة التعامل معه والاستجابة له، على أن لا يبلغ درجةً من القوة تدمّر الجماعة، ولا درجةً من الضعف تقتل حاجتَها إلى الاستجابة.

هذه النظرية لا تنطبق على الحضارات الكبرى فحسب، بل إنها تنطبق أيضاً على الجماعات والمنظمات وعلى أفراد الناس، وهي تشبه نظرية كارل يونغ الرائدة في علم النفس السلوكي، حيث يقول إن الإنسان الذي يتعرض لصدمة يُصاب بالاضطراب والضياع لوقت قصير، ثم تتبلور استجابته للصدمة بإحدى طريقتين: استجابة سلبية، فيرتدّ إلى الماضي فراراً من الواقع المرير، أو استجابة إيجابية، فيعترف بالمصيبة ويتقبلها، وبدلاً من الاستسلام لنتائجها المُحبطة فإنه يتطلع إلى المستقبل، ويبدأ بالتخطيط الإيجابي للتغلب عليها والخروج منها بفوائد ومكتسبات.

-2-

إن القراءة الأولية لاستجابة حزب العدالة لنتائج الانتخابات تُثبت أنه حزب حيّ ديناميكي قادر على تجاوز الأزمة والانتقال من النجاح الجزئي الذي حققه في الانتخابات (وهو فشل جزئي أيضاً) إلى نجاح أكبر، فقد طالبَ قادةُ الحزب الكبار (آغابيلِرْ) بمراجعة شاملة ونقد ذاتي لأداء الحزب، وتمت الدعوة على عجل لعقد لقاءات تشاورية تضم قيادة الحزب ورؤساء فروعه في المحافظات ورؤساء البلديات وأعضاء الأمانة العامة، وسوف تسعى هذه اللقاءات إلى البحث في أسباب تراجع شعبية الحزب وتحديد مسؤولية الإخفاق الأخير واستشراف المستقبل والتخطيط الجيد للغد القريب والبعيد.

إن هذا التحرك السريع يعبّر عن امتصاص للصدمة ويمثل استجابة إيجابية للتحدي، حيث يُنتظَر أن يجدّد الحزبُ نفسَه ويطور أداءه وينوّع أداوته، وهذه الاستجابة الإيجابية تحملنا على التنبؤ منذ الآن بعودة قوية لحزب العدالة في الانتخابات القادمة بعد أربع سنين.

-3-

إذا كانت هذه هي استجابة حزب العدالة الذي يلعب على أرضه والذي ما يزال هو القوةَ الكبرى في البلاد، فكيف كانت استجابة ثورتنا التي تمثل تركيا عمقَها الإستراتيجي الضروري للبقاء؟ وماذا صنعت مؤسساتنا الثورية التي صارت تركيا موطناً لها فاستقرت وتجذرت فيها منذ عدة سنوات؟

لقد كانت الضريبة التي دفعها السوريون في مصر بعد الانقلاب قاسية. بالتأكيد لا يتوقع أحدٌ أن تتدهور حالة السوريين في تركيا بتلك الصورة التراجيدية، ولكن لا بد أن تحصل تغيّرات، ولا يمكن أن نتجاهل أن بعض الأحزاب حصلت على أصوات كثيرة بناء على برنامج انتخابي يتضمن وعداً بالحدّ من تمدد السوريين في البلاد، وأن أي حكومة ائتلافية قد تُضطر إلى ممارسة بعض الضغط على أفراد السوريين ومنظماتهم الثورية والسياسية والإغاثية، ولا بد أن ينعكس أيُّ تغير في السياسة الخارجية على العمل العسكري في الداخل السوري بطبيعة الحال.

هذه كلها صعوبات محتمَلة، ولكنها ليست كارثة تستحق الشكوى بقدر ما هي تحديات تحتاج إلى استجابة إيجابية خلاّقة. لقد أثبت أحرار سوريا منذ بداية هذه الثورة المباركة أنهم يتفاعلون بإيجابية مع التطورات والتحديات وينجحون بفضل الله، ولكنهم كثيراً ما يترددون فيتأخرون، فعسى أن لا يصنعوا ذلك الآن، وعسى أن يكون أهل الرأي والقرار في المنظمات الثورية والفصائل العسكرية أسرعَ في التفكير والتدبير مني بكتابة هذه الكلمات.

-4-

وثمة وجه آخر من أوجه الخير لا ينبغي أن يغيب عن البال: إن للعمل السياسي نتائجَ خطيرةً على الأفراد والمؤسسات، فإن السلطان يُطغي، هذه واحدة من قواعد الحياة الكبرى ومن سنن الخلق المطّردة، وقد عبّر عنها القرآن بجملة فريدة بديعة يمكن أن تُشرَح في مجلدات: {إنّ الإنسان ليطغى أنْ رآه استغنى}. أي أن الإنسان إذا رأى نفسه مستغنياً عن الناس، بجاهه أو بماله أو بقوته وسلطانه، فإنه يميل فطرياً إلى الطغيان، وإذا طغى السلطانُ أفسد آخرتَه وأفسد دنيا الناس.

لذلك كان من أفضل المنتجات السياسية التي طوّرها البشر عبر الأجيال مبدأ "تداول السلطة"، وهو مبدأ سياسي ينبغي على الأمم الحية أن تعضّ عليه بالنواجذ وأن تقدّم في سبيل تكريسه والمحافظة عليه أعظمَ التضحيات، ولو أردنا أن نكون في سوريا أمة حية فلنحرص على أن يكون هذا المبدأ من المبادئ العليا التي تحكم نظامنا السياسي في المستقبل.

لقد انقضى وقت طويل وحزبُ العدالة هو الحزب الوحيد الذي يمارس السلطة في تركيا بتفرد كامل، ولا ندري، فلعلّه صار بحاجة إلى "دورة تدريبية تطبيقية" في العمل المشترك، فإن هذا هو الطريق إلى ترويض السلطة ومنعها من الجموح ومنحها التكاملَ والتنوعَ والثراء، وفي هذا التدريب خيرٌ له وللبلاد والعباد.

-5-

ووجه ثالث: إن العمل السياسي هو في حقيقته رعاية لمصالح الناس، فهو عبء وغرم ثقيل على صاحبه. ولا ريب أن المحسن ينال مكافأته شكراً واستحساناً من الناس وثواباً من ربّ الناس إذا صلحت النيّات، ولكن الناس يألفون الجديد مع الوقت، فمن سنن الحياة أن الأُلفة تُذهب الدهشةَ كما يقولون، ومن ثَمّ فقد صارت منجزات حزب العدالة في أعين عامة الناس من المسلَّمات التي لا تستحق الشكر والتقدير. فلماذا لا يشارك الحزب غيرَه ويلقي عليه جزءاً من المسؤولية، وليترك للناس الحكم على أداء هذا الفريق وذاك؟

ربما كان هذا هو الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الإخوان المسلمون في مصر، يوم تصدّروا لإدارة البلاد فُرادى فاحتملوا وحدَهم إرث عشرات السنين من التخريب والفساد، ولو حمل العبءَ ائتلافٌ من قوى سياسية متنوعة لضاع الدم بين القبائل واشترك الكل في حمل الإرث الثقيل.

لو كنت مسؤولاً في حزب سياسي أو فصيل عسكري في سوريا لما فكّرتُ طرفةَ عين في السعي إلى حكم البلاد منفرداً، حتى لو امتلكت قوة عسكرية عظيمة وأغلبية برلمانية ساحقة، لأنني أعرف أنه اختبارٌ مُعْجز وأن النجاح فيه مُحال، فإن إعادة بناء سوريا وإدارتها تحتاج إلى موارد دول عظمى وإلى سنوات طويلة من الصبر والكفاح والعمل الجماعي الذي يستهلك طاقات الشعب كله. فواعجبي ممّن يعيش في الأحلام فيحسب أن سوريا خَلُصت له من دون الناس، فما يزال يجادل في شكل الدولة وشكل الحكم وكأنه سيكون فيها صاحبَ الملك والحكم والسلطان!

-6-

ووجه رابع: إن الحروب والنزاعات الداخلية تُنهك الأمم وقد تتسبب في تفكّك الدول إذا بقيت بلا علاج، وقد عانت تركيا طويلاً من مشكلة الأكراد، ولا ريب أن حل هذه المشكلة مكسب إستراتيجي سيعود بالنفع على الأجيال التركية القادمة ولن يقتصر أثره الإيجابي على الجيل الحاضر فحسب.

وإن من أفضل وسائل حل المشكلة الانفتاحَ الثقافيَّ والاحتواء الاجتماعي والتطبيع السياسي، ولعل أفضل طريقة لتحقيق ذلك كله هي وجود حزب كردي مستقل يمثل الأكرادَ في البرلمان. إن أول سؤال سوف يخطر في أذهان عامة أكراد تركيا الآن هو: لقد قاتلْنا في الماضي من أجل حقوقنا، وها نحن اليوم نحصل عليها بالطريق السلمي من خلال العمل السياسي الرسمي، فلماذا نستمر بالقتال؟ أيْ أنّ مشاركة الأكراد في الحكم ستضع النهاية الحتمية لصراع مسلح استمر لأكثر من ثلاثة عقود.

إن المجتمعات المتعددة الثقافات والمذاهب والأعراق تعيش على سطح بركان ساكن معرَّض للانفجار في أي يوم، وهي لا تصل إلى الأمان والاستقرار إلا عندما يحصل الجميع على حقوقهم الكاملة. لقد كان هذا هو الدرس الذي تعلمته أممٌ كثيرة بعد حروب طاحنة مدمرة، وهو ما وصل إليه الأترك بعد نزاع مسلح منهِك طويل لم يستفد منه غير أعداء تركيا، وهو أيضاً ما يحتاج أهل سوريا إلى إدراكه قبل فوات الأوان.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٥
"مطار الثعلة" ليس درزياً .. و "التحرير" ليس داعشياً

الحديث عن "مطار الثعلة" ، يحتاج إلى عدة تأكيدات تدخل في إطار المسلمات حتى يكون هناك منطق لطرح أي شيء فيما بعد ، وأول هذه المسلمات هي أن : "مطار الثعلة" ليس مكان ديني أو تابع لطائفة  الدروز ، "مطار الثعلة" ليس أرضاً خاصة لأبناء السويداء ، "مطار الثعلة" ليس معرضاً للزهور ، "مطار الثعلة" ليس مركزاً للسلام ، فـ "مطار الثعلة" لا يملكه شخصٌ أو منطقة أو طائفة معينة .

"مطار الثعلة" هو عبارة عن ثكنة عسكرية تابعة لنظام قاتل ، "مطار الثعلة" عبارة عن وحش قاتل ، "مطار الثعلة" سبب في موت المئات و تشريد عشرات الآلاف ، "مطار الثعلة" مصدر كل خراب حدث في درعا ، "مطار الثعلة" سرطان فرّق بين شطري حوران "سهلها و جبلها" ، حاول الثوار إنتزاعه ليعود الربط بينهما .

الدفاع عن "مطار الثعلة" ليس دفاع عن الأرض ، و ليس دفاعاً عن العرض ، و الأهم من هذا كله ليس دفاعاً عن الدروز ، بل هو دفاعاً عن الباطل في وجه الحق ، هو دفاعاً عن الذل في وجه العز ، "مطار الثعلة" و الدفاع عنه و مساندته و استرداده من يد حرره ، هو خلق لشيء تعجز اللغة عن وصفه ، و تحار الديمغرافية في تقييمه ، فمهما بحثنا عن تبريرات لا نجد ما يفي بالغرض ، أو يخفف من حجم الضرر الذي وقع ، و لا أقصد الضرر المادي ، فهو يعوض حتماً لأن الثأر من "مطار الثعلة" مسألة وقت بالنسبة لثوار درعا ، و إنما عن الضرر المعنوي و "كسرة الخاطر" التي لحقت بالثوار بعدما اضطروا لمواجهة أهلهم و أخوتهم بعد إنسحاب قوات الأسد منه ، مما اضطرهم للإنسحاب منعاً لإراقة الدماء و زرع الثار بين شطري حوران ، و لا مكان لكلام عن قوة المؤازرات أو حجم القصف المساند ، فهذه ليست المعركة الأولى التي يخوضها ثوار درعا ، فهو اعتادوا مواجهة النار بالنار و غلبتها.

من المكن الحديث عن وجود أصوات شريفة صدرت من أبناء الطائفة الدرزية  وقفت إلى جانب الحق و واجهة أبناء جلدتها و قالت أنه خطئٌ ما حدث ، وماكان يجب أن يحدث ، كـ النائب وليد جنبلاط ، و فيصل القاسم الذي قال "عندما كان أهلنا وجيراننا في درعا يشتكون لأهلنا في السويداء من ان القصف الهمجي الذي يدمر درعا ويقتل ويشرد ساكنيها يأتي من مواقع عسكرية في السويداء، كان اهلنا في السويداء يتبرؤون من تلك المواقع ويقولون انها مواقع تابعة للنظام ولا سيطرة لهم عليها. طيب. بما انها مواقع تابعة للنظام الفاشي، فلماذا يدافع بعضكم الآن عن تلك المواقع عندما أراد أهل درعا وثوارها وضع حد لشرور تلك المواقع وإسكات نيرانها التي تحرقهم منذ سنوات؟ لماذا لا تقولون نفس الكلام القديم وهو انكم تتبرؤون من تلك المواقع؟ فلتعلموا يا اهلنا في السويداء ان المواقع التي يحاول بعضكم المشاركة في حمايتها الآن ستحرقككم وستقتلكم كما قتلت وتقتل اهلنا في درعا فيما لو رفعتم صوتكم قليلاً ضد النظام المجرم. وقد لاحظتم قبل ايام كيف امطرتكم مواقع المخابرات العسكرية في الجبل والحرش بوابل من قذائف الهاون لمجرد انكم لم تستجيبوا لطلباتهم الداعية للالتحاق بجيش القتل والوحشية".

و لكن في الوقت ذاته لا يمكن أن نغفل بوجود الكثر من قرروا المواجهة مع الجيران و الأهل و العزوة لأسباب خبيثة ، مبررات سازجة ، كالخوف من داعش التي يحاربها ثوار درعا بالتوازي مع حربهم ضد النظام ، و لا صحة للقول الخوف من الثوار و هم على يقين تام بأن بين درعا و السويداء أكبر من أي أي خلاف ، و لكن الخوف كان من المتورطين في دم السوريين ، و يخشون العقابة الذي سيلحقهم مهما طال الزمن .

لست هنا أتحدث عن شخص بعينه ، و إنما داخل السويداء يوجد من وظف الجانب الديني ليساند النظام كما يحدث في كل منطقة في سوريا و في كل طائفة و مذهب ، و يهدف لتوريط الجيمع بدم بعضهم البعض ، ليغلب صوت الدم على صوت الحق.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٥
النظام السوري والمتاجرة بالأقليات على الطريقة الاستعمارية

حاول نظام بشار الأسد أن يقدم نفسه للداخل والخارج منذ بداية الثورة على أنه حامي الأقليات. لكنه نسي أن لعبة حماية الأقليات ليست جديدة، بل استخدمها المستعمرون لأغراض حقيرة مرات ومرات قبله لتبرير غزوهم لبلادنا أو تمرير بعض سياساتهم الإجرامية، فبحجة حماية الأقليات كانوا يفعلون الأفاعيل، مع العلم أن آخر ما يهمهــــم كان حماية الأقليات التي استغلوها لأهداف استعمارية قذرة وممارسة سياستهم المعروفة «فرق تسد». لقد أساء المستعمر للأقليات أكثر بكثير مما أفادها، وجعل بعضها يبدو أحياناً في أعين الأكثرية على أنها مجرد طابور خامس.

طبعاً لا تختلف سياسات النظام السوري عن السياسة الاستعمارية، فهو استخدم الأقليات لنفس الأغراض السلطوية المفضوحة ودق الأسافين بين الأكثرية والأقليات كي يحمي نظامه ويعيش على تناحرها. لا بل إنه استغل حتى طائفته العلوية المسكينة من أجل بقائه في السلطة، فقد خسر العلويون حتى الآن، حسب إحصائياتهم هم، أكثر من مائة وخمسين ألف قتيل. وكان النظام يبتزهم دائماً بأن الأكثرية ستسحقهم إذا لم يشاركوا معه في الحرب ضد الثورة. وقد وقع العلويون كما غيرهم من الأقليات في حبال النظام الشيطانية. والسؤال إذاً: إذا كان النظام يتاجر بأبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، ويقدمها قرباناً من أجل البقاء في السلطة، حتى لو أصبحت طائفة بلا رجال، فكيف يتوقع أبناء الأقليات الأخرى كالمسيحيين والاسماعيليين والدروز أن يحميهم النظام؟ أليس الأقربون العلويون أولى بالمعروف؟ مع ذلك لم يقدم لهم النظام أي معروف، بل حارب بأشلائهم. وحتى المصابون منهم الآن يتسولون حبة الدواء، ولا يجدون ما يسد رمقهم. أما الدروز فقد عوّضهم عنزتين عن كل «شهيد».

كيف تصدق الأقليات أن النظام يحميها إذا كان عدد المسيحيين في عهدي حافظ وبشار الأسد قد تناقص بنسبة مهولة، فلم يبق منهم حوالي 300 ألف مسيحي من أصل مليونين في سوريا؟ وقد هاجر معظمهم إلى الغرب أيام حافظ الأسد، حسب الباحث المسيحي جورج كدر. وقد لحق بهم عشرات الألوف أثناء الثورة، ولم يستطع بشار الأسد أن يؤمن لهم أي حماية. وحدث ولا حرج عن الدروز الذين هاجر منهم مئات الألوف بسبب الفقر والظلم والطغيان، فعدد الدروز خارج سوريا أكبر بكثير من عددهم داخل سوريا. هل كانوا ليهاجروا بمئات الألوف يا ترى لو كان النظام يحميهم ويراعيهم كما يدعي ليل نهار؟ بالطبع لا.

وتنقسم لعبة المتاجرة بالأقليات من قبل النظام السوري إلى مرحلتين. المرحلة الأولى عندما كان يحرضهم ضد الأكثرية الثائرة بحجة أن الأكثرية ستسحقهم إذا لم يقاتل أبناء الأقليات إلى جانبه. وقد نجح مرحلياً، بحيث امتنعت الأقليات، على الأقل، عن الانضمام إلى الثورة، لا بل إن بعضها انضم إلى قطعان الشبيحة والنبيحة. لكن من المؤسف أن بعض الأقليات انطلت عليه اللعبة القذرة، ولم يكتشف الملعوب إلا متأخراً، أو بالأحرى حتى انتقل النظام إلى المرحلة الثانية من المتاجرة بالأقليات، خاصة بعد أن فشل في تجنيد أبنائها في الجيش كما حصل في السويداء، حيث تخلف حوالي ثلاثين ألف شاب عن الجندية لرفضهم أن يكونوا قرابين في حرب الأسد المجنونة ضد الشعب السوري.

الآن وبعد أن انتهى بشار الأسد من المرحلة الأولى، وأصبح في وضع بائس عسكرياً بعد أن خذلته بعض الأقليات، ولم يعد قادراً على المواجهة العسكرية، أو توفير أبسط أنواع الحماية للذين وقفوا معه من الأقليات، راح الآن يسلم مناطق الأقليات لقوى التطرف أولاً عقاباً لمن رفض الانضمام إلى جيشه، وثانياً بهدف لفت انتباه العالم إلى أن الأقليات باتت مهددة من داعش ومثيلاتها. وبهذه اللعبة، يكون النظام قد بدأ بالمتاجرة بالأقليات دولياً. ها هو يقول للعالم الآن بعد أن أوصل جحافل المتطرفين إلى الموحدين الدروز في السويداء والاسماعيليين في السلمية، ها هو يقول للعالم: انظروا: الأقليات في خطر، وعليكم أن تقفوا معي ومعها. إنها المتاجرة بالأقليات في أقذر صورها.

لكن من الواضح أن لعبته انفضحت وانكشفت، ولم تعد تنطلي على الأقليات، ففي السويداء مثلاً بدأ الموحدون الدروز يقتربون أكثر فأكثر من جيرانهم في درعا بعد أن فشل النظام في دق الأسافين وإثارة الفتن بين الطرفين. وقد انفضح أمر النظام أكثر عندما اكتشف دروز السويداء أن النظام قام بإفراغ المتاحف من الآثار ونقلها إلى مناطقه، ناهيك عن أنه أفرغ صوامع الحبوب، وسحب الأسلحة الثقيلة إلى مناطقه كي يترك الدروز لمصيرهم. لقد كان يريد من وراء ذلك المتاجرة بمحنتهم في مواجهة قوى التطرف التي جاء بها إلى مشارف السويداء. لكن هذه اللعبة القذرة انكشفت. وحسبه الآن أن يهرب من المنطقة الجنوبية بعد أن تهاوت قلاعه فيها تباعاً، وبعد أن بات أهل السويداء يدركون أن النظام كان يتاجر بهم لأغراضه الخاصة.

نرجو أن تكون الأقليات قد استوعبت اللعبة تماماً، وأنه من الأفضل لها أن تتحالف مع الأكثرية لا مع نظام طاغوتي زائل مهما طال الزمن.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٥
معركة دمشق الممتنع غير السهل ...

تتخذ المعارك التي تدور شمالاً و جنوباً ، شرقاً و غرباً ، محور واحد و هدف باتجاه موحد ، وهو دمشق ، و أي خسارة يعني الإبتعاد عن القضية المركزية ، و أي إنتصار مهما كان بعيداً يعني أن القضية باتت في حكم "القضية المقضية" ، و أي خيانة أو تقصير ، تأخر أو تباطئ يعني أن أنك تلعب بمصير البلاد و العباد ، وكأنها قضية من نوع "السهل الممتنع" و إن كان الوصف المثالي لها "الممتنع غير السهل" .

قبل سنوات وُضعت ثمانية خطط لإقتحام دمشق و إنهاء حكم الأسد في عقر دار الحكم و مركز قوته ، و ليس بسر أن الخطط الثمان لم يتوافر في أي واحدة منهم الأسباب التي تجعل معركة دمشق قاب قوسين أو أدنى مننا ، فالخط الأساسي لخمسة خطط يتمثل بمدينة التل التي تقع في أول سلسلة القلمون التي لم تتمكن من بناء سدها القوي و خطوط الإمداد اللازمة ، و تكللت باسترجاع النظام لغالبية النقاط في باقي المدن الخلفية و كذلك الجرود ، أما باقي الخطط فتعتمد على جنوب دمشق المحصن بفرق دفاعية حصينة ، تحتاج لإنهيارات في درعا و القنيطرة بشكل كامل حتى يتم تجاوزها ، و أخيراً عن طريق الغوطة التي تقع في حصار لا يمكّنها من الإقدام على الإنتحار وحدها .

والحقيقة أن الخطط جميعها تصب في قالب الإقتحام من الخارج لا من الإنفجار من الداخل ، و هذا ما يوضح كثير من النقاط التي أبرزها الإنجرار صوب التخون و الإتهام لهذا أو ذلك ، و اعتباره سبب في تأخير النصر و تأجيل الإنهاء و إطالة أمد الموت .

اليوم دمشق تحولت لثكنة عسكرية تحتاج لقوة هائلة حتى يتمكن من اقتحامها مع مساعدة من "الطابور الخامس" ، بالمعنى العسكري الإيجابي لصالح القوات المهاجمة لزرع البللة و خللة صفوف المدافعين ، مع وجود طريقة أخرى تتمثل بإنهيار داخلي نتيجة ضربات متنوعة و موزعة يتعرض لها الأسد في الشمال و الجنوب و المناطق الشرقية (الساحلية) ، مع بعض المناكفات و الضربات من المناطق القريبة بالعاصمة ، كضرب مراكز القرار ابتداء من القصر الرئاسي و إنتهاء بالإذاعة و التلفزيون.

قد أُتهم بأني أدافع عن هذا أو ذاك ، و لكن نحن بحاجة لقراءة الواقع كما هو و التحضر لكل السيناريوهات ، و تبقى الفرضية الأقوى أن الإنهيار سيتم بفعل الضربات على غالبية جسد النظام في عدة مناطق بنفس الوقت هو الذي يعجل من سقوط النظام ككل و تصبح مسألة "معركة دمشق" هي مسألة حماية الأمن في الفترة التي تلي الإنهيار.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى