مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢ مايو ٢٠١٨
بين كيم الجدّ... والأسد الأب

هناك شبه كبير بين النظامين في كوريا الشمالية وسوريا. لذلك كان لدى حافظ الأسد إعجاب شديد بالقبضة الحديدية لكيم إيل سونغ (جدّ كيم جونغ أون).

ليست القمة التي انعقدت بين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي ان سوى دليل آخر على أن التخلّف لا يمكن أن ينتصر على التقدّم والتطور. إنّه سقوط آخر لجدار برلين حيث تبيّن في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1989 أن ألمـانيا الشرقية لم تكن تستطيع الانتصار على ألمانيا الغربية. إنّه سقوط للفكرة التي حاول حافظ الأسد الترويج لها وفرضها منذ سبعينات القرن الماضي، الفكرة القائمة على أن سوريا-الأسد قادرة على البقاء في لبنان إلى الأبد. لم يستطع النظام الأقلّوي الذي أسّس له الأسد الأب البقاء إلى الأبد في سوريا نفسها، فكيف كان يمكن لرجل يمتلك مقدارا كبيرا من الدهاء والحنكة تصوّر أن سوريا باقية في لبنان إلى الأبد مثلما أن نظامه باق إلى الأبد؟

من قبيل الصدف السعيدة انعقاد القمة بين الكوريتين في اليوم الذي كان اللبنانيون، اللبنانيون الشرفاء طبعا، يحيون ذكرى مرور ثلاثة عشر عاما على انسحاب الجيش السوري من لبنان.

صحيح أن “حزب الله”، أي إيران، استطاع ملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب السوري. لكنّ الصحيح أيضا أنّ هذا الانسحاب حصل، وهو أمر كان يصعب على أيّ لبناني أن يصدّق أنه سيحصل في يوم من الأيّام بعدما أقام النظام السوري في البلد، عبر أجهزته وأزلامه، طوال ثلاثين عاما. لم يحرّك النظام أيّا من مواقعه العسكرية قبل اتفاق الطائف وبعده. كانت الرسالة التي أراد النظام إرسالها إلى اللبنانيين واضحة. فحوى الرسالة أن دخوله إلى لبنان عسكريا وامنيا، بضوء أخضر أميركي وإسرائيلي وعربي في العام 1976، لم يكن دخولا موقتا. دخل حافظ الأسد إلى لبنان من أجل أن يبقى النظام السوري بتركيبته الأمنية فيه، لا من أجل أن يأتي يوم يقول له اللبنانيون إن عليه أن يخرج نتيجة ارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري، أو المساهمة في تغطيتها.

هناك شبه كبير بين النظامين في كوريا الشمالية وسوريا. لذلك كان لدى حافظ الأسد إعجاب شديد بالقبضة الحديدية لكيم إيل سونغ (جدّ كيم جونغ أون). كان شعار الجدّ أنّه “الزعيم المحبوب من شعبه” ومخترع نظرية “زوتشيه” التي تقوم على الاكتفاء الذاتي ورفض النظريات التي كان يروج لها الاتحاد السوفياتي. كان كيم المؤسس يؤمن بأن المهمّ تحقيق الاكتفاء الذاتي، حتّى لو كان معنى ذلك تجويع الشعب. وهذا ما حصل بالفعل في بلده الذي اضطر إلى الاستسلام نهائيا لمنطق التاريخ.

لعلّ أكثر ما جعل حافظ الأسد يعجب بكيم الجدّ تلك القدرة على التوريث في نظام يعتبر، أقلّه من الناحية النظرية، نظاما جمهوريا. بعد وفاة الأسد الأب، استطاع النظام السوري الإتيان بابنه رئيسا للجمهورية. حصل ذلك بسهولة، تماما كما حصل في كوريا الشمالية حيث خلف كيم إيل جونغ والده إثر وفاته في العام 1994، وكان حافظ الأسد لا يزال وقتذاك حيّا يرزق ويفكر في كيفية إقامة جمهورية على أساس التوريث. لا حاجة إلى التذكير بأنه أعدَّ ابنه باسل ليكون خليفته، لكن باسل قُتل في حادث سيارة. فرض ذلك البحث عن وريث جديد من العائلة. وهذا ليس سرّا عسكريا.

تشير القمّة الكورية – الكورية إلى أن النظام في كوريا الشمالية وجد نفسه عند مفترق. وجد نفسه في نهاية المطاف في طريق مسدود. نجح هذا النظام في جعل التوريث قاعدة ثابتة بعدما خلف كيم جونغ أون والده كيم جونغ إيل في 2011. تبيّن مع مرور الوقت أن الشعب في كوريا الشمالية لا يستطيع أن يأكل صواريخ باليتسية ولا قنابل نووية، ولا أن يعتاش من التجارة بتكنولوجيا الصواريخ التي تحتاج إليها دولة مثل إيران.

لعلّ أهم ما أسفرت عنه القمة بين الكوريتين، وهي تمهيد لقمّة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي يتوقع أن تنعقد الشهر المقبل، اتفاق على تجريد شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي. سيطرح ذلك سؤالا بديهيا وهو هل في استطاعة نظام مثل النظام الكوري الشمالي العيش من دون امتلاك القدرة على ممارسة الابتزاز؟

تمثل تلك القدرة على ممارسة الابتزاز وجه شبه آخر، لكنه ليس الأخير بين النظام الذي أقامه حافظ الأسد وذلك الذي أقامه كيم إيل سونغ. قامت كل سياسة النظام الأقلّوي في سوريا على الابتزاز. كان هذا النظام الإرهابي الأول في المنطقة. سعى في الوقت ذاته إلى لعب دور الحريص على مكافحة الإرهاب والشريك في الحرب على الإرهاب الذي صنعه بنفسه. من أهمّ ما تميّز به النظام السوري تلك العبقرية المتمثلة في صنع منظمات إرهابية وإدارتها بما يخدم مصالحه، ثمّ التخلص منها عندما يجد ذلك مناسبا.

لا حاجة إلى تعداد ما فعله النظام السوري في لبنان أو على الصعيد العربي. كانت لعبة الابتزاز اللعبة المفضلة لدى حافظ الأسد، وهي لعبة انتقلت إلى وريثه الذي لم يحسن الوصول بالأداء إلى المستوى الذي امتلكه والده. تعطي الطريقة التي تعاطى بها بشّار مع المملكة العربية السعودية ومع لبنان فكرة حقيقية عن سوء أدائه، وعن عدم اكتشافه باكرا أن عليه تفادي التحوّل إلى تابع لإيران بنسبة مئة في المئة.

من سقوط جدار برلين، إلى خروج الجيش السوري من لبنان، إلى القمة الكورية – الكورية، ثمّة درس لا يمكن إلا أن يبقى عالقا في الأذهان. ملخّص هذا الدرس أن الشعوب المقهورة تبحث عن نموذج تنتمي إليه. هناك نموذج واحد في العالم يصلح لتلبية مطالب الشعوب. هذا النموذج هو الحرّية والسوق الحرّة. من دون حرّية وسوق حرّة كانت ألمانيا الشرقية دولة متخلفة. من دون تداول سلمي للسلطة في ظل مؤسسات محترمة صار الفارق شاسعا بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. في كوريا الشمالية شعب جائع وفي كوريا الجنوبية اقتصاد بين الأوائل في العالم على الرغم من عدم امتلاك البلد لأي موارد طبيعية تذكر.

لم يكن في استطاعة كيم جونغ أون سوى الاستسلام لمنطق التاريخ وللواقع والحقائق وإن في ظلّ ما يحفظ له ماء الوجه. هل ينقذ الاستسلام للواقع وللغة الأرقام نظامه؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بحدّة بعد اكتشافه أن الشعب لا يأكل تكنولوجيا الصواريخ ولا الصواريخ نفسها، مثلما لا تسدّ جوعه القنابل النووية.

لم تسدّ جوع الإيرانيين والسوريين شعارات “محور المانعة” وإتقان ممارسة لعبة الابتزاز، مهما بلغت درجة البراعة في ممارسة هذه اللعبة. هل تستطيع إيران الاستسلام بعدما تبيّن أن اقتصادها لا يتحمّل مشروعها التـوسعي، خصوصا بعـدما صار العراق بلدا مفلسا ليس فيه ما تنهبه منه؟ هل خيار الاستسلام لا يزال متاحا أمام النظام السوري… أم كلّ ما يستطيع عمله هو استكمال الدور المرسوم له، وهو دور لن ينتهي إلا في اليوم الذي تنتهي فيه سوريا؟

اقرأ المزيد
٢ مايو ٢٠١٨
في تدمير مخيم اليرموك

يشهد مخيم اليرموك تدميراً مبرمجا منذ أيام، تقصفه طائرات النظام السوري ومدفعيته بالصواريخ والقنابل الثقيلة، وتشير الوقائع إلى حدوث تدمير شامل في حي المغاربة جنوب المخيم، وكذلك في دوار فلسطين والمنطقة المحيطة الممتدة إلى المدينة الرياضية جنوباً وحي التضامن ومسجد أويس القرني شمالاً، فضلاً عن تدمير كبير وشامل لحق بالمنطقة من دوار فلسطين مروراً بشارع القدس، وصولاً إلى حديقة الطلائع في وسط المخيم. ولم ينج شارع العروبة جنوبا من التدمير الكامل، حيث سوّيت حاراته بالأرض من مسجد إبراهيم الخليل في الجنوب الغربي، وصولاً إلى مدخل بلدة يلدا في الجنوب الشرقي، وهو المعبر الوحيد للفارين من المجزرة في اليرموك باتجاهها. وإضافة إلى التدمير الكامل الذي لحق بالمخيم، منازله ومحاله التجارية والبنى التحتية، استشهد نتيجة القصف في الأيام الخمسة الأولى، منذ 19 إبريل/ نيسان الجاري، 25 لاجئاً فلسطينياً، وثمّة أعداد من اللاجئين تحت أنقاض منازلهم، وفي الملاجئ. وقد شاهد فارون إلى بلدة يلدا عددا كبير من الشهداء والجرحى في شوارع المخيم، وبالقرب من أطلال الأحياء المدمرة.

ثمّة رزمة أغراض من عملية التدمير الشامل والمبرمج لمخيم اليرموك، في مقدمتها طرد من تبقوا من اللاجئين الفلسطينيين، ومنع عودة أي لاجئ فلسطيني إليه، وبالتالي تغييب شاهد مهم على النكبة، تماماً كما حصل في 1976 في مخيمي تل الزعتر وجسر الباشا غرب وسط بيروت. ومن الأهمية الإشارة إلى أنه كان يتمركز في مخيم اليرموك قبل قصف الميغ جامع عبد القادر الحسيني وسط المخيم في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2012 نحو 151 ألف لاجئ فلسطيني، وفرّت غالبية العائلات إلى العاصمة دمشق ولبنان، والمنافي، ولم يتبق الآن سوى أربعة آلاف، فرّ معظمهم إلى بلدتي يلدا وبيت سحم، ولم يتسنّ للآخرين الفرار، بسبب القصف العنيف والدمار الكبير.

ومخيم اليرموك أحد أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وقد أنشئ في 1957، على مساحة تقدر بـنحو كيلومترين مربعين، وهو من حيث تصنيف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) لا يعتبر مخيما رسميا. وقد استأجرت مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين في سورية من الدولة السورية منطقة الوسط في المخيم مدة 99 عاما. وكان اللاجئون يتوزعون في المخيم في أحياء وتجمعات وشوارع حسب قرية وبلدة المنشأ في فلسطين، كشارع صفورية، وحي طيرة حيفا وشارع صفد وعين غزال وهكذا. وسميت الشوارع بأسماء المدن والقرى الفلسطينية وكذلك أسماء بعض شهداء فلسطين والمعارك. وكان المخيم حتى نهاية عام 2012 يزدحم بالمساكن الإسمنتية والشوارع الضيقة، ويكتظ بالسكان، وهو يضم عددا كبيرا من السوريين الفقراء. وكانت ظروف المعيشة فيه أفضل بكثير من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى في سورية. وفيه أربعة مستشفيات، وجميعها خارج الخدمة منذ 2013. وتوجد مدارس ثانوية حكومية، وأكبر عدد من مدارس "أونروا" (28 مدرسة للتعليم الأساسي). واللافت أن معدلات التعليم كانت عالية في مخيم اليرموك، بدلالة انتشار عيادات الأطباء المتخصصين من أهله والمكاتب الهندسية، ومكاتب المحامين والمكتبات.

ويمكن الجزم بأن الغرض الرئيسي لعملية التدمير المبرمج لمخيم اليرموك هو إسكات صوت اللاجئين في المخيم، خصوصا وأنهم ساهموا في كل مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني، شأن كل التجمعات الفلسطينية في الداخل الفلسطيني والشتات. والسؤال: ما هو موقف الفصائل الفلسطينية من تدمير المخيم وتشريد من تبقوا من أهله العزّل إلا من الانتماء للوطن الفلسطيني؟ ولمصلحة من تتم عملية تدمير أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين، عاصمة الشتات مخيم اليرموك؟

اقرأ المزيد
٢ مايو ٢٠١٨
كتاب وإعلاميون روس يفضحون نظام الأسد

الإعلام الروسي واقع تحت هيمنة الحكومة الروسية وتأثيرها، وما زال شغله حماية النظام السوري، وتلميع صورته، وتبرئته من المجازر والجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري. وليست فقط وسائل الإعلام، وإنما كل النخب السياسية والمستشرقين، مع استثناءات، على أن عام 2012 شهد نشر مقالات نادرة للكاتب رينات محمدوف، أضاءت على طبيعة النظام السوري وسياسته الطائفية بعنوان "آخر علوي يحكم سورية"، وعن اللوبي الأسدي في موسكو، ولكن لم تنشر مقالات معمقة تشرّح النظام سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا وعسكريا، فذلك خط أحمر. وقد أجرى صحافيان روسيان مقابلتين مطولتين معي قبل سنتين، أحدهما من صحيفة موسكوفسكي كومسمولتس، ولكنّ إدارتي التحرير لم تسمحا بنشرهما.

وقد نشرت أخيرا في صحف ومنابر إعلامية روسية مقالات متميزة ونوعية عن سورية، تحضر فيها مقادير طيبة من الصراحة والجرأة والموضوعية، وتصور بصدق حقيقة النظام السوري والتاريخ الأسود لعائلة الأسد. وهذا غريب، نظراً لتعارضه بشكل جوهري مع السياسة الروسية الرسمية التي ما زالت تتردد من الكرملين ووزارتي الخارجية ووزارة الدفاع، وفي أغلب وسائل الإعلام، وخصوصا القنوات التلفزيونية.

وهنا نماذج لتلك المقالات الجديدة التي نشرها باحثون وخبراء واعلاميون روس، وفتحت نافذة حقيقية على سورية، وكشفت حقيقة النظام الذي يُحكَم من عائلة الأسد والمخابرات.


مقالتان في موقع إخباري
"لينتا. رو" موقع إخباري مشهور في روسيا، ومعروف بتوجهه المعارض والمختلف عن الإعلام الرسمي. نشر، يومي 18 و24 إبريل/نيسان الجاري، مقالتين، أولاهما بعنوان "بشار الأسد يخون روسيا لصالح إيران ويقتل آلاف السوريين"، كتبهما فلاديمير كورياغين وإلكسي نعوموف. والأول مدير تحرير الموقع، وقد أبلغ صاحب هذه السطور أنه، وزميله نعوموف، أرادا قول الحقيقة عما يجري في سورية. وقد استعرضا تاريخ عائلة الأسد منذ الأسد الجد الذي طلب من الفرنسيين إقامة دولة علوية، وحماية العلويين من السنّة. وأوضح الكاتبان بالتفصيل كيف تدرّج حافظ الأسد في المراكز العسكرية من خلال حزب البعث (انتسب إليه بحماس ممثلو الأقليات)، ووصوله إلى السلطة. وكيف تحالف مع القيادي في الحزب، صلاح جديد، للانقلاب على الرئيس أمين الحافظ في 1966، ثم انقلب الأسد على جديد نفسه عام 1970 وأودع رفاقه في السجن، مددا لا تقل عن عشرين عاما، حيث ماتوا إما في السجن أو بعد خروجهم منه بفترات قصيرة. وتوضح المقالتان كيفية تحويل الدولة السورية إلى دولة طائفية بامتياز. ويذكر الكاتبان كيف تحولت القيادات العسكرية والأمنية إلى أبناء الطائفة العلوية حصراً. وأهم ما أوردته المقالتان:
أولا، تعرّف المستشارون السوفييت على الطيار الشاب حافظ الأسد عام 1956 في القاهرة، وبعدها بسنة دعوه إلى الأكاديمية العسكرية في مدينة فرونز (جمهورية قيرغيزيا).

ثانيا، ساعد السوفييت حافظ الأسد، ودعموه بشكل كبير بالأسلحة. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، اتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية، وشاركت قواته مع الأميركان في تحرير الكويت.

رابعا، عمل حافظ الأسد على إعداد نجله البكر باسل وريثاً له في الحكم، لكن باسل مات في حادثة سيارة 1994 في ظروف غامضة، عندها استدعى الأسد الأب نجله بشار الذي كان يختص في طب العيون في لندن، ليحل محل باسل.

وتتحدث المقالتان عن شخصية بشار الأسد الذي نشأ في العائلة منطوياً على نفسه، وكان مهملاً، لأن الأب حافظ دلل باسل واهتم به، ويروى أنه قال يوماً إن لديه ابنا هو باسل. أما الأم أنيسة مخلوف فكانت تحب ماهر. وكانت الباحثة الروسية في علم النفس الاجتماعي، يكاتيرينا إيغوروفا، قد درست شخصية بشار الأسد عام 2013 من خلال خطاباته، فوجدت أنه مريض نفسياً، ويحلم بأن يكون مثل أبيه (حاكم قوي لا يرحم). وسعى في سنوات الثورة السورية إلى أن يثبت للجميع أنه ابن أبيه. وحسب الباحثة، يعكس سلوك بشار ووحشيته ضد المدنيين تخوّفه من الشعب الذي رأى فيه وحشاً يريد قتله، ولذلك هو يبرّر استخدام وسائل البطش، لأنه يدافع عن نفسه، ويحمي نفسه من الموت.

وجاءت المقالتان على دور رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد وقائد سرايا الدفاع، في تدمير حماة، حيث قتل نحو أربعين ألف إنسان. وكيف أثرت تلك الحادثة الإجرامية في ذاكرة بشار، لكي يعيدها في مواجهة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في المدن والقرى السورية. وأشار الكاتبان إلى ربيع دمشق، وكيف غدر بشار بالمعارضين، وزجّهم في السجون، وعن خطاب القسم عام 2000 الذي وعد فيه بشار الشعب السوري بالتحديث والإصلاح، وتفاءل بعضهم به، إلى درجة أنهم اعتقدوا أن مرحلة الديمقراطية والحرية ستعم سورية، ثم خاب ظن الناس. وكشفت المقالتان عن الفساد والقمع في عهدي الأسد الأب والابن، وكذلك الظروف الطبيعية القاسية التي اجتاحت سورية في السنوات 1996 - 2004، وأدت إلى الجفاف ونزوح مئات الألوف من القرية إلى المدينة، وتحوّل ملايين السوريين فقراء. وتطرقت المقالتان إلى إجبار بشار الأسد على رحيل القوات السورية من لبنان عام 2005. وتناولتا، في عرض صحيح وموضوعي، قيام الثورة السورية، وأسبابها الحقيقية، وأوردتا واقعة قتل الطفل الشهيد حمزة الخطيب في درعا، وكيف أعادته المخابرات السورية إلى أهله بعد التمثيل بجثته، ووحشية الأجهزة الأمنية والجيش النظامي ضد المدنيين، ما استدعى تأسيس الجيش السوري الحر. واعترفت المقالتان بوجود قوى مسلحة معتدلة قاومت النظام، وقوى إسلامية متطرفة ادّعت أنها تقاوم النظام، لكنها في الحقيقة كانت تعمل لأجندتها الخاصة التي لا تتفق مع أهداف الشعب السوري.


تصريحات وتقديرات
تتابعت مقالات وتصريحات روسية عن الأسد تصب في المنظور أعلاه:
صرحت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز" البريطانية في 13/4/2018: "قبل نزع السلاح الكيميائي من سورية، كان بشار الأسد الصديق الأفضل ليس لموسكو، لكن لواشنطن ولندن".. وأن "وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، كان، إبان عضويته في مجلس الشيوخ، على علاقة ودية مع الأسد الذي قضى معظم حياته في بريطانيا،.. إنه رجلكم أكثر مما هو رجلنا".

وقال رئيس تحرير صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا، كونستانتين ريمتشكوف، في 4/3/2018: "روسيا تحمي بشار الذي يستخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، وهي التي استخدمت هذا السلاح في بريطانيا (في إشارة إلى عملية تسميم الجاسوس الروسي، سيرغي سكريبال). ولذلك أعتقد أننا أمام لعبة دولية جيوسياسية كبيرة. يمكن لروسيا أن تسلك فيها طرقا مختلفة. يعتقد ترامب أن موسكو يمكن أن تتخلى عن إيران. ستقول إسرائيل تريد أن تصفعها وأميركا أيضا. ولكن، ماذا يمكن أن نطلب في المقابل؟ بقاء الأسد؟ هذا هو الغباء بعينه، فالأسد ليس عمنا ولا خالنا، لكي نتحمّل كل هذه العقوبات الغربية، بسبب دعم نظامه".

ويقول خبراء روس إن هناك في موسكو من يبحث بجدية عن بدائل وعن سبل للخروج من المأزق الذي وصلت إليه روسيا، المتورطة في المستنقع السوري. ويرى مستشرقون أن بشار الأسد لم يعد قادراً على لمّ شمل السوريين، وأنه جزء من المشكلة وليس من الحل. وأصبحت نخبة من الخبراء والسياسيين والعسكريين يفكرون جدياً في البحث عن مخرج، وعن بديلٍ للأسد، مع خشية بعضهم من سحب بشار الأسد من اللعبة، وانهيار المنظومة السياسية بكاملها. ويذهب باحثون إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دافع بقوة عن بشار الأسد، ليس حبا لشخصه، بل لاستخدام الورقة السورية، لكن بوتين ذهب بعيدا في دعم الأسد، إلى درجة أنه لم يعد هناك خط رجعة، وكأنه أصبح رهينةً للأسد.

يقول الباحث الروسي، نيكولاي كوجانوف، عن مستجدات الموقف الروسي: "الآن، تغيرت المعطيات، وتمت إعادة بشار إلى منصبه. ومن حينها، أخذ زمام المبادرة. في الواقع، جرّنا السوريون إلى الغوطة الشرقية على مضضٍ منا. ونحن الآن في طريق مسدود".

ويكتب الباحث العسكري الروسي، كيريل سيميونوف، مقالتين، "من يحكم سورية؟" و"الجيش السوري تحول مليشيات". ويفصل بالتعريف بكل فرد في عائلة الأسد وأقربائهم وأهم الشخصيات العسكرية والأمنية والسياسية الموالية والمحيطة بهم. ويعرض بموضوعية وصدق الوضع في سورية، ومن ذلك أن عائلة الأسد هي التي تحكم سورية، وتساعدها في ذلك شريحة من الضباط العلويين، وأنه ما دامت هناك سلطة إدارية لدى عائلة الأسد، لا يمكن إجراء إصلاحات حقيقية في سورية. ويكتب سيميونوف: زال الآن الخطر الأساسي عن النظام، بفضل تدخّل روسيا وإيران، فلولاه لسقط النظام بيد المعارضة. ويتابع: عندما نقول إن النظام كسب الحرب يجب أن ندرك أنه لم يكسب السلام. فكل المشكلات التي أدت إلى الحالة الثورية في سورية تعمقت أكثر خلال الحرب، أي أن أسباب الثورة ما زالت قائمة، بل تعمقت أكثر نتيجة التدمير والتهجير القسري والتهجير إلى خارج سورية، ونتيجة تفتيت المجتمع. ويلاحظ الخبير أن مستوى الفساد ارتفع بدرجات غير مسبوقة، وأن الأموال تجمعت في أيدي فئةٍ محدودة، خصوصا من الشبيحة. ويستنتج الكاتب: إن لم تجر إصلاحات عميقة تمسّ أسس النظام السياسي، ستكون الظروف متاحة لمزيد من التصعيد والتوتر. ولذلك، من الأفضل تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 وتشكيل هيئة حكم انتقالية. ويرى أن من الأفضل تحويل البلاد إلى نظام برلماني لتقييد سلطة الرئيس. ويجب إشراك المعارضة السياسية والمسلحة في عملية التغيير، وإلا من الصعب المضي نحو الأمام في سورية. وكانت مقالة سابقة للخبير سيميونوف تناولت الوضع الذي آل إليه الجيش السوري النظامي، واستنتجت أنه تحول إلى مليشيات.


خاتمة
بالاطلاع على محتويات المقالات المذكورة، الشاملة والموسعة والمعمقة، أرى أنها لم تنشر مصادفة، بل هناك ضوء أخضر من جهات روسية للكتابة في هذه المواضيع الحساسة التي تفضح النظام الأسدي الذي حظي وما زال برعاية ودعم منقطعي النظير من القيادة الروسية.
وأذكر هنا حديثاً مع خبير روسي في بدايات الثورة، قال لي: لو أن المعارضة تعاونت معروسيا فإن الأخيرة ستلبي مطالبها، فقلت له كيف ذلك والخطاب الرسمي الروسي متعصب لنظام الأسد، إلى درجة يمكن وصفه بأنه ملكي أكثر من الملك. رد علي: لا تأبه للتصريحات، فعند حدوث تغيير في المواقف سيتغير الخطاب في أربع وعشرين ساعة. هكذا هي السياسة... لكن الخطاب والمواقف الروسيان ما زالا منحازين لنظام الأسد الذي فقد كل سلطته وقراره السياسي.

وقد حدثت متغيرات مهمة أخيرا بدأت في قصف قاعدة حميميم الروسية في سورية من طائرات بلا طيار، وقتل الأميركيين مئات الجنود الروس في دير الزور، مرتزقة من شركة أمنية خاصة (فاغنر) يملكها مقرب جداً من الرئيس بوتين، ويملك شركة نفطية كانت تعمل في سورية قبل الثورة وما زالت.

يضاف إلى تلك المتغيرات استخدام النظام وإيران السلاح الكيميائي في مدينة دوما، والتي دفعت أميركا وبريطانيا وفرنسا إلى توجيه ضرباتٍ على مواقع عسكرية للنظام، وكذلك قيام إسرائيل بعدد من الغارات على مواقع فيها تجمع للقوات الإيرانية، وذلك كله يربك الروس. وجاءت العقوبات الغربية الهائلة على الشركات النفطية والعسكرية الروسية، وعلى أغلب رجال الأعمال الروس المقربين من الرئيس بوتين، وكذلك كل وزراء روسيا، والتي تسببت في خساراتٍ تقدر بعشرات مليارات الدولارات. وهناك تدهور سعر العملة الروسية (الروبل) وانعكاس ذلك على الأسعار وغلاء المعيشة.

وتظهر في هذه الأيام مبادرات وعروض مختلفة على القيادة الروسية لإنقاذ ماء الوجه، وإنهاء حالة الحرب في سورية، يتلخص جوهرها في ضرورة تعديل روسيا موقفها في سورية، لكي تضمن مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية والعسكرية، فإعادة الإعمار التي تقلق الروس لا يمكن تأمين تمويل لها إلا إذا جرى حل سياسي. وروسيا أمام تحدٍّ كبير، فهي تريد أن تحقق أرباحاً، وتعوّض الخسائر التي لحقت بها نتيجة التدخل العسكري في سورية، وتريد جني ثمار ذلك التدخل، بعد أن أعلن الرئيس بوتين، في قاعدة حميميم نهاية العام الماضي، أنه تم القضاء على الإرهاب، وأن الظروف أصبحت مهيأة للبدء بعملية سياسية.

اقرأ المزيد
٢ مايو ٢٠١٨
استحالة تعديل سياسة إيران في المنطقة

منذ عودته من واشنطن وقبل توجهه إلى أستراليا، لم ينقطع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الاتصالات الهاتفية مع الرئيسين الإيراني والروسي ومع رئيس الحكومة الإسرائيلي في شأن تعديل الاتفاق النووي الإيراني. لقد أثار الموضوع مطولاً خلال لقائه دونالد ترامب في البيت الابيض لإقناعه بإبقاء الاتفاق وإضافة أربعة عناصر عليه تطمئن الرئيس ترامب ومنها سياسة إيران في المنطقة.

والمجتمع الدولي غريب في تقلباته. عندما بدأت الدول السبع تفاوض إيران في شأن الملف النووي، كانت تردد باستمرار أنه ملف منفصل كلياً عن سياسة إيران في المنطقة في حين أنها اليوم تريد أن يتضمن التعديل هذا العنصر. وقال الرئيس الإيراني علناً أنه يرفض تعديل الاتفاق. لكن المكالمة بينه وبين الرئيس الفرنسي كانت طويلة ومفصلة وهذا يعني أن الرفض علني، ولكن في الواقع ما يحصل بين الرئيسين هو اخذ ورد في ما يمكن تعديله. بيد أن روحاني ليس الحرس الثوري وهو غير نافذ في ما يتعلق بسياسة إيران في المنطقة لا في اليمن ولا في سورية ولا في العراق ولا في لبنان. وإقناع إيران بالكف عن التدخل في كل هذه الدول مهمة مستحيلة لانها حتى اليوم تُرِكت تتدخل اينما كان دون التصدي لها.

فالكل يعرف ان ايران اصبحت تتغلغل على الارض السورية ليس فقط عبر قوات «حزب الله» بل ايضا عبر مواطنين ايرانيين ارسلتهم ليكونوا سكانا جددا في المدن التي افرغها النظام السوري. عندما بدأت الدول تفاوض ايران حول الملف النووي في ٢٠١٣ لم تكن روسيا قد دخلت الى سورية بعد ولكن كانت ايران عبر حزب الله تتوسع هناك وكانت تهيمن في العراق بفضل سياسة أوباما الذي أسرع في إخراج القوات الأميركية من العراق مسلماً الوضع لنوري المالكي الذي اتاح توسع النفوذ الايراني في البلد. واليوم يريد ترامب الخروج من سورية مثلما حصل مع اوباما في العراق ولكن ماكرون أوصاه بتأجيل ذلك خوفاً من توسع إيران في سورية. وعاجلاً أو آجلاً سيخرج ترامب قواته من سورية وقد تحل إيران مكانها بفضل النظام السوري الذي لا يمكنه استعادة المدن التي خسرها من دون قوات الوصاية الايرانية والروسية التي لن تخرج من هذا البلد.

فتعديل الاتفاق النووي الإيراني كما يتمناه ماكرون ليحتوي سياسة ايران في المنطقة لا يمكن أن يتم لأن الجانب الإيراني العسكري لن يسلم هذه الورقة لروحاني. فالحرس الثوري يمسك بزمام النفوذ في المنطقة حيث يضاعف الازمات فيها والتدخلات التي تثير غضب المدنيين الايرانيين الذين يثيرون لكون اقتصاد بلدهم في الحضيض وايران توزع الاموال على حزب الله وعلى حرب سورية ليس للمواطنين مصلحة فيها.

ان مسعى ماكرون والاوروبيين لتعديل الاتفاق النووي مع ايران لا يمكن ان يعطي اي نتيجة على صعيد تغيير نهج ايران في التدخلات في سورية واليمن والعراق ولبنان. وتزويد إيران الحوثيين و «حزب الله» وقوات النظام السوري بالصواريخ الباليستية والأسلحة المتطورة لن يجلب إلا المزيد من الحروب والكوارث في المنطقة. والاتفاق النووي الإيراني لم يحل هذه المسألة. فإذا تم سحبه أو بقاؤه لم يغير في زعزعة استقرار المنطقة. فإسرائيل تضاعف ضرباتها في سورية في أماكن وجود الأسلحة الإيرانية كما أنها تضع الوضع في لبنان على شفير الهاوية لان خطورة مواجهة الدولة العبرية و «حزب الله» قائمة باستمرار. والدول الأوروبية كما بعض الدول العربية تعول على تأثير روسيا على إيران لإقناعها بالكف عن التدخل في سورية واليمن ولكن روسيا بوتين تريد ثمنا باهظا للقيام بذلك إن تمكنت. ولدى الجمهورية الإيرانية الإسلامية كما امبراطورية الشاه طموح هيمنة يتنافس مع هيمنة روسيا في المنطقة. فالأسابيع المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى الموقف الأميركي من الملف النووي، كان ترامب يقول إنه سيمزقه ولكن بعد زيارة ماكرون ومركل أصبح ووزير خارجيته الجديد بومبيو يتحدث عن تعديله. والأكيد أن الضغط على إيران سيشتد.

اقرأ المزيد
١ مايو ٢٠١٨
مستقبل الأزمة السورية والانتخابات المبكرة

يتمتع قرار إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة بنفس القدر من الأهمية سواء بالنسبة لمستقبل تركيا أو على صعيد مستقبل الأزمة السورية.

تنبع الأهمية الكبرى للانتخابات المبكرة من كونها ستضع النظام الرئاسي موضع التنفيذ في وقت مبكر أكثر مما كان مقررًا.

وعند وضع وجهات نظر الأطراف المتصارعة في الأزمة السورية يتضح أيضًا مدى الأهمية الكبيرة للقرار.

وجهة نظر الحكومة التركية الحالية والمرشح الذي سيمثلها في الانتخابات الرئاسية رجب طيب أردوغان، معروفة على صعيد الأزمة السورية.

عن طريق هذه الحكومة تؤكد تركيا أن نظام الأسد فقد مشروعيته، وتعارض بشدة أن يلعب رأس النظام دورًا في مستقبل سوريا. كما أنها تعتبر حماية اللاجئين السوريين من بطش النظام واجبًا إنسانيًّا على عاتقها.

***

وفي الحقيقة فإن هذا المبدأ كان مشتركًا بين "أصدقاء سوريا"، ومنهم الولايات المتحدة، مع اندلاع شرارة الأحداث في سوريا.

لكن مع الأسف، لم يبقَ دولة واحدة تتبنى هذا المبدأ باستثناء تركيا.

بعد أن رأى العالم الغربي أن السوريين المتدينين والمحافظين سيفوزون في حال إجراء انتخابات نزيهة في البلاد، فضّل الأسد على الإرادة الوطنية للسوريين، وقدم دعمه بشكل علني أو مستور لتصل الأزمة السورية لما هي عليه اليوم.

لم تتخلَّ تركيا عن هذا المبدأ بفضل حكومة حزب العدالة والتنمية، وفتحت ذراعيها لاستقبال اللاجئين السوريين.

***

ولهذا فإن الناخب التركي سيقترع في 24 يونيو/ حزيران من أجل مستقبل بلاده ومستقبل الملف السوري في الوقت ذاته.

لأن مرشح "تحالف الشعب" أردوغان سوف يواصل السياسة نفسها، وسيدافع عن وحدة الأراضي السورية، وعن الإرادة الوطنية فيها.

أما المعارضة التركية فهي في الجانب المعاكس تمامًا..

للأسف، تتخذ أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، موقفًا يؤكد على مشروعية الأسد، وعلى ضرورة وضع اللاجئين السوريين تحت رحمته.

***

ولذلك فإن فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية يعني انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي، ومواصلة السياسة المتبعة بخصوص الأزمة السورية في الوقت نفسه.

أما فوز المعارضة، فيعني التخلي عن النظام الرئاسي وإدخال البلاد في أزمة سياسية من جهة، والتوجه لإجراء مباحثات مع نظام الأسد في الملف السوري ووضع اللاجئين السوريين تحت رحمة الأسد، وعودة الإرهاب إلى المناطق المحررة في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، وتجاهل مشكلة الأمن القومي التركي من جهة أخرى.

وهذا يعني أيضًا بدء تنفيذ سيناريوهات قذرة بالنسبة للمنطقة.

اقرأ المزيد
١ مايو ٢٠١٨
سورية وطن مرغوب وشعب مغلوب على أمره

 هل ستبقى سورية بحدودها وشعبها كما كانت؟ سؤال مشروع طُرح، ويطرح، باستمرار من قبل السوريين وغيرهم، وذلك في ضوء المتغيّرات والتعقيدات التي تُجرى وتتراكم تباعاً في الساحة السورية، هذه الساحة التي باتت ميداناً لتحرّك القوى الإقليمية والدولية بصور مكشوفة بعد إزاحة الفصائل العسكرية بتوجهاتها ومشاريعها المختلفة عن المشهد، لتصبح كتلة رديفة تعمل تحت إمرة القوى المشار إليها، وذلك بحسب الولاءات التي لم تعد خافية على أحد.

وهذا فحواه أننا بدأنا نقترب من مرحلة تثبيت أحجار حدود مناطق النفوذ التي ستكون على الأغلب مشاريع لتقسيم غير رسمي لسورية بين كيانات، أو أقاليم، عدة، باتت ملامحها شبه واضحة سواء في الجنوب، أم في القسم الغربي، أم الشمالي الغربي، وأخيراً في الشمال الشرقي.

ويبدو أن التوافقات قد تمت على الإطار العام لخطة ما زالت في حكم المجهول بالنسبة إلى السوريين. غير أن متابعة التطورات والتصريحات والتموضعات، توحي بوجود صيغة من صيغ التفاهم والتكامل بين مختلف الأطراف. فما جرى في الغوطة الشرقية، وما يجري راهناً في القلمون وجنوب دمشق، ليس بعيداً كما جرى في منطقة عفرين، وربما عما سيجري في ادلب وريف كل من حماة وحلب.

كما أن الترتيبات التي تجري في منطقة شرق الفرات، والتصريحات الأميركية المتلاحقة المتباينة بخصوص الانسحاب والتريث، والحديث عن إدخال قوات عربية إلى المنطقة الشرقية، والصمت المتفق عليه حول المنطقة الجنوبية الي لا يمكن ترتيب أمورها بمعزل عن تفاهم أميركي- روسي- إسرائيلي- أردني.

هذا إلى جانب بعض التصريحات الروسية ذات العلاقة باحتمالية تقسيم سورية التي تطفو على السطح من حين إلى آخر، وربما أهمها التصريح الأخير لنائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف.

وتجدر الإشارة أيضاً في هذا السياق إلى بعض التصريحات التي صدرت عن دي ميستورا في مناسبات عدة، وهي تصريحات أعطت انطباعاً بأن خيار التقسيم ليس مستبعداً، لا سيما في ظل أجواء عدم وجود إرادة دولية حقيقية لمعالجة الموضوع السوري بصورة واقعية ممكنة، بل ما نراه هو ما يتمثّل في تعددية المسارات التي من الواضح أنها تنسجم أكثر مع احتمالية التقسيم بين كيانات نفوذ، تعمل كل جهة على تحسين مواقعها ضمن الكيان الذي ستشرف عليه.

وعلى الأكثر لن تكون هناك مشكلات كبرى في منطقتي الشمال الغربي والجنوب، وذلك على عكس المنطقة الأوسع في القسم الغربي من سورية التي سيتقاسمها النظام مع كل من روسيا وإيران. فالنظام، الذي يعرف تماماً أنه استمر بفعل الدعم المستمر من جانب حليفيه اللدودين، يدرك جيداً أن القرار السيادي لم يعد في متناوله، وأنه قد بات الواجهة التي تغطي الحسابات الروسية والإيرانية. ولن يكون من السهل بالنسبة إلى هذا النظام أن يوفّق بين المتطلبات الروسية والإيرانية، لذلك فمن المتوقع أن تكون هناك تصدعات بين أجنحته المختلفة بمجرد انتهاء العمليات العسكرية القيصرية، وذلك تبعاً للولاءات والأولويات.

أما بالنسبة إلى كل من روسيا وإيران، فلكل طرف أهدافه، التي قد تتقاطع حيناً بصورة مرحلية، ولكنها على المدى البعيد متفارقة. فروسيا تريد عبر سورية حضوراً قوياً في الشرق الأوسط. وهي تدرك جيداً أن حضوراً كهذا لا يمكن أن يستند إلى العلاقة الوطيدة مع إيران وحدها، بل لا بد من بناء العلاقات مع القوى الإقليمية الأخرى، مثل تركيا وإسرائيل والسعودية ومصر، الأمر الذي سيتعارض عاجلاً أم آجلاً مع المشروع الإيراني. أما عن آفاق هذا التعارض، ومآلاته المرتقبة، وإمكانية احتوائه، فكل ذلك يتوقف على نتائج طبيعة وحدود الدور الأميركي، الغربي، في سورية والإقليم عموماً.

أما المنطقة الشرقية، أو الشمالية الشرقية، الخاضعة للنفوذ الأميركي بالتنسيق مع قوات سورية الديموقراطية، التي تشكل قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، فهي الأخرى لم تتبلور ملامحها النهائية بعد. ولكن الذي يُستشف من السياسات والتصريحات الأميركية هو أنها لن تكون منطقة لمشروع «دولة كردية» كما يُروج هنا وهناك لكسب نقاط سياسية من جانب هذه القوة أو تلك، أو حتى الحصول على المزيد من التأييد على صعيد السياسة الداخلية. فالمنطقة في الأساس مختلطة، وقد تراجع فيها الوجود الكردي نتيجة الهجرة الواسعة، وهذا معناه أن أي مشروع أميركي في المنطقة سيعتمد على صيغة من العلاقة الإدارية بين المناطق الكردية في شمال الجزيرة السورية وصولاً إلى كوباني/ عين العرب، والعربية السنية جنوباً، الأمر الذي ربما يطمئن تركيا، ويبعد منها هاجس الانفصال الكردي، وربما هذا ما يفسر المطالبة الأميركية بقدوم قوات عربية إلى المنطقة لتتولى مسؤولية الإشراف عليها، والدفاع عنها. وقد تُعتمد صيغة مشابهة في العراق أيضاً على صعيد العلاقة بين الكرد والعرب السنة، وذلك في إطار عملية إعادة هيكلة شاملة للمنطقة على صعيد الكيانات والعلاقات في ما بينها، والمعادلات التوازنية، وضبط عملية ترسيم الحدود الجديدة، وقواعد التعامل.

ونحن لا نذيع سراً إذا قلنا إن محنة السنوات السبع التي عاشها السوريون في مختلف المناطق قد أضعفت النزعة الوطنية لدى أوساط واسعة منهم، لا سيما أولئك الذين تعرضوا لبطش النظام ومجازره، وقصفه إياهم بكل أنواع الأسلحة، وارتكابه كل الجرائم بحقهم. فهؤلاء إذا ما خُيروا بين البقاء في ظل حكم بشار الأسد بعد كل الذي حصل، وبين التبعية لهذه الجهة الأجنبية أو تلك مقابل ضمان الحد الأدنى من الاستقرار الأمني، فالغالبية الغالبة ستفضل، ومن دون أي تردد، الخروج من دائرة نفوذ آل الأسد.

وما يرجّح كفة هكذا خيارات صعبة هو عدم وجود قوة وطنية منظمة متماسكة، تطرح برنامجاً مطمئناً لجميع السوريين، وتمتلك شعبية واضحة مؤثرة في مختلف المناطق السورية، ومن جانب سائر المكوّنات المجتمعية السورية.

وعلى رغم جهود كثيرة بذلت، وتبذل، هنا وهناك لإيجاد هكذا قوة، فإنه لم يتم التوصل بعد إلى المطلوب حتى الآن لاعتبارات عدة، منها نخبوية تلك الجهود، أو اقتصارها على وسط معين، أو عدم قدرة أصحابها على القطع مع المنظومة المفهومية التي رسختها في أذهانهم سلطة الاستبداد على مدى عقود. فما زال الكثير ممن يعلنون انحيازهم للمشروع الوطني السوري، ودعوتهم إليه، يصرّون على المفاهيم الماضوية من قومية أو دينية، ويكتفون بالمجاملات الخاوية في سياق تعاملهم مع قضايا جادة، تستوجب رؤية واضحة، وممارسات ملموسة تعزز الثقة.

إن غياب البديل الوطني المقنع، يزيد في حظوظ بقاء بشار الأسد كواجهة للتغطية على كل ما يخطط لسورية. وإذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال من دون أي اختراق فاعل، فليس من المستبعد أن نكون بعد حين أمام «أجنة» تكون مستقبلاً مشاريع سوريات عدة بنكهات الدول المعنية.

اقرأ المزيد
١ مايو ٢٠١٨
تلازم المسارين: طرد الفلسطينيين من سوريا والسوريين من لبنان

باستثناء الأمم المتحدة التي أعربت عن قلقها على آلاف المدنيين المحاصرين منذ سنوات في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق، وبيان أصدره كتاب وناشطون فلسطينيون وعرب، عن تدمير روسيا والنظام السوري المبرمج للمخيم، فإن لا صوت آخر انتبه لهذه الواقعة ولمعناها الكامن، وهو تصفية أكبر مخيّمات سوريا وأشهرها وقتل وتشريد من بقي من أهله في أصقاع العالم.

للنظام السوري تاريخ طويل في استهداف المخيمات الفلسطينية وتدميرها، بدءاً من مخيمي تل الزعتر وضبية، اللذين جرى اجتياحهما بعد دخول جيش النظام إلى لبنان عام 1976، بالتعاون مع «الكتائب» اللبنانية، ومروراً بمخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة التي تعرضت لحصار وحشي وتدمير مبرمج خلال الأعوام 1985 ـ 1988، وليس انتهاء بتدمير مخيم نهر البارد شمال لبنان عام 2007، وتشريد سكانه عن بكرة أبيهم.

أحد أسباب تجاهل مصير مخيم اليرموك الكارثي، والذي كان أكبر مخيمات الفلسطينيين بأكثر من 400 ألف نسمة، أن المعركة تجري مع تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يحتلّ المخيم بتسهيل وتواطؤ من النظام نفسه، في تكرار لحدث مخيم نهر البارد الذي احتلته حركة «فتح الإسلام»، وهو سيناريو يبدو النظام السوري متخصصا في تأليفه وصناعته، ويعيد التذكير بتنظيمه لعمليات حشد وإرسال «الجهاديين» إلى العراق، وبإطلاقه لقادتهم من سجونه قبيل الثورة عليه عام 2011، فالألعاب الاستخباراتية هي أسّ عمل النظام ومناط اهتمامه الأول.

يضاف إلى ذلك طبعاً انشغال الفلسطينيين في الداخل بصراعهم الوجودي مع إسرائيل، وصراعاتهم الداخلية بين رام الله وغزة، وتواطؤ بعض القيادات العربية عليهم، ومحاولاتهم المستميتة الدفاع عن الأقصى والقدس، وحراكهم العظيم في مسيرات العودة والمظاهرات والاعتصامات، والاغتيالات والسجون، ومعاناتهم، وخصوصا في غزة، من الضيق الاقتصادي والحصار المتعدد الوجوه.

تتناظر هذه الجريمة الكبيرة ضد مخيم اليرموك مع الحملة المكثفة المستمرة من أركان الحكم اللبناني ضد اللاجئين السوريين، فرداً على مؤتمر بروكسل الذي نادى بالعودة الطوعية للنازحين ودمجهم في المجتمع وسوق العمل استشاط الرئيس اللبناني غضبا الذي وجد هذه الدعوة «تتعارض مع استقلال الوطن اللبناني» و«السيادة اللبنانية»، رافضا ربط عودة اللاجئين بالحل السياسي في سوريا أو ربط إعادة الأعمار بالحل نفسه، فيما قام صهره، وزير الخارجية جبران باسيل بمهاجمة «المجتمع الدولي» مطالبا إياه بوقف تشجيع السوريين على البقاء وبعدم إعطاء اللبنانيين «دروسا في الإنسانية».

الرئيس اللبناني لا يجد تعارضا مع استقلال الوطن اللبناني وسيادته أن جماعة بعينها، مثل «حزب الله»، تمتلك سلاحا يتفوق على سلاح الدولة نفسها، وتطوب قرارات هذه الدولة لصالح دولة خارجية، وتحرك قواتها الكبيرة خارج حدود لبنان حيثما تريد، فتصل كتائبها إلى أقاصي سوريا والعراق واليمن من دون أن تهتزّ شعرة سيادة واستقلال في رأس الرئيس وصهره.

والحقيقة أن دخول جيش النظام السوري، عام 1975، وما أعقبه من احتلال فعليّ للبنان، ومجازر كان الفلسطينيون هم هدفها الأول، وما تولّد عن ذلك الاحتلال من مصطلحات ساخرة كـ«تلازم المسارين»، هو الأب الفعلي لما حصل لاحقاً بعدها من مجازر في سوريا نفسها، ضد السوريين الذين هربوا بالملايين نجاة بأرواحهم، وضد الفلسطينيين الذين يدمّر النظام الآن آخر قلاعهم، وكذلك لما يحصل الآن أيضاً من وحدة الاتجاهات العنصرية والطائفية اللبنانية ضد النازحين السوريين، بعد أن قامت بدورها في إخراج الكيان السياسي للفلسطينيين من لبنان، ثم المشاركة في المجازر ضدهم والاستفراد بهم وحصارهم والتضييق عليهم.

تلازم المسارين بهذا المعنى، هو اتفاق المستبد الطاغية مع أركان العنصرية والطائفية ضد الفلسطينيين والسوريين، بعد مماحكات تاريخية طويلة على من له اليد الطولى في إبادة هؤلاء.

اقرأ المزيد
٣٠ أبريل ٢٠١٨
ترمب وزوبعته الاستعراضية.. هل هي مسرحية أم سياسة جديدة؟

ها هي زوبعة ترمب تدك معاقل نظام بشار في عمق دمشق لكن بعد إخلاء معسكرات النظام مسبقا! أعتقد أن هذه الضربة مسرحية لتصدير أزمات ترمب الداخلية إلى الخارج، على كل حال أخطأ من ظنّ أن التحشيد الأمريكي الأطلسي هو رد لاستخدام نظام بشار الكيمياوي في دوما فقط! فمنذ أيام أطالع التصريحات وآراء معاهد الدراسات الاستراتيجية حول العالم بخصوص الموضوع وتوصلت إلى ما يلي:

أولا: الكم الهائل للتحشيد الأمريكي والحلف الأطلسي إعلاميا وعسكريا واستعراض أحدث طائرات التجسس والغواصات النووية وحاملات الطائرات المتطورة ولأول مرة استخدام طائرة يوم القيامة الأمريكية كل ذلك مؤشرات وأدلة كبيرة لا تقبل الجدل على وجود نية جامحة لدى تلك الأطراف الدولية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لرسم خارطة نفوذ دولية جديدة في سوريا. حيث ذكرت وسائل إعلامية غربية ومنها صحيفة ديلي ميل البريطانية عن تحرك ما لا يقل عن 12 سفينة وبارجة عسكرية أمريكية باتجاه السواحل السورية في البحر الأبيض وهي واحدة من أكبر تجمعات القوة البحرية الأمريكية منذ غزو العراق في 2003.

وكذلك قالت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية أن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمرت يوم 11 إبريل المنصرم غواصات نووية تابعة للأسطول الملكي بالتحرك باتجاه البحر الأبيض المتوسط بحيث تكون على مسافة تتيح لها إطلاق صواريخ على سوريا وذلك استعداداً لتوجيه ضربات لجيش النظام السوري ويأتي ذلك متزامنا مع موافقة مجلس العموم البريطاني بضرورة ردع نظام بشار ومعاقبته لاستخدامه الأسلحة الكيميائية ضد شعبه!

النقطة الثانية: جميع محللي الغرب المحايدين وبالأخص الأمريكيين يرون أن هذه الحملة ليست ردا لكيمياوي دوما بل تحمل أبعادا استراتيجية بعيدة المدى فهي من جهة لتحجيم الدور الروسي كما حصل في البوسنة في تسعينيّات القرن الماضي حيث يترافق هذا التصعيد مع عقوبات اقتصادية إضافية فرضتها أمريكا والاتحاد الأوربي على روسيا، ويعتزم الكونغرس الأمريكي القيام قريباً بمعاقبة روسيا وتحجيم دورها في ملفات عدة، ويخطط للتصديق على مشروع قانون يتضمن حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية ضد موسكو. وحسب وسائل إعلام أمريكية أن حزمة العقوبات المقترحة ستشمل حظراً تاماً لأي تعاملات مالية بسندات الدين السيادية الروسية بالإضافة إلى منع التعامل بالأوراق المالية الصادرة عن مؤسسات مالية مهمة من ضمنها البنك المركزي الروسي والخزينة الاتحادية الروسية. يُضاف إلى ذلك عقوبات على العديد من البنوك الروسية منها سبير بنك غازبروم بنك وبنك موسكو. ومن المتوقع تطبيق حزمة العقوبات هذه في مدة لا تتجاوز الشهرين من تاريخ إقرارها.

ومن جهة ثانية تقزيم الدور الإيراني والقضاء على نفوذها المليشاوي في المنطقة عموما وفي سوريا خصوصا من خلال هجمات جوية محددة مسبقا تستهدف مقرات ومعسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في دمشق واطرافها حيث تعمل النظام الإيراني على توسيع نفوذه الإقليمي في سوريا على حساب القوى الإقليمية الأخرى من خلال جلب المقاتلين المرتزقة من مختلف الجنسيات وتدريبهم في هذه المعسكرات بدنيا وعقائديا ومن ثم تجنيدهم للقتال لصالح الولي الفقيه الإيراني. فكما هو معلوم أن ملالي طهران يعتمدون بالأساس على استخدام الكثافة البشرية والتلقيم الطائفي ومن ثم التضحية بهم كوقود حرب في أي عمل عسكري يقومون به حيث أن تشكيل هذه المجاميع لا تكلفهم الكثير من الأموال وبما انها بنيت على أسس عرقية وعقائدية يضمنون ولائهم المطلق والاعمى لهم! كما شهدنا ذلك في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. عندما كان يعتمد النظام الإيراني في هجماته على الزخم البشري بدل التكتيكات العسكرية والقوة النارية في جبهات القتال ولهذا كانت الخسائر البشرية الإيرانية فادحة جداً. واللافت أن معظم القتلى والأسرى الإيرانيين حينها وجِدَت معهم مفاتيح جنة وكُتيّبات موقّعة من خميني كصك ايمان للمرور من الصراط المستقيم!

النقطة الثالثة اللافتة للانتباه: روسيا سحبت معظم السفن الحربية والغواصات الاستراتيجية من قاعدة طرطوس البحرية باتجاه البحر بعيدا عن الميناء وهذا ما اثبتته صور الأقمار الصناعية التي عرضتها قناة فوكس الأمريكية وبقي الثقل الروسي متمركزا في قاعدة حميميم العسكرية فقط على ما يبدو أن هنالك تطمينات للروس بعدم استهدافها من جهة اخرى نشرت تقارير عن قيام النظام السوري واللجان الشعبية التابعة له بنقل معظم الطائرات والآليات العسكرية المهمة لنظام بشار إلى النقاط العسكرية التابعة للروس قبل وقوع الضربة والاهم من هذا وذاك الانباء التي تداولتها الكثير من الصفحات المؤيدة والموالية لنظام بشار والتي تشير إلى انسحاب قادة الصف الأول في الجيش السوري وكذلك في اجنحة المليشيات المرتبطة بإيران وحزب الله مع عوائلهم إلى مقرات خارج دمشق إلى حميميم ولبنان وبغداد وطهران وهنالك إشارات بهذا الخصوص منها: أن بعض المسئولين الروس أبدوا امتعاضهم من تكدس المدنيين في قاعدة حميم العسكرية وهنالك تصريحات موثقة بذلك.

النقطة الرابعة: تأكيد بعض المحللين وجود سيناريوهات لتقسيم النفوذ الغربي في سوريا بين قوات الحلف الأطلسي وأمريكا، وبما أن تركيا عضوة في الحلف الأطلسي تفاجأنا بعد القمة الثلاثية الناجحة التي عقدت في انقرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضيفيه بوتين وروحاني بطلب مفاجئ من كل من إيران وروسيا على حد سواء بضرورة الانسحاب التركي عن عفرين وأطرافها فوراً! وهذا الطلب المفاجئ لم يكن المقصود منه تركيا حصرا بل ردة فعل روسي إيراني مشترك تجاه الحلف الاطلسي !حيث في مؤتمر صحفي له في موسكو يوم 9 ابريل قال السيد سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا إن: أبسط طريقة لتطبيع الوضع في عفرين هو إعادتها لسيطرة دمشق. مؤكدًا: يجب على تركيا تسليم عفرين بعد انتهاء عملية غصن الزيتون !وأضاف: بعدما قال الممثلون الأتراك أن الأهداف التي تم تحديدها هناك تحققت ويجب إعادة تلك الأراضي إلى تحت سيطرة الحكومة السورية.

وجاء الرد التركي على لسان رئيس الجمهورية السيد رجب طيب أردوغان يوم 10 إبريل قائلا: يا سيد لافروف لست أنت من يحدد الانسحاب من عفرين نحن من يحدد هذا الوقت وليس أنت. وأكد أن تركيا تعلم جيدًا لمن ستعيد عفرين، مشيرًا إلى: تسليمها لسكانها عندما يحين الأوان. ودعا السيد رئيس الجمهورية أيضا إلى ضرورة الحديث أولًا عن تسليم المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الدول الأخرى إلى سوريا معتبرًا أن عبارة: أن النظام هو الذي فوض امر تلك المناطق إلى الدول الأخرى لا تطمئن تركيا. وفي اليوم الأول من قمة أنقرة نقل التلفزيون الإيراني عن روحاني قوله للرئيسين طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، إنه يجب تسليم السيطرة على منطقة عفرين التي سيطرت عليها القوات التركية والجيش الحر إلى قوات الأسد.

النقطة الأخيرة المهمة في هذا المقال والتي تتمحور حولها موضوع البحث والتحليل هو: الضربة وأهدافها! حيث صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تغريدته على تويتر قبل يوم واحد من الضربة: ليس شرطا أن تقع الضربة اليوم أو غدا أو قريبا بل ربما لا تقع أصلا. بمعنى أن التحشيد العسكري الأمريكي له أهداف طويلة الأمد وليس كما ظن الكثير أنه للرد على كيمياوي دوما فقط!

إذاً ما هي أسباب الزوبعة التي يحاول أن يفتعلها الرئيس الأمريكي في المنطقة؟ هل هي فعلا دفاعا عن حقوق الأطفال التي تقتلهم الآلة العسكرية للنظام وروسيا وميليشيات إيران المتغلغلة في المنطقة؟ أم إنها محاولة رد اعتبار والحفاظ على ماء الوجه أمام الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان من قبل نظم بشار؟ أم لغايات وأهداف وأطماع اقتصادية بعيدة المدى؟

اقرأ المزيد
٣٠ أبريل ٢٠١٨
فرصة ترمب وماكرون وميركل في الأزمة الإيرانية

أولئك الذين يريدون القضاء على الاتفاق النووي الإيراني، وأولئك الذين يبغون إصلاحه، قد يتغاضون سوياً عن وجود خيار ثالث قوي: ألا وهو إبقاء الاتفاق النووي طي النسيان.

ويعتبر 12 مايو (أيار) هو الميعاد النهائي المحدد للرئيس دونالد ترمب لاتخاذ القرار ما إذا كان سوف يجدد فرض العقوبات القاسية على إيران، والتي تم رفعها بموجب الاتفاق الذي كان يهدف إلى توفير الشفافية وفرض القيود المؤقتة على تطوير البرنامج النووي الإيراني.

ومن شأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ممارسة بعض الضغوط على الرئيس الأميركي بشأن الانتظار. ومن جانبه انطلق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى شبكة «سي بي إس» الإخبارية الأميركية للتهديد بأن إيران لديها خيارات «غير سارة» إذا ما جدد الرئيس ترمب فرض العقوبات. حتى جون أوليفر مذيع محطة «إتش بي أو» في أحد برامجها المتأخرة قد دخل على الخط؛ إذ سوف يخصص برنامجه الإعلانات على شبكة «فوكس» خلال الأسبوع الحالي لدعوة الرئيس الأميركي إلى الالتزام بالاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس السابق باراك أوباما. وكان مايك بومبيو وزير الخارجية قد صرح مؤخراً قبل تثبيته في منصبه من قبل الكونغرس، بأن خياره المفضل هو تعزيز، وليس إنهاء، الاتفاق النووي.

وهذا الاتفاق مهم من دون شك. غير أن هناك مسائل أخرى أكثر إلحاحاً من مصير الاتفاق النووي الإيراني - ومن بينها مصير النظام الحاكم في طهران. وينبغي لأي اعتبار يتعلق بإلغاء أو إبقاء الاتفاق النووي أن يشمل كيفية تأثير هذه الإجراءات على النظام الإيراني والمقاومة الإيرانية الداخلية المؤيدة للديمقراطية.

وهي من القصص السهلة التي يجب عدم تفويتها، ولكن منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما اندلعت الاحتجاجات في طول إيران وعرضها، واجهت الزمرة الحاكمة من رجال الدين في إيران سلسلة من الأزمات التي شكلت أبرز الأخطار وأكبرها على شرعية النظام الحاكم منذ اندلاع الثورة الإسلامية في البلاد في عام 1979.

ودعونا نبدأ بأزمة العملة. هناك بالفعل تهافت على المصارف الإيرانية. ولقد فقد الريال الإيراني ثلث قيمته الفعلية في عام 2018 الحالي في مقابل الدولار الأميركي. والدولار الأميركي الواحد يساوي نحو 60 ألف ريال إيراني في السوق السوداء الإيرانية اليوم. مع مقارنة ذلك عندما تسلم الرئيس حسن روحاني مقاليد الحكم في البلاد عام 2013 عندما كان الدولار الأميركي الواحد يساوي 36 ألف ريال إيراني فقط. ولقد كان ذلك قبل أن يعرض الرئيس السابق باراك أوباما أي تخفيف للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وعندما كان الاحتياطي النقدي ينفد بوتيرة سريعة للغاية من بين أيادي الحكومة الإيرانية.

وهناك أيضاً الأزمة البيئية في إيران. وذكرت وكالة «رويترز» الإخبارية الشهر الماضي، أن الكثير من الاحتجاجات قد اندلعت في البلاد بسبب الجفاف المستمر والاستجابة الحكومية الفاشلة للتصدي لهذه الأزمة. وكان المزارعون الإيرانيون يُطردون من أراضيهم. وشرع النظام الحاكم في اعتقال نشطاء البيئة في البلاد. وتبث الدولة الإعلانات التجارية مدفوعة الأجر التي تحث المواطنين على ترشيد استهلاك مياه الشرب.

وأخيراً، هناك أزمة في السياسة الخارجية. فقد كانت إحدى محفزات الجولة الأولى من الاحتجاجات الإيرانية في ديسمبر ويناير (كانون الثاني) الماضيين تسريباً للميزانية الرسمية في إيران، والتي أظهرت أن مليارات الدولارات قد تم تخصيصها لصالح الجيش الإيراني والحرس الثوري، الذي يباشر شن الحروب الدموية في سوريا واليمن، في حين أن معدلات البطالة الإيرانية بين الشباب مستمرة في الارتفاع والتفاقم. وذلك هو السبب في أن الكثير من المتظاهرين يرفعون اليوم شعارات تحض إيران على التركيز على مشكلاتها الداخلية بدلاً من زرع الاضطرابات والقلاقل في الخارج.

كل هذه العوامل أثارت نيران الاحتجاجات التي بدأت قبل خمسة أشهر تقريباً في إيران. كما أنها تفسر أيضاً سبب عجز النظام الحاكم في إيران عن تهدئة الاحتجاجات على نحو ما صنع في عام 2009، في أعقاب الانتخابات الرئاسية المزورة هناك، من خلال اعتقال النخبة الحضرية التي خرجت إلى الشوارع للاحتجاج، ثم اختفائها تماماً.

ولكن هذه المرة اندلعت الاحتجاجات بين مختلف طبقات وشرائح المجتمع الإيراني. ويشير علي رضا نادر، الخبير السابق في الشأن الإيراني لدى مؤسسة «راند»، إلى أن بعض المطلعين السابقين على مجريات الأمور مثل الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد يتوقعون انهيار النظام الحاكم الحالي في إيران. وأسفر صراعه الانتخابي في عام 2009 عن انفجار الانتفاضة الإيرانية قبل الأخيرة.

ولقد ترجم رضا نادر، عبر حسابه في «تويتر»، الأسبوع الماضي كلمات محمود أحمدي نجاد إلى أنصاره والتي سجلتها الخدمة الفارسية في هيئة الإذاعة البريطانية في اجتماع حاشد مؤخراً. وقال إن النظام الحالي يتصرف كما لو أنهم باقون في الحكم إلى الأبد. ليس لديهم فكرة عما يحدث من حولهم، ولا أرض راسخة تحت أقدامهم. والأحداث الجارية في إيران سوف تغير وجه العالم بأسره قريباً.

ولقد أخبرني رضا نادر هذا الأسبوع أنه لا يعتقد أن محمود أحمدي نجاد قد تغيرت معتقداته. بدلاً من ذلك، يتخذ لنفسه موضعاً جديداً لأنه يعلم تماماً أنه سوف تندلع اضطرابات عارمة وهو لا يريد أن يكون الرجل الذي يذهب كبش فداء الأحداث.

وهو ليس بمفرده في ذلك؛ إذ كتبت جينيف عبده إلى وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية الشهر الماضي تقول إن هناك نقاشاً مهماً واعتراضاً قوياً على اعتقال آية الله حسين شيرازي، الملا البارز الذي تحدى السلطة المطلقة للمرشد الإيراني علي خامنئي. وكما ذكرت في مقال آخر الشهر الحالي، أن المحامية الإيرانية في مجال حقوق الإنسان، شيرين عبادي، التي فازت بجائزة نوبل، تدعو إلى جانب نشطاء آخرين إلى تغيير أصلي في نظام إيران الحاكم من خلال الاستفتاء الشعبي الذي يخضع لمراقبة الأمم المتحدة، والذي من شأنه أن يقضي على منصب المرشد الأعلى تماماً.

اقرأ المزيد
٣٠ أبريل ٢٠١٨
المرأة السورية.. كشجر حبات النخيل

كلنا نعلم عن مدى رغبة وعشق المرأة بشكل عام أن تكون على مستوى مواز لمستوى الرجل، دائما ما نراها حريصة على أن تطالب بحقوقها التي تراها من وجهة نظرها بأنها ضائعة ومسلوبة منها، طالبت بالعمل، بمنزل، بأسرة، بكل شيء تراه لها لكن كلمة المرأة: ما معنى لفظ هذه الكلمة في مجتمعاتنا وخاصة السورية، كيف أصبح حال المرأة السورية؟؟
 
ما مقدار اجترار الحرب منك أشيائك وقدراتك، كنا سابقا نطالب حقنا من الرجال، من المجتمع ومن كل شخص ينقص ويبخس حقنا ونستشهد برحمة الإسلام بنا ولكن الآن الأمر مختلف حيث أصبحت المرأة السورية تطالب حقها من الحروب التي أخذت لها أغلى ما تملك (رجلها، طفلها، أسرتها، منزلها، تعليمها)..

المرأة السورية لم تعد هذه الكلمة ذات لفظ هين، أصبحت كمثقال ذرات الحديد على أكتافها وذرات حبات أمل على جبينها. كل ألفاظ المرأة من (مطلقة، أرملة، عانس، ناقصة تعليم) أصبحت من صفات المرأة السورية، كيف لهذه المرأة أن تتجاوز الحياة أن تكون مستمرة بحياة لا تليق بالحياة، عندما كنت أرى نساء قمن بعمل عظيم وجبار أتعجب بالسر الذي جعلها تحقق مستوى العظمة هذا، أهو من والدها أم من زوجها أم من مجتمعها، لكن: عندما أصبحت أشاهد امرأة سورية قدرت واجتهدت على فعل أمر عظيم لا أكتفي حينها بالتعجب، وإنما أندهش واستغرب من فعلها فعلآ، لأن الحرب أنهكت قوى المرأة السورية، كثير ما أصبحت أسمع من ألسن النساء السوريات: من المؤسف أننا أصبحنا نساء سوريات يا لهذا الحظ السيء لنا، ما هو جرمنا الذي ارتكبناه لنكون كما نحن عليه، أيتها الحياة دعيني أعيش آخذ حقي فقط بالحياة..

فالحرب لم تقتصر أثرها على أرضها وشعبها وإنما آثارها اجترت وتجاوزت لها عن حقوقها وأحلامها وأسرتها ..يعتريني سؤال: أتُرى ما سِر المرأة السورية؟؟ حتى من بعد اجترار الحرب لأحلامها بقيت بهذه القوة والصمود لمتابعة المشوار.. هل هذا الأمر جاء نتيجة تربية، أم إنها قدِرت أن تُخرج من الألم أمل، أم إنها تعويد على الصدمات والآلام ليس إلا؟ أشبه هذه المرأة السورية بشجرة حبات النخيل، نعم فهي تماما تشبه شجر حبات النخيل بقوتها وارتفاعها فهي لا تدنو من الفلاح بالرغم من إنها تعلم إن ثمارها سوف تُقطف.

حرب لسبع سنوات ماضية وحرب لسنوات لاحقة لا نعلم عددها أخذت حقيقة من المرأة مالم تأخذه من أحدٍ غيرها، وبرغم كل هذا لا زٍلنا نرى أشخاص يهاجمون المرأة بكل وحشية وعنف، يهاجمون روح أخذت الحرب منها الحياة كل آمالها بأسرة وزوج وأطفال واستقرار، كيف سنُفهم هؤلاء الأشخاص لأن المرأة أصبحت أقوى بكثير ما بعد حرب أخذت منها اسمها وأمنها وأمانها .ومن الغرابة أنني وجدت بعد اطلاعي على إحصائية النساء الأرامل بأحد المنظمات الإنسانية وجدته رقماً هائلاً كان أكثر من خمسة آلاف امرأة سورية مسجلة،
أتُرى ما ذنبهم، ما ذنب أطفالهم؟
كيف سيكن قادرين على مواجهة حياة صعبة هي أشبه بحرب موت على موت؟
ما هو مصيرهم، مجهولهم، أين تناثرت حبات نخيلهم، وبرغم هذا لا زلنا نراهم عصيات جبارات، يريدون الحياة لأجل اطفالهم وأحلامهم؟

لا أقصد أبداً بكلامي السابق أن أشد عضد المرأة، لكن القصد هو إظهار مدى أنصارها بمجتمع وحرب أنهك قواها، دعوة للرأف بهذا الكائن الذي لا يزال يتحدى الألم وينمو ما بين صخر وحُفر.. يا حربنا السورية خففي عواصفك على شجرة حبات النخيل هذه، اتركي لها طريقاً تسير به نحو حياة تليق بالحياة، فالحياة عند المرأة السورية أقوى وأبعد من أن يستبد بها شيء.

اقرأ المزيد
٣٠ أبريل ٢٠١٨
سورية أرض تجارب؟

كشف القيصر الروسي أخيراً حقيقة مفزعة وصادمة حين قال: «لقد اختبرنا أسلحة حديثة في سورية، وتأكد لدينا تفوقها وفاعليتها على أرض الواقع». لقد اعترف الرئيس بوتين بنفسه، بأحد أهم أسباب تدخله في سورية، إضافة الى الأسباب الأخرى المعروفه، ومنها إبراز قوة روسيا، وتأكيد وجودها على الساحة الدولية، ومواجهة أعدائها، على حساب دماء الشعب السوري وأمنه، والجميع يعلم جيداً أنه لولا تدخل روسيا المباشر وغير المباشر في هذا البلد، واستخدامها المتكرر الفيتو في الأمم المتحده لمواجهة كل القرارات الدولية التي تدين النظام وحلفاءه، في محاولة منها لإنهاء هذه المأساة التي تتفجر في كل يوم وساعة، عن ألف مأساة ومأساة، لكانت الأوضاع فيها غير ما هي عليه الآن، ولما بلغ حجم الدمار هذا الحد الفظيع والمروع.

من المؤلم والموجع أن يتناول جميع المحللين والمراقبين الدوليين، ومن ضمنهم عرب، الجوانب الأخرى في خطاب القيصر الروسي، من دون التطرق الى اعترافه الخطير هذا وفضيحته المدوية، وحتماً سيأتي في يوم ما من ينصف الشعب السوري ويقدم كل من شارك في استمرار مأساة العصر هذه إلى المحاكم الدولية لينال جزاء ما اقترفه بحق الشعب السوري. وسيكون لهذا الاعتراف الصريح أهميته ودوره في إحقاق الحق ودحر الباطل.

الشعب السوري ليس حقل تجارب، وهذا شأن داخلي ليس لأحد حق التدخل فيه، سواء كان من الدول الكبرى أم الإقليمية، وعلى الكل أن يغادر سورية كي يلتقي أهلها بعضهم مع بعض، ويتفقوا على صيغة ما لوقف نزف بحور الدماء هذه التي تواصلت لسبعة أعوام، وبات أكثر من نصف أبنائها بين قتيل وجريح ولاجئ ومهجّر.

حتى الهدنه الأخيرة تم الالتفاف عليها من قبل الرئيس الروسي، ولم تحقق أهدافها الحقيقية. ويبدو أن الوضع سيستمر على ما هو عليه من تعقيد وسط أزمات دولية، خصوصاً أن في الجانب الآخر من الكرة الأرضية زعيماً كبيراً آخر لم ينجح في وضع حلول منصفة وعادلة، لأي كارثة من كوارث العالم المتفجرة.

اقرأ المزيد
٢٩ أبريل ٢٠١٨
اختبار صعب ينتظر النظام الإيراني

ينشط المسؤولون الإيرانيون مؤخرا في الإكثار من التصريحات التي تشدد على مخاطر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.

ولا تقف هذه التصريحات عند حدود التحذير من التداعيات، بل تركّز أيضا على وجود خيارات إيرانية للرد على مثل هذه الخطوة.

تتراوح الخيارات الإيرانية وفقا للتصريحات الرسمية من الرد المحدود إلى الرد المفتوح، وذلك اعتمادا على طبيعة الخطوة الأمريكية والأضرار التي ستُلحقها بالجانب الإيراني.

الرئيس الإيراني حسن روحاني كان قد صرّح مؤخرا بأنّ "طهران لن تكون البادئة بنقض الاتفاق النووي، لكن على واشنطن أن تعلم يقينا بأنّها ستندم إذا ما كانت هي البادئة".

وفي نفس السياق، نقلت "رويترز" عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف قوله "إيران لديها خيارات عدة إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، رد فعل طهران على انسحاب أمريكا من الاتفاق سيكون مزعجا"، مضيفا بانّ هذه الخيارات جاهزة للتنفيذ وأنّ المسؤولين الإيرانيين سيتّخذون القرار المناسب في الوقت المناسب.

وفقا للمسؤولين الإيرانيين، فان من بين الخيارات المطروحة الانسحاب من الاتفاق والانسحاب من البروتوكول الإضافي لمنع الانتشار النووي، واستئناف الأنشطة النووية بسرعة.

رئيس منظمة الطاقة الإيرانية علي أكبر صالحي كان قد هدد بمتابعة الأنشطة النووية الإيرانية بشكل كامل.

في تحليل ردود الأفعال، يبدو الجانب الإيراني أكثر توترا، وذلك لأنّ الحكومة الإيرانية تقع تحت ضغوط متزايدة داخليا وخارجيا.

على الصعيد الداخلي، ينتظر المتشددون فشل الحكومة التي سوقت لنفسها من خلال الاتفاق النووي وذلك للانقضاض عليها، كما أن توقعات الجمهور الإيراني بدأت بالتراجع مع عدم ترجمة الاتفاق النووي إلى منافع اقتصادية تستفيد منها العامة.

على الصعيد الخارجي، يزداد الضغط الإسرائيلي مؤخرا وسط تهديدات قد تصل إلى حد استهداف مواقع داخل غيران بعد أن زادت تل أبيب من وتيرة استهدافها للمواقع الإيرانية في سوريا.

يبقى التحدّي الأكبر في هذه المرحلة بطبيعة الحال هو مواجهة الضغط الذي يحاول الرئيس الأمريكي ممارسته على طهران من خلال التهديد بالانسحاب من الاتفاق النووية. ومن المتوقع أن يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن في شهر مايو القادم، الأمر الذي يتطلب حسابات دقيقة من الجانب الإيراني.

    موقف الرئيس الفرنسي مؤخراً أثار عددا من التساؤلات حول مدى تماسك الجبهة الأوروبية فيما يبدو ترامب عازماً على تفتيتها.

وبالرغم من تأكيدات المسؤولين الإيرانيين على استعدادات النظام للرد على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، إلا أن السيناريو الأفضل -والذي يتمناه ربما- هو المماطلة على الأقل لبضعة سنوات قادمة إلى أن يتم تغيير ترامب، لكن لا يبدو أن الرئيس الأمريكي بصدد إعطاء إيران مثل هذه الفرصة.

مؤخرا أبدى وزير الخارجية الإيراني، انفتاح طهران على إجراء مفاوضات لمبادلة سجناء مع الولايات المتحدة إذا ما أظهرت إدارة الرئيس الأمريكي تغييرا في سلوكها على حد قوله. مثل هذا الموقف هو مؤشر على استعداد إيران لفتح خطوط اتصال وللجلوس على طاولة مفاوضات ليس حول الاتفاق النووي، على الأقل في البداية.

إذا ما تمّ إهمال الطرح الإيراني، فستكون طهران مضطرة أيضا للمراهنة على عدد من المعطيات الخارجية لعل أهمها رفض روسيا والصين للخطوة الأمريكية المحتملة، بالإضافة إلى تعويلها على تماسك الموقف الأوروبي الرافض للانسحاب من الاتفاق النووي.

لكنّ موقف الرئيس الفرنسي مؤخرا أثار عددا من التساؤلات حول مدى تماسك الجبهة الأوروبية فيما يبدو ترامب عازما على تفتيتها.

في جميع الأحوال، تخضع الحكومة الإيرانية لاختبار صعب، ولا تبدو في موقف جيّد هذه المرّة، لكن وكما كانت اللعبة دوما مع المجتمع الدولي، فان ايران لا تعتمد على خطواتها فقط، وإنما تحقق أكبر قدر من المكاسب من خلال استغلال تفرّق خصومها وتناقضهم وكثرة الأخطاء التي يرتكبونها.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)