إدمان الأطفال على الغراء: خطر يهدد صحتهم ومستقبلهم في سوريا
إدمان الأطفال على الغراء: خطر يهدد صحتهم ومستقبلهم في سوريا
● أخبار سورية ١٨ نوفمبر ٢٠٢٥

إدمان الأطفال على الغراء: خطر يهدد صحتهم ومستقبلهم في سوريا

يُعدّ إدمان الأطفال على مادة "الشعلة" من أبرز المخاطر التي تهدد صحتهم ومستقبلهم في عدد من المناطق السورية، إذ وثّقت صور ومقاطع فيديو متداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي مشاهد لأطفال يقومون باستنشاق هذه المادة، متأثرين بتداعياتها الصحية والجسدية الخطيرة.

ويُقصد بـ"الشعلة" في هذا السياق مادة لاصقة تحتوي على مذيبات طيارة يتم استنشاقها أحياناً بشكل خاطئ من قبل الأطفال، وليست مادة مخصصة للتعاطي البشري.

وفي تصريح خاص لشبكة شام الإخبارية، أوضحت ربى العيسى، الطبيبة المقيمة في اختصاص الداخلية الصدرية، أن الغراء هي مادة كيميائية سامة تنتمي إلى مجموعة المذيبات العضوية الطيارة، ويُستخدم لأغراض صناعية بحتة في عمليات اللصق، ولا يُعد بأي شكل مادة مخصصة للتعاطي البشري.

وأشارت العيسى إلى أن إدمان الغراء يُعد سلوكاً شديد الخطورة على الصحة الجسدية والنفسية، إذ يبدأ برغبة متكررة وشديدة في استنشاقه، حيث يمنح المتعاطي في بداياته شعوراً مؤقتاً بالنشاط والانتعاش، ثم سرعان ما يتلاشى هذا الإحساس ليبقى فقط الدافع الإدماني لتكرار الشم والحصول على المزيد.

وتحدثت العيسى عن المخاطر الصحية الخطيرة لاستنشاق مادة الغراء على الأطفال، موضحة أن لها تأثيرات فورية أبرزها: الدوخة، الصداع، الغثيان، فقدان التوازن، تشوّش الرؤية، وقد يصل الأمر إلى فقدان الوعي في حالات التعرض القوي والمباشر. كما تؤثر المادة بشكل مباشر على الجهاز التنفسي، حيث تسبّب تهيّج القصبات، وصعوبة في التنفس، وسعالاً متكرراً، وفي حالات التعرض المرتفع قد تؤدي إلى أضرار رئوية أشد خطورة.

وتابعت العيسى أن استنشاق الغراء يسبب تأثيرات عصبية وسلوكية طويلة الأمد، من بينها اضطراب الانتباه، ضعف الذاكرة، وتغيّرات سلوكية ومزاجية، مشيرة إلى أن التعرض المزمن للمواد الطيارة الموجودة في بعض أنواع الغراء قد يترك آثاراً عصبية دائمة. كما أن بعض مكونات الغراء قد تسبّب تسمماً كيميائياً، وأذى في الكبد أو الكلى، وترفع خطر الإصابة بأمراض مزمنة عند الاستخدام المتكرر والمكثف.

وأوضحت الطبيبة ربى أن هناك علامات قد تظهر على الأطفال بعد استنشاق مادة الغراء، تشمل علامات فورية يمكن ملاحظتها سريعاً مثل: الصداع، الدوار، الغثيان، التقيؤ، الارتجاف، النعاس الشديد أو حتى فقدان الوعي المؤقت. كما قد تظهر أعراض تنفسية تتمثل في سعال مستمر، ضيق في التنفس، صدور صفير أثناء التنفس، وتهيج في الحلق أو الأنف.

وأضافت أن التأثيرات العصبية والسلوكية تشمل صعوبة في التركيز، تهيجاً مفاجئاً، تقلبات مزاجية، نمط نوم غير طبيعي أو فرط نشاط، إضافة إلى تراجع في الأداء المدرسي أو الاجتماعي دون سبب واضح. وفي الحالات المتقدمة قد تظهر علامات جسدية خطيرة مثل اصفرار الجلد أو بياض العينين (ما قد يشير إلى مشكلات كبدية نادرة)، وآلام بطن مستمرة، ودوار متكرر بلا مبرر واضح.

وشددت الطبيبة ربى في حديثها لـ "شام" على ضرورة مراقبة الأهل لسلوك أبنائهم، موضحة أن هناك مؤشرات قد تدل على إدمان الأطفال لمادة الغراء، من أبرزها تغيّر السلوك اليومي، انخفاض المشاركة في الأنشطة المعتادة، تراجع مفاجئ في التحصيل الدراسي، الميل إلى العزلة الاجتماعية، أو مرافقة أقران يمارسون السلوك نفسه.

كما لفتت إلى وجود علامات مادية وبيئية قد تدق ناقوس الخطر، مثل العثور على عبوات الغراء مفتوحة، أو ملاحظة رائحة كيميائية ثابتة على ملابس الطفل أو في غرفته، وظهور بقع الغراء على الملابس أو اليدين، أو اختفاء كميات غير مألوفة من مادة الغراء من المنزل.

وأضافت أن بعض الأعراض الجسدية مثل: صداع متكرر، دوار عند العودة إلى المنزل، نعاس مفرط خلال النهار، أو سلوكيات تشبه حالة السُكر الكيميائي، كاختلال التوازن أو الكلام غير الواضح.

ومن بين الحلول التي اقترحتها الطبيبة للتعامل مع هذه المشكلة، البدء بتدخل تربوي وأسري يقوم على فتح حوار هادئ وغير اتهامي مع الطفل لفهم الدوافع وراء هذا السلوك، سواء كان بدافع الفضول أو ضغط الأقران أو للهروب من مشكلات معينة. وأكدت أهمية تقديم دعم أسري متواصل وتوجيه سلوكي بديل، من خلال إشراك الطفل في أنشطة إيجابية ومتابعته مدرسياً بشكل منتظم.

كما شددت على ضرورة اللجوء إلى تقييم وعلاج متخصص في حال وجود مؤشرات على الإدمان أو التعرض المتكرر، وذلك عبر تحويل الطفل إلى فريق طبي ونفسي متخصص يضم طبيب أطفال أو طبيب سموم وأخصائي صحة نفسية أو إدمان أطفال. ويهدف هذا التقييم إلى وضع خطة علاجية متكاملة تشمل التخلص من الاعتماد على المادة، وعلاج الأعراض الجسدية، وتقديم دعم نفسي وسلوكي للطفل ولأسرته.

وفي ختام حديثها، قدمت الطبيبة نصائح وقائية عملية للأهالي، تتمثل في تثقيف الطفل عن مخاطر الاستنشاق بأسلوب مبسط ومناسب للعمر، متابعة سلوكه دون تشنج، مراقبة الأصدقاء والأنشطة خارج المنزل، التعاون مع المدرسة لإبلاغ المعلمين بأي تغيّر ملحوظ في الأداء أو السلوك، وتهيئة بيئة منزلية آمنة من خلال تخزين المواد اللاصقة والمواد الطيارة في أماكن مغلقة والتخلص الآمن من الفائض منها.

الكاتب: فريق العمل - سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ